الفصل الأول: حق الأولاد في الحياة

ويدل لهذا الحق النصوص الكثيرة، فالله تعالى ينهى عن قتل الأولاد، قال تعالى:{ وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } (الأنعام:151)، وقال تعالى:{ وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً} (الاسراء:31)
بل إنه حرم قتلهم قبل أن يولدوا، فحرم أن تجهض المرأة نفسها بغير ضرورة، ولم يجز إقامة الحد على المرأة القاتلة أو الزانية إذا ثبت زناها، فقد جاءت المرأة الغامدية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقر على نفسها بأنها زنت وأنها حُبلى من الزنا، فلم يقم عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحد وقال لها: اذهبي حتى تلدي، فذهبت المرأة أشهراً حتى وضعت طفلها، وجاءت به على يديها تريد أن ترجم، وأن تتطهر من الفاحشة التي ارتكبتها، فقال لها: اذهبي حتى تفطميه([1])..
بل شرع العقوبات الخطيرة الرادعة عن أي تسب في قتل الجنين أو إعاقته.
وسنحاول في هذا الفصل أن تحدث عن ثلاثة جوانب، خصصنا كل واحد منها بمبحث خاص، وهي:
1 ـ أحكام الامتناع عن الإنجاب، وهو ما يتسبب في منع الولد من حق الوجود.
2 ـ أحكام التخلص من الجنين بعد وجوده.
3 ـ التشريعات الرادعة عن التخلص من الجنين.
أولا ـ أحكام الامتناع عن الإنجاب
رغبت الشريعة الإسلامية في كثرة النسل، وخاصة إذا ارتبط بذلك النية الصالحة، ففي الحديث أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب إلا أنها لا تلد أفأتزوجها فنهاه ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فنهاه فقال: (تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم)([2])
والبحث في هذه الناحية يستدعي الحديث عن الحكم الشرعي للامتناع عن الإنجاب، سواء كان امتناعا كليا أو جزئيا، وسنعرف أحكام ذلك في هذا المبحث:
اتفق الفقهاء على حرمة التسبب في كل ما يعطل القدرة على الإنجاب، وقد اختلفت عباراتهم في ذلك، ومن ذلك ما جاء في حاشية الجمل، قال: (ويحرم ما يقطع الحبل من أصله، أما ما يبطئ الحبل مدة ولا يقطعه من أصله، فلا يحرم كما هو ظاهر بل إن كان لعذر كتربية ولد لم يكره أيضا، وإلا كره) ([3])
وفيها:(أما استعمال الرجل والمرأة دواء لمنع الحبل فقد سئل عنها الشيخ عز الدين فقال لا يجوز للمرأة ذلك وظاهره التحريم وبه أفتى العماد بن يونس فسئل عما إذا تراضى الزوجان الحران على ترك الحمل هل يجوز التداوي لمنعه بعد طهر الحيض أجاب لا يجوز. وقد يقال هو لا يزيد على العزل وليس فيه سوى سد باب النسل ظنا وأن الظن لا يغني من الحق شيئا وعلى القول بالمنع فلو فرق بين ما يمنع بالكلية وبين ما يمنع في وقت دون وقت فيكون كالعزل لكان متجها)([4])
وجاء في نهاية المحتاج:(ويحرم استعمال ما يقطع الحبل من أصله كما صرح به كثيرون، وهو ظاهر، أما ما يبطل الحمل مدة ولا يقطعه من أصله فلا يحرم كما هو ظاهر، ثم الظاهر أنه إن كان لعذر كتربية ولد لم يكره أيضا وإلا كره)([5])
وقال الشيخ عليش:(لا يجوز استعمال دواء لمنع الحمل) ([6])
وفي مقابل ذلك أجاز الزيدية، كما في التاج المذهب قال: (وكذا يجوز للمرأة أن تفعل بنفسها ما يمنع الحبل وإن لم يرض زوجها لأنه لم يثبت له حق في حملها إلا بعد وجوده)([7])والظاهر أن المراد بهذا ما يمنع الحمل منعا جزئيا، ولو أن العبارة لا تدل عليه.
ومن الأساليب التي يحصل بها الامتناع الكلي عن الإنجاب، والتي نصت عليها الأحكام السابقة التعقيم، وهو عملية جراحية لا تتعلق بالناحية الجنسية، أو القدرة عليها، ولا تعطل إلا القدرة على الإنجاب، وقد نص العلماء المعاصرون على حرمة هذه العملية لأدائها إلى عدم الحمل كلية إلا إذا كان لذلك أسبابه الصحية الوجيهة.
2 ـ الامتناع المؤقت عن الإنجاب
انطلاقا من أن الوسيلة المستخدمة لتنظيم النسل قديما هي العزل، فإن الطريق لمعرفة مواقف الفقهاء من حكم هذا النوع من الامتناع عن الإنجاب يرتبط بمعرفة حكم العزل، وإن كان الفقهاء قد ذكروا وسائل أخرى سنعرض لها هنا كوضع خرقة، وهي بديل للواقي المستعمل الآن، أو استعمال الدواء، وغيرها من الوسائل.
ويمكن من خلال الاطلاع على أقوال الفقهاء في هذه المسألة حصر الخلاف في القولين التاليين([8]):
القول الأول: حرمة العزل، قال ابن تيمية:(أما العزل، فقد حرمه طائفة من العلماء، لكن مذهب الأئمة الأربعة أنه يجوز بإذن المرأة) ([9])، ومن العلماء الذين قالوا بحرمة العزل ابن حزم، فقد قال:(ولا يحل العزل عن حرة ولا عن أمة)([10])، ومن الأدلة التي استدل بها على ذلك ما رواه عن عروة بن الزبير عن عائشة عن جدامة بنت وهب قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أناس فسألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ذلك الوأد الخفي، وقرأ: { وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ} (التكوير:8))([11])، قال ابن حزم:(هذا خبر في غاية الصحة)([12])
وقد اعتبر ابن حزم هذا الحديث أصلا، واعتبر ما عداه إما مفهوما على غير وجهة، أو غير صحيح، أو صحيحا منسوخا، فقال في حديث أبي سعيد الذي فيه (لا عليكم أن لا تفعلوا):(هذا خبر إلى النهي أقرب، وكذلك قال ابن سيرين)
أما احتجاجهم بتكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قول اليهود: هو الموءودة الصغرى، وبغيره من الأحاديث الدالة على إباحة العزل، فقد رد عليه ابن حزم بقوله: (يعارضها خبر جدامة الذي أوردنا، وقد علمنا بيقين أن كل شيء فأصله الإباحة لقول الله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا }(البقرة:29)وعلى هذا كان كل شيء حلالا حتى نزل التحريم قال تعالى: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } (الأنعام:119)فصح أن خبر جدامة بالتحريم هو الناسخ لجميع الإباحات المتقدمة التي لا شك في أنها قبل البعث وبعد البعث، وهذا أمر متيقن، لأنه أخبر صلى الله عليه وآله وسلم أنه الوأد الخفي، والوأد محرم، فقد نسخ الإباحة المتقدمة بيقين، فمن ادعى أن تلك الإباحة المنسوخة قد عادت، وأن النسخ المتيقن قد بطل فقد ادعى الباطل، وقفا ما لا علم له به، وأتى بما لا دليل له عليه)([13])
وقد ذكر أنه صح المنع منه عن جماعة من السلف، فعن نافع: أن ابن عمر كان لا يعزل، وقال: لو علمت أحدا من ولدي يعزل لنكلته، قال ابن حزم:(لا يجوز أن ينكل على شيء مباح عنده (، وعن زر بن حبيش أن علي بن أبي طالب كان يكره العزل، وعن عبد الله بن مسعود أنه قال في العزل: هي الموءودة الخفية، وعن سليمان بن عامر قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول وقد سئل عن العزل؟ فقال: ما كنت أرى مسلما يفعله، وعن ابن عمر قال: ضرب عمر على العزل بعض بنيه، وعن سعيد بن المسيب قال: كان عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان ينكران العزل)([14])
القول الثاني: إباحة العزل، وهو قول جمهور العلماء، ومن الأدلة على ذلك:
1 ـ الأحاديث الدلة على إباحة العزل، وهي كثيرة، منها ما روي عن أبي سعيد الخدري أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي جارية، وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل الموءودة الصغرى. قال: (كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه)([15])
ومنها ما روي عن جابر قال: أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله إن لي جارية تسير تستقي على ناضحي، وأنا أصيب منها، أفأعزل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم فاعزل. فلم يلبث الرجل أن جاء فقال: يا رسول الله قد عزلت عنها فحملت. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(ما قدر الله عز وجل لنفس أن يخلقها إلا وهي كائنة)([16])
وفي حديث آخر عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن في العزل، وعنه قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينهانا عن ذلك([17]).
وعن أبي سعيد الخدري، قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر أصبنا نساء، فكنا نطؤهن، فنعزل عنهن، فقال بعضنا لبعض أتفعلون هذا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جنبكم لا تسألونه؟. قال: فسألوه عن ذلك فقال:(ليس من كل الماء يكون الولد، إن الله إذا أراد أن يخلق شيئا لم يمنعه شيء، فلا عليكم ألا تعزلوا)([18])
2 ـ الإجابة على ما أورده المخالفون من أصحاب القول الأول، وقد أجاب الطحاوي على ذلك برد التعارض الذي قد يبدو في هذه الأحاديث، بل قد ورد الجواب عن ذلك من السلف أنفسهم، وسنذكر هنا كلتا الإجابتين إجابة السلف وإجابة الخلف:
فمنها أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تذاكروا عند عمر العزل فاختلفوا فيه فقال عمر: قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الخيار فكيف بالناس بعدكم، إذ تناجى رجلان فقال عمر: ما هذه المناجاة؟ قال إن اليهود تزعم أنها الموءودة الصغرى فقال علي: إنها لا تكون موءودة حتى تمر بالتارات السبع { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِين} (المؤمنون:12) إلى آخر الآية فعجب عمر من قوله وقال: جزاك الله خيرا.
ومنها ما روي عن ابن عباس أنه أتاه ناس من أهل العراق يسألونه عن العزل، وهم يرون أنه الموءودة فقال لجواريه: أخبروهم كيف أصنع، فكأنهن استحيين، فقال إني لأصبه في الطست، ثم أصب عليه الماء، ثم أقول لإحداهن: انظري لا تقولين إن كان شيء، ثم قال: إنه يكون نطفة ثم دما ثم علقة ثم مضغة ثم يكون عظما ثم يكسى لحما، ثم يكون ما شاء الله حتى ينفخ فيه الروح ثم تلا هذه الآية { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}(المؤمنون:14)
3 ـ أن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك في البدء([19]) قد يكون لسماعه إياه من اليهود، فاعتقد صحته، قال الطحاوي:(قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك لما كان عليه من اتباع اليهود على شريعتهم ما لم يحدث الله في شريعته ما ينسخ ذلك إذ كانوا أهل كتاب مقتدين بالذي جاءهم بكتابهم وإذ كان تعالى أنزل عليه فيما أنزل { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ } (الأنعام:90)يعني من تقدم من أنبيائه { فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ } (الأنعام:90) إنما كان يصل إلى ذلك مما كان يجده في التوراة وفيما سواها من كتب الله تعالى التي كان أنزل على أنبيائه قبله صلوات الله عليه وعليهم فجاز أن يكون لما كشفهم عن ذلك كيف هو في كتابهم ذكروا له أنه الموءودة الصغرى وكذبوه. فقال ما قال مما ترويه عنه جدامة ثم أعلمه الله تعالى بكذبهم وأن الأمر في الحقيقة بخلاف ذلك)([20])
ثم عقب على ذلك بقوله:(فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كذب اليهود فيما كانوا قالوه في العزل واستحالته أكذبهم فيه وأعلم الناس أنه لا يكون إن عزلوا أو لم يعزلوا إلا ما قدر الله عز وجل فيه من كون ولد منه أو من انتفاء ذلك منه)([21])
وقد اختلف أصحاب هذا القول في كراهته وعدمها على الرأيين التاليين:
الرأي الأول: أن العزل مكروه، إلا أن يكون لحاجة، مثل أن يكون في دار الحرب، فتدعوه حاجته إلى الوطء، فيطأ ويعزل، أو تكون زوجته أمة، فيخشى الرق على ولده، أو تكون له أمة، فيحتاج إلى وطئها وإلى بيعها، وقد رويت كراهته عن أبي بكر وعمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود.
وقد أفتى الشافعية بأن (العزل حذرا من الولد مكروه وإن أذنت فيه المعزول عنها حرة كانت أو أمة لأنه طريق إلى قطع النسل)([22])
ومن الأدلة التي استدلوا بها على ذلك:
1 ـ أن فيه تقليل النسل، وقطع اللذة عن الموطوءة.
2 ـ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حث على تعاطي أسباب الولد، فقال:(تناكحوا، تناسلوا، تكثروا)([23])
الرأي الثاني: الإباحة، قال ابن قدامة:(ورويت الرخصة فيه عن علي، وسعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب، وزيد بن ثابت، وجابر، وابن عباس، والحسن بن علي، وخباب ابن الأرت، وسعيد بن المسيب، وطاوس، وعطاء، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي)
وقال الشيخ عليش من المالكية:(وأما وضع شيء كخرقة في الفرج حال الجماع تمنع وصول الماء للرحم فألحقه عبد الباقي بالعزل في الجواز بشرطه)([24])
ومن أشهر المدافعين عن هذا الرأي الطحاوي والغزالي، قال الطحاوي:(فلما انتفى المعنى الذي به كره العزل، وما ذكر من ذكر في ذلك أنه من الموءودة، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قد ذكرناه عنه من إباحته، ثبت أن لا بأس بالعزل لمن أراده على الشرائط التي ذكرناها وفصلناها في أول هذا الباب، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف ومحمد، رحمة الله عليهم أجمعين)([25])
وقال الغزالي: (والصحيح عندنا أن ذلك مباح، وأما الكراهية فإنها تطلق لنهي التحريم ولنهي التنزيه ولترك الفضيلة، فهو مكروه بالمعنى الثالث أي فيه ترك فضيلة، كما يقال: يكره للقاعد في المسجد أن يقعد فارغاً لا يشتغل بذكر أو صلاة، ويكره للحاضر في مكة مقيماً بها أن لا يحج كل سنة، والمراد بهذه الكراهية ترك الأولى والفضيلة فقط، وهذا ثابت لما بـيناه من الفضيلة في الولد)([26])
وهو بذلك بكاد يقترب من الرأي الأول، ولكن ما ذكره من أدلة يجنح إلى الجواز، والأصح في رأيه هو التفصيل كما سنرى في محله، وسنذكر هنا بعض الوجوه التي استدل بها أصحاب هذا القول على الجواز([27]):
1 ـ أن إثبات النهي إنما يمكن بنص أو قياس على منصوص ولا نص ولا أصل يقاس عليه، بل ههنا أصل يقاس عليه وهو ترك النكاح أصلاً أو ترك الجماع بعد النكاح أو ترك الإنزال بعد الإيلاج، فكل ذلك ترك للأفضل وليس بارتكاب نهي ولا فرق، إذ الولد يتكون بوقوع النطفة في الرحم، ولها أربعة أسباب: النكاح، ثم الوقاع، ثم الصبر إلى الإنزال بعد الجماع، ثم الوقوف لينصب المني في الرحم، وبعض هذه الأسباب أقرب من بعض فالامتناع عن الرابع كالامتناع عن الثالث، وكذا الثالث كالثاني، والثاني كالأول.
2 ـ أنه لا يصح قياس العزل على الإجهاض والوأد، لأن ذلك جناية على موجود حاصل، بخلاف العزل، فإنه وجود متوهم.
3 ـ الآثار الواردة عن الصحابة والتي يفهم منها الجواز بادئ الرأي، قال الطحاوي بعد إيراده ما ذكرنا من الآثار الواردة عن الصحابة في جواز العزل:(فهذا علي وابن عباس، قد اجتمعا في هذا، على ما ذكرنا، وتابع عليا على ما قال من ذلك عمر، ومن كان بحضرتهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي هذا دليل على أن العزل غير مكروه من هذه الجهة)([28])
4 ـ أن الله تعالى إذا كان قد قدر أنه يكون ذلك، كان ذلك الولد، ولم يمنعه عزل ولا غيره، لأنه قد يكون مع العزل إفضاء بقليل الماء الذي قد قدر الله تعالى أن يكون منه ولد، فيكون منه ولد، ويكون ما بقي من الماء الذي قد يمتنعون من الإفضاء به بالعزل، فضلا، وقد يكون الله عز وجل قد قدر أن لا يكون من ماء ولد، فيكون الإفضاء بذلك الماء والعزل سواء في أن لا يكون منه ولد. فكان الإفضاء بالماء لا يكون منه ولد إلا بأن يكون في تقدير الله عز وجل أن لا يكون من ذلك الماء ولد، فيكون كما قدر.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو أن حكم العزل وغيره من وسائل تنظيم النسل يتوقف على جانبين:
الجانب الأول: الوسيلة التي يتم بها تنظيم النسل، فقد تكون عزلا أو غيره، فلذلك يشترط فيها ـ كما يشترط في كل الوسائل ـ أن لا يكون فيها ضرر، فبعض الأدوية المستعملة الآن مثلا يصيب كثيرا من النساء بأضرار صحية قد تصل درجة كبيرة من الخطورة، بل ألفت الكتب المتخصصة التي تحذر من استعمال بعض تلك الأدوية، وحتى الوسائل الأخرى قد تحوي بعض المخاطر، ولو لم تكن آنية.
وقد ذكر محمد علي البار بعض المخاطر الصحية من استعمال الوسائل المختلفة لمنع الحمل، ومما ذكره من مخاطر حبوب منع الحمل قوله:(ولكل مجموعة من هذه المجموعات مساوئها وأضرارها، وأشهر هذه المساوئ هي زيادة الجلطات في الساقين والرئتين والقلب وزيادة الإصابة بمرض السكر، وإصابة الكبد وضغط الدم والاضطرابات النفسية واحتمال زيادة في سرطان عنق الرحم وسرطان الثدي، وتمنع المرأة في العادة من استعمال الحبوب خاصة تلك التي بها هرمون الإستروجين ومشتقاته إذا كانت تعاني من ضغط الدم أو مرض في الكبد أو مرض في الكلى، أو هبوط في القلب، أو لها تاريخ قديم للجلطات في الساقين وغيرهما أو مرض البول السكري او فوق سن الأربعين أو تعاني من أمراض نفسية أو كآبة شديدة)([29])
وذكر من مخاطر استعمال اللولب:(النزف المتكرر من المرأة التي تضع في رحمها وثانيها الآلام التي قد تكون مبرحة، وثالثها اختراق هذا اللولب للرحم، مما يسبب انثقاب الرحم، وهو أمر خطير جدا، أو أن اللولب ينغرز في جدار الرحم، ورابعها الإنتان المتكرر الذي يصحب إدخال اللولب وبقائه في الرحم، وخامسها أن الرحم يقوم بطرد هذا الجسم الغريب، وسادسها زيادة في حدوث الحمل ي قناة الرحم، وسابعها حدوث الحمل وذلك بسبة تصل إلى ستة بالمائة)([30])
فلذلك لا يصح استعمال أي وسيلة إلا بعد التأكد التام من عدم المضرة وإلا كانت حراما للضرر الذي ورد النهي عنه أنى وجد وكيف وجد، وإباحة المقصد لا تبيح الوسيلة.
الجانب الثاني: المقصد الذي يراد من هذه العملية، ونرى أن الأرجح في هذا هو عدم إطلاق القول فيه، بل يختلف حكمه باختلاف الأحوال، فلذلك يمكن القول بأنه ترد عليه الأحكام الخمسة من الإباحة والكراهة والحرمة والندب والوجوب.
وقد أشار الغزالي إلى هذا الاعتبار الذي يمكن بواسطته التوفيق بين الأقوال المختلفة في المسألة، فذكر أن النيات الباعثة على العزل خمس، ثلاثة منها حكم بإباحتها، وهي:(الأولى: في السراري وهو حفظ الملك عن الهلاك باستحقاق العتاق وقصد استبقاء الملك بترك الإعتاق ودفع أسبابه ليس بمنهي عنه. الثانية: استبقاء جمال المرأة وسمنها دوام التمتع واستبقاء حياتها خوفاً من خطر الطلق، وهذا أيضاً ليس منهياً عنه. الثالثة: الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد والاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب ودخول مداخل السوء وهذا أيضاً غير منهي عنه، فإن قلة الحرج معين على الدين، نعم الكمال والفضل في التوكل والثقة بضمان الله حيث قال: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأرْضِ إلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا} ولا جرم فيه سقوط عن ذروة الكمال وترك الأفضل، ولكن النظر إلى العواقب وحفظ المال وادخاره مع كونه مناقضاً للتوكل لا نقول إنه منهي عنه)([31])
أما النيتان الباقيتان، فأفتى فيهما بالحرمة، وهما كما يذكر الغزالي:(الرابعة: الخوف من الأولاد الإناث لما يعتقد في تزويجهن من المعرة كما كانت من عادة العرب في قتلهم الإناث، فهذه نية فاسدة لو ترك بسببها أصل النكاح أو أصل الوقاع أثم بها لا بترك النكاح والوطء، فكذا في العزل، والفساد في اعتقاد المعرة في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشد، وينزل منزلة امرأة تركت النكاح استنكافاً من أن يعلوها رجل فكانت تتشبه بالرجال، ولا ترجع الكراهة إلى عين ترك النكاح. الخامسة: أن تمتنع المرأة لتعززها ومبالغتها في النظافة والتحرز من الطلق والنفاس والرضاع، وكان ذلك عادة نساء الخوارج لمبالغتهن في استعمال المياه، حتى كن يقضين صلوات أيام الحيض ولا يدخلن الخلاء إلا عراة، فهذه بدعة تخالف السنَّة، فهي نية فاسدة، واستأذنت واحدة منهن على عائشة، لما قدمت البصرة فلم تأذن لها، فيكون القصد هو الفاسد دون منع الولادة)([32])
هذا ما ذكره الغزالي على سبيل الحصر الذي لا نوافقه عليه، فهناك أسباب أخرى تختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأشخاص، وسنذكر بعض أمثلتها في المسألة التالية لهذه المسألة.
3 ـ الدوافع الشرعية لتنظيم النسل
يمكن تصنيف الدوافع الشرعية الباعثة على تنظيم النسل إلى الدوافع التالية:
من الدوافع الخاصة بالأم الخشية على حياتها أو صحتها من الحمل أو الوضع، إذا عرف بتجربة أو أخبار طبيب ثقة تطبيقا لقوله تعالى: { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } (البقرة:195)، وقوله تعالى: { وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}(النساء:29)
ومنها الخشية على الأولاد أن تسوء صحبتهم، وقد ورد عن السلف ما يدل على هذا القصد، فعن أسامة بن زيد أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إني أعزل عن امرأتي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لم تفعل ذلك؟ فقال الرجل: أشفق على ولدها -أو قال- على أولادها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو كان ضارا لضر فارس والروم)([33])
ومن الضرورات المعتبرة شرعا الخشية على الرضيع من حمل جديد ووليد جديد، وقد سمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوطء في حالة الرضاع وطء الغيلة لما يترتب عليه من حمل يفسد اللبن ويضعف الولد، وإنما سماه غيلا أو غيلة؛ لأنه جناية خفية على الرضيع فأشبه القتل سرا.
وقد ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم ما قد يفهم من ظاهره التعارض، فقال (لَقَد هَمَمتُ أَن أَنهى عن الغيلَة حَتى ذَكَرتُ أَن الرُّوم وفارس يصنعونَ ذلك فلا يضُرُّ أَولاَدَهُم)([34])، ومن حديث أسماء بنت يزيد: (لاَ تَقتُلُوا أَولاَدَكُم سرّاً، فَوَالذي نَفسي بـيَده إنه لَيُدرك الفَارسَ فَيُدَعثرُه([35])ُ)، قال: قلت: ما يعني؟ قالت: الغيلة: يأتي الرجلُ امرأته وهي ترضع([36]).
قال ابن القيم في الجمع بين الآثار المختلفة في الباب:(وقد يُقال: إن قوله (لاَ تَقتُلُوا أَولاَدَكُم سرّاً)نهى أن يتسبب إلى ذلك، فإنه شبه الغَيل بقتل الولد، وليس بقتل حقيقة، وإلا كان من الكبائر، وكان قرينَ الإشراك بالله، ولا ريبَ أن وطء المراضع مما تعُمُّ به البلوى، ويتعذر على الرجل الصبر عن امرأته مدة الرضاع، ولو كان وطؤهن حراماً لكان معلوماً من الدين، وكان بـيانه من أهم الأمور ولم تهمله الأُمةُ، وخيرُ القرون، ولا يُصرحُ أحدٌ منهم بتحريمه، فَعُلمَ أن حديث أسماء على وجه الإرشاد والاحتياط للولد، وأن لا يُعَرضَه لفساد اللبن بالحمل الطارىء عليه، ولهذا كان عادةُ العرب أن يسترضعُوا لأولادهم غيرَ أمهاتهم، والمنع منه غايته أن يكون من باب سد الذرائع التي قد تُفضي إلى الإضرار بالولد، وقاعدةُ باب سد الذرائع إذا عارضه مصلحة راجحة، قُدمت عليه)([37])
الدوافع الخاصة بالحياة الزوجية:
ومنها خشية الوقوع في ضيق مادي قد يلجئه إلى الحرام، من أجل الأولاد، كما قال تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ }(البقرة:185)، وقال تعالى { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}(المائدة:6)
ومنها ما ذكره الغزالي من استبقاء جمال المرأة وسمنها لدوام التمتع واستبقاء حياتها خوفاً من خطر الطلق، وهذا أيضاً ليس منهياً عنه.
ثانيا ـ أحكام التخلص من الجنين
وهو ما يطلق عليه اصطلاحا [الإجهاض]، وسنتناول في هذا المطلب الأحكام الشرعية المتعلقة به باعتباره الوسيلة الوحيدة للتخلص من الجنين.
وقد عرف تعريفات مختلفة منها:
1 ـ عرفه مؤتمر الإسلام وتنظيم الوالدية، الذي عقد في الرباط عام 1971م علميًا بأنه إخراج الحمل من الرحم، بقصد التخلص منه، وأصدر قرارًا مفاده: أن جميع فقهاء المسلمين يتفقون على أنه بعد الشهر الرابع يحرم الإجهاض، إلا إذا كانت هناك ضرورة قصوى، فقد عرف الإجهاض بهذا على انه إسقاط الجنين قبل الشهر الرابع.
2 ـ عرفه الأطباء بأنه انتهاء الحمل قبل حيوية الجنين، وتقدر هذه الحيوية بثمانية وعشرين أسبوعًا، وهي تساوي سبعة أشهر يكون فيها الجنين مكتمل الأعضاء، وله القدرة على الحياة.
3 ـ وأهل الطب الشرعي يُعَرِّفُونه بأنه: طرد مكونات الرحم الحامل في أي وقت، قبل نهاية تسعة أشهر([38]).
أهم ركن من أركان الحكم على الإجهاض هو النظر في الدافع إليه، فبحسب الدافع يكون الحكم، وقد بدأت الدعوة للإجهاض أول ما بدأت في الغرب بمبرر الحرص على حياة الأم إن استمر الحمل، ثم الخوف على صحتها، ثم تطور إلى الخوف على صحتها الجسمية أو النفسية، ثم الخوف على مستقبلها الصحي أو الجمالي، ثم تطور ليشمل الخوف على الأسرة ثم على المجتمع، وتطور أخيرا ليدعى إلى السماح بالإجهاض حسب الطلب.
هذا بالنسبة للمناهج التي تصنعها الأهواء، وتدعو لها الجاهلية، أما أحكام الشريعة الإسلامية فإنها تختلف عن ذلك اختلافا جذريا، فهي منضبطة بضوابط لا تخرمها العصور، ولا تؤثر فيها البيئات، فلذلك يمكننا بسهوله انطلاقا من مصادر الدين الأصلية، وانطلاقا من الأسس التي تبنى عليها الأحكام الشرعية تمييز الدوافع الشرعية من الدوافع غير الشرعية.
ويمكننا حصر الدوافع حسبما نراه في الواقع إلى ثلاثة أنواع كبرى تندرج تحتها الفروع الكثيرة، وهذه الأصول التي تبنى عليها الدوافع هي:
من أهم الدوافع في هذا وأكثرها اعتبارا الخوف على حياة الأم إذا كان الحمل أو الولادة خطراً على حياتها أو على صحتها إلى حد كبير، وقد اتفق الفقهاء على أنه إذا ثبت من طريق موثوق به أن بقاءه يؤدي إلى موت الأم، ولم يكن لها منقذ سوى إسقاطه، فإن إسقاطه في تلك الحالة يصبح متعينا، لأن الشريعة تأمر بارتكاب أخف الضررين، فلا يضحي بها في سبيل إنقاذه؛ لأنها أصله، وقد استقرت حياتها، ولها حظ مستقل في الحياة، وهي بعد هذا وذاك عماد الأسرة، ولا يعقل أن يضحى بها في سبيل حياة لجنين لم تستقل حياته، ولم يحصل على شيء من الحقوق والواجبات زيادة على كون حياته متوهمة بخلاف حياة الأم.
ويشترط أن يتم ذلك تحت إشراف طبيب مسلم عدل، لتفادي التحايل على هذا بدعوى المحافظة عل صحة الأم، وقد قال محمد علي البار المتخصص في هذا المجال:(ولا أعلم أن هناك من الأمراض ما يجعل هلاك الأم محققا إذا هي استمرت في الحمل إلا حالة واحدة هي تسمم الحمل، وحتى في هذه الحالة لا يحتاج الطبيب إلى قتل الجنين، بل إلى إجراء الولادة قبل الموعد المحدد إما بحقن الأم بمادة الأوكسيتوسن أو البروستاجلاندين أو بإجراء عملية قيصرية، وأغلب هذه الحالات تسلم ويسلم وليدها معها)([39])
وبناء على هذا، فإن اعتبار هذا الدافع في عصرنا محدود جدا خاصة مع توفر الوسائل التي تحمي الأم وجنينها، قال محمد علي البار:(ونتيجة للتقدم الطبي الهائل، فإن قتل الجنين لإنقاذ الأم يصبح لغوا لا حاجة له في أغلب الحالات المرضية، ولكن هناك حالات مرضية عديدة يتعرض فيها الجنين للمخاطر، ويتعين في بعض تلك الحالات إخراج الجنين رحمة بالجنين ذاته، وليس شفقة ورحمة بالأم، ومثال ذلك إصابة الأم في أشهر الحمل الأولى بالحصبة الألمانية، فإن احتمال إصابة الجنين بالتشوهات الخلقية ترتفع إلى 70 بالمائة، إذا كات إصابة الأم في الشهر الثاني من الحمل، ثم تقل النسبة بعد ذلك، كا أن تعرض الأم للعلاج بالأشعة أو بالعقاقير المضادة للسرطان يؤدي إلى تشوهات الجنين، وفي أحيان كثيرة إلى قتله، وفي تلك الحالات ينصح بإجراء الإجهاض لا لأن بقاء الجنين يؤدي إلى موت الأم لا محالة، بل لأن بقاء الجنين يؤدي إلى تشوهات خلقية خطيرة أو إلى وقاة الجنين ذاته، ويتعين عندئذ إخراجه من الرحم حتى لا ينتن ويتعفن)([40])
وهي الدوافع التي تفرضها الأعراف الاجتماعية المختلفة، ومن هذه الدوافع تخفيف حدة الانفجار السكاني، وقد كان هذا هو الدافع الذي مررت به الدول القوية هذه الأفكار للدول المستضعفة، بل مورس ذلك، ومورس معه التعقيم الإجباري في الهند وغيرها.
ومنها الإجهاض حسب الرغبة، وهو ما يطبق الآن في الغرب، وإن كانوا يتسترون على ذلك، بل يحاولون تقنينه وتعميمه، وليس ذلك ببعيد.
ومنها، وهو أهمها، وربما يكون أكبر أسباب الإجهاض الخوف من آثار الفواحش، وقد زخرت وثيقة مؤتمر السكان والتنمية بتعبيرات فضفاضة، وعبارات مطلقة، توحي تارة، وتؤكد أخرى على السماح بالإجهاض في ظل العلاقات المشروعة، وغير المشروعة([41]).
أما عن موقف الشريعة الإسلامية من هذه الدوافع، فإنه عدم الاعتبار لها، فلم يفصل الفقهاء بين الحمل الشرعي، وغير الشرعي، بل إنهم نصوا على حُرمة الإسقاط للجنين، ولو كان ثمرة لزنا أو اغتصاب، وقد ورد في السنة ما يؤيد ذلك، ومن ذلك ما جاء عن عمران بن حُصين، أن امرأة من جُهَيْنة أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي حُبْلى من الزنا، فقالت: يا نبي الله، أصبتُ حدًّا فأقمْه عليَّ، فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم وليَّها، فقال: (أحسنْ إليها، فإذا وضعت فأتني بها)([42])
ويدل على هذا زيادة على هذا النص الصريح النصوص الدالة على أنه لا تكسب نفس إلا ما فعلت، فليس لابن الزنا أي ذنب حتى يجهض، كما قال تعالى: { وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }(الأنعام:164)
أما العوارض الاجتماعية التي تنتاب الزانية الحامل من سفاح، كخوف العار، فالمقطوع به أنها تصيب المرأة بالضرر، لكن الضرر الأشد إجهاض جنين علق برحمها([43]).
وزيادة على هذا، فإن القول بحلية إسقاط الزانية حملها المتكون من الزنا يتعارض مع القاعدة الشرعية لسد الذرائع، وذلك لأن من أهم العقبات المانعة للمرأة من الإقدام على الزنا، نشوء الحمل، الذي يعرضها للمعرة والمضرة معًا، فإذا أزالت عن طريقها هذه العقبة، كان ذلك دعوة صريحة للفاحشة.
وزيادة على هذا المخاطر الناتجة عن إباحة الإجهاض، فإن الواقع الذي يصلى بناره الغرب يدل على ضرورة التشديد في هذا الباب، ومن المخاطر:
1 ـ زيادة مضطردة في حالات الإجهاض لدرجة شغلت من أسرة المستشفيات ومن وقت الأطباء الاختصاصيين ما عطل علاج المريضات بالأمراض الأخرى، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه تم في أمريكا وحدها إجهاض أكثر من 25 مليون حمل في عام واحد كما أوردت بعض المجلات عام 1983. وأشارت منظمة الصحة العالمية في تقريرها عام 1984 أن حالات الإجهاض الجنائي أو المتعمد قد بلغت أكثر من 25 مليون حالة سنوياً([44]). وقيل انه يتم قتل 40 مليون جنين كل عام في العالم بواسطة الإجهاض المحدث، وهو الذي كان يطلق عليه في الماضي الإجهاض الجنائي نصفهم ـ على الأقل ـ بصورة غير قانونية ويؤدي ذلك إلى وفاة مائتي ألف امرأة وإصابة مئات الآلاف بأمراض مختلفة، وجعل عدد كبير منهن يعانين من العقم الدائم.
2 ـ أنه كان من بين النساء المجهضات 44 بالمائة فقط متزوجات وأما الـ 56 المائة الباقية فكانت من سفاح في بنات (37 بالمائة)أو مطلقات وأرامل (9 بالمائة)، وفي أمريكا بلغت نسبة حمل السفاح بين المجهضات درجة أعلى من ذلك([45])، فقانون إباحة الإجهاض بهذا إنما يلبي الحاجة إلى السفاح.
3 ـ أنه كانت ثلاث مستشفيات خاصة في لندن ـ وبطبع الحال في جميع المدن الكبيرة الغربية أو معظمها ـ تجري من عمليات الإجهاض أكثر مما تجريه مستشفيات منطقة لندن المجانية الحكومية…، وهذا يدلّ على مدى الاستغلال التجاري للإجهاض.
4 ـ أنه رغم إباحة موانع الحمل وإباحة الإجهاض فقد زادت نسبة ولادات السفاح إلى الولادات الحلال زيادة كبيرة… مما يدلّ على أنّ الذريعة الوحيدة لذلك كله هو تفشي الإباحية الجنسية.
وهو إسقاط الجنين لكونه مشوها أو به مرض من الأمراض الخطيرة، من غير إضرار منه بصحة الأم، وقد نص الفقهاء على حرمة الإجهاض في هذه الحالة إذا نفخ في الجنين الروح، لأن له حقا في الحياة كحق السليم.
ولكن مع ذلك يلزم الحذر من حصول مثل هذا الحمل بتجنب أسبابه ما أمكن، وقد ذكرنا بعض تلك الأسباب في خصال الكفاءة، وسنذكر بعضها في هذا الجزء.
وهو إما أن يكون قبل نفخ الروح أو بعدها، وقد اختلف الفقهاء في حكم الإجهاض في هاتين الحالتين كما يلي:
اختلف الفقهاء في حكم الإجهاض قبل نفخ الروح على قولين:
القول الأول: يحرم الاِجهاض مطلقاً قبل ولوج الروح أو بعده، وهو قول الإمامية، وقد نص عليه المالكية على خلاف بينهم في ذلك، فقد جاء في الفواكه الدواني:(لا يجوز للمرأة أن تفعل ما يسقط ما في بطنها من الجنين، وكذا لا يجوز للزوج فعل ذلك، ولو قبل الأربعين وقيل يكره قبل الأربعين للمرأة شرب ما يسقطه إن رضي الزوج بذلك. والذي ذكره الشيخ عن أبي الحسن أنه يجوز قبل الأربعين ولا يجوز للرجل أن يتسبب في قطع مائه ولا أن يستعمل ما يقلل نسله قاله ح وانظر هل المرأة كذلك فيهما ؛ لأن قطع مائها يوجب قطع نسلها أم لا)([46])
وقال الشيخ عليش وهو من علماء المالكية المتأخرين:(وإذا أمسك الرحم المني فلا يجوز للزوجين ولا لأحدهما ولا للسيد التسبب في إسقاطه قبل التخلق على المشهور ولا بعده اتفاقا والتسبب في إسقاطه بعد نفخ الروح فيه محرم إجماعا، وهو من قتل النفس والتسبب في قطع النسل، أو تقليله محرم والمتسبب في إبقاء علقة فأعلى عليه الغرة والأدب سواء كان أما أو غيرها إلا السيد في أمته فعليه، أما استخراج ما حصل من الماء في الرحم فمذهب الجمهور منعه مطلقا وأحفظ للخمي أنه يجوز قبل الأربعين ما دام نطفة كما له العزل ابتداء والأول أظهر إذ زعم بعضهم أنه من الموءودة)([47])
وذكر خلاف المالكية في ذلك بقوله:(ونقله الحطاب ونقل عن ابن ناجي في شرح المدونة ما نصه: وأما التسبب في إسقاط الماء قبل الأربعين يوما من الوطء فقال اللخمي جائز وقال ابن العربي في القبس لا يجوز باتفاق، وحكى عياض في الإكمال قولين في ذلك للعلماء وظاهره أنهما خارج المذهب)([48])
ثم نقل عن أبي بكر بن العربي قوله:(للولد ثلاث أحوال: حالة قبل الوجود ينقطع فيها بالعزل، وهو جائز وحالة بعد قبض الرحم على المني فلا يجوز لأحد حينئذ التعرض له بالقطع من التولد كما يفعله سفلة التجار من سقي الخدم عند استمساك الرحم الأدوية التي ترخيه، فيسيل المني منه فتقطع الولادة، والحالة الثالثة: بعد انخلاقه قبل أن ينفخ فيه الروح، وهذا أشد من الأولين في المنع والتحريم لما روي من الأثر من أن السقط يظل محبنطئا([49]) على باب الجنة يقول: لا أدخل الجنة حتى يدخل أبواي([50])، فأما إذا نفخ فيه الروح فهو قتل النفس بلا خلاف)([51])
قال الشيخ عليش:(وانفرد اللخمي فأجاز استخراج ما في داخل الرحم من الماء قبل الأربعين يوما، ووافق الجماعة فيما فرقها، فإذا وقفت على هذا التحقيق الذي تقدم جلبه من كلام القاضي المحقق أبي بكر رحمه الله تعالى علمت قطعا أن اتفاق الزوج والزوجة على إسقاط الجنين في المدة التي ذكرت وتواطأهما على ذلك حرام ممنوع لا يحل بوجه ولا يباح، وعلى الأم في إسقاطه الغرة والأدب إلا أن يسقط الزوج حقه في الغرة بعد الإسقاط)([52])
وقد نص على هذا القول بعض الشافعية، قال في نهاية المحتاج:(اختلفوا في التسبب لإسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه وهو مائة وعشرون يوما، والذي يتجه وفاقا لابن العماد وغيره الحرمة ولا يشكل عليه جواز العزل لوضوح الفرق بينهما بأن المني حال نزوله محض جماد لم يتهيأ للحياة بوجه بخلافه بعد استقراره في الرحم، وأخذه في مبادئ التخلق ويعرف ذلك بالأمارات وفي حديث مسلم أنه يكون بعد اثنين، وأربعين ليلة أي ابتداؤه كما مر في الرجعة ويحرم استعمال ما يقطع الحبل من أصله كما صرح به كثيرون وهو ظاهر)([53])
وهذا القول هو ظاهر قول ابن حزم، فقد ذكر عند حديثه عن المرأة تتعمد إسقاط ولدها؟ وحكم وجوب الغرة عليها، قال:(إن كان لم ينفخ فيه الروح فالغرة عليها، وإن كان قد نفخ فيه الروح: فإن كانت لم تعمد قتله. فالغرة أيضا على عاقلتها، والكفارة عليها. وإن كانت عمدت قتله فالقود عليها، أو المفاداة في مالها. فإن ماتت هي في كل ذلك قبل إلقاء الجنين ثم ألقته: فالغرة واجبة في كل ذلك، في الخطأ على عاقلة الجاني – هي كانت أو غيرها – وكذلك في العمد قبل أن ينفخ فيه الروح. وأما إن كان قد نفخ فيه الروح فالقود على الجاني إن كان غيرها. وأما إن كانت هي فلا قود، ولا غرة، ولا شيء ؛ لأنه لا حكم على ميت، وماله قد صار لغيره)([54])
وهو كذلك ظاهر قول الغزالي، فقد تعرض عند بيان موقفه من العزل، وأنه لا كراهة فيه إلى الفرق بينه وبين الإجهاض، فقال:(وليس هذا كالإجهاض والوأد، لأن ذلك جناية على موجود حاصل، وله أيضاً مراتب. وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية، فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشاً، ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حياً. وإنما قلنا مبدأ سبب الوجود من حيث وقوع المني في الرحم لا من حيث الخروج من الإحليل، لأن الولد لا يخلق من مني الرجل وحده بل من الزوجين جميعاً إما من مائه ومائها)([55])
وقد ذكرنا أن الإمامية هم الذين اشتهروا بهذا القول، فلذلك لا بأس من ذكر أدلتهم على ذلك هنا:
1 ـ ما جاء في معتبرة اسحاق المروية في الفقية: قلت لاَبي الحسن عليه السلام، المرأة تخاف الحبل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها، قال: لا، فقلت: إنما هو نطفة، فقال: إنّ أوّل ما يخلق نطفة([56]).
2 ـ ما جاء في صحيح رفاعة المرويّ في الكافي: قلت لاَبي عبدالله عليه السلام: اشتري الجارية فربما احتبس طمثها من فساد دم أو ريح في رحم فتسقى دواء لذلك، فتطمث من يومها؟ فقال لي: لا تفعل ذلك، فقلت له: إنما ارتفع طمثها منها شهراً، ولو كان ذلك من حبل إنما كان نطفة كنطفة الرجل الذي يعزل، فقال لي: إنّ النطفة إذا وقعت في الرحم تصير إلى علقة ثم إلى مضغة ثم إلى ما شاء الله، وإنّ النطفة إذا وقعت في غير الرحم لم يخلق منها شيء فلا تسقها الدواء إذا ارتفع طمثها شهراً وجاز وقتها الذي كانت تطمث فيه([57]).
3 ـ أنّه لا منافاة بين هذه الحياة وبين الحياة الحادثة بعد الاَربعة الاَشهر من الحمل، فإنّ الأولى حياة غير انسانية والثانية حياة إنسانية ناشئة عن الروح الانسانية، وقد اشار الامام الباقر إلى هاتين الحياتين معاً، وقد أشار إليه في رواية سعيد بن المسيب عن الاِمام زين العابدين علي بن الحسين حينما شرح مراحل الجنين وحدودها ومقدار الدية، حتى قال:(فإن طرحته وهي نسمة مخلقة له عظم ولحم مرتب الجوارح وقد نفخ فيه روح العقل فإن عليه دية كاملة)([58])
القول الثاني: الجواز، وهو قول جمهور العلماء غير من ذكرنا.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو الحكم بالجواز على ما ذهب إليه الجمهور بشرطين:
1 ـ عدم أداء ذلك إلى مضرة شديدة بالمرأة خاصة فيما يتعلق بقدرتها على الإنجاب بعد قيامها بالإجهاض.
2 ـ أن يكون ذلك باتفاق الزوجين، بحيث لا ينفرد طرف من الأطراف بالقرار في ذلك، لأن الولد للزوجين جميعا، فلا يصح أن يفرض الزوج على زوجته الإجهاض لعدم رغبته في الحمل، ولا يجوز للزوجة أن تجهض من غير استئذان الزوج.
اتفق الفقهاء على حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين، إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وقد اختلفوا في الوقت الذي تنفخ فيه الروح، ويحرم عنده الإجهاض على قولين:
القول الأول: أن نفخ الروح يكون عند الأربعين، فلذلك يحرم الإسقاط قبله، وهو قول المالكية، بل الراجح عندهم كما ذكرنا حُرمة الإسقاط قبل الأربعين، ويكفي لسريان هذه الحُرمة استقرار النطفة في الرحم.
القول الثاني: أنه يكون بعد مائة وعشرين يوما، وهو قول الجمهور، وقد ذكر ابن رجب القائلين بهذا ومستندهم على ذلك، فقال:(وبنى الإمام أحمد مذهبه المشهور عنه على ظاهر حديث ابن مسعود وأن الجنين ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر وأنه إذا سقط بعد تمام أربعة أشهر صلى عليه حيث كان قد نفخ فيه الروح ثم مات، وحكى ذلك أيضا عن سعيد بن المسيب وهو أحد قولي الشافعي وإسحاق وروى غير واحد عن أحمد أنه قال: إذا بلغ أربعة أشهر وعشرا ففي تلك العشر ينفخ فيه عليه وقال في رواية لأبي الحارث عنه: تكون النسمة نطفة أربعين ليلة وعلقة أربعين ليلة ومضغة أربعين ليلة ثم تكون عظما ولحما، فإذا تم أربعة أشهر وعشرا نفخ فيه الروح، وظاهر هذه الرواية أنه لا ينفخ فيه الروح إلا بعد تمام أربعة أشهر وعشر كما روي عن ابن عباس، والروايات التي قبل هذه عن أحمد أنها تدل على أنه ينفخ فيه الروح في مدة العشر بعد تمام الأربعة وهذا هو المعروف عنه، وكذا قال ابن المسيب لما سئل عن عدة الوفاة حيث جعلت أربعة أشهر وعشرا ما بال العشر قال ينفخ فيه الروح)([59])
وقد ذكر ابن عابدين أن هذا هو قول الحنفية مع مخالفته للمشاهدة، فقال: (وهل يباح الإسقاط بعد الحبل يباح ما لم يتخلق شيء منه؟.. قالوا ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما، وهذا يقتضى أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فلا فهو غلط لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة)([60])
ونص على ذلك الشافعية، قال في نهاية المحتاج:(اختلفوا في التسبب لإسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه وهو مائة وعشرون يوما)([61])، وقد سبق ذكر قوله.
وهو قول ابن حزم، فقد قال بعد روايته لحديث ابن مسعود:(وما لم يوقن تمام المائة والعشرين ليلة بجميع أيامها فهو على ما تيقناه من مواتيته، ولا يجوز أن نقطع له بانتقاله إلى الحياة عن المواتية المتيقنة إلا بيقين)([62])
وقد استدلوا على هذا بظاهر ما روي عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الصادق المصدوق:(إن أحدكم يُجمع خَلْقُه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسل إليه المَلَك، فيَنْفُخ فيه الروح، ويُؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد)([63])
قال ابن رجب:(وبكل حال فحديث ابن مسعود يدل على تأخير نفخ الروح في الجنين وكتابة الملك لأمره إلى بعد أربعة أشهر حتى تتم الأربعون الثالثة، فأما نفخ الروح فقد روي صريحا عن الصحابة أنه ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر كما دل عليه ظاهر حديث ابن مسعود فروى زيد بن على عن أبيه عن على قال: إذا تمت النطفة أربعة أشهر بعث الله إليها ملكا فينفخ فيها الروح في الظلمات فذلك قوله تعالى:{ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ } (المؤمنون:14)([64])
القول الثالث: تحديد ميقات النفخ بثمانين يوما، وقد روى ابن مسعود أنه لا تصوير قبل ثمانين يوما، وروي عن ابن عباس وعن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى:{ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ }(آل عمران:6)قالوا: إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوما ثم تكون علقة أربعين يوما ثم تكون مضغة أربعين يوما، فإذا بلغ أن تخلق بعث الله ملكا يصورها، فيأتي الملك بتراب بين أصبعيه فيخلطه في المضغة ثم يعجنه بها ثم يصورها كما يؤمر فيقول: أذكر أم أنثى شقي أم سعيد وما رزقه وما عمره وما رجاء وما مصائبه فيقول الله تبارك وتعالى، فيكتب الملك، فإذا مات ذلك الجسد دفن حيث أخذ ذلك التراب([65])
وقد ذكر ابن رجب من أخذ بهذا من العلماء فقال:(وقد أخذ طائفة من الفقهاء بظاهر هذه الرواية وتأولوا حديث ابن مسعود المرفوع عليها، وقالوا أقل ما يتبين فيه خلق الولد أحد وثمانون يوما لأنه لا يكون مضغة إلا في الأربعين الثالثة، ولا يتخلق ويتصور قبل أن يكون مضغة، وقال أصحابنا وأصحاب الشافعي بناء على هذا الأصل إنه لا تنقضي العدة ولا قوما أم الولد إلا بالمضغة المخلقة، وأقل ما يكون أن يتخلق ويتصور في أحد وثمانين يوما)([66])
نرى أن الأرجح في المسألة هو أنها ترتبط بالناحية العلمية الطبية من ناحية، والناحية الشرعية من ناحية أخرى، ولذلك سنتكلم عن هاتين الناحيتين للتوصل إلى العمر الحقيقي للجنين، وبالتالي القول بحرمة إجهاضه قبل تلك المدة:
وردت النصوص الكثيرة التي تحدد المراحل التي يمر بها الجنين في رحم أمه، ومن خلالها سنعرف النظرة الشرعية للوقت الذي تدب فيه الحياة للجنين.
أما النصوص القرآنية فلم تتعرض للوقت الذي تدب فيه الحياة للجنين مطلقا بل اكتفت بعد المراحل دون تفاصيلها الزمانية، ومن أهم النصوص القرآنية المتعلقة بهذه الناحية:
1 ـ قوله تعالى:{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} (الحج: 5)
2 ـ قوله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)} (المؤمنون: 12ـ 14)
أما السنة، فقد وردت فيها الأحاديث المفصلة للأزمان المرتبطة بهذه المراحل، وقد أسيئ فهم بعضها، ونتج عن ذلك بعض الأخطاء في الأحكام المرتبطة بالإجهاض، وسنذكر هنا الأحاديث المتعلقة بالموضوع لنستنتج منها ما تدل عليه السنة من بدء حياة الجنين:
فمنها الحديث السابق، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(إن أحدكم يُجمع خَلْقُه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسل إليه المَلَك، فيَنْفُخ فيه الروح، ويُؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد)([67])
ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم قال يا رب أذكر أم أنثى فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب أجله فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب رزقه فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص إذا استقرت النطفة في الرحم أربعين يوما أو أربعين ليلة)([68])
فهذان الحديثان ظاهرا الاختلاف والتعارض، وبناء على هذا حاول العلماء تأويل أحد الحديثين جمعا بينه وبين الآخر، والمنهج العلمي في ذلك يقتضي تغليب ما دل عليه الواقع، وصححه الحس، ثم تأويل المخالف.
لكن ما فعله ما استطعنا التعرف عليه من أقوال الشراح والفقهاء هو خلاف ذلك بحيث اضطروا إلى تأويل كلا الحديثين، تأويل الحديث الأول لينسجم مع الواقع، وهو تأويل متكلف، وتأويل الحديث الثاني ليسجم مع الحديث الأول، ومن ذلك ما ذكره ابن حجر بقوله نقلا عن القاضي عياض قال:(وحمل هذا على ظاهره لا يصح، لان التصوير بأثر النطفة وأول العلقة في أول الأربعين موجود ولا معهود، وانما يقع التصوير في آخر الأربعين الثالثة كما قال تعالى:{ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}(المؤمنون:14)قال: فيكون معنى قوله فصورها الخ أي كتب ذلك، ثم يفعله بعد ذلك بدليل قوله بعد اذكر أو أنثى قال: وخلقه جميع الأعضاء والذكورية والانثوية يقع في وقت متفق وهو مشاهد فيما يوجد من اجنة الحيوان وهو الذي تقتضيه الخلقة واستواء الصورة ثم يكون للملك فيه تصور آخر وهو وقت نفخ الروح فيه حين يكمل له أربعة اشهر كما اتفق عليه العلماء ان نفخ الروح لا يكون الا بعد أربعة اشهر)([69])
فالقاضي عياض حاول تأويل الحديث الثاني ليتناسب مع الحديث الأول ومثله كما يذكر ابن حجر ما قال ابن الصلاح في فتاويه وعلل به إعراض البخاري عن الحديث الثاني، فقال:(أعرض البخاري عن حديث حذيفة بن اسيد إما لكونه من رواية أبي الطفيل عنه وإما لكونه لم يره ملتئما مع حديث ابن مسعود، وحديث بن مسعود لا شك في صحته، وأما مسلم فأخرجهما معا، فاحتجنا الى وجه الجمع بينهما، بان يحمل إرسال الملك على التعدد، فمرة في ابتداء الأربعين الثانية، وأخرى في انتهاء الأربعين الثالثة لنفخ الروح، وأما قوله في حديث حذيفة في ابتداء الأربعين الثانية فصورها فان ظاهر حديث بن مسعود أن التصوير انما يقع بعد ان تصير مضغة فيحمل الأول على ان المراد انه يصورها لفظا وكتبا لا فعلا أي يذكر كيفية تصويرها ويكتبها بدليل أن جعلها ذكرا أو أنثى انما يكون عند المضغة)([70])
فقد جنح ابن الصلاح كذلك إلى التأويل، وتغليب الحديث الأول على الحديث الثاني، وقد أدرك ابن حجر المنافاة الواقعية لما فهم من الحديث الأول، وحاول تأويلها لا بما ورد في الحديث الأول، وإنما بقوله:(وقد نوزع في أن التصوير حقيقة انما يقع في الأربعين الثالثة بأنه شوهد في كثير من الاجنة التصوير في الأربعين الثانية وتمييز الذكر على الأنثى فعلى هذا فيحتمل ان يقال أول ما يبتدي به الملك تصوير ذلك لفظا وكتبا، ثم يشرع فيه فعلا عند استكمال العلقة، ففي بعض الاجنة يتقدم ذلك، وفي بعضها يتأخر ولك)([71])
ولا يمكننا هنا إحصاء ما ذكره العلماء في الحديثين، ولكنا نقول بأن ترجيح أحد الحديثين ينبغي أن يعول بالدرجة الأولى على ما يقوله الطب، فلا منافاة بينهما، ولذلك سنذكر هنا رأي العلم، لنستنتج منه ما يمكن الاعتماد عليه في معرفة وقت نفخ الروح في الجنين.
يذكر محمد علي البار أنه في نهاية الأسبوع السادس أي 42 يوما، تكون النطفة قد بلغت أوج نشاطها لتكوين الأعضاء، وهي قمة المرحلة الحرجة الممتدة من الأسبوع الرابع حتى الثامن ثم بعد ذلك يحدد جنس الجنين ذكر أم أنثى حسب ما يؤمر به، فيحول الغدة إلى خصية أو مبيض، والدليل على ذلك ما يشاهد في السقط حيث لا يمكن تمييز الغدة التناسلية قبل انتهاء الأسبوع السابع وبداية الثامن([72]).
انطلاقا من هذا، فإن الأرجح الذي نراه هو أن نفخ الروح يكون في المدة التي حددها حديث مسلم والتي أيدها العلم الحديث، أما الحديث الأول الذي ذهب إلى القول به أكثر العلماء، فما أسهل تأويله من حيث اللغة، وليس محل ذلك هنا، زيادة على احتمال كون الراوي قد رواه بالمعنى، بخلاف الحديث الثاني الذي ذكر المدة بدقة أضاف لها العلم الحديث تأكيدا وقوة.
والقول بهذا ينفي الحرج الذي يقع فيه من يرى المنافاة الواقعية التي تفهم من ظاهر الحديث الأول كما نقلنا عن ابن عابدين قوله: (وهل يباح الإسقاط بعد الحبل؟ يباح ما لم يتخلق شيء منه؟.. قالوا ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما، وهذا يقتضى أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فلا فهو غلط لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة)([73])
3 ـ التشريعات الرادعة عن التخلص من الجنين
يمكن حصر التشريعات التي نص عليها الفقهاء للردع عن التخلص من الجنين بتشريعين: أحدهما له علاقة بالعباد بتعويض الضرر الحاصل من الجناية، والآخر تعبدي بالكفارة، وسنتعرض في هذا المطلب لتفاصيل كلا النوعين من العقوبة، منبهين إلى أن لهذا الموضوع علاقة بالفقه الجنائي، فلذلك لن نتطرق إلا للتفاصيل المتعلقة بالجانب الذي نبحث فيه.
تختلف العقوبة المقررة لإسقاط الحمل، باختلاف نتائج فعل الجاني، ووقت جنايته، ويمكن حصر ذلك إجمالا في الحالتين التاليتين:
الحالة الأولى: موت الجنين بعد سقوطه حيا:
اتفق الفقهاء على أنه إن حصلت الجناية على الأم بأن ضرب بطنها مثلا، فألقت جنينا حيا، ثم مات من الضربة، أن فيه دية كاملة إذا كان سقوطه لوقت يعيش لمثله، وذلك بأن يكون لستة أشهر فصاعدا، وقد نقل الإجماع على ذلك، قال ابن المنذر: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن في الجنين، يسقط حيا من الضرب، دية كاملة، منهم زيد بن ثابت، وعروة، والزهري، والشعبي، وقتادة، وابن شبرمة، ومالك([74])، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي)([75]) وذلك لأنه مات من جنايته بعد ولادته، في وقت يعيش لمثله، فأشبه قتله بعد وضعه.
وقد اتفق الفقهاء على أن العقوبة المقدرة للجاني تشمل كل جان، ولو كان أمه أو أباه، فلو شربت الحامل دواء، فألقت به جنينا، فعليها غرة، لا ترث منها شيئا، وهو محل اتفاق بين العلماء، قال ابن قدامة:(ليس هناك اختلاف بين أهل العلم نعلمه)([76])، وذلك لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها، فلزمها ضمانه بالغرة، كما لو جنى عليه غيرها، ولا ترث من الغرة شيئا ؛ لأن القاتل لا يرث المقتول، وتكون الغرة لسائر ورثته.
ومثلها ما لو كان الجاني المسقط للجنين أباه، أو غيره من ورثته، فعليه غرة، لا يرث منها شيئا.
أما الفعل المكون للجناية، فلا يشترط فيه شكلا معينا، بل يصح أن يكون فعلاً مادياً أو معنوياً، بل يمكن أن يكون قولاً، وقد ورد ما يدل على عدم اقتصار وجوب الدية على الفعل المباشر الذي هو الضرب، بل يكفي فيه مجرد التسبب، كالتخويف مثلا.
فقد روي عن الحسن قال: أرسل عمر إلى امرأة مغنية كان يدخل عليها، فأنكر ذلك، فقيل لها: أجيبي عمر؟ فقالت: يا ويلها مالها ولعمر؟ قال: فبينما هي في الطريق فزعت، فضمها الطلق، فدخلت دارا فألقت ولدها فصاح الصبي صيحتين فمات؟ فاستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأشار عليه بعضهم: أن ليس عليك شيء، إنما أنت وال، ومؤدب، قال: وصمت علي فأقبل عليه عمر فقال: ما تقول؟ فقال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا في هواك؟ فلم ينصحوا لك، أرى أن ديته عليك لأنك أنت أفزعتها، وألقت ولدها في سبيلك، فأمر عليا أن يقسم عقله على قريش، لأنه أخطأ([77]).
ومع كون عمر أخذ بقول علي في المسألة إلا أن ابن حزم راح يخطئه، ويصحح قول جمهور الصحابة بناء على كون عمر أميرا يحق له أن يمارس سلطته في الرعية، فقال بعد سرده للنصوص الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:(فصح أن فرضا على كل مسلم قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. ومن المحال أن يفترض الله تعالى على الأئمة أو غيرهم أمرا إن لم يعملوه عصوا الله تعالى ثم يؤاخذهم في ذلك؟ ووجدنا هذه المبعوث فيها: بعث فيها بحق، ولم يباشر الباعث فيها شيئا أصلا فلا شيء عليه، وإنما كان يكون عليه دية ولدها لو باشر ضربها أو نطحها، وأما إذا لم يباشر فلم يجن شيئا أصلا. ولا فرق بين هذا، وبين من رمى حجرا إلى العدو ففزع من هويه إنسان فمات، فهذا لا شيء عليه – وكذلك من بنى حائطا فانهدم، ففزع إنسان فمات)([78])
وقد اشترط الفقهاء لوجوب الدية كاملة الشروط التالية:
اختلف الفقهاء في كيفية التعرف على حياة الجنين بعد إسقاطه على قولين:
القول الأول: إذا وضعته حيا، سواء ثبتت باستهلاله، أو ارتضاعه، أو بنفسه، أو عطاسه، أو غيره من الأمارات التي تعلم بها حياته، أما الحركة والاختلاج المنفرد، فلا يثبت به حكم الحياة وهو قول الشافعي وأحمد، ومن الأدلة على ذلك أنه علمت حياته، فأشبه المستهل، والخبر الذي استدل به المخالفون يدل بمعناه على ثبوت الحكم في سائر الصور ؛ لأن شربه اللبن أدل على حياته من صياحه، وعطاسه صوت منه كصياحه.
القول الثاني: أنه لا يثبت له حكم الحياة إلا بالاستهلال، وهو قول الزهري، وقتادة، ومالك، وإسحاق وأحمد، وروي معنى ذلك عن عمر، وابن عباس، والحسن بن علي، وجابر، ومن الأدلة على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(إذا استهل المولود، ورث وورث)([79])،ومفهومه أنه لا يرث إذا لم يستهل. وقد فسر الاستهلال بالصياح كما قال ابن عباس، والقاسم، والنخعي لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(ما من مولود يولد، إلا مسه الشيطان، فيستهل صارخا، إلا مريم وابنها)([80])
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الأول بناء على أن العبرة بحياته، أما الاستهلال فهو علامة من علاماتها، ويمكن الاستناد في حال الشك والاختلاف إلى تقرير الطبيب الشرعي، لما يترتب عن ثبوت حياته أو موته من نتائج.
وقد نص الفقهاء على أنه لا تجب الدية إلا إذا علم بأن موته حصل بسبب الضربة، وذلك بسقوطه في الحال وموته أو بقائه متألما إلى أن يموت، أو بقاء أمه متألمة إلى أن تسقطه، فيعلم بذلك موته بالجناية، كما لو ضرب رجلا فمات عقيب ضربه، أو بقي ضمنا حتى مات.
فإن ألقته حيا، فجاء آخر فقتله، وكان فيه حياة مستقرة، فعلى الثاني القصاص إذا كان عمدا، أو الدية كاملة، وإن لم يكن فيه حياة مستقرة، بل كانت حركته كحركة المذبوح، فالقاتل هو الأول، وعليه الدية كاملة، وعلى الثاني الأدب، وإن وقع الجنين حيا، ثم بقي زمنا سالما لا ألم به لم يضمنه الضارب ؛ لأن الظاهر أنه لم يمت من جنايته، ولكن هذا فيما نرى متوقف على تقرير الطبيب الشرعي، لأن المقتل قد يصاب دون أن تظهر العلامات الدالة عليه.
وقد اختلف الفقهاء في اعتبار هذا الشرط على قولين:
القول الأول: أن الدية الكاملة إنما تجب فيه إذا كان سقوطه لستة أشهر فصاعدا، فإن كان لدون ذلك، ففيه غرة، كما لو سقط متألما وهو قول أحمد والمزني، لأنه لم تعلم فيه حياة يتصور بقاؤه بها، فلم تجب فيه دية، كما لو ألقته ميتا.
القول الثاني: أنه يستحق الدية كاملة، إذا علمت حياته، ولو كان دون ستة أشهر، وهو قول الشافعي؛ لأننا علمنا حياته، وقد تلف من جنايته.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو التفريق بين حالتي العمد والخطأ، فيشدد على المتعمد، لأنه قد يتخذ من ذلك ذريعة لإجهاض الجنين قبل بلوغ ستة أشهر، حتى لا تجب عليه الدية كاملة، وقد نصت الشريعة على أن من كان حاله هذا يعامل بخلاف مقصوده، والنماذج الفقهية الدالة على ذلك كثيرة لا يمكن ذكرها هنا.
أما إن كان مخطئا، فتجب عليه الغرة، لأن الجنين في هذه السن لا تمكن حياته، فإن قال الأطباء بإمكانها، وأن الجناية هي سبب موته وجبت عليه الدية كاملة، بناء على ما سبق من التفريق بين موته بسبب الضربة أو بغيرها.
الحالة الثانية: سقوط الجنين ميتا:
اتفق الفقهاء على أن الواجب في الجناية على الجنين إذا سقط ميتا دية خاصة به أطلق عليها الشرع مصطلح الغرة([81])، وقد ذكر ابن قدامة القول بوجوبها عن أكثر العلماء، فقال:(وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم عمر وعطاء، والشعبي، والنخعي، والزهري، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي)([82])
ولا فرق في هذا الوجوب بين كون الجنين ذكرا أو أنثى ؛ لأن السنة لم تفرق بينهما. وبه يقول الشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وعامة أهل العلم.
ومن الأدلة على وجوبها ما ورد أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى، فطرحت جنينها، فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغرة عبد أو وليدة([83]).
والعجيب أن الكاساني مع هذا النص الدال على وجوب الغرة، قال:(فالغرة واجبة استحسانا، والقياس أن لا شيء على الضارب لأنه يحتمل أن يكون حيا وقت الضرب ويحتمل أنه لم يكن بأن لم تخلق فيه الحياة بعد، فلا يجب الضمان بالشك، ولهذا لا يجب في جنين البهيمة شيء إلا نقصان البهيمة، كذا هذا، إلا أنهم تركوا القياس بالسنة)([84])
وكأن القياس هو الذي يتحكم في السنة لا أن القياس يعرف بالسنة، فكل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محض القياس، وقد روي أن عمر اختصم إليه في إملاص المرأة الجنين فقال عمر:(أنشدكم الله تعالى هل سمعتم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك شيئا؟ فقام المغيرة فقال: كنت بين جاريتين وذكر الخبر وقال فيه: فقام عم الجنين فقال: إنه أشعر، وقام والد الضاربة فقال: كيف ندي من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل، ودم مثل ذلك يطل؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(أسجع كسجع الكهان. وروي كسجع الأعراب، فيه غرة عبد أو أمة)، فقال عمر: من شهد معك بهذا؟ فقام محمد بن سلمة فشهد، فقال عمر:(كدنا أن نقضي فيها برأينا وفيها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)([85])
قال ابن عبد البر معلقا على هذا الحديث مثبتا توافقه مع القياس:(وهذا نص ثابت صحيح في موضع الخلاف يوجب الحكم، ولما كانت دية المضروبة على العاقلة كان الجنين أحرى بذلك في القياس والنظر)([86])
وقد استدل لهذا الوجوب بالدليل العقلي بأن الجنين إن كان حيا فقد فوت الضارب حياته، وتفويت الحياة قتل، وإن لم يكن حيا فقد منع من حدوث الحياة فيه فيضمن كالمغرور لما منع من حدوث الرق في الولد وجب الضمان عليه، وسواء استبان خلقه أو بعض خلقه لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالغرة ولم يستفسر فدل أن الحكم لا يختلف.
وقد اختلف الفقهاء في نوع الغرة الواجبة في هذه الحالة على الأقوال التالية:
القول الأول: أن الغرة عبد أو أمة، قال ابن قدامة: (وهذا قول أكثر أهل العلم)([87])، ومن الأدلة التي استدلوا بها على ذلك:
1 ـ قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إملاص المرأة بعبد أو أمة([88])، وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاضية على ما خالفها.
2 ـ أن ذكر الفرس والبغل في الحديث وهم انفرد به عيسى بن يونس، عن سائر الرواة، فالظاهر أنه وهم فيه، وهو متروك في البغل بغير خلاف، وكذلك في الفرس، وهذا الحديث الذي ذكر أصح ما روي فيه، وهو متفق عليه، وقد قال به أكثر أهل العلم، فلا يلتفت إلى ما خالفه، قال أبو داود: روي هذا الحديث عن محمد بن عمر وحماد بن سلمة وخالد بن عبد الله لم يذكرا فرسا ولا بغلا([89])، وقال البيهقي:ولم يذكره أيضا الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب([90])، وقال النووي:(أما ما جاء في بعض الروايات الصحيح بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل فرواية باطلة وقد أخذ بها بعض السلف)([91])
3 ـ أن قول عبد الملك بن مروان، تحكم بتقدير لم يرد به الشرع، وكذلك قتادة، وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق بالاتباع من قولهما.
وقد نص أصحاب هذا القول على أن أقل ما يجزئ من العبد والأمة ما سلم من العيوب التي يثبت بها الرد في البيع لأن المعيب ليس من الخيار، واشترط بعض الفقهاء زيادة على ذلك:
1 ـ أن يكون عبدا أبيض أو أمة بيضاء، فلا يجزئ في دية الجنين سوداء، وهو قول أبي عمرو بن العلاء، واستدل عل ذلك بأنه لو لم يكن في الغرة معنى زائد لما ذكرها ولقال عبد أو أمة، قال ابن حجر:(ويقال إنه انفرد بذلك وسائر الفقهاء على الإجزاء فيما لو أخرج سوداء، وأجابوا بأن المعنى الزائد كونه نفيسا فلذلك فسره بعبد أو أمة لأن الآدمي أشرف الحيوان)([92])
2 ـ أن يكون منتفعا به، وهو قول الشافعي، فلذلك شرط أن لا ينقص عن سبع سنين، لأن من لم يبلغها لا يستقل غالبا بنفسه فيحتاج إلى التعهد بالتربية فلا يجبر المستحق على أخذه، وأخذ بعضهم من لفظ الغلام أن لا يزيد على خمس عشرة ولا تزيد الجارية على عشرين، ومنهم من جعل الحد ما بين السبع والعشرين، وذهب ابن دقيق العيد إلى أنه يجزئ ولو بلغ الستين وأكثر منها ما لم يصل إلى عدم الاستقلال بالهرم.
القول الثاني: عبد أو أمة أو فرس، وهو قول عروة، وطاوس، ومجاهد، لأن الغرة اسم لذلك، وقد جاء في حديث أبي هريرة: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل([93]).
القول الثالث: عبد أو أمة أو مائة شاة، وهو قول ابن سيرين، والشعبي ؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه جعل في ولدها مائة شاة.
القول الرابع: اختلاف التقدير بحسب الجناية، وهو قول للإمامية ([94])، فقد رووا عن أئمتهم أنه إذا كان الساقط نطفة فعشرون مثقالا.. وإن كان علقة فأربعون مثقالا.. وإن كان مضغة فستون مثقالا.. وإن كان عظما فثمانون مثقالا.. وإن كان العظم لحما ولم تلج الروح فيه فمائة مثقال.. وإن كان قد كسي العظم لحما وولجت فيه الروح ففي الولد دية كاملة (اي ألف مثقال ذهبا)
ومن الروايات التي استدلوا بها على ذلك ما رووه عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يضرب المرأة فتطرح النطفة؟ فقال: عليه عشرون ديناراً، فقلت: فيضربها فتطرح العلقة فقال: عليه أربعون ديناراً، فقلت: فيضربها فتطرح المضغة، فقال: عليه ستون ديناراً، فقلت: فيضربها فتطرحه وقد صار له عظم فقال: عليه الدية كاملة([95]).
وقد روي أن ذلك أيضا ما قضى به عبد الملك بن مروان في الجنين، وأنه إذا أملص بعشرين دينارا، فإذا كان مضغة، فأربعين، فإذا كان عظما ستين، فإذا كان العظم قد كسي لحما فثمانين، فإن تم خلقه وكسي شعره فمائة دينار.
وروي عن قتادة: إذا كان علقة فثلث غرة، وإذا كان مضغة فثلثي غرة.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول بناء على الحديث الوارد في ذلك، ومثله ما ذهب إليه أصحاب القول الرابع بناء على مراعاته لحرمة الجنين ابتداء من كونه نطفة، بالإضافة إلى أنه يستبعد أن يقول أئمة أهل البيت ذلك من غير أن يكون لهم سند يستندون إليه من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
بالإضافة إلى ذلك فإن تقدير القيمة بالذهب خير من تقويمها بالعبد أو الأمة، لأن قيمة الذهب ثابتة، بخلاف قيمة العبد والأمة.
نص الفقهاء على جواز دفع البدل المالي عن الرقبة، قال ابن قدامة:(فإن أراد دفع بدلها ورضي المدفوع إليه، جاز ؛ لأنه حق آدمي، فجاز ما تراضيا عليه وأيهما امتنع من قبول البدل، فله ذلك ؛ لأن الحق فيها، فلا يقبل بدلها إلا برضاهما)([96])
ونصوا على أن قيمة الغرة نصف عشر الدية، ويمكن تقييمها إما بالإبل أو بالذهب أو بالفضة، كما يلي:
الإبل: وهي خمس من الإبل، وقد روي ذلك عن عمر، وزيد، وبه قال النخعي، والشعبي، وربيعة، وقتادة، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، ومن الأدلة على ذلك أن ذلك أقل ما قدره الشرع في الجنايات، وهو أرش الموضحة ودية السن([97]).
فإن اختلفت قيمة الإبل، فنصف عشر الدية من غيرها، مثلما لو كانت قيمة الإبل أربعين دينارا أو أربعمائة درهم، فاختلف فيه فقيل تقوم بالإبل ؛ لأنها الأصل، قال ابن المواز:(وعلى أهل الإبل خمس فرائض: بنت مخاض، وبنت لبون، وابن لبون ذكر، وحقة، وجذعة)، قال الباجي:(وقاله ربيعة ولم يبلغنا عن مالك في ذلك شيء، ووقف عنه ابن القاسم، وقال لا مدخل للإبل فيها، وإن كان من أهل الإبل، وقال أصحابه بالإبل. وقال أصبغ ولا أحسبه إلا وقد قاله ابن القاسم أيضا، وروى عنه أبو زيد أنه قاله. وقال أشهب لا يؤخذ من أهل البادية فيها إلا الإبل)([98])، وقد وجه قول ابن القاسم بنفي الاعتبار بالإبل بأن الدنانير والدراهم هي قيم المتلفات فلذلك قومت بها الغرة، والإبل ليست بقيم المتلفات فلذلك لم تعتبر بها الغرة، ولذلك كان أصل الدية الإبل لكنها ردت إلى العين، وما كان أصله العين لا يرد إلى الإبل، ولما ورد الشرع في دية الجنين بالغرة، واحتيج إلى تقديرها قدرت بما يقع به التقويم، وهو العين دون ما لا يقع به التقويم، ووجه قول أشهب بأن الإبل أصل في الدية فاعتبر به في دية الجنين كالورق والذهب.
الذهب والفضة: تقوم بالذهب أو الورق، فتصير قيمتها خمسين دينارا أو ستمائة درهم، وقد روى مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان يقول: الغرة تقوم خمسين دينارا أو ستمائة درهم([99])، يعني أن العبد أو الأمة لا يكفي إلا أن يساوي ذلك، ودية المرأة الحرة المسلمة خمسمائة دينار على أهل الذهب أو ستة آلاف درهم على أهل الورق لأنها على النصف من الذكر، قال مالك: فدية جنين الحرة المسلمة عشر ديتها، والعشر خمسون دينارا أو ستمائة درهم، وبهذا قال الزهري وسائر أهل المدينة، وقال أبو حنيفة والكوفيون قيمة الغرة خمسمائة درهم([100]).
وهذا الخلاف مبني على قيمة دية المرأة، قال الكاساني:(هذا فرع أصل ما ذكرناه لأنهم اتفقوا على أن الواجب نصف عشر الدية، لكنهم اختلفوا في الدية، فالدية من الدراهم عندنا مقدرة بعشرة آلاف، فكان نصف عشرها خمسمائة، وعنده مقدرة باثني عشر ألفا فكان نصف عشرها ستمائة)([101])
فإن اختلفا، قومت على أهل الذهب به، وعلى أهل الورق به، فإن كان من أهل الذهب والورق جميعا، قومها من هي عليه بما شاء منهما ؛ لأن الخيرة إلى الجاني في دفع ما شاء من الأصول.
اختلف الفقهاء في محل وجوب الغرة، هل هي قتل الجنين أم سقوطه بعد قتله على قولين:
القول الأول: إن الغرة إنما تجب إذا سقط من الضربة، وهو قول مالك، وقتادة، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وابن المنذر، ويعلم ذلك بأن يسقط عقيب الضرب، أو ببقائها متألمة إلى أن يسقط، ولو قتل حاملا لم يسقط جنينها، أو ضرب من في جوفها حركة أو انتفاخ، فسكن الحركة وأذهبها، لم يضمن الجنين، ومن الأدلة على ذلك:
1 ـ أنه لا يثبت حكم الولد إلا بخروجه، ولذلك لا تصح له وصية ولا ميراث.
2 ـ أن الحركة يجوز أن تكون لريح في البطن سكنت، ولا يجب الضمان بالشك.
فأما إن ظهر بعضه من بطن أمه، ولم يخرج باقيه، فقد اختلف الفقهاء فيه على قولين:
الرأي الأول: فيه الغرة، ومثله ما لو ألقت يدا، أو رجلا، أو رأسا، أو جزءا من أجزاء الآدمي، وهو قول الشافعي وأحمد، ومن الأدلة على ذلك:
1 ـ أنه قاتل لجنينها، فلزمته الغرة، كما لو ظهر جميعه.
2 ـ أنه يختلف على ما لو لم يظهر منه شيء، لأنه لم يتيقن قتله ولا وجوده.
الرأي الثاني: لا تجب الغرة حتى تلقيه، وهو قول مالك، وابن المنذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أوجب الغرة في الجنين الذي ألقته المرأة ؛ وهذه لم تلق شيئا، فأشبه ما لو لم يظهر منه شيء.
القول الثاني: أن عليه الغرة، وقد حكي عن الزهري؛ وبه قال أشهب والشافعي، لأن الظاهر أنه قتل الجنين، فلزمته الغرة، كما لو أسقطت([102])، وهو قول الظاهرية، قال ابن حزم:(إن قتلت حامل بينة الحمل، فسواء طرحت جنينها ميتا أو لم تطرحه فيه غرة ولا بد ؛ لما ذكرنا من أنه جنين أهلك)، وقد رد على أصحاب القول الأول بقوله:(لم يشترط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنين إلقاءه، ولكنه قال صلى الله عليه وآله وسلم:(في الجنين غرة عبد أو أمة)كيفما أصيب – ألقي أو لم يلق – ففيه الغرة المذكورة. وإذا قتلت الحامل فقد تلف جنينها بلا شك)([103])
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو أن الجناية تتحقق بقتله بغض النظر عن سقوطه وعدم سقوطه، ومن قتل امرأة حاملا لم يقتل نفسا واحدة، بل قتل نفسين فلذلك وجبت عليه ديتين.
اختلف الفقهاء فيمن يستحق الغرة على الأقوال التالية:
القول الأول: أن الغرة موروثة عن الجنين، كأنه سقط حيا ؛ لأنها دية له، وبدل عنه، فيرثها ورثته، كما لو قتل بعد الولادة([104])، وهو قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، وأحمد، وقول الإمامية، ومن الأدلة على ذلك:
1 ـ أن القول بأنه عضو من أعضائها لا يصح ؛ لأنه لو كان عضوا لدخل بدله في دية أمه، كيدها، ولما منع من القصاص من أمه، وإقامة الحد عليها من أجله، ولما وجبت الكفارة بقتله، ولما صح عتقه دونها، ولا عتقها دونه، ولا تصور حياته بعد موتها.
2 ـ أن الغرة بدل نفس الجنين، وبدل النفس يكون ميراثا كالدية، والدليل على أنها بدل نفس الجنين لا بدل جزء من أجزاء الأم أن الواجب في جنين أم الولد ما هو الواجب في جنين الحرة. ولا خلاف في أن جنين أم الولد جزء ولو كان في حكم عضو من أعضاء الأم لكان جزءا من الأم حرا، وبقية أجزائها أمة، وهذا لا يجوز.
3 ـ أنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى بدية الأم على العاقلة وبغرة الجنين، ولو كان في معنى أجزاء الأم لما أفرد الجنين بحكم بل دخلت الغرة في دية الأمة كما إذا قطعت يد الأم فماتت أنه تدخل دية اليد في النفس.
4 ـ أنه لما أنكرت عاقلة الضاربة حمل الدية إياهم فقالت: أندي من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل ومثل دمه يطل؟ لم يقل لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم:إني أوجبت ذلك بجناية الضاربة على المرأة لا بجنايتها على الجنين.
القول الثاني: لا تورث، بل تكون لأمه، وهو قول ربيعة بن أبي عبدالرحمن، والليث، والحنفية، لأنها ليست دية وإنما هي بمنزلة جناية جنى عليها، فقطع عضو من أعضائها، ومن أدلتهم على أنها ليست دية أنه لم يعتبر فيها هل هو ذكر أو أنثى كما يلزم في الديات فدل على أن ذلك كالعضو ولهذا كانت ذكاة الشاة ذكاة لما من الأجنة ولولا ذلك كانت ميتة.
وهو قول ابن حزم إذا كان الجنين أقل من مائة وعشرين يوما، قال ابن حزم:(الجنين إن تيقنا أنه قد تجاوز الحمل به مائة وعشرين ليلة، فإن الغرة موروثة لورثته الذين كانوا يرثونه لو خرج حيا فمات، على حكم المواريث، وإن لم يوقن أنه تجاوز الحمل به مائة ليلة وعشرين ليلة فالغرة لأمه فقط)([105])
وقد استدل له بإبطال ما ذهب إليه المخالفون من قياس لأن بناء قولهم عليه، لأن حكم القياس إنما يكون فيما عدم فيه النص، لا فيما فيه النص، وأما النص فإنما جاء في الدية الموروثة فيمن قتل عمدا أو خطأ، لا فيمن لم يقتل أحدا، والجنين الذي لم ينفخ فيه الروح لم يقتل قط، فقياس دية من لم يقتل، على دية من قتل باطل؛ لأنه قياس الشيء على ضده.
واستدل لذلك من القرآن الكريم بقوله تعالى:{ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } (النساء:92)، وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين)([106])، قال ابن حزم:(فذكر صلى الله عليه وآله وسلم القود، أو الدية، أو المفاداة، فصح بالقرآن، والسنة أن دية القتيل في الخطأ والعمد مسلمة لأهل القتيل، والقتيل لا يكون إلا في حي نقله القتل عن الحياة إلى الموت، بلا خلاف من أهل اللغة التي بها نزل القرآن، وبها خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والجنين بعد مائة ليلة وعشرين ليلة حي بنص خبر الرسول الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم وإذ هو حي، فهو قتيل قد قتل بلا شك، وإذ هو قتيل بلا شك، فالغرة التي هي ديته واجبة أن تسلم إلى أهله بنص القرآن، وقد اتفقت الأمة على أن الورثة الذين يسلم لهم الدية أنهم يقتسمونها على سنة المواريث بلا خلاف)([107])
أما إن لم يبلغ الجنين هذا العمر فإنه كما يقول ابن حزم:(لم يحيا قط، فإذا لم يحيا قط، ولا كان له روح بعد، ولا قتل، وإنما هو ماء، أو علقة من دم، أو مضغة من عضل، أو عظام، ولحم، فهو في كل ذلك بعض أمه، فإذ ليس حيا بلا شك، فلم يقتل، لأنه لا يقتل موات، ولا ميت، وإذ لم يقتل، فليس قتيلا، فليس لديته حكم دية القتيل)([108])
القول الثالث: أن ديته لأبويه خاصة، لأبيه ثلثاها ولأمه ثلثها، من كان منهما حيا كان ذلك له، فإن كان أحدهما قد مات كانت للباقي منهما أبا كان أو أما لا يرث الإخوة منها شيئا، وهو قول ابن هرمز([109]).
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو أن حكم قتل الجنين، كحكم قتل الحي، ولذلك، فإن المال لورثته بحسب سهامهم.. ويستثنى من الإرث الأب إن كان جانيا، فإنه لا يرث منه شيئا، بل تجب عليه الغرة دون أن يأخذ منها، وكذلك الأم إن كانت هي الجانية.
اختلف الفقهاء في الذي تجب عليه الغرة على قولين([110]):
القول الأول: تجب على الجاني، وتؤخذ من ماله، وهو قول المالكية، وقول الحسن بن حي، ومن الأدلة على ذلك:
1 ـ رواية من روى هذا الحديث فقال الذي قضى عليه:(كيف أغرم؟)وهذا يدل على أن الذي قضى عليه معين وأنه واحد، وهو الجاني.
2 ـ أنه إن كان جان جنايته عليه إلا ما قام بخلافه الدليل الذي لا معارض له مثل إجماع لا يجوز خلافه أو نص أو سنة من جهة نقل الآحاد العدول لا معارض لها فيجب الحكم بها وقد قال الله تعالى: { وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }(الأنعام:164)
القول الثاني: الغرة على العاقلة، وهو قول الجمهور، ومن الأدلة على ذلك الحديث السابق، فقد جاء فيه:(فقضى فيه بغرة وجعله على عاقلة المرأة)قال ابن عبد البر:(وهذا نص ثابت صحيح في موضع الخلاف يوجب الحكم، ولما كانت دية المضروبة على العاقلة كان الجنين أحرى بذلك في القياس والنظر)([111])
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة هو القول الثاني لصحة الحديث الوارد في ذلك، وفي ذلك من المقاصد الشرعية أن تأخذ العاقلة بيد الجاني، فلا تمكنه من جنايته، باعتبارها ستتحمل مسؤولية جنايته.
اتفق الفقهاء على أنه إذا ضرب بطن امرأة، فألقت أجنة، ففي كل واحد غرة، وهو قول الزهري، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وابن المنذر، وقال:(ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم، وذلك لأنه ضمان آدمي، فتعدد بتعدده، كالديات)([112])
ومثل ذلك ما لو ألقتهم أحياء في وقت يعيشون في مثله ثم ماتوا، ففي كل واحدة دية كاملة، وإن كان بعضهم حيا فمات، وبعضهم ميتا، ففي الحي دية، وفي الميت غرة، وذلك لأن الواجب المالي من غرة أو دية يتعدد بتعدد الأجنة، والقائلون بوجوب الكفارة مع الغرة – كما سنرى – يرون أنها تتعدد بتعدد الجنين أيضا.
اتفق الفقهاء وجوب الكفارة على الجناية في الحالة الأولى، قال ابن عبد البر:(أجمع الفقهاء أن الجنين إذا خرج حيا ثم مات، وكانت فيه الدية أن فيه الكفارة مع الدية)([113])، واختلفوا في وجوب الكفارة مع الغرة([114])على قولين:
القول الأول: أن الكفارة واجبة، وهي عتق رقبة مؤمنة، سواء كان الجنين حيا أو ميتا، قال ابن قدامة: (هذا قول أكثر أهل العلم، منهم الحسن، وعطاء، والزهري، والحكم، ومالك، والشافعي، وإسحاق. قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه من أهل العلم أوجب على ضارب بطن المرأة تلقي جنينا الرقبة مع الغرة) ([115])ومن الأدلة على ذلك:
1 ـ قوله تعالى:{ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ }(النساء:92)، وقال: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}(النساء:92)،وهذا الجنين، إن كان من مؤمنين، أو أحد أبويه، فهو محكوم بإيمانه تبعا، يرثه ورثته المؤمنون، ولا يرث الكافر منه شيئا، وإن كان من أهل الذمة، فهو من قوم بيننا وبينهم ميثاق.
2 ـ أنه نفس مضمون بالدية، فوجبت فيه الرقبة كالكبير.
3 ـ أن ترك ذكر الكفارة لا يمنع وجوبها، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (في النفس المؤمنة مائة من الإبل)([116])، وذكر الدية في مواضع، ولم يذكر الكفارة.
4 ـ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بدية المقتولة على عاقلة القاتلة، ولم يذكر كفارة، وهي واجبة.
5 ـ أن الآية أغنت عن ذكر الكفارة في موضع آخر، فاكتفي بها.
القول الثاني: لا تجب الكفارة، وهو قول أبي حنيفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يوجب الكفارة حين أوجب الغرة، وهو قول الظاهرية، قال ابن حزم:(لم يأت بإيجاب الكفارة في ذلك نص عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على العموم، فلا يجوز أن يطلق – على العموم – القول بها)([117])
وتفصيل مذهبه في ذلك أن من ضرب حاملا فأسقطت جنينا، فإن كان قبل الأربعة الأشهر قبل تمامها فلا كفارة في ذلك، لكن الغرة واجبة فقط ؛ واستدل على ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حكم بذلك، ولأن الجاني لم يقتل أحدا، لكن أسقطها جنينا فقط، وبما أنه لم يقتل أحدا – لا خطأ ولا عمدا – فلا كفارة في ذلك، إذ لا كفارة إلا في قتل الخطأ، ولا يقتل إلا ذو روح، وهذا لم ينفخ فيه الروح بعد.
أما إن كان بعد تمام الأربعة الأشهر، وتيقنت حركته بلا شك، وشهد بذلك أربع قوابل عدول، فإن فيه غرة عبد أو أمة فقط ؛ لأنه جنين قتل، فهذه هي ديته، والكفارة واجبة بعتق رقبة { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } (النساء:92)؛ لأنه قتل مؤمنا خطأ.
الترجيح:
نرى أن الأرجح في المسألة بناء على مقصد
الشرع في التشديد على الذرائع المؤدية لهذا هو القول بوجوب الكفارة زيادة على
العقوبة المالية، فلا تغني إحداهما عن الأخرى، فالعقوبة المالية تعويض عن الضرر
الحاصل للمجني عليه، بينما العقوبة التعبدية تطهير لنفس الجاني، حتى لا يعود لجنايته،
واقتران كلا الأمرين ملاحظ في كثير من الفروع الشرعية، ومن بينها فروع الفقه
الجنائي.
([1]) رواه أحمد 5/347 (23330) و5/348 (23337) والدارمي 2320 و2324 ومسلم 5/120 (4451)
([2]) أبو داود (2050) والنسائي 6/65، وفي الكبرى5323 .
([3]) حاشية الجمل:4/446.
([4]) حاشبة الجمل:5/492.
([5]) نهاية المحتاج:7/136.
([6]) فتح العلي المالك:1/399.
([7]) التاج المذهب:2/78.
([8]) وقد ذكر الغزالي أن الخلاف في المسألة على أربعة مذاهب، فقال:» اختلف العلماء في إباحته وكراهته على أربع مذاهب، فمن مبـيح مطلقاً بكل حال، ومن محرم بكل حال، ومن قائل يحل برضاها ولا يحل دون رضاها، وكأن هذا القائل يحرم الإيذاء دون العزل، ومن قائل يباح في المملوكة دون الحرة«، وما سنذكره هنا من القولين يحاول حصر الخلاف في هذين القولين.
([9]) الفتاوى الكبرى:3/101.
([10]) المحلى:9/223.
([11]) مسلم: 2/1067، البيهقي: 7/231، ابن ماجة: 1/648، مسند أبي عوانة: 3/101.
([12]) المحلى:9/223.
([13]) المحلى:9/223.
([14]) انظر هذه الآثار في: المحلى:9/223.
([15]) البيهقي: 7/230، أبو داود: 2/252.
([16]) مسند أبي عوانة: 3/99، النسائي: 5/342، أحمد: 3/313.
([17]) البخاري: 5/1998، مسلم: 2/1065، ابن حبان: 9/507، البيهقي: 7/228، النسائي: 5/344، ابن ماجة: 1/620، أحمد: 1/236.
([18]) مسند أبي عوانة: 3/98، أحمد: 3/49، المعجم الأوسط: 8/103.
([19]) طبعا هذا ما قاله الفقهاء، وهو غريب جدا، ولا يتناسب مع النبوة، وقد رددنا عليه بتفصيل في كتاب [رسول الله.. والقلوب المريضة]
([20]) مشكل الآثار:2/173.
([21]) مشكل الآثار:2/173.
([22]) حاشبة الجمل:5/492.
([23]) ابن مردويه في تفسيره عن ابن عمر بسند ضعيف، والطبراني في الأوسط من حديث سهل بن حنيف، انظر: مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا (ص: 55)
([24]) فتح العلي المالك:1/399.
([25]) شرح معاني الآثار:3/31.
([26]) الإحياء: 2/51.
([27]) الإحياء: 2/51، شرح معاني الآثار:3/31.
([28]) شرح معاني الآثار:3/30.
([29]) خلق الإنسان بين الطب والقرآن: 508.
([30]) خلق الإنسان بين الطب والقرآن: 495.
([31]) الإحياء: 2/52.
([32]) الإحياء: 2/52.
([33]) مسلم: 2/1067، مسند البزار: 7/40.
([34]) مسلم: 2/1067، الترمذي: 4/406، الدارمي:2/197، أبو داود: 4/9 النسائي: 3/306، الموطأ: 2/607، أحمد: 6/361.
([35]) قال الخطابي: معناه: يصرعه ويسقطه، وأصله في الكلام الهدم، ويقال في البناء قد تدعثر إذا تهدم وسقط يقول صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث:إن المرضع إذا جومعت فحملت فسد لبنها ونهك الولد أي هزل الولد إذا اغتذى بذلك اللبن فيبقى ضاويا فاذا صار رجلا وركب الخيل فركضها أدركه ضعف الغيل فزال وسقط عن متونها فكان ذلك كالقتل له إلا أنه سر لا يرى ولا يشعر به.انظر: عون المعبود: 10/261.
([36]) ابن حبان: 13/323، البيهقي: 7/464، أبو داود: 4/9، ابن ماجة: 1/648، أحمد: 6/453.
([37]) زاد المعاد: 5/148.
([38]) وثيقة مؤتمر السكان رؤية شرعية:107.
([39]) خلق الإنسان بين الطب والقرآن:439.
([40]) خلق الإنسان بين الطب والقرآن:439.
([41]) وثيقة مؤتمر السكان: 140.
([42])بد الرزاق (7/325، رقم 13348) ، وأحمد (4/429، رقم 19874) ، ومسلم (3/1324، رقم 1696) ، وأبو داود (4/151، رقم 4440)
([43]) انظر: وثيقة مؤتمر السكان رؤية شرعية: 148.
([44]) الرؤية الاسلامية لزراعة بعض الاعضاء البشرية: 183.
([45]) الانجاب في ضوء الاسلام: 246.
([46]) الفواكه الدواني:3/225.
([47]) فتح العلي المالك:1/399.
([48]) فتح العلي المالك:1/399.
([49]) قال الخلال سألت ثعلبا عن السقط محبنطئا فقال: غضبان ويقال: قد ألقى نفسه، انظر: أحكام أهل الذمة: 2/1076 والمحنبطئ بالهمز وتركه الممتلئ غيظا لفراق ابويه أو المتغضب المستبطئ لشيء أو الممتنع امتناع طلبة لا امتناع اباء، انظر: الإفصاح: 33.
([50]) مجمع الزوائد: 3/11.
([51]) فتح العلي المالك:1/399.
([52]) فتح العلي المالك:1/399،وانظر: مواهب الجليل: 3/477.
([53]) نهاية المحتاج:7/136.
([54]) المحلى: 11/239.
([55]) الإحياء: 2/51.
([56]) الوسائل: 19/15.
([57]) الوسائل: 2/238.
([58]) الفقه والمسائل الطبية، للشيخ محمد آصف المحسني::78.
([59]) جامع العلوم والحكم: 52.
([60]) حاشية ابن عابدين: 3/176، وانظر: شرح فتح القدير: 3/402، البحر الرائق: 3/215.
([61]) نهاية المحتاج:7/136.
([62]) المحلى: 11/241.
([63]) البخاري: 6/2433، البيهقي: 7/421، مسند الشاشي: 2/142، مسند ابن الجعد: 1/379.
([64]) جامع العلوم والحكم: 52.
([65]) قال ابن رجب: ولكن السدي مختلف في أمره وكان الإملام أحمد ينكر عليه كم الأسانيد المتعددة للتفسير الواحد كما كان هو وغيره ينكرون على الواقدي كم الأسانيد المتعددة للحديث الواحد.
([66]) جامع العلوم والحكم: 51.
([67]) البخاري: 6/2433، البيهقي: 7/421، مسند الشاشي: 2/142، مسند ابن الجعد: 1/379.
([68]) مسلم: 4/2037.
([69]) فتح الباري: 11/484.
([70]) فتح الباري: 11/484.
([71]) فتح الباري: 11/484.
([72]) خلق الإنسان بين الطب والقرآن: 395.
([73]) حاشية ابن عابدين: 3/176، وانظر: شرح فتح القدير: 3/402، البحر الرائق: 3/215.
([74]) اختلف قول المالكية إن كان الضرب عمدا فالمشهور من قول مالك أنه لا قود فيه، وقال أشهب عمده كالخطإ ؛ لأن موته بضرب غيره، وقال ابن القاسم: إذا تعمد الجنين بضرب البطن أو الظهر أو موضع يرى أنه يصيب به ففيه القود بقسامة، فأما إذا ضرب رأسها أو يدها أو رجلها ففيه الدية بقسامة، ووجه قول أشهب ما احتج به من أنه غير قاصد إلى قتله كمن رمى يريد قتل إنسان فأصاب غيره ممن لم يرده فإن فيه الدية، ووجه قول ابن القاسم أنه قاصد إلى قتله حين قصد بالضرب موضعا يصل فيه الضرب إليه، ولا يصدق أنه لم يرده، المنتقى: 7/81.
([75]) المغني: 8/328.
([76]) المغني: 8/327.
([77]) مصنف عبد الرزاق: 9/458، وانظر: نصب الراية: 4/398.
([78]) المحلى: 11/228.
([79]) الدارمي: 2/485، البيهقي: 4/8، ابو داود: 3/128، النسائي: 4/77، ابن ماجة: 2/919.
([80]) مسلم: 4/1838، البخاري: 3/1265، ابن حبان: 14/129، أحمد: 2/233.
([81]) تطلق الغرة في لاصطلاح الشرعي على ما فوق الواجب من الوجه في الوضوء، وتطلق أيضا على ما يجب في الجناية على الجنين، وهو المراد هنا، وتطلق الغرة في أصلها اللغوي على الشيء النفيس آدميا كان أو غيره ذكرا كان أو أنثى، وقيل أطلق على الآدمي غرة لأنه أشرف الحيوان، فإن محل الغرة الوجه والوجه أشرف الأعضاء، انظر: فتح الباري: 12/249.
([82]) المغني:8/316.
([83]) البخاري: 5/2172،مسلم: 3/1309، ابن حبان: 13/373، الحاكم 3/666 الترمذي: 4/23، أبو داود: 4/192، النسائي: 4/237، ابن ماجة: 2/882، أحمد: 4/79.
([84]) بدائع الصنائع: 7/325.
([85]) أبو داود: 4/190، النسائي: 4/239، أحمد: 4/246.
([86]) التمهيد: 6/486.
([87]) المغني:7/318.
([88]) أحمد 4/244 (18316) والبخاري: 9/14 (6905 و6906.
([89]) أبو داود: 4/193.
([90]) البيهقي: 8/115.
([91]) شرح النووي على مسلم: 11/176.
([92]) فتح الباري: 12/249.
([93]) البيهقي: 8/115، أبو داود: 4/193.
([94]) وخلاصة أقوالهم في المسألة كما في [المقتصر، للشيخ ابن فهد الحلّي ، ص460] أن الجناية على الجنين ان كان بعد ولوج الروح ، فدية كاملة للذكر ، ونصف للأنثى. وان كان قبل ولوج الروح وبعد تمام الخلقة ، فمائة دينار ، ذكرا كان أو أنثى. وان كان قبل تمام الحلقة ، فغرة عند أبي علي ، وتوزيع الدية عند الأكثر ، وفيما بين كل مرتبة من حالات التوزيع بالحساب ، وفي تقديره ثلاثة مذاهب.
الأول : تقدير المكث في كل حالة بعشرين يوما ، وإيجاب دينار لكل يوم ، وهو قول ابن إدريس.
الثاني : تقدير الدية في النطفة بقطرات الدم ، وفي العلقة بعروق اللحم ، وفي العلقة بعقد الغدد ، فاذا ظهر في النطفة قطرة دم كان لها ديناران ، وفي القطرتين أربعة دنانير ، وفي الثلاثة ستة دنانير ، حتى يستوفي عشر قطرات ، فيكون لها عشرون دينارا ، وذلك تمام الأربعين هي دية العلقة.
وإذا ظهر في العلقة شبه العرق من اللحم ، كان له ديناران ، وفي العرقين أربعة ، وهكذا الى تمام دية المضغة ، فإذا ظهر فيها شبه العقدة عظما يابسا ، فذلك العظم أول ما يبتدئ ، ففيه أربعة دنانير ، ومتى زاد زيد أربعة حتى يتم الثمانين فذلك دية العظم ، وهو قول الصدوق.
الثالث : التوقف وهو مذهب المصنف..
([95]) تهذيب الأحكام ١٠ ـ ٢٨٢ ، ح ٤..
([96]) المغني: 8/318.
([97]) انظر: المغني: 8/319.
([98]) المنتقى: 7/81.
([99]) الموطأ: 2/855.
([100]) شرح الزرقاني: 4/226.
([101]) بدائع الصنائع: 7/325.
([102]) انظر: المنتقى: 7/81.
([103]) المحلى: 11/234.
([104]) وباعتبار هذا القول، فإنها إذا أسقطت جنينا ميتا، ثم ماتت، فإنها ترث نصيبها من ديته، ثم يرثها ورثته، وإن ماتت قبله ثم ألقته ميتا لم يرث أحدهما صاحبه، وإن خرج حيا ثم مات قبلها، ثم ماتت، فإنها ترث نصيبها من ديته، ثم يرثها ورثتها. وإن ماتت قبله، ثم ألقته ميتا، لم يرث أحدهما صاحبه. وإن خرج حيا، ثم ماتت قبله ثم مات، أو ماتت ثم خرج حيا ثم مات، ورثها، ثم يرثه ورثته. وإن اختلف وراثهما في أولهما موتا، فحكمهما حكم الغرقى، المغني:8/320.
([105]) المحلى: 11/241.
([106]) البخاري 1/37 (104)
([107]) المحلى: 11/241.
([108]) المحلى: 11/241.
([109]) انظر: التمهيد: 6/487.
([110]) التمهيد: 6/484.
([111]) التمهيد: 6/486.
([112]) المغني: 8/320.
([113]) التمهيد: 6/486.
([114]) والكفارة هنا هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
([115]) المغني:8/326.
([116]) رواه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم، انظر: خلاصة البدر المنير: 2/268.
([117]) المحلى: 11/236.