الإسلاميون.. والصراع مع مالك بن نبي

الإسلاميون.. والصراع مع مالك بن نبي
من الشخصيات التي توضع للزينة على ألسنة أبناء الحركات الإسلامية، ومن يحذو حذوها [مالك بن نبي]، ذلك أنك بمجرد أن تذكره يثنون عليه، وعلى مشاريعه الفكرية والحضارية، بل قد يقتبسوا من كلماته ما يزينون به خطبهم، ويلمعوا به أنفسهم، ليوهموا المستمع إليهم، أنهم أبناء فكره، وخريجو مدرسته، وأنهم أصحاب مشروع حضاري.
مع أنهم في الحقيقة والواقع أعداؤه الألداء، الذين لا يتقنون شيئا مثل إتقان الصراع مع كل شيء.. وليس لهم من مشروع سوى مشروع الفوضى.. ذلك أنهم يهدمون أكثر مما يبنون، ويفسدون أكثر مما يصلحون.
ولو أن مالك بن نبي كان حيا، لتبرأ منهم كما تتبرأ منهم أفكاره التي بثها في كتبها التي يزينون بها مكتباتهم، بينما يهجرونها في الواقع، ولو أنهم طبقوها لما أثاروا أي فتنة تحت اسم الإسلام، ولتحركوا كما يتحرك النسيم العليل من دون أن يشعر بحركتهم أحد.
وللأسف كان من رواد الفتنة في الجزائر أولئك الذين يزعمون أنهم تلاميذ فكره.. وكان الشيخ عباسي مدني ذلك الذي لم يتخلف عن فتنة إلا وحشر نفسه فيها يحدثك عن مالك بن نبي وكأنه صديقه الصدوق، بينما هو في سلوكه وتصرفاته ليس سوى عدوه اللدود.
فمالك بن نبي لم يكن يدعو أبدا إلى الفوضى في التغيير.. ولم يكن ينتهج منهج السياسة، بل لم يكن يؤمن بها أصلا.. فالتغيير لا يأتي من القمة، ولا من كراسي السلطة، وإنما يبدأ من الإنسان الذي هو أول أركان من أركان معادلته في النهضة.. فعندما يتغير الإنسان المسلم، ليصبح إنسانا أولا، يحمل كل قيم الإنسانية.. ثم مسلما يحمل كل روحانيات المسلم وشفافيته.. حينها فقط يستحق الجزاء الإلهي والتمكين الإلهي.
لكن الحركة الإسلامية راحت تتجاهل هذا البعد.. وتعتبر الفرد مجرد آلة للوصول إلى الكرسي الأكبر الذي حطمت كل شيء من أجل الوصول إليه.. وأول ما حطمت إنسانيها قبل أن تحطم إسلامها.. فأصبح المسلم أقرب إلى الوحوش والسباع منه إلى الإنسان.. وأصبح على الدعاة ليس دعوة الإنسان إلى الإسلام.. وإنما دعوتهم إلى التحقق بالإنسانية.
وهكذا نرى مالك بن نبي يعتبر الوقت شرطا مهما في كل شيء.. ولذلك يدعو إلى الأناة المصحوبة بالحركة الواعية، لكن الحركات الإسلامية، وخصوصا تلك التي تتصور أنها تتبناه، راحت تتجاهل هذا المعنى، وتتسرع في كل شيء.. وتصيح كل حين: إلى متى نبقى بعيدين عن السلطة؟.. وإلى متى تبقى السلطة بعيدة عن الإسلام؟.. أو كما قال شيخهم عباسي مدني في الفترة التي ملأ فيها الغرور عقله: (سنقيم دولة الإسلام في الشتاء المقبل)
وكان مالك بن نبي يذكر كل حين أن الاستعمار الذي ولى عن بلادنا سيعود بحلل أخرى، وأنه سيستعمل كل الوسائل لاختراق العقول التي لها القابلية لذلك، وكانت مقولته الشهيرة في تفسير الاستعمار، والقابلية له دعوة للتحصين حتى لا يعود الاستعمار بأي حلة.
لكن مقولته تلك التي تكرر كل حين لم تفعّل في الواقع، بل تجاهلها الكثير، وكان عليهم أن يفعّلوها في كل ما حصل لهم.. كان عليهم أن يفسروا لأنفسهم سر فشلهم في كل المشاريع التي دخلوا فيها بكونهم أصحاب قابلية للفشل، مثلما فعل مالك بن نبي عندما برر الاستعمار بتخلف الشعوب، لا بقهر المستعمر وظلمه.
لكن الحركة الإسلامية كانت ولا تزال تفسر فشلها كل حين بمخططات أعدائها، وتنسى أنها بغبائها كانت تُخدع كل حين، وتُستفز كل حين، وتخطئ حساباتها كل حين.. ولو كان لها ذكاء كاف، واستشراف مستقبلي متين، وتفكير استراتيجي مبني على الواقع الحقيقي لا الواقع المثالي، لما وقعت في تلك الأخطاء المميتة.
وهكذا هُجر مالك بن نبي في كل ما دعا إليه.. ولم يبق منه إلا صورة ملمعة، وكتب موضوعة في خزائن المكتبات للزينة.. أما العقول، فقد سُلمت لأولئك الصبية الذين لا يرقبون في المؤمنين إلا ولا ذمة، أو أولئك المتاجرين من عبيد الملوك والسلاطين..
ولهذا، فإن أول اختبار يُختبر به من يزعم لنفسه الاهتمام بمالك بن نبي والتأثر بأفكاره هو موقفه مما يقع في الواقع نتيجة التهور الحركي.. وهل يتناسب حقيقة مع تلك الأطروحات الحضارية السلمية التي كان ينادي بها مالك بن نبي؟
وهل التغيير الذي دعا إليه هو تلك الأصوات المشحونة بالحقد والعداوة، أو تلك الأسلحة المستوردة من أمريكا وفرنسا وبريطانيا، أو ذلك الصراخ في وجه كل من يدعو إلى الحكمة والتعقل، أو تلك الدعوات للفتنة الطائفية، وتخدير العقول بسببها؟
أقول للذين يكذبون على أنفسهم بدعواهم الانتساب لهذا المفكر الأصيل: لا تكذبوا على أنفسكم، فأنتم أعداؤه لا تلاميذه.. وأساتذتكم الحقيقيين هم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبو بكر البغدادي والقرضاوي والعريفي وغنيم.. وغيرهم من الصعالك الذين أنشأهم التخلف، والقابلية للاستحمار.