الحويني.. وفنون التوحش

الحويني.. وفنون التوحش

من القادة الاجتماعيين الكبار الذين كان لهم حظهم في التأثير في الشباب، وتوعيته وتربيته وإخراجه للعالم ذلك المحدث الذي يصر دائما على أن يعتبر نفسه تلميذا للألباني، ولكبار علماء السلفية، والذي يحرص أتباعه على تلقيبه بـ [أسد السنة] أبو إسحاق الحويني.

وله مزايا كثيرة بالإضافة إلى ما ذكرنا، وأهمها إتقانه للكثير من فنون التوحش، والتي كان يصفها في أحاديثه ودروسه المسجلة بلذة كبيرة، وكأنه كان يمارسها أثناء حديثه عنها.

وكان أتباعه المنبهرون به يكبرون عند كل فن من الفنون، ويلتذون بحديثه، وهو يطرح صورة للدولة الإسلامية التي تفرض سيطرتها ووحشيتها على العالم، وتمارس كل فنون السادية عليه حتى يمتلئ الكل رعبا منها؛ فيسلمها الإتاوات والجزية، وهي باعتبارها دولة إسلامية، وباعتبار أهلها شعب الله المختار تظل كسولة مقعدة لا تعمل شيئا سوى أن ترسل جنودها كل حين لأي مدينة من المدن التي يتمرد أهلها لتسبي نساءهم وأطفالهم، وتذبح شبابهم وكبارهم.. ثم تسطو على بنوكهم ومصانعهم، كما تسكن بيوتهم وقصورهم.

وبذلك استطاع الشيخ أن يقنع الشباب بالجهاد.. فمزايا الجهاد ـ كما يصورها ـ لا تتوقف على جنان الآخرة فقط.. بل مزاياه أكبر من ذلك بكثير، فليس على المجاهد سوى أن يدخل أي معركة، ليصير له سهم في غنائمها، ثم يتحول مباشرة من صعلوك فقير إلى غني كبير، بالإضافة لذلك الوسام الذي اكتسبه، والضياع الكثيرة في الجنة التي ستوفرها له الملائكة حال سقوطه شهيدا.

وقد كانت كلماته قديمة، وكثيرة، وكان يحضّر من خلالها الأجيال التي تؤسس للقاعدة وداعش والنصرة وجيوش الإسلام الكثيرة التي مارست كل فنون التوحش في سورية والعراق وليبيا والصومال والجزائر وكل بلاد الإسلام..

ومن أحاديثه التي لا تزال تسجيلاتها موجودة، والتي نالت حظها من الإشهار الإعلامي، والاستغلال الغربي حديثه عن الاسترقاق، والذي طبقته داعش خصوصا خير تطبيق، فأسرت النساء والغلمان، كما حفرت المقابر الجماعية للشباب والكهول والشيوخ.

فقد قال في ذلك التسجيل، وباللهجة العامية، بحكم بساطة مستواه، ومستوى من كان يحضر دروسه، ومستوى الجماهير العريضة التي أعطته عقولها ليملأها بكل فنون التوحش: (أظلنا زمان الجهاد.. والجهاد فى سبيل الله متعة.. هو الفقر اللى إحنا فيه ده مش بسبب تركنا للجهاد؟ مش لو كنا كل سنة عمالين نغزو مرة ولا اتنين ولا تلاتة مش كان هيسلم ناس كتير فى الأرض)

وهذا ما فرح به المبشرون والمستشرقون والمستغربون الذين يصرون كل حين على أن الإسلام نشر بالسيف، ونحن نرد عليهم بأنه لم ينتشر به.. لكن حضرة الشيخ، يأتي ويؤكد لهم أنه بالفعل انتشر بالسيف.

ثم يعقب على هذا بما يناله المجاهدون من مغانم وسبايا، وأن ذلك هو الحل للخروج من الأزمة الاقتصادية، والتي شرحها الشيخ بقوله ـ وهو يعدد مزايا الجهاد الاقتصادية ـ: (كل واحد كان هيرجع من الغزوة جايب معاه تلات أربع أشحطة، وتلات أربع نسوان، وتلات أربع ولاد، اضرب كل رأس فى ستميت درهم، ولا ستميت دينار يطلع بمالية كويسة)

ثم يقارن الشيخ بين هذه المشروع الاقتصادي الذي يعتمد الغزو والغنائم المالية والبشرية على التجارة والصناعة وعقد الصفقات قائلا: (ولو رايح علشان تعمل صفقة عمرك ما هتعمل الأموال دى)

ثم ينظر إلى أحد الذين أحنوا رؤوسهم لكلماته، قائلا له: (وكل ما الواحد يتعذر ياخد رأس يبيعها، ويفك أزمته ويبقاله الغلبة)

ثم يتوجه إلى الجمهور المحيط به، والذي يعلف كلماته كما تعلف البهائم شعيرها قائلا لهم: (واللى يرفض هذه الدعوة نقاتله ونخدوا أسير وناخد أموالهم ونساءهم وكل دى عبارة عن فلوس)

وهكذا عندما يتحدث عن تطبيق الشريعة الإسلامية، فهو لا ينظر إلى سماحتها وسلامها والمبادئ الإنسانية التي تحملها، وإنما ينظر إليها باعتبارها حدودا وزواجر؛ ومن حديثه في هذا قوله: (إن تطبيق حدود الشرع هو الحل لكل مشاكلنا، فإذا وجدنا من يسير فى الشارع يده مقطوعة عرفنا أنه سارق، وبالتالى يصبح عبرة لمن يعتبر.. فلماذا نعطل الحدود الشرعية التى هى لب الإسلام؟)

وهكذا عندما يتحدث عن الصحابة يصورهم بهذه الصورة، فيذكر أن خالدا بن الوليد طبخ رأس مالك بن نويرة، وتزوج امرأته في نفس الليلة التي قتله فيها.. ويصور ذلك بصورة سادية تجعل من أتباعه وحوشا لا إنسانية فيهم، ولا رحمة لهم..

ويعلل ذلك بأن الجيش المسلم يحتاج إلى زرع الرعب في أعدائه، واستعمال كل وسائل الإرهاب، وليس هناك أي شيء محرم في هذا المجال.

ولذلك مارس تلاميذه كل ألوان الوحشية؛ فكانوا يدمرون البيوت، ويأسرون النساء والأطفال، ويمارسون كل فنون التعذيب، وعندما أتيح لهم السلاح الكيمياوي ضربوا به، ثم اتهموا الجيش السوري، لأن الحرب عندهم خدعة ودجل وإرهاب.

وأنا أحمد الله على أن السلاح النووي لم يكن بيدهم، وكان بيد مجنون كوريا، ومجنون أمريكا، وغيرهما من المجانين.. ذلك أنه لو كان بأيديهم لأصبحت الأرض كوكبا ميتا مثلها مثل المشتري وعطارد وزحل.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *