الإمام الحسين.. والربيع العربي

الإمام الحسين.. والربيع العربي
لعل من أسباب فوز الإمام الحسين بتلك الهدايا الجزيلة التي كرمه الله تعالى بها، ليستحق مرتبة [سيد شباب أهل الجنة] ما أصيب به من البلاء والمظلومية التي لم تتهيأ في التاريخ لرجل مثله.
وقد كان أول ما ابتدئ به من بلاء انصراف الأمة عنه، وعدم خروجها معه، واكتفائها بنصحه، ورضاها بيزيد وأصحابه من الطلقاء بديلا عنه..
ثم كانت المظلومية العظمى بقتله وقتل أهله وتشريدهم والتنكيل بهم.. واستمر ذلك طويلا من طرف أصحاب الملك العضوض الذين تولوا أمر الأمة، وعندما لم يظفروا به حيا، راحوا إلى قبره يطمسونه كل حين، ليقتلوا ذكره، كما قتلوا جسده.
وبينما كان الكثير من الساسة يفعلون ذلك، كان مثلهم وأصحابهم من الفقهاء يزرون التاريخ ليظهروه بمظر الظالم لا المظلوم، والساعي للفتنة لا الساعي للإصلاح، حتى قال أحدهم عنه: (إنه قتل بسيف جده)
وهكذا ظلم الإمام الحسين من طرف بعض الموالين له ـ كما ظلم من طرف النواصب ـ وقد كان ظلم أولي القربى أشد؛ فقد راحوا يشوهون ثورته بجرح أنفسهم، وتشويه خلقتهم، وتحويل حياتهم من ثورة على كل أنواع الظلم والاستبداد إلى مأتم حزين يبكي فيه المظلومون وينوحون من غير القيام بأي حركة.
وعندما جاء ذلك الربيع المشؤوم، وركب الموجة من ركبها من السلفيين والحركيين راحوا يستغلون اسم الإمام الحسين ليشوهوه، ويحولوا من أنفسهم أئمة كالحسين، ويحولوا من الحكام الذين ثاروا عليهم طواغيت ومستبدين مثل يزيد..
وكذبوا في كل ذلك.. وزادوا الإمام الحسين مظلومية أخرى فوق المظالم التي ظلم بها.
ولو سلمنا جدلا أن الحكام كانوا طواغيت ومستبدين كيزيد، فإنهم لم يكونوا شعرة واحدة من الإمام الحسين، فقد كانت المسافة بينه وبينهم شاسعة جدا، لا يمكن تصورها، لذلك كان اعتبارهم لأنفسهم ممثلين للإمام الحسين، أو مؤدين لدوره كذبة كبيرة، ومظلومية عظيمة للإمام تضاف للمظالم الكثيرة التي ظلم بها.
وتبدأ المفاصلة بينهم وبين الإمام الحسين من أول حركة قام بها.. فلم ينهض الإمام مطالبا بسقوط النظام، بل خرج مع أهله في ثورة مسالمة حتى يعيد الإصلاح لدينه جده صلى الله عليه وآله وسلم، ويبين أنه لا يقف مع الطواغيت، وقد كانت حركته تحت إذن إلهي، وتوقيع نبوي، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بالمحنة التي تحصل له، لكنه لم يأمره بعدم الخروج، ولا السكوت، بل ترك له ذلك وأقره عليه، لتبقى حركته للتاريخ جميعا تُختبر بها الأمة التي ضيعته.
ولذلك لم يخرج الإمام الحسين من عنده، ولا من هواه ومزاجه، وإنما لكونه صاحب الحق الشرعي في تولي أمر الأمة في جميع مجالاتها، ولذلك اقتنص الفرصة من أول رسالة وصلت له أبلغته باستعداد الأمة لاحتضانه.
لكن هؤلاء الذين يزعمون لأنفسهم الاقتداء بالإمام الحسين لم يفعلوا شيئا من ذلك، فلا الأمة فوضتهم، ولا رسائل أهل الكوفة أتتهم، ولا علماء الدين وحكماؤه اجتمعوا ووكلوا إليهم أمرهم.. بل كانت كل حركتهم مبنية على هوى مجرد، ولذلك سرعان ما دب الخلاف بينهم، لأنه لم يكن فيهم إمام واحد، ولا ثورة من دون إمام.
وفوق ذلك كانت أخلاقهم أبعد الأخلاق عن الإمام الحسين.. إمام الطهارة، وتلميذ مدرسة النبوة، ذلك العارف الزاهد التقي النقي الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه منه، وأنه إمام قام أو قعد.
وفوق ذلك كانت حركة الإمام الحسين مملوءة بالتسامح والتضحية والقيم النبيلة؛ فلم يقطع رؤوسا، ولم يشق صدورا، ولم يتكلم كلاما فاحشا بذيئا، ولم يكفر مخالفيه، ولم يعتبرهم شبيحة أو بطلجية أو فلولا، بل كان مثالا للحركة المسالمة التي يغلب فيها الدم السيف، والدليل على ذلك أنه خرج بأهل بيته، ولم يخرج بالجنود المجندة، ولم يسخر قطاع الطرق، ليستفيد من بأسهم في سبيل القضاء على عدوه، بل إنه طلب من أصحابه أن يعودوا لبيوتهم سالمين ليلقى مصيره الذي كتب له.
وفوق ذلك كله لم يستعن الإمام الحسين لا بالروم ولا بالهند.. ولا بأي طاغوت من الطواغيت.. لا كما يفعل المزورون لحركته، والذين مدوا أيديهم لكل طواغيت العالم، وجلبوا سلاحهم من كل تجار الحروب.
وفوق ذلك لم تتول الدعاية لثورة الإمام الحسين أي جهة في ذلك الحين ما عدا أخته زينب وأهل بيته المقربين والمستضعفين من المسلمين، بينما تتولى الدعاية لمحركي الربيع العربي كل قنوات الشر في العالم؛ فهي تنتصر لهم، وتكذب لصالحهم، وتبث الدعايات التي تزين جرائمهم.
لذلك لم يقتصر الدجل الذي صاحب الربيع العربي ومحركيه على تلك الدماء التي سفكت، والبيوت التي هدمت، وإنما كان الدجل الأكبر فيه هو استعمال الدين مطية للظلم وسفك الدماء وقطع الطرق وارتكاب الجرائم.
وبناء على هذا، فإنه إن صح أن يكون لهذا
الربيع ارتباط بالإمام الحسين، فإن المظلوم فيه هي الشعوب التي كانت هادئة هانئة
مستقرة تدرس في مدارسها، وتصلي في مساجدها، وتتحرك حياتها بكل تلقائية، إلى أن جاء
هؤلاء المجرمون الذين لا يختلفون عن يزيد، ومدوا أيديهم لأعداء وطنهم، بل مدوها
لكل شياطين العالم من أجل أن يتمكنوا من الكرسي الذي كان يجلس عليه يزيد، ويعيدوا
إحياءه من جديد.