الفصل الأول: الاتجاه الفكري لجمعية العلماء ومشروعها الإصلاحي

الاتجاه الفكري لجمعية العلماء ومشروعها الإصلاحي
من الصعوبات التي واجهتنا في هذا البحث التحديد الدقيق للتوجه الفكري الذي يجتمع عليه أعضاء الجمعية، وسبب ذلك واضح بسيط، وهو أن الجمعية في أصلها، وكما عرفنا في الجزء السابق، تكونت من الطبقة الجزائرية المثقفة، وكانت هذه الطبقة قد تشكلت قناعاتها الفكرية قبل دخولها الجمعية، وبالتالي دخلت إلى الجمعية بذلك التوجه الفكري الذي تحمله، ولهذا ضمت بين جنباتها وخاصة في بداية تأسيسها الصوفي والإباضي والمالكي والسلفي وغيرهم من التيارات.
وحتى بعد حصول الانشقاق انتسب إليها، بل وعمل في إطار نشاطاتها بعض الطرق الصوفية، وقد ضربنا أمثلة على ذلك في الجزء السابق.
وهذا ما دعانا إلى التمييز في تحديد الاتجاه بين أمرين:
الأول: هو القناعات الفكرية لأعضاء الجمعية، والتي هي نتاج الثقافة الخاصة بكل عضو، والتي على أساسها يبرز الاعتدال أو التشدد أو التسامح مع الآخر.
الثاني: هو المشروع النهضوي الذي أتت به الجمعية أو توحدت عليه.
وهذا ما يجعل من جمعية العلماء المسلمين نسقا خاصا يختلف عن كثير من الحركات الإسلامية، بل حتى مع الطرق الصوفية.
فالحركة الوهابية – مثلا – والتي كان لها وجود فاعل في وقت الجمعية كانت صاحبة توجه فكري واحد، وصاحبة مشروع نهضوي واحد.
والطرق الصوفية كذلك، مهما اختلفت مشاربها أو تسمياتها لا تختلف فيما بينها إلا في الطقوس الظاهرية الممارسة، أما التوجه الفكري، فيجمع بينها جميعا حتى أننا لا نستطيع أن نميز تعابير الشيخ ابن عليوة – المعاصر للجمعية، والذي كان المعارض الأكبر لها – مع أي صوفي في أي طريقة داخل الجزائر أو خارجها.
وهذا ما جعلنا بدل أن نغرق في التعميم نبحث عن التصنيف المناسب لأعضاء الجمعية من الناحية الفكرية، ثم عن التصنيف المناسب الذي يجمعها في مشروعها النهضوي، ولهذا قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين:
المبحث الأول: الاتجاه الفكري لجمعية العلماء
المبحث الثاني: المشروع الإصلاحي لجمعية العلماء
ونحب أن ننبه أننا في كلا المبحثين نراعي مواقف أعلام الجمعية الكبار ممن يمكن اعتبارهم ناطقين رسميين باسم الجمعية كابن باديس والإبراهيمي والميلي والعقبي والعربي التبسي وغيرهم من الذين تولوا مناصب حساسة في الجمعية، أما من عداهم، فنستأنس بذكره دون أن نحمل الجمعية تبعاته، سواء في ذلك التوجهات الفكرية أو المشاريع الإصلاحية.
فلا نستطيع مثلا أن نعتبر الجمعية معتزلية الاعتقاد باعتبار أن بعض أفرادها إباضية، وهم يتبنون الكثير من الآراء المعتزلية، ولا نستطيع كذلك عند الحديث عن مشروعها السياسي أن نعتبرها متخاذلة في مواقفها من الاستعمار أو الثورة لأن بعض أفرادها كان كذلك([1]).
وقد دعانا
إلى هذا التنبيه ما نراه في بعض الدراسات المناوئة خصوصا من اختيار بعض النماذج في
التوجهات الفكرية أو الإصلاحية لتبنى على أساسها المواقف.
([1]) انظر في الرد على القول بأن الجمعية خذلت الثورة ولم تشارك فيها وكانت في صف المندمجين، رد الشيخ عبد الرحمن شيبان، (حقائق وأباطيل) ط2، مطبعة ثالة، الجزائر، 2009.