العريفي.. واللعب على العقول

من العجائب التي أفرزها الربيع العربي ذلك الإعراض الشديد عن العلماء الحكماء الربانيين، الذين دعوا إلى التعقل والحكمة، وحذروا من التهور والعنف.. في نفس الوقت الذي أقبلت فيه العواطف الجياشة والحماسة المتدفقة على الكثير من الدمى التي زينها الإعلام المغرض، وزخرفها الكذب والدجل لتؤدي وظيفتها في تخدير العقول، والتلاعب بالعواطف.. ولتتهيأ الأرضية الإسلامية للحرب الناعمة بكل وسائل وأساليبها، وبكل آثارها ونتائجها.
ومن تلك الدمى التي صنعها الإعلام، وحركتها الأيادي الخبيثة كما تحرك عرائس القراقوز الداعية الكبير المعروف [محمد العريفي]، والذي وصل عدد متابعيه ـ كما يذكر في موقعه على النت، وغيرها من الموقع في فترة ازدهار الربيع العربي ـ في موقع التدوين المصغر [تويتر] إلى 15مليون متابع، ليدخل في قائمة الشخصيات الأكثر متابعة في الدول العربية جميعا، أما في حسابه على الفايس بوك، فقد بلغ متابعوه مايقارب 22 مليون متابع.
وهذا كله صنيعة الإعلام المغرض.. فقد كان يستضاف في كل القنوات، ويطوف العالم بأسره يبشر بدين الفوضى وإسقاط الأنظمة، في نفس الوقت الذي يبشر فيه مبشرو المسيحية بالسلام الإنساني والله محبة.
وكانت خطاباته في القنوات وعلى صفحاته في وسائل التواصل الاجتماعي ممتلئة بالغرابة واللاعقلانية، ومنها ذلك الخطاب الذي تداولته وسائل الإعلام، وتقبله المغفلون والحمقى، بفعل ذلك التخدير الذي حصل لعقولهم؛ فقد ذكر في ذلك الخطاب الذي ألقاه في إحدى خطب الجمعة أن (رجلاً سورياً أخبره عن قصة خيول بيضاء تقاتل إلى جانب ثوار سوريا)
ثم راح يفسر بعدها لعقول المحيطين به في مسجده، أو في الذين يرقبون كل كلمة منه ليعتبروها دينا وشريعة وعقيدة قائلا: (ما كان معهم رجال ولا خيول بيضاء، إلا أن تكون ملائكة من السماء تقاتل معهم)
وهنا يكبر المغفلون.. وتمتلئ الساحات بالتكبير؛ ففي سوريا ـ على حسب العريفي ومن معه من الدمى ـ لا يقاتل الجيش الحر فقط، ولا داعش، ولا النصرة، ولا لواء الإسلام ولا جيش الإسلام، ولا فيلق الرحمن.. ولا غيرها من الألوية والجيوش فقط.. بل هناك أيضا ألوية من الملائكة.. وألوية من الجن الصالح.. بالإضافة إلى الكيان الصهيوني، والشيطان الأكبر والشياطين الصغرى التي تبناها.
ومن العجيب أن تتفق الملائكة مع الشياطين في هذه الحرب.. ومن العجيب أن تشارك الملائكة أمريكا وإسرائيل وبريطانيا ودول الإجرام الكبرى في ضرب سوريا.
لكن المغفلين يكبرون، ومع كل تكبيرة يهدم بيت أو مؤسسة، أو تسفك دماء.. ليصبح التكبير مثل حبوب الهلوسة والأفيون وحقن التخدير.
ولا تتوقف عجائب العريفي في هذا فقط.. فكله عجائب، فهو الذي استطاع أن يكتشف ذلك الاكتشاف العلمي الذي انبهر له جميع أطباء العالم، وهي تلك الغدة التي أطلقوا عليها [الغدة العريفية([1])]، والتي عبر عنها بقوله: (إن نقصان شهادة المرأة عن شهادة الرجل يرجع إلى أن لديها غدة ـ نسيت اسمها ـ تجعل لديها القدرة على القيام بأمر واحد فقط، وهو إما أن تتكلم أو تتذكر)
وقد لقي ذلك استحسانا كبيرا لا من أتباعه المخدرين فقط، بل من المبشرين والحداثيين والملاحدة.. كلهم راح يبشر بهذه الغدة، ويسخر من الدين ورجاله بسببها.
وهكذا كان يرسل الرسائل كل حين لإرهابيي سورية واليمن وليبيا وغيرها من بلاد العالم الإسلامي، بل كان يظهر أحيانا يلبس لباسا عسكريا، ويحمل سلاحا، ليدعو الكل للنفير لقتل الرئيس السوري والرئيس الليبي وكل من لا يتفق معهم الملوك الذين يأتمر بأمرهم، وينتهي لنهيهم.
وكان إذا ما انتهى من ذلك الدجل والفوضى يذهب في استراحات خاصة للفنادق الراقية في بريطانيا أو غيرها من البلاد ليبشر بسماحة الإسلام، وسلامه، وأخلاقه، ويعود منها بهداياه الكثيرة لزوجاته اللاتي خصص لكل واحدة منهن قصرها الخاص.
أما المغفلون الساكنون في البيوت القصديرية، والمشردون في الشوارع؛ فينظرون إليه باعتباره ملكا من ملائكة السماء جاء لينقذهم من رؤساء السوء، وليتم الدين الذي لم يكتمل، والنعمة التي لم تتم.
هذا شأنه مع الكل إلا مع بلده ومن يحيط
بها من الممالك والإمارات، فهو حينها يتحول إلى مواطن صالح، فبلاده بلاد التوحيد
التي لا يجوز مسها، ولا التظاهر فيها، ولا نقد حكامها، لا سرا ولا علانية.. لأن
نقدهم بدعة، والتظاهر ضد فسادهم وتبذيرهم لأموال الأمة خروجا وكفرا وضلالة.
([1]) بالمناسبة استضاف برنامج «ياهلا» على فضائية «روتانا» خليجية أحد الأطباء المتخصصين في هذا المجال، وقد نفى نفيًا تامًا ما جاء على لسان العريفي، وذكر أن الغدد ليس لها دور في التأثير على الذاكرة، إنما الجهاز العصبي من يقوم بهذا الدور.