أيها الإسلاميون.. هذا هو البديل

أيها الإسلاميون.. هذا هو البديل

يتصور الكثير من الإسلاميين ذوي التوجه الحركي والسياسي أنهم يقعدون من غير عمل إن تركوا المنهج الذي يسيرون عليه الآن، والذي يريدون من خلاله الوصول إلى السلطة لتحكيم شرع الله كما يتصورونه.

وهذا تفكير غير صحيح، وخوف لا مبرر له؛ فهناك الكثير من الأعمال التي يمكنهم أن يقوموا بها، بل إنهم إذا ما أخلصوا في القيام بها؛ فسيحصدون أضعاف ما يأملونه من أهداف سياسية لا قيمة لها بجانب الأهداف التي يحققونها إن ساروا على المنهج الصحيح بعيدا عن الصراع مع الأنظمة والجيوش والمؤسسات المختلفة، والتي استهلكت كل وقتهم وجهدهم وطاقاتهم.

وأول ذلك أن يتركوا السياسة، ويحلوا الأحزاب التي شوهتهم وشوهت الإسلام، فالإسلام أعظم من أن يُختصر في حزب سياسي، وهو أعظم من أن يمثله الكثير من المرتزقة والانتهازيين الذين يتاجرون باسمه ليحققوا مآربهم الشخصية.

ولا على من شاء منهم أن يمارس السياسة أن يفعل ذلك، وينضم لأي حزب من الأحزاب، أو يؤسس ما يشاء من الأحزاب.. لكن ليبتعد فقط عن اسم الإسلام المقدس، فلا يقحمه، ولا يجعل منه أحبولة لاصطياد العقول البسيطة.

وبعد أن يفعلوا هذا، ويتوبوا منه، يمكنهم الانصراف إلى أنفسهم أولا بتهذيبها بالرياضة والمجاهدات الروحية والأخلاقية، حتى يزيحوا ذلك الران الذي طبعه على قلوبهم تلك اللعب والخدع التي مارسوها أثناء حياتهم السياسية، والتي جعلتهم ممتلئين بالصراع، ينظرون إلى العالم من زاوية ضيقة، هي زاوية أنانيتهم وجماعتهم.

وعليهم ليحققوا هذا أن يهذبوا عقولهم بالعلم النافع، والبحث الدائب المستمر.. ذلك أنهم بفعل ذلك الانشغال بالسياسة وأهلها، أصبحت لهم أمية ثقافية وفكرية، فلا هم يطالعون، ولا هم يبحثون، ولا هم يحققون في المسائل المختلفة ليرفعوا مستوياتهم العلمية لمستوى دينهم أولا، ومستوى العصر الذي يعيشونه ثانيا.

وبعد أن يفعلوا هذا سيكتشفون أن الإسلام أعظم بكثير من تلك الصورة التي كانوا يحملونها عنه، ويعرفوا فوق ذلك أن تلك القيادات الروحية التي كانت تبهرهم لم تكن سوى طبولا جوفاء، وعرائس قراقوز، وحظها من العلم والثقافة والفكر لا يعدو تلك الكلمات التي يرددونها في المحافل، والتي تغلب عليها العاطفة أكثر مما يغلب عليها العقل.

وبعد أن يفعلوا هذا، سيجد كل واحد منهم الطريق المناسب الذي يخدم به الإسلام، ويبلغ به رسالة الله.. ذلك أن تلك الجماعات والتنظيمات التي كانوا ينتمون إليها قمعت كل طاقاتهم، وكسرت كل إرادة للإبداع فيهم، لأنها كانت تنظر إليهم كنقطة تكثر سوادها، لا كبشر محترمين يمكن لكل واحد منهم أن يؤدي من الأدوار ما لا تستطيع الجماعات الكثيرة أداءه.

ومن لم يجد منهم أي عمل؛ فيمكنه أن يبحث في شعب الإيمان ليجد عشرات بل مئات الأعمال الخيرية التي يمكن أن يقوم بها.. وأولها أن ينظر في أهل حيه أو زملائه في عمله من المقصرين في الصلاة، أو المفرطين فيها؛ فيجعل مشروعه الدعوة إلى الصلاة، ويجعل همه في الحياة، لا وصوله إلى السلطة، وإنما وصول البشر إلى الله، واتصالهم به، لينال أجر كل من علمه الصلاة، أو دعاه إليها، وتكون تلك الصلاة مقدمة لتحقيق المجتمع المسلم الذي يمكنه أن يُحكم بالمشروع الإسلامي.

هذا مجرد مثال.. والأمثلة أكثر من أن تحصى.. والذي لا يستطيع أن يقوم بأي عمل، يمكنه أن يمسك لسانه عن شغب السياسة وصراعها، ويعطي من نفسه نموذجا للمسلم المسالم المتسامح، صاحب الأخلاق الرفيعة والعمل المتقن، ليكون نموذجا صالحا لغيره؛ فالناس لا يسمعون إلى الكلمات بقدر ما ينظرون إلى الأفعال.

ولذلك؛ فإن البديل لهذا الفشل الذريع الذي يقع فيه الإسلاميون كل حين هو ظهورهم بالمظهر الحقيقي للإنسان المسلم صاحب الأخلاق العالية، والروح السامية، والأدب الرفيع، ذلك الذي يعيش عصره، ويتعلم علومه، ويؤدي كل وظائفه الموكلة إليه بإتقان، فيكون الطبيب المسلم، والمهندس المسلم، والمخترع المسلم، ورائد الفضاء المسلم.. ذلك الذي يمثل النجاح في كل شيء.

حينها، وحين يرى الناس بأعينهم كيف يؤثر الدين في أتباعه، وكيف يهذب أخلاقهم وسلوكهم، وكيف يجعلهم مواطنين صالحين.. حينها سيطالبون هم بتحقيق الإسلام في السياسة وغيرها.. بل حينها سيتحقق الإسلام في كل المؤسسات من دون مظاهرات ولا مسيرات ولا تهريج إعلامي، ولا صراع مع أي جهة من الجهات.

هذه بعض البدائل التي يمكنهم أن يعتبروها بديلا للمشروع الفاشل الذي جربوه مرات كثيرة، ويخفقون في كل مرة في تحقيقه، ويردون اللوم على الجيوش والأنظمة في ذلك الإخفاق.

وأنا أعلم من خلال معرفتي بهم، أو بالكثير منهم، أنهم سيقولون لي: من أنت أيها النكرة الرويبضة وإسداء النصائح لنا، أو دلالتنا على ما يمكننا أن نقوم به؛ فلدينا علماؤنا ومفكرونا وباحثونا الذين لا يمكنك أن تتشرف حتى بالتلمذة عليهم؟

وأنا أقول لهم: لا بأس.. فأنا كما تقولون لا حظ لي من جاه ولا سلطان، ولم أمارس السياسة، ولا الدعوة التي تعرفونها.. ولكني مع ذلك لا أخلو من نصح لكم.. فخذوا الحكمة ولو من أفواه المجانين، وكل البقلة، ولا تسألوا عن البقال.

دعوكم مني، ومن شخصي الحقير، وفكروا فيما قلته لكم، واخرجوا إلى العالم، وتوبوا من السياسة ومشتقاتها، ومن التنظيمات وقيودها، وأخلصوا انتماءكم للأمة الواحدة، واتركوا تلك القنوات والقيادات التي ملأت قلوبكم أحقادا، وسترون الطريق إلى المجتمع الإسلامي أقرب إليكم من تلك المنعرجات التي تسيرون فيها، والتي لا تصل بكم إلا إلى الهاوية.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *