الفصل الثاني: حل عصمة الزوجية المعلق على الكفارة

الفصل الثاني

حل عصمة الزوجية المعلق على الكفارة

نتناول في هذا الفصل النوع الذي ربطه الشرع بناحية تعبدية، هي الكفارة، فهو يختلف عن الطلاق الذي جعله الله تعالى بيد الرجل من غير مشاركة غيره فيه، ويختلف عن الخلع الذي جعل للمرأة، ويختلف كذلك عن أنواع التفريق التي أنيطت بولي الأمر، فهو أقرب إلى المسائل التعبدية منه إلى مسائل التفريق بين الزوجين.

وإنما دعانا لتخصيص فصل خاص بهذا وعدم إدراجه في أنواع التفريق الأخرى، حرصنا على بيان عدم تشابه هذا النوع مع سائر الأنواع في حقيقته أو أحكامه، لأن بعض الفقهاء خلطوا أحكام هذا النوع بسائر الأحكام مما نشر الاعتقاد من أن هذا النوع طلاق كسائر الطلاق.

وسنتناول في هذا الفصل بناء على هذا مبحثين: مبحثا خاصا بالظهار، ومبحثا خاصا بالإيلاء.

أولا ـ الظهار

عرف الفقهاء الظهار تعاريف مختلفة تدخلت في عمومها الآراء الفقهية المختلفة، ومن هذه التعاريف:

1 ـ هو وصف المظاهر من يحل له وطؤها من زوجة أو أمة بأنها عليه كظهر أمه([1]).

2 ـ تشبيه المنكوحة بالمحرمة على سبيل التأبيد اتفاقا بنسب أو رضاع أو مصاهرة([2]).

3 ـ هو أن يشبه امرأته أو عضوا من أعضائها يعبر به عن جميعها أو جزءا شائعا منها بمن تحرم عليه على التأبيد([3]).

4 ـ هو تشبيه زوج زوجه أو ذي أمة حل وطؤه إياها بمحرم منه أو بظهر أجنبية في تمتعه بهما والجزء كالكل والمعلق كالحاصل([4]).

ومن أهم ما ينبغي أن يعلم في الظهار قبل البحث في مسائله، التحقق من المراد الشرعي منه، ولا يمكن معرفة ذلك في الحدود والتعاريف التي وضعها الفقهاء، والتي ذكرنا بعض نماذجها، لتغلب الفروع المذهبية عليها، فلذلك نحتاج إلى الرجوع لمصدر هذه المعرفة وأساسها وهو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فالمعاني الشرعية لا تعرف إلا منهما.

وأساس البحث في حقيقة الظهار هو علاقته بالطلاق، فهل الظهار نوع من الطلاق؟ أم أنه حقيقة مستقلة عنه استقلالا تاما حتى لو عبر عنه بألفاظ يعبر بها عن الطلاق.

وقد ذهبت كثير من الآراء الفقهية المختلفة إلى التفريق بين الظهار وبين الطلاق من الزاوية النظرية، ولكنه من الناحية العملية نجدهم في مواضع كثيرة يحكمون في الظهار بأحكام الطلاق، فالسرخسي مثلا يقول: (اعلم بأن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فقرر الشرع أصله ونقل حكمه إلى تحريم مؤقت بالكفارة من غير أن يكون مزيلا للملك([5])

لكنهم عند ذكر تعليق الظهار بالشروط مثلا، وهو قول المظاهر: إن دخلت الدار، فأنت علي كظهر أمي، فإنهم ينصون على أنه متى دخلت الدار، صار مظاهرا، وإلا فلا، استدلالا بأن أصل الظهار أنه كان طلاقا، والطلاق يصح تعليقه بالشرط، فكذلك الظهار.

ومثل ذلك الكثير من الفروع التي سنراها في خلال هذا المبحث، قال ابن تيمية يذكر هذا الخلط بين الطلاق والظهار:(ومن العلماء من اشتبه عليه بعض ذلك ببعض فيجعل ما هو ظهار طلاقا، فيكثر بذلك وقوع الطلاق الذى يبغضه الله ورسوله ويحتاجون إما الى دوام المكروه وإما إلى زواله بما هو أكره الى الله ورسوله منه وهو نكاح التحليل([6])

ونرى كما ذكرنا سابقا أن للظهار حقيقة مستقلة، وأن علاقته بالطلاق علاقة مفارقة تامة، وأنه أقرب إلى الأحكام التعبدية منه إلى أحكام الأسرة، فلذلك سنرى في الترجيحات خلاف ما ذكرنا في الطلاق من الميل إلى الأقوال المشددة مراعاة للاحتياط، ودرءا لاستعمال هذا اللفظ الذي جاء القرآن الكريم لتحريمه، ووضع له كعلاج مرحلي عقوبة الكفارة، فمن عاد وظاهر بأي لفظ من الألفاظ التي لها اشتباه بالظهار وجبت عليه العقوبة لتخليصه من لوث الجاهلية.

فأحكام الظهار بهذا تتفق مع أحكام العبادات في كون الغرض منه تغلب عليه التربية والتقويم السلوكي أكثر مما تغلب عليه أحكام الطلاق التي يقصد منها التفريق، فهو تقويم شرعي لسلوك جاهلي منحرف، ومن الخطأ تغليب المعنى الجاهلي للظهار على المعنى الشرعي، قال الشافعي: (سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يذكر أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بثلاثة: الظهار والإيلاء والطلاق، فأقر الله تعالى الطلاق طلاقا، وحكم في الإيلاء بأن أمهل الموالي أربعة أشهر، ثم جعل عليه أن يفيء أو يطلق، وحكم في الظهار بالكفارة، فإذا تظاهر الرجل من امرأته يريد طلاقها، أو يريد تحريمها بلا طلاق فلا يقع به طلاق بحال، وهو متظاهر، وكذلك إن تكلم بالظهار ولا ينوي شيئا فهو متظاهر، لأنه متكلم بالظهار)([7])

وقال سيد قطب وهو يرسم الصورة التي جاء القرآن الكريم لتعديلها: (كان الرجل في الجاهلية يقول لامرأته:أنت علي كظهر أمي. أي حرام محرمة كما تحرم علي أمي. ومن ساعتئذ يحرم عليه وطؤها ؛ ثم تبقى معلقة، لا هي مطلقة فتتزوج غيره، ولا هي زوجة فتحل له. وكان في هذا من القسوة ما فيه ؛ وكان طرفا من سوء معاملة المرأة في الجاهلية والاستبداد بها، وسومها كل مشقة وعنت) ([8])

فلما جاء الإسلام رفع عن المرأة هذا الخسف الجاهلي ؛ (وكان مما شرعه هذه القاعدة: وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم، فإن قولة باللسان لا تغير الحقيقة الواقعة، وهي أن الأم أم والزوجة زوجة ؛ ولا تتحول طبيعة العلاقة بكلمة ! ومن ثم لم يعد الظهار تحريما أبديا كتحريم الأم كما كان في الجاهلية، فجعل الظهار تحريما مؤقتا للوطء – لا مؤبدا ولا طلاقا – كفارته عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا. وبذلك تحل الزوجة مرة أخرى، وتعود الحياة الزوجية لسابق عهدها. ويستقر الحكم الثابت المستقيم على الحقيقة الواقعة: وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم.. وتسلم الأسرة من التصدع بسبب تلك العادة الجاهلية، التي كانت تمثل طرفا من سوم المرأة الخسف والعنت، ومن اضطراب علاقات الأسرة وتعقيدها وفوضاها، تحت نزوات الرجال وعنجهيتهم في المجتمع الجاهلي)([9])

ولعل السبب الذي جعل بعض الفقهاء يجنحون في مسائل الظهار إلى أحكام الطلاق بجعلها أصلا يقاس عليه، هو اعتبارهم الظهار نوعا من أنواع الإنشاء كالطلاق، فلذلك يحكمون له بأحكام الطلاق، قال القرافي: (مما يتوهم أنه إنشاء وليس كذلك، وهو الظهار في قول القائل لامرأته أنت علي كظهر أمي يعتقد الفقهاء أنه إنشاء للظهار كقوله أنت طالق إنشاء للطلاق فإن البابين في الإنشاء سواء، وليس كذلك([10])

وقد بحث القرافي الشبه التي ينطلق منها من يسوي بين الظهار والطلاق، وناقشها مناقشة طويلة مهمة، وسنلخص هنا ما ذكره من شبه، وما أورده من رودد، فمن الشبه التي ينطلق منها من يشبه الظهار بالطلاق:

1 ـ أن كتب المحدثين والفقهاء متظافرة على أن الظهار كان طلاقا في الجاهلية فجعله الله تعالى في الإسلام تحريما تحله الكفارة كما تحل الرجعة تحريم الطلاق.

2 ـ أنه مندرج في حد الإنشاء فيكون إنشاء ؛ لأنه لفظ يترتب عليه التحريم فيكون سببا له والإنشاء من خصائصه أنه سبب لمدلوله وثبوت خصيصية الشيء يقتضي ثبوته فيكون إنشاء كالطلاق.

3 ـ أنه لفظ يستتبع أحكاما تترتب عليه من التحريم والكفارة وغيرهما فوجب أن يكون إنشاء كالطلاق والعتاق وغير ذلك من صيغ الإنشاء فإن خروج هذا اللفظ عن باب الإنشاء بعيد جدا لا سيما وقد نص الفقهاء على أن له صريحا وكناية كالطلاق وغيره.

أما ما يرد به على هذه الشبه، ويجلي في نفس الوقت حقيقة الظهار، فهو كما يلي:

1 ـ أن كونه طلاقا في الجاهلية لا يقتضي أنهم كانوا ينشئون الطلاق، بل يقتضي ذلك أن العصمة في الجاهلية تزول عند النطق به، وجرت عادتهم أن من أخبر بهذا الخبر الكذب لا تبقى امرأته في عصمته متى التزم بجاهليتهم، وليس في حال الجاهلية ما يأبى ذلك، بل لعبهم في أحوالهم أكثر من ذلك فقد التزموا أن الناقة إذا جاءت بعشرة من الولد تصير سائبة، فمجاز أن يلتزموا ذهاب العصمة عند كذب خاص، ويقوي هذا الاحتمال القرآن الكريم بقوله تعالى:{مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ }(المجادلة:2) الآية كما تقدم فإن التكذيب من خصائص الخبر فيكون ظهارهم خبرا كذبا التزموا عقيبه ذهاب العصمة كسائر ملتزماتهم الباطلة، وقد عدها العلماء نحو عشرين نوعا من التحريمات التزموها بغير سبب يقتضيها من جهة الشرائع.

2 ـ دلالة القرآن الكريم في آية الظهار على أنه خبر وليس إنشاء كالطلاق، وتتجلى هذه الدلالة في الوجوه التالية:

الوجه الأول: قوله تعالى:{ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } فنفى تعالى ما أثبتوه، ومن قال لامرأته أنت طالق لا يحسن أن يقال له ما هي مطلقة، وإنما يحسن ذلك إذا أخبر عن تقدم طلاقها ولم يتقدم فيها طلاق فدل ذلك على أن قول المظاهر خبر لا إنشاء.

الوجه الثاني: قوله تعالى:{ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ } والإنشاء للتحريم لا يكون منكرا بدليل الطلاق، وإنما يكون منكرا إذا جعلناه خبرا فإنه حينئذ كذب والكذب منكر.

الوجه الثالث: قوله تعالى:{ وَزُورًا } والزور هو الخبر الكذب فيكون قولهم كذبا وهو المطلوب، وإذا كذبهم الله في هذه المواطن دل ذلك على أن قولهم خبر لا إنشاء.

الوجه الرابع: قول الله تعالى بعد ذكر الكفارة { ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ } والوعظ إنما يكون عن المحرمات فإذا جعلت الكفارة وعظا دل ذلك على أنها زاجرة لا ساترة، وأنه حصل هنالك ما يقتضي الوعظ وما ذلك إلا الظهار المحرم فيكون محرما لكونه كذبا فيكون خبرا.

الوجه الخامس: قوله تعالى في الآية { وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ }والعفو والمغفرة إنما يكونان في المعاصي، فدل ذلك على أنه معصية ولا مدرك للمعصية إلا كونه كذبا، والكذب لا يكون إلا في الخبر فيكون خبرا وهو المطلوب.

قال القرافي بعد إيراده للوجوه التي تدل على كون الظهار خبرا لا إنشاء بعكس الطلاق: (فظهر الفرق بين ترتب التحريم على الطلاق وبين ترتبه على الظهار فتأمل ذلك، فإن الجهات مختلفة جدا، ونحن نقول التحريم والكفارة الكل عقوبة على الكذب في الظهار) ([11])

1 ـ حكم الظهار

مظاهرة الرجل لزوجته

أجمع العلماء على تحريم مظاهرة الرجل لزوجته، بل هو من الكبائر، كما قال ابن عباس، بل كما نص الحديث، فهو من قول الزور([12])،ومن الأدلة على ذلك:

1 ـ قوله تعالى:{ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمْ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ }(الأحزاب:4)

2 ـ قوله تعالى:{ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُور} ٌ(المجادلة:2)، وقد علل ابن القيم كونه منكرا من القول وزورا بقوله: (الظهار حرام لا يجوزُ الإقدامُ عليه لأنه كما أخبر الله عنه منكر من القول وزور، وكلاهما حرام، والفرقُ بـين جهة كونه منكراً وجهةِ كونه زوراً أن قوله: أنت علي كظهر أمي يتضمنُ إخباره عنها بذلك، وإنشاءه تحريمها، فهو يتضمن إخباراً وإنشاءً، فهو خبر زُورٌ وإنشاءٌ منكر، فإن الزور هو الباطل خلاف الحق الثابت، والمنكر خلاف المعروف، وختم سبحانه الآية بقوله تعالى: {وَإِن اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُور}. وفيه إشعار بقيام سبب الإثم الذي لولا عفو الله ومغفرتُه لآخذ به([13])

3 ـ قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير}(المجادلة:3)

4 ـ عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة، قالت: ظاهر مني أوس بن الصامت، فجئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشكو، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجادلني فيه، ويقول: اتق الله ؛ فإنه ابن عمك. فما برحت حتى نزل القرآن: { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}(المجادلة:1)، فقال: يعتق رقبة. فقلت: لا يجد، فقالصلى الله عليه وآله وسلم:فيصوم شهرين متتابعين، قلت: يا رسول الله، إنه شيخ كبير، ما به من صيام، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: فليطعم ستين مسكينا. قلت: ما عنده من شيء يتصدق به. قال: فإني سأعينه بعرق من تمر. فقلت: يا رسول الله، فإني أعينه بعرق آخر، قال: قد أحسنت، اذهبي فأطعمي عنه ستين مسكينا، وارجعي إلى ابن عمك([14]).

مظاهرة المرأة لزوجها

وهو أن تقول المرأة لزوجها: أنت علي كظهر أبي، وقد اختلف الفقهاء في اعتبارها مظاهرة بذلك على قولين([15]):

القول الأول: هو ظهار، وروي ذلك عن الحسن، والنخعي، وهو قول الزهري، والأوزاعي، وروي عن الأوزاعي أنها إذا قالت: (إن تزوجته فهو علي كظهر أبي ([16])كانت مظاهرة، ولو قالت وهي تحت زوج كان عليها كفارة يمين، واستدلوا على ذلك بأنها أحد الزوجين ظاهر من الآخر، فكان مظاهرا كالرجل.

القول الثاني:أنها ليست مظاهرة بذلك، وهو قول أكثر العلماء،واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ قول الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ }(المجادلة:3)، فخصهم بذلك، وفي المدونة: (أرأيت إن ظاهرت امرأة من زوجها، أتكون مظاهرة في قول مالك؟ قال: لا، إنما قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ }(المجادلة:3)ولم يقل واللائي يظاهرن منكن من أزواجهن([17])

2 ـ أنه قول يوجب تحريما في الزوجة، يملك الزوج رفعه، فاختص به الرجل، كالطلاق([18]).

3 ـ أن الحل في المرأة حق للرجل، فلم تملك المرأة إزالته، كسائر حقوقه.

4 ـ أن خبر عائشة مخصوص بكونها لم تكن زوجته، قال إبراهيم: لو كانت عنده يعني عند زوجها يوم قالت ذلك ما كان عليها عتق رقبة، ولكنها كانت تملك نفسها حين قالت ما قالت.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أنها ترتبط بجانبين:

1 ـ الجانب التكليفي، وهو الحرمة، وهي لا تختلف في ذلك عن الرجل، لأن كليهما بالتصريح بهذا القول قد قال منكرا من القول وزورا، والحرام من الناحية التكليفية لا يختلف فيه الرجل والمرأة.

2 ـ الجانب الوضعي، أو أثر قولها، وهو عدم ارتباط التكفير بالمعاشرة، لأن الظهار من هذه الناحية خاص بالرجل، فهو حقيقة شرعية يلزم العمل بها في محلها، ولا يصح قياس ما لم يذكره الشرع فيها على ما ذكره.

وإنما ذكرنا هذا التفريق لتصور الكثير بأن عدم الكفارة لا يدل على الحرمة، أو أنه يخفف منها، وهذا غير صحيح، فاليمين الغموس أعظم خطرا من اليمين المعقدة، ومع ذلك أمر الشرع بالكفارة في المعقدة، ولم يأمر بها في الغموس.

2 ـ أركان الظهار وشروطها

وقد نص الكثير من الفقهاء على أنها أربعة، وهي:

الركن الأول: المظاهر

اتفق الفقهاء على أنه يشترط في المظاهر أن يكون عاقلا إما حقيقة أو تقديرا، فلا يصح ظهار المجنون والصبي الذي لا يعقل ؛ لأن حكم الحرمة وخطاب التحريم لا يتناول من لا يعقل، ويدخل في ذلك ما ذكرناه فيمن يقع منه الطلاق أن لا يكون معتوها ولا مدهوشا ولا مبرسما ولا مغمى عليه ولا نائما، فلا يصح ظهار هؤلاء كما لا يصح طلاقهم.

الركن الثاني: المظاهر منها

اتفقت معظم أقوال الفقهاء على اشتراط الزوجية في المظاهر منها، قال الشافعي: (لم أعلم مخالفا في أن أحكام الله تعالى في الطلاق والظهار والإيلاء لا تقع إلا على زوجة ثابتة النكاح يحل للزوج جماعها)([19])، وخالف بعضهم في ذلك، ومن مسائل الخلاف في المسألة:

الظهار من أجنبية:

اختلف الفقهاء في اعتبار الظهار من الأجنبية هل يصح أم لا على قولين([20]):

القول الأول: لا يثبت حكم الظهار قبل التزويج، ويروى عن ابن عباس، وهو قول الثوري، وأبي حنيفة، والشافعي، وابن حزم، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ قول الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ }(المجادلة:3)، والأجنبية ليست من نسائه.

2 ـ أن الظهار يمين ورد الشرع بحكمها مقيدا بنسائه، فلم يثبت حكمها في الأجنبية، كالإيلاء.

3 ـ أن الظهار يختص بوقت النطق به لا بعد ذلك، ومن الباطل أن لا يلزم الحكم للقول حين يقال ثم يلزم حين لا يقال([21]).

القول الثاني: أنه يعتبر ظهارا، وبه قال سعيد بن المسيب، وعروة، وعطاء، والحسن، ومالك، وإسحاق، وأحمد، ويستوي في ذلك ما لو قال لامرأة بعينها، أو قال: كل النساء علي كظهر أمي، وسواء أوقعه مطلقا، أو علقه على التزويج، فقال: كل امرأة أتزوجها، فهي علي كظهر أمي، فمتى تزوج التي ظاهر منها، لم يقربها حتى يكفر، ويروى هذا القول عن عمر، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ أنها يمين مكفرة، فصح انعقادها قبل النكاح، كاليمين بالله تعالى.

2 ـ أن التخصيص الوارد في الآية بالنساء خرج مخرج الغالب ؛ فإن الغالب أن الإنسان إنما يظاهر من نسائه، فلا يوجب تخصيص الحكم بهن، كما أن تخصيص الربيبة التي في حجره بالذكر، لم يوجب اختصاصها بالتحريم.

3 ـ أن التخصيص الوارد في الإيلاء، إنما اختص حكمه بنسائه ؛ لكونه يقصد الإضرار بهن دون غيرهن والكفارة وجبت هاهنا لقول المنكر والزور، ولا يختص ذلك بنسائه.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة أن قائل هذا الكلام إن قصد به الظهار، فقد ارتكب كبيرة عظيمة لا تقل عن الكبيرة التي وقع فيها من ظاهر من زوجته، وهذا الحكم التكليفي يقتضي التوبة النصوح، وقد تستدعي التوبة النصوح الأخذ بالأورع في هذه المسألة باعتبارها مسألة تعبدية محضة، بل قد يتعدى خيرها إن أعتق أو أطعم، فلذلك فإن الأولى الأخذ بالقول الثاني من باب الاحتياط، وسدا للذريعة، لأن من الناس من لا ترهبه الزواجر، بقدر ما تخيفه الكفارات والعقوبات.

وقد يقال هنا: فلماذا لا يقال نفس الشيء في الطلاق، وقد رأينا في الطلاق أن الأرجح خلاف هذا القول، والجواب على ذلك أن أثر الطلاق مفسدة محضة، بخلاف أثر الكفارة، فهو مصلحة عظمى سواء بين العبد وربه بالصوم أو بين الخلق فيما بينهم بالعتق والإطعام، زيادة على أن مسألة الظهار أقرب إلى المسائل التعبدية منها لأحكام المعاملات كما وضحنا ذلك سابقا.

تعميم الظهار:

اختلف الفقهاء القائلون بصحة وقوع الظهار على الأجنبية فيما لو عمم في ظهاره فقال: كل امرأة أتزوجها، فهي علي كظهر أمي، ثم تزوج نساء وأراد العود، فقد اختلف في تعدد الكفارة على قولين:

القول الأول: أن عليه كفارة واحدة، سواء تزوجهن في عقد واحد أو في عقود متفرقة، وهو قول عروة، وإسحاق وأحمد، واستدلوا على ذلك بأنها يمين واحدة، فكفارتها واحدة، كما لو ظاهر من أربع نساء بكلمة واحدة.

القول الثاني: أن لكل عقد كفارة، فلو تزوج اثنتين في عقد، وأراد العود فعليه كفارة واحدة، ثم إذا تزوج أخرى، وأراد العود، فعليه كفارة أخرى، وهو قول إسحاق ورواية عن أحمد، واستدلوا على ذلك بأن المرأة الثالثة وجد العقد عليها الذي يثبت به الظهار، وأراد العود إليها بعد التكفير عن الأوليين، فكانت عليه لها كفارة، كما لو ظاهر منها ابتداء.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو الاكتفاء بكفارة واحدة، لأن الأصل في الظهار أن يختص بالزوجة، وتعميمه على غيرها من باب التأديب، ولا يصح أن يتجاوز بالتأديب محله.

الظهار من المطلقة:

اتفق الفقهاء على أنه يلحق المطلقة الرجعية ما دامت في عدتها الظهار، قال ابن حزم: (المطلقة طلاقا رجعيا فهي زوجة للذي طلقها ما لم تنقض عدتها، يتوارثان، ويلحقها طلاقه، وإيلاؤه، وظهاره، ولعانه إن قذفها، وعليه نفقتها، وكسوتها، وإسكانها([22])،وقال السرخسي: (إذا طلقها تطليقة رجعية، فطلاقه يقع عليها ما دامت في العدة، وكذلك الظهار والإيلاء، وإن قذفها، لاعنها، وإن مات أحدهما توارثا ؛ لبقاء ملك النكاح بعد الطلاق الرجعي([23])

وقد اختلفوا في وجوب الكفارة على من طلق من ظاهر منها، ثم تزوجها، هل يجوز له معاشرتها قبل التكفير أم لا على قولين:

القول الأول: لا تحل له معاشرتها حتى يكفر، سواء كان الطلاق ثلاثا، أو أقل منه، سواء رجعت إليه بعد زوج آخر، أو قبله، وهو قول عطاء، والحسن، والزهري، والنخعي، ومالك وأحمد وأبي عبيد والشافعي في قول، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ عموم قول الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا }(المجادلة:3)، وهذا قد ظاهر من امرأته، فلا يحل أن يتماسا حتى يكفر.

2 ـ أنه ظاهر من امرأته، فلا يحل له مسها قبل التكفير، كالتي لم يطلقها.

3 ـ أن يمين الظهار يمين مكفرة، فلم يبطل حكمها بالطلاق، كالإيلاء.

القول الثاني: إذا بانت سقط الظهار، فإذا عاد فنكحها، فلا كفارة عليه، وهو قول قتادة، والحنفية، والشافعي في قول([24])، قال السرخسي: (إن طلقها طلاقا بائنا، فإنه لا يقع عليها ظهار ولا إيلاء ؛ لأن الظهار منكر من القول وزور ؛ لما فيه من تشبيه المحللة بالمحرمة، وهذا تشبيه المحرمة بالمحللة ([25])

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو ما ذكرنا سابقا من التورع في أحكام الظهار ردعا لمن يتساهل فيه، لأن المنكر من القول والزور يتحقق مطلقا، مع الزوجة التي يملك عصمتها والتي لا يملك عصمتها سواء بسواء، مع عدم أي ضرر في هذه العقوبة الشرعية لأي طرف من الأطراف، بل هي مصلحة محضة كما ذكرنا، ودورها التطهيري التربوي لا يخفى، خاصة وأن مثل هذا السلوك الجاهلي يحتاج في تقويمه إلى التأديب، ولو بالمبالغة في التشديد فيه من باب المصلحة كما يبالغ الشيخ مع طلابه فيشدد عليهم رعاية لمصالحهم.

الركن الثالث: صيغة الظهار

ويتعلق بهذا الركن المسائل التالية([26]):

التعابير الدالة على الظهار

الألفاظ الصريحة:

وهي ما لا يفتقر إلى نية، كقوله:أنت عندي، أو مني، أو معي، كظهر أمي، أو جملتك، أو بدنك، أو جسمك، أو ذاتك، أو كلك علي كظهر أمي، أما إن قال: أنت كظهر أمي، فقد اختلف الفقهاء فيه على قولين:

القول الأول: أنه ظهار، وهو قول الجمهور، لأنه أتى بما يقتضي تحريمها عليه فانصرف الحكم إليه، كما لو قال: أنت طالق.

القول الثاني: أنه ليس بظهار، وهو قول بعض الشافعية، لأنه فيه ما يدل على أن ذلك في حقه.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو اعتبار النية مطلقا في الألفاظ الصريحة وألفاظ الكناية، بل لا نعتقد في صحة هذا التقسيم أصلا لسببين:

1 ـ أن أكثر هذه الألفاظ لا تستعمل الآن بصورتها الفصيحة بين كل الشعوب العربية، فكيف بغيرها.

2 ـ أن الظهار يختلف اختلافا جذريا عن الطلاق، فلا يصح التعامل معه بنفس أسلوب التعامل مع الطلاق.

فلذلك كان الأرجح هنا هو اعتبار النية مطلقا كاعتبارها في الأيمان، لأن الظهار مسألة تعبدية أكثر منها مسألة من باب النكاح، ولا يمكن أن نحصر الألفاظ الدالة على ذلك، بل العبرة بالضابط القرآني الذي هو التزوير في الحقائق بالتعامل مع الزوجة كالتعامل مع الأم أو غيرها من المحارم.

ألفاظ الكناية:

وهي ما تفتقر إلى نية، ومن ألفاظ الكناية التي ذكرها العلماء:

قوله: أنت مثل أمي: أو: علي كأمي، فإنه إن نوى به الظهار، فهو ظهار، باتفاق العلماء، أما إن نوى به الكرامة والتوقير، أو أنها مثلها في الكبر، أو الصفة، فليس بظهار. والقول قوله في نيته، ولهذا كره العلماء أن يسمي الرجل امرأته بمن تحرم عليه، كأمه، أو أخته، أو بنته مع اتفاقهم على عدم اعتبار ذلك ظهارا ومن الأدلة ذلك أن رجلا قال لامرأته: يا أخية. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أختك هي، فكره ذلك، ونهى عنه)([27])، ولم يقل له صلى الله عليه وآله وسلم: حرمت عليك، فدل على الكراهة.

الركن الرابع ـ المشبه به

لا يخلو المشبه به من خمسة أنواع بحسب القسمة العقلية، وذلك أنه إما أن يكون من محارمه أم لا، فإن كان من محارمه، فلا يخلو أن يكون من المحارم الدائمة أو المؤقتة، وإن كان من غير محارمه فقد يكون امرأة أو غير امرأة، ثم إنه في كل هؤلاء قد يكون تشبيها كاملا أو جزئيا، وتفصيل ذلك كما يلي:

المحرمات على التأبيد

ولهذا التشبيه حالتان:

تشبه الزوجة بالأم من النسب: أجمع العلماء على أن من قال لزوجته:(أنت علي كظهر أمي)، فهو ظهار، قال ابن المنذر:(أجمع أهل العلم على أن تصريح الظهار أن يقول: أنت علي كظهر أمي) ([28])، واستدلوا على ذلك بحديث خويلة امرأة أوس بن الصامت، فقد قال لها: أنت علي كظهر أمي، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمره بالكفارة.

تشبيه الزوجة بمن تحرم عليه سوى الأم: كجدته وعمته وخالته وأخته، أو أن يشبهها بظهر من تحرم عليه على التأبيد سوى الأقارب، كالأمهات المرضعات، والأخوات من الرضاعة، وحلائل الآباء والأبناء، وأمهات النساء، والربائب اللائي دخل بأمهن، وقد اختلف الفقهاء في حكم هذا التشبيه، هل يعتبر ظهارا أم لا على قولين:

القول الأول: أنه ظهار، وهو قول أكثر العلماء ذكر منهم ابن قدامة: الحسن، وعطاء، وجابر بن زيد، والشعبي، والنخعي، والزهري، والثوري، والأوزاعي، ومالك، وإسحاق وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وهو جديد قولي الشافعي([29]).

القول الثاني:لا يكون الظهار إلا بأم أو جدة ؛ لأنها أم أيضا، وهو قول الشافعي القديم، وقول الإمامية([30])، وقول ابن حزم، واستدل على ذلك بأن اللفظ الذي ورد به القرآن مختص بالأم، فإذا عدل عنه، لم يتعلق به ما أوجبه الله تعالى فيه.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول، لأن العلة في ذكر الأم متوفرة في غيرها من المحارم، ولا يصح أن نطلب من النص القرآني ـ كما ذكر أصحاب القول الثاني ـ بعد جميع المحرمات، فالأم تنوب عنهن جميعا، فالقياس هنا في محله الصحيح.

المحرمات حرمة مؤقتة:

وذلك مثل تشبيهها بأخت امرأته، وعمتها، أو الأجنبية، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

القول الأول: أنه ظهار، وهو قول المالكية ورواية عند الحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ أنه شبهها بمحرمة، فأشبه ما لو شبهها بالأم.

2 ـ أن مجرد قوله: أنت علي حرام([31])، ظهار إذا نوى به الظهار، والتشبيه بالمحرمة تحريم، فكان ظهارا.

3 ـ أن الحائض يباح الاستمتاع بها في غير الفرج، والمحرمة يحل له النظر إليها، ولمسها من غير شهوة، وليس في وطء واحدة منهما حد بخلاف هذه الحالة.

القول الثاني: أنه ليس بظهار، وهو قول الشافعي ورواية عند الحنابلة، واستدلوا على ذلك بأنها غير محرمة على التأبيد، فلا يكون التشبيه بها ظهارا، كالحائض، والمحرمة من نسائه.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة مثلما سبق بيانه هو ترجيح الحكم بكونه ظهارا، لأن العلة الموجودة في الظهار بالأم توجد في غيرها ممن ذكر، والمقصد من تحريم الظهار هو كونه قول زور، وهو يصدق هنا كما يصدق على الظهار بالأم، زيادة على المقاصد الشرعية التي تتحقق بترجيح هذا القول من سد الذرائع التي تفتح هذا الباب، وجلب المصالح المترتبة عن الكفارة.

تشبيه الزوجة بأجنبية:

اختلف الفقهاء فيما لو كان المشبه به أجنبية على قولين([32]):

القول الأول: هو مظاهر كان لها زوج أو لم يكن لها زوج، وهو قول مالك، لأنه شبه امرأته بظهر محرمة عليه فلزمه حكم الظهار أصله إذا قال: كظهر أمه.

القول الثاني: يكون طلاقا، وهو قول عبد الملك بن الماجشون، لأن الظهار إنما يتعلق بتحريم مؤبد ولا يكون ذلك إلا برفع عقد الاستباحة، وذلك إنما يكون بالطلاق.

القول الثالث: لا يكون طلاقا ولا ظهارا، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، لأنها ليست محرمة على التأبيد.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو كونه ظهارا لأن الأجنبية لا تختلف عن أمه وغيرها من محارمه في التحريم، وما يصدق عليها من الزور يصدق على غيرها.

تشبيه الزوجة بغير النساء:

كتشبيهها بظهر أبيه، أو بظهر غيره من الرجال، أو قوله: أنت علي كظهر البهيمة، أو أنت علي كالميتة والدم، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

القول الأول: أنه ظهار، وهو رواية عن أحمد وقول ابن القاسم صاحب مالك، فيما إذا قال: أنت علي كظهر أبي.

القول الثاني: أنه ليس بظهار، وهو قول أكثر العلماء، واستدلوا على ذلك بأنه تشبيه بما ليس بمحل للاستمتاع، فأشبه ما لو قال: أنت علي كمال زيد.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو النظر في مقصده من هذا التشبيه إن كان من باب تحريمها كحرمة أبيه أو الميتة أو الدم فهو ظهار، لأنه من الزور المحرم، وإن كان من باب الضجر منها واستقذارها مثلا من غير قصد التحريم، فهو حرام تعلق به حق الغير، فيتوب ويستحل.

تشبيه أعضاء الزوجة بأعضاء غيرها:

وهو تشبيه عضو من امرأته بظهر أمه أو عضو من أعضائها، كقوله: ظهرك، أو رأسك، أو جلدك علي كظهر أمي، أو بدنها، أو رأسها، أو يدها، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

القول الأول: هو مظاهر، وهو قول مالك والشافعي ورواية عن أحمد، واستدلوا على ذلك بأنه شبهها بعضو من أمه، فكان مظاهرا، كما لو شبهها بظهرها.

القول الثاني: أنه ليس بمظاهر حتى يشبه جملة امرأته، وهو رواية عن أحمد، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ أنه لو حلف بالله لا يمس عضوا منها، لم يسر إلى غيره، فكذلك المظاهرة.

2 ـ أن هذا ليس بمنصوص عليه، ولا هو في معنى المنصوص ؛ لأن تشبيه جملتها تشبيه لمحل الاستمتاع بما يتأكد تحريمه، وفيه تحريم لجملتها، فيكون آكد.

القول الثالث: التفصيل، وهو قول الحنفية، وكيفيته أنه إن شبهها بما يحرم النظر إليه من الأم، كالفرج، والفخذ، ونحوهما، فهو مظاهر، وإن لم يحرم النظر إليه، كالرأس، والوجه، لم يكن مظاهرا، واستدلوا على ذلك بأنه شبهها بعضو لا يحرم النظر إليه، فلم يكن مظاهرا، كما لو شبهها بعضو زوجة له أخرى.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو اعتبار نيته، والتي يمكن حصرها في المقصدين التاليين:

1 ـ أن يقصد المظاهر التشبيه الوصفي، فوصف بعض أعضاء زوجته بنظيرها من محارمه، وحكمه كسائر التشبيهات لا يعتبر ظهارا، لأن مراده الوصف لا التحريم.

2 ـ أن يقصد تحريمها بذكر البعض وإرادة الكل، أو أن يكون التشبيه في الأعضاء التي لا يحل النظر إليها كما ذكر الحنفية، بل إن ذكر ما لا يحل النظر إليه من أمه وتشبيه الزوجة به فيه من الوقاحة وسوء الأدب ما يستدعي ما هو أبلغ من الكفارة.

3 ـ موجبات كفارة الظهار

وتتعلق بها المسائل التالية:

الحنث في اليمين:

اختلف الفقهاء في اعتبار هذا الموجب على قولين:

القول الأول: عليه الكفارة بمجرد الظهار، وهو قول طاوس، ومجاهد، والشعبي، والزهري، وقتادة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ أنه سبب للكفارة وقد وجد.

2 ـ أن الكفارة وجبت لقول المنكر والزور، وهو يحصل بمجرد الظهار.

القول الثاني: متى أمسكها بعد ظهاره زمنا يمكنه طلاقها فيه، فلم يطلقها، فعليه الكفارة، وهو قول الشافعي، ويتحقق ذلك بإمساكها زمناً يتسِعُ لقوله: أنت طالق، فمتى لم يَصِل الطلاق بالظهار، لزمته الكفارة، قال الشافعي: (إذا حبس المتظاهر امرأته بعد الظهار قدر ما يمكنه أن يطلقها ولم يطلقها فكفارة الظهار له لازمة، ولو طلقها بعد ذلك أو لاعنها فحرمت عليه على الأبد لزمته كفارة الظهار، وكذلك لو ماتت أو ارتدت فقتلت على الردة) ([33])

وهو قريب من القول السابق، قال ابن القيم: (قال منازعوه: وهو في المعنى قول مجاهد، والثوري، فإن هذا النفَسَ الواحدَ لا يُخرِجُ الظهارَ عن كونه موجبَ الكفارة، ففي الحقيقة لم يُوجب الكفارة إلا لفظُ الظهار([34])

القول الثالث: أن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار، فلو مات أحدهما([35]) أو فارقها قبل العود فلا كفارة عليه، وهو قول عطاء، والنخعي، والأوزاعي، والحسن والثوري، ومالك، وأبي عبيد، وأصحاب الرأي، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ قول الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا }(المجادلة:3)، فأوجب الكفارة بأمرين، ظهار وعود، فلا تثبت بأحدهما.

2 ـ أن الكفارة في الظهار كفارة يمين بغير الحنث، كسائر الأيمان، والحنث فيها هو العود، وذلك فعل ما حلف على تركه وهو الجماع، وترك طلاقها ليس بحنث فيها، ولا فعل لا حلف على تركه، فلا تجب به الكفارة.

3 ـ أنه لو كان الإمساك عودا، لوجبت الكفارة على المظاهر الموقت وإن بر.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة من حيث رعاية المقاصد الشرعية القول الأول، وذلك للاعتبارين التاليين:

1 ـ أن القول بوجوب الكفارة مطلقا ينسجم مع ما ذكرنا من أن العلة في الكفارة هي كونه قال منكرا من القول وزورا، وهو يتحقق بغض النظر عن بقائه معها أو عدم بقائه، وفي ذلك ردع عن هذا القول العظيم.

2 ـ أن ربط الكفارة بعدم تطليقه لها ـ كما ذهب إلى ذلك أصحاب القول الثاني والثالث ـ قد يكون ذريعة لتطليقها، فكانت المصلحة لبيت الزوجية سد هذه الذريعة، فيقال للزوج: كفر مطلقا طلقت زوجتك أو لم تطلقها.

ففي هذين الاعتبارين تتحقق المصلحة للفرد بتهذيب لسانه عن كل ألواث الجاهلية، وفي نفس الوقت تتحقق مصلحة بيت الزوجة بالحيلولة دون تعرضه لما يهزه، وكلاهما من المقاصد الشرعية.

ونرى من حيث الأدلة أن آيات الظهار تحتمل هذا المعنى، أما ما أورده أصحاب القول الثالث من توجيهات، فيمكن حملها على أن الآية ذكرت الحالة العامة للظهار، وهي أن الزوج يريد العودة لزوجته، فبينت له طريق ذلك، ولكنها لم تتعرض للحالات الأخرى كطلاق المظاهر منها أو موتها، فلذلك لا يصح تحميل الآية ما لا يحتمله ظاهر لفظها، زيادة على الاختلاف الكبير بين الفقهاء والمفسرين في معنى العود كما سنرى، وقد قال ابن حزم في معرض دفاعه عن تصوره لمعنى العود ردا على المخالفين بأن هذا القولَ لم يَقُل به أحد من الصحابة، فقال:(فأرونا مِن الصحابة من قال: إن العود هو الوطء، أو العزم، أو الإِمساك، أو هو العود إلى الظهار في الجاهلية ولو عن رجل واحدٍ من الصحابة، فلا تكونون أسعدَ بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منا أبداً) ([36])

بل إن في تعليل آيات الظهار التحريم والكفارة بكونه منكرا من القول وزروا يدل دلالة كافية على وجوب الكفارة مطلقا عاد أو لم يعد.

ولا يصح قياسه أيضا على الأيمان، لأن الأيمان مباحة، ومشروعة، فلا يصح قياس غير المشروع على المشروع، بل إن في ألفاظ الأيمان نواح تعبدية بخلاف يمين الظهار، إن صح اعتبارها يمينا.

حكم معاشرة الزوجة قبل التكفير:

وهي لا تخلو من أن تكون معاشرة كاملة بالجماع، أو ناقصة بالمباشرة، وحكمهما كما يلي:

الجماع:

اتفق الفقهاء على أن المظاهر يحرم عليه معاشرة امرأته جنسيا قبل أن يكفر إذا كانت الكفارة عتقا أو صوما لقول الله تعالى: { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا }(المجادلة:3)، وقوله تعالى: { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا }(المجادلة:4)

أما التكفير بالإطعام، فقد اختلف الفقهاء في جواز المعاشرة قبل التكفير على قولين([37]):

القول الأول: أنه تحرم عليه معاشرتها قبل التكفير([38])، وهو قول أكثر العلماء، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إني تظاهرت من امرأتي، فوقعت عليها قبل أن أكفر. فقال: ما حملك على ذلك، يرحمك الله؟ قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر. قال: فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله([39]).

2 ـ أنه مظاهر لم يكفر، فحرم عليه جماعها، كما لو كانت كفارته العتق أو الصيام، وترك النص عليها لا يمنع قياسها على المنصوص الذي في معناها.

القول الثاني: أن معاشرتها تحل له قبل التكفير، وهو قول أبي ثور ورواية عن أحمد، واستدلوا على ذلك بأن الله تعالى لم يمنع المسيس قبله، كما في العتق والصيام.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة أن حكمه يختلف بحسب حاله من الفقر والغنى في الوقت الذي وجبت عليه الكفارة، فإن كان ميسورا وجبت عليه قبل المسيس، وإن كان فقيرا بقيت واجبة في ذمته، وحل له معاشرة زوجته، والحديث الذي أورده أصحاب القول الأول لا يدل على المبالغة الشديدة في التحريم، ولذلك اختلف الحكم بحسب اختلاف الحال.

المباشرة:

وقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

القول الأول: حرمة ذلك، وهو قول الزهري، ومالك، والأوزاعي، وأبي عبيد وأصحاب الرأي،وأحد قولي الشافعي، لأن ما حرم الوطء من القول حرم دواعيه، كالطلاق والإحرام.

القول الثاني: إباحة ذلك، وهو قول الثوري، وإسحاق، وأبي حنيفة، وحكي عن مالك، وهو القول الثاني للشافعي وقول لأحمد، لأنه وطء يتعلق بتحريمه مال، فلم يتجاوزه التحريم، كوطء الحائض.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثاني بناء على أن المسيس يطلق في الاصطلاح القرآني عادة على المعاشرة الكاملة، وفي النهي عن المباشرة تشديد بالغ، يحتاج إلى ما يدل عليه، لأنه لا يصح أن نعاقب بما لم يعاقب به الشرع.

العزم على معاشرة المظاهر منها:

اختلف الفقهاء في اعتبار العزم على معاشرة الزوجة من موجبات الكفارة بناء على تفسير العود الوارد في الآية على أقوال كثيرة منها:

القول الأول: أن العود هو الوطء، فمتى وطئ لزمته الكفارة، ولا تجب قبل ذلك، إلا أنها شرط لحل الوطء، فيؤمر بها من أراده ليستحله بها، كما يؤمر بعقد النكاح من أراد حل المرأة، وقد حكي هذا القول عن الحسن، والزهري، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ قوله تعالى:{ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا }(المجادلة:3)فأوجب الكفارة بعد العود قبل التماس، وما حرم قبل الكفارة، لا يجوز كونه متقدما عليها.

2 ـ أن العود فعل ضد قوله، ومنه العائد في هبته، هو الراجع في الموهوب، والعائد في عدته، التارك للوفاء بما وعد، والعائد فيما نهي عنه فاعل المنهي عنه، قال الله تعالى: { ثُم يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنهُ}(المجادلة:8)، فالمظاهر محرم للوطء على نفسه، ومانع لها منه، فالعود فعله.

3 ـ أن معنى: ثم يعودون أي يريدون العود، كقول الله تعالى: { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (المائدة:6) أي أردتم ذلك، ومثله قوله تعالى: { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}(النحل:98) أن الظهار يمين مكفرة، فلا تجب الكفارة إلا بالحنث فيها، وهو فعل ما حلف على تركه كسائر الأيمان، وتجب الكفارة بذلك كسائر الأيمان، ولأنها يمين تقتضي ترك الوطء، فلا تجب كفارتها إلا به، كالإيلاء.

4 ـ أنه قصد بالظهار تحريمها، فالعزم على وطئها عود فيما قصده.

5 ـ أن الظهار تحريم، فإذا أراد استباحتها، فقد رجع في ذلك التحريم، فكان عائدا.

القول الثاني: أن العود هو العزم على الوطء، وهو قول مالك([40]) وأبي عبيد([41])، ومن الأدلة على ذلك:

1 ـ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا }(المجادلة:3) وثم تقتضي المهلة، فدل ذلك على أن العودة تكون بعد إيقاع الظهار بمهلة.

2 ـ أن قوله تعالى:{ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا }(المجادلة:3) يقتضي أن تكون العودة من فعل المظاهر إما عزم وإما غيره وإما أن تكون بمضي الزمان وترك طلاق فهو عدول عن الظاهر.

3 ـ أن هذه كفارة يمين فجاز أن يتأخر وجوبها عن اليمين.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو ما ذكرنا سابقا من أن كفارة الظهر ترتبط بتلفظه بالكلمة الآثمة التي ذكرها القرآن وما يشابهها بغض النظر عن عزمة على العود أو عدم عزمه، بناء على أن العود المذكور في الآية قد يكون وصفا للحالة الغالبة للظهار لا تقييدا لها.

4 ـ أنواع كفارة الظهار

النوع الأول: عتق رقبة:

اتفق الفقهاء على أن كفارة المظاهر القادر على الإعتاق، عتق رقبة، لا يجزئه غير ذلك لقول الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا }(المجادلة:3)، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأوس بن الصامت، حين ظاهر من امرأته: يعتق رقبة. قلت: لا يجد. قال: فيصوم)

واتفق الفقهاء على أنه إن لم يجد رقبة يعتقها كما هو حاصل في عصرنا، فإن له الانتقال إلى الصيام، ومثله من وجد رقبة تباع بزيادة على ثمن المثل تجحف بماله، فإنه لا يلزمه شراؤها؛ لأن فيه ضررا عليه بذلك.

النوع الثاني: صيام شهرين متتابعين:

اتفق الفقهاء على أن المظاهر إذا لم يجد رقبة فإن فرضه صيام شهرين متتابعين، لقول الله تعالى: { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا }(المجادلة:4)، ولحديث أوس بن الصامت، وسلمة بن صخر السابقين.

واختلف الفقهاء فيما لو أصابها في ليالي الصوم([42])، هل يفسد ما مضى من صيامه أم لا على قولين:

القول الأول: يفسد ما مضى من صيامه، وبهذا قال مالك، والثوري، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ أن الله تعالى قال: { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا }(المجادلة:4)، فأمر بهما خاليين عن وطء، ولم يأت بهما على ما أمر، فلم يجزئه، كما لو وطئ نهارا.

2 ـ أنه تحريم للوطء لا يختص النهار، فاستوى فيه الليل والنهار كالاعتكاف.

القول الثاني:أن التتابع لا ينقطع بهذا، وهو مذهب الشافعي، وأبي ثور، وابن المنذر، ورواية عن أحمد، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ أنه وطء لا يبطل الصوم، فلا يوجب الاستئناف، كوطء غيرها.

2 ـ أن التتابع في الصيام عبارة عن إتباع صوم يوم للذي قبله، من غير فارق، وهو متحقق، وإن وطئ ليلا، لأن ارتكاب النهي في الوطء قبل إتمامه إذا لم يخل بالتتابع المشترط، لا يمنع صحته وإجزاءه، كما لو وطئ قبل الشهرين، أو وطئ ليلة أول الشهرين وأصبح صائما، والإتيان بالصيام قبل التماس في حق هذا لا سبيل إليه، سواء بنى أو استأنف.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثاني لعدم العلاقة بين فعل المحرم وأداء الكفارة، فهو عاص في الأول، ومطيع في الثاني، والمعصية لا تنسخ الطاعة إلا بدليل خاص، ولا دليل هنا على ذلك.

النوع الثالث: إطعام ستين مسكينا:

أجمع العلماء على أن المظاهر إذا لم يجد الرقبة، ولم يستطع الصيام، أن فرضه إطعام ستين مسكينا سواء عجز عن الصيام لكبر، أو مرض يخاف بالصوم تباطؤه أو الزيادة فيه، أو الشبق فلا يصبر فيه عن الجماع،فعن أوس بن الصامت، لما أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصيام، قالت امرأته: يا رسول الله، إنه شيخ كبير، ما به من صيام. قال: فليطعم ستين مسكينا) ([43]).

ولما أمر سلمة بن صخر بالصيام قال: وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام، قال: فأطعم)، فنقله إلى الإطعام لما أخبر أن به من الشبق والشهوة ما يمنعه من الصيام.

ويجوز أن ينتقل إلى الإطعام إذا عجز عن الصيام للمرض، وإن كان مرجو الزوال، بخلاف السفر، فإنه لا يجوز،لأن السفر لا يعجزه عن الصيام، وله نهاية ينتهي إليها وهو من أفعاله الاختيارية، وذلك كله لقولهتعالى: { فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } (المجادلة:4)

ثانيا ـ الإيلاء

اختلفت تعاريف الإيلاء بحسب الآراء الفقهية المختلفة، ومن تعاريفه:

1 ـ هو عبارة عن اليمين على ترك الوطء في الزوجة مدة مخصوصة بحيث لا يمكنه الوطء إلا بحنث يلزمه بسبب اليمين([44]).

2 ـ هو حلف زوج يمكنه الوطء بالله تعالى أو صفته كالرحمن الرحيم على ترك وطء زوجته في قبلها أبدا أو أكثر من أربعة أشهر([45]).

1 ـ حقيقة الإيلاء:

اختلف الفقهاء اختلافا شديدا من لدن السلف في حقيقة الإيلاء، فروي عن علي وابن عباس أنه إذا حلف أن لا يقربها لأجل الرضاع لم يكن موليا، وإنما يكون موليا إذا حلف أن لا يجامعها على وجه الضرار والغضب، وروي عن ابن عباس أن كل يمين حالت دون الجماع إيلاء؛ ولم يفرق بين الرضا والغضب، وهو قول إبراهيم وابن سيرين والشعبي، وروي عن سعيد بن المسيب: أنه في الجماع وغيره من الصفات، نحو أن يحلف أن لا يكلمها فيكون موليا، وروي عن ابن عمر أنه إن هجرها فهو إيلاء، ولم يذكر الحلف.

وانطلاقا من هذه التعاريف وغيرها يمكن القول بأن الإيلاء يتكون من حقيقتين متغايرتين على أساسهما تبنى المقاصد الشرعية في هذا الباب، إحدى الحقيقتين تعبدية محضة، وهي كون الإيلاء يمينا كسائر الأيمان، والأخرى تتعلق بالزوجة، ويتعدى أثرها إليها، وهي المقصودة من الإيلاء بالأصالة، وهي الامتناع عن معاشرة الزوجة فترة معينة.

ولعل هذا هو السر في ترتيب النظم القرآني بين الإيلاء والقسم من جهة، والإيلاء والطلاق من جهة أخرى، بل في هذا الترتيب من النواحي التي نستفيد منها في استنباط المقاصد القرآنية من تشريع أحكام الإيلاء ما فيه.

فقد قال تعالى:{ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }(البقرة:224)، وكأن هذه الآية وهي عامة في دلالتها تتحدث عن الإيلاء خصوصا، لتشير إلى عدم اتخاذ الأيمان حائلا بين العبد والرجوع لزوجته، فإن اسم الله عظيم، ومع ذلك لا ينبغي أن يتخذ اسمه تعالى ذريعة للتقاطع والفساد.

ثم جاء بعدها رفع المؤاخذة عن اللغو في الأيمان التي ليس فيها أي ضرر، فقال تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (البقرة: 225)

وبعدها جاءت آية الإيلاء، وجمع فيها بين كلتا الحقيقتين، أما الحقيقة الأولى فعبر عنها بقوله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(البقرة:226)، فختمت بالمغفرة، وقدمت لبيان كونها الأولى، وعبر عن الحقيقة الثانية بقوله تعالى:{ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(البقرة:227)

وبعدها جاءت أحكام الطلاق في سورة البقرة، مبتدأة بقوله تعالى:{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ.. وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(البقرة:228)

2 ـ أحكام الإيلاء

اتفق الفقهاء على حرمة الإيلاء، بل عده بعضهم من الكبائر، كما عد الظهار، قال ابن حجر: (عدي لهذا كبيرة غير بعيد، وإن لم أر من ذكره كالذي قبله ؛ لأن فيه مضارة عظيمة للزوجة؛ لأن صبرها عن الرجل يفنى بعد الأربعة أشهر كما قالته حفصة أم المؤمنين لأبيها عمر، فأمر أن لا يغيب أحد عن زوجته ذلك، ولعظيم هذه المضرة أباح الشارع للقاضي إذا لم يطأ الزوج بعد الأربعة أشهر أن يطلق عليه طلقة([46])

وسنفصل هنا الكلام عن أحكام الإيلاء بحسب ما ذكرناه في حقيقته، فحقيقة الإيلاء تتكون من هذه الأسس الخمسة التي ترجع إلى المعنيين اللذين ذكرناهما في حقيقته:

وجود القسم في الإيلاء

لأن معنى الإيلاء لغة وشرعا هو القسم، ولذلك لو ترك الوطء بغير يمين، لم يكن موليا، ولكن إن ترك ذلك لعذر من مرض، أو غيبة، ونحوه، لم تضرب له مدة، أما إن تركه مضرا بها، فقد اختلف الفقهاء في ضرب مدة له على قولين:

القول الأول: تضرب له مدة أربعة أشهر، فإن وطئها، وإلا دعي بعدها إلى الوطء، فإن امتنع منه، أمر بالطلاق، مثلما يفعل في الإيلاء، وهو قول الحنابلة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ أنه أضر بها بترك الوطء في مدة الإيلاء، فيلزم حكمه، كما لو حلف، ولأن ما وجب أداؤه إذا حلف على تركه، وجب أداؤه إذا لم يحلف، كالنفقة وسائر الواجبات.

2 ـ أن اليمين لا تجعل غير الواجب واجبا إذا أقسم على تركه، فوجوبه معها يدل على، وجوبه قبلها.

3 ـ أن وجوبه في الإيلاء إنما كان لدفع حاجة المرأة، وإزالة الضرر عنها، وضررها لا يختلف بالإيلاء وعدمه، فلا يختلف الوجوب.

4 ـ أن الإيلاء إنما خص ذكره في الشرع بتلك التفاصيل، لأنه يدل على قصد الإضرار، فيتعلق الحكم به، فإذا لم يظهر منه قصد الإضرار، اكتفي بدلالته، وإذا لم توجد اليمين، احتجنا إلى دليل سواه يدل على المضارة، فيعتبر الإيلاء لدلالته على المقتضى لا لعينه.

القول الثاني: لا تضرب له مدة، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ أنه ليس بمول، فلم تضرب له مدة، كما لو لم يقصد الإضرار.

2 ـ أن تعليق الحكم بالإيلاء يدل على انتفائه عند عدمه، إذ لو ثبت هذا الحكم بدونه، لم يكن له أثر.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو أن من آلى بغير قسم لا يعتبر موليا، من الناحية التعبدية في الإيلاء، ولكن حكمه في حال مطالبة الزوجة لا يختلف عن حكم المولي، لأن الغرض من الأثر الذي رتبه الشرع على الإيلاء هو الضرر الذي يصيب المرأة، وهذا الضرر يتحقق بالقسم وعدمه، بل إن أثر القسم أمر خاص بالمولي لأن وجوب الكفارة لا علاقة له بالزوجة من قريب ولا من بعيد، إنما هو أمر تعبدي شرع لقصد تربوي.

وهذا التفريق أمر أساسي لأن معظم أحكام الإيلاء المرتبطة بالأيمان، لا تخرج من حيث مقاصدها وأدلتها عن سائر الأيمان، وإنما يخص هذا الباب هنا الضرر المتعدي للمرأة بسبب ذلك اليمين.

القسم بالله تعالى أو بصفة من صفاته

اتفق الفقهاء على أن الحلف بذلك إيلاء، واختلفوا فيما لو حلف بغير ذلك، مثل أن يحلف بطلاق، أو عتاق، أو صدقة المال، أو الحج، أو الظهار على الأقوال التالية:

القول الأول: أنه لا يكون موليا بذلك، وهو قول الشافعي القديم، ورواية عن أحمد، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ قول الله تعالى: { فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(البقرة:226)، وإنما يدخل الغفران في اليمين بالله.

2 ـ النصوص الناهية عن الحلف بغير الله كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(من حلف بغير الله فقد أشرك)([47])

3 ـ أن الإيلاء المطلق إنما هو القسم، ولهذا قرأ أبي وابن عباس (يقسمون) مكان: يؤلون، وروي عن ابن عباس في تفسير يؤلون قال: يحلفون بالله.

4 ـ أن التعليق بشرط ليس بقسم ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم، ولا يجاب بجوابه، ولا يذكره أهل العربية في باب القسم، فلا يكون إيلاء، وإنما يسمى حلفا تجوزا، لمشاركته القسم في المعنى المشهور في القسم، وهو الحث على الفعل أو المنع منه، أو توكيد الخبر، والكلام عند إطلاقه لحقيقته.

القول الثاني: كل يمين من حرام أو غيرها، يجب بها كفارة، يكون الحالف بها موليا، وأما الطلاق والعتاق، فليس الحلف به إيلاء، وهو قول عند الحنابلة، واستدلوا على ذلك بأنه يتعلق به حق آدمي، وما أوجب كفارة تعلق بها حق الله تعالى.

القول الثالث: أنه مول بذلك، وقد روي عن ابن عباس، وبه قال الشعبي، والنخعي، ومالك، وأهل الحجاز والثوري، وأبو حنيفة، وأهل العراق والشافعي، وأبو ثور، وأبو عبيد، وغيرهم، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ أنها يمين منعت جماعها فكانت إيلاء، كالحلف بالله تعالى.

2 ـ أن تعليق الطلاق والعتاق على وطئها حلف، بدليل أنه لو قال: متى حلفت بطلاقك، فأنت طالق. ثم قال: إن وطئتك، فأنت طالق. طلقت في الحال.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو اعتبار هذا النوع من القسم إيلاء مع القول بأنه أشد حرمة من الإيلاء الذي يقسم فيه باسم الله تعالى، لأن هذا جمع بين الإيلاء المحرم، والقسم المحرم، ولكن القسم المحرم مع ذلك لا يغنيه عن الكفارة من الناحية الشرعية النصية أو من الناحية المقاصدية.

أما الناحية الشرعية النصية، فلا يمكن ذكر الأدلة عليها هنا فمحلها أبواب الأيمان من الفقه، ولكن النظرة المقاصدية المبنية على ملاحظة الواقع قد تشير إلى استحباب القول بوجوب التكفير عن اليمين مطلقا، فالكثيرمن الناس إذا علم أن الحلف بالله يوجب الكفارة انتقل عنه للحلف بغيره، فيكون في القول بعدم الكفارة داعية للحلف بغير الله.

هذا بالنسبة للأيمان مطلقا، أما بالنسبة للإيلاء خصوصا، فإن هذا النص القرآني يكاد يصرح به، فالله تعالى ذكر الإيلاء الذي هو الحلف مطلقا، والحلف هو نوع من العزم المؤكد، وهذا العزم المؤكد يتوفر في كل قسم، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم السابق دليل على تسمية الحلف بغير الله حلفا، ولكن الإنكار تعلق بكونه بغير الله.

ثم إن فتح القول بعدم اعتبار الحلف بغير الله إيلاء يجعل من هذه الثغرة حيلة للإيلاء الذي يرضي الهوى ويحيي الجاهلية بدون تعب ولاتكلف.

قصد الإضرار

وقد اختلف الفقهاء في اعتبار هذا الشرط على قولين:

القول الأول: عدم اعتبار هذا الشرط، وقد روي ذلك عن ابن مسعود، وبه قال الثوري، والشافعي، وأهل العراق وابن المنذر، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ عموم آية الإيلاء.

2 ـ أنه منع نفسه عن جماعها بيمينه فكان موليا، كحال الغضب.

3 ـ أن حكم الإيلاء يثبت لحق الزوجة، فيجب أن يثبت سواء قصد الإضرار أو لم يقصد، كاستيفاء ديونها، وإتلاف مالها.

4 ـ أن الطلاق والظهار وسائر الأيمان سواء في الغضب والرضى، فكذلك الإيلاء.

5 ـ أن حكم اليمين في الكفارة وغيرها سواء في الغضب والرضى، فكذلك في الإيلاء.

القول الثاني: اعتبار هذا الشرط، فمن حلف مثلا أن لا يطأ زوجته حتى تفطم ولده، لا يكون إيلاء، إذا أراد الإصلاح لولده، وقد وروي عن علي وابن عباس، والحسن، والنخعي، وقتادة، وبه قال مالك، والأوزاعي، وأبو عبيد، واستدلوا على ذلك بما يلي([48]):

1 ـ عن علي قال: ليس في إصلاح إيلاء.

2 ـ عن ابن عباس قال: إنما الإيلاء في الغضب.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو اعتبار القصد، لأن أنواع المقاصد في الأيمان كثيرة، فيها الطيب والخبيث والصالح والفاسد، فقد يحلف الإنسان لضرورة من الضرورات أو مصلحة من المصالح على عدم معاشرة زوجته فترة معينة، ويجعل من ذلك الحلف وسيلته لتحقيق مقصده، لأنه لو ترك لنفسه لاستعصت عليه، فيجعل من اليمين أو النذر ونحوهما رادعا يردعه عن الإتيان بما يرى المصلحة في خلاله.

ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث: (إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها، إلا أتيت الذي هو خير، وتحللتها) ([49])

الإيلاء حال الغضب

اختلف الفقهاء في اعتبار الإيلاء إن وقع في حال الغضب على قولين:

القول الأول: لا يصح الإيلاء إلا على وجه مغاضبة ومناكدة ألا يجامعها إضرار بها سواء كان في ضمن ذلك إصلاح ولد أم لم يكن، فإن لم يكن عن غضب فليس بإيلاء، وهو قول ابن عباس، وروى عن علي بن أبى طالب في المشهور عنه، وقاله الليث والشعبى والحسن وعطاء.

القول الثاني: أنها إيلاء سواء كانت اليمين في غضب أم لا، وهو قول ابن مسعود والثورى ومالك وأهل العراق والشافعى وأصحابه وأحمد إلا أن مالكا قال ما لم يرد إصلاح ولد، قال ابن المنذر: (وهذا أصح لأنهم لما أجمعوا أن الظهار والطلاق وسائر الأيمان سواء في حال الغضب والرضا كان الإيلاء) ([50])، ومن الأدلة على ذلك:

1 ـ عموم القرآن الكريم.

2 ـ أن تخصيص حالة الغضب يحتاج إلى دليل ولا يؤخذ من وجه يلزم.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو اعتبار القصد مطلقا سواء حصل منه في حال الغضب أم في حال الرضا، مثلما ذكرنا في الطلاق، ولكن الكفارة تترتب عليه في حال فيئه في كلتا الحالتين لعلاقتها باليمين.

وقد يكون الخلاف في المسألة مع ذلك خلافا لفظيا، لأن العبرة بفيئه في المدة المعينة وعدم فيئه، فإن فاء فبها، وإن لم يفئ وطالبت زوجته بفيئه، فإن لها الحق في ذلك كما رأينا سابقا، ولو بدون قسم.

مدة الإيلاء

ربما يكون أهم الأسس التي يقوم عليها الإيلاء هو تحديد المدة، بل إن تحديدها هو المفرق بين أنواع الإيلاء المختلفة، المباح منها والمحرم، فإذا آلى المؤمن مثلا من أهله لمصلحة من المصالح مدة معينة لا تتضرر بها المرأة وكان في ذلك مصلحة معينة، فلا حرج عليه في ذلك، بل قد روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم آلى من نسائه شهرا.

وقد بين سيد سر التشريع القرآني لتحديد المدة في الإيلاء بقوله: (إن هناك حالات نفسية واقعة، تلم بنفوس بعض الأزواج، بسبب من الأسباب في أثناء الحياة الزوجية وملابساتها الواقعية الكثيرة، تدفعهم إلى الإيلاء بعدم المباشرة، وفي هذا الهجران ما فيه من إيذاء لنفس الزوجة ؛ ومن إضرار بها نفسيا وعصبيا ؛ ومن إهدار لكرامتها كأنثى ؛ ومن تعطيل للحياة الزوجية ؛ ومن جفوة تمزق أوصال العشرة، وتحطم بنيان الأسرة حين تطول عن أمد معقول، ولم يعمد الإسلام إلى تحريم هذا الإيلاء منذ البداية، لأنه قد يكون علاجا نافعا في بعض الحالات للزوجة الشامسة المستكبرة المختالة بفتنتها وقدرتها على إغراء الرجل وإذلاله أو اعناته. كما قد يكون فرصة للتنفيس عن عارض سأم، أو ثورة غضب، تعود بعده الحياة أنشط وأقوى([51])

فهذه هي الناحية الأولى الملاحظة في تشريع الإيلاء وعدم اعتباره طلاقا، فهو تعبير عن حالة من الأحوال النفسية التي تعتري الحياة الزوجية، ولكن هذه الحالة لو تركت على إطلاقها تكون فيها المفسدة العظيمة، قال سيد موضحا هذا المعنى:(ولكنه لم يترك الرجل مطلق الإرادة كذلك، لأنه قد يكون باغيا في بعض الحالات يريد إعنات المرأة وإذلالها ؛ أو يريد إيذاءها لتبقى معلقة، لا تستمتع بحياة زوجية معه، ولا تنطلق من عقالها هذا لتجد حياة زوجية أخرى، فتوفيقا بين الاحتمالات المتعددة، ومواجهة للملابسات الواقعية في الحياة. جعل هنالك حدا أقصى للإيلاء لا يتجاوز أربعة أشهر، وهذا التحديد قد يكون منظورا فيه إلى أقصى مدى الاحتمال، كي لا تفسد نفس المرأة، فتتطلع تحت ضغط حاجتها الفطرية إلى غير رجلها الهاجر)([52])

3 ـ آثار الإيلاء

نص الفقهاء على أنه ينتج عن الإيلاء الآثار التالية مع اختلاف بين الفقهاء في تفاصيلها:

الأثر الأول: التفريق بين الزوجة والمولي عند عدم الفيئ

اختلف الفقهاء في كيفية التفريق بين المولي والزوجة، هل تطلق بنفس مضي المدة أم لا، على قولين:

القول الأول: لا تطلق بنفس مضي المدة، بل يضاف إلى ذلك أن ترافعه امرأته إلى الحاكم، الذي يوقفه، ويأمره بالفيئة، فإن أبى أمره بالطلاق، وهو قول ابن عمر، وعائشة وأبي الدرداء، وبهذا قال سعيد بن المسيب، وعروة، ومجاهد، وطاوس، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وابن المنذر، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ قول الله تعالى: { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(البقرة:226)، وظاهر الآية يدل على أن الفيئة بعد أربعة أشهر ؛ لذكره الفيئة بعدها بالفاء المقتضية للتعقيب.

2 ـ قوله تعالى بعدها:{ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(البقرة:227)،ولو وقع بمضي المدة، لم يحتج إلى عزم عليه، وقوله { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } يقتضي أن الطلاق مسموع، ولا يكون المسموع إلا كلاما.

3 ـ أنه قول أكثر الصحابة، قال سليمان بن يسار: كان تسعة عشر رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوقفون في الإيلاء، وقال سهيل بن أبي صالح: سألت اثني عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكلهم يقول: ليس عليه شيء، حتى يمضي أربعة أشهر، فيوقف، فإن فاء، وإلا طلق([53]).

4 ـ أنها مدة ضربت له تأجيلا، فلم يستحق المطالبة فيها، كسائر الآجال.

5 ـ أن هذه مدة لم يتقدمها إيقاع، فلا يتقدمها وقوع، كمدة العنة، لأن الطلاق لا يقع إلا بمضيها، لأن مدة العنة ضربت له ليختبر فيها، ويعرف عجزه عن الوطء بتركه في مدتها، وهذه ضربت تأخيرا له وتأجيلا، ولا يستحق المطالبة إلا بعد مضي الأجل، كالدين.

القول الثاني: إذا مضت أربعة أشهر، طلقت منه من غير رفع للحاكم، لأن الإيلاء عندهم طلاق معلق، قال الكاساني: (أما الذي يرجع إلى الوقت فهو مضي مدة الإيلاء، وهو شرط وقوع الطلاق بالإيلاء حتى لا يقع الطلاق قبل مضي المدة ؛ لأن الإيلاء في حق أحد الحكمين – وهو البر – طلاق معلق بشرط ترك الفيء في مدة الإيلاء لقوله تعالى:{ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(البقرة:227)، وروي عن ابن عباس، وعدة من الصحابة أنه إن عزم الطلاق ترك الفيء إليها أربعة أشهر فقد جعل ترك الفيء أربعة أشهر شرط وقوع الطلاق في الإيلاء)([54])

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول لأن ذلك حق للمرأة كسائر حقوقها، تستطيع أن تطالب بالتفريق على أساسه ولها أن لا تطالب، والقول بوقوع الطلاق بعد مضي المدة بدون طلب يحول الإيلاء إلى نوع من أنواع الطلاق، وتنتفي بذلك الخصوصية التي جعلها الشرع له، وأعظم مضرة لذلك هي الإكثار من الطلاق الذي حصره الشرع في أضيق الأبواب.

تفريق القاضي عند عدم الفيئ:

نص الفقهاء على أنه إذا امتنع المولي من الفيئة بعد التربص، أو امتنع المعذور من الفيئة بلسانه، أو امتنع من الوطء بعد زوال عذره، أمر بالطلاق، فإن طلق، وقع طلاقه الذي أوقعه، واحدة كانت أو أكثر، وليس للحاكم إجباره على أكثر من طلقة ؛ لأنه يحصل الوفاء بحقها بها؛ فإنها تفضي إلى البينونة، والتخلص من ضرره، وقد اختلفوا في حال امتناعه من الطلاق، هل يطلق لحاكم عليه أم لا، على قولين:

القول الأول: يطلق الحاكم عليه، وليس للحاكم أن يأمر بالطلاق ولا يطلق إلا أن تطلب المرأة ذلك ؛ لأنه حق لها، وإنما الحاكم يستوفي لها الحق، وهو قول مالك ورواية عن أحمد، وقول للشافعية، لأن ما دخلته النيابة، وتعين مستحقه، وامتنع من هو عليه، قام الحاكم مقامه فيه، كقضاء الدين.

القول الثاني: ليس للحاكم الطلاق عليه، بل يحبسه، ويضيق عليه، حتى يفيء، أو يطلق، وهو رواية عن أحمد، وقول للشافعية، وهو قول الظاهرية، لأن ما خير الزوج فيه بين أمرين، لم يقم الحاكم مقامه فيه كالاختيار لبعض الزوجات في حق من أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة أنه إن اقتصرت المدة على أربعة اشهر فقط هو الأخذ بالقول الثاني، أما إن طالت المدة، واستعملت كل الوسائل، ولم يرجع الزوج لزوجته، بل بقي مصرا على إضراره بها، فإن لها الحق في طلب التفريق من زوجها، وللقاضي أن يطلقها منه دفعا للضرر.

نوع التفريق:

اختلف الفقهاء في نوع الطلاق الواجب على المولي، هل هو رجعي أو بائن على قولين:

القول الأول: هي تطليقة بائنة، وروي ذلك عن عثمان، وعلي، وزيد، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعكرمة، وجابر بن زيد، وعطاء، والحسن، ومسروق، وقبيصة، والنخعي، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، وأصحاب الرأي واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ أن ابن مسعود وعمر كانا يقولان:(إذا مضت أربعة أشهر فهي طالق بائنة وهي أحق بنفسها) ([55])

2 ـ أن هذه مدة ضربت لاستدعاء الفعل منه، فكان ذلك في المدة كمدة العنة.

القول الثاني: هو طلاق رجعي، سواء أوقعه بنفسه، أو طلق الحاكم عليه، وقد روي عن أبي بكر بن عبد الرحمن، ومكحول، والزهري، وهو قول الشافعي، وروي عن أحمد أن فرقة الحاكم تكون بائنة، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ أنه طلاق صادف مدخولا بها من غير عوض، ولا استيفاء عدد، فكان رجعيا، كالطلاق في غير الإيلاء.

2 ـ أنه لا يصح قياسه على فراق العنة، لأنها فسخ لعيب، وهذه طلقة، ولأنه لو أبيح له ارتجاعها، لم يندفع عنها الضرر، وهذه يندفع عنها الضرر ؛ فإنه إذا ارتجعها، ضربت له مدة أخرى، ولأن العنين قد يئس من وطئه، فلا فائدة في رجعته، وهذا غير عاجز، ورجعته دليل على رغبته وإقلاعه عن الإضرار بها، فافترقا.

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة التفريق بين طلاقه هو وتطليق الحاكم عليه، أما طلاقه هو، فهو كسائر الطلاق، طلاق رجعي يمكن رجعتها في العدة، ولا يحتسب عليه إلا طلقة واحدة، كما ذكرنا أدلة ذلك في صيغة الطلاق.

أما تطليق الحاكم، فهو فسخ، لأن الطلاق لا يكون إلا من الزوج، وكل تطليق للحاكم فسخ كما رأينا في الفصل الخاص بحل العصمة الزوجية بيد القضاء، وفي ذلك من المصلحة عدم تكثير الطلاق رعاية لمقصد الشارع من إتاحة أكثر الفرص للرجعة.

الأثر الثاني ـ لزوم الكفارة عند الرجوع للزوجة

اتفق الفقهاء على أن الفيئة([56]) للزوجة هي الجماع، قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن الفيء الجماع) ([57])، أما لو وطئ دون الفرج، فلا يكون ذلك فيئة، لأنه ليس بمحلوف على تركه، ولا يزول الضرر بفعله، واختلفوا في لزوم الكفارة له إذا فاء على قولين:

القول الأول: تلزمه الكفارة، وهو قول أكثر العلماء، وقد روي ذلك عن زيد، وابن عباس، وبه قال ابن سيرين، والنخعي، والثوري، وقتادة، ومالك، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي، وابن المنذر. وهو ظاهر مذهب الشافعي، واستدلوا على ذلك بما يلي:

1 ـ قول الله تعالى:{ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ}إلى قوله: { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ }(المائدة:89)،وقال تعالى:{ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}(التحريم:2)

2 ـ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيرا منها، فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك) ([58])

3 ـ أنه حالف حانث في يمينه، فلزمته الكفارة كما لو حلف على ترك فريضة ثم فعلها، والمغفرة لا تنافي الكفارة، لأن الله تعالى قد غفر لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك كان صلى الله عليه وآله وسلم يقول:(إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها، إلا أتيت الذي هو خير، وتحللتها)

القول الثاني: لا كفارة عليه، وهو قول الحسن وقول للشافعية، واستدلوا على ذلك بما قال النخعي: كانوا يقولون ذلك ؛ لأن الله تعالى قال:{ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(البقرة:226)

الترجيح:

نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول لأن الإيلاء يمين كسائر الايمان، فلذلك تكفر بما تكفر به، والمغفرة والرحمة التي استدل بها أصحاب القول الثاني لا تتنافى مع الكفارة، بل هي دليل مستأنس به على وجوبها زيادة على الأدلة النصية.


([1]) المنتقى:4/38.

([2]) العناية:4/246.

([3]) الجوهرة النيرة:2/62.

([4]) شرح حدود ابن عرفة:205.

([5]) المبسوط: 6/223.

([6]) كتب ورسائل ابن تيمية في الفقه: 33/156.

([7]) الأم:5/294.

([8]) في ظلال القرآن:5/2824.

([9]) في ظلال القرآن:5/2824.

([10]) الفروق للقرافي:1/31.

([11]) الفروق للقرافي:1/33.

([12]) انظر: الزواجر:2/84.

([13]) زاد المعاد: 5/326.

([14]) قال ابن حجر: أصله في البخاري من هذا الوجه إلا أنه لم يسمها ورواه أبو داود والحاكم، انظر: تلخيص الحبير:3/220، الحاكم: 2/523، البيهقي: 7/382، أبو داود: 2/266، المعجم الكبير:11/265.

([15]) بدائع الصنائع: 3/231، المغني: 8/34، الفروع: 5/489، فتح القدير: 4/250، مواهب الجليل: 4/112، المنتقى: 4/48.

([16]) الجصاص:3/634.

([17]) المدونة:2/309.

([18]) الأم:5/295.

([19]) الأم:5/268.

([20]) الأم: 5/295، الجصاص: 3/631، المحلى: 9/200، المنتقى: 4/41، بدائع الصنائع: 3/138، المغني: 8/11، شرائع الإسلام: 3/148.

([21]) وقد استدل بهذا ابن حزم بناء على مذهبه في حكم التعليق، كما سنرى، انظر: المحلى:9/200.

([22]) المحلى:10/15.

([23]) المبسوط:6/93.

([24]) وقوله الثالث هو: إن كانت البينونة بالثلاث، لم يعد الظهار، وإلا عاد، قال الشافعي: إذا طلق امرأتيه فكان يملك رجعة إحداهما ولا يملك رجعة الأخرى فتظاهر منهما في كلمة واحدة لزمه الظهار من التي يملك رجعتها ويسقط عنه من التي لا يملك رجعتها، الأم:5/294، وبناه على الأقاويل في عود صفة الطلاق في النكاح الثاني.

([25]) المبسوط:6/93.

([26]) انظر تفاصيل هذه الألفاظ على المذاهب المختلفة في المطلب الثالث من هذا المبحث، وقد ذكرنا المراجع الموثقة لذلك هناك، فلا نطيل بإعادتها هنا.

([27]) البيهقي: 7/366، أبو داود: 2/264.

([28]) منار السبيل: 2/236.

([29]) وقد نص عليه في الأم بقوله: »إذا قال لامرأته أنت علي كظهر أختي أو كظهر امرأة محرمة عليه من نسب أو رضاع قامت في ذلك مقام الأم. أما الرحم فإن ما يحرم عليه من أمه يحرم عليه منها، وأما الرضاع فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال » يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب « فأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرضاع مقام النسب فلم يجز أن يفرق بينهما، الأم:5/295.

([30]) فقد نصو على أنه لو شبهها بمحرمة بالمصاهرة، تحريما مؤبدا، كأم الزوجة، وبنت زوجته المدخول بها، وزوجة الأب والابن لم يقع [ به ] الظهار. وكذا لو شبهها بأخت الزوجة أو عمتها أو خالتها ولو قال: كظهر أبي أو أخي أو عمي لم تكن شيئا وكذا لو قالت هي: أنت علي كظهر أبي وأمي، شرائع الإسلام:3/45.

([31]) ذكرنا الخلاف في المسألة في محلها من صيغة الطلاق.

([32]) المنتقى:4/40، المغني:8/5.

([33]) الأم:5/296.

([34]) زاد المعاد:5/333.

([35]) سواء كان ذلك متراخيا عن يمينه، أو عقيبه وأيهما مات ورثه صاحبه في قول الجمهور، لأن من ورثها إذا كفر ورثها وإن لم يكفر، خلافا لقتادة الذي قال: إن ماتت، لم يرثها حتى يكفر.

([36]) المحلى: 9/194.

([37]) وذكر ابن قدامة قولا آخر لم يذكر قائله،قال:حكي عن بعض الناس أن الكفارة تسقط ; لأنه فات وقتها ; لكونها وجبت قبل المسيس، المغني:8/4.

([38]) فإذا عاشرها كان عاصيا وليس عليه كفارة إلا ما حكي عن عمرو بن العاص، أن عليه كفارتين. وروي ذلك عن قبيصة، وسعيد بن جبير، والزهري، وقتادة ; لأن الوطء يوجب كفارة، والظهار موجب للأخرى.

([39]) ذكره في المغني:8/4، والذي في أحمد عن سلمة بن صخر الزرقي قال: تظاهرت من امرأتي ثم وقعت بها قبل أن أكفر فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأفتاني بالكفارة، أحمد:4/37.

([40]) لمالك في المسألة ثلاثة أقوال قال الشيخ أبو القاسم: إحدى الروايتين العزم على إمساكها، والثاني العزم على وطئها، قال الباجي:» وهما عندي راجعان إلى معنى الإمساك ; لأن من عزم على الوطء فقد عزم على إمساكها إلى أن يطأ، وليس من شرط العزم على الإمساك أن ينوي إمساكها أبدا بل لو عزم على إمساكها سنة لكان عازما على الإمساك « والرواية الثالثة هي أن العزم هو نفس الوطء، انظر: المنتقى:4/50..

([41]) وقد اختلفوا في وجوب الكفارة على العازم على الوطء، إذا مات أحدهما أو طلق قبل الوطء،فقال بعدم وجوبها القاضي وأصحابه، وقال بوجوبها مالك، وأبو عبيد، وقول مالك بهذا يقربه من قول من يرى بأن الظهار نفسه موجب للكفارة كما سبق ذكره، وقد قال أحمد: وقال مالك: إذا أجمع، لزمته الكفارة، فكيف يكون هذا لو طلقها بعد ما يُجمع، أكان عليه كفارة إلا أن يكون يذهبُ إلى قول طاوس إذا تكلم بالظهارِ، لزمه مثلُ الطلاق؟ انظر: زاد المعاد:5/335.

([42]) أجمع العلماء على أنه إن وطئها، أو وطئ غيرها، في نهار الشهرين عامدا، أفطر، وانقطع التتابع.

([43]) أحمد 6/410 وغيره.

([44]) تحفة الفقهاء:2/203.

([45]) الروض المربع:3/190.

([46]) الزواجر:2/84.

([47]) ابن حبان: 10/200، الحاكم: 1/117، الترمذي:4/110، البيهقي: 10/29، أبو داود: 3/223.

([48]) القرطبي: 3/106، الطبري: 2/419.

([49]) البخاري: 3/1140، مسلم: 3/1270، الحاكم: 4/334، البيهقي: 10/31، أبو داود: 3/229، النسائي: 3/126، ابن ماجة: 1/681.

([50]) القرطبي: 3/106.

([51]) في ظلال القرآن:1/244.

([52]) في ظلال القرآن:1/244.

([53]) انظر: سنن سعيد بن منصور: 2/56.

([54]) بدائع الصنائع:3/161.

([55]) الطبري: 2/431.

([56]) وأصل الفيء الرجوع، ولذلك يسمى الظل بعد الزوال فيئا ; لأنه رجع من المغرب إلى المشرق، فسمي الجماع من المولي فيئة ; لأنه رجع إلى فعل ما تركه.

([57]) المغني: 7/432، وانظر: الأم: 5/274، الطبري: 2/423، الجصاص: 2/45.

([58]) النسائى (7/10، رقم 3782، والطبرانى فى الأوسط (1/242، رقم 793)، وأبو عوانة (4/28، رقم 5914)، والبيهقى (10/53، رقم 19744)، والقضاعى (1/310، رقم 520).

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *