إيران.. والقرآن الكريم

لعل الخاصية الأبرز التي تميز بها المشروع الحضاري الإيراني في طبعاته القديمة، وطبعته الحديثة هو ذلك التعلق بالقرآن الكريم، والذي يصل إلى حد العشق والهيام.. وذلك وحده كاف لصد كل التهم التي ينشرها الإعلام المغرض، وينشرها معه دعاة الفتنة والطائفية.
فالإيرانيون جميعا عامتهم وخاصتهم، يقرؤون القرآن الكريم باللغة العربية، مع مراعاة مخارج الحروف، وأحكام الترتيل قدر المستطاع، وذلك وحده كاف للرد على اتهامهم بالشعوبية الفارسية، ذلك أنه في إمكانهم أن يقرؤوا القرآن الكريم مترجما كما تفعل الكثير من الشعوب، ويكتفوا بذلك، ويجدون الرخص من الفقهاء التي تتيح لهم ذلك..
لكنهم لا يفعلون.. بل يقرؤون القرآن الكريم في صلاتهم، أو في المصاحف، باللغة العربية، التي يحاولون تعديل ألسنتهم عليها لتقرأ القرآن غضا طريا، كما يقرؤه إخوانهم من العرب.. بل إن علماءهم، وأثناء تدريسهم لعوام الناس، الذين لا يعرفون العربية، إذا مروا بالآيات القرآنية أثناء دروسهم، ينطقون بها أولا بالعربية، ثم يترجمونها بعد ذلك للفارسية.
وهكذا فإن المصاحف المطبوعة في إيران، والموزعة على جميع مدنها وقراها وأريافها، وحدها كافية للرد على تلك الشبهة التي يحرص المغرضون على نشرها لتشويه إيران وتشويه شعبها المسلم، وهي ادعاؤهم أن لإيران أو للشيعة مصاحفهم الخاصة، وذلك كذب وبهتان عظيم.
فالمصاحف المنتشرة في كل مقاطعات إيران هي نفس المصاحف الموجودة في كل بلاد العالم الإسلامي، وأنا أتحدى أن يجد أحد من الناس هذا المصحف الخاص، الذي يصوره الإعلام، ويصوره دعاة الفتنة.
ولا يحتاج أحد من الناس للتنقل للتأكد من ذلك، ففي إمكان أي كان أن يفتح أي قناة فضائية إيرانية، أو أي إذاعة محلية تابعة لها ليسمع القرآن الكريم، وبقراءات جميلة جدا، لا تختلف عن تلك القراءات التي يقرؤه بها إخوانهم من العرب.
وفوق هذا كله نجد الإيرانيين، ومنذ بداية الإسلام، يهتمون بتفسير القرآن الكريم، ويعقدون المجالس لذلك، وقد استمروا على ذلك النهج إلى اليوم.. ولذلك نرى في المكتبات الورقية والالكترونية ثروة كبيرة من كتب التفسير والعلوم المرتبطة بالقرآن الكريم.. وهي ثروة لا يمكن تجاهلها، ولا الاستهانة بها، بل إننا لن نبالغ إن قلنا بأن المصادر الكبرى للتفسير بأنواعه المختلفة كانت من تأليف إيرانيين، كما سنرى.
ولم يكتف الإيرانيون بهذا، بل راحوا يبنون مشروعهم الحضاري الجديد على القرآن الكريم، باعتبار قداسته أولا، ولاعتقادهم أنه صالح لكل زمان ومكان، وأن فيه الحلول لكل المشكلات، أو كما عبر عن ذلك قائدهم الأكبر الإمام الخميني بقوله في رسالة وجهها إلى الحجيج: (يجب أن نعلم أن الحكمة هي أن هذا الكتاب الخالد الأبدي إنما هو لأجل هداية وإرشاد البشرية من أي لون أو قومية، وفي أي قطب أو قطر وحتى قيام الساعة، وأن تبقى المسائل الحياتية المهمة حية سواء فيما يخص المعنويات أو فيما يتعلق بنظام الملكية، وإفهام الناس أن مسائل القرآن ليست لعصرٍ وجهةٍ خاصة، ولا يظن أن هدف إبراهيم وموسى ومحمد عليهم وعلى آلهم السلام يختص بزمان خاص)([1])
ويقول في نفس الرسالة: (وينبغي على الحجّاج لبيت الله الحرام المحترمين لأي قومية انتموا أن يرضخوا لأحكام القرآن الكريم، ويقفوا في مواجهة سيل الشياطين الذين يريدون اقتلاع الإسلام الذي طهر الشرق والغرب وعملاءهم الذين لا إرادة لهم، ويمدوا يد الأخوة الإسلامية لبعضهم البعض وينتبهوا للآيات الكريمة التي تدعوهم إلى الاعتصام بحبل الله، وتنهاهم عن الاختلاف والتفرقة، وينبغي الاستفادة أكثر عضوياً وسياسياً من هذه الفريضة العبادية السياسية الإسلامية، في تلك الأمكنة الشريفة التي شيّدت بحق لأجل مصالح الموحدين والمسلمين في العالم، والالتفات إلى سر التضحية والفداء الإبراهيمي ـ الإسماعيلي، حيث يجب الوقوف في سبيل الله إلى حد التضحية والفداء بأعز وأغلى ثمرة وجوده والدفاع عن الأهداف الإلهية) ([2])
وهكذا نجد الدعوات الكثيرة من جميع قادة المشروع الحضاري الإيراني القديم والحديث منه إلى الاهتمام بالقرآن الكريم قراءة وتدبرا وانفعالا في جميع مجالات الحياة، أو كما عبر عن ذلك أبو حامد الغزالي الابن الإيراني الأصيل، تعليقا على قوله تعالى: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } (مريم: 12): (أي بجد واجتهاد، وأخذه بالجد أن يكون متجردا له عند قراءته منصرف الهمة إليه عن غيره، وقيل لبعضهم (إذا قرأت القرآن تحدث نفسك بشيء، فقال: أو شيء أحب إلي من القرآن حتى أحدث به نفسي).. وهذه الصفة تتولد من التعظيم فإن المعظم للكلام الذي يتلوه يستبشر به ويستأنس ولا يغفل عنه، ففي القرآن ما يستأنس به القلب إن كان التالي أهلا له؛ فكيف يطلب الأنس بالفكر في غيره وهو في متنزه ومتفرج، والذي يتفرج في المتنزهات لا يتفكر في غيرها، فقد قيل: إن في القرآن ميادين وبساتين ومقاصير وعرائس وديابيج ورياضا وخانات.. فإذا دخل القارىء الميادين، وقطف من البساتين، ودخل المقاصير، وشهد العرائس، ولبس الديابيج، وتنزه في الرياض، وسكن غرف الخانات، استغرقه ذلك وشغله عما سواه فلم يعزب قلبه ولم يتفرق فكره)([3])
بناء على هذا سنحاول في هذا المقال إثبات أهم تجليات اهتمام الإيرانيين بالقرآن الكريم طيلة تاريخهم المشرق، وكونه السبب في تلك الروح الإيمانية التي صحبتهم قديما، ولا تزال تصحبهم حديثا.
أولا ـ تقديس القرآن الكريم والتأثر به:
وهي أول ميزة يمكن اكتشافها بسهولة لمن يرى الإيرانيين وتعاملهم مع القرآن الكريم، فالكثير من عاداتهم وتقاليدهم تولي المصاحف اهتماما خاصا، وتعطيها قداسة لا تعطيها لشيء آخر.. فهم يقبلونه بمجرد لمسه، ثم يضعونه على جباههم تكريما له.
وهم إذا ما دخلوا أي محل أو غادروه جعلوا المصاحف فوق رؤوسهم، ثم ساروا أسفل منها تيمنا منهم بأن يكونوا في كلاءته وحفظه.
وهكذا هو حالهم عند قراءته أو سماعه؛ فهم ينفعلون عندها، ويتأثرون، وربما تنهمر الدموع الصادقة الخاشعة من عيونهم، مثل حالهم عند سماع الأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو عن أهل بيت النبوة، والتي يرددونها كل حين.
ولعل ذلك ما أشار إليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يتحدث عن فارس، وصدقها في إيمانها: (لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال -أو رجل-من هؤلاء)([4])، وأشار إلى سلمان الفارسي.
ولا يمكنني أن أذكر سبب ذلك الانفعال، وتلك الروحانية، ولكني موقن أنها ليست مرتبطة بالعرق ـ كما يذكر بعض الباحثين ـ عندما يعلل ظهور أكثر الكتابات العرفانية والصوفية من تلك المناطق، ذلك أني مؤمن بأن الله تعالى خلق الخلق جميعا من طينة واحدة، ومؤمن كذلك أن سلوك الإنسان هو الذي يحدد وجهته، وطريقة تعامله مع الأشياء.
ولذلك فإن السبب الحقيقي لذلك التقديس وما يصحبه من الانفعال والتأثر يعود لتلك التعاليم المقدسة التي يسمعها الإيرانيون ـ سنتهم وشيعتهم ـ في المواعظ والمجالس العلمية كل حين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن ورثته من آل بيت النبوة الذين شغفوا بهم.
فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن الكريم واعتبره الثقل الأكبر الذي لا تنجو الأمة إلا بالتمسك به، فقال: (إني تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، الثقلين وأحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي. ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)([5])
والإمام علي الذي يقدسه الإيرانيون، ويحفظون تعاليمه، ويرددونها في كل المحال، ويعلقونها كشعارات في شوارعهم ومدارسهم ومساجدهم، باعتباره الإمام الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (الله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم) ([6])، ويقول: (كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به، وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض، ولا يختلف في الله، ولا يخالف بصاحبه عن الله)([7])، ويقول: (تعلموا كتاب الله تبارك وتعالى فإنه أحسن الحديث وأبلغ الموعظة، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور، وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص)([8])، ويقول: (اعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لأوائكم)([9])
وهكذا يسمعون كل حين، وفي كل مناسبة قول الإمام الحسن: (إن هذا القرآن فيه مصابيح النور وشفاء الصدور، فليجل جال بضوئه، وليلجم الصفة، فإن التلقين حياة القلب البصير كما يمشى المستنير في الظلمات بالنور)([10])
ومثله قول الإمام زين العابدين الذي عبر عن علاقته الروحية بالقرآن الكريم، بقوله: (لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي) ([11])
وهكذا كان لتلك الكلمات النورانية وغيرها كثير تأثيره الهائل في نفوس الإيرانيين، مما وفر لهم القابلية لاستقبال تعاليم قادة المشروع الحضاري الجديد، والذين حاولوا أن يستنهضوا الهمم من خلال تلك المشاعر الجياشة تجاة القرآن الكريم، وتجاه أهل بيت النبوة.
حيث نجد أحاديث الإمام الخميني، وفي عز الأزمات التي مرت بها إيران، يذكر بالقرآن الكريم، ويتحدث عنه حديث العارفين المحققين، الذين يدعون إلى تذوق معانيه، والعروج من خلالها إلى الله، وعدم الاكتفاء بكسوة الألفاظ والحروف.
ومن كلماته في هذا المجال قوله في بعض خطبه: (نحن نفخر، ويفخر شعبنا المتمسك بالإسلام والقرآن بأننا أتباع مذهب يهدف إلى إنقاذ حقائق القرآن الممتلئة دعوة إلى الوحدة بين المسلمين، بل البشرية باعتبارها أنجع علاج منقذ للإنسان من القيود المكبلة لرجليه ويديه وقلبه وعقله، والسائقة له إلى الفناء والعدم والرق والعبودية للطواغيت)([12])
ويقول في وصاياه لبعض أولئك الملتفين به، والذين قدموا الغالي والنفيس في سبيل تنفيذ تعاليمه: (اعلم أيها العزيز أن عظمة كل كلام وكل كتاب إما بعظمة متكلمة وكاتبه، وإما بعظمة مطالبه ومقاصده، وإما بعظمة نتائجه وثمراته، وإما بعظمة الرسول والواسطة، وإما بعظمة المرسل إليه وحامله، وإما بعظمة حافظه وحارسه، وإما بعظمة شارحه ومبيّنه، وإما بعظمة وقت إرساله وكيفية إرساله. وبعض هذه الأمور دخيل في العظمة ذاتاً وجوهرا وبعضها عرضاً وبالواسطة، وبعضها كاشف عن العظمة)([13])
ثم يذكر أن هذه المعاني جميعا متوفرة في القرآن الكريم، باعتباره حوى العظمة في جميع جوانبها، فيقول: (وجميع هذه الأمور التي ذكرناها موجودة في هذه الصحيفة النورانية بالوجه الأعلى والأوفى، بل هي من مختصّاته بحيث أن أي كتاب اخر إما ألاَّ يشترك معه في شيء منها أصلاً، أو لا يشترك معه في جميع المراتب)
ثم راح يفصل نواحي العظمة التي تستدعي التقديس المطلق له، وابتدأ بعظمه المتكلم به، فقال: (أما عظمة متكلمه ومنشئه وصاحبه، فهو العظيم المطلق الذي جميع أنواع العظمة المتصورة في الملك والملكوت، وجميع أنواع القدرة النازلة في الغيب والشهادة رشحة من تجليات عظمة فعل تلك الذات المقدسة، ولا يمكن أن يتجلّى الحق تعالى بالعظمة لأحدٍ وإنما يتجلى بها من وراء الاف الحجب والسرادقات)
وتحدث عن عظمة محتوياته، فقال: (وأما عظمته بواسطة محتوياته ومقاصده ومطالبه فيستدعي ذلك عقد فصل على حدة، بل فصول وأبواب، ورسالة مستقلة، وكتاب مستقل حتى يسلك نبذة منها في سلك البيان والتحرير)، وهو يشير بذلك إلى ما ألفه حول عظمة محتويات القرآن الكريم، والتي تناولها من جميع جوانبها العرفانية والسلوكية والاجتماعية والسياسية وكل جوانب الحياة، كما سنرى.
وتحدث عن عظمة الرسول الذي أنزل عليه، بلغة ذوقية عرفانية، فقال: (وأما عظمة المرسل إليه ومتحمّله، فهو القلب التقي النقي الأحمدي الأحدي الجمعي المحمدي الذي تجلى له الحق تعالى بجميع الشؤون الذاتية والصفاتية والأسمائية والأفعالية، وهو صاحب النبوة الختمية، والولاية المطلقة، وهو أكرم البرية، وأعظم الخليقة وخلاصة الكون، وجوهرة الوجود، وعصارة دار التحقق، واللبنة الأخيرة، وصاحب البرزخية الكبرى، والخلافة العظمى)
وتحدث عن الحراسة الإلهية له من التحريف، على عكس ما يذكر المغرضون والطائفيون، فقال: (وأما حافظه وحارسه، فهو ذات الحق جلّ جلاله، كما قال في الآية الكريمة المباركة: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9))
وهكذا تحدث عن سائر نواحي العظمة في القرآن الكريم، والتي تستدعي التقديس المطلق له، والانفعال المطلق لمعانيه، باعتبارها تمثل الحقائق الكبرى للوجود، وتشمل القيم الكبرى للسلوك.
وهكذا نرى كل القادة والعلماء الذين أسسوا لهذا المشروع الحضاري الجديد، يشيدون بالقرآن الكريم، ويدعون إلى قراءته قراءة روحية، وعدم الاكتفاء فقط بتجويده وترتيله والاهتمام بمخارج حروفه.
وذلك لا يعني عدم اهتمامهم بهذا الجانب، فالإيرانيون يحبون تجويد القرآن الكريم، ومولعون بصفة خاصة ببعض القراء المصريين كالشيخ عبد الباسط عبد الصمد وغيره، وهم يقلدونه كثيرا في قراءتهم، وهو دليل كبير على انفتاحهم على العالم الإسلامي، وعدم شعورهم بأي فوارق بينهم وبين سائر إخوانهم من المسلمين، ولذلك يستقبلون كل حين القراء من مصر وغيرها، وتعقد المجالس العامة لهم، ليستمع الناس إلى قراءتهم مع تتبعها في المصاحف.
ونحب أن نذكر نموذجا لذلك الولع بالقرآن الكريم بشخص قائدهم الحالي السيد علي الخامنئي، الذي تحدث عن نفسه وعن بداية عشقه للقرآن الكريم، فقال([14]): (أوّل نغمات القرآن العذبة قد سمعتها من والدتي.. كناّ نجتمع حولها، نجلس، لتقرأ بدورها القرآن لنا بصوت عذب جدّاً ومؤثّر، وتشرح لنا بعض آياته)
ثم ذكر كيف كانت والدته تحكي لهم قصص أنبياء الله، وقصص القرآن، وكيف كانت تحرص على أن تقصّها تماماً كما يحكيها القرآن الكريم.
ثم ذكر كيف أخذه والده السيّد جواد هو وأخوه إلى الكتاب حيث تعلما القرآن الكريم على الطريقة التي يدرس بها في سائر بلاد العالم الإسلامي، فقد (كان التلامذة يجلسون خلف الأرجل الموزّعة بشكل دائري داخل الغرفة، وجميع الحاضرين كانوا يقرأون القرآن، وكان كلّ واحد يقرأ نصف صفحة)
ثم يذكر كيف شغف في شبابه الباكر بتلاوة القراء المصريين، فقال: (لقد تعرفت على قراءة القرّاء المصريّين ورأيت بعدها أنّي نعم، ينقصني الكثير من ناحية القراءة وعندها كمّلت ما ينقصني)
ويذكر كيف كان يجتهد في التقاط موجة الإذاعة المصريّة في مشهد من أجل الاستمتاع بقراءة القراء المصريين، وكيف كان يفرح فرحا شديدا عندما يتاح له التقاط موجاتها بدقة، أو عندما تتاح له أشرطة الكاسيت، التي يحضرها من يذهب إلى مصر.
وقد كان من المشايخ الذين تأثر بهم هو وجيله ـ كما يذكر ـ الشيخ مصطفى إسماعيل، وهو أحد كبار القراء في ذلك الحين، وقد برر إيثاره لقراءته بقوله: (إن مصطفى إسماعيل يقرأ بالالتفات إلى المعانى والمفاهيم.. بعض القرّاء يقرأ بالاعتماد فقط على الصوت، ويكون هدفهم أداء لحن جميل وشَغْل الناس، أمّا مصطفى إسماعيل ففي الوقت الذي يقرأ فيه قراءة جميلة، يلفت الناس إلى المعنى)
ويذكر كيف كان القرآن الكريم هو المؤنس له ولرفاقه أيام المحن التي مروا بها في سجون الشاه، وقد ذكر أنه في الاعتقال الأوّل، عندما نُقل إلى السجن العسكري في مشهد، وجُرّد من جميع وسائله، طلب منهم أن يتركوا القرآن بحوزته، فوافقوا.
ويذكر مدى التخفيف والمواساة التي كانت تحدثها قراءة القرآن الكريم لهم، وهم في السجون والمعتقلات، ومن ذلك أنه في الاعتقال الخامس له عندما قام موظّفو السافاك بتعذيب العالم المجاهد السيّد عباس الموسوي القوتشاني، يذكر السيد علي الخامنئي أن عزاءه الوحيد كان في قراءته للقرآن، يقول في ذلك: (الشيء الوحيد الذي كان في هذا السجن مصدر عزاء للسيّد الموسوي، هو أنّه عندما عاد بعد إنهاء التعذيب من زنزانته الانفراديّة، كان يستمع إلي قراءتي للقرآن. وقد انتقيت بدوري آيات خاصّة من قبل، وقرأتها على مسمعه لتكون بلسماً لجراحه وراحةً لنفسه، ومقوّية لعزيمته)
وهكذا يذكر كيف كان الثوار حينها يستعملون القرآن الكريم وسيلة لاستنهاض الهمم، ومواجهة الاستبداد والظلم الذي يقوم به الشاه، ومخابراته.
ومن الأمثلة على ذلك أنهم ـ كما يذكر ـ كانوا يدرسون سورة البقرة، وما جرى مع بني إسرائيل، ليوصلوا من خلالها رسائلهم الثورية، ويصف كيفية ذلك، فيذكر أنهم بعد شرح تفسير الآيات القرآنية يطلب من القارىء أن يقرأ الآيات المفسّرة بصوته الجميل لتستقر في النفس أكثر، ويقول: (الآن وقد فهمتم معنى هذه الآيات، فليأتِ قارئنا العزيز ويتلوها بلحن وصوت حسن لتلتذّوا بها أكثر، لأنّ الناس كانوا قد فهموا معنى القرآن، كانوا يرتبطون به بنحو أسهل)
هذا نموذج بسيط عن مدى اهتمام الإيرانيين وخاصة في مشروعهم الحضاري الجديد بالقرآن الكريم قراءة وانفعالا وتأثرا، وهو ما أفادهم ذلك الانتصار الكبير.
ولذلك أولوا ـ بعد انتصار الثورة الاسلاميّة ـ عناية خاصة بالقرآن الكريم قراءة ودراسة وتدبرا؛ فأسست أول إذاعة للقرآن الكريم بعد الانتصار مباشرة، ثم شكل مجلس أعلى للقرآن في مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون، وطورت جلسات التلاوة من خلال مشاركة القرّاء من خارج البلاد وخاصّة القرّاء المصريّين.
وهكذا كانت تعقد المجالس الكثيرة للقرآن الكريم في جميع أنحاء البلاد، وفي المؤسسات التربوية المختلفة، ليشب النشأ على حب القرآن، وتنشر من خلال ذلك الثقافة والقيم القرآنيّة.
وقد كان السيد على الخامنئي، حريصا على الحضور لتلك المجالس، وخاصة تلك التي تعقد في شهر رمضان، أو أثناء المسابقات الخاصة بالترتيل والتجويد، وكان يدلي بتوجيهاته أثناء تلك القراءات ليزداد الشعب تمسكا بها.
ومن أمثلة تلك التوجيهات قوله ـ مخاطبا الشعب الإيراني ـ: (اسعو جهدكم أن لا تقطعوا صلتكم بالقرآن.. اقرأوا القرآن كلّ يوم ولو نصف صفحة؛ فهذه جميعاً تقرّب الإنسان إلى الله؛ وهذه الأمور نفسها هي التي تجلب للانسان صفاء الروح والانشراح والفتوحات المعنويّة)
وومن أمثلتها قوله في لقائه الأوّل مع أعضاء حكومة من الحكومات الجديدة: (أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء.. حملكم ثقيل وعملكم صعب.. فمن أجل أن تتمكّنوا من عبور هذا الطريق بسلام، وتمضوا الـ 1450 يوماً التي أمامكم بنحو جيّد، عليكم أن ترتبطوا بالله. حتماً، اقرأوا القرآن يوميّاً؛ قدر ما تستطيعون واجعلوا هذا عادةً حتميّة لكم)
وكان يهدي الوزراء في أول توليهم لوظائفهم، نسخةً من القرآن الكريم تذكيرا لهم به، ودعوة لهم لرعايته أثناء أدائهم للمسؤوليات المناطة بهم.
وهو يعتبر كل ذلك مقدمة لتحقيق الانفعال الكامل بالقرآن الكريم، فيقول: (من بركات الثورة الاسلاميّة، أنّ شبابنا ذوي الصوت والذوق وفنّ التلاوة، والموهوبين والمستعدّين للتعلّم، قد وردوا ـ بحمد الله ـ هذا الميدان وحقّقوا نجاحات، ولكن هذه جميعاً مقدّمات؛ مقدّمات لفهم القرآن والتخلّق بأخلاق القرآن)
ويقول مخاطبا الجموع في جلسة من جلسات القرآن: (المسألة الأسمى، هي التخلّق بالأخلاق القرآنيّة؛ جعل طريقة الحياة متطابقة مع القرآن)
هذه مجرد شذرات تدل على مدى تقديس الإيرانيين للقرآن الكريم، وحبهم له، سواء كانوا عامة بسطاء، أو كانوا أصحاب مسؤوليات ضخمة.
ثانيا ـ الاهتمام بتفسير القرآن الكريم وعلومه:
من أهم تجليات اهتمام الإيرانيين بالقرآن الكريم من لدن سلفهم الأول إلى اليوم ذلك الاهتمام بتفسير القرآن الكريم، وبالصيغ المختلفة، ولا نبالغ إن ذكرنا بأن أهم كتب التفسير بأنواعه المختلفة كانت إيرانية المنشأ، وإيرانية السبق.. وسنحاول هنا ـ باختصار ـ إثبات ذلك من خلال ذكر بعض أهم ما ألفه الإيرانيون، وكان لهم السبق فيه.
ونبدأ بأول نوع من أنواع التفسير وأهمها، وهو التفسير بالمأثور، ذلك التفسير الذي يعتمد (على ما ورد فى القرآن الكريم نفسه من البيان والتفصيل لبعض آياته، بالإضافة إلى ما نُقل عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أو عن الصحابة والتابعين)([15])
حيث نجد أهم كتاب في هذا النوع من التفسير، بل أهم مرجع ترجع إليه جميع التفاسير ـ باتفاق جميع المؤرخين ـ كتاب (جامع البيان في تأويل القرآن) لابن جرير الطبري (224هـ – 310هـ)، فهو الجامع لأكبر قدر من الروايات التفسيرية، وصاحبه إيراني من آمل التابعة لمحافظة مازندران([16]).
وقد قال الذهبي مبينا أهمية تفسيره، وتأثيره فيما بعده من التفاسير: (يعتبر تفسير ابن جرير من أقوم التفاسير وأشهرها، كما يعتبر المرجع الأول عند المفسِّرين الذين عنوا بالتفسير النقلى، وإن كان فى الوقت نفسه يُعتبر مرجعاً غير قليل الأهمية من مراجع التفسير العقلى، نظراً لما فيه من الاستنباط، وتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، ترجيحاً يعتمد على النظر العقلى، والبحث الحر الدقيق.. ولو أننا تتبعنا ما قاله العلماء فى تفسير ابن جرير، لوجدنا أن الباحثين فى الشرق والغرب قد أجمعوا الحكم على عظيم قيمته، واتفقوا على أنه مرجع لا غِنَى عنه لطالب التفسير)([17])
وذكر أسبقيته لجميع كتب التفسير، فقال: (ونستطيع أن نقول: إن تفسير ابن جرير هو التفسير الذى له الأوَّلية بين كتب التفسير، أوَّلية زمنية، وأوَّلية من ناحية الفن والصناعة.. أما أوَّليته الزمنية، فلأنه أقدم كتاب فى التفسير وصل إلينا، وما سبقه من المحاولات التفسيرية ذهبت بمرور الزمن، ولم يصل إلينا شئ منها، اللَّهم إلا ما وصل إلينا منها فى ثنايا ذلك الكتاب الخالد الذى نحن بصدده.. وأما أوَّليته من ناحية الفن والصناعة، فذلك أمر يرجع إلى ما يمتاز به الكتاب من الطريقة البديعة التى سلكها فيه مؤلفه، حتى أخرجه للناس كتاباً له قيمته ومكانته.)([18])
ونقل عن السيوطى قوله: (وكتابه – يعنى تفسير محمد بن جرير – أجَّل التفاسير وأعظمها، فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، والإعراب، والاستنباط، فهو يفوق بذلك على تفاسير الأقدمين)
وقال النووى: (أجمعت الأُمة على أنه لم يُصنَّف مثل تفسير الطبرى)، وقال أبو حامد الإسفرايينى: (لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل على كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيراً)
وقد شاء الله أن تكون المدينة التي ولد فيها الطبري هي نفسها المدينة التي نشأ فيها أكبر أعلام المفسرين في هذا العصر الشيخ عبد الله الجوادي الآملي (ولد في 1932) الفيلسوف، والمفسر والمرجع، وأحد أبرز العلماء الإيرانيين المعاصرين، وهو من تلامذة المفسر والفيلسوف الكبير محمد حسين الطباطبائي، وللشيخ عبد الله الجوادي الآملي بالإضافة إلى تفسيره الكبير الكثير من الكتب حول المعارف القرآنية من أمثال (تسنيم في تفسير القرآن)، (معارف القرآن من خلال الحواميم السبع)، و(نظرية المعرفة في القرآن الكريم)، و(العقيدة من خلال الفطرة في القرآن الكريم)
وهكذا نجد من أوائل من اهتم بالبلاغة القرآنية، بل يمكن اعتباره المؤسس لها، عالم كان يسكن قريبا من تلك المدينة، وهو أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني([19]) (400 – 471هـ) المنتسب لمدينة (جرجان)([20]) الإيرانية، وهو أحد اللذًين قيل عنهما: (لم يفهم القرآن إلا أعرجان أحدهما في زمخشر، والآخر في جرجان)
ويعتبر ـ بشهادة كل المؤرخين ـ مؤسس علم البلاغة، ويعد كتاباه: (دلائل الإعجاز) و(أسرار البلاغة) من أهم ما ألف في هذا المجال، وقد كان هدفه منهما هو إعجاز القرآن الكريم وفضله على النصوص الأخرى من شعر ونثر، بالإضافة إلى ذلك ألف رسالة في إعجاز القرآن الكريم بعنوان (الرسالة الشافية في إعجاز القرآن)، وهي من أفضل ماكُتِب في الإعجاز القرآني، وقد نفى فيها الجرجاني القول بالصرفة، الذي حاول البعض من خلاله نفي البحث عن مدارك الإعجاز القرآني.
وقريب من تلك المدن التي ولدت فيها المؤلفات المرتبطة بالتفسير بالمأثور والبلاغة القرآنية ولد أكبر من صنّف في التفسير بالرأي الشيخ فخر الدين الرازي، ابن خطيب الري، وهو من العلماء الذين جمعوا بين تخصصات مختلفة، فهو مفسر وفقيه وأصولي، وباحث في الفيزياء، والرياضيات، والطب، والفلك.
ويعتبر كتابه (التفسير الكبير) الذي سماه (مفاتيح الغيب) من أكثر كتب التفسير تحقيقا وبحثا في المعاني القرآنية، وما يرتبط بها من العلوم المختلفة، وقد قال محمد السيد حسين الذهبي عنه: (إن تفسير الفخر الرازى ليحظى بشهرة واسعة بين العلماء، وذلك لأنه يمتاز عن غيره من كتب التفسير، بالأبحاث الفيَّاضة الواسعة، فى نواح شتَّى من العلم، ولهذا يصفه ابن خلكان فيقول: (إن الفخر الرازى جمع فيه كل غريب وغريبة)([21])
وهكذا نجد ناصر الدين البيضاوي (ت 691هـ) صاحب تفسير (أنوار التنزيل وأسرار التأويل)، وهو من أشهر التفاسير التي اعتمدها المتأخرون لسهولتها، من إيران من مدينة البيضاء، قرب شيراز، وتوفي في تبريز، وتفسيره يعتبر نموذجا للكتب الدراسية المقررة التي تعتمد التلخيص والتبسيط.
وهكذا نجد أكبر من اهتم باللغة القرآنية وتحرير مفرداتها ومصطلحاتها علم كبير من أعلام إيران في التفسير وغيره، وهو الراغب الأصفهاني (ت 502 هـ)، وهو من أهل (أصفهان)، وقد كتب في اللغة القرآنية والتفسير الكتب التي لا تزال مراجع في بابها، ولم يسبق لمثلها، ومن أهمها كتابه (المفردات في غريب القرآن) و(حل متشابهات القرآن) و(جامع التفاسير)، بالإضافة إلى كتبه في الأخلاق والآداب من أمثال (الذريعة إلى مكارم الشريعة) و(الأخلاق) ويسمى (أخلاق الراغب) و(تفصيل النشأتين) في الحكمة وعلم النفس، وغيرها من الكتب.
وعلى هذا المنوال نجد أقدم كتب التفسير الإشاري الصوفي كتاب سهل بن عبد الله التستري (المتوفى: 283هـ)، وهو من (تستر) إحدى مدن محافظة خوزستان الموجودة في إيران، وكان سهل التستري أحد أكبر أئمة الصوفية وعلمائهم المتكلمين في علوم الإخلاص والرياضيات وعيوب الأفعال، وقد قال عنه أبو نعيم الأصفهاني في كتابه (حلية الأولياء): (عامة كلام سهل في تصفية الأعمال، وتنقية الأحوال عن المعايب والأعلال)
وهكذا نجد أقدم كتب التفسير الفقهي كتاب (أحكام القرآن) لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص ((305 – 370هـ)، ويعد من أفضل وأسبق ما كتب في أحكام القرآن، ويقع في ثلاثة مجلدات، وهو رازي منسوب إلى الري، وهي جزء من مدينة طهران في إيران المعاصرة([22]).
ومن التفاسير الكبرى التي ألفها إيرانيون، وكانت مصادر كبرى للتفسير في جميع العالم الإسلامي، ولفترات طويلة تفسير (غرائب القرآن ورغائب الفرقان)، المعروف بتفسير النيسابوري الذي ألفه العلامة نظام الدين حسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري، إمام المفسرين في عصره، وهو ينتسب إلى عاصمتين من عواصم الحضارة في إيران نيسابور، ومدينة قم.
ومنها تفسير ابن أبي حاتم الرازي (240 – 327 هـ)، وهو من أقدم التفاسير بالمأثور، وعليه وعلى تفسير الطبري يعتمد هذا النوع من التفسير، وهو كما تدل عليه نسبته من مدينة الري، الموجودة حاليا في طهران.
ومؤلفه هو أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن أبي حاتم الحنظلي([23]) الرازي([24]) (240 – 327 هـ)، وهو من كبار حفاظ الحديث، رحل في طلب الحديث إلى البلاد مع أبيه وبعده، وأدرك الأسانيد العالية،كان إماما في معرفة الرجال. قال أبو الوليد الباجي: ابن أبي حاتم ثقة حافظ.
ومن مؤلفاته: (الجرح والتعديل)، والتفسير، في عدة مجلدات، كما صنف في الفقه واختلاف الصحابة والتابعين.
بالإضافة إلى هذه الكتب السنية، والتي كان لها السبق على غيرها في هذا المجال، نجد كبار كتب التفسير الشيعية تخرج من المدن الإيرانية، بل من نفس المدن التي صدرت منها تلك الكتب السنية، وهو دليل على الأخوة التي كانت تربط بين جميع سكان إيران سنتهم وشيعتهم.
ومن الأمثلة على ذلك أشهر كتاب شيعي في التفسير، تفسير (مجمع البيان لعلوم القرآن)، لأبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسى المشهدى، العالِم، المفسِّر، الفقيه، المحدِّث.
وميزته أنه من التفاسير التي تجد رواجا وقبولا عند كل من الشيعة والسنة، بل اعتبره الفريقان من أقدم المصادر التفسير ية، وقد اعتمد فيه منهجية علمية مميزة، حيث يعتمد على اللغة، ثم الإعراب، ثم الحجة، ثم القراءة، ثم المعنى، ولا يقتصر على آراء مذهب دون آخر، بل يذكر آراء جميع المذاهب الإسلامية، ولذلك صار هذا التفسير مميزاً عن سائر التفاسير، ومعترفاً به من قبل الأمة الإسلامية قاطبة.
وقد نقل الذهبي في (التفسير والمفسرون) عن بعضهم قولهم عنه: (إن عمدة المفسِّرين، أمين الدين، ثقة الإسلام، أبو علىّ الفاضل بن الحسن بن الفضل الطبرسى، كان من نحارير علماء التفسير، وتفسيره الكبير الموسوم بمجمع البيان، بيان كاف ودليل واف لجامعيته لفنون الفضل والكمال، ثم لما وصل إليه بعد هذا التأليف كتاب الكشاف واستحسن طريقته، ألَّف تفسيراً آخر مختصراً، شاملاً لفوائد تفسيره الأول ولطائف الكشاف، وسماه الجوامع، وله تفسير ثالث أيضاً أخصر من الأولين، وتصانيف أخرى فى الفقه والكلام)([25])
وقد أشاد بهذا التفسير جميع رواد التقريب بن المذاهب الإسلامية، ومن بينهم الشيخ محمود شلتوت شيخ جامع الأزهر الذي قال في مقدمته لإحدى طبعاته: (إنّ تفسير مجمع البيان بما فيه من مزايا يفضل على جميع تفاسير القرآن المؤلفة من قبل علماء الإسلام على اختلاف مسالكهم ومذاهبهم طوال مئآت السنين)([26])
وقال عنه الشيخ عبد المجيد سليم، شيخ الجامع الأزهر آنذاك ووكيل جماعة التقريب: (هو كتاب جليل الشأن غزير العلم كثير الفوائد وحسن الترتيب، لا أحسبني مبالغاً إذا قلت إنه في مقدمة كتب التفسير التي تعد مراجع لعلومه وبحوثه، وجدت صاحبه عميق التفكر عظيم التدبر، متمكنا من علمه، قويا في أسلوبه وتعبيره، شديد الحرص على أن يجلى للنّاس كثيرا من المسائل التي يفيدهم علمها)
ومن التفاسير الشيعية المؤلفة في إيران (تفسير الصافى) لمؤلفه ملا محسن الفيض الكاشاني، ومؤلفه من (كاشان) المدينة الإيرانية المعروفة([27])، وتفسيره من التفاسير الروائية (أي: تفسير الآيات بناء على ما ورد في الروايات)، وهو تفسير مختصر وشامل، وكان موضع اهتمام المفسرين الذين جاؤوا بعده، فقد كان السيد محمد الحسين الطباطبائي يستشهد كثيرا بأقوال مؤلفه في تفسيره الميزان، وكان محمد هادي معرفة يقول عنه: (وهذا التفسير – على جملته – من نفائس التفاسير الجامعة لجُلّ المرويات عن أئمة أهل البيت إن تفسيراً أو تأويلاً. وإن كان فيه بعض الخلط بين الغثّ والسمين)([28])، ويقول عنه محمد علي أيازي: هذا التفسير – بالنسبة إلى التفاسير الأخرى – تفسير مختصر للقرآن الكريم، وكان في السابق موضع اهتمام أهل العلم والبحث في الحوزات العلمية حتى تم تدريسه للطلبة في الحوزة.
هذه نماذج عن بعض التفاسير القرآنية القديمة التي ألفت في إيران، ومن علماء إيرانيين، كان لهم السبق في المجالات التي كتبوا فيها..
أما إيران المعاصرة، فقد أولت التفسير القرآني أهمية لا يضاهيها فيها كل ما ألف في العصور السابقة، حيث نجد الكثير من المفسرين الذين ألفوا التفاسير البديعة المتقنة، والتي حاولت أن تتجاوز المذاهب والطوائف الإسلامية.
ولعل من أهم تلك التفاسير ما ألفه العلامتان الكبيران الشيخ جعفر السبحاني، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي:
أما أولهما، فهو العلامة الكبير الشيخ جعفر بن محمد حسين السبحاني الخياباني التبريزي، العالم الإيراني الكبير صاحب التآليف الكثيرة في علم الكلام والتفسير والفلسفة ([29])، والذي لم تمنعه فارسيته من التبحر في اللغة العربية وتذوقها، وقد قال عنه الشيخ محمد تقي التستري في تقريضه لبعض كتبه: (والعجب أنكم رغم نشأتكم في إيران أخذتم بناصية اللغة العربية كأديب مصري أو بغدادي، فأتيتم بتعابير عصرية رائجة)([30])
وقد كان من أبرز تلامذة قائد الثورة الإسلامية الإمام الخميني، حيث حضر درسه الأصولي لسبع سنوات، وقرر أبحاثه الاصولية التي طبعت تحت عنوان (تهذيب الأصول) في ثلاثة أجزاء، سنة 1955م.
وقد كان من أهم المجالات التي أولاها اهتمامه الكبير تفسير القرآن الكريم والدراسات المرتبطة به، وقد عبر عن ذلك في بعض كتبه بقوله: (ثم من فضل الله ومنته على عبده الفقير هو أني عشت مع القرآن الكريم قراءة وتفسيراً، مدة مديدة من عمري، منذ شبابي إلى هرمي، وقد ألفت في تفسير القرآن موسوعتين باللغة العربية والفار سية، كما فسرت عددا كبيرا من سور القرآن الكريم، وأما الآن فإني عازم بما يسنح به العمر على تفسير أجزاء القرآن الكريم)
وكان الشيخ السبحاني رائدا التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، حيث أصدر فيه كتابه الكبير (مفاهيم القرآن)، والذي لا نجد نظيرا له للأسف في سائر المدارس الإسلامية، حيث تناول فيه الكثير من المواضيع والقضايا الأساسية في القرآن الكريم كالتوحيد والصفات الالهية والنبوة والإمامة والمعاد والحكومة الاسلامية وغيرها.
بالإضافة إلى هذا نجد في قائمة مؤلفات الشيخ السبحاني التي تنوف على (250) كتاباً عشرات الكتب العلمية حول القرآن الكريم، ومعالجة موضوعاته المختلفة.
وقد أشار الشيخ حسن الصفار إلى أهمية كتابات الشيخ السبحاني في التفسير عند عرضه لأحد تفاسيره، وهو (منية الطالبين في تفسير القرآن المبين) بقوله: (إن الساحة الفكرية الاسلامية تستقبل الآن مشروعا قرآنيا واعداً، يوفر فرصة رائعة لأبناء هذا الجيل من الأمة، في التعرف على معاني آيات القرآن الكريم، واستشفاف مضامينها، بما يواكب تطورات الحياة المعاصرة، ويستجيب للتحديات الفكرية القائمة، بلغة واضحة، وأسلوب جذاب، بعيدا عن الإسهاب الممل، والاختصار المخل.. وسيجد من يطلع على الأجزاء الصادرة من هذا التفسير المميّز، كيف يوظّف الشيخ السبحاني خبرته وتجربته العلمية في مختلف حقول المعرفة، للغوص في اعماق معاني الآيات الكريمة، من أجل تقديم لآلئ مضامينها ناصعة مشرقة بين يدي القارئ الكريم)
ثم وصف طريقته في التفسير، فقال: (فحينما تستبطن الآية معنى عقدياً، يبرزه ويجلّيه بدقة ووضوح.. وحين تشير الآية إلى حدث تاريخي، يسلط عليه الأضواء بما يخدم هدف الآية من أخذ العبرة والدروس.. وإذا تضمنت الآية حكما تشريعيا، ناقش اختلاف المذاهب والفقهاء في تشخيص ذلك الحكم.. وعندما تعالج الآية بعداً تربوياً أخلاقياً، يتناول مقاصدها في تزكية النفس وتقويم السلوك.. وهكذا يجد القارئ الكريم نفسه امام بحوث علمية مركّزة، وطرح معرفي مكثّف، بلغة عصرية واضحة مشرقة) ([31])
أما الثاني، فهو العلامة الكبير ناصر مكارم الشيرازي، أحد أكبر العلماء المعاصرين، والذي كان من المشاركين الكبار في قيام الثورة الإسلامية في إيران، وقد تعرض للنفي عدة مرات، ويعد اليوم من أبرز القيادات الدينية في إيران.
ومن كتبه في التفسير (تفسير الأمثل)، وقد كتبه في البداية باللغة الفارسية، وصدر في سبعة وعشرين مجلَّدًا ثمَّ ترجم بعدها إلى العربية، وقد استغرق العمل فيه قرابة الخمسة عشر عامًا امتدَّت من 1396هـ ولغاية 1410هـ.
ومن مزايا هذا التفسير كونه وضع بعبارات سلسة، قابلة للفهم من قبل العوام والخواص، لأن الهدف من كتابته كان ـ كما يذكر صاحبه ـ ألا يستعصي فهمه على الناس، حتى يتمكنوا من فهم وتدبُّر معاني القرآن العظيم، ولذلك نراه يبتعد عن التعقيدات في طرح المطالب العلمية والمصطلحات الغامضة.
وقد ذكر في مقدمة التفسير دوافعه لتأليفه، فقال: (واجهنا دومًا أسئلة وردت إلينا من مختلف الفئات -وخاصة الشباب المتعطِّش إلى نبع القرآن- عن التفسير الأفضل. هذه الأسئلة تنطوي ضمنيًا على بحث عن تفسير يبيِّن عظمة القرآن عن تحقيق ولا عن تقليد ويجيب على ما في الساحة من احتياجات وتطلُّعات وآلام وآمال.. تفسير يجدي كلّ الفئات، ويخلو عن المصطلحات العلمية المعقَّدة، وهذا التفسير دوّن على أساس هذين الهدفين)([32])
ومن مزايا هذا التفسير كونه من التفاسير التي راعت التقريب بين المذاهب الإسلامية، حيث نجده يشتمل على تحقيقات مهمة من المدارس الإسلامية المختلفة، فهو يرجع لتفسير مجمع البيان للطبرسي، والجامع لأحكام القرآن، والميزان في تفسير القرآن للطباطبائي، والمنار، وتفسير نور الثقلين للحويزي، والتفسير الكبير للفخر الرازي، وظلال القرآن لسيد قطب، وتفسير المراغي وغيرها من الكتب، ويصيغ عباراتها بلغة سلسلة مبسطة، يمكن فهمها لعوام الناس وخواصهم.
هذه مجرد نماذج عن اهتمام الإيرانيين بتفسير القرآن الكريم وفهمه والتدبر فيه، والتي لم تكتف بالعلماء والأساتذة المتفرغين، وإنما شملت أيضا كبار القادة الذين أنيطت بهم أكبر المهمات إبان الثورة الإسلامية.
ومنهم الإمام الخميني الذي كان له اهتمام كبير بتفسير القرآن الكريم، فقد كان يفسره في مجالسه المختلفة، وقد جمعت تلك المجالس في تفسير خاص، سمي (تفسير القرآن الكريم المستخرج من آثار الإمام الخميني)، وقد نشره قسم الشؤون الدولية في مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني في خمسة مجلدات.
ثالثا ـ الاهتمام بتفعيل القرآن الكريم في الحياة:
من مظاهر الاهتمام التي يوليها الإيرانيون للقرآن الكريم، تلك الدعوات الكثيرة لتفعيله في الحياة، فهو الكتاب الذي يحوي جميع القيم الإيمانية والأخلاقية والحضارية، وهو الكتاب الذي جعله الله حبله الممدود لإنقاذ البشرية وتخليصها من الأهواء والاستبداد وكل أنواع الفتن، كما قال الإمام الصادق: (من لم يعرف الحق من القرآن لم يتنكب الفتن)([33])
وسر ذلك كما عبر عنه هو (أن الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة) ([34])
ولذلك حمل الإيرانيون من سالف الزمان هذا النوع من الاهتمام، وكيف لا يفعلون ذلك، وقد سمعوا صيحات الإمام الرضا فيهم، وهو يخاطبهم من مشهد، واصفا القرآن الكريم بقوله: (هو حبل الله المتين، وعروته الوثقى، وطريقته المثلى، المؤدي إلى الجنة، والمنجي من النار، لا يخلق على الأزمنة، ولا يغث على الألسنة، لأنه لم يجعل لزمان دون زمان، بل جعل دليل البرهان، والحجة على كل إنسان، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)([35])
وسمعوا بعده الإمام الجواد، وهو يحذرهم من نبذ القرآن الكريم، أو تحريف معانيه وقيمه، ويقول لهم: (كل أمة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه، وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية)([36])
وبناء على تلك الدعوات وغيرها، سار الكثير من المجددين ودعاة الإحياء الذين أنجبتهم إيران طيلة تاريخها، والذين كان لهم الأثر البالغ على العالم الإسلامي جميعا.
ولبيان هذا وتأكيده، نحب أن نقتصر هنا على مثالين من المشروع الحضاري الإيراني القديم، ومثالين من المشروع الحضاري الجديد.
أما المثال الأول من المشروع الحضاري الإيراني القديم، فهو أبو حامد الغزالي الذي عاش وتربى في مشهد، تلك المدينة التي تشرفت بالإمام الرضا، وكانت تعاليمه لا تزال تؤثر فيها، والذي لا يشك أحد في كونه حلقة مهمة في تاريخ الإحياء والتجديد الإسلامي.
وقد كان من أهم ما تركزت عليه دعوة الغزالي الإحيائية، العودة إلى القرآن الكريم، وعدم الاكتفاء بقراءته قراءة مجردة عن أي تأثير واقعي، وقد وضع في ذلك كتابه المعروف (جواهر القرآن) الذي بين فيه مناهج تدبر القرآن، والاستفادة من حقائقه في جميع مناحي الحياة، وقد ذكر في مقدمته غرضه من تأليفه، فقال: (إِني أُنَبِّهك على رَقْدَتك، أيُّها المُستَرسِلُ في تِلاوَتِك، المُتَّخِذُ دراسة القرآن عملاً، المُتَلقِّفُ من معانيه ظواهر وجُمَلاً، إلى كم تطوف على ساحل البحر مُغَمَّضاً عينيك عن غرائبها؟ أَوَمَا كان لك أن تركب مَتْنَ لُجَّتِها لِتُبْصِرَ عجائبَها؟ وتسافَر إلى جزائرها لآِجتِنَاء أطَايِبِها؟ وتغوصَ في عمقها فتستغني بِنَيْلِ جواهِرها؟ أوَما تُعَيِّر نفسكَ في الحرمان عن دُرَرِها وجواهرها بإدمان النظر إلى سواحلها وظواهرها؟ أوَما بَلغك أن القرآن هو البحر المحيط؟ ومنه يتشعَّب علمُ الأَوَّلينَ والآخرِينَ كما يتشعب عن سواحل البحر المحيط أنهارُها وجداوِلُها؟ أوَما تَغْبِطُ أقواماً خاضوا في غَمرة أمواجها فظفروا بالكبريت الأحمر؟ وغاصوا في أعماقها فاستخرجوا الياقوتَ الأحمرَ، والدُرَّ الأزهَرَ، والزَّبَرْجَدَ الأخضر؟.. وها أنا أُرشدك قاضِياً حقَّ إخائِك، ومُرتَجياً بَرَكة دعائك إلى كيفية سياحتهم وغَوْصهم وسباحتهم)([37])
ونجد أمثال هذه الدعوة في كل كتبه، وخاصة في (إحياء علوم الدين) الذي دعا فيه إلى العبور إلى حقائق القرآن، وعدم الاكتفاء بظاهر التلاوة، وقد كانت تلك الآداب من أحسن ما كتب في التعامل الإيماني مع القرآن الكريم، ولا يمكن لأحد أن يقرأها، وينفعل لها دون أن يتأثر بذلك، وتتغير قراءته للقرآن الكريم تغيرا جذريا.
ومما له علاقة كبرى بتفعيل القرآن الكريم في الحياة ذلك الأدب الرفيع الذي سماه الغزالي (التخصيص)، ويعني به أن يقدر قارئ القرآن أثناء قراءته أنه المخصوص بكل خطاب فيه، فإن سمع أمرا أو نهيا قدر أنه المنهي والمأمور، وإن سمع وعدا أو وعيدا فمثل ذلك، (وكيف لا يقدر هذا، والقرآن ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة، بل هو شفاء ورحمة ونور للعالمين) ([38])
ونتيجة ذلك ـ كما يرى الغزالي ـ أن لا تتخذ دراسة القرآن عملا، بل يقرؤه كما يقرأ العبد كتاب مولاه الذي كتبه إليه ليتأمله، ويعمل بمقتضاه، وينقل الغزالي في ذلك عن مالك بن دينار قوله: (ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن؟.. إن القرآن ربيع المؤمن، كما أن القرآن ربيع الأرض)([39])
ولا يكون ذلك ـ كما يرى الغزالي ـ إلا بالتعامل الجدي مع القرآن الكريم، واعتبار كل ما فيه حكمة وفائدة في حق كل شخص بعينه، فليست قصصه ـ مثلاـ سمرا غير مقصود، وإنما هي عبر وتثبيت لمن تأملها، ولأجل هذا أمر الله تعالى الكافة بشكر نعمة القرآن الكريم باعتبار نزوله غير مختص به صلى الله عليه وآله وسلم، بل هو متعلق بكل مكلف، فقد قال تعالى: { وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} (البقرة:231)([40])
هذا المثال الأول، ولا يشك أحد في تأثيره في العالم الإسلامي، ولفترات طويلة جدا، بل لا نكون مبالغين إن زعمنا أن تأثيره لا يزال ساريا إلى اليوم، وفي كل المدارس الإسلامية، ذلك أن كتابه (إحياء علوم الدين) قد تناوله الفيض الكاشاني بالتهذيب، ونقله إلى المدرسة الشيعية، لتصبح القيم التي ذكرها فيه مصدرا من مصادر الوحدة الإسلامية.
أما المثال الثاني، فهو باعث النهضة في العصر الحديث، والذي كان له التأثير الفاعل في كل الدعاة والمفكرين الذين جاءوا بعده (جمال الدين الأسد أبادي) والذي اشتهر بلقب بالأفغاني مع كونه كان إيرانيا، ولم يكن أفغانيا، ولكن المصلحة والتقية دعته لأن يلقب بذلك اللقب خوفا على دعوته من أن تغتال إذا علمت السلطات العثمانية خصوصا بأصله([41]).
وقد كان جوهر دعوة جمال الدين ينطلق من العودة إلى القرآن الكريم، وتفعليه في جميع مناحي الحياة، أو كما عبر عن ذلك بقوله: (على العلماء والخطباء والأئمة في جميع زوايا الإسلام أن يتواصلوا ويتحاوروا مع بعضهم البعض، وأن ينشؤوا مراكز لهم في أنحاء الأرض المختلفة، يجتمعوا فيها ليبحثوا قضايا الوحدة ويرشدوا العامة إلى تعاليم القرآن الكريم والحديث الشريف، ويجمعوا الشتات في الأماكن المقدسة، وأيّ مكان أقدس من بيت الله الحرام، ينهلوا من فيوضاته الرحمانية، فيمتلؤوا عزيمة وثباتاً بوجه المعتدين، ويقفوا على احتياجات الناس، وفي هذا العمل نشر للعلوم وحماية للدين وكذلك طردٌ للبدع وتنوير للأذهان، وتنظيم هذه العملية سيحدّد المدارج العلمية ومسؤوليات كل فرد ويسدّ باب البدع، وحتى لو ظهرت البدعة، فإنّ تواصل هذه الشرائح مع بعضها سيتيح وأدها في مهدها لئلا تنتشر بين الناس)([42])
وهو يرجع جميع أنواع البلاء والتخلف والفقر والاستعمار التي حصلت للمسلمين إلى ابتعادهم عن القرآن الكريم، ويستدل لذلك بقوله تعالى: {وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ} (هود: 117)، ويستخرج منها أسباب الخلل الذي حصل للأمة الإسلامية، ويتساءل متعجبا: (كيف أتيح للكفار أن يظهروا على المسلمين؟ ما الذي جرى؟ كيف وصلت الحضارة الإسلامية إلى ما وصلت إليه من الضعف والانحلال والوهن بعد عصر طويل من الازدهار والغلبة؟ كيف أضاع المسلمون جميع تلك الإمكانات والنعم؟)
ثم يطرح الحل من خلال القرآن الكريم نفسه، ومن خلال قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: 11))([43])
فهذه الآية الكريمة ـ كما يذكر جمال الدين ـ هي التي تصف للأمة طريق الخروج من أزماتها، وهي نفس الآية التي استند إليها كل المصلحين الذين جاءوا بعده، وقد قال معبرا عن معناها: (إنّ الحكيم المبدع لهذا الكون قد وضع للأشياء عللاً وأسباباً، ومن ثمّ لكل حادث علله ونتائجه الخاصة به، والآيات القرآنية بدورها تصرّح بهذه الحقيقة، وهي أنّ نظام الكون تحكمه قوانين دقيقة وثابتة اصطلح عليها بالسنن الإلهية، وأنّ التزامها والتقيّد بها يعني السير في طريق الخير والفلاح، والحيد عنها يوجب الضلال والخسران)([44])
وقد ذكر جمال الدين إدراك المستعمر لهذه الحقائق، ولهذا كان يحارب كل من يدعو إلى العودة إلى القرآن الكريم، ويقول في ذلك: (حَسْبُ رجل الدين أن يقول: إنّه مؤمن بالقرآن وآياته؛ لينفيه الاستعمار إلى جزيرة اندومان)([45])
هذه بعض النماذج عن طروحات جمال الدين الأسد آبادي، والتي يمكن لمن شاء أن يرجع إليها، ويتأكد منها ليتبين له أنها كلها تنطلق من القرآن الكريم، وأنها فوق ذلك كانت الأسس الكبرى التي قام عليها الإصلاح والتجديد في العصر الحديث.
أما المشروع الحضاري الجديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فيمكننا اعتباره قائما على القرآن الكريم باتفاق جميع قادته ومفكريه وزعمائه السياسيين وغير السياسيين، فكلهم دعوا إلى تفعيل القرآن الكريم في جميع مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، واعتباره الدستور الأعلى الذي يقوم عليه النظام الإسلامي في جميع جوانبه.
وأول من دعا إلى هذا، ونشره، واهتم بالدعوة إليه قائد المشروع الحضاري الجديد في إيران الإمام الخميني، والذي لم يكن يدع مناسبة شعبية أو خاصة إلا ودعا فيها إلى تفعيل القرآن الكريم في جميع مظاهر الحياة، باعتباره الوصية الكبرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن الأمثلة على ذلك قوله تعليقا على حديث الثقلين ([46])، وتفريط الأمة في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فهذا الحديث حجة بالغة على البشرية جمعاء، ولا سيما المسلمين بمختلف مذاهبهم، فهم مسؤولون جميعاً عن ذلك بعد أن تمّت الحجة عليهم، وإن كان هناك من عذر للعامة بسبب جهلهم وعدم اطلاعهم، فلا عذر لعلماء المذاهب.. ولنر الآن ما جرى على القرآن هذه الوديعة الإلهية، وتركة رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم لقد شرعت نوائب مفجعة حرية أن يُبكى منها دماً.. فقد استغل عباد الأنا والطواغيت القرآن الكريم، واتخذوه وسيلة للحكومات المعادية للقرآن، وأبعدوا مفسري القرآن الحقيقيين والعارفين بالحقائق الحقة ممن تعلموا القرآن كله من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أبعدوهم بذرائع شتى)
ثم ذكر بعض مظاهر ذلك الإبعاد، فقال: (لقد أخرجوا القرآن الذي كان وما يزال الدستور الأعظم لحياة البشر وشؤونهم المادية والمعنوية حتى يرِدوا الحوض من الميدان، وأبطلوا حكومة العدل الإلهي، وهي أحد أهداف هذا الكتاب المقدس، وأسسوا أسس الانحراف عن دين الله وكتابه والسنّة الإلهية، فبلغ الأمر حداً يخجل القلم عن تبيانه، وكلما ارتفع هذا البنيان المنحرف ازداد الانحراف، فقد عطلوا القرآن الكريم إلى حد بدا، وكأنه لا دور له في الهداية، وهو الكتاب الذي تنزل هدى للعالمين، ومحوراً لجميع المسلمين كافة، بل وعموم الأسرة البشرية، والسمو بها إلى ما يجب أن تسمو إليه، وإنقاذها من شرور الشياطين والطغاة) ([47])
ثم ذكر متألما الأدوار السلبية التي قام بها علماء السوء من أجل إرضاء السلاطين، فقال: (وبلغ الانحراف درجة أن الحكومات الجائرة والخبثاء من فقهاء البلاط، وهم أسوأ من الطغاة اتخذوا القرآن وسيلة للظلم وترويج الفساد وتسويغ أعمال الظلمة والمعاندين لإرادة الحق تعالى)
وذكر من مظاهر الإفساد التي استغل القرآن الكريم لترويجها من طرف علماء السوء، فقال: (وواأسفاه أن القرآن، وهو كتاب الهداية لم يعد له من دور سوى في المقابر والمآتم، بسبب الأعداء والمتآمرين والجهلة من الأصدقاء، كان الحال كذلك وما زال، فأصبح الكتاب الذي ينبغي أن يكون وسيلة لتوحيد المسلمين والعالمين، ودستوراً لحياتهم أصبح وسيلة للتفرقة وإثارة الخلاف، أو عُطّل دوره كليّاً، وقد رأينا كيف يُعتبر مرتكباً لكبرى الكبائر من ينادي بالحكومة الإسلامية ويتحدث بالسياسة. في حين أن سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، والقرآن والسنة ملأى بالنصوص المعنية بدور الإسلام الكبير في الشؤون السياسية، وأصبح وصف عالم الدين بالسياسي مرادفاً لوصفه بعدم الدين وما زال هذا الوصف موجوداً. وأخيراً آل الحال إلى أن تعمد القوى الشيطانية الكبرى ابتغاء محو القرآن وحفظ مطامعها الشيطانية إلى طبع القرآن بخط جميل، وتوزيعه على نطاق واسع، وتنفذ ذلك بأيدي الحكومات المنحرفة التي تتظاهر بالإسلام زيفاً، وهي بعيدة عن تعاليمه، وبهذا المكر الشيطاني تعطّل القرآن)([48])
وهو لا يكتفي بذلك الأسف والحسرة، وإنما يضع المنهج الذي من خلاله يفعّل القرآن الكريم في الحياة جميعا، ابتداء بالإنسان نفسه، فالحضارة لا يمكن أن تقوم بمعزل الإنسان.
ولأجل هذا، نراه يعيد بطريقة معاصرة ما ذكره الغزالي من ضرورة تطهير النفس وتربيتها وتهذيبها حتى ترتقي لفهم الحقائق القرآنية، وتنفعل لها؛ فيقول: (لو لم تكن التزكية لما أمكن تعليم كتاب الحكمة، يجب تزكية النفوس وتطهيرها من جميع الأدران، وأعظم الأدران هي النفس الإنسانية والأهواء النفسية، فما دام الإنسان في حجاب نفسه، فإنه لا يستطيع أن يدرك القرآن الذي هو نور، كما يعبر القرآن عن نفسه، فالذين يقفون خلف حجب عديدة لا يمكنهم أن يدركوا النور، ويظنون أنهم يستطيعون دركه، لكنهم لا يقدرون على ذلك. ما دام الإنسان لم يخرج من حجاب نفسه المظلم جداً، وطالما أنه مبتلى بالأهواء النفسية، وطالما أنه مبتلى بالعجب، طالما أنه مبتلى بالأمور التي أوجدها في باطن نفسه، وتلك الظلمات التي بعضها فوق بعض، فإنّه لا يكون مؤهلاً لانعكاس هذا النور الإلهي في قلبه)([49])
والوصفة المناسبة ـ كما يذكر الخميني ـ لكل (الذين يريدون فهم القرآن ومحتواه، لا صورته النازلة المحدودة، بل يفهموا محتواه ويزدادون سمواً ورقياً كلما قرأوه، ويقتربون من مصدر النور والمبدأ الأعلى كلما قرأوه، فإن هذا لا يتحقق إلاَّ أن تزول الحجب.. لذا يجب رفع هذه الحجب حتى تتمكن من رؤية هذا النور كما هو، وكما يليق بالإنسان أن يدركه، فأحد الأهداف هو تعليم الكتاب بعد التزكية، وتعليم الحكمة بعد التزكية) ([50])
ولذلك اهتم الإمام الخميني في كتبه جميعا بالدعوة إلى تزكية النفس، وتطهيرها لتسمو لفهم الحقائق القرآنية، وتنفعل لها، وقد كانت تلك الدعوات هي السبب في توفير القابلية للكثير من الشعب الإيراني الذي سار خلفه، واستطاع أن يتحمل جميع أنواع الحروب التي حورب بها، ولولا ذلك الإيمان، وتلك التزكية لما استطاع أن يتحمل ذلك.
والمثال الثاني في المشروع الجديد هو قائد الثورة الإسلامية الحالي، والذي استمر على نفس نهج أستاذه الإمام الخميني في الدعوة لتفعيل القرآن الكريم في جميع مناحي الحياة، فلا يكاد يخلو مجلس من مجالسه إلا ويذكر بذلك، وقد جمع له في هذا كتاب كبير الحجم بعنوان: (الفكر الإسلامي على ضوء القرآن الكريم)
ومن تصريحاته فيه قوله ـ متأسفا ـ:(صحيح أننا نجد القرآن ومنذ الخطوات الأولى التي تلت تحوّل الخلافة الإسلامية إلى السلطنة الطاغوتية، وقد تحوّل في الواقع إلى زائدة كمالية، وخرج بشكل رسمي وإن لم يكن ذلك بشكل اسمي عن المجال الحياتي للمسلمين، إلاّ أن ما حدث في جاهلية القرن العشرين من خلال عمل الأجهزة السياسية والاعلامية المعقدة، يعدُّ أخطر من ذلك بمراتب، وأكثر بعثاً على القلق بلا ريب)([51])
وذكر أن السبب الأكبر فيما حصل للمسلمين وعزل الإسلام عن حياتهم هو هجر القرآن الكريم، فقال: (ولكي يُعزل الإسلام عن الحياة، فإنّ أكبر وسيلة وأكثرها أثراً هي إخراج القرآن عن المجال الذهني والقلبي والعملي للأُمة الإسلامية، وهذا بالتأكيد ما عمل له المتسلطون الأجانب والعملاء الداخليون لهم، سالكين هذه السبيل عبر الاستعانة بشتى الأنماط والوسائل)([52])
وللاستدلال على هذا، ذكر أن القرآن الكريم استطاع أن يحدث تغييرا كبيرا في الذين طبقوه في حياتهم، ولم يكتفوا بقراءته قراءة مجردة، وقد قال معبرا عن هذا: (إنّ القرآن هو الكتاب المقدس، والنور، والهدى، والفرقان بين الحق والباطل، والحياة، والميزان والشفاء، والذكر، لا تتم له هذه الخصال بشكلٍ عملي إلاّ إذا تمّ قبل كل شيء استيعابه فهماً، وتطبيقه عملاً.. لقد كان القرآن في عصر الحكم الاسلامي في الصدر الأول، هو القول الفصل والكلمة الأخيرة، وحتى كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يجب أن يعرض عليه، وكان حَمَلَة القرآن، يتمتعون بمكانة مرموقة في المجتمع بعد أن كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أعطى الأمة التعليم القائل: (أشراف أُمتي، أصحاب اللّيل وحَمَلَة القرآن)، لقد كان استيعاب القرآن علماً وعملاً، يشكل قيمة واقعية. فللعثور على حلٍّ لكل مشكلة حياتية يجب الرجوع إلى القرآن، ولقد كان القرآن ملاك قبول أيّ حديث، أو أسلوب، أو مدّعى، ومعياره، كان عليهم أن يعرفوا الحق والباطل من وجهة نظر القرآن ليشخصوا نماذجهما ومصاديقهما في ميدان الحياة) ([53])
ثم ذكر ما آل إليه الأمر بعد ذلك، فقال: (ومنذ فقدت القوى الحاكمة على المجتمعات المسلمة القيم الإسلامية، واغتربت عنها، ورأت في القرآن وهو الناطق بالحق وفرقان الحق والباطل عقبة في سبيلها، بدأ السعي الحثيث لإبعاد كلام الله عن ميدان الحياة، ووُجد عقيب ذلك الفصل بين الدين والحياة الإجتماعية، والتفريق بين الدنيا والآخرة، والتقابل بين المتدينين الواقعيين وأهل الدنيا المقتدرين، وأُبعد الاسلام عن مركز إدارة مجالات الحياة الاجتماعية للمجتمعات المسلمة، ليقتصر على المساجد والمعابد والبيوت وزوايا القلوب، وهكذا وُجد الفصل بين الدين والحياة بكل ما عاد به من خسارة وعلى المدى الطويل) ([54])
وهو عند تعديده لأسباب ما حصل للمسلمين من هجر للقرآن الكريم، وعدم تطبيقه في جميع مناحي الحياة لا يذكر الأسباب الداخلية فقط، بل يذكر أن للأسباب الخارجية دورها الكبير أيضا، يقول في ذلك: (ومن الطبيعي أن القرآن قبل أن يتمّ الهجوم الواسع للمتسلّطين الغربيين الصليبيّين والصهاينة وإن لم يكن موجوداً في المجال الحياتي بالمعنى الحقيقي إلاّ أنه كان يحتل مكانة في أذهان المسلمين وقلوبهم على تفاوت بينهم في ذلك غير أن الهجوم الصليبي الصهيوني في القرن التاسع عشر لم يستطع أن يتحمّل حتى هذا القدر أيضاً، إنهم لا يستطيعون أن يتحمّلوا وجود القرآن الذي يصدر بكل وضوح أمر: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ } (الأنفال: 60) ويصدح بقول: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (النساء: 141)، القرآن الذي يريد للمؤمنين أن يكونوا إخوة فيما بينهم، أشداء غضاباً على أعدائهم، مثل هذا القرآن لا يمكن أن يتحمّله المتسلطون الساعون للسيطرة على أزمّة أُمور المسلمين، ونهب كل شيء لديهم) ([55])
ثم ذكر بأسف كيف استطاعت تلك المؤامرات الغربية والصهيونية إبعاد المسلمين عن القرآن الكريم، بل حذفه تماما من حياتهم، فيقول: (إنّ هؤلاء المتسلطين أدركوا بكل وضوح أن القرآن رغم هذا الحضور غير الكامل في حياة الأمة، لن يسمح لتسلُّطهم ونفوذهم أن يسلكا سبيلهما المنشودين، لذا فقد وضعوا خطة حذف القرآن بشكل كامل، وطبيعي أن لا تمتلك ولن تمتلك هذه الخطة تطبيقاً عملياً، ذلك أن اللَّه تعالى قد وعد الأُمة الإسلامية بحفظ القرآن دائماً على أننا لا نستطيع أن نغض النظر عن نتائج ذلك السعي الواسع الأبعاد الذي تمّ من قبلهم بهذا الصدد)
ثم خاطب جميع المسلمين متسائلا: (ألقوا اليوم نظرة على ميدان حياة المسلمين، فأين تجدون القرآن؟ هل تجدونه في أجهزة الحكومات؟ أو في النظم الإقتصادية؟ أو في تنظيم العلاقات والمناسبات بين الناس بعضهم مع البعض الآخر؟ أو في المدارس والجامعات؟ أو في السياسة الخارجية والعلاقات بين الدول؟ أو في تقسيم الثروات الوطنية بين فئات الشعب؟ أو في أخلاقية المسؤولين في المجتمعات الإسلامية وكل فئات الشعوب التي تتأثّر بهم قليلاً أو كثيراً؟ أو في السلوك الفردي للحكام المسلمين؟ أو في العلاقات بين الرجل والمرأة؟ أو في الأرصدة المصرفية؟ أو في أنماط المعاشرة؟ أو في أي مكان من الحركة العامة والإجتماعية للناس؟ ولنستثنِ من كل هذه الميادين الحياتية المساجد والماذن وأحياناً بعد البرامج التي لا تُعد شيئاً من الإذاعات رياءً وخداعاً لعامة الناس. ولكن هل جاء القرآن لهذا فقط؟)
ثم راح يردد ما ذكره جمال الدين الأسد آبادي بقوله: (لقد كان السيد جمال قبل مئة سنة يَبكي ويُبكي لهذا الأمر، حيث عاد القرآن يقتصر على الإهداء والتزيين والتلاوة في المقابر والوضع على الرفوف.. ولكن ماذا حدث في المئة سنة هذه؟ ترى ألا يبعث وضع القرآن لدى الأُمة الإسلامية على القلق؟)([56])
ثم أجاب مبينا حقيقة دور القرآن الكريم، فيقول: (إنّ الحديث كلّه يتركز على أن القرآن، كتاب حياة الإنسان، إنسان اللانهاية، الإنسان المتكامل، الإنسان ذي الأبعاد، الإنسان الذي لا حدّ لتكامله، إنّ هذا الهادي والمعلم للإنسان قادر على أن يرعاه في كل العصور، وأن نظام الحياة اللائق بالانسان، إنما يتعلّمه الإنسان من القرآن لا غير، وأن الأساليب التي يجب أن يتبعها ليرفع عن كاهله أنواع الظلم، والتفرقة والفساد، والجهل، والطغيان، والانحراف، والدناءة، والخيانة التي ابتلي بها خلال تاريخه الطويل فكانت عقبة في سبيل رشده وتعاليه، كل هذه الأساليب إنّما يمكن أن تكون عملية في ظل الهداية القرآنية والمخطط الذي طرحه الكتاب السماوي للحياة الإنسانية) ([57])
ثم ذكر مرغبا الفوائد التي يجنيها المؤمنون إن هم عادوا إلى كتاب ربهم، وطبقوه في جميع نواحي حياتهم قائلا: (إنّ العودة الى القرآن، هي عودة إلى الحياة التي تليق بالإنسان، وهي المهمة الملقاة على عاتق المؤمنين بالقرآن، وفي طليعتهم العارفون به، والعلماء والمبلغون الدينيُّون.. وإنّ العودة الى القرآن، شعار لو يطرح بشكل حقيقي وجدّي، لاستطاع أن يقدِّم الفارق بين الحق والباطل، كما يجب أن لا تتحمّل الشعوب الإسلامية وجود تلك القوى التي لا تريد أن تقبل مسألة العودة الى القرآن) ([58])
لكنه ومع كل ذلك الألم الذي اعتراه حين صور واقع هجر المسلمين للقرآن الكريم، وما فعله الأعداء في سبيل تحقيق ذلك، لم ينس أن ينشر الأمل في المسلمين عبر ذكر بعض مظاهر التجربة التي مارستها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سبيل إعادة تفعيل القرآن الكريم في الجياة بجميع جوانبها، فقال: (إننا بعد أن ابتلينا كذلك بالبعد عن القرآن، وأُصبنا بآثار التآمر ضد القرآن من قبل الأعداء العالميين، قد ذقنا طعم العودة الى القرآن، وإن انتصار الثورة الإسلامية العظيمة في إيران، وإقامة نظام الجمهورية الإسلامية، ليعدّان من الآثار المباركة الكبرى لهذه العودة.. إنّ هذا الشعب ليشاهد اليوم في أُفق حياته، وفي علاقاته الإجتماعية، وفي شكل حكومته ومحتواها، وفي مناقبية قادته، وفي سياسته الخارجية، وفي نظام التعليم والتربية لديه، يشاهد في كل ذلك لمعات من التعليم القرآني… إنّ الذي هبَّ علينا لحد الان إنما هو نسيم في جنة القرآن.. إلاّ أن الطريق أمام السعي والحركة، ما زال مفتوحاً للوصول إلى بحبوحة هذه الجنَّة الواقعية) ([59])
وبذلك، فإن المستقبل الذي يرسمه السيد علي الخامنيئ للجمهورية الإسلامية الإيرانية هو المزيد من التحقق بالقرآن الكريم في الواقع، حتى تتنزل البركات التي وعد الله بها من يقيم كتبه، ويحفظ عهده ووصاياه.
هذا مجرد نموذج عن بعض كلماته التي يخاطب بها الأمة، ويدعوها فيها إلى العودة إلى القرآن الكريم، ومن تأمل توجيهاته في هذا المجال، وخصوصا في المجالس القرآنية أو غيرها يجد الكثير من الدرر والحكمة التي تبين مدى تعظيم الإيرانيين للقرآن الكريم.
ففي حفل اختتام الدورة الثامنة والعشرين من مسابقات القرآن الكريم ألقى السيد علي الخامنئي خطابا راقيا ممتلئا بالتوجيهات السامية قال فيه: (أنا سعيد جداً لأن الله تعالى وفقنا، وله الحمد لأن نبقى أحياء ونشهد مرة أخرى هذه الجلسة القرآنية الطيبة المحببة. استفدنا من التلاوات التي قدمها الإخوة الأعزاء. نسأل الله أن يحشر جميع هؤلاء الأعزاء ويحشركم جميعاً ويحشرنا جميعاً مع القرآن في الدنيا والآخرة، وأن نعيش بالقرآن، ونتنفس بالقرآن، ويكون القرآن شفيعنا في الآخرة وفي يوم القيامة ولا يشتكينا إلى الله.. هذا هو أملنا)
ثم ذكر دور القرآن الكريم في الوحدة الإسلامية، فقال: (ما يمثل أمام أنظار المرء في هذه المسابقات العالمية هو أن القرآن عامل اجتماع ووحدة، لدينا نحن المسلمين عوامل اتحاد عديدة أحدها وربما أهمها القرآن الكريم. جميع المسلمين وكل الشعوب المسلمة خاضعة أمام القرآن الكريم، وتستلهم الدروس منه، وتروم الاقتراب منه، هذه فرصة على جانب كبير من الأهمية، لقد حاول أعداء الإسلام وأعداء القرآن الكريم إبعاد الشعوب المسلمة عن بعضها وفصلها، بل وجعلها تتواجه وتتعادى فيما بينها بعض الأحيان. هذا ناجم عن الغفلة عن القرآن. حينما تكون جميع الشعوب المسلمة مؤمنة بهذا الكتاب السماوي وهذه الرسالة السماوية وهذه الهدية الإلهية العظيمة فما سيكون أفضل منها وسيلة للاجتماع والاتحاد؟ لنجلس جميعنا على هذه المائدة المعنوية ونتزوّد منها فهذا من أسباب العزة والقدرة الإسلامية والإلهية)
ثم ذكر سبب ذلك، فقال: (لدينا غفلتان: إحداهما الغفلة عن أن القرآن الكريم وسيلة لاجتماع المسلمين، والثانية الغفلة عن الاعتقاد بالمفاهيم القرآنية والاعتراف بما وعدنا الله تعالى به في القرآن الكريم. يجب أن نؤمن بالوعود الإلهية. إذا آمنا بالوعود الإلهية فسينفتح الطريق أمام الأمة الإسلامية نحو العزة والوحدة والاقتدار وتتخلص من التخلف)
ثم راح يستعرض ما قرئ من آيات قرآنية في ذلك المجلس، ويعقب عليه، ومن أمثلة ذلك قوله: (الآيات التي تلاها الآن هذا الأستاذ المصري المحترم:{إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ}. إذا نصركم الله فلن تستطيع أية قدرة الانتصار عليكم. {وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ}. إذا لم ينصركم الله ولم يمدد لكم يد العون فمن سيعينكم؟ إنه سطر مشرق متألق. لتكتب الشعوب هذا السطر وترفعه راية تضعها أمام أنظارها وفوق رؤوسها. {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ}. إذا نصركم الله فلن تقدر أية قوة على أن تتغلب عليكم. فما نفعل حتى ينصرنا الله؟ هذه مسألة. ماذا يجب أن نفعل حتى تشملنا النصرة الإلهية؟ هذا أيضاً يذكره لنا القرآن الكريم: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ})
وفي مجلس آخر من جلسات الأنس بالقرآن الكريم، قال: (لقد كانت جلستنا اليوم في غاية العذوبة، جلسة حلوة ومنشودة. فقد انتهلنا من بركات التلاوات والعروض الفنية القرآنية التي ألقاها رجالنا وشبابنا الأعزاء)
ثم ذكر بعض فوائد تلك الجلسات التي تقام في جميع بلدات وقرى الجمهورية الإسلامية الإيرانية: (إن إحدى المحاسن الكبرى لهذه الجلسات والمسابقات القرآنية، هي الأنس المتبادل بين الإخوة المسلمين من مختلف البلدان مع بعضهم الآخر. فإن السياسات الاستكبارية المختلفة تسعى جاهدة لإثارة الشقاق فيما بيننا والعمل على إقصاء الشعوب المسلمة بعضها عن الآخر، بل وتأليب بعضها ضدّ الآخر. وعلى الشعوب الإسلامية أن تعمل بعكس ذلك تماماً، وأن توطّد الأنس فيما بينها بكل ما أوتيت من قوة وبما أتيح لها من سبيل.. وواحدة من هذه السُبُل، هي إقامة مثل هذه الجلسات. فإن القرآن هو المحور المشترك والنعمة الإلهية الكبرى للمسلمين كافة. وعلى الجميع أن ينتهلوا معاً من بركات هذه المائدة المعنوية الإلهية. وهذه الجلسات والمسابقات القرآنية، توفّر للجميع الفرصة للنهوض بهذا العمل)
ثم دعا كعادته إلى العودة إلى القرآن الكريم والتفاعل مع كل ما يدعو إليه، فقال: (إنّ من البركات الأخرى لهذه الجلسات، تعزيزُ الأنس بالقرآن لدى شبابنا ومختلف أبناء الشعب والشرائح. وهذه حقيقة: أننا بعيدون عن القرآن، والأمة الإسلامية بعيدة عن القرآن، وهناك بونٌ شاسع بين واقع حياتنا والحقائق القرآنية! وما علينا إلا أن نقرّب أنفسنا منه، وإن سعادة الأمة الإسلامية مرهونة بأن تقترب بنفسها من القرآن ومفاهيمه ومعارفه ودروسه)
والمنهج الذي ذكره لتحقيق ذلك هو ـ كما يذكر ـ (تعزيزُ الأنس بالقرآن لدى الشباب وأبناء الشعب نساءً ورجالاً.. فلو تمسّكنا بالقرآن وبهديِهِ، لكان بمقدورنا التغلّب على هذه المؤامرات، ولو واصلنا طريق الجهاد، لكان النصر حليفنا لا محالة. فلا بد من التمسّك بالقرآن، والعالم الإسلامي بحاجة إلى التمسّك بحبل الله، وإرساء دعائمه، وتعزيز ثباته وصموده.. هذا ما يحتاج إليه العالم الإسلامي في الوقت الراهن)
هذه أمثلة قصدنا ذكرها بطولها حتى نرد على تلك الدعاوى التي تصور الإيرانيين بكونهم مجوسا، وكون دعوتهم دعوة مجوسية، وهل يمكن عقلا لمجوسي أن يدعو إلى القرآن الكريم بكل هذا الحماس، وهل هناك أي رئيس أو أي زعيم من أي دولة مسلمة تحدث بمثل هذه الحماسة عن القرآن الكريم وتفعيله في الحياة؟
لا يمكن لعاقل أن يقبل ذلك إلا بشرط واحد، وهو أن يعتبر القرآن الكريم كتابا للمجوس، وليس للمسلمين.. حينها فقط يمكن أن نعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية جمهورية مجوسية، ومشروعها مشروعا مجوسيا..
رابعا ـ الاهتمام برد الشبهات عن القرآن الكريم:
تعرض القرآن الكريم في كل فترة من الفترات التاريخية لهجمات متعددة ارتبطت بحقيقته ومصدره وقيمته وأثره في الحياة.. وقد استدعى كل ذلك وجود العلماء الربانيين الذين يفندون الحجج، وينشرون الإيمان، ويردون على الشبه.
وقد كان من أكابر الذين تولوا هذه الوظيفة في الأمة رجال كثيرون من إيران، أثبتوا بالبراهين الجليلة كون القرآن الكريم هو رسالة الله الخاتمة إلى عباده، ولذلك فإن كل ما ورد فيه حقائق مطلقة لا تحتمل الجدل، ولا المناقشة.. بل هي معصومة عصمة مصدرها ومرسلها والمرسلة إليه.
وبما أن هذه المسألة مرتبطة بنصرة العقيدة الإسلامية، فإننا سنتحدث عنها بتفصيل عند الحديث عن كبار أعلام المناصرين للإسلام وعقائده وشرائعه في الفصول الخاصة بذلك.
ونكتفي هنا بذكر ما أورده الشيخ الشهيد مرتضى مطهّري (1919 – 1979)، والذي يعتبر من كبار القادة الفكريين المؤسسين للجمهورية الإسلامية الإيرانية([60])، فقد تحدث كثيرا في كتبه عن القرآن الكريم بلغة علمية عقلية فلسفية تناسب هذه الأجيال.
ومن ذلك ما كتبه في كتابه (دراسات عقائدية) عند الحديث عن الإعجاز العلميّ والفكريّ للقرآن بقوله: (لو أخذنا بعض الموضوعات التي تطرَّق لها القرآن، كالتوحيد مثلاً، فسنرى أنَّ مقاربة القرآن لها كانت بنحوٍ يفوق بكثيرٍ ما كان سائداً ومألوفاً في العالم برمّته، حتّى ما كان سائداً عند اليونان والرومان، وهذا خيرُ دليلٍ على إعجازه، ولا سيّما أنَّه صدر عن رجلٍ عربيٍّ أُمِّيٍّ.. وهكذا هو الحال في المسائل الأخرى، كالأخلاق، والتربية، والتعاليم، والقوانين، فهي في القرآن الكريم بمستوى يفوق كلّ مستوى كانت أو تكون عليه، حتّى إنَّه يُلحظ أنَّ ما جاء في القرآن حول هذه المواضيع أرقى وأسمى ممّا جاء في الروايات والفقه الإسلامِيّ حولها، وذلك لتواتر القرآن وبقائه محفوظاً من التحريف، بينما تدخلت الأيدي البشرِيَّة في الروايات والفقه.. فكيف تكون مقاربةُ هذه الموضوعات بهذا الرقيّ وهي صادِرةٌ من رجلٍ أُمِّيٍّ؟!.. وقد ذكر القرآن الكريم مسائل عديدة في مجال الطبيعة، كالذي ذكره حول الريح، والمطر، والأرض، والسماء، والحيوانات. ولا يزال العلم يصل بين فترةٍ وأخرى إلى حقائق قد أثبتها القرآن منذ 1400 سنة، ولكنَّها لم تكن مفهومةً آنذاك، وكانت تُعتَبَر من الموارِد المتشابِهات.. وقابلِيّةُ الكشف هذه في القرآن الكريم قد وردت في كلام النبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة، الذين ذكروا أنَّ القرآن معجِزٌ بلفظه ومعناه، وأنَّه جديدٌ على الدوام لا يبلى، وأنَّه لا يختصُّ بزمان دون زمان)([61])
ومن الشبه التي اهتم الإيرانيون، وخاصة في مشروعهم الحضاري الجديد بالرد عليها تلك النزعة التي تحاول أن تجعل من القرآن الكريم كتابا غريبا عن الواقع، وأنه لا يمكن فهمه ولا تطبيقه إلا من طرف المعصومين، أو تجعل منه مجموعة طلسمات، لا يفكها إلا الذين انصرفوا عن الدنيا، وصاروا يتلقون الكشف والإلهام.
ومن أبرز الذين فندوا هذه الشبهة، وأعادوا للقرآن الكريم واقعية فهمه وتطبيقه وتأثيره الإمام الخميني الذي تصدى بشدة للمنهج الباطني، الذي يرى أن القرآن الكريم لا يدركه إلا المكاشفون.. كما تصدى للمدرسة الإخبارية التي تعطل فهم القرآن مباشرة، معتمدة على التفسير بالمأثور عن الأئمة.
ولهذا نراه يصرح كل حين بأن القرآن الكريم كتاب يمكن فهمه لجميع المسلمين كل بحسبه، ومن ذلك قوله: (إن هذا الكتاب وهذه المائدة الممتدة في الشرق والغرب، منذ زمان الوحي حتى القيامة، يستفيد منها الناس جميعا العامي والعالم والفيلسوف والعارف والفقيه.. وإن الإنسان يستفيد منه على قدر استعداده، فثم مسائل يستفيد منها الفلاسفة وحكماء الإسلام، وهناك مسائل يستفيد منها عرفاء الإسلام، ومسائل يستفيد منها الفقهاء، فهذه المائدة عامة للجميع، وكما أن هذه الطوائف تستفيد من القرآن، فإن فيه -أيضا- المسائل السياسية والاجتماعية والثقافية)([62])
وهو يرد على الذين تصوروا الصراع بين الظاهر والباطن، فيقول: (.. وبناء على هذه النظرة، فمن تمسك بالظاهر ووقف على بابه قصر وعطل، وترده الآيات والروايات المتكاثرة الدالة على تحسين التدبر في آيات الله، والتفكر في كتبه وكلماته، ومن سلك طريق الباطن بلا نظر إلى الظاهر ضل وأضل عن الطريق المستقيم، ومن أخذ الظاهر وتمسك به للوصول إلى الحقائق، ونظر إلى المرآة لرؤية جمال المحبوب فقد هدي إلى الصراط المستقيم، وتلا الكتاب حق تلاوته)
وبناء على ذلك ذكر المحاور الكبرى التي يدور حولها القرآن الكريم، وهي لا تختلف كثيرا عن تلك المحاور التي ذكرها الغزالي، وأهمها دعوة القرآن (إلى معرفة الله، وبيان المعارف الإلهية من الشئون الذاتية والأسمائية والصفاتية والأفعالية، وأهمها في هذا المقصد توحيد الذات والأسماء والأفعال، وللتوحيد مدلولات اجتماعية وسياسية وسلوكية جمة ينبغي استكشافها وتفعيلها، ومن يركز على التوحيد كمقصد أقصى لا ينبغي مطلقا تجميد آثاره العملية في المجتمع والسياسة والاقتصاد وبقية مرافق الحياة)
وهكذا يسترسل في ذكر جميع المقاصد القرآنية، ويجمع فيها بين الرؤية العرفانية الذوقية، والمنهج العقلي الكلامي، والاستنباطات الفقهية.. لا يرى أن أي أحد منها يزاحم الآخر أو يرفضه.
وبناء على ذلك قسم التعامل مع القرآن الكريم إلى ثلاث مناطق، اثنتين منهما مقبولة، وهي (منطقة التفسير)، التي يتحرى فيها المفسر الكشف عن مقاصد القرآن وبيانها وشرحها، فهذه هي مهمة التفسير التي يضطلع بها المفسرون.. و(منطقة التفكير والتدبر) واستفادة المعاني والعظات الأخلاقية والتربوية والإيمانية، وكذلك المفاهيم والدروس السياسية والاجتماعية، ووعي السنن، وما شابه ذلك، وهذه منطقة واسعة تشمل لوازم الكلام ومصاديق المفاهيم، ومراتب الحقائق والمعاني، وما قام عليه البرهان العقلي أو العرفاني..
أما المنطقة الثالثة المرفوضة فهي (منطقة التفسير بالرأي الممنوع)، بناء على ما ورد في الروايات من أن (من فسر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ خر (هوى) أبعد من السماء)
ومن الشبه التي اهتم العلماء الإيرانيون منذ العصور الأولى بالرد عليها تلك الشبهة التي يثيرها المغرضون، والتي يذكرون فيها أن الشيعة يقولون بتحريف القرآن، وليس لهم من سند في ذلك سوى ما كتبه بعض الإخباريين ممن أغرموا بالجمع دون التحقيق، وممن لا أثر لهم في جميع المجتمعات الشيعية العربية وغير العربية، والتي يطغى عليها الطابع التحقيقي التأصيلي، لا الطابع الإخباري.
ومن أوائل من رد على هذه الشبهة من قدامى الإيرانيين الشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي (305 هـ – 381 هـ) المعروف بـ (الشيخ الصدوق) صاحب كتاب (من لا يحضره الفقيه)، وهو من الكتب الأربعة الكبرى لدى الشيعة، والذي رد على هذه الشبهة بقوله: (اعتقادنا في القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومن نسب إلينا أنّا نقول أنّه أكثر من ذلك فهو كاذب)([63])
ومنهم الشيخ أبو علي الطبرسي الملقب بأمين الإسلام (توفي 548 هـ)، والذي قال: (.. ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه فإنه لا يليق بالتفسير فأما الزيادة فمجمع على بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة:إن في القرآن تغييراً ونقصاناً … والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى – قدّس الله روحه – واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات)([64])
وهو يشير بوقوع الخلاف إلى ما ورد في الروايات من كتب السنة والشيعة مما يسمى بالمنسوخ تلاوة، والذي لم يقبله إلا الإخباريون من المدرستين، والذين أطلق عليهم الشيخ الطبرسي لقب (الحشوية) أي الذين يهتمون بالجمع دون التحقيق([65]).
ومنهم الشيخ الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (توفي 460 هـ)، والذي قال: (وأما الكلام في زيادة القرآن ونقصه فمما لا يليق به، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها، وأما النقصان فالظاهر من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى وهو الظاهر من الروايات)([66])
ولم يقتصر الرد على هذه الشبهة من الأصوليين الشيعة فقط، بل كان للإخباريين الكبار أيضا سهم في ردها، ومنهم المحدث الكبير الفيض الكاشاني صاحب كتاب (الوافي) الذي يعد من الجوامع الحديثية المتأخرة (توفي 1091 ه) الذي استدل بقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت: 41، 42)، وقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9) على عدم وقوع التحريف، وعلق عليهما بقوله: (عندئذ كيف يتطرق إليه التحريف والتغيير.. مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله، مكذب له فيجب رده والحكم بفساده وتأويله)([67])
ومنهم محمد باقر المجلسي ([68]) (1037 هـ ـ)، والذي يمنعه كونه من المحدثين الكبار، بل من الذين أوردوا روايات التحريف نفسها أن ينص على عدم صحتها، وأن القرآن يستحيل تحريفه، وقد قال معبرا عن ذلك: (فإن قال قائل كيف يصحّ القول بأن الّذي بين الدفتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة ولا نقصان وأنتم تروون عن الأئمة عليهم السلام أنّهم قرأوا (كنتم خير أئمة أخرجت للناس) وكذلك (جعلناكم أئمة وسطا …) وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس؟ قيل له:قد مضى الجواب عن هذا، وهو أنّ الأخبار التي جاءت بتلك أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحتها؛ فلذلك وقفنا فيها، ولم نعدل عمّا في المصحف الظاهر على ما أمرنا به حسب ما بيّناه)([69])
أما المعاصرون، فقد ألفوا الكتب الكثيرة في الرد على هذه الشبهة خاصة بعدما ألف الإخباري النوري (ت1320هـ)، كتابه (فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب) معتمدا على مجموعة من الروايات ضعيفة السند، أو مكذوبة على الأئمة.
ومن تلك الكتب (كشف الارتياب في عدم تحريف كتاب رب الأرباب) للطهراني (ت 1313هـ)، ومنها (حفظ الكتاب الشريف على شبهة القول بالتحريف) للسيد هبة الدين الشهرستاني (ت 1315هـ)، ومنها (الحجة على فصل الخطاب في إبطال القول بتحريف الكتاب) لعبد الرحمن الهيدجي (1372هـ)، ومنها (البرهان على عدم تحريف القرآن) للميرزا البروجردي (1374هـ – 1954م)، ومنها (آلاء الرحمن في الرد على تحريف القرآن) للميرزا عبد الرحيم المدرس الخياباني (1318هـ)، ومنها (بحر الفوائد في شرح الفرائد)، للميرزا الأشتياني (ت 1319هـ)،وغيرها كثير.
وأحب أن أرد هنا على أولئك المغرضين الذين يزعمون أن الشيعة رضوا بكتاب النوري، وأنهم لم يقفوا منه أي موقف، بأن ذلك خطأ، بل خطيئة علمية، فقد ذكر الشيخ جعفر السبحاني ردة الفعل الشديدة التي قامت على الكتاب وصاحبه من الحوزات العلمية، فقال: (وقد تمّ تأليف (فصل الخطاب) على يد مؤَلفه النوري سنة 1292، وطبع سنة 1298، وقد وَجَدَ المحدّث النوري منذ نشر كتابه نفسه في وحشة العزلة وفي ضوضاء من نفرة العلماء والطلبة في حوزة سامراء العلمية آن ذاك. وقد قامت ضدّه نعرات، تتبعها شتائم وسبّات من نبهاء الأُمّة في جميع أرجاء البلاد الشيعيّة، ونهض في وجهه أصحاب الأَقلام من ذوي الحميّة على الإِسلام، ولا يزال في متناوش أهل الإِيمان، يسلقونه بألسنة حداد، على ما جاء في وصف العلّامة السيد هبة الدين الشهرستاني، عن موضع هذا الكتاب ومؤَلفه وناشره، يوم كان طالباً شابّاً في حوزة سامراء)([70])
ثم ذكر ثناء علماء الشيعة على الكتب والرسائل التي ردت على النوري، ومنها رسالة بعثها السيد هبة الدين الشهرستاني تقريظاً على رسالة (البرهان) التي كتبها الميرزا مهدي البروجردي بقم 1373 هـ يقول فيها: (كم أنت شاكر مولاك إذ أولاك بنعمة هذا التأليف المنيف، لعصمة المصحف الشريف عن وصمة التحريف، تلك العقيدة الصحيحة التي آنستُ بها منذ الصغر أيّام مكوثي في سامرّاء، مسقط رأسي، حيث تمركز العلم والدين تحت لواء الامام الشيرازي الكبير، فكنت أراها تموج ثائرة على نزيلها المحدّث النوري، بشأن تأليفه كتاب (فصل الخطاب) فلا ندخل مجلساً في الحوزة العلمية إلّا ونسمع الضجّة والعجّة ضدّ الكتاب ومؤَلّفه وناشره، يسلقونه بالسنة حداد)([71])
ثم يعلق السبحاني على هذا التقريظ بقوله: (و هكذا هبّ أرباب القلم يسارعون في الردّ عليه ونقض كتابه بأقسى كلمات وأعنف تعابير لاذعة، لم يدعوا لبثّ آرائه ونشر عقائده مجالًا ولا قيد شعرةٍ، وممّن كتب في الردّ عليه من معاصريه، الفقيه المحقّق الشيخ محمود بن أبي القاسم الشهير بالمعرّب الطهراني (المتوفّى 1313) في رسالة قيّمة أسماها (كشف الارتياب في عدم تحريف الكتاب) فرغ منها في (17 ج 2 1302) تقرب من أربعة آلاف بيت في 300 صفحة، وفيها من الاستدلالات المتينة والبراهين القاطعة، ما ألجأ الشيخ النوري إلى التراجع عن رأيه بعض الشيء، وتأثّر كثيراً بهذا الكتاب) ([72])
وقال: (كتب في الردّ عليه معاصره العلّامة السيد محمد حسين الشهرستاني (المتوفّى 1315) في رسالة أسماها (حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف)، وقد أحسن الكلام في الدلالة على صيانة القرآن عن التحريف وردّ شبهات المخالف ببيان وافٍ شافٍ، والرسالة في واقعها ردّ على فصل الخطاب، ولكن في أُسلوب ظريف بعيد عن التعسّف والتحمّس المقيت)([73])
أما القادة الفكريين والسياسيين للجمهورية الإسلامية الإيرانية، فقد وقفوا بشدة ضد تلك الشبهات، لأنها تتناقض مع مشروعهم في إعادة تطبيق القرآن الكريم في الحياة.
ومن هؤلاء الإمام الخميني الذي لم يكن يدع مناسبة إلا ويذكر فيها بسلامة القرآن الكريم من التحريف، ومن ذلك قوله: (إن الواقف على عناية المسلمين بجمع القرآن وحفظه وضبطه قراءةً وكتابةً يقف على بطلان تلك المزعومة – التحريف – وما ورد فيها من أخبار – حسبما تمسكوا – إما ضعيف لا يصلح الاستدلال به أو مجعول تلوح عليه أمارات الجعل أو غريب يقضي بالعجب أما الصحيح منها فيرمي إلى مسألة التأويل والتفسير وإن التحريف إنما حصل في ذلك لا في لفظه وعباراته)([74])
وهو يشير بذلك إلى التحريف في معاني القرآن بتأويلها أو صرفها عن معانيها، وهو مما اتفقت عليه الأمة جميعا، بل أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن وقوعه، فعن أبي سعيد الخدري قال:كنا جلوسا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج إلينا قد انقطع شسع نعله، فرمى به إلى علي، فقال:(إن منكم رجلا يقاتل الناس على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله، قال أبو بكر:أنا، قال:لا، قال عمر:أنا، قال:لا، ولكن خاصف النعل)([75])
ومثل ذلك نص أئمة أهل البيت على إمكانية وقوع مثل هذا النوع من التحريف وحذروا منه، كما قال الإمام علي: (إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهّالاً، ويموتون ضلّالاً ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، ولا سلعة أنفق بيعاً ولا أغلى ثمناً من الكتاب، إذا حرِّف عن مواضعه)([76])
وقال الإمام الباقر: (وكان من نبذهم الكتاب: أن أقاموا حروفه، وحرّفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهّال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية)([77])
ولم يكتف الإمام الخميني بالرد المجمل على تلك الشبهة، بل راح يناقش تلك الروايات التي اعتمدها الإخباريون، ويفندها، وقد قسمها إلى ثلاثة أقسام: (الروايات الضعيفة التي لا يمكن الاستفادة منها والأخذ بها أبدا.. والروايات المختلقة التي تظهر عليها علامات الوضع والاختلاق.. والروايات الصحيحة)
وعلق عليها بقوله: (لو تأملنا فيها بدقة فسيتضح أن المقصود منها ليس هو التحريف اللفظي (أي الزيادة والنقصان)، بل هو تحريف تفسيرها وشرحها)
وقد رد بشدة على الميرزا النوري، معتبرا إياه مثل الكثير من المحدثين الذين يهتمون بجمع الروايات دون التحقيق في معانيها وأسانيدها، يقول في ذلك: (إنّه لو كان الأمر كما توّهم صاحب فصل الخطاب (الميرزا النوري)، الذي كان كتبه لا يفيد علماً ولا عملاً، وإنّما هو إيراد روايات ضعاف أعرض عنها الأصحاب، وتنزّه عنها أولو الألباب، من قدماء أصحابنا، كالمحمّدين الثلاثة المتقدّمين (الصدوق والكليني والطوسي (رحمهم الله)، هذا حال كتب روايته غالباً، كالمستدرك، ولا تسأل عن سائر كتبه المشحونة بالقصص والحكايات الغريبة التي غالبها بالهزل أشبه منه بالجدّ، وهو شخص صالح متتبّع، إلا أنّ اشتياقه لجمع الضعاف والغرائب والعجائب وما لا يقبلها العقل السليم والرأي المستقيم، أكثر من الكلام النافع. والعجب من معاصريه من أهل اليقظة كيف ذهلوا وغفلوا، حتى وقع ما وقع ممّا بكت عليه السماوات، وكادت تتدكدك على الأرض؟!)([78])
وقد اعتمد الخميني في رد هذه الشبهة الخطيرة على إجماع المسلمين على سلامة القرآن من التحريف، وقد قال معبرا عن ذلك: (فلو كان الأمر، كما ذكره هذا وأشباهه، من كون الكتاب الإلهي مشحوناً بذِكر أهل البيت عليهم السلام وفضلهم، وذِكْر أمير المؤمنين عليه السلام وإثبات وصايته وإمامته، فلِمَ لَمْ يحتجّ بواحد من تلك الآيات النازلة والبراهين القاطعة من الكتاب الإلهي كلّ من: أمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين، وسلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمار، في صدد إثبات خلافته عليه السلام؟! ولِمَ تشبّث عليه السلام بالأحاديث النبوية، والقرآن بين أظهرهم؟! ولو كان القرآن مشحوناً باسم أمير المؤمنين وأولاده المعصومين وفضائلهم وإثبات خلافتهم، فبأيّ وجه خاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجّة الوداع آخر سنين عمره الشريف، وأخيرة نزول الوحي الإلهي، من تبليغ آية واحدة مربوطة بالتبليغ، حتى ورد أنّ {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}. ولِمَ احتاج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى دواة وقلم حين موته للتصريح باسم علي؟! فهل رأى أنّ لكلامه أثراً فوق أثر الوحي الإلهي؟!)([79])
هذه مجرد نماذج عن مواقف الإيرانيين المتشددة من كل المقولات التي تريد أن تصرف القرآن الكريم عن الواقع إما بحجة عدم فهمه إلا للمعصومين، أو بحجة وقوع التحريف فيه، أو بحجة إثارة الشبه حوله.
والكتب المؤلفة في ذلك كثيرة جدا، لا يمكن
التعريف بها هنا جميعا، ولذلك اكتفينا بما ذكره الإمام الخميني للرد على تلك
الطروحات التي يطرحها من لا يخاف الله، ولا يتورع في مواقفه حين يرمي هذا العملاق
من عمالقة التجديد الإسلامي بكونه يقول بتحريف القرآن، مع كونه قضى حياته جميعا في
الدعوة إليه ورد الشبه عنه، ولكن عين السخط لا تبدي المساوئ فقط، بل تصنعها أيضا.
([1]) أبعاد الحج، الإمام الخميني، سلسلة الفكر والنهج الخميني، ص14.
([2]) أبعاد الحج، الإمام الخميني، سلسلة الفكر والنهج الخميني، ص17.
([3]) إحياء علوم الدين (1/ 281)
([4]) رواه مسلم، والترمذي، والنسائي.
([5]) رواه أبو داود وغيره.
([6]) نهج البلاغة: الكتاب 47.
([7]) نهج البلاغة: الخطبة 133
([8]) تحف العقول: 150
([9]) نهج البلاغة: الخطبة 176، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 10 / 18
([10]) البحار: 78 / 112 / 6
([11]) الكافي: 2 / 602 / 13.
([12]) القرآن في كلام الإمام الخميني، ص17.
([13]) منهجية الثورة الإسلامية – صفحة 79.
([14]) انظر هذه النصوص من كتاب [سيرة حياة آية الله السيد علي الحسيني الخامنئي]، طهران: مركز الدراسات والأبحاث السياسيّة، ص24.
([15]) التفسير والمفسرون (1/ 112).
([16]) آمل هي مدينة في محافظة مازندران في إيران وهي من أكبر مدن المحافظة ويبلغ عدد سكانها 197470 نسمة (عام 2005). ترتفع آمل 76 متراً عن سطح البحر، ويبعد مركز آمل عن شاطيء بحر قزوين 18 كم وعن أقدام سلسلة جبال البرز حوالي 6 كم. كما تبعد آمل حوالي 180 كم شمال شرق مدينة طهران. كما تتمتع آمل بموقع مهم فهي المدخل لعدة مدن في محافظة مازندران. تتبع مدينة آمل العديد من القرى ذات الطبيعة الجميلة كما يمكن رؤية قمة جبل دماوند من مدينة آمل.
([17]) التفسير والمفسرون (1/ 149)
([18]) التفسير والمفسرون (1/ 150).
([19]) وفيات الأعيان 1: 298 وطبقات السبكي 3: 238.
([20]) أو كركان (بالفارسية:گرگان)، وكانت تسمّى قديماً أستراباذ أو أستراباد، وهي إحدى المدن الشهيرة في إيران. وتقع في شمالي إيران حالياً، وكانت جرجان مركز منطقة استرآباد.. وإليها ينتسب الشريف الجرجاني والميرداماد الحسيني الفيلسوف والمير فندرسكي واللغوي النحوي علي الفصيحي وكذلك الأمين الأسترابادي.
([21]) التفسير والمفسرون (1/ 208)
([22]) الري (بالفارسية:شهر ری) هي مدينة تاريخية أضحت اليوم جزءً من الجنوب الشرقي لمدينة طهران في إيران، وإليها ينسب الكثير من الأعلام من أمثال قطب الدين الرازي (694-766هـ) الفيلسوف وعالم المنطق، ونجم الدين الرازي (573-654هـ) الصوفي المعروف، و.
([23]) الحنظلي نسبة إلى درب حنظلة بالري.
([24]) تذكرة الحفاظ 3 / 46؛ وطبقات الحنابلة 2 / 55؛ والأعلام للزركلي 4 / 99
([25]) التفسير والمفسرون (2/ 74).
([26]) الطبرسي، مجمع البيان لعلوم القرآن، المقدمة.
([27]) وهي رابع أهم مدينة إيرانية من حيث وجود الآثار التاريخية فيها بعد أصفهان وشيراز ويزد، فهي عريقة في التاريخ في الفن المعماري الإيراني. كما أن كاشان تُعرف عالمياً بسجّادها الذي تصنعه أنامل نسائها في أغلب بيوتها، فضلاً عن مصانع السجّاد الحديثة الموجودة في هذه المدينة..
([28]) التفسير والمفسرون، ج2، ص336.
([29]) وهو مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها، وهي من المؤسسات الثقافية الإسلامية الكبيرة في قم، وتتبعها مؤسسات ومراكز فرعية أخرى..
([30]) انظر مقالا بعنوان: منية الطالبين في تفسير القرآن المبين عصارة خبرة علمية وثمرة مسيرة حافلة، الشيخ حسن الصفار، مجلة البصائر 9 / 11 / 2015م ..
([31]) انظر مقالا بعنوان: منية الطالبين في تفسير القرآن المبين عصارة خبرة علمية وثمرة مسيرة حافلة، الشيخ حسن الصفار، مجلة البصائر 9 / 11 / 2015م ..
([32]) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج1- ص5..
([33]) المحاسن: 1 / 341 / 702.
([34]) البحار: 92 / 15 / 8
([35]) عيون أخبار الرضا : 2 / 130 / 9
([36]) الكافي: 8 / 53 / 16
([37]) جواهر القرآن (ص: 21)
([38]) إحياء علوم الدين: 1/284.
([39]) إحياء علوم الدين: 1/285.
([40]) إحياء علوم الدين: 1/285.
([41]) قال مرزا لطف الله أسد آبادي ابن اخت جمال الدين المشهور بالأفغاني في كتابه [جمال الدين الأسدابادي، ص34]: (وكان كشف حقيقة جمال الدين أمام السلطان عبد الحميد ضربة قاضية وجَّهها مظفر الدين شاه إلى جمال الدين بوثيقة سلمها علاء الملك سفير إيران في تركيا إلى الحكومة التركية تثبت بالأدلة القاطعة أن جمال الدين إيراني شيعي يختفي في ثياب الأفغاني، ويتّخذ المذهب السني ستاراً يحتمي به).
([42]) الأفغاني، الجمود وانحطاط المسلمين، مقالات العروة الوثقى: 45 ـ 46.
([43]) ]) انظر: الأفغاني، القضاء والقدر: 64 ـ 75، مقالات العروة الوثقی.
([44]) انظر: الأفغاني، أسباب حفظ الملك: 148 ـ 157، العروة الوثقی.
([45]) الأفغاني، العروة الوثقى وجرائد الإنجليز، مقالات العروة الوثقى: 206.
([46]) وهو قوله a: (إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).
([47]) القرآن في كلام الإمام الخميني، ص 14.
([48]) المرجع السابق، ص16.
([49]) منهجية الثورة الإسلامية، ص 90.
([50]) المرجع السابق.
([51]) الفكر الإسلامي على ضوء القرآن الكريم، السيد علي الخامنئي.
([52]) المرجع السابق.
([53]) المرجع السابق.
([54]) المرجع السابق.
([55]) المرجع السابق.
([56]) المرجع السابق.
([57]) المرجع السابق.
([58]) المرجع السابق.
([59]) المرجع السابق.
([60]) هو العضو المؤسس في شورى الثورة الإسلامية في إيران إبان الأيام الأخيرة من سقوط نظام الشاه، ومن المنظرين جمهورية الإسلامية الإيرانية، وهوأحد أبرز تلامذة المفسر والفيلسوف الإسلامي محمد حسين الطباطبائي و روح الله الخميني، بالإضافة إلى ذلك، فهو صاحب المؤلفات التأصيلية والعقائدية والفلسفية الإسلامية، من أهم مميزاته بيان تعاليم الإسلام والتشيع بعبارات سهلة، وواضحة وسهلة، للجيل الصاعد في ذلك الوقت، له مؤلفات كثيرة، في فروع العلوم الإسلامية المختلفة، وقد ترجمت إلى لغات مختلفة، ويعدمطهري من أفراد الثورة الإسلامية في إيران وقادتها المؤثرين.
([61]) دراسات عقائدية، الشهيد مطهري، ص 266.
([62]) انظر مقالا بعنوان: شروط فهم القرآن، الإمام الخميني، موقع هدى القرآن.
([63]) الاعتقادات في دين الامامية ص48 .
([64]) مجمع البيان ج 1 ص 15 ..
([65]) من الأمثلة على ذلك، والتي يتغاضى عنها للأسف من يرمون الشيعة بتحريف القرآن، ما رووه عن عمر بن الخطاب أنه قال ـ وهو يخطب الناس على المنبر ـ ( ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : (أن لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم) رواه البخاري (6830) ومسلم (1691)
ومنها: ( ألا بلغوا عنا قومنا بأنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ) [رواه البخاري (3064)]
ومنها ما رووه من أن سورة طويلة نزلت، ثم نسخت، ولم يبق من آياتها إلا ( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا )، واستدلوا لذلك بأن أبا موسى الأشعري أرسل إلى قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاث مائة رجل قد قرؤوا القرآن، فقال : (أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها، غير أني قد حفظت منها : (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها، غير أني حفظت منها : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ) رواه مسلم (1050) .. وغيرها من الروايات الكثيرة التي لا تختلف عن الروايات التي يوردها أمثالهم من إخباريي الشيعة، مع فارق خطير وهو أن جميع محققي الشيعة يرفضون تلك الروايات، بينما أكثر محققي السنة يقبلونها.
([66]) مقدمة تفسير التبيان ص 3 ..
([67]) عنه مفاهيم القرآن (العدل والإمامة)، الشيخ جعفر السبحاني – ج 10 – ص 441 ..
([68]) ولد في مدينة أصفهان التي كانت آنذاك من المراكز العلمية المعروفة في العالم الإسلامي، وكان والده المولى محمد تقي المجلسي من مفاخر علماء الشيعة، له مؤلفات كثيرة في شتى الـمـجـالات يـنتهي نسبه إلى الحافظ أبي نعيم المتوفى عام 430 هـ صاحب الكتاب المعروف بـ حلية الاولياء في طبقات الاصفياء..
([69]) بحار الأنوار ج92ص75.
([70]) موسوعة طبقات الفقهاء، ج1، ص: 77.
([71]) المرجع السابق، ص87.
([72]) المرجع السابق، ص87.
([73]) المرجع السابق، ص89.
([74]) تهذيب الأصول ج 2 ص 165 تقريرات درس الإمام الخميني.
([75]) رواه النسائي في الخصائص، انظر: تهذيب الخصائص ص 88 ..
([76]) الشريف الرضي، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، الخطبة17، ص54.
([77]) الشيخ الكليني، الكافي، ج8، كتاب الروضة، ح16، ص53.
([78]) انظر مقالا بعنوان: الخميني والتفسير وقضية التحريف، د. حسان عبد الله.
([79]) انظر: الإمام الخميني، أنوار الهداية، ج1، ص244-247.