أبو العزائم.. الصوفي المقاوم

أبو العزائم.. الصوفي المقاوم

تعودنا من الكثير من الصوفية الجلوس في خلواتهم، والاكتفاء بأذكارهم ومذاكراتهم، وترك الخلق للخلق، والرزق للرازق، إلا سيدي وأستاذي وشيخي السيد محمد علاء الدين ماضى أبو العزائم الحسيني([1]).. فهو شيخ جمع الخير من جوانبه، والقوة من نواحيها، فهو صوفي ومقاوم بامتياز.

وأول صفة فيه ـ ولعلها الأساس لباقي صفاته ـ هي تلك الروحانية السامية؛ فهو شيخ روحي يدعو إلى الذكر والسلوك والترقي في مراتب العرفان، ويؤدب مريديه على ذلك، ويعقد مجالس الذكر، ومعها نغمات السماع الروحي الرفيع التي تردد تلك القصائد الجميلة التي ألفها جده العارف المجاهد العلامة المجدد [محمد ماضي أبو العزائم] صاحب المؤلفات الكثيرة في المجالات المختلفة.

وهو ـ بالإضافة إلى ذلك، وعلى عكس ما يتوقع من مشايخ الصوفية ـ باحث في التسلل اليهودي للإسلام، وأرض المسلمين، ومهتم بذلك اهتماما شديدا، ولا يكتفي بالاهتمام المجرد، بل يستعمل كل الوسائل لمقاومة ما يفرزه ذلك التسلل من أفكار وتوجهات ومدارس، وله دروسه التوعوية ومقالاته العلمية في ذلك.

وهو مقاوم للتيارات السلفية وكل من يدعمها منذ زمن بعيد، يحذر منها، ومن خطورتها على العالم الإسلامي، وتسللها إلى مؤسساته، وقد حصل كل ما توقعه من تحذيرات.

وهو مقاوم لكل الحركات السياسية التي استعملت الإسلام مطية لتحقيق أغراضها الشخصية، وفي الوقت الذي راح الكثير يجامل فيه من أتيحت لهم السلطة، حتى ينال بعض المكاسب، خرج مع رجال طريقته الأبطال من أهل العزائم مواجهين بكل قوة وشجاعة، كل ما يراد لمصر من مشاريع التفتيت والتقسيم والحرب الداخلية،لأنه يعرف المصير الذي تصير إليه مصر لو ترك الأمر لأولئك الذين يمارسون السياسة بكل أدوات الغباء.

وهو مقاوم لكل دعاوى الطائفية، ولذلك كان امتدادا لمدرسة التقريب بين المذاهب الإسلامية يشجع روادها، وينشر بحوثهم ومقالاتهم ومؤلفاتهم، ويسعى بكل جهده لإحيائها، بل لا يوجد في مصر من خدم الوحدة الإسلامية مثلما خدمها، ولذلك نال من كل الجهات جميع أصناف الشتم والسباب والتكفير والتبديع.

وقد استعمل في مقاومته كل أنواع الأساليب العلمية والسلمية والأخلاقية.. فهو ينشر الكتب والمجلات، ويقيم المجالس والمؤتمرات، ويرحل لكل قرية ومدينة حتى يؤدي الرسالة التي يشعر أنه كلف بها.

ولا أكتمكم أني مدين له بالكثير؛ فقبل أن أتعرف عليه، وأتشرف بالجلوس بين يديه، لم أكن أهتم إلا بالكتابة العلمية الأكاديمية البسيطة، أو بالكتابة الأدبية التي تهتم بمحاورة الآخر من دون أن تلتفت لدجل الداخل.. لكن الشيخ وفي بيته الذي استضافني فيه وجهني إلى هذا النوع من الكتابة، وبين لي أهميته في معالجة الواقع الإسلامي، وبذل النصيحة للمسلمين.

ولم يكتف بذلك التوجيه، بل كانت الرسائل تأتيني من مجلتهم المحترمة تطالبني بالكتابة، وأكثر ما كتبته في سلسلة [الدين والدجل] كان بناء على طلباتهم وتوجيهاتهم وتشجيعاتهم.. فهم الذين دعوني إلى استعمال أسلوب الحوار والرواية والقصة حتى تصل الفكرة إلى أكبر عدد من الناس.

وقد رأيت أثناء جلوسي إليه من الصدق والتواضع والأدب الرفيع والتفكير الاستراتيجي ما ملأني بالعجب؛ فلم أجلس في حياتي مع صوفي مثله، وربما لن أجلس مع مثله.. ولو أن صوفية العالم الإسلامي كانوا جميعا بمثل هذا الوعي والتفكير الاستراتيجي وعدم الحرص على المصالح الشخصية، لما تمكنت الحرب الناعمة ولا أدواتها من اختراق الواقع الإسلامي والتأثير فيه.


([1])  وهي نسبة إلى عين ماضي بالجزائر.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *