ارحموا الشعب السوري

ارحموا الشعب السوري

أيها المتاجرون بالدم السوري، والمتلاعبون به.. يا من تعيشون في بلادكم سالمين، تطبقون كل القوانين، وتنحنون أمام كل رجل أمن، وترتعد فرائصكم عند كل دعوة تأتيكم من مركز شرطة، ولا تستطيعون أن تنبزوا ببنت شفة أمام أحقر مسؤول.

لكنكم، ومع كل ذلك الجبن الذي تبدون عليه، تتحولون أسودا وصقورا تمدون الشعب السوري المسكين بالمواعظ والنصائح، وتطالبوه وحده في العالم أجمع بأن يتمرد على حكامه ونظامه ومسؤوليه، وإلا فهو شبيحة ورافضي ومجوسي وكافر.

وأنتم تعلمون جيدا أن الشعب السوري قبل أن تزجوا به في تلك المتاهة كانت له بيوت يأوي إليها، ولا أحد يطالبه بالخروج منها.. وكانت له مدارس مجانية يدرس فيها أولاده، بل يدرس فيها جميع الشعب السوري فقيرهم وغنيهم.. وكانت له مؤسسات جامعية لا تفرق بين الطوائف، ولا بين الأعراق، بل يدرس فيها كل من يحمل عرقا سوريا، وهوية سورية.

وكان في سورية مساجد لا تقل عن المساجد التي تصلون فيها.. وكان فيها أئمة فحول، وخطباء فصحاء، وكانت هي الأخرى تقوم بدورها التنويري والتربوي، تعلم القرآن لا التوراة ولا الإنجيل.. وتدرس فيها المذاهب الفقهية التي تؤمنون بها وتقلدونها، ولا تدرس شيئا آخر..

ولم يكن أحد يمنعها من ذلك.. بل كان المشايخ والعلماء يتجولون فيها لينشروا الهداية الإلهية، ويربوا الناس عليها، وكان الناس يجلسون إليها، ولا أحد يمنعهم من الصلاة أو الاستماع أو ممارسة أي شعيرة من شعائر الدين.

وكان في سورية مصانع يعمل فيها مئات آلاف السوريين، وكانت فيها حقول بترول لا يملكها لا الرئيس ولا وزراؤه، بل كانت ملكا للدولة أجمع..

وكانت البلاد ـ بحجم الإمكانيات المتاحة لها ـ تتطور كل حين، فهناك جسور تمد، وطرق تعبد، ومدن تؤسس، وكان الجميع يتحرك بكل حرية لخدمة بلده.

كان كل هذا في سورية، وكان يمكن للجميع أن يشاهده، فقد كانت مفتوحة لكل العالم، وخاصة العربي منه، وقد ذهب الكثير منكم إليها، وتعلم من علمائها، ونال من شهاداتها.

لكنكم بعد ذلك كله رحتم تزعمون أن الرئيس السوري هو ذلك الدكتاتور الوحيد في العالم الذي ينبغي على رعيته أن تتمرد عليه حتى لو اقتضى الأمر أن يباد أكثرها..

ثم رحتم ترفعون شعارات سقوط النظام السوري، لا إصلاحه.. وفي سبيل هذا الشعار رحتم إلى المؤسسات تحرضون على احتلالها، وإلى المزراع تحرضون على تخريبها، وإلى المصانع تسلمونها مجانا إلى تركيا، وإلى البترول تسلمونه مجانا لأمريكا.

بأي منطق تفكرون.. أنتم تطالبون برحيل الرئيس السوري.. لا بأس.. لقد رحل الرئيس الليبي، بل قتلتموه بعد أن شحنتم قلوب الليبيين حقدا عليه.. فهل نجحتم في ليبيا بعد أن قتلتم رئيسها، أم أن ليبيا الآن دولة فاشلة بكل المقاييس، وهي عرضة لكل أنواع التقسيم، وأموالها نهبة لكل قطاع الطرق؟

وهل نجحتم في أي أرض دعوتم إلى التمرد فيها؟.. ها قد استلمتم تونس أشهرا معدودات، أرسلتم فيها خيرة شبابكم ليقاتل في سورية.. فماذا فعلتم؟.. لقد طُردتم من الحكم شر طردة، وستلقون في مستقبل أيامكم ما هو أبشع مما حصل لكم.

وهل نجحتم في مصر التي انتفضت عليكم قبل أن يمر عام واحد على حكمكم لها، لأن التهور والطيش والغرور كان مسيطرا عليكم.. وبدل أن تستغلوا تلك الفترة التي أتيحث لكم في خدمة إخوانكم في سورية، وإعادتها إلى حضن وطنها العربي، رحتم تدعون إلى المزيد من التمرد فيها، بل رحتم تعلنون النفير العام، وتطالبون الجيوش بأن تتحرك لإبادة ما بقي من الشعب السوري.

أنتم مجرمون بكل المقاييس.. وكل طفل قتل.. وكل بيت هدم.. وكل مصنع سرق.. وكل قطرة بترول أخذتها أمريكا أو تركيا أنتم مسؤولون عنها يوم القيامة.. وسيسجلكم التاريخ مع كل الظالمين الذين لم يقدموا في دنياهم سوى الخراب والظلم والدمار.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *