إعلاميون.. لكن شرفاء

تعتبر الصحافة بأنواعها المختلفة من أصعب المهام، لا بسبب ما يتعرض له أصحابها من القتل والأسر والاعتقال، ولا بسبب الضغوط التي يتعرضون لها من الجهات المختلفة، والتي تعرض مصداقيتهم للتشكيك والاهتزاز.
ولكن بسبب أخطر، وهو ما يطلق عليه في الاصطلاح الشرعي [فتنة السراء]، ففتنة السراء أخطر من فتنة الضراء، كما قال بعضهم: (ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر)
ذلك أن هذه الفتنة تجعل صاحبها يقدم على عمله الذي يعلم عدم صدقيته بعزم كبير، وهمة عظيمة، لأن تلك الإغراءت الكثيرة تجعله ينحني أمامها كما ينحني الوثني أمام أصنامه، بل إنه لا يكتفي بذلك، وإنما يحاول أن يقنع نفسه بأن صنمه معبود حقيقي؛ فيخشع له خشوعا تاما.
وهكذا فعل أولئك الإعلاميون الذين أغرتهم أموال الخليج؛ فراحوا يبيعون ذممهم، ويخونون أوطانهم، ويصبحون عملاء لأعدائهم؛ فيدعون الشعوب إلى الثورة على حكامها المستبدين متناسين أنهم يعيشون بين يدي أكبر الحكام استبدادا على مدار الكرة الأرضية، بل على مدار التاريخ جميعا.
لكن تلك الأموال التي تغدق عليهم كل حين، ومن كل الجهات جعلت أبصارهم تعمى عن رؤية الجذع في عيون من تعيش بينهم، وتبصر القذى في عيون تلك الشعوب المستضعفة.
لكن ثلة من الإعلاميين الممتلئين بالزهد والعفاف آثروا أن يفكوا تلك القيود الذهبية عن أيديهم وأقلامهم وألسنتهم، ويترفعوا عنها جميعا، ليتحرروا للحقيقة المجردة، وهؤلاء هم الإعلاميون الشرفاء، والذين نحتاج إلى الإشادة بهم وشكرهم، باعتبارهم المثل الأعلى للإعلام النزيه.
ومن هؤلاء أولئك الذين تبوؤوا مناصب محترمة في قناة الجزيرة، وكان يمكن أن يستثمروها في فترة الربيع العربي، ليضاعفوا أرصدتهم وأموالهم، لكنهم لم يفعلوا، وآثروا الحقيقة على الدجل، والعفاف على الطمع.
وعلى رأس هؤلاء([1]) وأولهم ذلك الإعلامي المقاوم الشريف الذي لم يبع ذمته في يوم من الأيام الصحفي التونسي [غسان بن جدو]، والذي كان يرأس إدارة مكتب الجزيرة في بيروت من 2004 إلى أن استقال منها في 23 أبريل 2011، وأسس بعدها شبكة الميادين الإعلامية، وهي الشبكة التي تبث قناة الميادين المحترمة التي أصبحت المنبر الذي يواجه الحرب الناعمة بأشكالها المختلفة.
ومنهم الإعلامي اللبناني [سامي كليب] الذي يقدم حاليا برنامجه المميز [لعبة الأمم] في قناة الميادين، بعد أن كان يقدم في قناة الجزيرة برنامج [زيارة خاصة] و[الملف]، والذي شغل قبل ذلك وظائف إعلامية كبيرة في قنوات مختلفة، وقد كان من المؤسسين لقناة الميادين، تلك القناة البديلة عن قناة الجزيرة وغيرها من قنوات الفتنة.
بالإضافة إلى هذين الإعلاميين المحترمين كان هناك إعلاميون آخرون لا يقلون شرفا، من أمثال [لونا الشبل] تلك الإعلامية السورية، التي كانت تقدم برنامج [ما وراء الخبر] في قناة الجزيرة، منذ عام 2003، والتي اتهمت قناة الجزيرة بالتآمر مع جهات غربية، لقلب نظام الحكم في سوريا، والتعامل مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، وقد استقالت رفقة أربع مذيعات أخريات هن جمانة نمور، لينا زهر الدين، جلنار موسى، ونوفر عفلى.
ومنهم أولئك الصحفيون المصريون الشرفاء الذين استقالوا من قناة [الجزيرة مباشر مصر]، والذين رأوا مدى التزوير التي تمارسه تلك القناة من أجل تحريض الشعب المصري، وإفساد العلاقة بينه وبين نظامه، حتى تنتشر الفتنة والخراب الذي نشرته في البلاد الأخرى.
ومن أولئك الصحفيين علاء العيوطي، وحاتم فريدو، ودينا موسى، وكارم محمود، وحجاج سلامة، وحسن عبدالغفار وفاطمة نبيل.
وقد قالت الإعلامية فاطمة نبيل تعقيباً على استقالتها التي تقدمت بها لقناة الجزيرة مباشر مصر: (أنا جيشي خط أحمر مسمحش بالغلط فيه.. واستقلت من الجزيرة وأنا لا أعلم هل يمكن عودتي للتليفزيون مرة أخرى أم لا لأن البعض سيحسبني على النظام الإخواني)
وأوضحت في تصريحات لها أنها لم تكن راضية عن تغطية القناة منذ أحداث 30 يونيو، وأنه كان هناك قصد متعمد لقسم الشاشة في بعض الأحيان إلى نصفين على أن تكون صورة معتصمي رابعة العدوية ناحية اليمين في اظهار لتضخيم أعدادهم وتأييدهم للشرعية.
وأشارت إلى أنها خلال فترة عملها بالقناة على مدار 6 شهور، لاحظت أن القناة كانت تتحيز لصف الإسلام السياسي، حتى الرسائل النصية ذكرت أنها كانت منتقاة في أغلب الأحيان، بالإضافة إلى الضيوف المختارين بعينهم في تجاهل تام لباقي أطراف المعارضة هذا فضلاً عن التوجيهات التي كانت تصدر لزملائها بعدم الحديث أو إلقاء كلام بعينه على الهواء مباشرة.
وأكد الإعلامي حجاج سلامة مراسل القناة، أنه قدم استقالته لادارة القناة احتجاجا على سياسة القناة والنهج الذي تتبعه القناة وانحيازها الدائم والمستمر للاخوان.
وأكد على التحريض المستمر من قبل إدارة القناة على الشعب المصري، مشيرا إلى أن عدد كبير من زملائه بالقناة يريدون الاستقالة من القناة، ولكن لديهم بعض المخاوف من ناحية مسؤلياتهم ومن ناحية المرتب المغري، كما أكد أن العاملين بقناة الجزيرة مباشر مصر من مقدمين برامج والمراسلين يعلمون جيدا بسياسة القناة ولديهم معرفة كبيرة على ان قناة الجزيرة مباشر مصر لها سياستها الخاصة وأنها قناة موجهة.
هذه نماذج عن بعض الإعلاميين الشرفاء الذين عاينوا تلك الجرائم التي تقوم بها إدارة قناة الجزيرة في التحريض والدعوة للإرهاب والعنف.. وهي نماذج تستحق التقدير والاحترام الكبيرين.
كما يستحق الاحترام الأكبر أولئك الإعلاميون المتواجدون في قناة المنار تلك القناة الطاهرة الممتلئة بالقيم النبيلة، والتي لم تسقط في فخاخ الطائفية والأحقاد، ولم تنحرف بوصلتها أبدا عن القضية الفلسطينية وغيرها من قضايا الأمة، وكانت أكبر منبر صادق وواع نبه لكل الأخطار التي تحدق بالأمة.
ولذلك كله أُعلنت الحرب عليها، فحجبت من الأقمار المختلفة، وراح المتدينون المغفلون بحذرون منها، في نفس الوقت الذي يتركون فيه قنوات الفتنة الشيعية والسنية كوصال وصفا وفدك وغيرها..
وقد انسجم سلوكهم هذا مع سلوك الصهاينة
أنفسهم، والذي كانوا ولا زالوا يعتبرون قناة المنار أخطر من صواريخ حزب الله
نفسها، ولذلك أعلنوا الحرب عليها، بل ضربوها في حرب 2006، وعندما عجزوا عن إسكات
صوتها كلفوا العرب بالقيام بذلك، وقد قام العرب بما عجز عنه اليهود.. ولكنها مع
ذلك لا تزال راسخة قائمة لا تهزها الرياح ولا يؤثر فيها نعيق الخونة.
([1]) انظر مقالا بعنوان: تعرف على الإعلاميين المستقيلين من الجزيرة، وسام حسن، 02 نوفمبر 2014 ، 11:38 م.