إيران.. والشريعة الإسلامية

إيران.. والشريعة الإسلامية

من أهم مظاهر التدين الإيراني ذلك الاهتمام بالشريعة الإسلامية سواء على مستوى الالتزام الشخصي والاجتماعي، أو على مستوى الاهتمام العلمي والتربوي والثقافي، فإيران، وخاصة في ثوبها الإسلامي الجديد، لم ترتض شريعة سوى الإسلام، ولم ترتض نظاما سوى ذلك النظام الذي استنطبه الفقهاء من المصادر المقدسة المعصومة.

ولهذا لم تسم نفسها باسم [الجمهورية الفارسية]، كما تسمي الكثير من الدول العربية أسماءها بحسب لغتها وقوميتها، وإنما اختارت أن تتسمى باسم الإسلام، فسمت نفسها [الجمهورية الإسلامية]، لا كمجرد شعار، وإنما كمشروع كبير تسعي كل جهدها لتحقيقه في الواقع.

وتجليات الاهتمام بالشريعة الإسلامية في الواقع الإيراني كثيرة جدا، أهمها ذلك الحرص على التمسك بكل جزئية من جزئيات الدين، سواء على مستوى الشعائر التعبدية، أو على مستوى المعاملات بمختلف أصنافها، أو على مستوى الاهتمام العلمي بحضور دورس العلماء والمراجع والالتزام بتعليماتهم.

وهذا طبعا لا يعني عصمة الإيرانيين، فذلك لم يتحقق في أي عصر من العصور، ولأي دولة من الدول، ولكن يمكن اعتبار إيران الحالية، وبمناهجها التربوية والثقافية، وبمؤسساتها العلمية والإعلامية، تسير نحو تحقيق نسبة عالية من التدين الوسطي الصحيح الذي لم يمتزج بالعنف ولا التشدد، وإنما اكتفى بتلك السماحة النبوية، وامتزج بتلك القيم التي ورثها الإيرانيون عن آل بيت النبوة الذين امتلأوا عشقا لهم.

ومن خلال هذه المعاني نحاول في هذا الفصل أن نثبت مدى تمسك الإيرانيين بالشريعة الإسلامية، وخاصة في ظل نظامها الجديد، والذي اختار فيه الشعب الإيراني عبر انتخابات حرة نزيهة أن يحكمه الولي الفقيه، ذلك الولي المجتهد الذي لا يكتفي باجتهاده فقط، وإنما يستشير الخبراء في جميع المجالات حتى يطبق الفقه الإسلامي في الواقع تطبيقا صحيحا متناسبا مع حاجات العصر وتغيراته.

وبناء على ذلك الاجتهاد الواقعي المبني على المصادر الشرعية استطاع الإيرانيون أن يجدوا الكثير من الحلول الشرعية للكثير من النوازل الواقعية في الاقتصاد والسياسة والإعلام والدفاع والمجتمع والتربية وكل المجالات، وهي اجتهادات جديرة بأن يطلع عليها المقاومون للعلمانية، والدعاة للدولة الإسلامية من أبناء الحركات الإسلامية، ليجدوا فيها من الرؤى التي تفيدهم في تحقيق أهدافهم.

وقد قسمنا هذا الفصل بحسب ما ذكرنا إلى قسمين:

الأول: تناولنا فيه مدى تمسك الإيرانيين بالشريعة الإسلامية، ودوافعهم لذلك، وحاولنا أن نرد فيه بالأدلة القطعية على تلك الهجمات المغرضة التي تصورهم بصورة المجوس والملاحدة الذين لا يعيرون الشريعة الإسلامية أي اهتمام، وتعتبر التشيع سبب ذلك، مع أن التشيع في الواقع هو سبب التزامهم الديني.

الثاني: تناولنا فيه انفتاح إيران على المذاهب الإسلامية جميعا، ذلك الانفتاح الذي تجلى في الثروة الفقهية والأصولية الكبيرة التي أنتجها علماء إيرانيون عبر المراحل التاريخية المختلفة، وكلها لا تزال مصادر معتبرة لدى جميع المذاهب الفقهية، وفي هذا أيضا رد على تلك الهجمات التي تصور إيران بكونها دولة المؤامرة على الإسلام، لا الدولة التي خدمت الإسلام في جميع المجالات، وفي جميع العصور.

أولا ـ تمسك الإيرانيين بالشريعة الإسلامية:

عندما نسلم عقولنا لوسائل الإعلام المغرض، ونسلمها لرجال الدين الطائفيين الذين يخدمون أهداف أعداء الإسلام، نخرج بنتيجة خطيرة جدا هي أن لإيران وللإيرانيين دينا آخر مختلفا تماما عن الإسلام، وأن شرائعهم وشعائرهم مختلفة تماما.

بينما إذا تركنا المغرضين والحاقدين، وعملنا بما أمرنا به ربنا من استعمال العقل والحجة والبرهان، وطبقنا ما أمرنا الله تعالى به من استعمال المنهج العلمي، عندما قال: { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]، وقال مخاطبا اليهود: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93]

إذا فعلنا ذلك، وذهبنا إلى إيران، أو إلى مراجعها الكبار، أو إلى وليها الفقيه، أو إلى تراثها الضخم في الشريعة الإسلامية، أو إلى أبناء شعبها الذي يرتادون المساجد، ويحيون المناسبات الدينية المختلفة، فإننا نجد الأمر مختلفا تماما.

فالإيرانيون يطبقون نفس الشريعة التي نص عليها القرآن الكريم ابتداء من الصلاة التي تقام في مساجدها الكثيرة، وفي كل مدينة أو قرية من قراها، ولا ينسون بعد الصلاة أن يستمعوا أو يقرؤوا من نفس المصاحف التي يقرأ فيها سائر المسلمين، ولا ينسون كذلك أن يؤدوا المعقبات التي يعقب بها سائر المسلمين صلاتهم.. والكثير منهم لا يغفل عن أداء الرواتب المستحبة قبل الصلاة وبعدها كسائر المسلمين.

وأغنياؤهم لا يغفلون عن أداء ما وجب في أموالهم من زكاة أو خمس، بحسب ما ينص عليه فقه أئمتهم، والذي لا يختلف كثيرا عن فقه سائر أئمة المسلمين.

ومن استطاع منهم الحج، فإنه لا يقصر في ذلك، بل إنهم يعدون أنفسهم للحج قبل فترة طويلة جدا، وربما يقيمون مجسمات للحج([1])، حتى تيسر عليهم تطبيق المناسك بنفس الطريقة التي طبقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتي رووها عن أئمتهم، وهي لا تختلف إلا في بعض الفروع البسيطة عن سائر ما نص عليه الفقهاء من سائر المذاهب.

بل إننا نجد فوق ذلك كله أن كل فرد من الإيرانيين ـ مثل سائر الشيعة ـ يتخذ عالما من العلماء إماما في الفتوى، يرجع إليه، ويقلده، حتى لا يختلط عليه دينه، وحتى لا يبحث عن الرخص من خلال تجوله في الكتب أو بين الفقهاء، وهي ميزة لا نجدها للأسف في المدرسة السنية، وهو ما تسبب في ظهور الكثير من الفتاوى الشاذة، بل أتاح الفتوى لكل من هب ودب من غير أن تكون له الآليات التي تسمح له بذلك.

ولهذا نجد الإيرانيين يستفتون عن دينهم في كل المسائل ابتداء من المعاملات المالية، والمحظورات من المأكولات والمشروبات والملبوسات، وسائر أمور الدين، وعند الرجوع إلى أمهات الكتب الفقهية، أو الرسائل العملية نجدها تتفق مع سائر المسلمين في أكثر الأصول، وإن اختلفت معها في بعض الفروع البسيطة.

لكن الأنظار الحاقدة للأسف لا تنظر لكل هذا، وتنظر فقط إلى ما يسمى بزواج المتعة أو الزواج المؤقت، مع كونه ليس سوى فرع بسيط من فروع الشريعة، ويوجد مثله في المدارس السنية، حيث نرى زواج المسيار والزواج العرفي، وزواج فرند، وزواج المحلل، وغيرها من أنواع الزواج التي أجازها الفقهاء من باب الضرورة، والتي لا يطبقها أكثر الناس في حياتهم إلا الشاذ والنادر منهم.

وهكذا الأمر بالنسبة للزواج المؤقت في إيران، حيث لا يكاد يسمع به إلا أصحاب الضرورات، وفي المواضع المحدودة جدا، فالآباء الإيرانيون ـ كسائر الآباء في الدنيا ـ حريصون على أن يزوجوا بناتهم زواجا دائما، ومن الأكفاء، ولا يسمحون أبدا بممارسة ذلك النوع من الزواج، وإن كان الفقهاء ينصون على جوازه للضرورة، حماية للمجتمع من أن ينتشر فيه أبناء الفاحشة.

وللأسف، فإن الذين يرمون إيران، والشيعة بهذا يسمعون في بلادهم بمن يُسمون [الأمهات العازبات]، ويسمعون كذلك بالأبناء غير الشرعيين، ويشكون من كثرتهم، ومن تحمل الدولة لأعباء تكاليفهم، ولو أنهم طبقوا ما نص عليه الفقهاء ـ بالنسبة لهؤلاء ـ ما يسمى بالزواج المؤقت، لعُرف آباء هؤلاء، ولما وقعت المجتمعات الإسلامية ضحية لانتشار الفاحشة.

ولهذا، فإن الفقه الذي يستند إليه الإيرانيون فقه واقعي يعالج المشكلات الواقعية، ولا يغض الطرف عنها، ولا يتهرب منها بالمثاليات التي لا يمكن أن ينسجم معها الكثير من الناس.

ولهذا استطاع فقهاؤهم أن يضعوا الحلول لكل المشكلات، بما فيها مشكلة الانحراف الأخلاقي، حيث أتاحوا لهؤلاء ـ بحسب ما تنص عليه أدلتهم ـ أن يتزوجوا زواجا مؤقتا بشرط التوثيق، حتى إذا ما نتج عن ذلك الزواج أولاد نسبوا إلى آبائهم وأمهاتهم، وربما يكون ذلك سببا لتحول الزواج المؤقت إلى زواج دائم.

وهكذا نجدهم يضعون الحلول ـ بناء على ما ورد في المصادر المقدسة ـ لكل المشكلات الواقعية في جميع أبواب الفقه من غير خروج منهم عن مصادر الشريعة، ولهذا نراهم ـ مثل سائر الشيعة ـ ينصون على وجوب تقليد المجتهد الحي الذي يعيش الواقع، ويعرف ملابساته جيدا، حتى يفتي فيها بما يتناسب معها.

وفوق ذلك كله نرى الإيرانيين يسعون للتمسك بالشريعة في الجوانب السياسية والعلاقات الدولية، وكل الشؤون الكبرى التي لا نرى للفقهاء في المدرسة السنية أي حضور فيها.

ولهذا فإن للولي الفقيه عندهم سلطة فوق كل سلطة، ذلك أنه يمكنه أن يلغي أي قرار تخرجه الحكومة أو مجلس الشعب أو القضاء، أو غيرها إن عارض الشريعة، ولم يكن هناك أي مسوغ شرعي لقبوله.

وبناء على هذا نجد الفقيه حاضرا في كل المجالات.. فهو في البنوك يراقب معاملاتها ومصارفها بدقة لتتناسب مع الشريعة.. وفي استديوهات السينما يراقب السيناريوهات والحوارات والملابس والديكور حتى يتناسب مع الشريعة.. وهكذا نجده حاضرا في كل محل، حتى الشرطة الأخلاقية المؤتمرة بأوامر الفقيه، تنتشر في الشوارع والأزقة لتراقب سلوكات الناس، حتى لا تصطدم بالشريعة.

بناء على هذا نحاول في هذا المبحث أن نذكر الملامح الكبرى للتدين الإيراني، والتي لا يمكن أن يجحدها إلا حقود مغرض، أما العاقل، فإنه إن لم يتسن له الثقة بما نقول، أو بالأدلة التي نوردها، فإنه يمكن أن يراجع الفقه الشيعي من مصادره المعتمدة، أو يذهب إلى إيران نفسها ليتأكد، وقبل ذلك، واحتراما لدينه وورعه يكف لسانه عن الخوض في أعراض المسلمين، وفي ثلبهم بما هم بريئون منه.

وقد حاولنا أن نرجع فيما نذكره من أدلة إلى القادة الفكريين المؤسسين للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ذلك أنهم يمثلون نوع التمسك بالشريعة الموجود في إيران في الوقت الحالي، كما يقال [الناس على دين ملوكهم]، وهو نفس التوجه الذي كان عليه الكثير من الإيرانيين قبل الثورة الإسلامية، ولهذا أتيح لها أن تنجح.

وقد ذكرنا هذا ردا على أولئك المغرضين الذين يأتون بالفتاوى من كل مصدر، وأحيانا يأتون بالنصوص من [بحار الأنوار]، وغيره متجاهلين أن ذلك تراث فيه الغث والسمين، وفيه ما يقبل ما يرفض، ومثله موجود في المدرسة السنية، والعاقل هو الذي لا يحمل أي جهة جريرة من انتسب إليها.

وللأسف فإن كل الذين يردون على القادة الفكريين للجمهورية الإسلامية، لا يستندون إلى أحاديثهم، أو ما كتبوه في كتبهم، وإنما يستندون لجهات أخرى، وهذا من الظلم المجحف، الذي لا يرتضيه عاقل، فالعاقل هو الذي يطبق في كل شيء قوله تعالى: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [الأنعام: 164]، ومعها قوله تعالى عن أهل الكتاب: { لَيْسُوا سَوَاءً} [آل عمران: 113]، فهذه المقولة شعار للباحث المؤمن الذي لا يحمل أحدا مسؤولية أحد.

وكمثال على ذلك ما ذكرناه سابقا من ترك أولئك المغرضين لعشرات النصوص والتصريحات من الإمام الخميني عن القرآن الكريم، وخلوه من التحريف والتبديل، ودعوته لتفعيله في الحياة، ثم الرد عليه من خلال مقولات غيره.. وهذا ظلم كبير.

فلكل مذهب أو مدرسة من انحرف بها أو عنها انحرافا كليا أو جزئيا، ولا يصح أن نحمّل المعتدلين وزر المنحرفين.. وكذلك الأمر بالنسبة لإيران التي لم تكتف فقط بتصحيح مسار الدولة السياسي، وإنما صححت قبل ذلك فهمها للدين، وتصورها له، ولذلك يمكن اعتبار التشيع الإيراني عملية تصحيحية كبيرة، جعلته أقرب إلى المصادر المقدسة، من كل العصور السابقة، حتى أن الطبقة المثقة من إيران الآن لا ترتضي تسمية التشيع، بل تعتبره نوعا من التسمية الطائفية، وإنما تسميه [الإسلام المحمدي الأصيل]

1 ـ الرجوع للفقهاء المجتهدين للتعرف على الأحكام الشرعية:

المرجع ـ في المصطلح الشيعي ـ هو العالم المجتهد الذي بلغ أقصى درجات العلم والاجتهاد التي تخول له الإفتاء، ورعاية بعض المصالح الدينية لمن يثقون فيه من عامة الناس؛ فيعتبرونه واسطة للتعرف على أحكام الشريعة الإسلامية، وتنفيذها([2]).

وميزة هذا النظام هو تنظيم الحياة الدينية للعامة الذين لا يستطيعون الاجتهاد، وفي نفس الوقت لا يجدون في أنفسهم القدرة على التمييز بين الأقوال الفقهية والاختلافات الواردة فيها، ولذلك يتاح لهم ـ بكل حرية ـ أن يبحثوا عن الفقهاء الذين وصلوا إلى درجة المرجعية والاجتهاد، ليجعلوهم مراجع لهم، يرجعون إليهم في أمور دينهم.

والذي ينتقد هذا النظام مثل الذي ينتقد المريض الذي يبحث في الأطباء، ليجد طبييا واحدا ثقة يرى فيه القدرة على علاجه، أو الإشارة عليه، فيتخذه طبيبه الشخصي الدائم الذي يلجأ إليه كلما احتاج إلى ذلك، أو الذي يختار محاميا واحدا يعالج كل مشكلة تحل به.

والشيعة يستندون في هذا النظام إلى ما ورد عن أئمتهم الذين كانوا يرشدون أتباعهم إلى فقهاء بلادهم، فقد روي عن الإمام الباقر أنه قال لأبان بن تغلب: (اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك)([3]) أي أن الإمام اعتبره مرجعا لأهل ذلك المسجد.

وروي عن الإمام الصادق أنه قال لبعض أتباعه: (إئت أبان بن تغلب فإنه قد سمع مني حديثاً كثيراً، فما رواه لك فاروه عني) ([4])

ومثله روي عن الإمام الرضا عندما قال لبعض أتباعه: (خذ معالم دينك من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا) ([5])

وغيرها من النصوص الكثيرة التي استنبط منها الشيعة أنه يجب على العامي المقلد ألا يكتفي بما في الكتب من فتاوى، وإنما عليه أن يرجع إلى المجتهدين الأحياء، لأنهم أدرى بالواقع، وبكيفية تنفيذ الأحكام الشرعية، ذلك أن باب الاجتهاد عند الشيعة لم يغلق مثلما حصل في المدرسة السنية، بسبب التدخل السياسي.

والميزة الأخرى لهذا النظام هو بعض الصلاحيات التي تتاح للمرجع، بحيث يصبح قاضيا بين أتباعه، يساهم في فك النزاعات بينهم بحسب الأحكام الشرعية، بالإضافة إلى توليه أو تولي وكلائه حل المشاكل التي قد يقعون فيها.

وهم لذلك يضعون له قداسة خاصة تخول له أن يكون له من السلطة في قلوب الناس ما يجعلهم يخضعون له ولأوامره، كما قال العلامة محمد رضا المظفر: (عقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط، أنه نائب للإمام في حال غيبته، وهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس، والراد عليه راد على الإمام والراد على الإمام راد على الله تعالى، وهو على حد الشرك بالله)([6])

ومن مزاياها أيضا ـ والتي أساء فهمهما المغرضون ـ استقبال المرجع للمساهمات المالية، لا لشخصه، وإنما لتوزيعها على الأصناف التي ورد الأمر الشرعي بتوزيعها لها، ومن بينها المؤسسة الدينية نفسها، من المدارس الدينية، ونشر الكتب ونحوها([7]).

وهو ما جعل النظام الديني عند الشيعة مستقلا تماما عن الساسة والسياسيين، على خلاف ما نراه في المؤسسات الدينية السنية، والتي تأخذ أموالها من الدولة، والتي تفرض بعد ذلك سلطتها عليها لكونها تابعة لها.

وهذا لا يعني استقلالية هذه المؤسسة عن الشعب، بل هي تابعة له، وتخدم مصالحه، وهو يراقبها بعد إعطائها من ماله، وكيفية توزيعه.

وهي لذلك تسعى في مصالح الشعب، وتتعرض للكثير من الأذى من الحكومات المتعاقبة بسبب ذلك، فهي ليست واسطة الحكومة لإرضاء الشعب، وإنما هي واسطة الشعب لإخضاع الحكومة.

وبناء على هذا المعنى استطاع الشعب الإيراني بمساندة المراجع والحوزة العلمية أن ينجح في تحقيق ثورته؛ فلم يكن الخميني سوى مرجع من المراجع الكبار الذين قدسهم الشعب واحترمهم، وكانوا في مستوى ذلك التقديس والاحترام.

ولذلك يمكن اعتبار نظام ولاية الفقيه نوعا من تفعيل المرجعية، وإعطائها الصلاحيات الحقيقية التي أتاحتها لها الشريعة([8])، كما نص على ذلك الخميني بقوله: (المستفاد من المقبولة كما ذكرناه هو أن الحكومة مطلقاً للفقيه، وقد جعلهم الإمام حكاماً على الناس، ولا يخفى أن جعل القاضي من شؤون الحاكم والسلطان في الإسلام، فجعل الحكومة للفقهاء مستلزم لجواز نصب القضاة، فالحكام على الناس شأنهم نصب الأمراء والقضاة وغيرهما مما تحتاج إليه الأمة)([9])

ومثله قال الخامنئي القائد الحالي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي يعتبر أكبر مرجع فيها: (ولاية الفقيه في قيادة المجتمع وإدارة المسائل الإجتماعية في كل عصر وزمان من أركان المذهب الحق الإثني عشري، ولها جذور في أصل الإمامة، ومن أوصله الإستدلال إلى عدم القول بها فهو معذور، ولكن لا يجوز له بث التفرقة والخلاف)([10])

ومن مزايا هذا النظام كذلك تلك الحرية الدينية التي تجعل عامة الناس أحرارا في اختيار المراجع الذين يقلدونهم، وتجعلهم كذلك يتسامحون مع المختلفين معهم من سائر الفقهاء والمراجع.

ومن أحسن الأمثلة على ذلك التسامح الديني الذي نفتقده للأسف في المدرسة السنية ـ بسبب التعصب بين المذاهب ـ ما أجاب به الخميني على رسالة أرسلها له بعضهم يعترض عليه فيها قبوله بالاختلاف بين المجتهدين، وكيف أن الخميني بما له من سلطة لم يمل إلى أحد الطرفين، أو لم يستعمل السلطات المتاحة له لتكميم أفواه الطرف الذي يخالفه، وقال له: (.. لعل الأكثر من ذلك أن الطرفين يحظيان بتأييدكم، ولم نر حتى الآن تأييدا لطرف منهما، بل نلاحظ أنكم قد تؤيدون طرفا في مناسبة، ثم تؤيدون طرفا آخر في مناسبة أخرى.. والشواهد على ذلك كثيرة، مثلا إنكم دافعتم عن أفراد جماعة المدرسين أو مؤسسة الإعلام الإسلامي، في الوقت الذي دافعتم فيه عن أفراد مكتب الإعلام الإسلامي، وإذا دافعتم عن شورى المحافظة على الدستور فإنكم دافعتم عن شورى تشخيص المصلحة)([11])

فأجابه الخميني بقوله: (إني انصحك وأمثالك الكثيرين، وأذكركم بأن كتب فقهاء الإسلام العظام مملوءة باختلاف وجهات النظر، وكل منهم له رأي في المجالات العسكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والعبادية.. ففي بعض المسائل هناك إجماع للفقهاء، وحتى في المسائل التي فيها إجماع هناك قول أو أقوال تخالف الإجماع، وفي الماضي فإن هذه الاختلافات كتبت باللغة العربية مما جعل اطلاع أكثر الناس عليها قليلا، والذي يعلم بها فإنه لا يتابع إلا المسائل التي تهمه)

وبعد أن أصل له المسألة من الناحية الشرعية، وبحسب ما يدل عليه تاريخ الفقهاء في المدرسة الشيعية، بل في جميع المدارس الإسلامية، قال له: (والآن هل نستطيع أن نتصور أن هؤلاء الفقهاء عندما اختلفت وجهات نظرهم كانوا يعملون خلافا لما يريد الله سبحانه وتعالى وخلافا للدين الإسلامي وللحق؟!.. أبدا!!.. واليوم، والحمد لله، فإن كلام الفقهاء وأصحاب النظر يبث في الراديو والتلفزيون أو يكتب في الصحف، لأن الناس يحتاجون إليه في حياتهم العملية)

ثم ذكر له أن هناك الكثير من النوازل، وأنه لا يمكن أن يجتمع الفقهاء فيها على قول واحد، لأن لكل منهم وجهة نظره الخاصة، فقال: (.. مثلا، في مسألة تحديد الملكية وفي تقسيم الأراضي، وفي الثروات العامة والإنفاق وفي المسائل المعقدة للأموال والعملة الصعبة في البنوك، وفي الأمور المالية والتجارة الداخلية والخارجية والمزارعة والمضاربة والإجارة والرهن واقامة الحدود والديات والقوانين المدنية والمسائل الثقافية والمسائل الفنية أمثال الرسم والتصوير والنحت والموسيقى والسينما والمسرح والخط وغيره، وفي حفظ الطبيعة سالمة من التلوث ومنع قطع الأشجار، حتى الموجودة في البيوت والممتلكات الخاصة، وفي مسائل الأطعمة والألبسة والأشربة، وفي مسألة تحديد النسل في حالات الضرورة أو تعيين فواصل بين وليد وآخر، وفي حل المشاكل الطبية وأمثال زرع أعضاء جسم إنسان لإنسان آخر، وفي مسألة المعادن داخل طبقات الأرض وفوقها وفي تغيير موضوعات الحلال والحرام وتوسيع وتضييق دائرة بعض الأحكام في الأزمنة والأمكنة المختلفة، وفي المسائل الحقوقية حسب نظر الشريعة الإسلامية، ودور المرأة في المجتمع الإسلامي، وحدود حرية الفرد داخل المجتمع، والتعامل مع الكفار والمشركين والأفكار الالتقاطية والمعسكرات التابعة لها، وكيفية انجاز الفرائض في الرحلات الهوائية والفضائية. والأهم من ذلك حاكمية ولاية الفقيه في الحكومة والمجتمع، وكل هذه المسائل جزء من آلاف المسائل التي هي محل ابتلاء الناس والحكومة، والتي كانت مورد بحث الفقهاء واختلاف وجهات نظرهم)

وقد دعا في رسالته تلك إلى البحث الجاد من طرف الفقهاء جميعا للتعرف على حكم الشريعة في تلك النوازل وغيرها، وأنه لا يجوز أن يصادر رأي أي مجتهد، فقال: (لذا ففي الحكومة الإسلامية يجب أن يكون باب الاجتهاد مفتوحا دائما، لأن طبيعة الثورة تقتضي أن تطرح وجهات النظر الفقهية في مختلف المجالات، ولا يحق لأحد الحيلولة دون ذلك، ولكن بشرط أن يكون الطرح بصورة صحيحة على الأمور في نطاق الحكومة والمجتمع من أجل بناء مجتمع إسلامي يمكنه أن يخطط لصالح المسلمين ويدعو إلى الوحدة والاتحاد)

ولهذا فإن من أكبر دلائل التسامح الديني في إيران عدم مصادرة المرجعيات الفقهية المختلفة، حتى التي لا ترى مسوغا لولاية الفقيه، ولهذا نرى الخميني يدعو عامة الناس لا إلى تبني مرجعيته في الأقوال الفقهية، والاكتفاء برسالته العملية، وإنما يدعوهم إلى الرجوع إلى المراجع والفقهاء، للتعرف على أحكام الدين.

ومن الأمثلة على ذلك قوله في الرسالة التي وجهها للحجيج بعد بيانه للنواحي العرفانية والذوقية في الحج: (إن المراتب المعنوية للحج هي رأسمال الحياة الخالدة، وتقرب الإنسان من أفق التوحيد والتنزيه، وسوف لن نحصل على النتيجة ما لم ننفذ أحكام وقوانين الحج العبادية بشكل صحيح ولائق وشعرة بشعرة، على الحجّاج المحترمين والعلماء المعظّمين مسؤولي قوافل الحجّاج أن يصرفوا وقتهم ويكون كل همّهم هو تعليم وتعلّم مناسك الحج وعلى العارفين مراقبة من يرافقهم حتى لا يتخلف أحد عن الأوامر.. على أيّة حال هذه وظيفة العلماء الموجودين في القوافل يعني هي إحدى وظائفهم، وإن إحدى الوظائف المهمة أيضاً هي تعريف الناس بمسائل الحج، إننا نرى الكثيرين من الأشخاص الذين يذهبون إلى الحج ويتحملون المصاعب وهم لا يعرفون مسائل الحج ويصبحون مقيّدين بحركتهم هناك، وعندما يعودون وبعد عدة سنوات يسألون أننا قد أنجزنا علمنا على الشكل التالي، فهل حجّنا صحيح أم لا؟ فهل نحن ما زلنا على إحرامنا أيضاً أم لا؟ فيجب على السادة العلماء أن يعقدوا جلسات للتدريس ويدرّسوا الناس آداب الحج، واجبات الحج، محرّمات الحج، فإذا لم يتعلّموا الآداب، فليس في ذلك إشكال، أما المحرمات والواجبات فيجب تعليمها للناس يومياً، ويجب على الناس أيضاً الذهاب عند السادة العلماء لحضور هذه الدروس، فإذا ما انعقدت هذه الدروس فيجب أن يذهبوا إليهم ويستمعوا ويتعلموا مسائل الحج حتى لا يصبحوا مأسورين فيما بعد عند عودتهم ويتساءل أحدهم كيف كان طوافي، هل كان صحيحاً أم لا؟)([12])

هذه بعض مزايا المرجعية الدينية، والتي تمنينا لو أن المدرسة السنية تبنتها لتقضي على تلك الفوضى التي يسببها ترك المجتمع لأهواء المتعالمين ممن لم تتحقق فيهم الشروط الشرعية للفتوى، فيضلون ويُضلون.

2 ـ شمولية الشريعة لكل جوانب الحياة:

عند مطالعتنا لأي كتاب فقهي شيعي، أو رسالة علمية لأي مرجع من المراجع المعتمدين، نجد الأبواب الفقهية تشمل جميع مناحي الحياة، ذلك أنه لا يكون المرجع مرجعا إلا إذا وصل به الاجتهاد إلى الإجابة عن كل الأسئلة الفقهية التي ترد عليه، والتي تتعلق عموما بجميع مناحي الحياة.

وبذلك؛ فإن الشريعة الإسلامية التي يتبناها الإيرانيون هي نفسها الشريعة التي يتبناها جميع أبناء العالم الإسلامي، فهي لا تقتصر على التشريعات المرتبطة بالعبادات، وإنما تضم إليها التشريعات المرتبطة بجميع شؤون الحياة.

وما يميز الشيعة بالإضافة إلى ذلك هو تبنيهم للمشروع السياسي الإسلامي في جميع مراحل تاريخهم، خلافا لبعض المذاهب في المدرسة السنية، والتي أجازت علمانية الدولة، وأن للحاكم شؤون الدنيا، وللفقيه شؤون الدين.

وسبب تبني الشيعة لذلك هو توليهم لأئمة أهل البيت، الذين كانوا يعتبرون من المعارضة السياسية إبان الفترات المختلفة للدولة الإسلامية، ولهذا شن عليهم وعلى أتباعهم كل صنوف الأذى.

وانطلاقا من هذا؛ فإن الشيعة بإحيائهم لعاشوراء ونحوها من المناسبات يعيدون التذكير بأن الدين ليس شعائر تعبدية فقط، وإنما يدخل في كل شؤون الحياة، دقيقها وجليلها، وقد قال الخميني ـ مشيدا بدور عاشوراء في نجاح الثورة الإسلامية ـ: (إن كل ما لدينا هو من عاشوراء)

وبناء عليه نرى اهتمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد الثورة وقبلها بإحياء عاشوراء بأبعادها الثورية الحقيقية، حتى (تخدم بشكل مباشر خصوصية الثورة، وتذكر بمضمونها التاريخي.. وتحمي الثورة الكربلائية من عوارض الزمن، حيث تبقى عاشوراء على طول الخط مؤججة لروح الثورة والمناعة)([13])

ولم تكتف الجمهورية الإسلامية الإيرانية بذلك، بل راحت تقوم بعملية تصحيحية كبيرة للتدريس الديني، ليتناسب مع تفعيل الشريعة الإسلامية في كل شؤون الحياة، فلا يمكن أن يطبق الشريعة بصيغتها الشاملة الفقيه الذي يكتفي بالدراسة التقليدية للفقه الإسلامي.

وقد قال الخميني في الرسالة التي أشرنا إليها سابقا مبينا هذا المعنى: (ومن هنا، فان الاجتهاد في الاصطلاح الحوزوي وحده لا يكفي، وإذا كان هناك شخص أعلم في علوم الحوزة ولكن لا يستطيع تشخيص المصلحة العامة أو لا يستطيع تشخيص الأفراد الصالح ومن الطالح، والمفيد من غير المفيد، وبشكل عام فإنه فاقد التشخيص في المجالات السياسية والاجتماعية وفاقد القدرة في اتخاذ القرار؛ إن هذا الشخص لا يعتبر مجتهدا في المسائل الحكومية والاجتماعية ولا يستطيع أن يمسك زمام أمور المجتمع بيده) ([14])

وهكذا نجد القائد الحالي للجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي يوجه النصائح الكثيرة للحوزة لتتناسب مع الواقع، ولتعالج مشكلاته وفق رؤية الإسلام الأصيل، لا وفق الرؤية العلمانية التي تفصل الدين عن الحياة والسياسة، ومن توجيهاته في ذلك قوله: (إنّ الدين الإسلامي يدعو إلى إصلاح الدين والدنيا ولا يقتصر على طقوس دينية يمارسها المتديّن من أجل الخلاص في الآخرة. فهذه الخصوصية تتطلب من الحوزيين أن ينطلقوا في تقديرهم للأمر وفي تخطيطهم للعمل التعليمي والتربوي من هذا الاعتبار وأنّ الطرح الإسلامي متبنٍ على أساس أن الدين هو رسالة الحياة، والطريق الوحيد للخلاص من المشاكل والمصاعب التي حلّت بالعالم والتي ستحلُّ فيما بعد، وهو القادر على إعطاء الحلول الناجعة للمعضلات الاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات البشرية)([15])

ويقول: (يجب الاهتمام بقضية الوحدة بين الدين والسياسة، في التفقه وفي العمل. وليعلم الأخوة أن فكرة فصل الدين عن السياسة هي آفة لم تستأصل بشكل كامل، ولا تزال إلى الآن موجودة في الحوزات مع الأسف.. يجب تأصيل وترسيخ فكرة وحدة الدين والسياسة في الحوزة بحيث تكون الفقاهة، والاستنباط الفقهي على أساس إدارة النظام والمجتمع لا مجرد الإدارة الفردية)([16])

بالإضافة إلى هذا، نرى قادة الثورة الإسلامية يصبغون كل حكم من الأحكام الشرعية بتلك الصبغة الشمولية للإسلام، حتى تؤدي كل جزئية فيه دورها في خدمة الشريعة، وتكون أساسا من الأسس التي يقوم عليها النظام الإسلامي.

ومن الأمثلة على ذلك ما نراه من تركيز الخميني على الحج باعتباره مناسبة لتحقيق الوحدة الإسلامية، وبث الوعي بين المسلمين بضرورة مواجهة الاستكبار العالمي، وتحقيق العدالة الاجتماعية وفق الشريعة الإسلامية.

فبعد أن ذكر الكثير من الجوانب العرفانية التي تصل المؤمن بالله أثناء أدائه للمناسك، راح يذكر الجوانب الأخرى المغيبة، فالحج ـ بحسب طروحاته ـ ليس مجرد شعائر تؤدى، وإنما هو مناسبة عظيمة لتحقيق الكثير من القضايا التي تدل عليها شمولية الإسلام لجميع مناحي الحياة.

ومن أقواله في ذلك، عند حديثه عن سر المناسك، وبعد ذكره للجوانب العرفانية منها: (إن الطواف حول الكعبة المشرّفة يعني أن الإنسان لن يطوف لغير الله، ورجم العقبات هو رجم شياطين الإنس والجن، وأنتم عندما ترجمون عاهدوا الله أن تقتلعوا شياطين الإنس والقوى العظمى من البلاد الإسلامية.. اليوم كل العالم الإسلامي أسير بيد أمريكا، احملوا من الله رسالة إلى مسلمي القارات المختلفة للعالم الإسلامي، رسالة أن لا تخضعوا لغير الله ولا تكونوا عبيداً لأحد) ([17])

ولمزيد من التفصيل راح يبين لهم المعاني التي تختزنها شعائر الحج؛ فقال: (عندما تلفظون لبّيك لبّيك، قولوا لا لجميع الأصنام، واصرخوا لا لكل الطواغيت الكبار والصغار، وأثناء الطواف في حرم الله حيث يتجلى العشق الإلهي، خلّوا قلوبكم من الآخرين، وطهّروا أرواحكم من أي خوف لغير الله، وفي موازاة العشق الإلهي، تبرأوا من الأصنام الكبيرة والصغيرة والطواغيت وعملائهم وأزلامهم، حيث إن الله تعالى ومحبّيه تبرأوا منهم، وأن جميع أحرار العالم بريئون منهم. وحين تلمسون الحجر الأسود أعقدوا البيعة مع الله أن تكونوا أعداء لأعداء الله ورسوله والصالحين والأحرار، ومطيعين وعبيداً له، أينما كنتم وكيفما كنتم. لا تحنوا رؤوسكم، واطردوا الخوف من قلوبكم، واعلموا أن أعداء الله وعلى رأسهم الشيطان الأكبر جبناء وإن كانوا متفوقين في قتل البشر وفي جرائمهم وجناياتهم. أثناء سعيكم بين الصفا والمروة اسعوا سعي من يريد الوصول إلى المحبوب، حتى إذا ما وجدتموه هانت كل الأمور الدنيوية، وتنتهي كل الشكوك والترددات، وتزول كل المخاوف والحبائل الشيطانية، وتزول كل الارتباطات القلبية المادية، وتزدهر الحرية، وتنكسر القيود الشيطانية والطاغوتية التي أسرت عباد الله. سيروا إلى المشعر الحرام وعرفات وأنتم في حالة إحساس وعرفان، وكونوا في أي موقف مطمئني القلب لوعد الله الحق بإقامة حكم المستضعفين. وبسكون وهدوء فكّروا بآيات الله الحق، وفكروا بتخليص المحرومين والمستضعفين من براثن الاستكبار العالمي، واطلبوا من الحق تعالى في تلك المواقف الكريمة تحقيق سُبل النجاة، بعد ذلك عندما تذهبون إلى منى واطلبوا هناك أن تتحقق الآمال الحقّة حيث التضحية هناك بأثمن وأحب شيء في طريق المحبوب المطلق، واعلموا أنه ما لم تتجاوزوا هذه الرغبات والتي أعلاها حب النفس وحب الدنيا التابع لها، فسوف لن تصلوا إلى المحبوب المطلق. وفي هذه الحال ارجموا الشيطان، واطردوا الشيطان من أنفسكم وكرروا رجم الشيطان في مواقع مختلفة بناء على الأوامر الإلهية، لدفع شر الشياطين وأبنائهم عنكم) ([18])

وهكذا راح يذكر بالوحدة الإسلامية في الحج، والتي تتعالى على كل الخلافات الفرعية، يقول مخاطبا الحجيج: (ينبغي على جميع الإخوة والأخوات المسلمين والمسلمات الانتباه إلى أن إحدى مهمات فلسفة الحج إيجاد التفاهم وتوثيق عرى الأخوة بين المسلمين، وينبغي على المفكرين والمعممين طرح مسائلهم الأساسية، السياسية والاجتماعية مع الآخرين من إخوانهم، وتقديم الاقتراحات من أجل رفعها وحلها ووضعها بتصرّف وتحت نظر العلماء وأصحاب الرأي عند عودتهم إلى بلادهم، يجب أن نعلم أن إحدى الفلسفات الاجتماعية لهذا التجمّع العظيم من جميع أنحاء العالم توثيق عرى الوحدة بين أتباع نبي الإسلام، أتباع القرآن الكريم في مقابل طواغيت العالم، وإذا لا سمح الله أوجد بعض الحجّاج من خلال أعمالهم خللاً في هذه الوحدة أدّت إلى التفرقة، فذلك سيوجب سخط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعذاب الله القادر الجبار)([19])

وهو ـ خلافا لتلك الطروحات المغرضة التي تصف الإيرانيين بالتعالي ـ يدعو حجاج شعبه إلى أن يخالطوا جميع حجاج الشعوب المسلمة، ويتعارفوا عليهم، ويطبقوا معهم جميع آداب الأخوة الإيمانية التي تتعالى على الأعراق والأولوان واللغات والمذاهب، فيقول: (الحجّاج المحترمون الموجودون في جوار بيت الله ومحل رحمته، تعاطوا برفق ومروءة وأخوة إسلامية مع جميع عباد الله، واعتبروا الجميع ـ ودون النظر إلى اللون واللسان والمنطقة والمحيط ـ منكم، وكونوا جميعاً يداً قرآنية واحدة حتى تسيطروا على أعداء الإسلام والإنسانية) ([20])

ويقول: (إن الحج هو أفضل مكان لتعارف الشعوب الإسلامية حيث يتعرّف المسلمون على إخوانهم وأخواتهم في دين الإسلام من جميع أنحاء العالم، ويجتمعون في ذلك البيت المتعلّق بجميع المجتمعات الإسلامية، وباتباع دين إبراهيم الحنيف وبعد أن يضعوا جانباً المفردات والألوان والعرقية والقومية، يرجعون إلى أرضهم وبيتهم الأول، ومع مراعاة الأخلاق الكريمة الإسلامية واجتناب الجدال والتجملات يتجلى ويتمظهر صفاء الأخوة الإسلامية وأبعاد تنظيم الأمة المحمدية في جميع أنحاء العالم) ([21])

بل إنه يدعو الحجاج الشيعة لالتزام جميع المناسك مثلما يفعل إخوانهم من المدرسة السنية، ويدعوهم إلى الصلاة خلفهم، وعدم الانفراد بالصلاة، أو إقامة جماعات بديلة، ويعتبر كل التصرفات التي تسيء إلى الوحدة الإسلامية من الجهل، فيقول: (طوفوا حول الكعبة بالطواف المتعارف على النحو الذي يقوم به جميع الحجّاج. واحترزوا من الأعمال التي يفعلها الأشخاص الجاهلون، واحترزوا بالمطلق من الأعمال التي زكون موجبة لوهن المذهب وفي الوقوفين فإن أتباع حكم قضاة أهل السنّة لازم ومبرئ ما لم يُقطع بالخلاف، ويجب على الأخوة الإيرانيين وشيعة سائر الدول الاحتراز من الأعمال الجاهلة التي تؤدي لتفرقة المسلمين، وينبغي الحضور بين جماعات أهل السنّة. واجتناب الصلاة جماعة في المنازل، والاحتراز من وضع مكّبرات الصوت خلاف المتعارف، واجتناب الارتماء على القبور المطهرة والأعمال التي تكون أحياناً مخالفة للشرع الحنيف) ([22])

وهكذا نجد الخامنئي يردد نفس المعاني حيث يتحدث عن دور الشعائر التعبدية في تحقيق القيم الإسلامية في واقع الحياة، ويقدم لذلك بقوله: (إنّ الحياة مدرسة ومختبر لابدّ أن نطبق فيها جميع القوانين والنظريات التي أوجدها خالق العالم والحياة، ليمكن الوصول إلى نتيجة عالية ومرضية. هذه القوانين التي هي سنن الله في خلقه، يجب معرفتها وصياغة حياتنا وفقاً لها، ولابد أيضاً من معرفة النفس واستكشاف ذخائرها واحتياجاتها. تلك هي مسؤولية الإنسان وواجبه العظيم الذي بمجرد أدائه يكون الإنسان قادراً على التحرك الواعي الناجح، ولولاه لا يمكن التحرك، أو يكون عن غير وعي، فلا يحالفه التوفيق)([23])

وانطلاقا من ذلك يبين دور الشعائر التعبدية في تحقيق هذا الهدف، فيقول: (والدين عبر تحديده للهدف والاتجاه والطريق والوسيلة يمنح الإنسان أيضاً القدرة والزاد الضروري لقطع الطريق، وإنّ أهم متاع يحمله سالكو هذا الطريق هو ذكر الله، وإنّ روح الطلب والرجاء والاطمئنان ـ وهي أجنحة هذا التحليق ـ إنّما تتفرع وتتولد من ذكر الله)([24])

ويبين الآلية التي يقوم بها ذكر الله في تحقيق الانصياع التام لشريعته بصيغتها الشمولية، فيقول: (إنّ ذكر الله يجعل الهدف، وهو الاتصال به تعالى، أي منتهى الكمال والحسن، نصب العين دوماً، ويحول دون الضياع، ويجعل السائر حاساً وحذراً بالنسبة إلى الطريقة والوسيلة، ويمنحه قوّة القلب والاطمئنان والنشاط، ويحفظه من الانزلاق والانخداع بالمظاهر الخلابة، أو الخوف من المنغصات) ([25])

وبذلك، فإن تلك الشعائر ـ بحسب ما ينص عليه الخامنئي ـ تجعل (المجتمع الإسلامي وكل مجموعة أو فرد مسلم، يخطو في الطريق الذي حدده الإسلام ودعا إليه جميع الأنبياء، باستقامة ودون توقف أو تراجع إذا لم ينس الله، ومن هنا يسعى الدين جاهداً وبمختلف الطرق والوسائل لإحياء ذكر الله في قلوب المتدينين بشكل دائم) ([26])

وهو يعتبر الاهتمام بالصلاة اهتماما بالشريعة جميعا، فالصلاة ـ كما يذكر ـ (جرس منبّه، ومنذر في مختلف ساعات اللّيل والنهار، إنها تزود الإنسان ببرنامج وتريد منه عهداً، وتعطي لليله ونهاره معنى وتشعره بقيمة الزمن. إنّها تدعوه خلال الزمان الذي يكون فيه منشغلاً غير ملتفت إلى مضي الزمن وانقضاء العمر وترشده إلى انقضاء يوم وشروع آخر، وأنّ عليه أن يجدّ ويتحمل مسؤولية أكبر وأن يفعل ما هو أهم؛ لقد انقضى جزء من العمر بلا استثمار فيجب أن يكون أكثر سعياً وعطاءً، إذ انّ الهدف عظيم، فلنسع لنيله قبل فوات الأوان) ([27])

وهو يشبه الصلاة بالسلام الوطني للدول، (مع فارق في المعنى ونوع العطاء، لأجل أن ترسّخ الدولة أصولها ومتبنياتها الفكرية في ذهن الشعب، وبنائه على هذا النمط الفكري، تعمد إلى تكرار قراءة السلام الوطني الذي يمثل خلاصة الشكل المقبول لنمط الحياة وأهدافها لدى الدولة، فتكرار السلام الوطني سبب لتثبيت الناس على هذا النحو من الفكر، وتلقينهم أنهم أتباع هذا الوطن، والسائرون باتجاه تلك الأهداف؛ إذ إنّ نسيان أصول وأهداف الدولة، يعني تغيير المسار وعدم انتهاجه. هذا التكرار يجعلهم مستعدين للخدمة في هذه الجبهة، ويعلمهم المخططات والطرق، ويرشدهم إلى المسؤوليات والواجبات ويحيي في أذهانهم أسس الدولة، ويعيّن لهم الوظيفة، ويزودهم ـ حينئذ ـ بالشجاعة والجرأة والإقدام، ويهيّئهم للعمل) ([28])

ولهذا نرى الاهتمام الكبير الذي توليه الجمهورية الإسلامية الإيرانية للمساجد، ليس باعتبارها محال لأداء الشعائر التعبدية فقط، وإنما باعتبارها وسائل لبث الوعي الديني ومواجهة كل أنواع العداء التي تشن عليها وعلى الإسلام، كما قال الخميني معبرا عن ذلك: (أحيوا الثورة من خلال المساجد، التي تعتبر حصون الإسلام المنيعة)([29])

وقال شارحا لعبارته تلك: (اسعوا في إعادة المساجد إلى ما كانت عليه في صدر الإسلام، ولتنتبهوا إلى أنه ليس في الإسلام عزلة أو اعتزال)([30])

ويوضح في كلمة أخرى ما هو المقصود بالضبط من إعادة المسجد إلى ما كان عليه في صدر الإسلام، فيقول: (كان المسجد في الإسلام وفي صدر الإسلام دوما مركزا للتحرك الإسلامي، وكان الإعلام الإسلامي يبدأ من المسجد، وتنطلق الجيوش وقوى المسلمين منه لدحر الكفار المعتدين وإدخالهم تحت لواء الإسلام، فالمسجد في صدر الإسلام كان مركزا للتحرك والانطلاق دوما)([31])

ويقول: (كان المسجد الحرام والمساجد في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مركزا للحروب، ومركزا للقضايا الاجتماعية والسياسية، فلم يقتصر دور مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على المسائل العبادية كالصلاة والصوم، بل كانت المسائل السياسية أكثر من ذلك وكان يبدأ من المسجد متى ما أراد تعبئة الناس وإرسال الجيوش)([32])

هذه مجرد نماذج عن تصريحات قادة الثورة الإسلامية الإيرانية، والتي تبين مدى سعيهم لتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع مجالات الحياة، وهي نفس ما تتبناه الحركة الإسلامية في المدرسة السنية، والتي ترى شمولية الإسلام لجميع مناحي الحياة، كما نص على ذلك الشيخ حسن البنا في الأصل الأول من ركن الفهم من رسالة التعاليم بقوله: (الإسلام نظام شامل، يتناول مظاهر الحياة جميعا. فهو: دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواء بسواء)([33])

لكن الفرق بينهما هو أن ما تذكره الحركات الإسلامية مجرد أدبيات وشعارات وطروحات نظرية، لكنها تحولت عند الإيرانيين إلى واقع ملموس، يتقدم كل حين ليحقق الإسلام في الواقع، ويقضي على المقولات التي يرددها العلمانيون بعدم صلاحية الإسلام للتطبيق في مجالات الحياة عدا مجال الشعائر التعبدية.

وكان الأحرى بأبناء الحركات الإسلامية الاستفادة من هذه التجربة الواقعية، ومحاولة تصحيحها لتنسجم مع رؤاهم ومدرستهم، لكنهم للأسف راحوا يشنون الحرب عليها، ولست أدري لم.. أرجو ألا يكون ذلك فقط حسدا لكون قادة الثورة الإسلامية نجحوا في تحقيق ما عجز عنه كل قادة الحركات الإسلامية، وعبر تاريخهم الحركي الطويل.

ثانيا ـ خدمة الإيرانيين للشريعة الإسلامية:

لا يمكن لأي مؤرخ للتشريع الإسلامي أن يهمل الأداور الكبيرة التي قام بها كبار الفقهاء والأصوليين من الإيرانيين، ومنذ العصور الأولى للإسلام، ذلك أن المذاهب الفقهية جميعا تدين بالكثير من مصادرها وتراثها في هذه الناحية لجميع المدن الإيرانية، وخصوصا المدن الكبرى التي كانت مراكز للحضارة الإسلامية.

وسنحاول هنا أن نذكر نماذج من الفقهاء والأصوليين في المدارس الإسلامية الكبرى تدل على ذلك، مقتصرين على ترجماتهم المختصرة، ولمن شاء أن يبحث عن المزيد عنهم، يمكنه أن يراجع الهوامش التي وضعنا فيها مصادر ترجمتهم، ليتبين له من خلالها الأيادي البيضاء لهذا الشعب الكريم في خدمة الإسلام والمسلمين طوال التاريخ.

1 ـ إيران.. والمدرسة الشافعية:

يمكننا الجزم بأن أكبر المصادر الفقهية والأصولية في المدرسة الشافعية ألفت في إيران، وبأياد إيرانية، وللدلالة على ذلك نذكر نماذج مختصرة جدا عن أسماء بعض هؤلاء الإيرانيين مع أسماء بعض كتبهم في هذا المجال، ولمن شاء التفصيل، يمكنه أن يبحث عن تأثير تلك المصادر في الكتب المؤلفة في تاريخ التشريع الإسلامي.

فمنهم أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي([34]) (384 – 458 هـ)، وهو من كبار فقهاء الشافعية ومحدثيهم، وهو كما ذكر في ترجمته: (حافظ كبير، وأصولي نحرير، ومكثر من التصنيف، غلب عليه الحديث واشتهر به ورحل في طلبه، وكان من أكثر الناس نصرا لمذهب الشافعي)

وقد قال إمام الحرمين في حقه: (ما من شافعي المذهب إلا وللشافعي عليه منة إلا أحمد البيهقي، فإن له على الشافعي منة)، وسبب ذلك كونه أول من جمع نصوص الإمام الشافعي، في عشر مجلدات، ومن مؤلفاته: (السنن الكبير)، و(السنن الصغير)، و(كتاب الخلاف)، و(مناقب الشافعي)، وغيرها كثير.

ومنهم أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني([35]) (415 – 502 هـ)، وهو فقيه شافعي، درس بنيسابور وميافارقين وبخارى، ويعتبر أحد أئمة مذهب الشافعي، اشتهر بحفظ المذهب حتى يحكى عنه أنه قال: (لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من حفظي) ؛ وقيل فيه: (شافعي عصره)، ولي قضاء طبرستان ورويان وقراها، ومن مؤلفاته: (البحر) وهو من أوسع كتب المذهب الشافعي؛ و(الفروق) ؛ (الحلية) ؛ و(حقيقة القولين)

ومنهم القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري([36]) (348 – 450هـ)، وهو فقيه، أصولي جدلي، من أعيان الشافعية، ولد في آمل، وهي مدينة في محافظة مازندران في إيران، ومن مؤلفاته: (شرح مختصر المزني)، في فروع الفقه الشافعي، و(شرح ابن الحداد المصري) وكتاب في (طبقات الشافعية)، و(المجرد)

ومنهم فخر الدين الرازي ([37]) (544 – 606 هـ) الذي سبق ذكره في علماء العقيدة الإسلامية، ومن مؤلفاته في الشريعة الإسلامية: (معالم الأصول) ؛ و(المحصول) في أصول الفقه.

ومنهم أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي الشافعي([38]) (360 – 447 هـ)، وهو فقيه، مقرئ، محدث، قال ابن عساكر: وكان فقيها مشارا إليه صنف الكثير في الفقه وغيره، ودرس، وهو أول من نشر هذا العلم بصور، وانتفع به جماعة، منهم الفقيه نصر حدث عن: محمد بن عبد الملك الجعفي ومحمد بن جعفر التميمي والحافظ أحمد بن محمد بن البصير الرازي وأبي حامد الإسفراييني وتفقه به وغيرهم، ومن مؤلفاته: (البسملة)، و(غسل الرجلين)، وله تفسير كبير شهير وغير ذلك.

ومنهم أبو المظفر منصور بن محمد المعروف بابن السمعاني([39]) (426 – 489 هـ)، وهو من أهل مرو، وكان فقيها أصوليا مفسرا محدثا متكلما، تفقه على أبيه في مذهب أبي حنيفة النعماني حتى برع، ثم ورد بغداد ومنها إلى الحجاز، ولما عاد إلى خرسان دخل مرو وألقى عصا السفر، رجع عن مذهب أبي حنيفة وقلد الشافعي، وتسبب ذلك في قيام العوام عليه، فخرج إلى طوس ثم قصد نيسابور، ومن مؤلفاته (القواطع في أصول الفقه)، و(البرهان) في الخلاف وهو يشتمل على قريب من ألف مسألة خلافية؛ و(تفسير القرآن)

ومنهم محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري([40]) (242 – 319 هـ)، وهو من كبار الفقهاء المجتهدين، لم يكن يقلد أحدا؛ لكن عده الشيرازي في الشافعية، ولقب بشيخ الحرم، وأكثر تصانيفه في بيان اختلاف العلماء، ومن مؤلفاته: (المبسوط) في الفقه؛ و(الأوسط في السنن) ؛ و(الإجماع والاختلاف) ؛ و(الإشراف على مذاهب أهل العلم) و(اختلاف العلماء).

ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأسفراييني([41]) (- 418 هـ)، وهو منسوب إلى (إسفرايين) وهي بلدة بنواحي نيسابور، وهو فقيه وأصولي شافعي، قيل إنه بلغ رتبة الاجتهاد وكان شيخ أهل خراسان في زمانه، أقام بالعراق مدة ثم رحل إلى أسفرايين فبني له بها مدرسة، فلزمها ودرس فيها، وبه تفقه القاضي أبو الطيب الطبري، وعنه أخذ الكلام والأصول عامة شيوخ نيسابور، ومن مؤلفاته: (الجامع في أصول الدين) خمس مجلدات وتعليقته في أصول الفقه.

ومنهم أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد الإسفرائيني([42]) (344 – 406 هـ)، وقد كان إمام الشافعية في زمانه، وانتهت إليه رئاسة المذهب، ومن مؤلفاته (شرح المزني) في تعليقة نحو من خمسين مجلدا، وله تعليقة في أصول الفقه.

ومنهم عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه، الجويني([43]) (- 438 هـ)، وهو منسوب إلى (جوين) بنواحي نيسابور، وهو من كبار فقهاء الشافعية، أخذ عن القفال المروزي وأبي الطيب الصعلوكي، قال عنه الصابوني: (لو كان من بني إسرائيل لنقلوا إلينا شمائله، ولافتخروا به)، وهو والد عبد الملك الجويني الملقب بإمام الحرمين، ومن مؤلفاته: (الفروق) ؛ و(السلسلة) ؛ و(التبصرة) ؛ و(التفسير)

ومنهم أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، إمام الحرمين([44]) (419 – 478 هـ)، وهو كما ذكر في ترجمته: (من أعلم أصحاب الشافعي، مجتمع على إمامته وغزارته، تفقه على والده، وأتى على جميع مصنفاته وتصرف فيها حتى زاد عليه في التحقيق والتدقيق. جاور بمكة أربع سنين وبالمدينة يدرس ويفتي ويجمع طرق المذهب، فلهذا قيل له إمام الحرمين. وتولى الخطابة بمدرسة النظامية بمدينة نيسابور، وفوض إليه الأوقاف وبقى على ذلك ثلاثين سنه)، له مؤلفات كثيرة منها: (نهاية المطلب في دراية المذهب) في فقه الشافعية، و(الشامل) و(الإرشاد) في أصول الدين، و(البرهان) في أصول الفقه.

ومنهم أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري([45]) (- 468 هـ)، وهو فقيه شافعي، واحد عصره في التفسير، وكان إماما عالما بارعا محدثا، ومن مؤلفاته: (البسيط) ؛ و(الوسيط) ؛ و(الوجيز) كلها في التفسير؛ و(أسباب النزول)

ومنهم أبو الفتح ناصر بن سلمان النيسابوري([46]) (489 – 552 هـ)، وهو من علماء الشافعية. كان محدثا إماما مناظرا بارعا في الكلام، حاز قصب السبق فيه على أقرانه، ومن مؤلفاته: (كتاب في علم الكلام)

ومنهم محمد بن عبد الله بن حمدويه، الشهير بالحاكم، يعرف بابن البيع([47]): (321 – 405)، وهو من حفاظ الحديث والمصنفين فيه. من أهل نيسابور. سمع بنيسابور وحدها من نحو ألف شيخ، وبغيرها من نحو ألف، كان يرجع إليه في علل الحديث وصحيحه وسقيمه. وحفظ نحو 300 ألف حديث، ومن مؤلفاته: (المستدرك على الصحيحين)؛ و(تاريخ نيسابور)؛ و(معرفة علوم الحديث)

ومنهم أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون بن علي النيسابوري ([48]) (426 – 478 هـ)، وهو ـ كما ذكر في ترجمته ـ أحد الأئمة الرفعاء من فقهاء الشافعية، كان فقيها محققا وحبرا مدققا، برع في الفقه والأصول والخلاف، ومن مؤلفاته: (تتمة (الإبانة) للفوراني)، وكتاب في الفرائض مختصر، وكتاب في أصول الدين مختصر.

ومنهم أحمد بن محمد، أبو سهل، الزوزني ([49])، ويعرف بابن عفريس([50]) (؟ – 362 هـ)، وهو فقيه من فقهاء الشافعية، ومن مؤلفاته: (جمع الجوامع) اختصره من كتب الشافعي، وذكر السبكي في الطبقات أنه جمع في هذا الكتاب القديم والمبسوط والأمالي ورواية المزني في الجامع الكبير والمختصر.

ومنهم أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي، الجرجاني الاستراباذي([51]) (242 – 323 هـ)، وهو فقيه محدث، حافظ، أصولي، قال عنه أبو الوليد حسان بن محمد: (لم يكن في عصرنا أحفظ للفقهيات، وأقاويل الصحابة بخراسان منه)، وقال أبو علي النيسابوري: (ما رأيت بخراسان بعد ابن خزيمة مثل أبي نعيم كان يحفظ الموقوفات والمراسيل كلها كما نحفظ نحن المسانيد). قال حمزة السهمي: (كان مقدما في الفقه والحديث)

ومنهم أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن النيسابوري القشيري الشافعي([52]) (376 – 465 هـ)، وهو شيخ خراسان في عصره. فقيه، أصولي، محدث. حافظ، مفسر، متكلم، أديب، ناثر، ناظم، ومن مؤلفاته: (التيسير في التفسير)، ويقال له (التفسير الكبير)، و(الرسالة القشيرية)، و(لطائف الإشارات)

ومنهم أحمد بن الحسين بن سهل، أبو بكر، الفارسي([53]) (توفى في حدود 350 هـ)، وهو فقيه شافعي. تفقه على المزني وابن سريج. تولى قضاء بلاد فارس وأقام مدة ببخارى، ثم بنيسابور. ومن مؤلفاته: (عيون المسائل في نصوص الشافعي)، و(الذخيرة في أصول الفقه)، ” كتاب الانتقاد على المزني) ومنهم.

هو عبد الله بن أحمد بن عبد الله، أبو بكر، المعروف بالقفال المروزي([54]) (327 – 417 هـ)، وهو فقيه شافعي، شيخ الخراسانيين من الشافعية، ومن مؤلفاته (شرح فروع ابن الحداد) في الفقه.

ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد السرخسي المروزي الشافعي([55]) (432 – 494هـ)، قال فيه ابن السمعاني: (أحد أئمة الإسلام، ومن يضرب به المثل في الآفاق بحفظ مذهب الشافعي)، ومن مؤلفاته: (كتاب الأماني) في الفقه.

ومنهم محمد بن الحسن بن فورك الأصفهاني([56]) (- 406 هـ)، وهو متكلم فقيه، أصولي، ولغوي، ومن مؤلفاته: (مشكل الآثار)، (تفسير القرآن) ؛ و(النظامي) في أصول الدين.

ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي([57]) (؟ – 340 هـ)، وهو فقيه شافعي، انتهت إليه رئاسة الشافعية بالعراق بعد ابن سريج، ومن مؤلفاته: (شرح مختصر المزني)

ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي([58]) (توفي 340هـ)، وهو أحد الأئمة من فقهاء الشافعية، شرح المذهب ولخصه، وأقام ببغداد دهرا طويلا يدرس ويفتي. وتخرج به أئمة كأبي زيد المروزي، والقاضي أبي أحمد أحمد بن بشر المروروذي مفتي البصرة.

ومنهم أبو علي الحسين بن شعيب بن محمد السنجي، الشافعي([59]) (توفي 430 هـ)، وهو فقيه مرو في عصره، أخذ الفقه بخراسان عن أبي بكر القفال المروزي وأبو محمد الجويني وغيرهما، ومن مؤلفاته: (شرح التلخيص) لأبي العباس بن القاص، وكتاب (المجموع)، و(شرح مختصر المزني)، و(شرح الفروع)، لابن الحداد. وكلها في فروع الفقه الشافعي، وجمع مسند الشافعي.

ومنهم أبو زيد محمد بن أحمد الفاشاني الشافعي([60]) (301 – 371 هـ)، والفاشان نسبة إلى قرية من قرى مرو، حدث عن محمد بن يوسف الفربري، وعمر بن علك المروزي، ومحمد بن عبد الله السعدي وغيرهم. وروى عنه الهيثم بن أحمد الصباغ، وعبد الوهاب الميداني، وأبو عبد الله الحاكم وغيره. وقال الخطيب: (كان أحد أئمة المسلمين حافظا لمذهب الشافعي)

ومنهم أبو حامد محمد بن محمد الغزالي([61]) (450 – 505 هـ)، وهو فقيه شافعي أصولي، بالإضافة إلى كونه متكلما، ومتصوفا، من مؤلفاته الفقهية المشهورة في المذهب الشافعي: (البسيط) ؛ و(الوسيط) ؛ و(الوجيز) ؛ و(الخلاصة)، ومن كتبه في أصول الفقه المستصفى من علم الأصول، والمنخول من تعليقات الأصول، وشفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل.

وتجدر الإشارة إلى أن كتاب الغزالي [المستصفى من علم الأصول] أحد الكتب الأربعة التي على أساسها كتبت كل كتب أصول الفقه على طريقة المتكلمين، وثانيهما [البرهان] لأستاذه إمام الحرمين الجويني النيسابوري(م. 478 هـ)، وقد قام بجمعها وتلخيصها الإمام فخر الدين الرازي (م. 606 هـ) في كتابه (المحصول)

ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي([62]) (393 – 467 هـ)، وهو فقيه شافعي، كان مناظرا فصيحا ورعا متواضعا، انتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي، بنيت له النظامية ودرس بها إلى حين وفاته، ومن مؤلفاته: (المهذب) في الفقه، و(النكت) في الخلاف، و(التبصرة) في أصول الفقه.

ومنهم أبو عبد الله نصر بن علي الشيرازي الفارسي الفسوي المعروف بابن أبي مريم ([63]) (توفي بعد 565 هـ)، خطيب شيراز وعالمها وأديبها والمرجوع إليه في الأمور الشرعية والمشكلات الأدبية، أخذ عنه محمود بن حمزة الكرماني، ومن مؤلفاته: (تفسير القرآن)؛ و(الموضح في القراءات الثمان)

ومنهم أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الفوراني، المروزي([64]) (388 – 461 هـ)، وهو فقيه، أصولي، كان مقدم الشافعية بمرو، ومن مؤلفاته: (الإبانة) في مذهب الشافعية، و(تتمة الإبانة) و(العمدة)

ومنهم أبو بكر أحمد بن محمد بن محمد الشيرازي الشافعي الشهير بابن الجزري([65]) (780 -؟)، وهو مقرئ، مجود، حافظ، مشارك في بعض العلوم. وأجاز له الصلاح ابن أبي عمر والحافظ أبو بكر ابن المحب وابن قاضي شهبه وغيرهم، ومن مؤلفاته: (شرح طيبة النشر)، و(شرح مقدمة التجويد)، و(شرح مقدمة علوم الحديث)

ومنهم أبو سعيد عبد الله بن عمر ناصر الدين البيضاوي، الشيرازي، الشافعي([66]) (توفي 685هـ)، وهو فقيه، مفسر، أصولي، محدث، ولي قضاء القضاة بشيراز، أخذ الفقه عن والده ومعين الدين أبي سعيد وعن زين الدين حجة الإسلام أبي حامد الغزالي وغيرهم، ومن مؤلفاته: (منهاج الأصول إلى علم الوصول)، و(الغاية القصوى في دراسة الفتوى) في فروع الفقه الشافعي، و(أنوار التنزيل وأسرار التأويل)، وهو المشهور بتفسير البيضاوي، و(شرح مصابيح السنة) للبغوي.

ومنهم أبو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني([67]) (557 – 623 هـ)، وهو من كبار الفقهاء الشافعية، ومن مؤلفاته: الشرح الكبير الذي سماه (العزيز شرح الوجيز للغزالي)، وقد تورع بعضهم عن إطلاق لفظ العزيز مجردا على غير كتاب الله فقال (فتح العزيز في شرح الوجيز) ؛ و(شرح مسند الشافعي)

ومنهم أبو حاتم محمد بن الحسن القزويني، الطبري الشافعي([68]) (توفي 414 هـ)، وهو فقيه، أصولي، ومن مؤلفاته: (كتاب الحيل) في الفقه، و(تجريد التجريد)

ومنهم عبد الغفار بن عبد الكريم القزويني([69]) (توفي 665 هـ)، وهو فقيه عالم بالحساب، من فقهاء الشافعية، ومن مؤلفاته: (الحاوي الصغير)، و(العجائب في شرح اللباب)، وكلاهما في فروع الفقه الشافعي، وكتاب في (الحساب)

ومنهم أبو علي الحسين القاسم الطبري([70]) (350 هـ)، وهو فقيه وأصولي شافعي، كان إماما عالما بارعا في عدة فنون، سكن بغداد ودرس فيها وتوفي بها كهلا، ومن مؤلفاته: (الإفصاح) في فروع الفقه الشافعي، و(المحرر) وهو أول كتاب صنف في الخلاف المجرد.

ومنهم أحمد بن أبي أحمد، الطبري الشافعي، المعروف بابن القاص([71]) (توفي 335)، وهو فقيه شافعي، ومن مؤلفاته: (التخليص في فروع الفقه الشافعي)، و(أدب القاضي)، و(كتاب المواقيت)، و(فتاوى)

ومنهم محمد بن عبد الملك بن خلف، الطبري السلمي الشافعي([72]) (توفي 470هـ)، وهو فقيه، صوفي، ومن مؤلفاته: (الكناية) في الفقه، و(شرح المفتاح لابن القاص) في فروع الفقه الشافعي، و(المعين على مقتضى الدين)

ومنهم القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري([73]) (348 – 450هـ)، وهو فقيه، أصولي جدلي، من أعيان الشافعية، ولد في آمل بطبرستان، واستوطن بغداد، سمع الحديث بجرجان، ونيسابور، وبغداد، ومن مؤلفاته: (شرح مختصر المزني)، في فروع الفقه الشافعي، و(شرح ابن الحداد المصري) وكتاب في (طبقات الشافعية)، و(المجرد)

ومنهم عبد القادر بن محمد الحسيني، الطبري، الشافعي([74]) (976 – 1033هـ)، وهو عالم، أديب، ناظم، ناثر، مشارك في أنواع العلوم، ومن مؤلفاته: (عيون المسائل من أعيان الرسائل)، و(الآيات المقصورة على الأبيات المقصورة)، و(حسن السريرة على حسن السيرة)، وله رسائل علمية منها: (إفحام المجاري في أفهام البخاري)، و(سل السيف على حل كيف) وغيرها.

ومنهم أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الله الحناطي الطبري الشافعي([75])(توفي بعد 400 هـ)، وهو فقيه، محدث، ومن مؤلفاته: (الكفاية في الفروق)، و(الفتاوى)

ومنهم أبو الحسن علي بن محمد الطبري، الملقب بعماد الدين، المعروف بإلكيا الهراسي([76]) (450 – 504 هـ)، وهو فقيه شافعي، مفسر، أصولي، متكلم، وتفقه على (إمام الحرمين) وهو أجل تلامذته بعد الغزالي، وحدث عن (إمام الحرمين) وأبي علي الحسن ابن محمد الصفار وغيرهما. ودرس بالنظامية، ووعظ. ومن مؤلفاته: (أحكام القرآن)، و(لوامع الدلائل في زوايا المسلسل)، و(شفاء المسترشدين في مباح المجتهدين)، و(التعليق في أصول الفقه)

ومنهم أبو علي الحسن بن محمد الزجاجي، الطبري، المعروف بالزجاجي([77]) (توفي 400 هـ)، وهو محدث وفقيه شافعي، تولى القضاء، أخذ العلم عن ابن القاص، والقاضي أبي الطيب الطبري، وأخذ عنه فقهاء آمل، ومن مؤلفاته: (التهذيب) في فروع الفقه الشافعي، و(زيادة المفتاح)، و(كتاب الدر)

ومنهم أبو عبد الله الحسين بن علي الطبري([78]) (418 – 498 هـ)، وهو فقيه شافعي، نزيل مكة ومحدثها، وفقيهها، وكان يدعى إمام الحرمين، تفقه على ناصر العمري بخراسان، وعلى القاضي أبي الطيب الطبري ببغداد، ثم لازم أبا إسحاق الشيرازي حتى برع في المذهب، والخلاف، وصار من أكابر أصحابه ودرس بنظامية بغداد.

هذه مجرد نماذج عن كبار الفقهاء والأصوليين الإيرانيين من من المدرسة الشافعية، ومن شاء المزيد يمكنه الرجوع لكتب الرجال، وخاصة ما تعلق منها برجال المذهب الشافعي.

2 ـ إيران.. والمدرسة الحنفية:

مثلما كان للإيرانيين اهتمام بدراسة المذهب الشافعي الذي يعتبر من أكثر المذاهب الإسلامية انتشارا، نراهم يهتمون بالمذهب الحنفي، ولو بدرجة أقل.

فمن كبار الحنفية من الإيرانيين زفر بن الهذيل بن قيس العنبري([79]) (110 – 158 هـ)، وأصله من أصبهان، وهو من كبار فقهاء الحنفية، بل من تلاميذ أبي حنيفة المباشرين، ومن أكثرهم أخذا بالقياس، وقد قال متحدثا عن نفسه: (ما خالفت أبا حنيفة في قول إلا وقد كان أبو حنيفة يقول به)

ومما روي في مناقبه عن إبراهيم بن سليمان، قال: (كان إذا جالسناه ـ أي زفر ـ لم نقدر أن نذكر الدنيا بين يديه، وإذا ذكرها واحد منا قام عن مجلسه وتركه فى موضعه، وكنا نحدث فيما بيننا أن الخوف قتله)

وقال شداد: (سألت أسد بن عمرو أأبو يوسف أفقه أم زفر؟ فقال: (زفر أورع) قلت: عن الفقه سألتك، قال: (يا شداد بالورع يرتفع الرجل)

ومنهم أبو بكر إبراهيم بن رستم، المروزي([80]) (توفي 211هـ)، وهو فقيه حنفي من أصحاب محمد بن الحسن، أخذ عن محمد وغيره من أصحاب أبي حنيفة، وسمع من مالك والثوري وحماد بن سلمة وغيرهم، وعرض المأمون عليه القضاء فامتنع، ومن مؤلفاته: (النوادر) كتبها عن محمد.

ومنهم أبو سهل موسى بن نصير، أو ابن نصر الرازي، ([81]) (كان حيا قبل 189 هـ)، وهو فقيه من أصحاب محمد بن الحسن الشيباني، تفقه عليه أبو علي الدقاق وأبو سعيد البردعي، روى الحديث عن عبد الرحمن بن مغراء أبي زهير، وهو آخر من روى الحديث عنه، ومن مؤلفاته: (كتاب الشفعة)، و(كتاب المخارج)

ومنهم عبد الله بن المبارك، أبو عبد الرحمن، الحنظلي بالولاء، المروزي([82]) (118 – 181 هـ)، كان فقيها كثير الحديث، صاحب أبا حنيفة وسمع السفيانين وسليمان التيمي وحميدا الطويل، حدث عنه خلق لا يحصون من أهل الأقاليم منهم عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل عد جماعة من أصحابه خصالة فقالوا: (جمع العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والشعر والزهد والفصاحة والورع وقيام الليل والعبادة والسداد في الرواية وقلة الكلام فيما لا يعنيه وقلة الخلاف على أصحابه)، ومن مؤلفاته: (تفسير القرآن)، و(الدقائق في الرقائق)، و(رقاع الفتاوى)

ومنهم أبو يعلى معلى بن منصور الرازي([83]) (توفي 211 هـ)، وهو من رجال الحديث المصنفين فيه، ومن أصحاب أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة، حدث عن مالك وسليمان بن بلال ومحمد بن ميمون الزعفراني والهيثم بن حميد الغساني وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وغيرهم، وروى عنه ابنه يحيى وأبو خيثمة وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو ثور وغيرهم. وطلب للقضاء غير مرة فأبى، ومن مؤلفاته: (النوادر)، و(الأمالي) في الفقه.

ومنهم علي بن موسى بن يزداد([84]) (توفي 305 هـ)، من أهل قم، ثم قدم نيسابور، إمام الحنفية في عصره، وله كتب في الرد على أصحاب الشافعي، ومن مؤلفاته (كتاب الضحايا)

ومنهم أبو بكر محمد بن إبراهيم الضرير الميداني([85])، نسبة إلى ميدان، موضع بنيسابور، قال الذهبي: من أئمة الحنفية، وقال اللكنوي: هو شيخ كبير عارف بالمذهب قلما يوجد مثله في الأعصار، حدث عن أبي محمد المزني، وعنه ميمون بن علي الميموني. وله مناظرات مع أحمد بن نصر العياضي أخي أبي بكر العياضي.

ومنهم أبو الحسن علي بن موسى النيسابوري الحنفي([86]) (توفي 305 هـ)، وهو إمام الحنفية في عصره، تصدر بنيسابور للإفادة، وتخرج به الكبار وبعد صيته، وطال عمره، وكان صاحب رحلة ومعرفة، سمع من محمد بن حميد الرازي ومحمد بن معاوية بن مالح، وتفقه بمحمد بن شجاع الثلجي، حدث عنه أبو بكر أحمد بن محمد بن نصر وغيره، ذكره الحاكم فعظمه وفخمه، وقال: (هذا وأبو سعيد الخرشاني كانا عالمي خراسان في مذهب أبي حنيفة، تخرج بهما جماعة من الكبار)، ومن مؤلفاته: (أحكام القرآن)

ومنهم أبو الفضل محمد بن محمد المروزي، السلمي البخلي([87]) (توفي 334 هـ)، الشهير بـ (الحاكم الشهيد)، وكان عالم مرو وإمام الحنيفة في عصره، ولي قضاء بخارى، ثم ولي الوزارة لبعض الأمراء الساسانية، ومن مؤلفاته: (الكافي) ؛ و(المنتقى) كلاهما في الفقه الحنفي.

ومنهم الحسن بن منصور بن محمود الأوزجندي([88]) المشهور بقاضيخان([89]) (- 592 هـ)، وهو من كبار فقهاء الحنفية في المشرق، وفتاواه متداولة دائرة في كتب الحنفية، ومن مؤلفاته: (الفتاوى) و(الأمالي) و(شرح الجامع الصغير)

ومنهم عبد الله بن أحمد بن محمود، أبو البركات حافظ الدين النسفي الأصفهاني([90]) (701 هـ)، وهو فقيه حنفي كان إماما كاملا مدققا رأسا في الفقه والأصول، بارعا في الحديث ومعانيه، عده ابن كمال باشا من طبقة المقلدين القادرين على التمييز بين القوي والضعيف، وعده غيره من المجتهدين في المذهب، ومن مؤلفاته (كنز الدقائق)، وهو متن مشهور في الفقه؛ و(الوافي) في الفروع؛ و(الكافي) في شرح الوافي؛ (والمنار) في أصول الفقه.

ومنهم أبو بكر أحمد بن علي، الرازي المعروف بالجصاص([91]) (305 – 370 هـ)، وهو من فقهاء الحنفية، انتهت إليه رئاسة الحنفية في وقته. كان إماما، رحل إليه الطلبة من الأفاق. خوطب في أن يلي القضاء فامتنع، وأعيد عليه الخطاب فلم يقبل، ومن مؤلفاته: (أحكام القرآن) ؛ و(شرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي) ؛ و(شرح الجامع الصغير)

ومنهم أبو العباس أحمد بن محمد بن عمر الناطفي الطبري([92]) (توفي 446هـ)، وهو فقيه حنفي من أهل الري، ومن مؤلفاته: (الواقعات)، و(الأجناس والفروق) و(الهداية) و(الأحكام) كلها في فروع الفقه الحنفي.

3 ـ إيران.. والمدرسة المالكية:

من أعلام المالكية الكبار الذين أنجبتهم إيران، والذين كانوا من أوائل من ألف في الفقه المالكي أبو عبد الله أسد بن الفرات الخراساني النيسابوري([93]) (142 ـ 213 هـ)وهو الأمير، القاضي، الفقيه، فاتح صقلّية، سمع من مالك بن أنس الموطأ وغيره.

وقد ذكر في ترجمته أنه (تفقه بعلي بن زياد التّونسي، ثم ارتحل إلى المشرق فسمع مالكا، وكانت له رغبة كبيرة في الغوص في المسائل وتفريعاتها ولم يكن مالك يرغب في مثل ذلك، فانتقل أسد إلى العراق، فلقي أبا يوسف، ولازم محمد بن الحسن وتفقه به وأخذ بمذهبه، ثم عاد إلى مذهب مالك ولزم أصحابه المصريين، وجمع مسائله لمحمد بن الحسن وما سمعه من علم أبي حنيفة بالعراق، وسأل ابن القاسم أن يجيبه فيها على مذهب مالك فأجابه إلى ما طلب، وسميت تلك الكتب بالأسدية، كتبها عنه أهل مصر وأهل القيروان، واشتهر بها، وقد منعها من سحنون، لكن سحنون حصل عليها، وحملها إلى ابن القاسم بمصر، فعرضها عليه، وكاشفه عنها مكاشفة فقيه، فغير فيها ابن القاسم أشياء كثيرة لأنه كان أملاها على أسد من حفظه، وهذّبها مع سحنون، وكتب إلى أسد بأن يعارض كتبه بكتب سحنون لما أجرى فيها من تعديل، فلم يرض أسد بذلك، وقد اقتصر الناس بعد ذلك على تهذيب سحنون، وتركوا الأسدية حسب سماع أسد، وهذا ما حمل أسدا على الميل أخيرا إلى كتب أبي حنيفة، وسمعها منه أكثر من كان يميل إلى مذهب الكوفيين بالقيروان)

قال الشّيرازي: (واقتصر الناس على التفقه في كتب سحنون، ونظر سحنون فيها نظرا آخر، فهذبها وبوبها ودونها وألحق فيها من خلاف كبار أصحاب مالك ما اختار ذكره، وذيل أبوابها بالحديث والآثار، إلا كتبا منها مفرقة بقيت على أصل اختلاطها في السماع، فهذه هي كتب سحنون: المدونة والمختلطة؛ وهي أصل المذهب، المرجح روايتها على غيرها عند المغاربة، وإياها اختصر مختصروهم، وشرح شارحوهم، وبها مناظرتهم ومذاكرتهم، ونسيت الأسدية فلا ذكر لها الآن)

ومنهم أبو زكريا يحيى بن يحيى الحنظلي، النيسابوري([94]) (142 – 226 هـ)، وهو من تلاميذ الإمام مالك المباشرين، حيث قرأ عليه الموطأ ولازمه مدة للاقتداء به، وهو معدود في الفقهاء من أصحاب مالك، كان من سادات أهل زمانه علما ودينا ونسكا وإتقانا، روى عن مالك وسليمان بن بلال والحمادين وأبي الأحوص وأبي قدامة وغيرهم. وعنه البخاري ومسلم وروى الترمذي عن مسلم عنه وغيرهم.

ومنهم القاضي أبو بكر محمد بن أحمد بن الجهم، يعرف بابن الوراق المروزي([95]) (توفي 329هـ)، وقد ذكر في ترجمته أنه (الإمام الثقة، الفاضل، العالم بأصول الفقه القاضي العادل، سمع القاضي إسماعيل وتفقه به، ألف كتبا جليلة في مذهب مالك منها كتاب في بيان السنة، وكتاب مسائل الخلاف، والحجة في مذهب مالك)

ومنهم أبو الحسن علي بن أحمد البغدادي، الأبهري الشيرازي، المعروف بابن القصار([96]) (توفي 398 هـ)، وهو فقيه، مالكي أصولي، حافظ، ولي قضاء بغداد. تفقه بأبي بكر الأبهري وغيره، وبه تفقه أبو ذر الهروي والقاضي عبد الوهاب ومحمد بن عمروس وغيرهم. قال أبو ذر: هو أفقه من رأيت من المالكيين، وقال الشيرازي: لا أعرف للمالكيين كتابا في الخلاف أكبر من كتابه، ولعله يعني كتابه المسمى: (عيون الأدلة وإيضاح الملة في الخلافيات)

ومنهم إبراهيم بن محمود بن حمزة أبو إسحاق النيسابوري المعروف بالقطّان ([97]) (توفي 299 هـ) وهو فقيه مالكي، تفقه بعبد الله بن عبد الحكم، وسمع يونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن منيع، وغيرهما، قال القاضي عياض: (وكان من فقهاء المالكية، وأئمة الخراسانيين فيهم، ودرس المذهب بنيسابور، وهو آخر من درس بها مذهب مالك رحمه الله ذكر ذلك أبو نصر بن ماكولا الحافظ)

ومنهم حامد بن أحمد المروزي ثم النيسابوري ([98])(142 ـ 226 هـ)، وهو فقيه، حافظ، عالم خراسان، صحب مالك، وحمل عنه الموطأ، وروى عن اللّيث بن سعد، وسليمان بن بلال، وغيرهما، وروى عنه البخاري، ومسلم، وإسحاق بن راهوايه، وغيرهم.

قال إسحاق بن راهويه: (لم أكتب العلم عن أحد أوثق في نفسي منه، ومن الفضل بن موسى السّيناني)، وقال أبو عمر بن عبد البر: (كانت له حال بنيسابور، وله حظ من الفقه، وكان ثقة مأمونا مرضيا، روى عنه جماعة من أهل بلده وغيرهم)، وكان أحمد بن حنبل يثني عليه، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يذكر يحيى بن يحيى النيسابوري فأثنى عليه خيرا، وقال: ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثل يحيى بن يحيى، كان من ورعه يشك في الحديث كثيرا، حتى سموه الشكاك.

وقال أبو بكر بن إسحاق: (لم يكن بخراسان أعقل من يحيى بن يحيى، وكان أخذ تلك الشمائل من مالك بن أنس رحمه الله، أقام عليه لأخذها سنة بعد أن فرغ من سماعه، فقيل له في ذلك فقال: إنما أقمت مستفيدا لشمائله، فإنها شمائل الصحابة والتابعين)

4 ـ إيران.. ومدرسة الحنابلة:

من المذاهب الفقهية التي اهتم بها الإيرانيون منذ بداية تأسيسها المذهب الحنبلي، حتى أن بعضهم ينسب إمام المذهب نفسه إلى مدينة مرو الإيرانية، كما قال الزركلي في الأعلام في ترجمته: (الإمام ابن حَنْبَل (164 – 241 هـ) أحمد محمد بن بن حنبل، أبو عبد الله، الشيبانيّ الوائلي، إمام المذهب الحنبليّ، وأحد الأئمة الأربعة. أصله من مرو، وكان أبوه والي سرخس)([99])

ومن أعلام الحنابلة الذين أنجبتهم المدن الإيرانية أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم النيسابوري([100]) (218 – 275 هـ)، وهو من تلاميذ الإمام أحمد المباشرين، قال أبو يعلى: (خدم إمامنا أحمد بن حنبل، وهو ابن تسع سنين)

ومنهم أبو يعقوب إسحاق بن منصور الكوسج المروزي([101]) (توفي 251 هـ)، وهو كذلك من أصحاب الإمام أحمد المباشرين، ومن رجال الحديث، سمع سفيان بن عيينة ويحيى بن سعد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم، وروى عنه إبراهيم بن إسحاق الحربي وعبد الله بن أحمد بن حنبل، والبخاري ومسلم في الصحيحين، وأبو زرعة، وأبو عيسى الترمذي وغيرهم. قال مسلم بن الحجاج وأبو عبد الرحمن النسائي: إسحاق بن منصور ثقة مأمون. وقال أبو يعلى: كان إسحاق عالما فقيها وقد دون عن الإمام أحمد المسائل في الفقه، ومن مؤلفاته: (المسائل) في الفقه.

ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن هاني النيسابوري([102]) (توفي 265 هـ)، وهو من كبار أصحاب الإمام أحمد، كان أحد أئمة الحديث، وحدث عن أبي عبيد الله العيشي، ويعلى ومحمد ابني عبيد وغيرهم، نقل عن الإمام أحمد بن حنبل مسائل كثيرة. وكان أحمد يقول: (إن كان في البلد رجل من الأبدال، فأبو إسحاق النيسابوري)، ويروى أن الإمام أحمد اختفى في داره أيام المحنة.

ومنهم أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث بن إسحاق، بن أبي داود، السجستاني([103]) (230 – 316 هـ)، وهو ـ كما يذكر في ترجمته ـ (الإمام العلامة الحافظ شيخ بغداد، صاحب التصانيف. رحل به والده من سجستان، فطوف به شرقا وغربا وأسمعه من علماء ذلك الوقت، سمع بخراسان، والجبال وأصبهان وفارس، والبصرة، وبغداد، والكوفة، والمدينة والشام، ومكة، ومصر، والجزيرة. واستوطن بغداد وكان فهما عالما حافظا. وحدث عن علي خشرم المروزي وأبي داود سليمان بن معبد السنجي وسلمة بن شبيب ومحمد بن يحيى الذهلي وأحمد بن الأزهر النيسابوري وغيرهم. روى عنه أبو بكر بن مجاهد المقرئ وأبو بكر الشافعي والدارقطني وغيرهم)

ومن مؤلفاته: (المسند)، و(السنن)، و(التفسير)، و(القراءات)، و(الناسخ والمنسوخ)

5 ـ إيران.. والمدارس السنية الأخرى:

بالإضافة إلى تلك المدارس السنية الكبرى ظهر الكثير من الفقهاء في إيران، ومن المدرسة السنية نفسها، لكنهم لم يتسن لهم أن يكون لهم تلاميذ ينشرون مذاهبهم، أو كان لهم تلاميذ، وكانت لهم مذاهب، ولكنها اندثرت، ولم يعد لها وجود.

وذلك لا يعني إلغاءهم تماما، فلا تزال أقوالهم الفقهية، تدرس في الفقه المقارن، وهناك من يأخذ بها في الترجيح والاختيار.

ومن هؤلاء مؤسسي المذهب الظاهري، الذي كان إيرانيا بامتياز، فأكثر أئمته إيرانيون([104])، وأولهم أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني([105]) (201 – 270 هـ)، وهو الذي تنسب إليه المدرسة الظاهرية، والتي سميت بذلك لأخذها بظاهر الكتاب والسنة وإعراضها عن الرأي والقياس، وكان داود أول من جهر بهذا القول.

قال النووي عنه: (فضائل داود، وزهده، وورعه، ومتابعنه للسنة مشهورة)

وقال الصّفَدي: (كان زاهداً متقلِّلاً كثير الورع…وكان من أكثر الناس تعصُّباً للشافعي، وصنَّف في فضائله والثناء عليه كتابين،وكان صاحب مذهب مستقل وتبعه جمع كثير من الظاهرية،وانتهت إليه رئاسة العلم ببغداد. قيل إنه كان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر، وكان من عقلاء الناس)

وقال شمس الدين محمد بن علي الدّاوودي: (الإمام الحافظ المجتهد الكبير… كان إماماً فاضلاً صادقاً ورعاً)

وقال الذهبي: (الإمامُ، البحرُ، العلامة، عالمُ الوقت رئيس أهل الظاهر بصيرٌ بالفقه، عالمٌ بالقرآن،حافظٌ للأثر، رأسٌ في معرفة الخلاف، من أوعيةِ العلمِ، له ذكاءٌ خارقٌ، وفيه دِينٌ متينٌ)

وقال السيوطي: (صنّف التصانيف، وكان بصيراً بالحديث صحيحه وسقيمه، إماماً ورعاً ناسكاً زاهداً. كان في مجلسه أربعمائة صاحب طَيْلَسان أخضر)

وقال السبكي: (وكان أحد أئمة المسلمين وهداتهم… وقد كان موصوفاً بالدين المتين)

ومنهم أبو بكر محمد بن داود الأصبهاني، الظاهري([106])، (255 – 297هـ)، كان فقيها على مذهب أبيه مناظرا، وعالما أديبا، وشاعرا فصيحا إخباريا، تصدر للفتيا بعد والده وخلفه في حلقته، قال الذهبي: (له بصر تام بالحديث، وبأقوال الصحابة، وكان يجتهد ولا يقلد أحدا)، ومن مؤلفاته: الزهرة في الآداب والشعر، والتقصي في الفقه، والوصول في معرفة الأصول، والفرائض والمناسك.

ومنهم أبو عاصم أحمد بن عمرو النبيل قاضي أصبهان ([107]) (206 – 287)، كان إماما حافظا فقيها ظاهريا صالحا ورعا، له رحلة واسعة في طلب الحديث. وكان مذهبه القول بالظاهر وترك القياس. وقيل ذهبت كتبه في فتنة الزنج فأعاد من حفظه خمسين ألف حديث، ومن مؤلفاته: (المسند الكبير)، و(الآحاد والمثاني)، وكتاب (السنة) و(الديات)

ومن الفقهاء الذين أنجبتهم إيران، وكانت لهم مدارسهم الخاصة الليث بن سعد([108]) (94 – 175 هـ)، فأصله فارسي من أصفهان، ومما قيل في ترجمته: (كان أحد أشهر الفقهاء في زمانه، فاق في علمه وفقهه إمام المدينة المنورة مالك بن أنس، غير أن تلامذته لم يقوموا بتدوين علمه وفقهه ونشره في الآفاق، مثلما فعل تلامذة الإمام مالك، وكان الإمام الشافعي يقول: (الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به).. بلغ مبلغا عاليا من العلم والفقه الشرعي بحيث إن متولي مصر، وقاضيها، وناظرها كانوا يرجعون إلى رأيه، ومشورته، عرف بأنه كان كثير الاتصال بمجالس العلم)

وقال يحيى بن بكير: (ما رأيت أحدا أكمل من الليث)، وقال: (كان الليث فقيه البدن، عربي اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الحديث والشعر، حسن المذاكرة)

ومنهم محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري([109]) (242 – 319 هـ)، وهو من كبار الفقهاء المجتهدين، لم يكن يقلد أحدا؛ لكن عده الشيرازي في الشافعية، ولقب بشيخ الحرم، وأكثر تصانيفه في بيان اختلاف العلماء، ومن مؤلفاته: (المبسوط) في الفقه؛ و(الأوسط في السنن) ؛ و(الإجماع والاختلاف) ؛ و(الإشراف على مذاهب أهل العلم) و(اختلاف العلماء)

قال فيه النووي: (ابن المنذر النيسابوري الإمام المشهور أحد أئمة الإسلام، المجمع على إمامته وجلالته ووفور علمه، وجمعه بين التمكن في علمي الحديث والفقه، وله المصنفات المهمة النافعة في الإجماع والخلاف وبيان مذاهب العلماء، وله من التحقيق في كتبه ما لا يقاربه فيه أحد، وهو في نهاية من التمكن من معرفة الحديث، وله اختيار فلا يتقيّد في الاختيار بمذهب بعينه، بل يدور مع ظهور الدليل)([110])

وقال السبكي: (ابن المنذر النيسابوري أحد أعلام هذه الأمة وأحبارها، كان إمامًا مجتهدًا، حافظًا ورعًا)([111])

ومنهم أبو محمد يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن المروزي([112]) (159 – 242 هـ)، وهو القاضي المشهور، ومما قيل في ترجمته: (فقيه صدوق، عالي الشهرة، كثير الأدب، حسن المعارضة)

قال ابن خلكان: كانت كتب يحيى في الفقه أجل كتب، فتركها الناس لطولها.. وله كتب في الأصول وكتاب أورده على العراقيين سماه [التنبيه]، وبينه وبين داود بن علي مناظرات.

ومنهم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري([113]) (224 – 310 هـ)، وكان له مذهب فقهي خاص، وله اختيار من أقوال الفقهاء، وقد تفرد بمسائل حفظت عنه، ومن مؤلفاته: (اختلاف الفقهاء)، و(كتاب البسيط في الفقه)، و(جامع البيان في تفسير القرآن)، و(التبصير في الأصول)

ومنهم إسحاق بن راهويه([114]) (161 – 238 هـ)، وهو من نيسابور، طاف البلاد لجمع الحديث، وأخذ عنه أحمد والشيخان، قال فيه الخطيب البغدادي: (اجتمع له الفقه والحديث والحفظ والصدق والورع والزهد)

ومنهم أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي([115]) (202 – 294 هـ)، وهو إمام في الفقه والحديث. كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة فمن بعدهم في الأحكام، نشأ بنيسابور، ورحل رحلة طويلة استوطن بعدها سمرقند وتوفي بها. روى عن يحيى بن يحيى النيسابوري وإسحاق بن راهويه، وإبراهيم بن المنذري وغيرهم. وعنه ابنه إسماعيل، ومحمد بن إسحاق الرشادي وغيرهما. وومن مؤلفاته: (القسامة) في الفقه، و(المسند) في الحديث، و(ما خالف به أبو حنيفة عليا وابن مسعود)، و(السنة)

ومنهم أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب الفراء النيسابوري([116]) (بعد 180 – 272 هـ)، ذكر في ترجمته أنه كان وجه مشايخ نيسابور عقلا وعلما وجلالة وحشمة، سمع حفص بن عبد الرحمن الفقيه جعفر بن عون وعبيد الله بن موسى ويعلى بن عبيد وغيرهم، وحدث عنه بشرين الحكم وأحمد بن الأزهر والنسائي في سننه وابن خزيمة وغيرهم، قال الحاكم: كان يفتي في الفقه والحديث والعربية ويرجع إليه فيها. قال علي بن الحسن الدرابجردي: أبو أحمد عندي ثقة مأمون. ووثقه مسلم، وذكره ابن حبان في الثقات.

6 ـ إيران.. والمدرسة الشيعية:

مما يدل على مدى تغلغل التشيع في إيران، وأنه ليس وليد الفترة الصفوية فقط ـ كما يزعم المرجفون ـ هو أن الكثير من الفقهاء والمحدثين والمفسرين من الشيعة ظهروا في إيران، وفي العصور الأولى من الإسلام، وقبل أن يظهر الصفويون بمدة طويلة، بل ظهروا في ظل دول كانت تقمع الشيعة، وتحاصرهم.

ولا يمكننا في هذا المحل الإحاطة بهم، فقد ألفت فيهم المؤلفات الكثيرة، ولذلك نكتفي بذكر بعضهم هنا، ثم نعقب عليهم بذكر بعض المعاصرين الذين ازدهر في عهدهم التأليف في العلوم المرتبطة بالشريعة، كما لم يزدهر في جميع العصور السابقة.

فمنهم أبو القاسم سعد بن عبد الله القمي (المتوفى 299 هـ)، ومما ذكر في ترجمته: (شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها، كان قد سمع من حديث العامى ـ أي أهل السنة ـ شيئا كثيرا، وسافر لطلب الحديث، لقى من وجوههم، وصنف كتبا كثيرة)([117])

ومن مؤلفاته: كتاب الرحمة وهو يشتمل على كتب، منها: كتاب الطهارة، وكتاب الصلاة، وكتاب الزكاة، وكتاب الصوم، وكتاب جوامع‏ الحج([118]).

ونقل النجاشي، عن الحسين بن عبيد الله (ابن الغضائري) قال: جئت بالمنتخبات إلى أبي القاسم بن قولويه أقرأها عليه، فقلت: حدثك سعد، فقال: لا، بل حدثني أبي وأخي عنه، وأنا لم أسمع من سعد إلا حديثين([119]).

ومنهم أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي ([120]) (المتوفى 369 هـ)، وهو ـ كما ذكر في ترجمته ـ من مشايخ الإمامية وأعيانها، قال النجاشي: أبو القاسم من خيار أصحاب سعد، وكان من ثقات أصحابنا وأجلائهم في الحديث والفقه، روى عن: أبيه وأخيه عن سعد، وعليه قرأ شيخنا أبو عبد الله المفيد الفقه، ومنه حمل، وكل ما يوصف به الناس من جميل وفقه فهو فوقه، ثم ذكر أسماء كتبه، وقال: قرأت أكثر هذه الكتب على شيخنا أبي عبد الله المفيد رحمه الله وعلى الحسين ابن عبيد الله رحمه الله([121]).

وقال الشيخ الطوسي: جعفر بن محمد بن قولويه القمي يكنى (أبا القاسم) ثقة، له تصانيف كثيرة على عدد أبواب الفقه([122]).

ومنهم محمد بن علي بن الحسين الصدوق (306- 381 هـ)، وهو رئيس المحدثين الشيعة على الإطلاق، وهو كذلك فقيه الإمامية ووجههم، وقد قيل في ترجمته: (صدوق الطائفة، المولود بدعوة صاحب الأمر، المخصوص بحق رعايته وألطافه، الشيخ الفقيه المحدث أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، ولد في محتد طيب وبلدة عريقة في مدينة قم، وتربى في بيت رفيع عرف بالصلاح والعلم وزعامة الدين، وقد تتلمذ على أبيه وتخرج على يديه، ثم هاجر من قم واختلف إلى حواضر العلم لتبادل السماع والاسماع مع المحدثين وأئمة العلم) ([123])

قال النجاشي عنه: (أبو جعفر، نزيل الري، شيخنا وفقيهنا، ووجه الطائفة بخراسان، وكان ورد بغداد سنة 355 هـ، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن، ثم ذكر أسماء كتبه وذكر أنه ينقل كتب الصدوق عن طريق والده وهو علي بن أحمد ابن العباس النجاشي، وهو الواسطة الوحيدة بينه وبين الصدوق، فإن الوالد قد تتلمذ على الصدوق وسمع كتبه)([124])

وقال الطوسي عنه: (جليل القدر، حفظة، بصير بالفقه والأخبار والرجال، له مصنفات كثيرة)([125])

و قال في فهرسته: (محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، يكنى أبا جعفر، كان جليلا، حافظا للأحاديث، بصيرا بالرجال، ناقدا للأخبار، لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه، له نحو من ثلاثمائة مصنف وفهرست كتبه معروف)([126])

وقال الخطيب البغدادي: (كان من شيوخ الشيعة ومشهوري الرافضة، حدثنا عنه محمد بن طلحة النعالي)([127])

و قال الذهبي: (رئيس الإمامية، أبو جعفر محمد بن العلامة علي بن الحسين ابن موسى بن بابويه القمي، صاحب التصانيف السائرة بين الرافضة، يضرب في حفظه المثل، يقال له (300) مصنف)([128])

وقال ابن إدريس: (كان ثقة، جليل القدر، بصيرا بالأخبار، ناقدا للآثار، عالما بالرجال، حفظة، وهو أستاذ شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان)([129])

ومنهم محمد بن الحسن الطوسي (385- 460 هـ)، وهو من الفقهاء الذين جمعوا بين الحديث والفقه، ومما قيل في ترجمته: (يمتاز الشيخ محمد بن الحسن الطوسي عن أكثر معاصريه بأنه كان ذا مواهب كثيرة، ففي حين أنه محدث كبير، وألف للشيعة الإمامية الجامعين‏ الكبيرين (التهذيب) و(الاستبصار) فهو فقيه متضلع في الفقه.. وقد تتلمذ على علمين كبيرين للشيعة هما: المفيد والمرتضى، فصار علما للفقه، ومرجعا للشيعة على الإطلاق بعد رحيل أستاذه الشريف المرتضى، وصارت كتبه مرجعا ومصدرا لرواد العلم، حتى أضحى كتابه (النهاية) في مجرد الفقه كتابا دراسيا عدة قرون) ([130])

قال النجاشي في حقه: (محمد بن الحسن بن علي الطوسي، أبو جعفر، جليل من أصحابنا، ثقة، عين، من تلامذة شيخنا أبي عبد الله)

و قال العلامة: (شيخ الإمامية، ورئيس الطائفة، جليل القدر، عظيم المنزلة، ثقة، عين، صدوق، عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب، وجميع الفضائل تنسب إليه، صنف في كل فنون الإسلام، وهو المهذب للعقائد في الأصول والفروع، والجامع لكمالات النفس في العلم والعمل)([131])

وقال المحقق البروجردي: (وأنت إذا نظرت إلى كلماته في الكتابين (الطهارة والصلاة) وما جادل به المخالفين في المسائل الخلافية، كمسألة مسح الرجلين، وما أفاده في مقام الجمع بين الأخبار واختياراته في المسائل، وما يستند فيه إليها، وما يورده من الأخبار في كل مسألة، تخيلته من أبناء السبعين وأنه صرف عمره الطويل في تحصيل العلوم الأدبية والأصولين والقراءات والتفسير ومسائل الخلاف والوفاق، وطاف البلاد في طلب أحاديث الفريقين وما يتعلق بها من الجرح والتعديل، حتى صار له قدم راسخ في جميع العلوم الدينية، ولو قيل لك إنه كان شابا حدثا من أبناء أربع أو ثمان وعشرين لأنكرت ذلك وقلت ان هذا لشي عجاب)([132])

و قد خدم الشيخ الطوسي علم الفقه بأساليب شتى([133])، فتارة ألف في الفقه على مسلك الأخباريين وأصحاب الحديث، فجرد النصوص عن الأسانيد وأسماه ب [النهاية] في مجرد الفتاوى، وكان الكتاب كتابا دراسيا إلى زمن المحقق الحلي قبل تأليف الشرائع، كما ألف في الفقه على مسلك المجتهدين وأسماه ب [المبسوط] وآثر فيه طريق المجتهدين، وقال في مقدمته: إنه كتاب لم يصنف مثله، ولا نظير له بين كتب الأصحاب، ولا في كتب المخالفين، إلى أن قال: إن أصحابنا ألفوا الأخبار وما رووه من صريح الألفاظ، حتى أن مسألة لو غير لفظها وعبر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم، تعجبوا منها، وقصر فهمهم عنها.([134])

كما انه خدم الفقه بتأليف كتاب على نمط ثالث، وهو العلم بالخلافيات، فكتابه [الخلاف] يعد فقها مقارنا يوقف القارئ على آراء فقهاء مختلف النحل، وهو ليس ممن يجمع الآراء المختلفة في المسائل الفقهية دون إجراء موازنة بينها، بل يذكر الآراء ويقومها ويوازنها بترجيح ما اختاره على غيره من الآراء.

وقد ذكر الشيخ جعفر السبحاني خصائص فقه الشيخ الطوسي ودوره في الفقه الشيعي، فذكر منها([135]):

1. اتبع الشيخ الطوسي في فتاواه وتآليفه الفقهية نهج أستاذيه المفيد والمرتضى، وقد أتيحت له فرصة الوقوف على الكتب الفقهية أكثر مما وقف عليه أستاذاه، فأحاط بآراء المذاهب الأخرى إحاطة تامة لا نجد مثيلها في كتب المفيد والمرتضى.

2. بلغ التفريع والتخريج على يده القمة، فما ترك فرعا إلا خاضه ويعد كتابه المبسوط خير شاهد على ذلك، وقد مضى على تأليفه قرابة عشرة قرون ومع ذلك لم يؤلف كتاب مثله، والكتاب مع كونه يحتوي على دورة فقهية كاملة، لكنه سلس الألفاظ، سهل التناول، موجز في النقل، مختصر في الاستدلال، على خلاف ما نراه في كتابي (التذكرة) و(المنتهى)

3. استخرج قواعد عقلية واعتمد عليها في مقام التفريع، وبذلك رد على خصماء الشيعة وصمة العار التي ألصقوها بهم، قال في أول (المبسوط): (إني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإمامية، ويستنزرونه، وينسبونهم إلى قلة الفروع وقلة المسائل، ويقولون: إنهم أهل حشو ومناقضة، وإن من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ولا التفريع على الأصول، لأن جل ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين؛ وهذا جهل منهم بمذهبنا، وقلة تأمل لأصولنا، ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا لعلموا أن جل ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه تلويحا عن أئمتنا الذين قولهم في الحجة يجري مجرى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إما خصوصا، أو عموما، أو تصريحا، أو تلويحا، وأما ما كثروا به كتبهم من مسائل الفروع، فلا فرع من ذلك إلا وله مدخل في أصولنا ومخرج على مذهبنا لا على وجه القياس، بل على طريقة يوجب علما ويجب العمل عليها ويسوغ الوصول إليها من البناء على الأصل، وبراءة الذمة، وغير ذلك مع أن أكثر الفروع لها مدخل فيما نص عليه أصحابنا، وإنما كثر عددها عند الفقهاء لتركيبهم المسائل بعضها على بعض وتعليقها والتدقيق فيها، حتى أن كثيرا من المسائل الواضحة دق لضرب من الصناعة وإن كانت المسألة معلومة واضحة)

ومنهم أبو علي بن شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (توفى 515 هـ) ([136])، قرأ على أبيه جميع تصانيفه، وروى عنه، وعن سلار بن عبد العزيز الديلمي وغيره، وكان من كبار العلماء، فقيها، محدثا، راوية للأخبار، قال عنه ابن حجر مثنيا عليه: (الحسن بن محمد بن الحسن بن علي الطوسي، أبو علي سمع من والده وأبي الطيب الطبري والخلال والتنوخي، ثم صار فقيه الشيعة وإمامهم بمشهد علي، سمع منه: أبو الفضل بن عطاف، وهبة الله السقطي، ومحمد بن محمد النسفي، وهو في نفسه صدوق مات في حدود 500 هـ كان متدينا)([137])

و من آثاره الفقهية: شرح النهاية لأبيه أبي جعفر، والمرشد إلى سبيل التعبد، ورسالة في الجمعة، وكتاب الأنوار([138]).

ومنهم أمين الدين أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي (471- 548 هـ)، وقد قيل في ترجمته: (الشيخ الإمام الطبرسي، ثقة، فاضل، دين، عين، له تصانيف، منها: (مجمع البيان) في تفسير القرآن في عشرة أجزاء، (الوسيط) في التفسير في أربعة أجزاء، (الوجيز) في التفسير أيضا، (إعلام الورى بأعلام الهدى)، إلى غير ذلك من الآثار ذكرها منتجب الدين قال: شاهدته وقرأت بعضها عليه، يروي عن الشيخ أبي الوفاء المقري الرازي، وعن الشيخ أبي علي الطوسي، والشيخ حسكا جد منتجب الدين، إلى غير ذلك من الأسانيد)([139])

قال عنه الذهبي في كتابه [التفسير والمفسرون]: (والحق أن تفسير الطبرسي، بصرف النظر عما فيه من نزعات تشيعية، وآراء اعتزالية، كتاب عظيم في بابه، يدل على تبحر صاحبه في فنون مختلفة من العلم والمعرفة، والكتاب يجري على الطريقة التي أوضحها لنا صاحبه في تناسق تام، وترتيب جميل، وهو يجيد في كل ناحية من النواحي التي يتكلم عنها، فإذا تكلم عن‏ القراءات ووجوهها أجاد، وإذا تكلم عن المعاني اللغوية للمفردات أجاد، وإذا تكلم عن أسباب النزول وشرح القصص استعرض الأقوال وأفاض، وإذا تكلم عن الأحكام، تعرض لمذاهب الفقهاء وجهر بمذهبه ونصره إن كانت هناك مخالفة منه للفقهاء، وإذا ربط بين الآيات آخى بين الجمل، وأوضح لنا عن حسن السبك وجمال النظم، وإذا عرض لمشكلات القرآن أذهب الإشكال وأراح البال، وهو ينقل أقوال من تقدمه من المفسرين معزوة لأصحابها ويرجح ويوجه ما يختار منها… إلى أن قال: والحق أن يقال انه ليس مغاليا في تشيعه، ولا متطرفا في عقيدته)[140])

ومنهم الشيخ عماد الدين الحسن بن علي الطبري (كان حيا عام 698 هـ)، ومما قيل في ترجمته: (متكلم، فقيه، معاصر للمحقق الطوسي والمحقق الحلي، وأقواله منقولة في كتب الفقه، ويعبرون عنه فيها بالعماد الطبري، وبعماد الدين الطبري، وقد نقل شيخنا الشهيد الثاني رأيه في رسالة الجمعة، وليس رأيه إلا أن وجوب الجمعة موقوف على حضور السلطان العادل المبسوط اليد)([141])

و قال الأفندي التبريزي: (هو عالم، فاضل، متبحر، جامع، دين، كان من أفاضل علماء طبرستان، ومن المعاصرين لنصير الدين الطوسي، وقد ألف في غير واحد من الموضوعات تربو على 17 كتابا، ففي الفقه ألف‏ (المنهج) في فقه العبادات، والأدعية والآداب الدينية، وكتاب (العمدة) في أصول الدين وفروعه الفرضية والنقلية، و(نهج الإيمان إلى هداية الإيمان) وهو أيضا في الفروع الفقهية، إلى غير ذلك من التآليف)([142])

ومن المتأخرين من علماء الشيعة في الفقه والأصول وغيرهما السيد محمد حسن بن محمود بن إسماعيل الحسيني الشيرازي([143]) (1224 ـ 1312 هـ)، ومما قيل في ترجمته: (كان فقيها، عالما، ماهرا، محققا، مدققا، ورعا، تقيا، انتهت إليه رئاسة الإمامية العامة في عصره وطار صيته واشتهر ذكره ووصلت رسائله التقليدية وفتاواه إلى جميع الأصقاع)

من مؤلفاته الأصولية: رسالة في اجتماع الأمر والنهي، وتلخيص إفادات أستاذه الأنصاري، ورسالة في المشتق‏.

ومنهم عبد الله الرشتي([144]) (1234- 1312 هـ)، ومما قيل في ترجمته: (هو الشيخ حبيب الله بن محمد علي الرشتي، أحد الأكابر من تلاميذ شيخنا الأنصاري، تلقى دروسه في مسقط رأسه رشت، ثم ارتحل إلى قزوين، فمكث فيها مدة حتى برز في الفقه والأصول، ثم غادرها إلى النجف الأشرف فحضر درس صاحب الجواهر، ولما توفي أستاذه تردد إلى أندية دروس شيخنا الأنصاري، وقد وقف على منزلته ومكانته في العلم ولازمه طيلة عمره، ولما لبى شيخنا الأنصاري دعوة ربه استقل بالتدريس والتأليف)

ومن كتبه في الفقه والأصول: (بدائع الأصول) في أصول الفقه، و(المشتق)، و(القضاء والشهادات)، و(الإجارة)([145])

ومنهم السيد أبو القاسم الخوئي (1317 ـ 1413هـ)، وهو من مدينة خوي الإيرانية، ويعد من أبرز فقهاء الشيعة ومراجع التقليد في القرن الرابع عشر الهجري، تتلمذ على يد كبار العلماء في النجف الأشرف وتخرج على يديه الكثير من الأعلام والشخصيات العلمية، تسلم البعض منهم سدّة المرجعية الشيعية بعد رحيل أستاذه الخوئي.

وقد تعلّم الكثير من العلوم الرائجة في الحوزة العلمية وكان أستاذاً بارزاً فيها، وتعدّ نظرياته الأصولية والفقهية والرجالية والتفسيرية من النتاجات الفكرية التي يشار إليها بالبَنان.

تسلم السيد الخوئي مقام مرجعية الشيعة العامة لسنين عديدة صبّ اهتمامه خلالها على نشر الإسلام في سائر بقاع المعمورة، كما شيّد الكثير من المؤسسات العلمية والثقافية في شتّى بلدان العالم.

ومن مؤلفاته التي كتبت على شكل تقريرات لدروسه كتبها تلاميذه: دراسات في علم الأصول بقلم تلميذه السيد علي الهاشمي الشاهرودي قرر فيها الدورة الأصولية الثالثة لمحاضراته، ومنها محاضرات في أصول الفقه بقلم الشيخ محمد إسحاق الفياض وهي دورة أصولية امتدحها السيد الخوئي كثيراً، ومنها مباني الاستنباط بقلم تلميذه السيد أبو القاسم الكوكبي التبريزي، ومنها مصابيح الأصول: بقلم السيد علاء الدين بحر العلوم، ومنها رسالة في الأمر بين الأمرين بقلم محمد تقي الجعفري، ومنها مصباح الفقاهة في المعاملات: بقلم محمد علي التوحيدي الذي وصفه السيد الخوئي عند تقريظه للكتاب بالمتتبع المدقق واسع الاطلاع، ومنها التنقيح في شرح المكاسب: بقلم علي الغروي التبريزي، ومنها محاضرات في الفقه الجعفري: بقلم السيد علي الهاشمي الشاهرودي، ومنها المستند في شرح العروة الوثقى: بقلم مرتضى البروجردي، ومنها تحرير العروة الوثقى: بقلم قربانعلي محقق الكابلي، ومنها دروس في الفقه الجعفري: بقلم السيد مهدي الخلخالي.

ومن مؤلفاته التي كتبها بنفسه: معجم رجال الحديث، ومنها البيان في تفسير القرآن، وقد حظي باهتمام الباحثين منذ الأيام الأولى لصدوره على مستوى الحوزة والجامعة.

ومنها رسالة في نفحات الإعجاز: كتاب كلامي يدافع فيه عن إعجاز القرآن الكريم، ردّ فيه على رسالة [حسن الايجاز في إبطال الإعجاز] التي لفقها بعض الامريكان المعرف لنفسه بنصير الدين الظافر في إنكار إعجاز القرآن([146]).

ومنها معجم رجال الحديث، ويعد من أهم المصنفات التي شهدها تاريخ علم الرجال حيث لم يدون مثله كتاب جامع، مع مدخل مفصل في المجلد الاول تعرض فيه لمجموعة من الابحاث الضروية في علم الرجال من قبيل: الحاجة الى علم الرجال؛ بماذا تثبت الوثاقة او الحسن؛ التوثيقات العامة؛ مناقشة سائر التوثيقات العامة؛ نظرة في روايات الكتب الأربعة؛ الأصول الرجالية، إضافة الى ترجمة لجمع غفير من الرواة.

ومنها مباني تكملة منهاج الصالحين: وهو شرح استدلالي لرسالة تكملة منهاج الصالحين ذكر فيه مبانيه ودليل الفتاوى المدرجة في الرسالة.

أما فقهاء الشيعة المعاصرون، فكثيرون جدا، ومنهم السيد علي السيستاني، وهو من أكبر مراجع الشيعة في العالم، وإليه يرجع كثير من الشيعة في تقليدهم، وقد ولد سنة 1349 هـ في مدينة مشهد من أسرة علمية معروفة، فوالده هو العالم السيد محمد باقر، ووالدته هي كريمة العلامة المرحوم السيد رضا المهرباني السرابي، وجدّه الأدنى هو العالم الجليل السيد علي الذي ترجم له العلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني في طبقات أعلام الشيعة([147]).

وفي بلده مشهد درس الفقه والأصول والمعارف المختلفة عند جمع من العلماء الأعلام، منهم آية الله الميرزا محمد مهدي الأصفهاني، وآية الله الميرزا مهدي الأشتياني صاحب التعليقة على شرح منظومة السبزواري، والميرزا هاشم القزويني، ثم انتقل الى الحوزة العلمية في قم فحضر بحوث المرجع الكبير السيد حسين الطباطبائي البروجردي في الفقه وأصول الفقه، وتلقى عنه الكثير من خبرته الفقهية ونظرياته في علم الرجال والحديث، كما حضر درس الفقيه الكبير السيد محمد الحجة الكوهكمري، ثم انتقل إلى النجف، وحضر البحوث الفقهية والأصولية للعلمين الكبيرين السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي والشيخ حسين الحلي، ولازمهما مدة طويلة، وحضر خلال ذلك أيضا بحوث بعض الأعلام الآخرين منهم السيد الحكيم والسيد الشاهرودي.

قال عنه د. محمد حسين الصغير: (الرجل عاش منعزلا في النجف طيلة نصف قرن من الزمان، همٌه الدرس والتدريس فقط وقد نال مرتبة الاجتهاد في عام 1380 هـ، أجيز بالاجتهاد من ذلك الوقت. يدرس درسه ويحضر دروس الآخرين من المراجع العظام. وهو قارئ جيد لكل الفلسفات المعاصرة فهو يعرف الشيوعية بدقائقها وهو يعرف الرأسمالية بدقائقها وهو يعرف الوجودية بدقائقها، كما لديه ولع خاصٌا بالحكمة والفلسفة فقد درسهما دراسة مجدية، وهو يحترم كل أحد، ويرحب بكل أحد، ويعظم أهل الدين ويقابل الصامدين بمبادئهم مقابلة روحية خاصة لأنه يعرف ان هؤلاء ليسوا بانتهازيين. وقد ضحوا بأعمارهم في سبيل المبدأ والثبات على المبدأ. وهو يعي مشكلات العصر بكل حذافيرها)([148])

ومن ميزاته الكبرى وقوفه ضد الطائفية، وهو صاحب المقولة المشهورة: (لا تقولوا إخواننا السنة بل قولوا أنفسنا)، وكان له الدور الأكبر في إخماد الفتنة الطائفية في العراق بين السنة والشيعة ما بين 2004 ـ 2006م، فعلى الرغم من أن أكثر التفجيرات في العراق كانت تحدث في الأحياء الشيعية إلا أنه رفض اتهام السنة بهذه التفجيرات، عازيا هذه التفجيرات الى مؤامرات خارجية تحاول تمزيق النسيج الاجتماعي للشعب العراقي، كما وكان له دور بارز بعد هجوم داعش على العراق، حيث أصدر فتوى الجهاد الكفائي مما سببت في حضور الآلاف من الشباب إلى مقابلة داعش.

ومن صفاته التواضع والزهد، فمع كونه من كبار المراجع في العالم الإسلامي، وتأتيه الحقوق الشرعية من شرق الأرض وغربها لكنه لايملك بيتا، بل يستأجر دارا بسيطة قديمة البنيان في أحد الأحياء النجفية القديمة([149]).

ومن المعاصرين أيضا، والذين لم تشغلهم الحياة السياسية عن البحث والعلم والتأليف السيد علي الحسيني الخامنئي([150])، القائد الحالي للثورة الإسلامية في إيران، وهو من مواليد مدينة مشهد عام 1939 م في عائلة علمية.

وله الكثير من المؤلفات في المجالات المختلفة، منها: الاستفتاءات، والإيمان، والتوحيد، والنبوّة، والإمامة، والولاية، وبحث في الفكر الإسلاميّ، ودروس في معرفة الإسلام، ودروس في الفكر الإسلاميّ، والفهم الصحيح للإسلام، ودروس في العقائد، وتفسير القرآن، والقرآن والعترة، ودروس في القرآن، والمشروع العام للفكر الإسلاميّ في القرآن، ودروس في الحديث، وقبس من نهج البلاغة، وعنصر الجهاد في حياة الأئمّة عليهم السلام، والهجرة، ومعرفة الإمام عليّ عليه السلام، وآلام الإمام علي عليه السلام وآلامنا، والحياة السياسيَّة للإمام الصادق عليه السلام، والشخصية السياسيَّة للإمام الرضا عليه السلام، وكتاب الجهاد (بحث الخارج للسيد القائد)، والحكومة في الإسلام، ودروس في الأخلاق، ومن أعماق الصلاة، وبحث في الصبر، وخصائص الإنسان المسلم، وسؤال وجواب (5 مجلدات)، وأربعة كتب رجاليّة رئيسيّة، ودور المسلمين في ثورة الهند، والفنّ الثامن، وبحث في الثأر، وجهاد الإمام السجاد عليه السلام، وبحث فقهيّ في الهدنة، وبحث فقهيّ في حكم الصائبة، ومناسك الحج، والكلمات القصار، والشيخ المفيد وهويّة التشيّع، والعودة إلى نهج البلاغة.

بالإضافة إلى ذلك، فقد ترجم الكثير من الكتب إلى اللغة العربية، ومنها ترجمة تفسير في ظلال القرآن لسيّد قطب، وترجمة كتاب صلح الإمام الحسن عليه السلام، وترجمة كتاب المستقبل لهذا الدين.

هذه مجرد نماذج عن بعض الخدمات التي قدمها الإيرانيون للشريعة الإسلامية، وهي دليل على مدى تغلغل الدين في نفوسهم وقلوبهم في جميع مراحلهم التاريخية، ذلك أنه لا يمكن لأحد من الناس أن يهتم بشيء، ويكتب فيه دون أن يكون له تأثر به، وعشق له.


([1])  وقد أثار هذا للأسف نقمة المغرضي، فبدل أن يشيدوا به راحوا يصورون للناس أن إيران وضعت كعبة أخرى بدل الكعبة التي يحج إليها سائر المسلمين، ومن ذلك ما نشره موقع [البوابة] السعودي، حيث نشر فيديو وصوراً وخبراً تحت عنوان (بالفيديو.. إيران تبني كعبة على أراضيها وتدعو الناس للحج)، مع أن الفيديو والصور خاصة بدروس تعليم أحكام الحج يلقيها وبشكل تفاعلي عملي تطبيقي رؤساء بعثات الحج لتسهيل فريضة الحج حين وصول الحاج الإيراني إلى الديار المقدسة، كما أن هذا التقليد متبع في العديد من البلدان الإسلامية لتهئية حجاجها لكي يؤدوا مناسك الحج بشكل صحيح.

([2])  كما نص على ذلك السيد الخوئي في كتاب [الاجتهاد والتقليد/119و203]، فقال: (يجب تقليد الأعلم مع الإمكان على الأحوط، ويجب الفحص عنه.. المراد من الأعلم من يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة وأكثر اطلاعاً..وأجود فهماً للأخبار، والحاصل أن يكون أجود استنباطاً. والمرجع في تعيينه أهل الخبرة والإستنباط.. ولا يجوز تقليد غير المجتهد وإن كان من أهل العلم، كما أنه يجب على غير المجتهد التقليد، وإن كان من أهل العلم).

([3])  وسائل الشيعة، ج 30، ص 291.

([4])  وسائل الشيعة، ج 27، ص 147.

([5])  وسائل الشيعة، ج 27، ص 146.

([6])  عقائد الإمامية، المظفر، ص 45..

([7])  ولهذا نرى للحوزات العلمية التابعة للمراجع أوقافاً عديدة، كالمدارس، والمكتبات، وبيوت سكن للطلبة، والعلماء، وغيرها، والطابع العام لإدارة هذه الأوقاف:احترام إرادة الواقف ومتولي الوقف فيها، وغالباً ما تشترط وقفيتها إشراف المرجع العام، أي الذي يرجع اليه أكثرية الشيعة في العالم، والذي يحترم رأيه وتوجيهاته في إدارة الحوزة وطلبتها.. ويقوم المرجع عادة برعاية هذه الأوقاف ومساعدتها مالياً، لتواصل العمل لهدفها الذي نصت عليه وقفيتها، كما يقوم بتأسيس المشروعات اللازمة للحوزة من مدارس أو مساكن أو مكتبات.

([8])  هناك اتجاه آخر في المدرسة الشيعية يرى أنه ليس للفقيه سوى الفتوى، وممن يمثلونه في الواقع الشيعي السيد السيستاني مرجع العراق الأكبر، والذي أفتى بأن يحكم الشعب العراقي نفسه عن طريق الإنتخابات، وأعطى الشرعية لمن ينتخبه الشعب، ونصح العلماء وطلبة العلم أن لايدخلوا في الحكم ومؤسساته، إلا بقد الضرورة التشريعية أحياناً..

([9])  الخميني، الاجتهاد والتقليد، ص 53..

([10])  الخامنئي، أجوبة الإستفتاءات، ج 1، ص 23..

([11])  النصوص المذكورة في رسالة الشيخ الأنصاري وجواب الإمام عليها مأخوذة عن جريدة اطلاعات الصادرة في طهران عدد 18799 بتاريخ 9ذي الحجة 1409هـ ، انظر مقالا بعنوان: الاجتهاد المتنوع في الدولة الإسلامية في فكر الإمام الخميني، محمد حسين فضل الله، من كتاب: الإمام الخميني الفكر والثورة.

([12])  أبعاد الحج في كلام الإمام الخميني، ص20.

([13])  انظر مقالا بعنوان: عاشوراء الحسين وثورة الإمام الخميني ، من كتاب: الإمام الخميني.. الفكر والثورة.

([14])  انظر مقالا بعنوان: الاجتهاد المتنوع في الدولة الإسلامية في فكر الإمام الخميني، محمد حسين فضل الله، من كتاب: الإمام الخميني الفكر والثورة.

([15])  من خطاب ألقي الإمام الخامئي في بداية العام الدراسي في الحوزة العلمية في 9 ربيع الثاني 1416هـ..

([16])  خطاب بمناسبة بدء العام الدراسي في الحوزة العلمية في 12 ربيع الأول 1412هـ..

([17])  أبعاد الحج في كلام الإمام الخميني، ص17.

([18])  المرجع السابق، ص18.

([19])  المرجع السابق، ص26.

([20])  المرجع السابق، ص26.

([21])  المرجع السابق، ص27.

([22])  المرجع السابق، ص33.

([23])  من أعماق الصلاة، السيد علي الخامنئي، ص9.

([24])  المرجع السابق، ص9.

([25])  المرجع السابق، ص10.

([26])  المرجع السابق، ص10.

([27])  المرجع السابق، ص11.

([28])  المرجع السابق، ص12.

([29])  الكلمات القصار، ص65..

([30])  الكلمات القصار ص64..

([31])  منهجية الثورة، ص478.

([32])  منهجية الثورة، ص478.

([33])  نقلا عن : في التدريب التربوي، مصطفى محمد الطحان ، ص- 25.

([34]) وهو منتسب إلى بيهق وهي قرى مجتمعة بنواحي نيسابور، انظر في ترجمته: طبقات الشافعية 3 / 3، وفيات الأعيان 1 / 75، وشذرات الذهب 3 / 304، واللباب 1 / 202، والأعلام للزركلي 1 / 131.

([35]) طبقات الشافعية للسبكي 4 / 264، والأعلام للزركلي 4 / 324؛ وسير النبلاء.

([36]) طبقات الشافعية 3 / 176، وتهذيب الأسماء واللغات 2 / 247، والأعلام 3 / 321، ومعجم المؤلفين 5 / 37.

([37]) طبقات الشافعية الكبرى 5 / 33؛ والفتح المبين في طبقات الأصوليين 2 / 47؛ والأعلام للزركلي 7 / 203.

([38]) سير أعلام النبلاء 17 / 645، تهذيب الأسماء واللغات 1 / 231، وطبقات السبكي 4 / 388.

([39]) طبقات الشافعية لابن السبكي 4 / 21؛ والنجوم الزاهرة 5 / 160؛ ومعجم المؤلفين 13 / 20.

([40]) تذكرة الحفاظ 3 / 4، 5؛ والأعلام للزركلي 6 / 84؛ وطبقات الشافعية 2 / 126.

([41]) طبقات الفقهاء للشيرازي ص106، وطبقات الشافعية لابن هداية ص45، وشذرات الذهب 3 / 209، واللباب 1 / 43.

([42]) طبقات الفقهاء للشيرازي ص103؛ وطبقات الشافعية لابن هداية ص 42؛ وشذرات الذهب 3 / 178.

([43]) طبقات السبكي 3 / 208؛ 209؛ والأعلام للزركلي 4 / 290.

([44]) وفيات الأعيان 3 / 341، وطبقات الشافعية 3 / 249، والأعلام 4 / 306.

([45]) طبقات الشافعية لابن السبكي 3 / 289؛ والنجوم الزاهرة 5 / 104؛ ومعجم المؤلفين 7 / 26.

([46]) طبقات الشافعية 4 / 317، والأعلام للزركلي 8 / 311، ومعجم المؤلفين 13 / 70، وهدية العارفين 6 / 488.

([47]) طبقات الشافعية للسبكي 3 / 64؛ وميزان الاعتدال 3 / 85؛ وتاريخ بغداد 5 / 473.

([48]) طبقات الشافعية للسبكي 3 / 223، وطبقات الشافعية لابن الهداية ص 62؛ شذرات الذهب 3 / 388؛ ومعجم المؤلفين 5 / 166، والأعلام 4 / 98.

([49])  نسبته إلى زوزن (وهي بلدة كبيرة حسنة بين هراه ونيسابور)

([50]) طبقات الشافعية الكبرى 2 / 227، وطبقات الشافعية لابن هداية ص 28، والأعلام 1 / 201، ومعجم المؤلفين 2 / 103.

([51]) البداية والنهاية 11 / 183، وتذكرة الحفاظ 3 / 816، وطبقات الشافعية 3 / 335، وشذرات الذهب 2 / 299، الأعلام، 4 / 309، ومعجم المؤلفين 6 / 191.

([52]) طبقات السبكي 3 / 243، وتاريخ بغداد 11 / 83، والأعلام 4 / 180، ومعجم المؤلفين 6 / 6.

([53]) طبقات الشافعية الكبرى 1 / 286 – 287، وطبقات الشافعية لابن هداية ص (23)، والأعلام 1 / 111، ومعجم المؤلفين 1 / 192.

([54]) طبقات الشافعية لابن الهداية ص 45؛ وهدية العارفين 1 / 45؛ ومعجم المؤلفين 6 / 26؛ واللباب 3 / 127.

([55]) طبقات الشافعية 3 / 221، وشذرات الذهب 3 / 400، وتهذيب الأسماء واللغات 2 / 263، ومعجم المؤلفين 5 / 121.

([56]) الطبقات الكبرى لابن السبكي 4 / 21؛ والنجوم الزاهرة 4 / 240؛ ومعجم المؤلفين 9 / 208.

([57]) الأعلام 1 / 22؛ وشذرات الذهب 2 / 255؛ والوفيات 1 / 4.

([58]) تاريخ بغداد 6 / 11، سير أعلام النبلاء 15 / 429.

([59]) وفيات الأعيان 1 / 401 وطبقات الشافعية لابن هداية 48، والأعلام 2 / 258، ومعجم المؤلفين 4 / 11.

([60]) شذرات الذهب 3 / 76، والنجوم الزاهرة 4 / 141، وطبقات الشافعية 2 / 108.

([61]) طبقات الشافعية 4 / 101 – 180؛ والأعلام للزركلي 7 / 247؛ والوافي بالوفيات 1 / 277.

([62]) طبقات الشافعية الكبرى 3 / 88، وشذرات الذهب 3 / 349، واللباب 2 / 451، ومعجم المؤلفين 1 / 68.

([63]) معجم الأدباء 19 / 224؛ وبغية الوعاة 2 / 314؛ وهدية العارفين 6 / 491؛ ومعجم المؤلفين 13 / 90.

([64]) لسان الميزان 3 / 433، وطبقات السبكي 3 / 225، والأعلام 4 / 102.

([65]) غاية النهاية في طبقات القراء 1 / 129، والضوء اللامع 2 / 193.

([66]) طبقات الشافعية 5 / 59، والبداية والنهاية 13 / 309، ومرآة الجنان 4 / 220، ومعجم المؤلفين 6 / 97.

([67]) الأعلام للزركلي 4 / 179؛ وطبقات الشافعية للسبكي 5 / 119؛ وفوات الوفيات 2 / 3.

([68]) طبقات الشافعية 4 / 12، وتهذيب الأسماء واللغات 2 / 207، ومعجم المؤلفين 12 / 158.

([69]) طبقات الشافعية 5 / 118، ومرآة الجنان 4 / 167، والأعلام 4 / 157، ومعجم المؤلفين 5 / 267.

([70]) طبقات الشافعية لابن السبكي 2 / 217، والنجوم الزاهرة 3 / 328، ومعجم المؤلفين 3 / 270.

([71]) شذرات الذهب 2 / 339، والأعلام 1 / 86، ومعجم المؤلفين 1 / 149، وتهذيب الأسماء واللغات 2 / 252، ومعجم المطبوعات ص 479.

([72]) طبقات الشافعية 3 / 76، ومعجم المؤلفين 10 / 256، والأعلام 7 / 127.

([73]) طبقات الشافعية 3 / 176، وتهذيب الأسماء واللغات 2 / 247، والأعلام 3 / 321، ومعجم المؤلفين 5 / 37.

([74]) خلاصة الأثر 2 / 457، والبدر الطالع 2 / 371، والأعلام 4 / 168، ومعجم المؤلفين 5 / 303.

([75]) طبقات الشافعية 3 / 160، وتهذيب الأسماء واللغات 2 / 254، ومعجم المؤلفين 4 / 48.

([76]) طبقات الشافعية 4 / 241، وشذرات الذهب 4 / 8، ومعجم المؤلفين 7 / 220، والأعلام 5 / 149.

([77]) طبقات الشافعية 3 / 146، وطبقات الفقهاء ص 36، ومعجم المؤلفين 3 / 284.

([78]) طبقات ابن الصلاح 2 / 744، الطبقات للسبكي 4 / 349، طبقات ابن هداية الله ص 66، 79.

([79]) الجواهر المضية 1 / 243؛ 244؛ والفوائد المضية؛ والأعلام للزركلي 3 / 78.

([80])  الجواهر المضيئة 1 / 38، والفوائد البهية ص9.

([81]) الجواهر المضية 2 / 188، وتاج التراجم ص 74، والفوائد ص 216، ومعجم المؤلفين 13 / 49.

([82]) الجواهر المضية 1 / 281؛ والفوائد البهية ص 103؛ وتذكرة الحفاظ 1 / 253؛ وشذرات الذهب 1 / 295؛ وهدية العارفين 5 / 438.

([83]) تهذيب التهذيب 10 / 238، والجواهر المضيئة 2 / 177، والفوائد البهية ص 215، والأعلام 8 / 189.

([84]) الجواهر المضية 1 / 380؛ وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 119.

([85]) الجواهر المضيئة 2 / 6، والفوائد البهية ص155، واللبان 3 / 281.

([86]) سير أعلام النبلاء 14 / 236، والأعلام 5 / 178، والجواهر المضية 1 / 380، وتاج التراجم ص 31.

([87]) الجواهر المضية 2 / 112؛ والفوائد البهية ص 195؛ والأعلام للزركلي 7 / 242.

([88])  (أوزجند) بلدة بنواحي أصبهان قرب فرغانة.

([89]) الجواهر المضية 1 / 205؛ والفوائد البهية ص 64؛ والأعلام للزركلي.

([90]) الفوائد البهية ص 101؛ والجواهر المضية ص 270؛ والأعلام 4 / 192.

([91]) الجواهر المضية 1 / 84؛ والأعلام 1 / 156؛ والبداية والنهاية 11 / 256؛ و(الإمام أحمد بن علي الرازي الجصاص) للدكتور عجيل جاسم النشمي.

([92]) الجواهر المضيئة 1 / 113، والفوائد البهية 36، والأعلام 1 / 207، ومعجم المؤلفين 2 / 140.

([93])  ترتيب المدارك: 3/ 291 – 309.

([94]) تهذيب التهذيب 11 / 296، وشجرة النور الزكية ص 58، والديباج المذهب ص 349، والأعلام 9 / 223.

([95]) شجرة النور الزكية 1 / 78 – 79.

([96]) شجرة النور الزكية ص 92، والديباج 199، ومعجم المؤلفين 7 / 12.

([97])  ترتيب المدارك: 4/ 429، ومختصر المدارك لابن رشيق: 91. تاريخ ابن الفرضي: 1/ 25، وجذوة المقتبس: 141، وبغية الملتمس: 224.

([98])  جمهرة تراجم الفقهاء المالكية (3/ 1369)

([99])  الأعلام للزركلي (1/ 203).

([100]) طبقات الحنابلة 1 / 108 – 109.

([101]) طبقات الحنابلة لأبي يعلى 1 / 113، وشذرات الذهب 2 / 123، والأعلام 1 / 289، ومعجم المؤلفين 2 / 239.

([102]) طبقات الحنابلة لأبي يعلى 1 / 27، وشذرات الذهب 2 / 149، والنجم الزاهرة 3 / 41.

([103]) طبقات الحنابلة 2 / 51، وميزان الاعتدال 2 / 433، وسير أعلام النبلاء 13 / 221، والنجوم الزاهرة 3 / 222.

([104])  حتى ابن حزم ذكر في ترجمته أنه فارسي الأصل.

([105]) الأعلام 3 / 8، والأنساب للسمعاني ص 377، والجواهر المضية 2 / 419.

([106]) الفهرست ص460، تاريخ بغداد 5 / 256، سير أعلام النبلاء 13 / 109.

([107]) تذكرة الحفاظ 2 / 193؛ وشذرات الذهب 2 / 195؛ والبداية والنهاية 11 / 184؛ والأعلام للزركلي 1 / 182

([108])  الأعلام 6 / 115؛ ووفيات الأعيان 1 / 438؛ وتذكرة الحفاظ 1 / 207.

([109]) تذكرة الحفاظ 3 / 4، 5؛ والأعلام للزركلي 6 / 84؛ وطبقات الشافعية 2 / 126.

([110])  النووي كتاب تهذيب الأسماء واللغات 2\197.

([111])  طبقات الشافعية 2/126.

([112]) وفيات الأعيان 5 / 197، وتهذيب التهذيب 11 / 179، وتاريخ بغداد 14 / 191، والأعلام 5 / 167.

([113]) تذكرة الحفاظ 2 / 251؛ والبداية والنهاية 11 / 145؛ وميزان الاعتدال 3 / 498؛ والأعلام للزركلي 6 / 294.

([114]) الأعلام للزركلي؛ وتهذيب التهذيب 1 / 216؛ والانتقاء ص 108.

([115]) تهذيب التهذيب 9 / 489، وتاريخ بغداد 3 / 315، والأعلام 7 / 346.

([116]) تهذيب التهذيب 9 / 388، 319، وشذرات الذهب 2 / 163، وسير أعلام النبلاء12 / 606، وطبقات الحفاظ ص 262.

([117]) الرجال للنجاشي: برقم 465.

([118]) الفهرست للطوسي: برقم 318.

([119]) الرجال للنجاشي: برقم 465.

([120])  موسوعة طبقات الفقهاء، 1/ 243.

([121]) الرجال للنجاشي: برقم 316.

([122]) الفهرست للطوسي: برقم 141.

([123])  موسوعة طبقات الفقهاء، 1/ 244.

([124]) الرجال للنجاشي: 311، برقم 1050.

([125])  الطوسي: الرجال: 495.

([126]) الفهرست للطوسي: 184، برقم 709.

([127])  الخطيب: تاريخ بغداد: 3/ 89.

([128])  الذهبي: سير أعلام النبلاء: 16/ 303.

([129])  ابن إدريس: السرائر: 2/ 529.

([130])  موسوعة طبقات الفقهاء، 1/ 270.

([131])  الخلاصة: 148.

([132])  الخلاف: مقدّمة السيد المحقّق البروجردي، ص 2، الطبعة الأولى.

([133])  موسوعة طبقات الفقهاء، 1/ 270.

([134])  المبسوط: 1/ 2.

([135])  موسوعة طبقات الفقهاء، 1/ 275.

([136]) موسسه امام صادق (ع). گروه علمى، موسوعة طبقات الفقهاء، 14جلد، مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام) – ايران – قم، چاپ: 1، 1418 ه.ق.

([137])  لسان الميزان: ج 2 الترجمة 1046.

([138])  لاحظ أعيان الشيعة: 5/ 246.

([139])  أنظر ترجمته في روضات الجنات: 5/ 357، أعيان الشيعة: 8/ 398، طبقات أعلام الشيعة؛ مستدرك الوسائل: 3/ 387، الذريعة: 20/ 24، و قد ترجم له في مقدمة تفسير( مجمع البيان).

([140])  التفسير و المفسرون للذهبي: 2/ 104.

([141])  السيد الأمين: أعيان الشيعة: 5/ 212.

([142])  اقرأ ترجمته الوافية في روضات الجنات برقم 194، و رياض العلماء.

([143]) موسوعة طبقات الفقهاء، 1/ 445.

([144]) موسوعة طبقات الفقهاء، 1/ 440

([145])  له ترجمة ضافية في مقدّمة كتابه( القضاء) بقلم السيد أحمد الحسيني.

([146])  أقا بزرك الطهراني، الذريعة الى تصانيف الشيعة، 24/246.

([147])  انظر: السيرة الذاتية، موقع السيد السيستاني.

([148])  شبكة العراق الثقافية.

([149])  انظر سيرته الذاتية في موقعه.

([150])  انظر في ترجمته: الإمام الخامنئي دام ظله القائد المرجع، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *