الشيخ أحمد الزين.. وحدة ومقاومة

الشيخ أحمد الزين.. وحدة ومقاومة

لا شك أن الكثير من القراء الكرام، مع احترامي الشديد لهم، لم يروا صورة هذا العالم الجليل من قبل، أو ربما رأوها، ولم يلتفتوا لها، أو يهتموا بها.. وذلك شيء طبيعي؛ فالعلماء في هذا العصر المليء بالفتن لا تحددهم قدراتهم العلمية، ولا خبراتهم المعرفية والحياتية، وإنما يحددهم الإعلام المغرض، ومن وراءه من الباحثين عن القيادات الاجتماعية القائمة على الحرب الناعمة، والمديرة لها.

ولذلك كان على جميع الثوريين الصادقين أن يقفوا في وجه هذه المؤامرة، فيبحثوا عن العلماء من خلال مواقفهم، وعلاقتهم بمصالح الأمة، حتى لا يقعوا ضحية لإملاءات إعلام الفتنة والتحريض.

وأهم المواقف في هذا العصر، والتي نصت عليها النصوص المقدسة، ودعت إليها، موقفان: الوحدة والمقاومة.. فالوحدة هي الحفاظ على النسيج الديني والاجتماعي والسياسي الواحد للإسلام المتمثل في الأمة الواحدة، والتي تشمل جميع المذاهب، التي ليست سوى مدارس وقراءات متعددة للإسلام.. والمقاومة هي الحفاظ على سيادة هذه الأمة واستقلاليتها، ومواجهة كل المتربصين بها، وأولهم الكيان الصهيوني، والكيان الأمريكي، والأدوات التابعة لهما.

وعندما نضع هذه الضابطة للعلماء العاملين الصادقين، فسوف تتلاشى الكثير من الوجوه التي اتخذها الناس أندادا من دون الله من أمثال القرضاوي والعريفي وحسان ووجدي غنيم وصفوت حجازي.. وأسماء كثيرة جدا، تلك التي كنا نصبح بها ونمسي، إلى أن أدت دورها التخريبي والطائفي والانبطاحي.

في مقابل أولئك نجد العلماء العاملين الصادقين المغيبين من أمثال الشيخ أحمد الزين، وهو رئيس مجلس الأمناء في تجمع العلماء المسلمين، وقاض من المدرسة السنية، ولكنا مع ذلك لم نسمعه في أي يوم من الأيام يتحدث بخطاب طائفي، بل دائما كان دائما يردد: (أنا القاضي السني الذي أدعو للوحدة بين السنة والشيعة)، وكان دائما يعتبر مصدر الدعوة للتفرقة والفتنة بين السنة والشيعة تل أبيب ونيويورك، وليس الكتاب والسنة.

أما موقفه من فلسطين والمقاومة؛ فهو موقف الرجال الأبطال، ذلك أنه لا يدع موقفا إلا وتحدث فيه عنها بلغة يمتزج فيها العلم بالروحانية والصدق المطلق.

أما موقفه من سوريا، وسيادتها، ونظامها وجيشها، فهو نفس موقف أولئك الأبطال من أمثال الشيخ البوطي وأحمد بدر حسون وجميع علماء الشام الكبار، وكانت له مواقف ريادية، وخطب نارية في مواجهة الفتنة من أول ظهورها.

لكن للأسف لا يسمح لجمهور المسلمين بالاستماع إليه، لسبب بسيط، وهو أن كل قنوات الفتنة لا تعرضه، ولا تعرّف به، والوحيدون الذين يستقبلونه هم دعاة الوحدة والمقاومة، وقد غرس في عقول الناس أن كل من يظهر في قنوات أو إعلام الوحدة والمقاومة فهو عميل، وليس عالما.. بينما الذي يظهر في قنوات الشياطين الكبرى والصغرى، وشبكاتها، يعتبرونه عالما جليلا، وعلامة ناصحا.

وهذا من اختلال الموازين الذي عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقال: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا فأضلوا)([1])


([1])  رواه البخاري 1 / 174 و 175 في العلم، باب كيف يقبض العلم، وفي الاعتصام، باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس، ومسلم رقم (2673)

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *