البوطي.. الشهيد البطل

البوطي.. الشهيد البطل

من المكاييل المزدوجة الخطيرة التي استعملها الإعلام المغرض ومن يحركه من شياطين الإنس والجن ذلك التجاهل لكبار علماء الأمة الممتلئين بالحكمة والعلم والسلام.. والذين وقفوا جميعا ضد الفتنة في أي بلاد من بلاد الإسلام.

وأول هؤلاء العلماء في بلاد الشام، وأكبرهم، ذلك الذي لا يختلف اثنان في علمه وروحانيته وصدقه الشيخ الشهيد [محمد سعيد رمضان البوطي] الذي كان يسكن سوريا، بل يسكن دمشق، وله علاقة وثيقة بنظام الحكم، بالإضافة إلى علاقته الكبيرة بشباب الصحوة الإسلامية التي ساهم بترشيدها وتوجيهها وتربيتها..

وكان الأصل في أن ينصرف الناس والإعلام عند حدوث الفتنة في سورية إليه، لتبين موقفه، والاسترشاد بتوجيهاته لكيفية التعامل معها.. لكنهم للأسف لم يفعلوا، وراحوا يستمعون لخطباء الفتنة، ولذلك الاتحاد المشبوه الذي أطلقوا عليه [اتحاد علماء المسلمين]، والذي حُكم عليه بعد انتهاء دوره الفتنوي واحتراق أوراقه بالإرهاب..

لقد صار البوطي في ذلك الحين بفعل هجمات التحريض عدوا لدودا للأمة، وصار الكل يسبه ويشتمه، بل يكفره، إلى أن جاء الدور للقرضاوي بعد أن امتلأ الناس بكل ذلك التحريض، ليؤدي دوره في الإفتاء بقتله، وقتل كل علماء الشام الذين وقفوا مع دولتهم، وصدقوا في وقوفهم معها.

لا أقول هذا الكلام عن معرفة بعيدة، بل أقوله عن معرفة شخصية معه رحمة الله من صغري الباكر، فقد كنت أراه في زياراته الكثيرة للجزائر، وأتصل به كل حين، وكان العالم الوحيد الممتلئ بالتواضع، حيث كان يجلسني بجنبه، ويحدثني وكأنه يحدث شيخا كبيرا، وأذكر مرة أني طلبت منه الدعاء لي، فقال لي: انتظر حتى يجتمع الناس؛ فلما اجتمعوا، راح يدعو وهم يؤمنون، وأذكر أنه حينها توسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فراح الكثير يجادله في ذلك.

كنت أراه ولا أزال أراه مميزا بين العلماء، فهو يدعو إلى الروحانية، ويشرح الحكم العطائية، وتذرف دموعه كل حين، حتى لا يكاد يتماسك.

وكان عقلانيا يطرح الإسلام بصورته الجميلة النظيفة الهادئة، وكانت سلسلته [هكذا فلندع إلى الإسلام] من الكتب الرائدة في التوجيه الدعوي السليم.

وكان فوق ذلك صاحب رؤية استراتيجية للعمل الإسلامي الذي لا يصطدم بالنظم، وإنما يحاول الاستفادة منها.. ولذلك لم تكن علاقته بالنظام السوري علاقة مصلحة بقدر ما كانت علاقة توجيه وإرشاد ونصح.. وكان محترما بينها لدرجة لا تتصور.

وكان في إمكانه بعد ذلك أن ينشق كما انشق بعض المتثاقلين للدنيا، ويبيع بلده، ويفتي بقتل رئيسه، وإسقاط نظامه.. وكان يمكنه لو فعل ذلك أن ينال من المال والشهرة أضعاف ما يحلم به المستغرقون في الدنيا، لكنه لم يفعل، وعاش زاهد متواضعا إلى أن مات شهيدا.

ومن شاء أن يعرف من قتله، فليسأل ابنه العلامة محمد توفيق.. فقد صرح لجهات إعلامية كثيرة بأن القرضاوي وعلماء الفتنة هم الذين قتلوه.. ومن لم يصدق هذا العالم، ومن معه من علماء الشام الكبار، فهو لا يزال تحت تأثير تلك الحقن التخديرية التي حقنه بها الإعلام المغرض، ومن يديره من علماء الفتنة.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *