العرعور.. مهرج الفتنة السورية

العرعور.. مهرج الفتنة السورية

لكل فتنة رؤوس وأذناب، ومفكرون وإمعات، ومهندسون ومنفذون، وميزة ما يسمونها الثورة السورية أنها أضافت إلى كل أولئك وظيفة جديدة هي وظيفة [التهريج]، والتي تولاها كبار سياسييها وإعلامييها ورجال دينها.

ويتربع على رأس هؤلاء المهرجين جميعا، المدعو [عدنان العرعور]، ذلك الذي أخرجته الفتنة السورية، كنموذج لرجل الدين الذي يجمع بين قراءته للقرآن الكريم، حديثه بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع قدرة فنية عجيبة على التهريج والتلاعب باللسان، وبجميع ما آتاه الله من أعضاء.

فمن يتابع أحاديثه وتصريحاته ووقوفه وقعوده وحركات يديه وعينيه، وتمطيط شفتيه، وإدارة خده.. وغير ذلك كله من حركات جسده، يرى مواهب كبيرة جدا في التمثيل الكوميدي تعودنا على رؤيتها من الممثلين المحترفين، ولم نتعود عليها من رجال الدين ودعاته.

وقدرة هذا المهرج الذي استطاع أن يتلاعب بعقول الملايين، وخاصة في بداية ما يسمونه ثورة سورية، لا تكمن فقط في التلاعب بجسده، وإنما أيضا بالكلمات والعواطف؛ فقد كان يشجع من يسمونهم ثوارا، ويخطب الخطب الحماسية في دعوتهم للتصفية الجسدية للجيش السوري وللشبيحة التي هي الشعب السوري، ولكل من يقف في طريقهم، ويخبر بحماسة شديدة عن الكثير من الانتصارات الزائفة التي كانت تتحقق عندما يحتل المسلحون المدن أو المؤسسات، أو يضع صورا لجثث الجيش السوري، وكأنها جثث نازيين أو مستعمرين.

لكنه وبعد أيام معدودة، وعندما يستعيد الجيش السوري زمام المبادرة، ويعيد المؤسسات إلى أحضان الدولة، والمدن إلى سكانها الأصليين، يقوم متباكيا كالمرأة الثكلي، ويضع أيضا صورا لأولئك الإرهابيين، وهم قتلى، ثم يصيح في الأمة أن تثأر لهم، لأن بشارا يقتل شعبة.. وأحيانا يرتفع صوته بالبكاء، ولا يستطيع التوقف إلى أن تتوقف الحصة.

وأحيانا يظهر بمظهر المستجدي الشحاذ، وكم أخرجت لنا الفتنة السورية من شحاذين على أبواب البيت الأبيض وأبواب البرلمانات الأوروبية لا يستجدون أموالا فقط، وإنما يستجدون جميع أنواع الأسلحة لضرب مؤسسات دولتهم، وقتل من لا يواليهم من شعبهم.

وقد جمع في تلك الحصص التي يلقيها وغيرها أموالا كثيرة، ثم اتهمته المعارضة السورية التي كان يدافع عنها بسرقة الكثير من تلك الأموال؛ فصار يخصص حصصه للدفاع عن نفسه ونزاهته، ويخصص أخرى لمواجهة الفصيل الذي واجهه من المعارضة والتحريض عليها.

وكان في كل حين تتغير ملامحه عندما يشعر أنه أفرط في التهريج؛ وأن ما ذكره من الدعوة إلى الثورة على النظام السوري، قد يفهم منه الثورة على غيره من الأنظمة، حينها يسارع، فيصطنع بعض الجد، ويتظاهر بالحكمة، ولكنه بدل أن يوجه حكمته لبلده، يوجهها إلى بلاد أخرى، وخصوصا تلك الدول التي رعته وآوته وأعطته من أموالها لينفذ مشاريعها، فكان كل حين يشيد بها، ويبين أن العالم يتآمر عليها، وينصح رعيتها بأن تتمسك بها.

لا يمكنني أن أصور مشاهد ذلك المهرج، ولكني كلما رأيته وسمعت كلماته تذكرت قوله تعالى: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175، 176]

فهاتان الآيتان الكريمتان تصور حقيقته الباطنة خير تصوير، فهو شخص قد غلبته العدوانية والسبعية والبهيمية، فهو ينبح كما ينبح الكلب.. ولكنه في نفس الوقت جبان رعديد لا يختلف عن الكلب، فلذلك يتحول بسرعة إلى كلب وفيّ يمص العظام التي يرميها سادته إليه، ثم يمضي في تنفيذ أوامرهم.. ليبتلعها الحمقى والمغفلون وتمتلئ شوارعنا ومساجدنا بمقلديه من المهرجين.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *