البترول السوري.. والأربعون لصا

البترول السوري.. والأربعون لصا

من الحكايات التي سيسجلها التاريخ بأقلام من دماء وألم حكاية البترول السوري، ذلك البترول الذي لم يكن يملكه الأمراء، ولا السلاطين، ولم يكن ريعه يخزن في بنوك أمريكا ولا سويسرا، وإنما كان مخصصا لأطفال سورية وشبابها وشعبها.. وكان وسيلة لسد سغب المحتاجين الذين يضعون كل قطرة منها في محلها المناسب.

وبعد أن رأى الأربعون لصا ذلك الشعب الهادئ الهانئ القانع بما آتاه الله من رزق، راحوا يتآمرون عليه، حتى لا يدعوا له شيئا مما أفاضه الله عليه من فضله.

ولم يكن دافع أولئك اللصوص الأربعون فقرا ولا حاجة حتى يدافع عنهم المحامون، أو يبرر لهم من تعودوا أن يبرروا الجرائم، ويجدوا المسالك لأصحابها، فقد كان الكل غنيا، بل كان الكل يملك من آبار البترول ومناجم الذهب وخزائن الأموال ما تتضاءل أمامه كنوز قارون وأمواله.

وكان على رأس أولئك المتآمرين اللص المسمى [الشيطان الأكبر] الذي لم يكن يرتاح لأي شعب أو سلطة لا تخضع لسيادته، أو ترسل له عرابين الولاء، ومعها الإتاوات وأنواع الجزية المشفوعة بالتقديس والتعظيم.

ولذلك أمر كل زبانيته من اللصوص بأن يستعملوا كل الحيل لسرقة جميع آبار البترول السورية، وبشكل هادئ لا يثير غضب أي جهة من الجهات.

وقد كان من أولئك الزبانية بنو عمومة للشعب السوري، لم يراعوا حق قرابته ولا الرحم التي تصل بينه وبينهم،لأنهم سلموا أنفسهم للشيطان الأكبر، وراحوا يتآمرون معه على إخوانهم وبني عمومتهم.

ولذلك سرعان ما أذعنوا لما طلبه الشيطان الأكبر.. وما أسرع ما وجدوا الأدوات التي تنفذ لهم ما يريدون من لصوصية هادئة نظيفة لا تترك خلفها أي أثر.

وقد تمثلت تلك الأدوات في أولئك الرجال الذين يرتقون المنابر، ويصلون بالناس في المحاريب، لكن قلوبهم قلوب ذئاب، وعقولهم عقول عصافير.. ولا دين لهم إلا دين ملوكهم وسلاطينهم.

وقد راح هؤلاء الدجالون الذين يلبسون جلود الضأن وقلوبهم قلوب ذئاب، يستعملون كل ألوان الخدع والمكر لتوفير أكبر عدد من اللصوص وإرسالهم إلى أرض سورية، بحجة تطهيرها من الكفرة والزنادقة..

وكانت الهجمة ثقيلة على سورية وعلى آبار بترولها.. حيث استطاع اللصوص بعد جهد جهيد أن يصلوا إليها، ويمتلكوها.. وحينها راحوا يبحثون عمن يبيعون له ذلك البترول، وسرعان ما وجدوه في ذلك السلطان الذي يريد أن يحيي السلطنة باستبدادها وجبروتها وظلمها.. وهي تحتاج أموالا كثيرة.. ولذلك راح يشتري منهم ذلك البترول بأبخس الأثمان ليطعم شعبه المال الحرام، ويكتسب بسبب ذلك مدحهم وثناءهم، لأنه استطاع أن يخلصهم من أزمتهم الاقتصادية بانضمامه للصوص الأربعين.

وبعد أن انهارت تلك الرايات السوداء المظلمة، وبدأ الشعب السوري بجيشه الباسل يستعيد أرضه وخيراته.. جاء الشيطان الأكبر بمعونة الشياطين الصغرى، ومعه كل أصناف الأسلحة ليمنع السوريين من بترولهم وخيراتهم عقوبة لهم على تحررهم وحبهم لوطنهم وعدم خضوعهم له.

وبقي الشيطان الأكبر يسيطر على تلك الآبار.. وكان لا يأخذ ريعها فقط، بل يأخذ من بني عمومة الشعب السوري من الخونة إتاوات ضخمة حتى يجوع الشعب السوري، ويعيش كل ألوان الألم عقوبة على عدم خضوعه.

هذه بداية القصة.. أما نهايتها.. فهي أن كل لص وطئت رجلاه أرض سورية، سيلعنه التاريخ، وتلعنه الأيام، ويموت شر موتة، ويعود البترول لأهله، وتعود سورية لأهلها، ولن ينال الشرف إلا من وقف معها بسيفه وقلمه ولسانه، ولن ينال الخزي إلا من وقف ضدها، ولو بقلبه، فسورية لا ترحم أعداءها، ولا تتسامح معها، لأنها رمز للعدالة، وأعداؤها رمز للظلم والجور، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 57]

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *