الفصل السادس: أنواع مختلف فيها من عقود الزواج

الفصل السادس

أنواع مختلف فيها من عقود الزواج

انطلاقا من القواعد التي ذكرناها في الفصل السابق، والمرتبطة بأنواع الشروط المقيدة للعقود ظهرت أنواع كثيرة من الزواج في العصور الإسلامية المختلفة، وربما ستظهر أنواع اخرى في المستقبل، وقد تباينت المواقف حول هذه الأنواع:

فهناك المواقف الميسرة، والتي تنظر إلى تحقيق أي نوع من هذه الأنواع لأي مقصد يخدم الأسرة بشرط توفر الأركان والشروط.

وهناك المواقف المتشددة التي ترى أن الزواج لايحقق مقاصده إلا إذا تم بالصورة المثالية التي هي الأصل في تشريع الزواج.

والموقف الأول يواجه الواقع، ويحاول أن يحل مشاكله.

والمواقف الثاني يريد أن يرفع الواقع، فلا يستسلم لما يعيشه من مؤثرات.

وانطلاقا من هذا سنحاول في هذا الفصل ذكر أكثر ما عرف من أنواع العقود في هذا المجال، وخاصة ما اشتهر منها، مع بيان الخلاف الواقع فيها ومحاولة الترجيح لما نراه خادما لمقاصد الشريعة في هذا الباب.

أولا ـ زواج المسيار

وهو من أنواع الزواج الحادثة([1])، وإن كان له في المجتمعات الإسلامية من القرون الأولى أسماء أخرى كـ (النهاريات والليليات)([2])، وقد عرض ابن قدامة إلى حالات تشابه هذا النوع من الزواج فعرض حالة لرجل تزوج إمرأة وشرط عليها أن يبيت عندها كل جمعة ليلة ؛ وآخر تزوج امرأة وشرط عليها أن تنفق عليه كل شهر خمسة أو عشرة دراهم وآخر يتزوجها على أن يجعل لها في الشهر أياماً معلومة([3]).

وسنحاول هنا ـ باختصار ـ أن نتعرف على هذا النوع من الزواج، ومواقف الفقهاء منه، لنصل إلى ما نراه من رؤية مقاصدية حوله.

1 ـ حقيقته

ربما يكون المسيار مشتقا من السير المعروف في اللغة العربية، وربما سمي به هذا النوع من الزواج لأن الرجل المتزوج بهذا النوع من الزواج يسير إلى زوجته في أي وقت شاء ولا يطيل المكث عندها، ولا يبيت، ولا يقر.

ويذهب البعض إلى أن كلمة مسيار كلمة عامية تستعمل في إقليم نجد في المملكة العربية السعودية بمعنى الزيارة النهارية ؛ وأطلق هذا الاسم على هذا النوع من الزواج لأن الرجل يذهب إلى زوجته غالباً في زيارات نهارية شبيهة بما يكون من زيارات الجيران ([4]).

ومن أهم مميزات هذا الزواج أن المرأة تتنازل فيه بإرادة تامة واختيار ورضا عن بعض حقوقها؛ قال الشيخ عبدالله بن منيع: (الذي أفهمه من زواج المسيار – وابني عليه فتواي – أنه زواج مستكمل الشروط والأركان، فهو زواج يتم فيه القبول والايجاب وكافة شروطه المعروفة من رضا الطرفين والولاية والاشهاد والكفاءة وفيه الصداق المتفق عليه ولا يصح إلا بانتفاء موانعه الشرعية وبعد تمامه تثبت لطرفيه جميع الحقوق المترتبة على عقد الزوجة من حيث النسل والإرث والعدة والطلاق واستباحة البضع والسكن والنفقة وغير ذلك من الحقوق والواجبات. إلا أن الزوجين قد اتفقا على أن يكون للزوجة حق في المبيت والقسم إنما الأمر راجع للزوج متى رغب في زيارة زوجته فله ذلك)

   وقد أشار الدكتور إبراهيم الحضيرى ([5]) إلى أن هذا الزواج معروف قديماً في المملكة العربية السعودية ويسمونه الضحوية بمعنى أن الرجل يتزوج امرأة ولا يأتي إليها إلا ضحى وهذا من قديم.

2 ـ حكمه:

من خلال استقراء الفتاوى المعاصرة حول هذا النوع من الزواج نجد قولين متقابلين أحدهما يقول بجوازه، والآخر يقول ببطلانه:

القول الأول: بطلان هذا النوع من الزواج

وهو رأي جماعة قليلة من العلماء مقارنة بالذين أجازوه، فمن المعاصرين الذين قالوا بعدم جوازه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حيث قال: (إن فيه مضارا كثيرة على رأسها تأثيره السلبي على تربية الأولاد وأخلاقهم) (2)

ومن الذين قالوا بعدم الاباحة الشيخ عبدالعزيز المسند المستشار بوزارة التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية وقد أوضح أنه ضحكة ولعبة ومهانة للمرأة ولا يقبل عليه إلا الجبناء من الرجال(3).

ومن الذين قالوا بعدم اباحة هذا الزواج الدكتور عجيل جاسم النشمي عميد كلية الشريعة بالكويت سابقاً حيث يرى أن زواج المسيار عقد باطل، وإن لم يكن باطلا، لأن فيه استهانة بعقد الزواج، وأن الفقهاء القدامي لم يتطرقوا إلى هذا النوع وأنه لا يوجد فيه أدنى ملمس من الصحة.

ومنهم الشيخ عبد العزيز المسند، المستشار بوزارة التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية والداعية المعروف بالمملكة، وحمل عليه بشدة وأوضح أنه ضحكة ولعبة ومهانة للمرأة، ولا يقبل عليه إلا الرجال الجبناء، فيقول: (زواج المسيار ضحكة ولعبة.. فزواج المسيار لا حقيقة له، وزواج المسيار هو إهانة للمرأة، ولعب بها.. فلو أبيح أو وجد زواج المسيار لكان للفاسق أن يلعب على اثنتين وثلات وأربع وخمس.. وهو وسيلة من وسائل الفساد للفساق… وأستطيع أن أقول: إن الرجال الجبناء هم الذين يتنطعون الآن بزواج المسيار)

ومنهم الدكتور محمد الزحيلي، وساق أدلته لهذا الرأي، فقال: (أرى منع هذا الزواج وتحريمه لأمرين: أولهما أنه يقترن ببعض الشروط التي تخالف مقتضى العقد وتنافي مقاصد الشريعة الإسلامية في الزواج، من السكن والمودة ورعاية الزوجة أولاً، والأسرة ثانياً، والإنجاب وتربية الأولاد، ووجوب العدل بين الزوجات، كما يتضمن عقد الزواج تنازل المرأة عن حق الوطء، والإنفاق وغير ذلك.. وثانيهما أنه يترتب على هذا الزواج كثير من المفاسد والنتائج المنافية لحكمة الزواج في المودة والسكن والعفاف والطهر، مع ضياع الأولاد والسرية في الحياة الزوجية والعائلية وعدم إعلان ذلك، وقد يراهم أحد الجيران أو الأقارب فيظن بهما الظنون.. ويضاف إلى ذلك أن زواج المسيار هو استغلال لظروف المرأة، فلو تحقق لها الزواج العادي لما قبلت بالأول، وفيه شيء من المهانة للمرأة)

ومنهم الدكتور محمد عبد الغفار الشريف، عميد كلية الشريعة الإسلامية والدراسات الإسلامية بالكويت، وفي ذلك يقول: (زواج المسيار بدعة جديدة، ابتدعها بعض ضعاف النفوس، الذين يريدون أن يتحللوا من كل مسئوليات الأسرة، ومقتضيات الحياة الزوجية، فالزواج عندهم ليس إلا قضاء الحاجة الجنسية، ولكن تحت مظلة شرعية ظاهريا، فهذا لا يجوز عندي- والله أعلم- وإن عقد على صورة مشروعة)

ومنهم الدكتور محمد الراوي- عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف. وفي ذلك يقول: (المسيار هذا.. ليس من الزواج في شيء لأن الزواج: السكن، والمودة، والرحمة، تقوم به الأسرة، ويحفظ به العرض، وتصان به الحقوق والواجبات)

ومنهم الدكتور جبر الفضيلات، والدكتور علي القرة داغي والدكتور عبد الله الجبوري والدكتور عمر سليمان الأشقر، وغيرهم.

وقد أورد المعاصرون من الأدلة على بطلان هذا الزواج:

  1. أنه لا يكفي في صحة عقد النكاح مجرد توافر الأركان والشروط الظاهرة، بل لابد من انتفاء الموانع والمفسدات، ولذلك حكم المحققون من الفقهاء ببطلان نكاح التحليل ولو لم يذكر فيه شرط التحليل، وأجمعوا على بطلانه إذا ذكر الشرط في العقد نفسه.
  2. أن في هذا الزواج تقليدا لليهود والنصارى في اتخاذ العشيقات مع الزوجات، كما قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: { وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} (النساء:25)
  3. أن العدل مقصد أساسي للشريعة في كل شيء، بل عليه قامت السماوات والأرض، وقام التشريع الإسلامي، ولذلك فحكم الله تعالى واضح فيمن لا يستطيع العدل بين الزوجتين أن يكتفي بواحدة، قال تعالى: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} (النساء:3)، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط)([6])
  4. أن النفقة والسكنى من حقوق الزوجة بنص قوله تعالى: { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } (البقرة:233)، وقوله تعالى: { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} (الطلاق: 7)، وقوله تعالى: { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ }(الطلاق:6)، فقد أثبت الله تعالى للمرأة حق النفقة والسكنى بصيغ متعددة آمراً بهما، وجعل ذلك من حدود الله تعالى التي لا يجوز تجاوزها، ومن تعدّاها فقد ظلم نفسه بارتكاب هذا المنكر.
  5. قول تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21)، وأي سكن ذلك الذي بُيِّتتْ له نيةُ الهدم، وأية مودة ورحمة تلك التي يكِنُّها من يعبث بشرف النساء ليستمتع بهن وهو لهنَّ خادع.
  6. أن أبغض الحلال عند الله الطلاق بنص الحديث النبوي الشريف، وقد وضع لإنهاء العلاقة الزوجية عند فشل جدوى باقي السبل، وهذا الزواج إن لم نقل أنه مبني على الطلاق فهو مآله المعلوم، فهؤلاء القوم لم يتزوجوا إلا ليذوقوا عسائل النساء، فهو استخدام غير شرعي للطلاق.
  7. أن هذا غشٌ للمرأة الحالمة بالبيت الهانئ المستقر، في ظل الزواج الشرعي الصحيح، فهذا الزوج قد غشَّها بزواج حدَّ له أمداً معلوماً قبل أن يكون وهي لا تدري به.
  8. أن هذا استغلال بشعٌ أناني للمرأة الغافلة العفيفة، التي لا تدري بأن هذا الزوج ما هو إلا ذئبٌ جاء لينهش لحمها ثمَّ يرميها هيكلاً محطماً ليعدوا على أخرى.
  9. أن هذا تشويهٌ لصورة الزواج الشرعي، الذي هو رباط قدسي، جعل الله فيه حماية للمرأة وصيانةً لها، وهذا التلاعب سيسقط هيبته عند الآباء وعند النساء، ويجعلهم يتوجسون الغدر في كل متقدمٍ للزواج. وزواج المسيار لا يتفق مع كرامة النساء، بما يجعلهن كالسلعة الرخيصة المخلوقة للاستمتاع الشهواني بعيداً عن المعاني السامية الكريمة التي يحملها الإسلام لهن، والأهداف النبيلة التي تصبو إليها شريعتنا الغراء.
  10. أن هذا تحايلٌ على ما حرَّم الله، وهو نفس أسلوب اليهود الذين حذَّرنا القرآن من اتباع خطواتهم، والذين رمَوا شباكهم يوم الجمعة ليلتقطوها يوم الأحد، ظانين بذلك أنهم قد تحايلوا على الله الذي حرَّم عليهم الصيد يوم السبت.
  11. أن المسيار لا يحل مشكلة العنوسة بحال؛ بل يزيد المجتمع تعقيداً ومشاكل أسرية وخصوصاً في مسألة الذرية. وقد أظهر استبيان في بعض البلاد التي تعمل بهذا النوع من الزواج أن غالبية النساء لا ينظرن إليه كحل، ولكن الحل يكمن في إزالة القيود الاجتماعية، والقبلية، والإقليمية، والقضاء على الفوارق الطبقية، وإزالة مظاهر الترف والبذخ والإسراف والتبذير التي تثقل كاهل الرجل وأهله، والتخفيف من المهور.
  12. أن العقد في هذا الزواج مقترن ببعض الشروط التي تخالف مقتضى العقد كشرط تناول المرأة عن حقها بالقسم والنفقة وهذه الشروط فاسدة وقد تفسد العقد.
  13. إن زواج المسيار مبني على الاسرار والكتمان والأصل في الزواج الاعلان.
  14. إن هذا الزواج يتنافى مع مقاصد الشريعة الإسلامية من الزواج كتحقيق السكن والمودة ورعاية الأبناء.
  15. إن هذا الزواج فيه مهانة للمرأة وتهديد لمستقبلها بالطلاق إذا طلبت المساواة في القسم والنفقة وفيه استغلال لظروفها.
  16. إن الله شرع لنا وسيلة أخرى غير هذا الزواج هو التعدد.
  17. إن هذا الزواج يترتب عليه الاضرار بالزوجة الأولى لأنه يذهب الى الزوجة الثانية دون علمها ويقضي وقتاً معها على حساب وقت الزوجة الأولى في المعاشرة.
  18. إن هذا الزواج ينطوي على كثير من المحاذير حيث قد يتخذه بعض النسوة وسيلة لارتكاب الفاحشة بدعوى أنها متزوجة عن طريق المسيار لذا يجب منعه سداً للذرائع.

القول الثاني: جواز هذا النوع من الزواج

ومن القدامى القائلين بإباحة ما يشابه هذا النوع من الزواج الحسن، وعطاء حيث كانا لا يريان بزواج النهاريات بأسا، وكان الحسن لا يرى بأسا أن يتزوجها على أن يجعل لها من الشهر أياما معلومة، وهو مذهب أبي حنيفة، قال الزيلعي: (ولا بأس بتزوج النهاريات، وهو أن يتزوجها على أن يقعد معها نهارا دون الليل)([7])

ومن المعاصرين الذين قالوا بإباحة المسيار بصورته الحالية الشيخ عبدالعزيز بن باز فقد أجاب من سأله عن زواج المسيار قائلا: (لا حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعاً وهي وجود الولي ورضى الزوجين وحضور شاهدين عدلين وسلامة الزوجين من الموانع لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفى به ما استحللتم به الفروج)(1). وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المسلمون على شروطهم)(2). فلا بأس بذلك بشرط اعلان النكاح(3).

ومن الذين قالوا بالجواز الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس إدارة البحوث العلمية والدعوة والارشاد، حيث أجاب من سأله عن حكم زواج المسيار بقوله: (إن هذا الزواج جائز إذا توافرت فيه الأركان والشروط والاعلان الواضح وذلك حتى لا يقعان في تهمة وما شابه ذلك)(4)

ومن الذين قالوا بالاباحة أيضا عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عضو الافتاء والدعوة والارشاد بالمملكة العربية السعودية حيث قال: (اعلم إن هذا الاسم مرتجل جديد ويراد به أن يتزوج الرجل امرأة ويتركها في منزلها ولا يلتزم لها القسم وهو جائز إذا رضيت الزوجة بذلك ولكن لابد من اعلان النكاح مع الاعتراف بها كزوجة لها حقوق الزوجات ولأولاده منها حقوق الأبوة عليه)(5)

ومن الذين قالوا بالاباحة الشيخ يوسف محمد المطلق، عضو الافتاء والدعوة والارشاد بالمملكة العربية السعودية حيث قال: (الزواج الشرعي هو ما تم فيه أركانه وشروطه، وأما الاشتراط بتنازل المرأة عن حقها في النفقة والقسم فهو شرط باطل والزواج صحيح، ولكن للمرأة بعد الزواج أن تصنع بشيء من حقها وذلك لا يخالف الشرع. وهذا الزواج قد يكون مفيدا لمن يعيش في ظروف خاصة كأم الأولاد تريد العفة والبقاء مع أولادها أو راعية أهل مضطر للبقاء معهم، وكذلك قد يترتب عليه مفاسد كأن تتخذه المرأة وسيلة للتحرر والفساد كما أن فيه ظلم للمرأة وانتقاص لحقوقها)

  وممن قال بجوازه الشيخ ابراهيم بن صالح القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض بالمملكة العربية السعودية حيث قال: (زواج المسيار شرعي وضروري في عصرنا الحاضر خاصة مع كثرة الرجال الخوافين ومع اشتداد حاجة النساء لزواج يعفهن، والتعدد أصل مشروع والحكمة منه إعفاف أكبر قدر ممكن من النساء فلا أرى في زواج المسيار شيئاً يخالف الشرع. وهو من أعظم الأمور في محاربة الزنا ومشاكله كمشاكل غيره من عقود الزواج)

وممن قال بجواز هذا النكاح مع الكراهة الشيخ عبدالله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية يقول: (إن هذا الزواج بهذا التصور لا يظهر لي القول بمنعه وإن كنت أكرهه واعتبره مهينا للمرأة،ولكن الحق لها وقد رضيت بذلك وتنازلت عن حقها فيه)

ومن الذين قالوا بجواز هذا النكاح مع الكراهة الشيخ سعود الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام حيث قال: (إن هذا الزواج يحقق الاحصان لكنه لا يحقق السكن والغالب فيه أن تكون المرأة هي المخاطب وبالتالي فهي تستطيع أن تحكم على ما تجنيه من فائدة)(1). واستدل على جوازه بأنه عقد مستكمل الأركان والشروط وأنه لا بأس بتنازل المرأة عن بعض حقوقها.

وأكثر علماء السعودية يفتون بهذا، ومن الذين قالوا بإباحته من غيرهم شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، فقد قال حين سئل عن زواج المسيار وأنه زواج يتم بعقد وشهود وولي، ولكن بشرط ألا يلتزم الزوج بالوفاء بالحقوق الواجبة عليه نحو الزوجة. فقال: (ما دام الأمر كذلك، فالعقد صحيح شرعا، وتم الاتفاق على عدم الوفاء بحقوق الزوجة، وهي رضيت بذلك فلا بأس، لأن الزواج الشرعي الصحيح قائم على المودة والرحمة، وعلى ما يتراضيان عليه، ما دام حلالا طيبا بعيدا عن الحرام)

ومن الذين قالوا بإباحته كذلك: مفتي جمهورية مصر العربية السابق الشيخ نصر فريد واصل حيث قال: (زواج المسيار مأخوذ من الواقع، واقتضته الضرورة العملية، في بعض المجتمعات، مثل السعودية، التي أفتت بإباحته. وهذا الزواج يختلف عن زواج المتعة والزواج المؤقت، فهو أي: زواج المسيار، زواج تام تتوافر فيه أركان العقد الشرعي، من إيجاب وقبول، وشهود، وولي، وهو زواج موثق، وكل ما في الأمر أن يشترط الزوج أن تقر الزوجة بأنها لن تطالبه بالحقوق المتعلقة بذمة الرجل، كزوج لها، فمثلاً لو كان متزوجاً بأخرى لا يعلمها، ولا يطلقها، ولا يلتزم بالنفقة عليها، أو توفير المسكن المناسب لها، وهي في هذه الحالة تكون في بيت أبيها، وتتزوج في بيت أبيها، ويوافق على ذلك، وعندما يمر الزوج بالقرية أو المدينة التي بها هذه الزوجة يكون من حقه الإقامة معها ومعاشرتها معاشرة الأزواج، وفي الأيام التي يمكثها في هذا البلد، ومن هنا لا يحق للمرأة- الزوجة- أن تشترط عليه أن يعيش معها أكثر من ذلك أو أن تتساوى مع الزوجة الأخرى)للكنه أضاف قائلاً: (ويمكن لهذه الزوجة أن تطالب بالنفقة عليها عند الحاجة إليها، رغم الوعد السابق بأنها لن تطالب بالنفقة)

ومن الذين قالوا بجوازه الشيخ يوسف القرضاوي، فقد قال: (أما موقف العلماء، فقد أشرت في مطلع هذه الكلمة إلى اختلافهم، شأن كل أمر جديد في مضمونه أو في شكله، وإن كنت أرى أن أكثر العلماء يجيزونه ولا يحرمونه)

ثم ذكر أنه في أواخر شهر ذي الحجة 1418هـ أواخر شهر أبريل 1998م انعقدت بالدوحة ندوة (قضايا الزكاة المعاصرة)، وشهدها أكثر من عشرين عالماً من خيرة الأمة وأهل الفقه فيها، (وقد أثرنا في إحدى سهراتنا موضوع (زواج المسيار)وكانت الأغلبية العظمى من الحاضرين مؤيدة لهذا الزواج، ولا ترى به بأساً، وترى فيه حلاً لبعض المشكلات الاجتماعية بطريق حلال، ولم يخالف في ذلك إلا اثنان أو ثلاثة، ومع هذا لم أسمعهم قالوا ببطلان العقد، ولا اعتبروا هذا الزواج كعدمه، وأن من ارتبطوا به قد فعلوا محرماً، كل ما قالوه: إنهم يخشون أن يكون ذريعة إلى مفاسد اجتماعية، فالأولى منعه سداً للذريعة.. ومعنى هذا أنه مباح في الأصل، ولكن إذا خشي من بعض المباحات أن تؤدي إلى ضرر وفساد، فإن منعها مطلوب وجوباً أو استحباباً، حسب مظنة الضرر، قرباً أو بُعداً، كبراً أو صغراً)

وقد رد الشيخ يوسف القرضاوي على بعض الاعتراضات المتوجهة لهذا النوع من الزواج، والتي نلخصها ونلخص إجابته عليها فيما يلي:

المسيار والزواج المثالي: وهذا الاعتراض ينص على أن زواج المسيار لا يحقق كل الأهداف المنشودة من وراء الزواج الشرعي، فيما عدا المتعة والأنس بين الزوجين، مع أن الزواج في الإسلام له مقاصد أوسع وأعمق من هذا، من الإنجاب والسكون والمودة والرحمة.

وقد أجاب الشيخ على هذا الاعتراض بأن هذا النوع من الزواج ليس هو الزواج الإسلامي المثالي المنشود، ولكنه الزواج الممكن، والذي أوجبته ضرورات الحياة، وتطور المجتمعات، وظروف العيش، وعدم تحقيق كل الأهداف المرجوة لا يلغي العقد، ولا يبطل الزواج، وإنما يخدشه وينال منه، كما قيل: ما لا يُدرك كله لا يُترك كله، والقليل خير من العدم.

وضرب أمثلة لعدم اكتمال مقاصد الزواج ـ مع الاتفاق على صحته ـ بمن تزوج امرأة عاقراً لا تُنجب، أو أن امرأة تزوجت رجلاً عقيماً، فهل يكون هذا الزواج باطلاً، إذ لا إنجاب فيه؟ أو أن رجلاً تزوج امرأة في سن اليأس لم تعد صالحة للحمل، فهل في ذلك مانع شرعاً؟ أو أن رجلاً تزوج امرأة (نكدية)كدرت عليه حياته، ونغصت عليه عيشه، ولم يجد معها سكينة ولا مودة ولا رحمة، هل يفسخ العقد بينهما بذلك؟

المسيار وقوامة الرجل: وهذا الاعتراض ينص على أن زواج المسيار يناقض ما قرره الله تعالى من حق الرجل في القوامية على المرأة، والمسؤولية عن الأسرة، لأنه لا ينفق على المرأة، ولا يتحمل تبعتها في السكنى والنفقة.

وقد أجاب الشيخ على ذلك بأن ما خص الله به الرجل من قدرة على التحمل والصبر على متاعب القيادة، ومسؤوليتها أكثر من المرأة، وأما الثاني فيكفي الرجل أن يدفع الصداق، حتى يقال: إنه أنفق من ماله، ولهذا يستحق القوامة بمجرد الدخول قبل بدء النفقة اليومية، فهذا وذاك كافيان في أن يكون الرجل قواماً ومسؤولاً، ولا يعني قبول الرجل تنازل المرأة عن النفقة أن يتنازل هو عن القوامة.

المسيار وزواج المحلل: وهذا الاعتراض ينص على أن زواج المسيار لا يختلف عن زواج المحلل الذي ذمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولعن فاعله.

وقد أجاب الشيخ على ذلك بأن هناك فرقا واسعا بين زواج المسيار وزواج المحلل:

فزواج المحلل زواج غير مقصود، بل هو قنطرة لغيره ليعبر عليها، لا هدف له في هذا الزواج ولا مقصد من ورائه، ولا صلة له بهذه المرأة، ولا تعارف بينهما قط، إلا أنه أداة لتحليلها شكلياً للزوج الأول، وهو مع ذلك غير دائم وغير مقصـود لذاته.

أما زواج المسيار، فهو زواج مقصود، تفاهم عليه الرجل والمرأة، وقصداه، بعد أن تعارفا واتفقا، وهو زواج دائم، ككل زواج يعمد إليه المسلم والمسلمة، فالأصل في الزواج هو نية الاستمرار والبقاء.

زيادة على أن زواج المحلل نفسه فيه خلاف كثير عند الحنفية وغيرهم، خصوصاً إذا أضمراه في أنفسهما، ولم يذكر في العقد، حتى في داخل المذهب الحنبلي نفسه يوجد خلاف.

المسيار والتعــدد: وهذا الاعتراض ينص على أنه لا حاجة للجوء إلى زواج المسيار، فعندنا تعدد الزوجات، وقد شرعه الله تعالى لنا بشرطه؟

وقد أجاب الشيخ على هذا بأن زواج المسيار لون من التعدد، فلا يتصور أن يدخل شاب الحياة الزوجية لأول مرة مسياراً، لماذا لا يقيم مع زوجته هذه مستمراً، ليلاً ونهاراً، إذا لم يكن له زوجة أخرى وبيت آخر؟

والواقع أن الذي يلجأ إلى هذا الزواج تكون له زوجة أولى، وله بيت مستقر، وفي الغالب له من زوجته أولاد، وتزوج هذه الزوجة الثانية ـ وربما تكون الثالثة ـ بهذه الصورة أو بهذه الطريقة، لحاجته إلى زوجة أخرى، كما يحتاج الرجل إلى الزواج الثاني، لسبب أو لآخر، ويجد المرأة الملائمة له فيتزوجها.

المسيار والكتمــان: وهذا الاعتراض ينص على أنه أن الغالب في المسيار هو الكتمان أو السرية، وهذا يضعف هذا النوع من الزواج، إذ الأصل في الزواج الإعلان.

وقد أجاب الشيخ على هذا بأن الكتمان والسرية ليست من لوازم زواج المسيار، فبعض هذا الزواج يتمتع بالتسجيل والتوثيق في المحاكم الشرعية والسجلات الرسمية، ويكفي حضور الولي أو إذنه بالزواج، فهذا كاف في تحقيق الحد الأدنى للإعلان.

على أن حرص بعض الناس على كتمان هذا الزواج عن أهليهم أو غيرهم ـ بعد توافر شروطه ـ لا يجعله باطلاً عند جمهور العلماء.

وقد سئل الشيخ في حلقة من حلقات (الشريعة والحياة)عن جواز إخفاء أمر زواجه من أخرى عن زوجته الأولى وهي شريكة حياته، وربة بيته؟

فقال: (إن الرجل في الأعصار الماضية كان يتزوج على امرأته جهاراً من زوجة أخرى وفق ما شرعه الله تعالى، ولا يكتم ذلك عن امرأته، بل كثيراً ما كان يشاورها فيمن يتزوجها، بل عرفت زوجات هن اللاتي خطبن لأزواجهن الزوجة الثانية، ولكن في زماننا تغير الحال نتيجة الاختلاط بالغرب، والتأثر بحضارته وثقافته، حيث يقبل تعدد الخليلات، ويرفض بعنف تعدد الحليلات، ونتيجة القصف الإعلامي الرهيب المتمثل في أجهزة الإعلام كلها، مقروءة ومسموعة ومرئية، ولاسيما المرئية حيث تشنع الأفلام والمسلسلات والتمثيليات والمسرحيات على التعدد وتبرزه في أسوأ مظهر.

وقد أثّر ذلك على عقول بناتنا ونسائنا أشد التأثير، بما يشبه غسل الأدمغة من مفاهيم الإسلام وقيمه وأحكامه، وأمست المرأة المسلمة ترى الزواج الثاني كأنه جريمة منكرة، بل بعضهن يرينه وكأنه حكم عليها بالإعدام، وقالت بعضهن: لأن يزني أهون عندي من أن يتزوج أخرى، وشاع المثل القائل: “جنازته، ولا جوازته”، ومن هنا رأى بعض الرجال من باب الإشفاق على امرأته الأولى ألا يفجعها بهذا النبأ، ويخفيه عنها ما استطاع، فكتمان ذلك من باب الحرص عليها)

المسيار والموقف الاجتماعي: وهذا الاعتراض ينص على أن الموقف الاجتماعي يتنافى مع القول بإباحة هذا الزواج.

وقد أجاب الشيخ على هذا الاعتراض بأنه لا عبر فيه بل العبرة بالموقف الشرعي، ففرق بين أن يكون الزواج مقبولاً اجتماعياً وبين أن يكون مباحاً شرعاً، فهناك زواج غير مقبول اجتماعياً، كأن تتزوج امرأة خادمها أو السائق، فهو اجتماعياً مرفوض ولا نحبذه، ولكن إن حدث بإيجاب وقبول وباقي الشروط، فهو مباح ولا عبرة بالموقف الاجتماعي.

المسيار والفقيرات: وهذا الاعتراض ينص على أن هذا الزواج قد يحل مشكلة العانس الموسرة، فكيف تفعل العانس الفقيرة التي لا مال لها؟

وقد أجاب الشيخ على هذا الاعتراض بأن عجزنا عن حل بعض المشكلات لا يجوز أن يكون عائقاً لنا عن حل مشكلات أخرى نجد لها حلاً، فحل مشكلات البعض أهون من ترك الكل.

انطلاقا من هذا، فقد ذكر أصحاب هذا القول الكثير من الأدلة على جوازه، نلخصها فيما يلي:

  1. أن العلماء أثبتوا للمرأة الخيار في القبول بزواج العنين والمجبوب الذي لا يستطيع الوطء حيث أن المرأة اسقطت حقها في الوطء الذي هو الهدف الأول من الزوا،ج وذلك قبل العقد ومعلوماً أن الوطء يترتب عليه النسل ألا يصح أن يقال بعد ذلك أن للمرأة حق في اسقاط ما هو أقل من الوطء وهو النفقة والمبيت والسكنى من أجل أن تحصل على زوج يعفها ويكون لها منه الولد.
  2. أن الفقهاء اتفقوا على أنه يلزم الزواج العدل في القسم بين الزوجات، ولكن للزوجة الحق في التنازل عن قسمتها لزوجها بدليل حديث هبة سودة بنت زمعة ليلتها لعائشة (3).
  3. أن زواج المسيار وإن كان فيه نوع من الاسرار والكتمان بالنسبة لما تعارف عليه الناس من الإعلان في الزواج العادي، ولكن اتفق الأئمة الثلاثة الاحناف والشافعية والحنابلة على أن الاشهاد يكفى للإعلان، وعلى ذلك فإن زواج المسيار باتفاق الائمة الثلاثة لا يعتبر سرا ووصفة بالسرية من باب التجاوز والكتمان يكون عن الزوجة الأولى، وإن ذلك الكتمان لا يؤثر في العقد عند جمهور الفقهاء خلاف للمالكية.
  4. أن زواج المسيار وإن كان يتنافى مع مقاصد الشريعة المرتبطة بالزواج المثالي كتحقيق السكن والمودة ورعاية الأبناء إلا أنه إن لم يتوفر للمرأة هذا النوع من الزواج هل تبقى المرأة بلا زوج أم تتزوج بقليل من السكن والمودة، قال القرضاوي: (إن هذا الزواج ليس هو الزواج الاسلامي المنشود ولكنه الزواج الممكن والذي أوجبته ضرورات الحياة وعدم تحقيق الأهداف لا يبطل الزواج إنما يخدشه)(1)
  5. أن هذا الزواج وإن كان فيه شيئا من المهانة للمرأة، ولكن المرأة هي التي تنازلت عن حقها فعليها أن تتحمل ما التزمت به.
  6. أن في هذا النوع من الزواج فيه مصالح كثيرة فهو يقلل من العوانس ويشبع الغريزة ويعالج قضية المطلقات والأرامل.
  7. أن هذا النوع من الزواج يسهم في حل مشكلات بعض العوانس والأرامل والمطلقات وصواحب الظروف الخاصة كما يسهم في اعفاف الرجل.
  8. أن هذا النوع من الزواج يساعد الزوجة الأرملة والمطلقة صاحبة الأبناء على تربية أبنائها والاهتمام بهم فقد لاحظ أن وجود الرجل في البيت مع المرأة ولو على فترات متفاوتة قد يساعد المرأة في ضبط سلوك الأولاد.
  9. أن هذا النوع من الزواج قد يساهم في مساعدة الشباب الذين يرغبون في الزواج ولا يملكون تكاليف الزواج العادي الباهظة.
  10. أن هذا النوع من الزواج قد يترقى الى الزواج العادي إذا حدث الوئام والوفاق بين الزوجين فيكون هذا الزواج طريقاً الى التعدد.
  11. أن هذا الزواج قد يشبع عاطفية المرأة ولو جزئياً وقد ترزق من زوجها بمولود.
  12. أن زواج المسيار يسهم في كسر حاجز عدم التعدد والابقاء على زوجة واحدة فيرجع الحكم فيه الى أن الأصل في الزواج التعدد لمن استطاع ذلك، وكذلك يسهم في ترابط المجتمع وكثرة النسل خاصة إذا كان هذا الزواج عند رغبة وصدق مع الله عز وجل.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة صحة هذا الزواج بشرط التراضي بين الطرفين، وأن يكون موثقا محافظة على حقوق المرأة وأولادها([8])، وهو مع ذلك أقرب للكراهة لمنافاته لكثير من مقاصد الزواج في أكمل صورها، ولكنه مع ذلك من الحلول التي قد تحد من انتشار الفواحش، خاصة في ظل الظروف التي تعيش فيها مجتمعاتنا.

وقد علل ابن قدامة اختلاف الآثار الواردة عن العلماء في ذلك بقوله: (ولعل كراهة من كره ذلك راجع إلى إبطال الشرط، وإجازة من أجازه راجع إلى أصل النكاح، فتكون أقوالهم متفقة على صحة النكاح وإبطال الشرط)([9])، وهو تعليل جيد للخلاف، لأن هذا الشرط غير ملزم، فيمكن للزوج بعد الزواج أن يحول النهارية أو الليلية زوجة كاملة كسائر الزوجات.

ثانيا ـ الزواج العرفي

ويتعلق به المسائل التالية([10]):

1 ـ حقيقة الزوج العرفي

بما أن هذا الزواج حديث النشأة، فإنا لا نجد له تعاريف في كتب الفقه القديمة، ومن التعاريف المعاصرة:

  1. هو اصطلاح حديث يطلق على عقد الزواج غير الموثق بوثيقة رسمية، سواء أكان مكتوبة أو غير مكتوب([11]).
  2. هو عقد مستكمل لشروطه الشرعية إلا أنه لم يوثق، أي بدون وثيقة رسمية كانت أو عرفية([12])
  3. يطلق الزواج العرفي على عقد الزواج الذي لم يوثق بوثيقة رسمية([13]).

ولعل سبب تسمية هذا الزواج بالزواج العرفي ترجع إلى أن هذا العقد مما اعتاد عليه أفراد المجتمع المسلم قبل أن يشترط أولياء الأمور توثيق عقد الزواج، (فلم يكن المسلمون في يوم من الأيام يهتمون بتوثيق الزواج، ولم يكن ذلك يعني إليهم أي حرج، بل اطمأنت نفوسهم إليه. فصار عرفاً عُرف بالشرع وأقرهم عليه ولم يرده في أي وقت من الأوقات)

والزواج العرفي مختلف عن الزواج السري، فالزواج العرفي هو مصطلح حديث رسخه قانون رقم 78 لسنة 1931 في مصر، حيث لم يعد من المعترف به قانونا: الزواج الذي يكون بغير وثيقة رسمية منذ ذلك التاريخ، وذلك إذا انكره صاحباه أو احدهما، وهو الزواج العرفي، مع أنه يستوفي شروط الصحة من العقد والولي والمهر والاعلان. وأما نكاح السر فمصطلح قديم عرضت له بعض كتب الفقه المتقدمة عرضا سريعا، ويعني افتقاد الزواج الاعلان الاجتماعي، اما بغياب الولي والشهود، أو بحضور شهود غير عدول يستكتمون.

2 ـ حكمه

اتفقت أكثر آراء الفقهاء المعاصرين على حرمة هذا الزواج، بل اعتباره نوعا من أنواع الزنا المقنع، بل سماه بعضهم (الزنا العرفي)، وقال: (هذه الظاهرة كارثة اجتماعية وانتكاسة أخلاقية ونتيجة طبيعية لعدم الرجوع إلى شرع الله. والتسمية الأقرب لها هي (الزواج السري)؛ لأن هذه العلاقة تتم سرا بعيدا عن عيون الأهل والأقارب، وأسميها (الزنا العرفي)، وليس الزواج العرفي)

وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بحرمة الزواج العرفي المستوفي أركانه، لأنه يفتقد شرط التوثيق، وما يترتب عليه من ضياع حقوق الزوجة والأولاد.

ويدل لهذه الفتوى ما يلي:

  1. النصوص الدالة على وجوب إشهار الزواج وإعلانه.
  2. وجوب طاعة ولي الأمر، لأن طاعته واجبة فيما ليس بمعصية ويحقق مصلحة والله يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } (النساء:59)
  3. أن الزواج العرفي تنتج عنه آثار اجتماعية سيئة أهمها ضياع حقوق الزوجة حيث أن دعواها بأي حق من حقوق الزوجية لا تسمع أمام القضاء إلا بوجود وثيقة الزواج الرسمية معها‏.. ‏ كما أن الأولاد الذين يأتون عن طريق الزواج العرفي قد يتعرضون لكثير من المتاعب التي تؤدي إلي ضياعهم وإنكار نسبهم‏.. ‏ وأن الزوجة قد تبقي معلقة لا تستطيع الزواج بآخر إذا تركها من تزوجها زواجا عرفيا دون أن يطلقها وانقطعت أخباره عنها.
  4. أن الزواج العرفي كثيرا ما يكون وسيلة للتحايل على القوانين كأن يقصد به الحصول علي منافع مادية غير مشروعة مثل حصول الزوجة علي معاش ليس من حقها لو تزوجت زواجا رسميا‏.. ‏
  5. المفاسد الكثيرة المنجرة عن هذا العقد، والتي تستدعي صرامة في سدها، والأحداث الواقعية الكثيرة تبين المخاطر التي جر إليها هذا النوع من العقود.
  6. لايرتب عن الزواج العرفي أي آثار قانونية تحمى الفتاه وتلزم الشاب بمسئولياته تجاهها.. فعدم توثيق العقد بشكل قانونى لايثبت النسب ولايحق للمرأة أي مستحقات مادية من نفقة أو نصيب من الميراث، والمشكلة الاكبر فى هذه الحاله هى فى عدم حق الأولاد في النسب، وقد بلغت عدد القضايا المروعة ـ في فترة من الفترات ـ أمام المحاكم الشرعية لاثبات النسب إلى حوالى 14000 قضية.
  7. ان المرور بتجربة الزواج العرفي تجربة مريرة، فالفتاه التى تقدم عليه ضائعة نفسياً تظل تلوم نفسها طوال العمر على مافعلته فى حقها، مرفوضة اجتماعياً فمن يرضى بها تكون زوجته وهى صاحبة تجربة يصفها البعض صراحة بأنها (زنا)إضافة الى ضياع الجيل الذى يولد من هذه الزيجات فمعظمهم لاينسب الى والده ويضطر اهل الفتاه الى كتابته باسم جده لامه فلايصبح معروفاً هل هو ابن الفتاه أو اخوها، وبعض الفتيات يقدمن على الانتحار عند علمهن بالحمل، أما الشاب المستهتر، فإنه يظل طوال عمره كما هو لا يشعر بطعم ومعنى دفء الاسرة.

الترجيح:

قد لا نستطيع تسمية ما سنذكره هنا ترجيحا بقدر ما يمكن تسميته اقتراحا، لأننا أمام ظاهرة خطيرة تكتسح المجتمعات الإسلامية، فلذلك كان الموقف منها لا يستدعي الفتوى الفقهية فقط، بل يستدعي كذلك تلمس السبل لعلاج هذه الظاهرة.

وقبل أن ندلي بما نراه من اقتراحات نحب أن نبين أن لهذا الزواج في الواقع ثلاثة أنواع، من خلالها يمكن الحكم عليه:

أما الأول، فهو المستوفي للأركان والشروط، مهما اختلف الفقهاء في ذلك، وهو مرادنا هنا في هذا الترجيح.

أما النوع الثاني، فيُكتفى فيه بتراضي الطرفين على الزواج دون أن يعلم بذلك أحد من شهود أو غيرهم، وهو ما تحدثنا عنه في محله من (الزواج السري)

أما النوع الثالث، فيكون فيه العقد محددا بمدة معينة كشهر أو سنة، وحكم هذا النوع هو حكم زواج المتعة الذي سنتحدث عنه في نهاية هذا الفصل.

انطلاقا من هذا فإن الكلام على حكم الزواج العرفي وكيفية التعامل معه يختلف بحسب الحالتين التاليتين:

الحالة الأولى: قبل الزواج

وفي هذا الحال ينبغي التشديد في بيان حرمة هذا النوع من الزواج، وهو ما تستدعيه المضار الكثيرة التي ذكرناها، لأن العلم بالحرمة وإشاعتها له تأثيره الكبير في الردع عنه.

ومع ذلك ينبغي البحث عن الأسباب المؤدية إلى هذا النوع من الزواج لحلها.

وقد كشفت دراسة علمية أجريت في مصر عن جملة من الأسباب الأسرية والاجتماعية تؤدي إلى إقدام الشباب خاصة طلاب الجامعات على الزواج العرفي، ومن تلك الأسباب:

  • أن هناك علاقة وثيقة بين التفكك الأسرى، وغياب القدوة واضطراب العلاقات بين طالبات الجامعة وغياب الوازع الديني وتحدي التقاليد والأعراف والآداب الاجتماعية من جهة وبين الإقبال على الزواج العرفي من جهة أخرى.
  • أنه من خلال دراسة الحالة النفسية والسمات الشخصية من خلال استمارة البحث التي قام بتحليلها مجموعة من أساتذة الطب النفسي تبين أن إقبال الشباب والفتيات على الزواج العرفي يرجع إلى عوامل نفسية عديدة أهمها: اضطراب البناء النفسي للشخصية، حيث يغلب عليهم الطابع العدواني، فهم ليس لديهم قيمة أخلاقية أو ضمير يحثهم على التمسك بالآداب والسلوك القويم بل يتصفون بالتمرد والاندفاع والتمركز حول الذات والتملك والأنانية، وعدم الصبر على تحقيق الآمال والطموحات، فهم يتعجلون إشباع حاجاتهم النفسية والمادية، دون النظر إلى عادات المجتمع، كما أنهم يفتقدون إلى القدوة والوازع الديني.
  • أن اختلال العلاقات الأسرية وافتقادها للثقافة والوعي والحوار الدافئ العائلي يجعل الأسرة مشتتة ومن ثم تصبح قرارات الأبناء منفردة نتيجة فشل الأبوين في التربية، فالزوج من جانبه لا يرى مسؤولية تقع على عاتقه سوى تدبير نفقات المعيشة، والأم تحاول توفير الواجبات المنزلية دون الاهتمام ببث القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية والثقافة والمعرفة وبناء الضمير للأبناء، وهو ما يؤدي إلى خلل في العاطفة وعدم النضج العاطفي، وقد يؤدي ذلك إلى انهيار المكون المعنوي للشاب أو الفتاة ويميل كلاهما إلى الانحراف والجموح إلى النزوات وتفريغ الكبت الداخلي بتعجيل إتمام العلاقة العاطفية، والتي تدعوهما عند كشفها إلى التضحية بالأبناء إما بالقتل أو الانتحار.
  • افتقاد الأمل في المستقبل لدى الشباب لارتفاع نسبة البطالة وانخفاض الحالة الاقتصادية مع ارتفاع تكاليف الزواج، وهي عوامل قد تساعد على ظهور أعراض اكتئاب (مؤقتة)قد تزول بزوال وانفراج هذه العوامل واحدة تلو الأخرى.
  • ما يحدث من اختلاط بين الذكور والإناث في مؤسساتنا التعليمية مع ما يصاحب هذا الاختلاط من الإثارة للوحش الكامن في الشباب بلبس الطالبات المثير من الملابس الضيقة الفاتنة، فتحولت محاريب العلم وتعلم الفضيلة إلى كرنفالات لعرض الأزياء، فلا يجد الشاب تجاه إرواء شبقه الجسدي المثار كل لحظة إلا أحد طريقتين: الأول: البحث عن بائعات الهوى والساقطات فينزلق إلى الفاحشة، والثاني: الزواج السري موهما نفسه والفتاه بشرعيته.
  • الظروف الاقتصادية والمادية التي تحول دون إقامة زواج شرعي وتوفير متطلباته من مهر وشقة وأثاث وغير ذلك.
  • الكبت والحرمان الثقافي إلي جانب الحرية غير المسئولة سواء في الأسرة أو المدرسة أو الجامعة وضعف التثقيف الديني الذي يقوم به الإعلام تجاه هذه المشكلة.
  • التناقض الواضح والازدواجية بين الرموز والقيادات الإعلامية والدينية نحو الاتفاق علي خطورة هذا النوع من الزواج علي المجتمع‏، ‏ مع الانفتاح الإعلامي أو التبعية الثقافية الإعلامية في ظل ثورة الاتصالات وانعدام الرقابة وزيادة البحث عن المجهول من المعرفة الجنسية‏.

الحالة الثانية: بعد البناء:

كما أن الحالة الأولى تستدعي التشدد وقاية من مفاسد هذا النوع من الزواج، فإن الحالة الثانية تستدعي بعض التساهل، لأن التعامل معها تعامل علاجي لا وقائي.

فالتعامل الأول كتعامل الشرطي الذي يحاول بث الأمن ولو بالحزم والشدة، أما الثاني، فيتعامل معاملة الطبيب أو الجراح الذي يحاول استئصال الداء، لا قتل المريض.

وانطلاقا من هذا، نرى ـ في حال البناء ـ الإفتاء بصحة الزواج بشرط قيام الزوجين بتوفير ما نقص من الشروط التي أخلت بالعقد، وأهمها شرط التوثيق([14]).

وقد أفتى كثير من العلماء بصحة الزواج العرفي المستوفي الشروط، ومنهم الشيخ حسنين مخلوف حين سئل عن حكم الزواج من غير توثيق فقال: (عقد الزواج إذا استوفى أركانه وشروطه الشرعية تحل به المعاشرة بين الزوجين، وليس من شرائطه الشرعية إثباته كتابة في وثيقة رسمية، ولا غير رسمية، وإنما التوثيق لدى المأذون أو الموظف المختص، نظام أوجبته اللوائح والقوانين الخاصة بالمحاكم الشرعية، خشية الجحود وحفظاً للحقوق، وحذرت من مخالفته، لما له من النتائج الخطيرة عند الجحود)

أما كيفية تلافي الأضرار الناتجة عن هذا النوع من الزواج، فإنا نرى أن لا تكتفي المحاكم بالنسبة للحقوق والآثار المترتبة على هذا النوع من الزواج إلى الوثائق الرسمية، بل تتحرى بكل الأساليب ـ كما تتحرى في الجرائم المختلفة ـ للتأكد من صحة حصول الزواج أو عدمها([15]).

أما بالنسبة للأولاد، فلا ينبغي التشدد في إثبات أنسابهم، خاصة مع التطور الكبير في القدرة على إثبات النسب انطلاقا من التحليل الجيني، خاصة وأن المدعى عليه محصور في الزوج.

وسنرى الأدلة الكثيرة التي تلزم ولي الأمر بالبحث عن السبل الكفيلة بإثبات الأنساب تخفيفا لآثار ما يحصل من أنواع العلاقات الشرعية وغير الشرعية.

ونحسب أن القوانين التي تتشدد مع هذا النوع من الزواج([16]) هي التي تقوم بنشره وتيسيره، لأن الشاب الذي يعلم أن ولده من هذا الزواج لن ينسب إليه، ولن تترتب عليه حقوق الزوجية، وفي حال الطلاق لن يترتب عليه ما يترتب من حقوق، سيجعله ذلك يتساهل في الإقدام عليه، أما لو كان الأمر عكس ذلك، فسيفكر ألف مرة قبل الإقدام عليه.

ولا ينبغي أن يتوهم من هذا أنا نخالف من ذكرنا من العلماء في حكم هذا النوع من الزواج، ولكنا نحاول تلمس العلاج لهذه الظاهرة الخطيرة.

فهي ليست ظاهرة محدودة في فرد أو فردين، بل هي تشمل قطاعات واسعة من (الشباب والكبار والفقراء والأغنياء والمتعلمين وغير المتعلمين، ‏ شباب الجامعات والعمال والموظفين ورجال الأعمال‏)

وقد ورد في إحصائية أعلنتها وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية كشفت أن 255 ألف طالب وطالبة في مصر اختاروا الزواج العرفي، أي بنسبة 17% من طلبة الجامعات البالغ عددهم 5. 1 مليون.

ثالثا ـ زواج الأصدقاء [الزوج فريند]

وأصل هذا النوع من الزواج ـ إن صح تسميته نوعا ـ هو فتوى، كانت في أصلها مجرد اقتراح من الشيخ عبد المجيد الزنداني للمسلمين في بلاد الغرب لمواجهة ضغط الواقع المنحرف الذي يعيشونه.

ولا بأس أن ننقل هنا أصل الفتوى، وأصل ما أثير حولها من ضجة([17]) قبل بيان حكمها الشرعي انطلاقا من القواعد التي ذكرناها في الشروط المقيدة للعقد.

يقول الزنداني: (زواج فريند.. جاءت عندما كنت أتحاور مع أحد الإخوة القادمين من أوروبا، فجاء ذكر حال الشباب وما يتعرضون له من ضغوط ومفاسد حتى لا يكاد الأب يسيطر على ابنه أو ابنته؛ لأن المجتمع ضاغط عليهم ضغطاً شديداً، بل يأتي الولد إلى بيت أبيه ومعه صديقته، والأب والأم يعلمان أنها صديقته وأنه يعاشرها، وكذلك الفتاة تحضر الشاب إلى بيتها على أنه صديقها، والصديق والصديقة قد يكونان من الشباب المسلمين.. فقال لي ذلك الأخ: (إن مشكلتنا هي (boy friend – girl friend)الصديق والصديقة)، فأنا قلت إن علاج المشكلة هي زواج فريند (Zawaj friend) وتستند أساساً إلى الأركان الواجب توافرها في الزواج الشرعي والمحددة بوجود المأذون والشاهدين وصيغة العقد والمهر المتراضى عليه، إضافة إلى ما يستوجبه من إشهار لعقد الزواج وإعلانه، وليس في هذه الشروط وجود منزل مع الزوج)

ثم توالت اللقاءات مع الشيخ بسبب هذا الرأي، وفي لقاء من لقاءاته أكد الشيخ الزنداني على أن قوله -أو مقترحه- لا يعدو أن يكون رأيا دعاه إلى استفتاء المجلس الأوربي للإفتاء فيه، وقال إنه يدرك مسبقا أن هذا الرأي لن يجد عند الناس قبولا سهلا، وأنه سيصطدم بعقليات اجتماعية وعلمية جامدة، كما سيواجه عادات وتقاليد معارضة.

غير أن وعي الشيخ الزنداني بحجم المشكلات التي يعاني منها شباب الأقليات المسلمة وأولياء أمورهم يدعوه إلى الجرأة في الصدع برأيه، دون أن يصل الأمر عنده إلى مستوى الفتوى.؛ ذلك أن للفتوى شروطا من بينها الإلمام بأحوال المعنيين بها إلماما جيدا، ومن هنا دعا إلى استفتاء المجلس الأوربي للإفتاء، المتخصص في دراسة أحوال المسلمين في أوربا، والإجابة عن أسئلتهم، وبيان الأحكام الشرعية في القضايا المطروحة عليهم.

لقد تحدث الشيخ الزنداني عن متابعته لمعاناة المسلمين في الغرب، فيما يتعلق بتربيتهم لأبنائهم، وللضغوط النفسية والأخلاقية التي يتعرض لها الشباب المسلم، في مجتمعات متحررة على مستوى العلاقات الثنائية بين الإناث والذكور، وعلى صعيد أنماط الصلات الجنسية السائدة بين أفراد المجتمع.

وقد أكد الشيخ الزنداني على أهمية انتباه المسلمين في الدول الأوربية لخطورة القضايا ذات الصلة بالعلاقات الاجتماعية والجنسية، حيث تشكل هذه القضايا في غالب الأمر -خصوصا بالنسبة للشباب- المدخل الرئيسي للشرور والانحلال الأخلاقي وضعف الوازع الديني.

في هذا السياق ذكر الشيخ بقاعدة التيسير التي يستند عليها الفقه الإسلامي، وبارتباط الفقه الإسلامي شرعيا وتاريخيا بخصوصية المكان والزمان، ومراعاة هذا الفقه للمتغيرات الجارية على حياة الناس، ومن هنا دعا إلى النهوض بما أصبح يعرف بـفقه الأقليات، والعمل الدءوب على تطويره.

كما قال الشيخ: إن التيسير في الفقه الإسلامي المعاصر ومسايرته لحالة نشوء الأقليات المسلمة في الغرب يقضي بتيسير الزواج أمام شباب هذه الأقليات إلى أقصى حد ممكن، دون إخلال -بطبيعة الحال- بشروط الزواج الشرعية المتعارف عليها، وذلك من باب مساعدتهم على اتقاء شرور الفتن المحيطة بهم من كل جانب.

ولتقريب الصورة أكثر قال الشيخ: (إنه بدلا من أن يدخل الشباب المسلم في الغرب في علاقات (بوي فريند) و(جيرل فريند) تأثرا بما هو سائد في محيطه الاجتماعي الغربي الغالب يجب أن تتاح له فرصة بناء علاقة زوجية ميسرة، أو ما يمكن أن يطلق عليه (زوج فريند)، وترجمته العملية أن يتزوج الفتى والفتاة دون أن يشترط امتلاكهما بيتا، فالبيت ليس شرطا شرعيا من شروط الزواج)

وعلى نحو لم يكن متوقعا أحدث رأي الشيخ الزنداني -الذي أصبح معروفا بفتوى (زواج فريند)ـ ضجة واسعة في العالم العربي والإسلامي، كان مردها الضجة الإعلامية التي أثارتها من حوله وسائل الإعلام العربية التي يبدو أنها قد وجدت في الرأي مصدرا للإثارة، وعنصرا لإحداث الجدل واستقطاب الجمهور.

ففي اليوم التالي لنشر الحوار أعادت جريدة (الشرق الأوسط) التي تصدر من لندن، وفي صفحتها الرئيسية الأولى، نشر خبر موسع عنه، مرفقا بصورة للشيخ الزنداني، قبل أن تتلقف إذاعة (بي بي سي) العربية القضية وتطرحها على الرأي العام في إطار ندوة على الهواء، استضافت لها عددا من الباحثين والعلماء، وأتاحت فيها مجالا لتعدد الآراء، كما خصص برنامج (للنساء فقط) الذي تبثه قناة (الجزيرة) حلقة خاصة لمناقشة المسألة، وما تزال وسائل إعلامية أخرى تثير القضية.

وقد كان لتناول وسائل الإعلام العربية بشكل واسع لرأي الشيخ الزنداني أثرا فعَّالا في إعطاء قضية اجتماعية حساسة -ترتبط بها قضايا أخرى لا تقل أهمية- حقها في التحليل والمناقشة، غير أنها في الوقت نفسه أحدثت انحرافين على أصل الرواية: أولهما أن الشيخ الزنداني قال رأيا وطلب فتوى المجلس الأوربي للإفتاء فيه، وثمة فرق بين الرأي والفتوى.

وثانيهما أن الشيخ قد خص مسلمي الغرب بالرأي، ولم يخص غيرهم من المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات مسلمة ولا يتعرضون لنفس الضغوط التي يتعرض لها أبناء الأقليات المسلمة في الدول الغربية.

وقد لاقت فتوى الزنداني ردود فعل متباينة ما بين التأييد والمعارضة منذ إصدارها كما ذكرنا، وربما يمكن تمييز موقفين رئيسيين من الفتوى:

الموقف الأول: وهو موقف التأييد للفتوى أو للرأي، بل رآها وسيلة للقضاء على المشاكل التي تواجه الأقليات الإسلامية بالغرب في ظل ظروف مجتمعية صعبة وتحديات جمة من أجل الحفاظ علي الهوية الإسلامية.. في ظل مجتمعات ينتشر فيها الانحلال والفساد وتفتقد القيم الإسلامية؛ لذا كان الزواج هو الحل ليخفف من تلك المعاناة بما يتناسب مع تلك المجتمعات، خاصة أن أركانه من الناحية الشرعية متوافرة..

الموقف الثاني: وهو موقف المعارضة للفتوى، وقد رأى أن الفتوى تعد ستارا وبابا خلفيا للفساد والانحلال الأخلاقي، ووصل الأمر إلى وصفها بالزنا المقنن، وأكدوا أنها باطلة لافتقادها شروط الزواج وأركانه الأساسية وتهديده لسلامة البناء العائلي من جهة ثانية.. بالإضافة إلى كونه يثير مشكلة الاحتكاك بين قيمنا الإسلامية والعربية الأصيلة والقيم السائدة في بلاد الغرب حول مسألة بالغة الدقة تتعلق بما هو حلال وما هو حرام في العقود والعهود التي تنظم علاقة الرجل بالمرأة..

الترجيح:

 نرى أن الأرجح في المسألة أن هذه الفتوى ـ في أصلها ـ لا تعدوا أن تكون تطبيقا من تطبيقات ما ذكرنا من أنواع الشروط المقيدة للعقد.

لأن شروط الزواج وأركانه تتوفر جميعا، وفي أرقى درجاتها، فهناك الولي والإعلان والصداق وكل ما ذكره الفقهاء.

وهو لا يختلف عن الزواج العادي إلا في كونه ـ وبسبب ظروف خاصة، لا يستطيع الزوج بسببها توفير مسكن خاص، وربما يكون ذلك لفترة محدودة ـ لا يتم فيه الدخول بالصفة العادية، بل تبقى الزوجة في بيت أهلها، وهو في بيت أهله، وتبقى علاقتهما كعلاقة الأصدقاء مع تأييدها بالزواج، حرصا على شرعية العلاقة وعلى التخفيف من آثارها السلبية.

وهو بذلك زواج عادي، بل هو زواج يتماشى مع مقاصد الشريعة من قمع الانحراف، ولذلك لا نرى قصره على الغرب، فللالتهاب الغرائز في الشرق ما في الغرب.

فلذلك يبقى حلا لأصحاب الظروف الخاصة، مثله مثل المسيار ومثل المتعة ومثل العرفي في حال تقنينه.

بل نرى أن لولي الأمر أن يقنن لهذه الأنواع جميعا، سدا لذرائع الانحراف، فلأن ينتشر هذا النوع من الزواج خير ألف ألف مرة من انتشار الفواحش والانحراف، وما ينشأ عنه من مشاكل اجتماعية ونفسية وصحية خطيرة.

وهذا من صميم دور الفقيه، فليس الفقيه من يقف مكتوف الأيدي يتربص ما يحصل ليحكم له أو يحكم عليه، بل الفقيه من يتبصر ما يمكن أن يحصل من شر ليسد منافذه، وما يمكن أن يحصل من خير ليتعهده بالرعاية والسقي.

رابعا ـ الزواج المؤقت

وهو من أنواع العقود التي ثار حولها جدل كبير بين بالسنة والإمامية، ولمناسبته لهذا الجزء، باعتبار الخلاف بين السنة والإمامية في الموضوع لا يعدو إضافة قيد الزمن كشرط من الشروط المقيدة للعقد، فقد ارتأينا أن نخص هذا الموضوع بهذا المبحث لثلاثة أسباب:

  1. السبب الأول نظري، وهو التحقيق في جوهر الخلاف بين السنة والإمامية في الموضوع، وهل يحتاج إلى كل تلك الردود من بعض أهل السنة، حتى اعتبر بعضهم زواج المتعة نوعا من الزنا.
  2. والسبب الثاني عملي، وهو حول واقعية هذا النوع من الزواج، فيصير بذلك حلا لكثير من المشاكل المعاصرة.

وأنبه إلى أننا في هذا المبحث خصوصا قد ننقل النصوص بطولها مبالغة في إثبات ما نستدل به، ولأن الكثير من المثقفين قد يستغربون بعض تلك النصوص من علماء السنة، مع الضجة المثارة حول هذا النوع من الزواج، والذي يعتبره الكثير من العامة الفيصل بين السنة والإمامية.

1 ـ تعريف زواج المتعة

عرف نكاح المتعة تعاريف مختلفة بحسب رؤية الفقهاء لهذا النوع من الزواج، ومن التعاريف في ذلك ما قاله ابن عبد البر: لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن المتعة نكاح إلى أجل، لا ميراث فيه، والفرقة تقع عند إنقضاء الأجل، من غير طلاق([18]).

لكن ما ذكره من عدم التوارث مسألة خلافية بين الإمامية، فلذلك لا يصح وضعه في التعريف، فمن أقوال الإمامية في المسألة: التوارث مطلقا، أو عدمه مطلقا، أو ثبوته مع عدم شرط عدمه، أو ثبوته في حال اشتراطه في العقد([19]).

وكثير من الفقهاء في تعريفهم لزواج المتعة لا يضع هذا القيد، فقد عرفه الشافعي بقوله: كل نكاح كان إلى أجل من الآجال قرب أو بعد، وذلك أن يقول الرجل للمرأة: نكحتك يوما أو عشرا أو شهرا، أو نكحتك حتى أخرج من هذا البلد، أو نكحتك حتى أصيبك فتحلين لزوج فارقك ثلاثا، أو ما أشبه هذا، مما لا يكون فيه النكاح مطلقا لازما على الأبد، أو يحدث لها فرقة([20]).

وعرفه في المغني بقوله: أن يتزوج المرأة مدة، مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهرا، أو سنة، أو إلى انقضاء الموسم، أو قدوم الحاج، وشبهه، سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة([21]).

ومن تعاريف الإمامية له ـ وهم المرجع الأصلي في هذا ـ: (وهو عبارة عن تزويج المرأة الحرّة الكاملة إذا لم يكن بينها وبين الزوج مانع من نسب أو سبب أو رضاع أو احصان أو عدّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية، بمهر مسمّى إلى أجل مسمّى بالرضا والاتّفاق، فإذا انتهى الأجل تبين منه من غير طلاق. ويجب عليها مع الدخول بها إذا لم تكن يائسة أن تعتد عدّة الطلاق إذا كانت ممّن تحيض وإلاّ فبخمسة وأربعين يوما)([22])

قال الشيخ جعفر السبحاني بعد إيراده للتعريف السابق: (وولد المتعة ذكراً كان أو اُنثى يلحق بالأب ولا يُدعى إلاّ به، وله من الارث ما أوصانا اللّه سبحانه به في كتابه العزيز. كما يرث من الاُم وتشمله جميع العمومات الواردة في الآباء والأبناء والاُمّهات وكذا المعمومات الواردة في الاخوة والأخوات والأعمام والعمّات)

ثم بين الفرق بين المتمتع بها والزوجة العادية بقوله: (وبالجملة: المتمتّع بها زوجة حقيقة وولدها ولد حقيقة ولا فرق بين الزواجين: الدائم والمنقطع إلاّ انّه لا توارث هنا ما بين الزوجين ولا قسم ولا نفقه لها. كما انّ له العزل عنها وهذه الفوارق الجزئية فوارق في الاحكام لا في الماهية والماهية واحدة غير انّ أحدهما مؤقت والآخر دائم. وانّ الأوّل ينتهي بانتهاء الوقت والآخر ينتهي بالطلاق أو الفسخ)

وبين بعض الأخطاء في تصورات بعض أهل السنة، فقال: (إنّ الجهل بفقه الشيعة أدّى بكثير من الكتّاب إلى القول أنّ من أحكام المتعة عند الشيعة انّه لا نصيب للولد من ميراث أبيه، وانّ المتمتَّع بها لا عدّة لها، وانّها تستطيع أن تنتقل من رجل إلى رجل إن شاءت. ومن أجل هذا استقبحوا المتعة واستنكروها وشنعوا على من أباحها.

وقد خفي الواقع على هؤلاء، وانّ المتعة عند الشيعة كالزواج الدائم لا تتم إلاّ بالعقد الدال على قصد الزواج صراحة، وانّ المتمتَّع بها يجب أن تكون خالية من جميع الموانع، وانّ ولدها كالولد من الدائمة من وجوب التوراث، والانفاق وسائر الحقوق المادية وانّ عليها أن تعتد بعد إنتهاء الأجل مع الدخول بها، وإذا مات زوجها وهي في عصمته اعتدّت كالدائمة من غير تفاوت، إلى غير ذلك من الآثار)([23])

2 ـ حكم زواج المتعة عند الإمامية

لا خلاف بين الإمامية في استمرار شرعية هذا النوع من الزواج، وقد استدلوا على ذلك بما يلي([24]):

من القرآن الكريم:

ما نص عليه قوله تعالى: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (النساء: 24)، فقد اتفق جمهور المفسرين على أن المراد به نكاح المتعة، وأجمع أهل البيت على ذلك، وروي عن جماعة من الصحابة منهم أبي بن كعب، وابن عباس، وابن مسعود أنهم قرأوا: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى)

ومن الوجوه التي أوردها الشيخ جعفر السبحاني للاستدلال بهذه الآية:

الوجه الأول: أن الحمل على النكاح الدائم يستلزم التكرار بلا وجه، لأن هذه السورة ـ سورة النساء ـ تكفّلت ببيان أكثر ما يرجع إلى النساء من الأحكام والحقوق، فذكرت جميع أقسام النكاح في أوائل السورة على نظام خاص.

الوجه الثاني: أنّ تعليق دفع الاُجرة على الاستمتاع في قوله تعالى: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنّ}(النساء:24)يناسب نكاح المتعة الّذي هو زواج مؤقّت لا النكاح الدائم، فإنّ المهر هنا يجب بمجرّد العقد ولا يتنجّز وجوب دفع الكل إلاّ بالمس.

الوجه الثالث: تصريح جماعة من الصحابة على شأن نزولها، فقد ذكرت اُمّة كبيرة من أهل الحديث نزولها فيها وينتهي نقل هؤلاء إلى أمثال ابن عباس وأبي بن كعب وعبداللّه بن مسعود وجابر بن عبداللّه الأنصاري وحبيب بن أبي ثابت وسعيد بن جبير إلى غير ذلك من رجال الحديث الذين لا يمكن اتهامهم بالوضع والجعل، وليس لأحد أن يتّهم هؤلاء الأعلام بذكر ما لا يثقون به. فبملاحظة هذه القرائن لا يكاد يشكّ في ورودها في نكاح المتعة.

الوجه الرابع: أنّ قوله تعالى: { أَنْ تَبْتَغُوا }(النساء:24))مفعول له لفعل مقدّر، أي بيّن لكم ما يحلّ ممّا يحرم لأجل أن تبتغوا بأموالكم، وأمّا مفعول قوله: (تبتغوا)فيعلم من القرينة وهو النساء أي تطلبوا النساء، أي بيّن الحلال والحرام لغاية ابتغائكم النساء من طريق الحلال لا الحرام.

الوجه الخامس: أن قوله تعالى: { محصنين } وهو من الاحصان بمعنى العفة وتحصين النفس من الوقوع في الحرام، وقوله تعالى: { غير مسافحين } هو جمع مسافح بمعنى الزاني مأخوذ من السفح بمعنى صبّ السائل، والمراد هنا هو الزاني بشهادة قوله تعالى في الآية المتأخّرة في نكاح الإماء: { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} (النساء:25)أي عفائف غير زانيات.

ومعنى الآية: انّ اللّه تبارك وتعالى شرّع لكم نكاح ماوراء المحرّمات لأجل أن تبتغوا بأموالكم ما يحصنكم ويصون عفّتكم ويصدّكم عن الزنا. وهذا المناط موجود في جميع الأقسام: النكاح الدائم، والمؤقت والزواج بأمة الغير، المذكورة في هذه السورة من أوّلها إلى الاّية 25.

الرد على دعوى النسخ:

ومن الردود التي ذكروها على ما نص عليه علماء أهل السنة من دعوى النسخ لحكم المتعة، وأن آخر أمرها آل إلى التحريم، ما يلي:

  1. أن دعوى نسخه لم تثبت، لتناقض الروايات بنسخه، فإنه روي عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نهى عن متعة النساء يوم خيبر)، وروي عن ربيع بن سبرة عن أبيه أنه قال: (شكونا العزبة في حجة الوداع فقال: استمتعوا من هذه النساء فتزوجت امرأة ثم غدوت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو قائم بين الركن والباب وهو يقول: إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع ألا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة)
  2. أنه من المعلوم ضرورة من مذهب علي وأولاده حلها وإنكار تحريمها بالغاية، فالرواية عن علي بخلافه باطلة.
  3. أن اللازم من الروايتين أن تكون قد نسخت مرتين، لأن إباحتها في حجة الوداع أولا ناسخة لتحريمها يوم خيبر ولا قائل به، ومع ذلك يتوجه إلى خبر سبرة الطعن في سنده، واختلاف ألفاظه ومعارضته لغيره.
  4. أن الجمهور رووا عن جماعة من الصحابة منهم: جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وابن مسعود وسلمة بن الأكوع وعمران بن حصين وأنس بن مالك أنها لم تنسخ.
  5. عن عطاء قال: قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال: (نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر)وهو صريح في بقاء شرعيتها بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير نسخ.
  6. أن تحريم بعض الصحابة، وهو عمر، تشريع من عنده، لأنه إن كان بطريق الاجتهاد فهو باطل في مقابلة النص إجماعا، وإن كان بطريق الرواية فكيف خفي ذلك على الصحابة أجمع في بقية زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجميع خلافة أبي بكر وبعض خلافة عمر، قال الشيخ حسين فضل الله: (وهذا يدل على أنه من التوجيهات الإدارية التي كان يصدرها انطلاقا من اجتهاده الخاص مما لا يكون ملزما للمسلمين في السير عليه من ناحية شرعية بعد أن كان ثابتا بأصل الشريعة، ولهذا رأينا بعض كبار المسلمين من الصحابة وغيرهم من قبله ومن بعده يمارسون هذا الزواج ويفتون به من دون أن يجدوا حرجا في ذلك)([25])
  7. أن ما يدل على تحريم عمر للمتعة من غير الرواية قوله في الرواية المشهورة عنه بين الفريقين: (متعتان كانتا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلالا أنا أنهى عنهما، وأعاقب عليهما)ولو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عنهما في وقت من الأوقات لكان إسناده إليه صلى الله عليه وآله وسلم أولى وأدخل في الزجر.
  8. قال علي بن أبي طالب – -: (لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي)، وروي أن رجلا من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء فقال: هي حلال فقال: إن أباك قد نهى عنها، فقال ابن عمر: أرأيت إن كان أبي قد نهى عنها وقد سنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أتترك السنة وتتبع قول أبي)
  9. أن الأخبار بشرعيتها من طريق أهل البيت بالغة، أو كادت أن تبلغ حد التواتر، لكثرتها.

الإجابة على شبه المخالفين:

أورد الشيخ جعفر السبحاني بعض ما بورده المخالفون كأدلة، باعتبارها شبها، ونحن نسوق هنا ما ذكره مع رده عليها([26]):

الشبهة الأولى: إنّ الهدف في تشريع النكاح هو تكوين الاُسرة وإيجاد النسل وهو يختصّ بالنكاح الدائم دون المنقطع الّذي لا يترتّب عليه إلاّ إرضاء القوّة الشهوية وصبّ الماء وسفحه.

وقد أجاب عنها بقوله: (ما ذكر انّما هو من قبيل الحكمة، وليس الحكم دائراً مدارها، ضرورة أنّ النكاح صحيح وإن لم يكن هناك ذلك الغرض. كزواج العقيم واليائسة والصغيرة. بل أغلب المتزوّجين في سن الشباب بالزواج الدائم لا يقصدون إلاّ قضاء الوطر واستيفاء الشهوة من طريقها المشروع، ولا يخطر ببالهم طلب النسل أصلا وإن حصل لهم قهراً، ولا يقدح ذلك في صحّة زواجهم، ومن العجب حصر فائدة المتعة في قضاء الوطر مع أنّها كالدائم قد يقصد منها النسل والخدمة وتدبير المنزل وتربية الأولاد والارضاع والحضانة)([27])

الشبهة الثانية: إنّ تسويغ النكاح المؤقت ينافي ما تقرّر في القرآن كقوله عزّوجلّ في صفة المؤمنين: { والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُون إلاّ عَلى أزْواجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ فَإنَّهُمْ غَيرُ مَلُومين فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَاُولئِكَ هُمُ العادُون} (المؤمنون: 5 ـ 7)، والمراد من الآية أن من ابتغى وراء ذلك، هم المتجاوزون ما أحلّه اللّه لهم إلى ما حرّمه عليهم، والمرأة المتمتّع بها ليست زوجة فيكون لها على الرجل مثل الذي عليها بالمعروف.

وقد أجاب على ذلك بأنّها دعوى بلا دليل، فانّها زوجة ولها أحكام وعدم وجود النفقة وعدم وجود القسم، لا يخرجانها عن الزوجيّة فإنّ الناشزة زوجة ليست لها النفقة وحقّ القسم. ومثلها الصغيرة. والعجب أن يستدل بعدم وجود الأحكام على نفي الماهية، فإنّ الزوجيّة رابطة بين الزوجين يترتّب عليها أحكام وربّما تختص بعض الأحكام ببعض الأقسام.

الشبهة الثالثة: إنّ المتمتّع في النكاح المؤقت لا يقصد الاحصان دون المسافحة، بل يكون قصده مسافحة، فإن كان هناك نوع ما من احصان نفسه ومنعها من التنقّل في دِمَنِ الزنا، فإنّه لا يكون فيه شيء ما من احصان المرأة الّتي تؤجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل.

وقد أجاب على ذلك بأنه من أين وقف على أنّ الاحصان في النكاح المؤقّت، يختص بالرجل دون المرأة، فإنّا إذا افترضنا كون العقد شرعياً، فكل واحد من الطرفين يُحْصن نفسه من هذا الطريق، وإلاّ فلا محيص عن التنقل في دمن الزنا. والّذي يصون الفتاة عن البغي أحد الاُمور الثلاثة:

1- النكاح الدائم.

2- النكاح المؤقّت بالشروط الماضية.

3- كبت الشهوة الجنسية.

فالأوّل ربّما يكون غير ميسور للكثير من الناس، وكبت الشهوة الجنسية أمر شاق لا يتحمّله إلاّ الأمثل فالأمثل من الشباب والمثلى من النساء، وهم قليلون، فلم يبق إلاّ الطريق الثاني، فيحصنان نفسهما عن التنقل في بيوت الدعارة.

3 ـ حكم زواج المتعة عند أهل السنة

يذكر الكثير من الفقهاء وقوع الإجماع من أهل السنة على حرمة زواج المتعة، وسنناقش حقيقة هذا الإجماع في محله من هذا المبحث، أما الأدلة التي يسوقها أهل السنة لتحريم زواج المتعة فيمكن تلخيصها فيما يلي([28]):

الإجابة على أدلة المخالفين:

معظم أدلة أهل السنة حول حرمة زواج المتعة تتركز حول الآية التي استدل بها المخالفون، وقد وجهوها توجيهين:

التوجيه الأولى: حمل الآية على معنى يوافق الزواج الشرعي العادي، وذلك ببيان أن الألفاظ الواردة في الآيات التي استدلوا بها وصياغتها تدل على الزواج الشرعي، فمن الألفاظ والصيغ التي تعلق بها المخالفون:

لفظ الاستمتاع: كما في قوله تعالى: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } (النساء: 24) أي في الزواج المشروع بدلالة سياق الآية، فهو المذكور في أول الآية وآخرها، فالله تعالى ذكر أجناسا من المحرمات في أول الآية في الزواج، وأباح ما وراءها بالزواج بقوله تعالى: { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ }(النساء: 24)أي بالزواج.

وفي قوله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ}(النساء: 25) ذكر الزواج لا الإجارة والمتعة، فيصرف قوله تعالى: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ }(النساء: 24)إلى الاستمتاع بالزواج.

لفظ الأجر: فقد صرفوا لفظ الأجر في الآية إلى المهر، فإن من أسماء المهر الأجر كما في قول الله تعالى: { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }(النساء: 25) أي مهورهن، وفي قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ }(الأحزاب:50)

تقديم الاستمتاع على الأجر: فالآية ذكرت الاستمتاع قبل الأجر، وهو ما يتنافى مع الزواج الذي يقدم فيه المهر على الاستمتاع، وقد أجابوا على ذلك بأن في الآية الكريمة تقديما وتأخيرا فكأنه تعالى قال: (فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم به منهن، أي: إذا أردتم الاستمتاع بهن، كقوله تعالى: { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ }(الطلاق: 1)أي إذا أردتم تطليق النساء.

وقد كان عمر بن الخطاب والحسن بن أبي الحسن يتأولان قوله تعالى: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } (النساء: 24) أنه إذا تمتع بالعقدة ثم طلقها فلها نصف الصداق، وإن وطئ فلها الصداق كله ولا جناح عليهما فيما تراضيا به من بعد الفريضة، فترك المرأة للزوج الصداق، وهو قوله: { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}(النساء: 4) فتعفو المرأة عن صداقها، أو يعفو الزوج عن النصف إن طلق قبل أن يطأها فيتم لها الصداق.

وقد نقل ابن عبد البر أن ما نقل عن عمر بن الخطاب هو مذهب جماعة من أهل العلم حملوا الآية على هذا المعنى، فقالوا: فما استمتعتم به منهن بالزواج والوطء، فآتوهن أجورهن وهو الصداق كاملا، وإن استمتعتم بالنكاح ولم تطئوا فنصف الصداق، فإن كنتم قد سميتم ذلك فريضة يقول أجورهن فريضة من الله عليكم ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، مثل قوله إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح([29]).

التوجيه الثاني: القول بنسخ الآية، وقد اختلفوا في الآية الناسخة، ومن الأقوال الواردة في ذلك:

  1. روي عن ابن عباس أن قوله تعالى: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } (النساء: 24)نسخه قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ }(الطلاق: 1)، وقرأ ابن عباس وأبي وإبن جبير: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن)ثم نهى عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
  2. عن ابن مسعود أنه قال: المتعة بالنساء منسوخة نسختها آية الطلاق، وعنه قال: المتعة منسوخة نسخها الطلاق والعدة والميراث([30])
  3. قال سعيد بن المسيب: نسختها آية الميراث، إذ كانت المتعة لا ميراث فيها.
  4. قالت عائشة والقاسم بن محمد: تحريمها ونسخها في القرآن، وذلك في قوله تعالى: { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5)إ ِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (المؤمنون5 ـ6)وليست المتعة زواجا ولا ملك يمين.

الأدلة النصية: وهي الأدلة التي يعتبرها أهل السنة نصا في تحريم المتعة، ومما استدلوا به لذلك:

  1. قوله تعالى: { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}(المؤمنون5 ـ6)، ففي هذه الآية حرم تعالى الجماع إلا بأحد شيئين، والمتعة ليست بزواج ولا بملك يمين فيبقى التحريم، وقد استدلوا على أن زواج المتعة ليست بزواج، أنها ترتفع من غير طلاق ولا فرقة ولا يجري التوارث بينهما.
  2. قوله تعالى في آخر الآية: { فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُون}(المؤمنون: 7)سمي مبتغي ما وراء ذلك عاديا، فدل على حرمة الوطء بدون هذين الشيئين.
  3. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ }(البقرة: 49)وقال تعالى:: { فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}(البقرة: 229)، وقال تعالى: { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}(النساء: 20)، وقد استدل الشافعي بهذه الآيات على حرمة زواج المتعة، قال: (فلم يحرمهن الله على الأزواج إلا بالطلاق فجعل إلى الأزواج فرقة من عقدوا عليه الزواج مع أحكام ما بين الأزواج فكان بينا – والله أعلم – أن زواج المتعة منسوخ بالقرآن والسنة، لأنه إلى مدة ثم نجده ينفسخ بلا إحداث طلاق فيه ولا فيه أحكام الأزواج)([31])
  4. ما روي عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية، وعن سمرة الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن متعة النساء يوم فتح مكة، وعن عبد الله بن عمر أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية([32])، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمكان قائما بين الركن والمقام، وهو يقول: إني كنت أذنت لكم في المتعة فمن كان عنده شيء فليفارقه ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا فإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة.
  5. الإجماع، واحتجوا بالإجماع على تحريمها، ونرى أن الإجماع على تحريم زواج المتعة لا يصح، وسنوضح ذلك في محله.
  6. أن الزواج ما شرع لاقتضاء الشهوة بل لأغراض ومقاصد يتوسل به إليها، واقتضاء الشهوة بالمتعة لا يقع وسيلة إلى المقاصد فلا يشرع.

أثر زواج المتعة:

اختلف الفقهاء في الأثر المترتب على من تزوج للمتعة، وهل يعتبر زانيا بذلك، فيجب عليه الحد أم لا على قولين:

القول الأول: أنه يرجم من فعل ذلك إن كان محصنا ويجلد من لم يحصن، وهو مروي عن يحيى بن يحيى عن ابن نافع، واستدل بما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال ذلك للناس وخطبهم به، وخطبه تنتشر وقضاياه تنتقل، ولم ينكر ذلك عليه أحد، ولا حفظ له مخالف([33]).

القول الثاني: لا رجم فيه وإن دخل على معرفته منه بمكروه ذلك، ولكن يعاقب عقوبة موجعة لا يبلغ بها الحد، وهو قول الجمهور، ورواه المالكية عن ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ عن ابن القاسم، وروي عن مالك أنه قال يدرؤ فيه الحد ويعاقب إن كان عالما بمكروه ذلك، واحتجوا بأن كل زواج حرمته السنة ولم يحرمه القرآن فلا حد على من أتاه رجل عالما عامدا وإنما فيه النكال، وكل زواج حرمه القرآن أتاه عالما عامدا فعليه الحد.

4 ـ وجوه التقارب بين أهل السنة والإمامية حول زواج المتعة

لطرح موقف علماء أهل السنة من هذا النوع من الزواج بعيدا عن لجج الخصومات التي تطرح دون بحث أو نظر نحاول تبيين العناصر التالية، مما نرى فيها مؤشرات للتقارب بين السنة والإمامية في المسألة.

أ ـ أن المسألة خلافية بين أهل السنة

نص معظم الفقهاء على الإجماع على تحريم زواج المتعة عند أهل السنة([34]) إلا أن بعضهم نقل الخلاف في ذلك، ومنهم الزيلعي الذي قال في تبيين الحقائق: (وقال مالك: هو جائز، لأنه كان مشروعا فيبقى إلى أن يظهر ناسخه([35])، واشتهر عن ابن عباس تحليلها، وتبعه على ذلك أكثر أصحابه من أهل اليمن ومكة، وكان يستدل على ذلك بقوله تعالى: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً }(النساء:24)، وعن عطاء أنه قال سمعت جابرا يقول تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر ونصفا من خلافة عمر ثم نهى الناس عنه، وهو محكي عن أبي سعيد الخدري، وإليه ذهبت الإمامية وخالفوا عليا وأكثر الصحابة)([36])

وقد نص على هذا الخلاف كذلك ابن قدامة، قال في المغني بعد تعريفه لزواج المتعة: (هذا نكاح باطل، نص عليه أحمد، فقال: نكاح المتعة حرام، وقال أبو بكر: فيها رواية أخرى، أنها مكروهة غير حرام، لأن ابن منصور سأل أحمد عنها، فقال: يجتنبها أحب إلى، وقال: فظاهر هذا الكراهة دون التحريم، وغير أبي بكر من أصحابنا يمنع هذا، ويقول: في المسألة رواية واحدة في تحريمها، وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء([37])، وممن روي عنه تحريمها عمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن الزبير قال ابن عبد البر: وعلى تحريم المتعة مالك، وأهل المدينة، وأبو حنيفة في أهل العراق، والأوزاعي في أهل الشام، والليث في أهل مصر، والشافعي، وسائر أصحاب الآثار وقال زفر: يصح النكاح، ويبطل الشرط. وحكي عن ابن عباس، أنها جائزة، وعليه أكثر أصحاب عطاء وطاوس، وبه قال ابن جريج وحكي ذلك عن أبي سعيد الخدري، وجابر وإليه ذهب الشيعة)([38])

ونص على هذا الخلاف المرداوي بقوله: (نكاح المتعة، وهو أن يتزوجها إلي مدة، الصحيح من المذهب أن نكاح المتعة لا يصح، وعليه الإمام أحمد رحمه الله والأصحاب، وعنه يكره ويصح، ذكرها أبو بكر في الخلاف وأبو الخطاب وابن عقيل، وقال رجع عنها الإمام أحمد رحمه الله، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله توقف الإمام أحمد رحمه الله عن لفظ الحرام ولم ينفه، قال المصنف والشارح وغير أبي بكر يمنع هذا ويقول المسألة رواية واحدة، وقال في المحرر ويتخرج أن يصح ويلغو التوقيت)([39])

ونص عليه صاحب الكافي بقوله: (قال أبو بكر فيه رواية أخرى أنها مكروهة لأن أحمد قال في رواية ابن منصور يجتنبها أحب إلي، فظاهرها الكراهية لا التحريم، وغيره من أصحابنا يقول المسألة رواية واحدة في تحريمها، ولو شرط أن يطلقها في وقت بعينه لم يصح النكاح لأنه شرط يمنع بقاء النكاح فأشبه التأقيت، ويتخرج أن يصح النكاح ويبطل الشرط، لأن النكاح وقع مطلقا وشرط على نفسه شرطا لا يؤثر فيه فأشبه ما لو شرط ألا يطأه)([40])

ونقل القرطبي عن أبي بكر الطرطوشي قوله: (ولم يرخص في نكاح المتعة إلا عمران بن حصين وابن عباس وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت)([41])

وهذا الترخيص يدل على عدم صحة نقل الإجماع في المسألة، لأن الكثير من المسائل التي لم يخالف فيها إلا أفراد الصحابة بل أفراد التابعين أو من بعدهم تعد من المسائل الخلافية، فكيف بهذا المسألة التي ذكر فيها هذا الخلاف.

قال ابن عبد البر: (أما الصحابة فإنهم اختلفوا في نكاح المتعة فذهب ابن عباس إلى إجازتها فتحليلها لا خلاف عنه في ذلك وعليه أكثر أصحابه منهم عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وطاووس وروي تحليلها أيضا وإجازتها إبراهيم)([42])

وقد بقي الخلاف بعد ذلك في زمن التابعين، ومن المشهورين بإباحتها في عهدهم ابن جريج فقيه مكة، ولهذا قال الأوزاعي: يترك من قول أهل الحجاز خمس، فذكر منها متعة النساء من قول أهل مكة، وقال ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها ولا أعلم اليوم أحدا يجيزها إلا بعض الرافضة([43]).

وقد بقي هذا الخلاف بين أهل السنة بعد ذلك ـ خلافا لما قال ابن المنذر ـ وإن كان للتعصب في الخلاف بين السنة والإمامية ما جعل من ذلك الخلاف شذوذا في الرأي قد يحذر من القول به، وقد أشار إلى هذا الخلاف الشوكاني بقوله: (وقد أتعب نفسه بعض المتأخرين بتكثير الكلام على هذه المسألة وتقوية ما قاله المجوزون لها، وليس هذا المقام مقام بيان بطلان كلامه)([44])

وقد روى عن ابن عباس رجوعه عن هذا القول، قال ابن قدامة: (أما قول ابن عباس، فقد حكي عنه الرجوع عنه، فروى أبو بكر، بإسناده عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: لقد كثرت القالة في المتعة، حتى قال فيها الشاعر:

أقول وقد طال الثواء بنا معا    يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس

هل لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى مصدر الناس

فقام خطيبا، وقال: إن المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير)([45])

وقد ذكر ابن عبد البر ضعف الآثار القائلة برجوع ابن عباس عن هذا القول وصحة الآثار القائلة بعدم رجوعه، فقد قال بعد أن ذكر الآثار القائلة برجوع ابن عباس عن رأيه في المتعة: (هذه الآثار كلها عن ابن عباس معلولة لا تجب بها حجة من جهة الإسناد، ولكن عليها العلماء، والآثار التي رواها المكيون عن ابن عباس صحاح الأسانيد عنه، وعليها أصحاب ابن عباس)([46])

ولذلك ذكر ابن القيم في حكم زواج المتعة قولان:

القول الأول: أن تحريمها قطعي دائم لا علاقة له بالضرورة، وهو قول جمهور العلماء.

القول الثاني: أن تحريمها ظني لاحتمال عدم النسخ وربط جوازها بالضرورة.

والخلاصة أن المسألة مختلف فيها بيقين سواء لحقها إجماع بعد ذلك أو لم يلحقها، لأن الإجماع التالي لا يلغي الخلاف السابق، قال النووي بعد أن ذكر اختلاف أصحاب مالك هل يحد الواطيء في زواج المتعة أم لا: (ومذهبنا أنه لا يحد لشبهة العقد وشبهة الخلاف، ومأخذ الخلاف اختلاف الأصوليين في أن الاجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف لرجعة المسئلة عليها، والأصح عند أصحابنا أنه لا يرفعه، بل يدوم الخلاف، ولا يصير المسئلة بعد ذلك مجمعا عليها أبدا، وبه قال القاضي أبو بكر الباقلاني)([47])

ب ـ أن في بعض ما يجيزه بعض أهل السنة من زواج ماهو أشد من زواج المتعة

وقد ذكرنا هذا الوجه، لأن البعض من أهل السنة نتيجة المبالغة في الموقف السلبي تجاه هذا النوع من الزوج يتصور أنه من البدع المنكرة التي يضلل القائل بها، بل قد يبالغ البعض، فيرميه بالكفر، فلذلك ذكرنا هذا الوجه لنبين أن من الزواج الذي يجيزه بعض أهل السنة وتطبقه بعض المجتمعات السنية ما هو أشد ضررا في آثاره من زواج المتعة، وقد ذكر هذا الوجه ابن تيمية وابن القيم كثيرا في معرض حديثهما عن زواج المحلل، وقد ذكر ابن القيم حكاية عن ابن تيمية أن زواج المتعة خير من زواج التحليل من الوجوه التالية:

  1. أن زواج المتعة كان مشروعا في أول الإسلام، وزواج التحليل لم يشرع في زمن من الأزمان.
  2. أن الصحابة تمتعوا على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن في الصحابة محلل قط.
  3. أن زواج المتعة مختلف فيه بين الصحابة فأباحه ابن عباس، وإن قيل: إنه رجع عنه وأباحه عبد الله بن مسعود، ففي الصحيحين عنه قال: كنا نغزو مع رسول الله، وليس لنا نساء فقلنا: ألا نختصي، فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} (الأعراف: 87) وفتوى ابن عباس بها مشهورة، قال عروة: قام عبد الله بن الزبير بمكة فقال: إن ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة، يعرض بعبدالله بن عباس، فناداه فقال: إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين يريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له ابن الزبير: فجرب نفسك، فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك.
  4. أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلملم يجىء عنه في لعن المستمتع والمستمتع بها حرف واحد، وجاء عنه في لعن المحلل والمحلل له وعن الصحابة ما تقدم.
  5. أن المستمتع له غرض صحيح في المرأة، ولها غرض أن تقيم معه مدة الزواج، فغرضه المقصود بالزواج مدة، والمحلل لا غرض له سوى أنه مستعار للضراب كالتيس، فزواجه غير مقصود له ولا للمرأة ولا للولي.
  6. أن المستمتع لم يحتل على تحليل ما حرم الله، فليس من المخادعين الذين يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان، بل هو ناكح ظاهرا وباطنا، والمحلل ماكر مخادع متخذ آيات الله هزوا، ولذلك جاء في وعيده مالم يجىء في وعيد المستمتع مثله ولا قريب منه.
  7. أن المستمتع يريد المرأة لنفسه، وهذا سر الزواج ومقصوده فيريد بزواجه حلها له، ولا يطؤها حراما، والمحلل لا يريد حلها لنفسه، وإنما يريد حلها لغيره، ولهذا سمي محللا، فأين من يريد أن يحل له وطىء امرأة يخاف أن يطأها حراما إلى من لا يريد ذلك وإنما يريد بزواجها أن يحل وطأها لغيره، فهذا ضد شرع الله ودينه وضد ما وضع له الزواج.
  8. أن الفطر السليمة والقلوب التي لم يتمكن منها مرض الجهل والتقليد تنفر من التحليل أشد نفار وتعير به أعظم تعيير حتى إن كثيرا من النساء تعير المرأة به أكثر مما تعيرها بالزنا، وزواج المتعة لا تنفر منه الفطر والعقول، ولو نفرت منه لم يبح في أول الإسلام.
  9. أن زواج المتعة يشبه إجارة الدار مدة للانتفاع والسكنى، ونحو ذلك مما للباذل فيه غرض صحيح، ولكن لما دخله التوقيت أخرجه عن مقصود الزواج الذي شرع بوصف الدوام والاستمرار، وهذا بخلاف زواج المحلل فإنه لا يشبه شيئا من ذلك، ولهذا شبهه الصحابة بالسفاح وشبهوه باستعارة التيس للضراب([48]).

ولهذا قال ابن تيمية: (ومن شنع على الشيعة بإباحة المتعة مع إباحته للتحليل، فقد سلطهم على القدح في السنة كما تسلطت النصارى على القدح في الإسلام بمثل إباحة التحليل)([49])

ج ـ أن نص الدليل نفسه يحمل دلائل عدم قطعية التحريم

فإن الأدلة التي ذكرناها عن السنة والإمامية تحمل ظنية هذا الحكم واحتماله للاحتمالات المختلفة، وقد قال العز بن عبد السلام: (إنما الشبهة الدارئة للحد ففي مأخذ الخلاف وأدلته المتقاربة كالخلاف في الزواج بلا ولي ولا شهود، وزواج المتعة، فإن الأدلة فيه متقاربة لا يبعد كل واحد من المجتهدين إصابة خصمه عند الله عز وجل)([50])

وقد قرن نهي متعة النساء بمتعة الحج في حديث ابن عمر، قال: قال عمر: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج، وبما أن متعة الحج جائزة، فهو يدل على أن المراد بالنهي عن متعة النساء محتمل.

وقد قال الباجي: (وعندي أن ما حرمته السنة ووقع الإجماع والإنكار على تحريمه يثبت فيه الحد كما يثبت فيما حرمه القرآن، والذي عندي في ذلك أن الخلاف إذا انقطع ووقع الإجماع على أحد أقواله بعد موت قائله وقبل رجوعه عنه، فإن الناس مختلفون فيه فذهب القاضي أبو بكر إلى أنه لا ينعقد الإجماع بموت المخالف، فعلى هذا حكم الخلاف باق في حكم قضية المتعة، وبذلك لا يحد فاعله وقال جماعة إنه ينعقد الإجماع بموت إحدى الطائفتين فعلى هذا قد وقع الإجماع على تحريم المتعة لأنه لم يبق قائل به فعندي هذا يحد فاعله، وهذا على قولنا إنه لم يصح رجوع عبد الله بن عباس عنه، ومما يدل على أنه لم ينعقد الإجماع على تحريمه أنه يلحق به الولد، ولو انعقد الإجماع بتحريمه وأتاه أحد عالما بالتحريم لوجب أن لا يلحق به الولد والله أعلم([51])

د ـ جواز زواج المتعة الذي يتفق عليه الطرفان قبل العقد:

نص الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرهم على صحة زواج المتعة الذي يتفق عليه الطرفان قبل العقد، أو كان في نية أحدهما أو كلاهما أنه زواج متعة بشرط واحد هو عدم التصريح بذلك في العقد، وهو وجه مقاربة كبير بين السنة والإمامية، لأنه يحصر الخلاف في التلفظ بالأجل في الصيغة أو عدم التلفظ به.

وقد نقل الإمام النووي الإجماع على أن من نكح نكاحا مطلقا، ونيته أن لا يمكث معها الا مدة نواها فنكاحه صحيح حلال، وليس نكاح متعة، وإنما نكاح المتعة ما وقع بالشرط المذكور، قال: (ولكن قال مالك: ليس هذا من أخلاق الناس، وشذ الأوزاعي فقال هو نكاح متعة ولا خير فيه)([52])

ونرى صحة ما قال الأوزاعي، وأن هذا النوع من الزواج الذي يسر صاحبه نية التفريق دون إعلام الطرف الآخر ليكون على بينة من أمره، شر من زواج المتعة الذي يتم التصريح به في العقد، لخلو التصريح من التدليس بخلاف كتمان النية، ولذا قال مالك: ليس هذا من أخلاق الناس.

ولا بأس من نقل بعض النصوص الدالة على ذلك ووجه استدلالها:

قال الشافعي: (لو أن رجلا شريفا نكح دنية أعجمية، أو شريفة نكحت دنيا أعجميا فتصادقا في الوجهين على أن لم ينو واحد منهما أن يثبتا على النكاح أكثر من ليلة، لم يحرم النكاح بهذه النية، لأن ظاهر عقدته كانت صحيحة، إن شاء الزوج حبسها، وإن شاء طلقها، فإذا دل الكتاب ثم السنة ثم عامة حكم الإسلام على أن العقود إنما يثبت بالظاهر عقدها، ولا يفسدها نية العاقدين، كانت العقود إذا عقدت في الظاهر صحيحة، أولى أن لا تفسد بتوهم غير عاقدها على عاقدها ثم، سيما إذا كان توهما ضعيفا والله تعالى أعلم)([53])

وقال الشافعي في موضع آخر: (ولو كانت بينهما مراوضة، فوعدها إن نكحها أن لا يمسكها إلا أياما، أو إلا مقامه بالبلد، أو إلا قدر ما يصيبها، كان ذلك بيمين أو غير يمين فسواء، وأكره له المراوضة على هذا، ونظرت إلى العقد فإن كان العقد مطلقا، لا شرط فيه فهو ثابت، لأنه انعقد لكل واحد منهما على صاحبه ما للزوجين، وإن انعقد على ذلك الشرط فسد، وكان كزواج المتعة)([54])

وعند المالكية: (من تزوج امرأة لا يريد إمساكها إلا أنه يريد أن يستمتع بها مدة ثم يفارقها فقد روى محمد عن مالك ذلك جائز وليس من الجميل ولا من أخلاق الناس)

واستدلو لذلك بما يلي:

  1. أن النكاح وقع على وجهه ولم يشترط شيئا وإنما نكاح المتعة ما شرطت فيه الفرقة بعد انقضاء مدة.
  2. أن هذا لا ينافي الزواج فإن للرجل الإمساك أو المفارقة، قال مالك: (وقد يتزوج الرجل المرأة على غير إمساك فيسره أمرها فيمسكها وقد يتزوجها يريد إمساكها ثم يرى منها ضد الموافقة فيفارقها)([55])

وقال ابن تيمية مرجحا القول بإباحة هذا النوع من المتعة: (وأما نكاح المتعة إذا قصد أن يستمتع بها إلى مدة، ثم يفارقها مثل المسافر الذي يسافر إلى بلد يقيم به مدة، فيتزوج، وفي نيته إذا عاد إلى وطنه أن يطلقها، ولكن الزواج عقده عقدا مطلقا، فهذا فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد، قيل: هو زواج جائز، وهو اختيار أبي محمد المقدسي، وهو قول الجمهور، وقيل: إنه زواج تحليل لا يجوز، وروي عن الأوزاعي، وهو الذي نصره القاضي وأصحابه في الخلاف، وقيل: هو مكروه وليس بمحرم)([56])

ثم بين الراجح الذي يراه وعلته بقوله: (والصحيح أن هذا ليس بزواج متعة، ولا يحرم، وذلك أنه قاصد للزواج وراغب فيه، بخلاف المحلل، لكن لا يريد دوام المرأة معه، وهذا ليس بشرط فإن دوام المرأة معه ليس بواجب، بل له أن يطلقها، فإذا قصد أن يطلقها بعد مدة، فقد قصد أمرا جائزا بخلاف زواج المتعة، فإنه مثل الإجارة تنقضي فيه بانقضاء المدة، ولا ملك له عليها بعد انقضاء الأجل، وأما هذا فملكه ثابت مطلق، وقد تتغير نيته فيمسكها دائما، وذلك جائز له، كما أنه لو تزوج بنية إمساكها دائما، ثم بدا له طلاقها، جاز ذلك)

وقد ألزم علماء الإمامية المنكرين من أهل السنة بهذا، فقال السبحاني: (ونسأل المانعين الذين يتلقّون نكاح المتعة، مخالفاً للحكمة الّتي من أجلها شرّع النكاح، نسألهم عن الزوجين الذين يتزوّجان نكاح دوام، ولكن ينويان الفراق بالطلاق بعد شهرين فهل هذا نكاح صحيح أو لا؟ لا أظن أنّ فقيهاً من فقهاء الإسلام يمنع ذلك، وإلاّ فقد أفتى بغير دليل ولا برهان فيتعيّن الأوّل. فأي فرق يكون حينئذ بين المتعة وهذا النكاح الدائم سوى انّ المدّة مذكورة في الأول دون الثاني؟)

ولهذا اعتبر صاحب المنار القول بالمتعة خير من غش المرأة بتزوجها مدة بنية التطليق، قال: (إنّ تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة يقتضي منع النكاح بنيّة الطلاق، وإن كان الفقهاء يقولون انّ عقد النكاح يكون صحيحاً إذا نوى الزوج التوقيت، ولم يشترطه في صيغة العقد، ولكن كتمانه إيّاه يعدّ خداعاً وغشّاً وهو أجدر بالبطلان من العقد الّذي يشترط فيه التوقيت)([57])

هـ ـ ورود الخلاف في صحة ذكر التوقيت في العقد

بل قد قد ورد الخلاف بين أهل السنة في صحة ذكر التوقيت في العقد، وهو موضع آخر للتقارب بين السنة والإمامية في المسألة، فقد قال زفر فيمن يتزوج امرأة بشهادة شاهدين إلى عشرة أيام: هو صحيح لازم، لأن الزواج لا يبطل بالشروط الفاسدة.

قال الشارح: (عني النكاح الموقت هو أن يتزوج امرأة بشهادة شاهدين عشرة أيام، لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة، بل تبطل هي ويصح النكاح، فصار كما إذا تزوجها على أن يطلقها بعد شهر صح وبطل الشرط، أما لو تزوج وفي نيته أن يطلقها بعد مدة نواها صح)([58])

وقد رجح كثير من فقهاء الحنفية قول زفر لأن مقتضى قواعدهم في الشروط المقيدة للعقد تؤيده، يقول صاحب فتح القدير: (ومقتضى النظر أن يترجح قوله لأن غاية الأمر أن يكون الموقت متعة وهو منسوخ، لكن نقول: المنسوخ معنى المتعة على الوجه الذي كانت الشرعية عليه وهو ما ينتهي العقد فيه بانتهاء المدة ويتلاشى، وأنا لا أقول به كذلك، وإنما أقول ينعقد مؤبدا ويلغو شرط التوقيت، فحقيقة إلغاء شرط التوقيت هو أثر النسخ)([59])

بل اعتبر ابن تيمية قول زفر مبنيا على الأصل خلاف لرأي الجمهور الذين خرجوا على قاعدتهم في الشروط المقيدة للعقد، قال ابن تيمية عند حديثه عن الشروط المناقضة لمقتضى العقد: (قال طائفة من الفقهاء: يصح العقد، ويبطل الشرط كما يقوله أبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، ويكون العقد لازما، ثم كثير من هؤلاء فرق بين التوقيت وبين الاشتراط، فقالوا: إذا قال تزوجتها إلى شهر فهو نكاح متعة، وهو باطل، وطرد بعضهم القياس، وهو قول زفر، وخرج وجها في مذهب أحمد أنه يصح العقد ويلغو التوقيت، كما قالوا: يلغو الشرط)([60])

ولهذا لا يختلف قول الحنفية وخاصة زفر عن قول الإمامية إلا في أن زواج المتعة عند الإمامية ينتهي بانتهاء المدة بينما لا ينتهي عند الحنفية إلا بالطلاق (ولذا إذا انقضت المدة لا ينتهي النكاح، بل هو مستمر إلى أن يطلقها)، بل إن في أقوالهم ما يتفق مع ذلك أيضا، فكلهم يتفقون على أنه إن قال: (تزوجتك على أن أطلقك إلى عشرة أيام)أن الزواج صحيح، لأنه أبد الزواج ثم شرط قطع التأبيد بذكر الطلاق في الزواج المؤبد، والزواج المؤبد لا تبطله الشروط([61]).

بل إن الزواج بلفظ المتعة نفسه فيه مجال عندهم للنظر فـ(المعتبر في العقود معانيها لا الألفاظ)وفي كتب الحنفية: (لو قال: أتزوجك متعة انعقد النكاح ولغا قوله متعة)([62])

وبذلك يبلغ التقارب بين السنة والإمامية أوجه في المسألة.

5 ـ ضوابط إباحة زواج المتعة

بعدما نقلنا أقوال الفريقين من السنة والإمامية، وذكرنا أوجه التقارب بينهما في هذا النوع من الزواج، وتبين لنا أن المسألة مبالغ فيها إلى حد كبير، فإنا نرى، والله أعلم، إباحة زواج المتعة أو الزواج المؤقت، أو ما شيئ له من الأسماء، بشرط توفر الشرطين التاليين:

أ ـ أن يكون من باب الضرورة:

وهو الأشبه من قول ابن عباس ومن ذهب إلى إباحة زواج المتعة، وقد أشار إلى هذا الشرط ابن القيم بقوله في توجيه ما روي عن ابن عباس من إباحتها: (ولكن النظر هل هو تحريم بتات، أو تحريم مثل تحريم الميتة، وتحريم نكاح الأمة، فيباح عند الضرورة وخوف العنت، هذا هو الذي لحظه ابن عباس بحلها للضرورة، فلما توسع الناس فيها، ولم يقتصروا على موضع الضرورة أمسك عن الفتوى ورجع عنها)([63]) وقال ابن تيمية: (أما أن يشترط التوقيت، فهذا نكاح المتعة الذي اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على تحريمه، وإن كان طائفة يرخصون فيه، إما مطلقا وإما للمضطر، كما قد كان ذلك في صدر الإسلام، فالصواب إن ذلك منسوخ)([64])

وما روي عن ابن عباس ـ مما نقلناه سابقا ـ يدل على ذلك، فقد روى عطاء عن ابن عباس قال: (ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم بها عباده ولولا نهى عمر عنها ما زنى إلا شفي([65])

وقد نقل الإمام النووي أنه روى حديث إباحة زواج المتعة جماعة من الصحابة فذكره مسلم من رواية ابن مسعود وابن عباس وجابر وسلمة بن الأكوع وسيرة بن معبد الجهنى، قال: (وليس في هذه الاحاديث كلها أنها كانت في الحضر، وإنما كانت في أسفارهم في الغزو، ثم ضرورتهم وعدم النساء، مع أن بلادهم حارة، وصبرهم عنهن قليل، وقد ذكر في حديث ابن أبي عمر: أنها كانت رخصة في أول الاسلام لمن اضطر اليها، كالميتة ونحوها، وعن ابن عباس ما نحوه)([66])

وفي واقعنا المعاصر الكثير من أبواب الضرورة التي قد تلجئ إلى هذا النوع من الزواج، كالمغتربين، والذين تحول الظروف بينهم وبين الزواج المستقر، وكذلك في النساء من لم تجد الزوج الدائم، وكانت ظروفها تحتم عليها القبول بهذا النوع من الزواج المحكوم بالضوابط الشرعية، وأرى أنه لو فتح هذا الباب مقيدا بالقيود الشرعية لأغلقت كثير من منافذ الفساد التي تنتشر في المجتمعات الإسلامية.

وقد يقال هنا بأن هذا الزواج لا يتجاوب مع نظرة الإسلام المثالية للزواج وكونه سكنا ومودة، ونجيب على ذلك بأن في التشريعات الإسلامية جانبان، الجانب الأصلي وهو الجانب المثالي الذي شرعت لأجله الأحكام الشرعية، ويتضمن المقاصد الشرعية في قمة مثاليتها الواقعية.

والجانب الثاني هو الجانب الواقعي الذي قد يرخص في بعض الأحكام من باب الضرورة، فيخدم بذلك مقصدا معينا من المقاصد الشرعية، وقد لا يخدم المقاصد الأخرى من دون إضرار بها.

وزواج المتعة من هذا النوع فهو يخدم مقصدا من مقاصد الزواج، وهو تحصين كلا الزوجين، من باب رعاية مصالح الأفراد، ووقاية المجتمع من مظاهر الفواحش وما ينجر عنها من مفاسد اجتماعية من باب رعاية مصالح الأمة.

ولذلك كان له دوره الشرعي المعتبر في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فحصل فيه ما سماه الفقهاء نسخا، وما نراه ضرورات تقدر بقدرها، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبيحه إذا اقتضت الضرورة، وينهى عنه إذا انتفت الضرورة، والدليل على ذلك أن لم يذكر عن حكم شرعي أنه نسخ بمثل ما ذكر عن زواج المتعة.

ولعل ضعف القول بالنسخ هو ما جعل الشافعي يقول في إحدى مناظراته في زواج الشغار: (أيجوز في العلم عندنا وعندك أن يعمد إلى المتعة وقد جاء فيها خبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتحريم وخبر بتحليل؟ فزعمنا نحن وأنت أن التحليل منسوخ فتجعله قياسا على شيء غيره ولم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلمخبر؟)([67])

ولا بأس أن نقتبس هنا كلاما لعالم جليل من علماء الأمة، وهو في نفس الوقت مرجع من مراجع الإمامية المعاصرين هو الشيخ محمد حسين فضل الله في بيان وجه الضرورة الذي يستدعي عدم نسخ هذا النوع من الزواج فقد قال: (وقد نلاحظ في هذا المجال أن المسألة قد تحتاج إلى دراسة من ناحية أخرى، وهي أن المبررات التي ذكرها بعض الباحثين لتشريع هذا الزواج في بعض الحالات الطارئة في عصر الرسالة لا تزال تفرض نفسها على الواقع الذي يحتضن أوضاعا وحالات كثيرة قد تزيد في صعوبتها على تلك الحالات… فإذا كان ذلك هو المبرر للتشريع في نظر هؤلاء فلا بد من أن يبقى الحكم مستمرا باستمرار مبرره، مما يجعل من موضوع النسخ أمرا غير واضح في ملاكاته… ونحن نعرف أن النسخ يعني ـ في مفهومه العلمي ـ انتهاء مدة الحكم الأول بانتهاء أمد المصلحة التي ساهمت في وجوده وحدوث مصلحة أخرى في الاتجاه المعاكس من أجل حكم آخر مخالف.

إن الإسلام ينطلق في تشريعه للأحكام الشرعية من منطلق واقعي فيما يواجهه الإنسان من مشاكل لتكون الحلول الموضوعة له في حجم تلك المشاكل لئلا يحتاج الإنسان إلى الوقوع في قبضة الانحراف أو إلى البحث عن الحلول العملية لدى مبادئ أخرى، وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نلاحظ كيف يسير الزنا جنبا إلى جنب مع الزواج الدائم في كل مراحل التاريخ في جميع بلدان الأرض مما يوحي بوجوده كظاهرة إنسانية مستمرة، وقد لا نستطيع تفسير ذلك دائما بأنه يمثل الرغبة في الانحراف والتمرد على الشريعة والقانون، بل ربما كان من الراجح تفسير ذلك بأن الزواج الدائم لا يمثل الحل الشامل الكامل للمشكلة الجنسية مما يفرض تشريعا آخر يكمل الحل، ويلغي الحاجة إلى الانحراف)([68])

ونضيف إليه تبرير عالم من علماء أهل السنة، وهو الشيخ يوسف القرضاوي الذي يبرر الزواج بهذه الصورة بل يدافع عنها، قال الشيخ: (كان الناس في بلاد الخليج أيام الغوص يتغربون عن وطنهم وأهليهم بالأشهر، وبعضهم كان يتزوج في بعض البلاد الإفريقية أو الآسيوية التي يذهب إليها، ويقيم مع المرأة الفترة التي يبقى فيها في تلك البلدة، التي تكون عادة على شاطئ البحر، ويتركها ويعود إلى بلده، ثم يعود إليها مرة أخرى، إن تيسر له السفر.

فهذا زواج اقتضته الحاجة، ورضيت به المرأة وأهلها، وهم يعلمون أن هذا الرجل لن يبقى معهم إلا فترة من الزمن، وقد يعود إليهم وقد لا يعود، ولم يعترض على هذا الزواج معترض)

ثم قال ردا على من يعترضون على هذا ـ ولا بأس أن أذكر الاعتراض بطوله ـ: (وأحب أن أقول لبعض الإخوة الذين يهونون من هدف الإمتاع والإحصان، ويحقرون من شأن المرأة التي تتزوج لتستمتع بالرجل في الحلال، ولا تفكر في الحرام، ويعتبرون هذا انحطاطاً بكرامة المرأة، ونزولاً بقدرها، أحب أن أقول لهؤلاء كلمة صريحة: إن هدف الإمتاع والإحصان ليس هدفاً هيناً، ولا مُهيناً، كما تتصورون وتصوِّرون، بل هو أول أهداف الزواج، ولهذا لا يجوز التنازل عنه في العقد، وفي الحديث الصحيح المعروف: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج)، وفي القرآن الكريم: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (البقرة:187)، بل عرَّف الفقهاء النكاح بأنه: عقد لحل التمتع بأنثى خالية من الموانع الشرعية، وإن كنت أرى أن التمتع للطرفين، الرجل والمرأة كليهما، كما أشارت الآية: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن.

فالعفة والإحصان قيمة كبيرة من قيمنا الإسلامية، وهي مما يميز مجتمعنا عن المجتمعات السائبة المتحللة، وحاجة الرجل إلى المرأة، وحاجة المرأة إلى الرجل: حاجة فطرية، ولا ينظر الإسلام إليها نظرة بعض الأديان الأخرى، أنها قذارة أو رجس، بل هي غريزة فطر الله الناس عليها، ولابد من تسهيل الطرق الشرعية إليها، حتى لا يضطر الناس إلى ركوب الحرام، ولاسيما في عصر فُتحت فيه أبواب المحرمات على مصاريعها، وكثرت فيه المغريات بالمنكر، والمعوقات عن المعروف.

إن الإسلام لم يستنكف عن الاستمتاع الجنسي، ولم يقلل من شأنه إذا كان حلالاً، بل قال الرسول الكريم: (وفي بضع أحدكم صدقة!) قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أليس إذا وضعها في حرام، كان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر)

والمجتمع الغربي المعاصر ـ في إطار حضارته المادية الإباحية المعاصرة ـ حل هذه المشكلة: مشكلة الغريزة الجنسية، وحاجة الرجل والمرأة الفطرية كليهما للآخر، بإطلاق العنان لكل منهما، يستمتع بصاحبه بلا عقد ولا رباط، ولا مسؤولية أخلاقية ولا دينية ولا قانونية.

أجل.. حلّ الغرب هذه المشكلة عن طريق ما سموه (البوي فرند)، و(الجيرل فرند)، ونحن لا نملك أن نحل هذه المشكلة بهذه الطريقة، إذ لابد عندنا من عقد ومن رباط شرعي، فلماذا يحقر بعض الناس هذا الجانب المهم في حياة الإنسان، وهو جانب فطري لا حيلة في دفعه؟ ولماذا يتظاهرون وكأنهم ملائكة مطهرون، لا يحتاجون إلي الجنس، ولا يفكرون فيه؟)([69])

ب ـ ثبوت النسب في زواج المتعة:

وهو أهم الشروط، وبه التفريق بين الحلال والحرام، وهو ثبوت النسب بهذا النوع من الزواج، لأن من أهم المقاصد من تحريم الزنا اختلاط الأنساب، وينجر عن هذا الشرط، ضرورة استبراء الرحم، ووجوب النفقة على الولد، وغير ذلك من الحقوق، والمحققون من أهل السنة لا يخالفون في ذلك، ولو لم يقروا بهذا النوع من الزواج، وقد بالغ ابن تيمية في الرد على هؤلاء الذين لا يتورعون عن الفتوى بعدم إلحاق النسب لأتفه الأسباب، فقال: (من قال ذلك فهو في غاية الجهل والضلالة والمشاقة لله ورسوله، فإن المسلمين متفقون على أن كل زواج اعتقد الزوج أنه زواج سائغ إذا وطىء فيه فإنه يلحقه فيه ولده، ويتوارثان، باتفاق المسلمين، وإن كان ذلك الزواج باطلا في نفس الأمر، باتفاق المسلمين سواء كان الناكح كافرا أو مسلما، واليهودى إذا تزوج بنت أخيه كان ولده منه يلحقه نسبه ويرثه باتفاق المسلمين، وإن كان ذلك الزواج باطلا باتفاق المسلمين ومن استحله كان كافرا تجب استتابته، وكذلك المسلم الجاهل لو تزوج امرأة في عدتها كما يفعل جهال الاعراب ووطأها يعتقدها زوجة كان ولده منها يلحقه نسبه ويرثه باتفاق المسلمين)([70])

ثم بين علة ذلك ودليله بقوله: (فإن ثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة الزواج في نفس الأمر بل الولد للفراش، كما قال النبى صلى الله عليه وآله وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر)([71])، فمن طلق امرأته ثلاثا ووطأها يعتقد أنه لم يقع به الطلاق إما لجهله وإما لفتوى مفت مخطىء قلده الزوج وإما لغير ذلك فإنه يلحقه النسب ويتوارثان بالاتفاق)([72])

والإمامية ـ أيضا ـ يؤكدون على هذه الناحية المهمة التي تفرق زواج المتعة عن الزنا، بل هي من أهم نواحي التفريق بين زواج المتعة والزنا، يقول ناصر مكارم الشيرازي عند إجابته على الشبهة التي يثيرها البعض في اعتبار زواج المتعة نوعا من الزنا: (إن الذين يرددون هذا الكلام كأنهم لم يطلعوا أصلا على مفهوم الزواج المؤقت وحقيقته، لأن الزواج المؤقت ليس عبارة عن مجرد كلمتين تقال، وينتهي كل شيء، بل ثمة مقررات نظير ما في الزواج الدائم، يعني أن المرأة المتمتع بها تكون طوال المدة المضروبة في الزواج المؤقت خاصة بالرجل المتمتع، ثم عندما تنتهي المدة المذكورة يجب على المرأة أن تعتد، يعني أن تمتنع من الزواج مطلقا برجل آخر لمدة خمسة وأربعين يوما على الأقل حتى يتبين أنها حملت من الرجل الأول أولا على أنها يجب أن تعتد حتى إذا توسلت بوسائل لمنع الحمل أيضا، وإذا حملت من ذلك الرجل وأتت بوليد وجب أن يتكفله ذلك الرجل كما يتكفل أمر ولده من الزواج الدائم، ويجري عليه من الأحكام كل ما يجري على الولد الناشئ من الزواج الدائم، في حين أن الزنا والبغاء لا ينطوي على أي شيء من هذه الشروط والحدود، فهل يمكن أن نقيس هذا الزواج بالبغاء؟)([73])


([1])   بناء على عدم وجود مراجع قديمة تتعلق بهذا النوع من الزواج، فقد استندت في المعلومات العلمية الواردة حوله إلى رسالة علمية بعنوان (زواج المسيار من المنظور الشرعي: سلبياته وإيجابياته)، وهي عبارة عن بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير في الفقه لقسم الدراسات العليا بكلية العلوم الإسلامية بجامعة المدينة العالمية، إعداد الطالب: محمد علي عمر شيخ عثمان، وإشراف الدكتور رمضان محمد عبدالمعطي ، بتاريخ 30  صفر 1434هـ الموافق 12 يناير 2013م..

([2])  المنتقى: 3/335، المغني:7/73.

([3])   المغني: ج7 ص 450-451 .

([4])   زواج المسيار من المنظور الشرعي: سلبياته وإيجابياته، ص21.

([5])   مجلة اليمامة عدد 1667 بتاريخ 1422هـ – 2001م .

(2) احسان محمد عائش العتيبي : أحكام التعدد في ضوء الكتاب والسنة ، ص29

(3) مجلة الدعوة السعودية العدد 1677 ص25  17 شوال 1419هـ الموافق 28 يناير 1999م

([6])  الترمذي والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي: 2/186.

([7])  تبيين الحقائق:2/116.

(1) البخاري : صحيح البخاري بشرح فتح الباري  ج9 ص 124 برقم 5151

(2) علقه البخاري ووصله غيره ، فتح الباري  ج4  ص 528

(3) المجلة العربية الرياض : العدد 233 ، 1417هـ والفتاوى الشرعية في المسائل العصرية ، إعداد خالد الجريسي ص 564

(4) افتاء على الهواء مباشرة تلفزة يوم الاثنين عصراً الموافق يوم 7/11/1422هـ الموافق 21/1/2002م

(5) مجلة الأسرة عدد 46 ص 15 مرحم 1418هـ

(1) مجلة الاسرة العدد 46 ص15 محرم 1418م

(3) ابن تيمية : مجموع الفتاوى  ج32 ص 179

(1) يوسف القرضاوي : زواج المسيار ص 17

([8])  نرى أن صحة هذا الزواج مرتبطة بتوثيقه، لأن الركن الأساسي في الزواج كما ذكرنا، وكما سنرى في الأجزاء التالية هو الإشهاد والتوثيق، ويضاف إلى ذلك في عصرنا التوثيق الذي أمر به ولي الأمر حرصا على حفظ الحقوق.

([9])  المغني: 7/73.

([10])  انظر: المجلة الإلكترونية « للكبار فقط » العدد السابع، وهو أكثر ما اعتمدنا عليه في هذا المبحث.

([11])  تعريف مجلة البحوث الفقهية المعاصرة.

([12])  تعريف الدكتور عبد الفتاح عمرو.

([13])  الشيخ عطية صقر عضو لجنة الفتوى وأحد أبرز علماء  الأزهر.

([14])  الزواج لا يفتقر في أصله وأركانه الأساسية إلى حكم الحاكم، قال ابن تيمية: « ولا يفتقر تزويج الولي المرأة إلى حاكم باتفاق العلماء »

ولأن الفقهاء جميعاً عندما عرفوا عقد الزواج لم يذكروا فيه التوثيق ولا الكتابة، حتى الفقهاء المحدثون والقضاة. يقول القاضي الشرعي بمصر حامد عبد الحليم الشريف:« الزواج عقد رضائي، وليس من العقود الشكلية التي يستلزم لها التوثيق، فالتوثيق غير لازم، لشرعية الزواج أو صحته أو نفاذه أو لزومه. والقانون لم يشترط لصحة الزواج سوى الإشهاد، والإشهاد فقط ولم يستلزم التوثيق، ولا يشترطه إلا في حالة واحدة فقط وهي سماع دعوى الإنكار، أما في حالة الإقرار فلا يشترط التوثيق ».

([15])  تقول إحدى عضوات فريق العمل بالخط الساخن سوسن محمد السيد:« إنه من أهم المشاكل الاجتماعية التي تواجه فريق الخط الساخن تلك المتعلقة بالزواج العرفي، وقد طالبنا في اقتراح لنص قانون قدم لمجلس الشعب المصري بضرورة توثيق عقود الزواج العرفي حتى لا يضيع حق المرأة التي تعتبر الضحية الوحيدة هي وأبناءها في هذا الزواج، حيث تعتبر ورقة الزواج العرفي ورقة ضد المرأة بكل المقاييس بداية من عدم أحقيتها في النفقة أو ميراث الزوج وصولا إلى قضايا إثبات النسب للأبناء »

وأعربت السيد عن أسفها لوجود إحصائية تقول إن بين كل 25 سيدة وقعن في فخ الزواج العرفي، اتجهت 17 منهن للإدمان أو العمل بالدعارة، وهي نسبة مخيفة إذا عرفنا أن أعداد الزواج العرفي في مصر في ازدياد كبير لعوامل كثيرة أهمها الحالة الاقتصادية المتردية والبطالة وقلة فرص الحصول على سكن، مما يوقع المرأة في براثن المتلاعبين بحقوقها.

([16])  قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية التي ألزمت بالتوثيق والتسجيل للعقود، اكتفت في الزواج العرفي بأن قالت: لا تُسمع فيه الدعوى، ولم تقل ببطلانه.

يشير الفقيه القانوني الدكتور محمد عصفور إلى أن ساحات المحاكم تستقبل أعداداً كبيرة من فتيات يزعمن أنهن تزوجن عرفياً، ويطالبن بحقوق الزوجية ولكن للأسف الشديد لا يحصلن في النهاية على شيء!!

 والشاب أو الرجل غالباً ما يلجأ للزواج العرفي للتحايل على القانون وهرباً من الالتزمات التي يفرضها عليه تجاه زوجته، وللأسف الشديد فإن المرأة ليس لها حقوق قانونية في الزواج العرفي، فالمحكمة لا تسمع لدعوى الزوجة إلا إذا كان زواجها رسمياً وموثقاً، وبالتالي لا تستطيع المتزوجة عرفيا رفع دعاوى الطلاق أو النفقة الشهرية أو نفقة المتعة أو مؤخر الصداق.

ويشير الدكتور محمد عصفور إلى أن حالة واحدة تســـتمع فيها المحكمة لدعوى المتزوجة عرفياً وهي حالة إثبات نسب الأولاد إلى أبيهم، لكن إذا أنكر الزوج هذا الزواج، وغالباً ما ينكر فلا تسمع المحكمة لدعوى الزوجة وبالتالي تضيع حقوقها.

([17])  نقلا عن اسلام او لاين، رحلة الشيخ الزنداني من الرأي إلى الفتوى.

([18])  القرطبي:5/132.

([19])   يستدل القائلون بعدم ثبوت الإرث بالأدلة التالية:

  1. أن الإرث حكم شرعي فيتوقف ثبوته على توظيف الشارع ولم يثبت هنا، بل الثابت خلافه كقول الصادق: (من حدودها – يعني المتعة – أن لا ترثك، ولا ترثها)
  2. أن ثبوته معه لعموم قوله a: (المؤمنون عند شروطهم)، وقول الصادق في صحيحة محمد بن مسلم (إن اشترطا الميراث فهما على شرطهما)، وقول الرضا: (إن اشترط الميراث كان، وإن لم يشترط لم يكن)

وقد حاول بعض المعاصرين أن يوجه هذا المنع بقوله: (إن الزوجية الدائمة قد يكتنف بها ما يقطعها عن سببية الإرث، وذلك فيما لو كانت الزوجة كافرة والزوج مسلما أو كانت أمة مملوكة والزوج حرا أو كانت قاتلة إذن فالإرث بين الزوجين الدائمين ليس من الخصائص غير المنفكة.

والزواج المنقطع قد اختلف الفقهاء في الإرث معه فبعضهم يراه سببا كالدائم، وبعض يراه كالدائم مع شروط التوارث، واختلاف الزواج المنقطع عن الدائم في بعض نواحيه لا يخل به قطعا كاختلاف أنواع البيوع وسائر المعاملات مع تقرر شرعية الجميع) (المنير: 2/208)

([20])  الأم:5/85..

([21])  المغني:7/136.

([22])  بحوث في الملل والنحل للأستاذ جعفر السبحاني، ص373.

([23])  بحوث في الملل والنحل للأستاذ جعفر السبحاني، ص385، وانظر: الاثنا عشرية وأهل البيت تأليف مغنية 46.

([24])  انظر هذه الأدلة وغيرها في تفاسير الإمامية التالية: الميزان في تفسير القرآن:4/284، من وحي القرآن: 7/119، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: 3/157، التفسير لكتاب الله المنير: 2/208، الجديد في تفسير القرآن:2/278، تقريب القرآن: 5/11.

([25])  من وحي القرآن: 7/119.

([26])  من كتاب بحوث في الملل والنحل للأستاذ جعفر السبحاني، ص373.

([27])  من كتاب بحوث في الملل والنحل للأستاذ جعفر السبحاني،ص 377.

([28])  انظر هذه الأدلة وغيرها في: تفسير القرطبي: 3/194، أحكام القرآن للجصاص:3/94، فتح القدير:1/449، شرح معاني الآثار: 3/25، فتح الباري: 9/167، التمهيد: 10/94، حاشية ابن القيم: 5/153، شرح الزرقاني: 3/197، تحفة الأحوذي: 4/225، شرح النووي على مسلم: 9/189، نيل الأوطار: 6/269.

([29])  التمهيد: 10/118.

([30])  القرطبي:5/29.

([31])  الأم:8/277.

([32])  انظر هذه الأحاديث وغيرها في: البخاري:4/1544، مسلم:2/1026، الترمذي:3/499، 4/254، أبو داود:2/226، النسائي:3/160، ابن ماجة:1/630، الموطأ:2/442، صحيح ابن حبان:9/448، سنن الدارمي:2/118، مجمع الزوائد: 4/265، سنن الدارقطني: 3/258، مسند الشافعي:254.

([33])  القرطبي:5/133.

([34])  ممن نقل الإجماع على ذلك: ابن العربي في أحكام القرآن:3/315، القرطبي: 12/106، قال الإمام الخطابي: تحريم نكاح المتعة كالإجماع بين المسلمين، وقد كان ذلك مباحا في صدر الإسلام، ثم حرمه في حجة الوداع فلم يبق اليوم فيه خلاف بين الأمة إلا شيئا ذهب إليه بعض الروافض، انظر:عون المعبود:6/59.

([35])  ولكن ما ورد عن مالك خلاف ذلك، فقد جاء في المدونة:« قلت: أرأيت إن قال أتزوجك شهرا يبطل النكاح أم يجعل النكاح صحيحا ويبطل الشرط؟ قال: قال مالك: النكاح باطل يفسخ وهذه المتعة وقد ثبت عن رسول الله a تحريمها، قلت: أرأيت إن قال لها إن مضى هذا الشهر فأنا أتزوجك ورضي بذلك وليها ورضيت؟ قال: هذا النكاح باطل ولا يقام عليه» المدونة:2/130.

([36])  تيين الحقائق:2/115.

([37])  وهو لا يعني الإجماع في تعبير ابن قدامة، بل يعني قول الجمهور في المصطلح العام.

([38])  المغني: 7/136.

([39])  الإنصاف:8/163.

([40])  الكافي في فقه ابن حنبل:3/57.

([41])  تفسير القرطبي:5/133.

([42])  التمهيد: 113.

([43])  نيل الأوطار:6/271.

([44])  فتح القدير:1/450.

([45])  المغني:7/137.

([46])  التمهيد:10/121.

([47])  شرح النووي على مسلم:9/182.

([48])  إغاثة اللهفان: وانظر: كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه:32/93،30/223.

([49])  كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه: 30/224.

([50])  قواعد الأحكام:2/110.

([51])  المنتقى: 3/335.

([52])  النووي على مسلم: 9/181.

([53])  الأم:7/313.

([54])  الأم:5/86.

([55])  المنتقى: 3/335.

([56])  كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية:32/147.

([57])  المنار 5 / 17.

([58])  فتح القدير:3/248 وما بعدها.

([59])  فتح القدير: 3/249.

([60])  كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه:29/349.

([61])  بدائع الصنائع:2/274.

([62])  مجمع الأنهر:1/331.

([63])  زاد المعاد:5/113.

([64])  مجموع فتاوى ابن تيمية: 32/107.

([65])  أي إلا أن يشفي أي يشرف على الزنا، ولا يواقعه، أقام الاسم وهو الشفى مقام المصدر الحقيقي وهو الإشفاء على الشيء، وحرف كل شيء شفاه، ومنه قوله U:) على شفا جرف هار﴾ وأشفى على الهلاك إذا أشرف عليه، لسان العرب:8/330.

([66])  النووي على مسلم: 9/180.

([67])  الأم: 5/188.

([68])  من وحي القرآن: 7/119.

([69])  عن « مجلة المجتمع ».

([70])  كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية: 34/13.

([71])  البخاري: 2/724، مسلم: 2/1080، الحاكم: 3/731، الترمذي: 4/433، الدارمي: 2/203.

([72])  كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية: 34/13.

([73])  الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل:3/157.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *