متجبرون

متجبرون

سرنا إلى الجناح السادس في فندق الملاحدة، وقد كتب على بابه قوله تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت: 15]، وبجانبها قوله تعالى: { وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم: 15]

سألت المرشد عن الآيتين، وعلاقتهما بهذا الجناح، فقال: هذا جناح المتجبرين..

قلت: المتجبرون.. عجبا.. وما علاقة التجبر بالإلحاد؟

قال: لا يكون المتجبر متجبرا حتى يكون ملحدا.. لأنه لا يستقيم الإيمان مع التجبر.. ألم تقرأ ما ذكره الله تعالى عن فرعون وتجبره وطغيانه؟

قلت: بلى.. وقد ذكر الله تعالى أنه كان يصيح بملء فيه:{ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعـات:24).. وكان يقول مخاطبا قومه: { يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} (الزخرف:51 ـ 53)

قال: أرأيت حديثه عن نفسه، وحديثه عن ربه.

قلت: أجل.. فهو بقدر ما يعظم نفسه، بقدر ما يحقر ربه.

قال: فهذا مثال عن التجبر.

قلت: ولكن الآية المكتوبة على الباب عن ثمود.. وليست عن فرعون.

قال: كلهم متجبرون.. عاد وثمود.. فرعون وهاما.. كانوا أفرادا أم جماعات.. أمما أم شعوبا.. متقدمين أم متأخرين.. كل من عزل الله عن حياته، فسيقع في عبودية نفسه.. ومن وقع في عبودية نفسه لن يكون إلا جبارا مستكبرا ظالما طاغية.

قلت: صدقت في هذا.. فكل الحركات النازية والفاشية والعنصرية تنطلق من فلسفات إلحادية.. أو فلسفات علمانية تعزل الله من التأثير والحكم.

قال: وهذا الجناح مخصص لهم.

قلت: مخصص للنازيين الفاشيين والعنصريين..

قال: لكل من ألحد.. ولم يكتف بإلحاده بل راح يتكبر على الخلق.. ويظلمهم.. ويضع لهم من وحي الشيطان ما يملأ حياتهم نكدا وصراعا.

قلت: لكنا مررنا عليهم في الجناح السابق.. جناح المصارعين.

قال: أولئك كانوا يظلمون الناس تحت خدعة الصراع.. وهؤلاء يظلمونهم تحت خدعة العنصرية والكبرياء والقوة الوهمية.

قلت: لا شك أننا سنلاقي هذا الجناح نيتشة.. فقد كان من دعاة القوة والعنصرية، وقد أوحت أفكاره لهتلر بالنازية.

قال: الجناح أكبر من أن ينحصر في نيتشة وهتلر.. هو أكبر بكثير.. فتاريخ البشرية الفلسفي والسياسي ممتلئ بأمثال هؤلاء المتجبرين.

قلت: لقد ذكرني قولك هذا بمقارنة جميلة أجراها بديع الزمان النورسي بين حكمة الفلسفة وحكمة القرآن في المجال الاجتماعي، فذكر أن (حكمة الفلسفة ترى [القوة] نقطة الاستناد في الحياة الاجتماعية.. وتهدف إلى [المنفعة] في كل شيء.. وتتخذ [الصراع] دستوراً للحياة.. وتلتزم [بالعنصرية والقومية السلبية] رابطة للجماعات.. أما ثمراتها فهي إشباع رغبات الأهواء والميول النفسية التي من شأنها تأجيج جموح النفس واثارة الهوى)([1])

قال: صدق في ذلك.. وستسمع من أهل هذا الجناح من يؤكد لك ذلك..

قلت: وقد ذكر آثار ذلك على المجتمعات، فقال: (من المعلوم أن شأن [القوة] هو [الإعتداء].. وشأن [المنفعة] هو [التزاحم] اذ لا تفي لتغطية حاجات الجميع وتلبية رغباتهم.. وشأن [الصراع] هو [النزاع والجدال].. وشأن [العنصرية] هو [الإعتداء] اذ تكبر بابتلاع غيرها وتتوسع على حساب العناصر الأخرى)

قال: صدق في ذلك.. وكل شيء يدل عليه..

قلت: أما حكمة القرآن الكريم، أي القيم القرآنية الإيمانية البديلة (فهي تقبل [الحق] نقطة استناد في الحياة الاجتماعية، بدلاً من [القوة].. وتجعل [رضى الله سبحانه] ونيل الفضائل هو الغاية، بدلاً من [المنفعة].. وتتخذ دستور [التعاون] أساساً في الحياة، بدلاً من دستور [الصراع].. وتلتزم برابطة [الدين] والصنف والوطن لربط فئات الجماعات بدلاً من العنصرية والقومية السلبية.. وتجعل غاياتها الحد من تجاوز النفس الامارة ودفع الروح إلى معالي الامور، واشباع مشاعرها السامية لسوق الإنسان نحو الكمال والمثل الإنسانية)

قال: صدق في ذلك.. فـ (شأن (الحق) هو (الاتفاق).. وشأن (الفضيلة) هو (التساند).. وشأن دستور (التعاون) هو (إغاثة كل للآخر).. وشأن (الدين) هو (الأخوة والتكاتف).. وشأن (إلجام النفس) وكبح جماحها وأطلاق الروح وحثها نحو الكمال هو (سعادة الدارين)

قلت: أراك تحفظ كلامه بحروفه..

قال: أجل.. ولولاه ما كنت في هذا المحل.. فقد أرسلني معلمي [معلم الإيمان] للتلمذة عليه في أول دراستي في المرحلة الابتدائية.

ما إن قال هذا حتى فتح الباب، فرأيت شيئا غريبا لم أكن أتصور إمكانيته.. فقد رأيت أقزاما صغارا جدا.. لا يكاد أطولهم يتجاوز طول الإصبع.. حتى أني لم أكد أراهم بصورة جيدة، لولا أن أعطاني المرشد نظارة خاصة..

كانوا كثيرين جدا.. وكانوا متشكلين على شكل جماعات مختلفة، ويبذلون جهودا كبيرة في حفر بعض الصخور التي لم أدر سبب حفرهم لها.. وكانت شظايا الصخور تتطاير عليهم، فتسيل دماؤهم التي تختلط مع التراب، فتزيد في تشويههم.

هربرت سبنسر:

بينما كنت منشغلا بالعجب من حالتهم إذ سمعت صوتا عاليا يصدر من بعض الجهات، فالتفت إليه، فإذا به قزم من الأقزام يصيح في أصحابه قائلا: هيا أسرعوا.. لابد أن ننتهي من هذه الصخور اليوم.. فهناك صخور كثيرة تنتظرنا.. صخور لا نهاية لها.. فاعملوا لتبنوا قصركم الأكبر.. قصر الإنسان الكامل.. فأنتم عصارة البشرية.. وأنتم آخر سلسلة التطور.. والبقاء لكم.. لا لغيركم.. فلا بقاء إلا للأقوى والأصلح.

قال ذلك، ثم قام بطرق بعض الصخور بمطرقته الضخمة مقارنة بحجمه، ثم مسح العرق عن جبينه، وقال: لاشك أنكم لم تعرفوني.. فأنا [ربرت سبنسر([2])].. أنا ذلك الفيلسوف الكبير الذي استطاع أن يكتشف أسرار التاريخ وحركته.. وأسرار الإنسانية والقبلة التي تتجه إليها.. أنا سبنسر.. صاحب شعار [البقاء للأصلح].. يخطئ من يذكر أن هذه المقولة لدارون.. دارون لم يقلها.. بل أنا الذي قلتها.. ولو أن دارون قالها، فإنما اقتبسها مني.

أنا صاحب نظرية [الدارونية الاجتماعية].. لعلكم لم تسمعوا بها.. فدعوني أشرحها لكم..

لاشك أنكم تعلمون أن نظرية التطور الطبيعية تنص على أن هناك صراعًا بين أنواع الحيوان والنبات للاستمرار في الوجود.. فإذا تغيرت البيئة والظروف، فإنه لا يستمر في الحياة إلا تلك الأنواع القوية القادرة على التأقلم مع البيئة الجديدة، أما الأخرى فتندثر وتنقرض في العملية التي سماها أصدقاؤنا التطوريون [الانتقاء أو الانتخاب الطبيعي]

لكني لم أتوقف بهذه الرؤية عند حدها الطبيعي، بل رحت أطبقها على الإنسان والمجتمعات، ولذلك أطلق على فلسفتي [الداروينية الاجتماعية]، وهي فلسفة تدعو إلى ممارسة كل أنواع التجبر والطغيان لإلغاء المستضعفين من الوجود حتى لا يبقى في العالم إلا الأقوياء.. فالبقاء لهم وحدهم.. ولذلك لهم أن ينتهبوا ثروات الفقراء المستضعفين.. ولهم أن يبيدوهم.. حتى لا يبقى في الأرض إلا الأصلح والأقوى.. وهو بالتأكيد ليس سوى (الإنسان الأبيض)، والأوروبي على وجه التحديد.

لقد كان هذا المعيار هو الذي فتح المجال للرأسمالية البشعة.. والتي تعني عدم تدخل الدولة في الأعمال والسوق التجارية نهائيًا، بل تترك الباب مفتوحًا للمنافسة، ومن يستطع التنافس يبقَى في الحلبة، ومن لا يجاري الأقوياء عليه مغادرة حلبة الصراع، فلا مكان للضعفاء! وليس الضعفاء إلا أولئك الذين لا يملكون من رأس المال ما يمكنهم من منافسة المليارديرات والمليونيرات.

وكان هذا المعيار هو الذي دعا إلى التخلص من دولة الرفاه.. وهي الدولة التي تقدم التعليم والتأمين الصحي ومعاشات التقاعد والمساعدة في تأمين السكن وغيرها مجانا للمستضعفين.. لأن ذلك سيترك لهم الفرصة البقاء مع استضعافهم.. وهذا مناف للقوانين التي وضعناها.

وكان هذا المعيار هو الذي دعا المستكبرين الأقوياء إلى استعمار الشعوب المستضعفة.. فتلك الشعوب لا تستحق الحياة.. لأن الحياة لا تكون إلا للأقوى.

لم يتوقف تأثير تلك الأفكار التي طرحتها على المجال الاقتصادي، والمآسي التي أحدثها.. بل رحت ـ وأصحابي من الفلاسفة والمفكرين والسياسيين ورجال الأعمال ـ ندعو إلى استعمال كل الوسائل لإبادة المستضعفين.

لقد كنا نعتقد بتوريث الصفات.. أي أن الوراثة هي التي تلعب دورًا مهمًا في تحديد طبيعة الإنسان، والسمات الفردية له كالذكاء والهوية الشخصية.. وكنا نعتقد أن الجينات الوراثية تستطيع تفسير خصائص الشخصية البشرية وحل المشكلات الإنسانية سواء كانت اجتماعية أو سياسية.. وكنا نكذب كل مقولة تذكر أن البيئة هي التي تؤثر في سلوك الإنسان وسماته الشخصية([3]).

وبناء على هذه الاعتقادات رحنا ندعو إلى ممارسة كل الوسائل حتى لا يبقى على الأرض إلا العناصر الصالحة القوية، والتي تجعل الإنسان أكثر تطورا ورقيا.

ولأجل تحقيق هذا كلفنا الكثير من الباحثين في المجالات المختلفة ليميزوا بين العناصر الإنسانية الصالحة القوية، وبين العناصر التي لم تصل بعد إلى المرتبة الإنسانية.

وقد وصلنا إلى الكثير من النتائج.. وكان من بينها ما ذكره بعضهم، فقال: (إن للبالغين السود جماجم طويلة،وبشرة داكنة،وفكان بارزان بقوة إلى الامام، فى حين أن لدى البالغين البيض ولأطفال السود جماجم قصيرة،وبشرة فاتحة، وفكان صغيران، ومن ذلك فإن العرق الأبيض هو الأكثر رقيا وتطورا بإعتباره الأكثر احتفاظا بسمات الحدث)

وقال [هافلوك إيليس]: (قلما يكون أطفال العديد من الأعراق الإفريقية أقل ذكاءا من الطفل الاوروبي، ولكن فى الوقت الذي يكبر فيه الإفريقي يصبح غبيا وبليدا، ويحتفظ الاوروبي بالكثير من حيويته الطفولية)

لا شك أن هذه الدراسات لم تكن وليدة تلك الفترة فقط، وإنما كانت وليدة الكبرياء التي رافقت فلاسفتنا وباحثينا وعلماءنا في جميع المجالات.. كانت التفرقة بين البشر كالتفرقة بين الغنم هي الأساس لكل فكر مادي بعيد عن الله.

فقد ميَّز [إرنست رينان] بين الآريين والساميين على أساس لغوي، ثم انتقل من الحديث عن اللغات السامية إلى الحديث عن الروح السامية والعبقرية السامية مقابل الروح الآرية والعبقرية الآرية التي هي أيضاً الروح الهيلينية أو النابعة منها ([4]).

ثم سادت الفكرة العضوية الخاصة بالفولك أو الشعب العضوي، ومفادها أن لكل أمة عبقريتها الخاصة بها ولكل فرد في هذه الأمة سمات أزلية يحملها عن طريق الوراثة، وانتهى الأمر إلى الحديث عن تفوُّق الآريين على (الساميين)، هذا العنصر الآسيوي المغروس في وسط أوربا، كما دار الحديث عن خطر الروح السامية على المجتمعات الآرية.. مما دفع إلى استعمال كل الوسائل لمحاربتهم.

وكان هذا النوع من العداء يستند إلى نظريات ذات ديباجات ومسوغات علمية عن الأعراق عامة، وعن السمات السلبية الافتراضية (الاقتصادية والثقافية) الثابتة والحتمية للشعوب التي يراد تصنيفها عرقيا.

ضرب بمطرقته على بعض الصخور، ثم قال([5]): لقد كانت هذه الداروينية الاجتماعية من أهم مصادر الفكر المادي الإلحادي الذي انتشر في العالم الغربي.. لقد كان يتم تبرير إبادة الملايين في أفريقيا واستعبادهم في آسيا على أساس أن هذا جزء من عبء الرجل الأبيض ومهمته الحضارية، فهو يبيد الملايين ليؤسس مجتمعات متقدمة متحضرة!

والرجل الأبيض ـ كما تعرفون ـ كان في نظرنا الرجل الأقوى الذي لا يكترث كثيراً بالخير أو الشر..

ضرب بمطرقته على بعض الصخور، ثم قال([6]): بمناسبة الحديث عن الرجل الأبيض.. فقد قسم الكونت جوبينو البشر إلى أعراق: أبيض (آري)، وأصفر، وأسود.. وذهب إلى أن الجنس الآري الأبيض هو مؤسس الحضارة، وأن السمات المتفوقة لهذا العرْق لايمكن الحفاظ عليها إلا عن طريق النقاء العنصري.. وأكد أن التيوتونيين هم أرقى العناصر الآرية لأنهم وحدهم الذين احتفظوا بنقائهم.

وبناء على هذه الأبحاث، وعند حاجتنا لاستئصال اليهود من أوروبا، أو طردهم لأي مكان آخر في العالم، رحنا نلتمس لذلك كل الذرائع العلمية، وأولها الأبحاث المرتبطة بالأعراق.. فقد كانت [الأبحاث العلمية] هي وسيلتنا لتحقيق كل ما نرغب فيه.

لقد كتبت في سبيل تلك الفكرة الكثير من الأعمال العرْقية المعادية لليهود، ومن أهمها كتاب ولهلم مار [انتصار اليهودية على الألمانية: من منظور غير ديني]، وكان مار مواطناً ألمانياً، ثم انضم إلى جماعة فوضوية إلحادية في سويسرا بعد فشل ثورة 1848.

ومن أهم الشخصيات التي أضفت كثيراً من الاحترام على النظريات العرْقية المعادية لليهود الموسيقار الألماني ريتشارد فاجنر.. وكان صديقاً لجوبينو، وتأثر بكتابات مار. وقد ذكر فاجنر في كتابه [أضوء على اليهود]، مصوراً إياهم باعتبارهم تجسيداً لقوة المال والتجارة، ومنكراً علىهم أي إبداع في الموسيقى والثقافة.

ثم نشر سلسلة مقالات بعنوان: (الفن الألماني والسياسة) طرح فيها فكرته الخاصة برسالة الشعب الألماني (الخالص) المعادية للمادية الفرنسية واليهودية. وقد اتهم فاجنر اليهود بالهيمنة على الحياة الثقافية في ألمانيا وطالب بحرمانهم من حقوقهم السياسية، كما تحدث عن دمار أو إبادة أو اختفاء اليهود، أي تخليص الحياة الثقافية من اليهود بالقوة، أو دمجهم تماماً عن طريق الفن والموسيقى.

وقد تركت أفكار فاجنر أثراً عميقاً في هتلر، ومن ثم كانت ذات مكانة خاصة في التجربة النازية.

وكان لإسهام المفكر السياسي والمستشرق الألماني بول أنطون دي لاجارد أبعد الأثر في تضخيم الهالة الثقافية والعلمية حول معاداة اليهود.. حيث كان لاجارد يحن إلى حضارة العصور الوسطى التيوتونية الخالصة (العضوية)، كما كان يؤمن بالشعب العضوي (الفولك) الألماني وتفوُّقه على الشعوب الأخرى، ويرفض مبدأ المساواة.. وانتهى به المطاف إلى اكتشاف وجود الأممية الرمادية التي استنكرها لأنها تشكل حجر عثرة في سبيل تحقيق خلاص الأمة الجرمانية وأداء رسالتها (نحو العلم)

ومن الشخصيات التي ساهمت في إشاعة هذه الأفكار المعادية لليهود على أساس عرْقي، المؤرخ والسياسي الألماني هنريش فون ترايتشكه الذي كان يُعَدُّ من أهم المفكرين الألمان في عصره، وهو ما أكسب هذه الأفكار قدراً كبيراً من المصداقية والاحترام.

وقد وصف ترايتشكه الهجوم على اليهود بأنه هجوم وحشي، ولكنه رد فعل طبيعي للمشاعر القومية الألمانية ضد عنصر غريب، ثم طرح الشعار المشهور (اليهود مصيبتنا). وحذر الألمان من التدفق اليهودي من الخزان البولندي، وهو تدفُّق لا ينضب، (جمع من الشباب الطموحين بائعي الملابس القديمة الذين سيسيطر أطفالهم وأطفال أطفالهم يوماً ما على سوق الأوراق المالية والصحف في ألمانيا)

ومن الشخصيات التي أشاعت الفكر العرْقي المعادي لليهود هيوستون ستيوارت تشامبرلين (1855 ـ 1927)، والذي تأثر بأفكار جوبينو ولاجارد، وألَّف أهم كتب العنصرية الغربية.. وقد آمن تشامبرلين بتفوُّق الإنسان النوردي الأشقر، وبأن قدر التيوتونيين هو قيادة الإنسانية جمعاء، فكل ما هو عظيم في العالم من إبداعهم. وأكد تشامبرلين أن اختلاط الأجناس هو سبب التخلف.

ومن المفكرين الإنجليز الذين بادروا إلى معاداة اليهود، المؤرخ والمصلح التربوي البريطاني جولدوين سميث، فقد نشر عام 1878، مع بدايات هجرة يهود اليديشية من روسيا إلى إنجلترا، عملاً حاول فيه أن يبرهن على استحالة أن يصبح اليهود مواطنين في دول أوربا المضيفة، كما حاول أن يبرهن على أن وجودهم يشكل خطراً سياسياً على بلده.

ضرب بمطرقته على بعض الصخور، ثم قال: ألا تعجبون من أننا نحن الذين فعلنا ما فعلنا بالعرق اليهودي.. نحن أنفسنا رحنا نتظاهر بأننا بعد أن طردناه من بلادنا، وسمناه كل ألوان الخسف والعذاب.. رحنا ندعي أننا من دعاة حقوق الإنسان، ونطالب بحق اليهودي في أن يقيم دولته على أرض غيره، ويقهرهم بمثل ما قهر.

لقد كانت تصرفاتنا مع اليهود أو الغجر أو المستعمرات مجرد نماذج.. أما الواقع فكان أكبر من ذلك بكثير..وماذا تنتظرون من أمة ملحدة لا تعرف إلها، وليس لها أي قيم إنسانية إلا تلك القيم التي يوحي بها لها الشياطين؟

قال ذلك، ثم انصرف بحزن شديد إلى الصخور يضربها بشدة، وكأنه يضرب نفسه.

فريدرك نيتشة:

ما انتهى سبنسر من حديثه حتى قام رجل قصير جدا.. كان أقصر الأقزام، وكان يحمل مطرقة أضخم منه بكثير، وقد تعجبت في قدرته على حملها.. كان يشبه في ملامحه الفيلسوف المعروف [فريدرك نيتشة([7])]، قام، وقال: من عرفني منكم، فقد عرفني.. ومن لم يعرفني فأنا فريدرك نيتشة.. أنا العاصفة الهوجاء التي أطاحت بكل ما قيل حول الإنسان.. أنا الذي أحدث أكبر قطيعة مع كل الاتجاهات الفكرية والفلسفية سواء في الشكل أو المضمون أو اللغة.. أنا الذي اتهمت سقراط بأنه وراء الكارثة التي حلَّت بالحضارة الإنسانية، لاحتكامه إلى العقل وحده.. وأنا الذي اعتبرت التراجيديا الموسيقية وراء فقدان الإنسان سيادته على ذاته برضوخه واستسلامه لقيم وأخلاق وعقائد كبلته وأفقدته حريته..

أنا العدو اللدود للمسيحية على الرغم من أنني ابن قس بروتستانتي.. أنا الذي قلت بأن المسيحية عبارة عن مجموعة أساطير الشعب اليهودي.. بل قلت بأن المسيحية أذلت الإنسان بعد ما أقامت عقائدها على بقايا تصورات بالية ومتناقضة حول العالم..

أنا الذي قلت في (هكذا تكلم زرادشت):(لقد مات الإله ونحن الذين قتلناه).. وأنا الذي قلت:(كل الأشياء خاضعة للتأويل، وأيا كان التأويل فهو عمل القوة لا الحقيقة).. وأنا الذي قلت:(كل المصداقية وكل الضمير وكل أدلة الحقيقة تأتي من الحواس فقط)..

أنا الذي قلت مخاطبا أختي: (إذا ما مت يا أختاه لا تجعلي أحد القساوسة يتلو علي بعض الترهات في لحظة لا أستطيع في الدفاع عن نفسي)([8]).. وأنا الذي قلت:(أشعر أن علي أن أغسل يدي كلما سلمت على إنسان متدين)..

وأنا الذي قلت على لسان (زرادشت): (إذا كان هنالك آلهة، فكيف أطيق أن لا أكون إلهاً؟ وإذن فلا آلهة هناك).. وقلت: (لقد ماتت الآلهة جميعاً، ونريد الآن أن يعيش السوبرمان)

وأنا الذي قلت: (إني أهيب بكم يا إخواني أن تخلصوا عهدكم للأرض، وأن لا تصدّقوا من يحدثونكم عن أملٍ سماوي، إنهم ينفثون فيكم السم بذلك، سواءٌ أعلموا بذلك أم لم يعلموا)

وأنا الذي قلت: (ليس بعد الموت شيء.. وما بعد الموت لا يعنينا بعد)، وقلت: إن القوة هي كل شيء.. ولذلك فإنا أدعو إلى الموت الإرادي.. وأنا من الداعين إلى الانتحار حينما يكون الوقت مناسباً لاختيار الموت.. فمتى وجد الإنسان أن الحياة لم يَعُد لها هدف لديه، فأحسن خيار له هو أن يسلم نفسه لرحى الموت.. لقد قلت على على لسان (زرادشت): (كثير من الناس يموتون في وقت متأخر جداً، وبعضهم يموتون في وقت مبكر جداً، ولا زال هذا القول: (مت في الوقت المناسب) يبدو غريباً)

وقلت: القوة هي الفضيلة العظمى التي تجكم الوجود.. بل هي الفضيلة الوحيدة.. ولذلك لا أدعو إلا إلى القوة.. القوة وحدها دون الرحمة والشفقة هي محور الأخلاق.. ولذلك فأنا (فيلسوف القوة).. لقد كنت أردد دائما: (الخير هو كل ما يزيد الشعور بالقوة، هو إرادة القوة، هو القوة نفسها.. والشر هو كل ما ينشأ عن الضعف، هو الضعف)

وقلت: إن كان مذهب النشوء والارتقاء يذكر أن كل صنف يخلق صنفاً أرقى منه.. فأنا أدعو الإنسان لأن لا يتوقف عند الإنسان.. أنا أدعوه ليضحي بالإنسان.. ليصل إلى (السوبرمان).. ذلك الإنسان الأعلى والأرقى.. والذي يضحي بالإنسان البسيط كما نضحي بالغنم والماعز والخنازير.

لقد كنت أصيح في الجماهير المحيطة بي.. وكلهم متجبرون أقوياء: إنني أدعوكم ـ يامن تسميتم باسم الإنسان ـ إلى أن تخلعوا الإنسان.. وتلبسوا الإنسان الأعلى.. فإن الإنسان شيء يجب أن يُعلى عليه.. فماذا عملتم من أجل العلاء عليه؟

إن كل الكائنات حتى الآن قد خلقت شيئاً أعلى منها، فهل تريدون أنتم أن تكونوا جزراً لهذا المد العظيم، وتفضلوا الرجوع إلى الحيوانية على العلاء على الإنسانية؟!

ضرب بمطرقته على بعض الصخور، ثم قال: هل فهمتم فلسفتي.. إنها تعتبر الغاية من الإنسانية هي خلق هذا الإنسان الأعلى.. السوبرمان.. وهو لا علاقة له بأي شخص.. ولا بأي وطن.. ولا بأي نوع من أنواع الشفقة والعطف.. هو فوق كل قيمة.. وفوق كل قانون.. وفوق كل ما يعتقده عامة الناس.. ولا يعنيه قول الناس عن هذا الشيء: إنه خير، أو قالوا عن الآخر: إنه شر.. لأن مهمته أن يكون هو خالقاً للقيم، يضع للأشياء من القيم ما يريد، مما يؤدي إلى تحقيق الغاية من الإنسانية.. فهو حرٌّ في أن يضع شرعة القيم التي يرتئيها في الأخلاق، والسياسة، والفلسفة، وغير ذلك.

هذا ما كنت أردده في كل المجالس.. ليس ذلك فقط.. بل كنت أقول لهم: إن هذا الإنسان الأعلى هو الذي يحدد معتقدات العصر بأكمله.. وهو الذي يعطي للحضارة صورتها.. وهو الذي يخلق القيم في حرية تامة، غير آبه لما يسمى بالخير والشر، أو الحق والباطل.. فهو كل شيء، يخلُق الأخلاق، ويحدّد الحق بإرادته، ويفرض على الناس ما يضع لهم من قيم فرضاً، وليس عليهم هم إلا أن يطيعوه، فالطاعة أولى فضائل الذين ليسوا هم من طبقة الإنسان الأعلى.

ولهذا كله أعلنت موت الإله.. فقد وجدت أن الإله هو الوحيد الذي يحول بيننا وبين هذا الترقي.. ولذلك أردت أن أجعل من السوبرمان هو الإله..

قال ذلك، ثم انصرف بحزن شديد إلى الصخور يضربها بشدة، وكأنه يضرب نفسه.

آدولف هتلر:

ما انتهى نيتشة من حديثه حتى قام رجل في مثل قصره.. كان يحمل مطرقة مثل مطرقته.. كان يشبه في ملامحه الطاغية الكبير [آدولف هتلر([9])]، وقد تعجبت من وجوده في ذلك المحل الذي لم يكن فيه إلا الفلاسفة والمفكرين، قام، وقال: لا شك أن العالم جميعا يعرفني.. فلا حاجة لأن أذكر لكم اسمي الذي عشت عمري جميعا أعبده، وأطلب من البشر أن يعبدوه.. وفي سبيل ذلك ألغيت الله من وجودي، ودعوت إلى إلغائه.. ولذلك ترونني الآن بينكم.. نعم أنا لست فيلسوفا.. ولكني كنت تلاميذ للفلاسفة..

كنت تلميذا مخلصا لفريدرك نيتشة.. العاصفة الهوجاء.. وقد استفدت منه كل معاني القوة والجبروت والعنصرية. لقد تشبعت بأفكاره وكتاباته.. وكان أهمها عندي مقولة [لقد مات الله]، وفكرة [الإنسان السوبرمان].. لقد اقتنعت بهذه الفكرة، فرحت أشعل العالم كله بالحروب.. وأنا غارق في أحلام العظمة والسوبرمان..

وكنت تلميذا نجيبا لدارون وجميع التطوريين، وخاصة الملاحدة منهم، وقد ملأ عقلي ذلك بفكرة الصراع بين الأجناس مقتنعًا بأن البقاء للأصلح، حتى أنني طالبت بإبادة الضعفاء حتى يكون المجتمع أصح وأفضل وأقوى مما هو عليه.

بل طالبت بإعدام السلالات الضعيفة من البشر، واستيلاد سلالات قوية بدلها.. لقد ذكر ذلك المؤرخ [هيكمان]، فقال عني: (لقد كان مؤمنًا راسخًا بالتطوُّر ومبشرًا به، وأيًّا كانت عقده النفسية الأعمق والأغوص، فأنه من المؤكد أن فكرة الصراع كانت مهمة بالنسبة له، لأن في كتاب [كفاحي] بيَّن بوضوح عددًا من الأفكار التطوُّريَّة، وخاصة تلك التي تؤكد على الصراع، والبقاء للأصلح، وإبادة الضعفاء لإنتاج مجتمع أفضل)([10])

وكنت تلميذا للفيلسوف الوجودي [مارتن هايدجر]، والذي كان يستعمل كل أساليبه في الخداع الفلسفي ليحرض الجامعة الألمانية على أن تخوض غمار حرب حاسمة بروح (النازية) التي يجب إلا تخنقها أية نزعات إنسانية أو مفاهيم مسيحية ([11]).

وهو الذي أوحى إلي، وإلى جميع النازيين بتبني الحل الصهيوني للمسألة اليهودية، إذ كان يرى ضرورة توطين اليهود في فلسطين، أو أي مكان آخر خارج ألمانيا وأوربا.

ولذلك كان أصحابي من النازيين يعتبرونه فيلسوفهم.. بل إنه لم يكتف بأن يطرح فلسفته النازية في كتبه، وإنما راح يتخلى عن وقار الفيلسوف لينضم إلى الحزب النازي عام 1933، وكان من أعز أصدقائه بيوجين فيشر، الذي سأترك له المجال بعدي ليحدثكم عن نفسه، فخير من تحدث عن الإنسان لسانه.

ضرب بمطرقته على بعض الصخور، ثم قال: دعوني أحدثكم عن نفسي، وعن إنجازاتي، أما الفلاسفة الذين تتلمذت عليهم، والذين جرعوني الإلحاد، فسيحدثونكم بألسنتهم، وإن لم تجدوهم هنا، فستجدونهم في أي محل آخر من هذا الفندق اللعين الذي ظللنا حياتنا كلها نبنيه.

لعلكم تعرفون أن مشروعي الأكبر كان هو [الإبادة النازية]، والتي تعتبرونها نموذجا للظلم والاستبداد.. ولكنكم تنسون أن تعتبروها نتيجة طبيعية للإلحاد والغفلة عن الله.. فلو كان الله موجودا في قلوبنا وعقولنا وضمائرنا ما حصلت منا كل تلك الجرائم.. فالإلحاد هو أم الخطايا وأبوها وسيدها.

سكت قليلا، ثم قال([12]): ويلي من الغجر.. ماذا فعلت بأولئك البسطاء المساكين.. لقد كانوا من الشعوب التي شملتهم عنصريتي وكبريائي.. فرحت أبيدهم ـ مع أصحابي النازيين الملاحدة ـ بكل ما أتاحت لنا وسائلنا من قدرات على الإبادة.

أتذكر جيدا أنه كان لدى شرطة إقليم بافاريا الألماني قسمٌ خاص بشئون الغجر يتلقى نسخاً من قرارات المحاكم المكلّفة بالبت في المخالفات التي يرتكبها الغجر.. ثم تحوَّل هذا القسم إلى مركز وطني مقره ميونيـخ، وحُظر على الغـجر منذ ذلك التاريخ التنقل بدون تصريح الشرطة، وكان الغجر الذين يزيد أعمارهم على السادسة عشرة ولا يعملون يُجبرون على العمل لمدة سنتين في مركز من مراكز التأهيل.. وابتداءً من عام 1933، أي تاريخ وصولي إلى الحكم، زادت تلك القيود شدة وصرامة، وطُرد الغجر الذين لا يحملون الجنسية الألمانية، وزُجّ بالباقين في المعتقلات بحجة أنهم (غير اجتماعيين)

ثم بدأ الاهتمام بالبحث في الخصائص العِرقية للغجر، فأعلن الدكتور هانز جلوبكه ـ وهو أحد المساهمين في صياغة قوانين نورمبرج ـ عام 1936 ـ أن الدم الذي يجري في عروق الغجر (دم أجنبي)، ثم صنَّفهم الأستاذ هانز ف. حينثر في فئة مستقلة تمثل مزيجاً عرْقياً غير محدَّد، إذ لم يستطع نفي أصلهم الآري.. وبلغت الخصائص العرْقية لدى الغجر من الأهمية درجة أهلتها لأن تصلح موضوعاً لرسالة دكتوراه، ومما قالته إيفا جوستين مساعدة الدكتور ريتّر في قسم الأبحاث العِرقية بوزارة الصحة (عند مناقشة رسالتها) إن الدم الغجري (يُشكِّل خطراً بالغاً على صفاء الجنس الألماني)

ووجَّه طبيب يُدعَى الدكتور بورتشي مذكرة إلي يقترح فيها فرض الأشغال الشاقة على الغجر وتعقيمـهم بالجملة نظراً لأنهم (يُشكِّلون خطراً على نقاء دم الفلاحين الألمان)

وفي 14 ديسمبر عام 1936، صدر قرار أدى إلى تفاقم أوضاع الغجر إذ وصمهم بأنهم (مجرمون معتادون على الإجرام)، وفي نهاية عام 1937 وخلال عام 1938 شُنت حملات اعتقال جماعية عديدة ضد الغجر، وخُصِّص لهم جناح في معتقل بوخنولد.. وفي رافنسبروك، راحت كثيرات من نساء الغجر ضحايا لتجارب أطباء الشرطة العسكرية الهتلرية الإس. إس.

وفي عام 1938، أصدرت بنفسي أمراً بنقل مقر المركز الوطني لشئون الغجر إلى برلين، وفي السنة نفسها اعتُقل ثلاثمائة غجري كان قد استقر بهم المقام في قرية مانفويرت حيث كانوا يملكون الحقول والكروم.. وقد أمرت حينها بتصنيف الغجر في الفئات التالية: غجري صرف، وخلاسي يغلب عليه العرْق الغجري، وخلاسي يغلب عليه العرْق الآري، وخلاسي يتساوى فيه العرْقان الغجري والآري.

لم أكتف بذلك.. بل رحت أستعمل كل الوسائل لإبادة هذا الشعب المسكين.. من ذلك مثلا أني كنت أدعو إلى إزالة القدرة على الإنجـاب.. ومنها اخـتطاف الأطفال.. ومنها الإبادة عن طريق الزج في المعتقـلات.. ومنها الإبادة عن طريق الإفناء.

لقد عُقِّمت في مستشفى برسلدورف ـ لبيرنفلد نساء غجريات متزوجات من غير الغجر، ومات بعضهن على أثر تعقيمهن وهنَّ حوامل، وفي رافنسبروك، قام أطباء الإس. إس. بتعقيم مائة وعشرين فتاة غجرية صغيرة.

وكان من أمثلة الإبادة الجماعية عن طريق الاعتقال ترحيل خمسة آلاف غجري من ألمانيا إلى جيتو لودز في بولندا، وكانت ظروف المعيشة في هذا الجيتـو من الفظاعـة بحيث لم ينج أحد من هؤلاء الغجر من الهلاك.

ومع ذلك فإن الطريقة التي أؤثرها، ويؤثرها أصدقائي الملحدين المشبعين بالفكر النازي هي طريقة الإفناء المباشر.. وقد اتخذت قرار إبادة الغجر بالإفناء في ربيع عام 1941 عندما شُكِّل ما عُرف باسم (فرق الإعدام)، ولكي يتحقق ذلك كان يتعيَّن جمع الغجر في أماكن محددة.. ثم جاءت القرارات تحظر عليهم ترك منازلهم.. ثم رُحل ثلاثون ألف غجري إلى بولندا فلاقوا حتفهم في معتقلات الموت في بلزك وتربلينكا وسوبيبور ومايدانك، شأنهم شأن آلاف آخرين رُحلوا من بلجيكا وهولندا وفرنسا إلى معتقل أوشفيتس.

وفي بولندا، كان الغجر يُقتلون في معسكرات الموت أو يُعدمون في البراري.. وامتد نطاق القتل إلى الاتحاد السوفيتي عندما اندلعت نيران الحرب بين الألمان والسوفييت، فكانت فرق الإعدام التابعة للإس. إس. تسير مع الجيوش الألمانية، وكانت القبور الجماعية تملأ مناطق البلطيق وأوكرانيا والقرم.. وفي ليلة 24 ديسمبر 1941 أُعدم رمياً بالرصاص في سيمفيروبول ثمانمائة غجري من الرجال والنساء والأطفال.. وحينما زحفت الجيوش النازية، كان الغجر يُعتقلون أو يُرحلون إلى المعسكرات أو يُقتلون.. وفي يوغسلافيا، كان الغجر واليهود يُعدمون في غابة باجنيس.

ضرب بمطرقته قليلا، ثم قال: اضرب يا هتلر على الصخر.. وعش حياتك قزما، فهذا مصيرك المناسب لك.. وانتظر ذلك اليوم الذي تطالبك فيه كل تلك الشعوب بحقوقها.. فالله العادل لن يضيع عنده حق.

قال ذلك، ثم انصرف بحزن شديد إلى الصخور يضربها بشدة، وكأنه يضرب نفسه.

أدولف أيخمان:

ما انتهى هتلر من حديثه حتى قام رجل يرتدي ثيابا عسكرية.. وكان يحمل مطرقة مثل مطرقة زملائه في الجناح.. وكان يشبه في ملامحه ذلك العسكري النازي المشهور بمذابحه في الفترة النازية [أدولف أيخمان([13])]، وقد تعجبت من وجوده في ذلك المحل الذي لم يكن فيه إلا الفلاسفة والمفكرين، قام، وقال([14]): أنا [أدولف أيخمان].. أنا الثمرة الكبرى لأفكار كل الفلاسفة الذين مجدوا الإنسان، وعزلوا الرحمن.. أنا النتاج الحقيقي لتلاقح الإنسان الهارب من الله مع الشيطان المتمرد على الله.. أنا ثمرة الخطيئة الكبرى للفلسفة التنويرية والتطورية والعلمانية الوضعية وكل الفلسفات البشرية.. أنا ثمرة الإلحاد.

أنا ابن للعلمانية.. والإمبريالية.. والعرقية المادية.. والبيولوجية الداروينية.. واليد الخفية عند آدم سميث.. والمنفعة عند بنتام.. ووسائل الإنتاج عند ماركس.. والجنس عند فرويد.. وإرادة القوة عند نيتشه.. وقانون البقاء عند داروين.. والطفرة الحيوية عند برجسون.. والروح المطلقة عند هيجل.. أنا ابن لهؤلاء جميعا، وثمرة طبيعية لأفكارهم وإلحادهم وكبريائهم وغرورهم.

أنا الذي كنت أصيح مع النيتشويين: بعد موت الإله لا داعي للتمَحُكِ في ظلاله كما يقول نبينا نيتشه.. بعد موت الإله لا داعي للقول بالأخلاق أو المساواة بين البشر أو القيم أو الغائيات..

لذلك لا تتعجبوا من تبريري لكل الجرائم التي ارتكبتها في الفترة التي أتيح لي أن أمارس فيها دوري كملحد.. يعبد الوطن أكثر مما يعبد الله.. بل إنه يقتل الله لأجل الحفاظ على الوطن.. لقد ذكرت في الدفاع عن نفسي (أنني مواطن صالح يتبع تعليمات الدولة العليا)

لقد قلت في رسالتي الأخيرة للبشرية، وفي تبريراتي التي سمعها الملايين وتعجبوا منها، لكنهم لم يتعجبوا من الفلاسفة الذين طروحها، والذين لا يزالون يتحدثون عنهم بهالة كبيرة من التعظيم، بل يدرسون كتبهم للأجيال.

اسمحوا لي في هذه اللحظات أن أصب جام غضبي عليهم.. فبسببهم تحولت إلى هذا القزم اللعين الذي لا هم له إلا تحطيم الصخور.. لأن قلبي تحول إلى صخر.. ولا ينفعني إلا أن أحطمه كما تحطم الصخور.

لقد قلت في تبريراتي أمام المحكمة: ما دمت مواطنا صالحا.. فإن مقتضى التعليمات التي لقنني إياها فلاسفتكم ومفكروكم أن أخضع لتعليمات الدولة.. وتعليمات الدولة أمرت في ذلك الحين: أن نقلع النباتات المريضة، ونقوم بإبادتها كما تمت إبادة ملايين اليهود والغجر، فالولاء للوطن هو الذي حل محل الولاء لله.

وقلت: أليست الدولة العلمانية هي التي حلت محل الدين كما يقرر فلاسفتكم ومفكروكم.. وهي التي أصبح لها الحق في تحديد الإطار الإجتماعي والأخلاقي الذي على المواطنين أن يسيروا في حلقته؟

أليست هي التي تسببت في تآكل الدعائم الأخلاقية والثقافية، وظهرت بدلاً عنها ثقافة المجتمع وأخلاقيات المجتمع.. وظهرت النُخب الفاسدة التي لا تحقق ثروتها بفضل استثمارها بقدر ما تحققه بقدر استغلالها وانتهازيتها؟

إن هذه الدولة والفلسفة التي تقف وراءها هي التي صنعتني.. وصنعني معها الإعلام المزخرف والمواكب البهية والتشريفات العالية.. لذلك لا تلوموني ولوموا مناهجكم وأفكاركم وفلسفاتكم الغارقة في المادية.

وقلت: في صغري لم أكن بتلك القسوة التي تحولت إليها، كنت إنسانا طبيعيا رحيما ممتلئا بالمشاعر الإنسانية.. لكن كل ذلك الركام من الأفكار الذي تنشره الجامعات ووسائل الإعلام سلب مني إنسانيتي.. وحولني إلى صخرة بشرية.. لقد صارت الطبيعة بدل الله هي الأساس، ومنها المبدأ وإليها المآل، وبذلك تم تهميش الإنسان في ذاتي، بل تم تصفيته وسقطت مثل الجميع في أحضان المادية.. حيث لا مُطلقات ولا مرجعيات ولا خطوط حمراء.

وقلت: كيف تطلبون مني في إطار المادة العقلانية أن أفرق بين ما هو أخلاقي وبين ما هو غير أخلاقي؟.. فالعقل ـ كما تذكرون ـ لا يُشع نوراً، وإنما هو مجرد موصل جيد للنور أو الظلام، فمرجعيته النهائية هي الطبيعة.

وقلت: ماذا لو أثبت أحدُ العلمانيين أنه من المُجْدِي القضاء على العجزة والمعاقين والأقزام باعتبارهم فائضا بشريا لا قيمة مادية منه مثلما فعل صديقي هتلر؟

ألا تسعون حينها إلى تحديد النسل من خلال إبادة المرضى المزمنين؟.. إن إبادة مثل هؤلاء أمرٌ مُستوعَبٌ داخلَ النموذج العلماني، فالمرجعية هي الطبيعة والطبيعة لا تحابي أحدًا.

ولهذا عندما شببت عن الطوق، ورأيت بعيني كيف كان الأطباء يطبقون تعليمات الفلاسفة بكل دقة تحولت إلى صخرة صماء، لا عاطفة فيها، ولا قلب لها.

أذكر جيدا أني حضرت مجلسا لعالم لألماني مشبع بالفلسفة المادية.. كان يضع الطفل التوأم وشقيقه في حجرتين منفصلتين، ويجرى على أحدهما تجارب ليرى مدى تأثر الآخر، فيُعرض أحدهما للتسخين أو التبريد أو التعذيب أو الموت..

وقلت: لقد أصبح سهلا على الإنسان في هذا العالم المادي إغراؤه بأن ما يرغب فيه قرارٌ حرٌّ نابعٌ من داخله، لكنه في الحقيقة ليس كذلك، بل هو أسير لمئات الإعلانات التي ولَّدت لديه قراراته.. ماذا لو تم إجماع الأغلبية على إبادة الأقلية؟.. ماذا لو أجمعت الشعوب الأوربية على استعمار الدول الفقيرة ونهب ثرواتها؟.. أليس هذا قراراً ديموقراطيًا نابع عن إرادة الشعب؟

ضرب بمطرقته على بعض الصخور، ثم قال: أذكر جيدا أن مؤسسة الإبادة في الدولة النازية كانت تُسمى [مؤسسة تدعيم القومية الألمانية].. ومن خلال هذه المؤسسة المادية ذات الكفاءة المثالية كان يتم عمل خط التجميع للمساجين، ويتم اعطاؤهم أرقاماً ثم فرزهم ثم إدخالهم أفران الغاز، ليحترقوا بمنتهى الكفاءة والمثالية..

كان الفرز يتم بمنتهى الكفاءة، فمَن هو صالح للاستخدام يتم إيداعه في المصانع العملاقة للإنتاج الضخم بأقل من الكفاف، وغير الصالح للاستخدام يدخل أفران الغاز بمنتهى الحيادية، ولا يستطيع باحثٌ بعيداً عن المعايير الاخلاقية أن ينكر مدى التقدم الرهيب الذي أحرزته الفترة النازية في كافة العلوم، وكم الإنتاج منقطع النظير الذي زوّد النازي بالسلاح والذخيرة والطعام أثناء الحرب الطويلة.

وعندما دخل الألمان شبه جزيرة القرم وجدوا اليهود القراءين، فتم تشكيل لجنة بمنتهى الحيادية لمعرفة مدى جدوى استخدامهم أم حرقهم فتبين أنهم أكفاء وبالتالي تم تأجيل قرار إبادتهم.

وفي مؤتمر فانسي الذي عُقد عام 1942 تم تقسيم ضحايا النازية إلى أربعة أقسام: القسم الأول مَن ستتم إبادته على الفور، والثاني من تتم إبادته من خلال الجوع، والثالث الذي سيتم تعقيمه، أما الرابع فيتم دمجه في المجتمع الألماني، وجرى الحديث عن إبادة المعاقين باعتباره نوعاً من الصحة العرقية وعلاج الأمراض الوراثية الخطيرة، والعملية كلها كانت عملية تطهير للجنس الألماني لا أكثر، فإبادة البشر عملية مجردة تماماً وترشيدية داخل المنظومة العلمانية الحيادية.

وفي عام 1933 صدر قانون التعقيم لمنع المرضى من التكاثر، وتم إصدار قرار منع إقامة علاقات بين اليهود والجنس الآري الراقي، وطُلب من كل طبيب أن يبلغ عن كل مولودٍ جديدٍ مُعوَّق، وبدأت عمليات القتل الرحيم، وقُتل بالفعل 70 ألف معاق وعاجز لسبب بسيط، وهو أنهم يأكلون ولا ينتجون.. وقد ذكرت الإحصاءات الألمانية حينها بأن مقتل هؤلاء أدى إلى توفير 239 طن من المربى في عام واحد فقط.

ضرب بمطرقته على بعض الصخور، ثم قال: كان من أصدقائي في تلك الفترة الدكتور [هانس إيسيل]، هو الآن موجود بيننا، لكنه مشغول بقطع الصخور، ولا يستطيع أن يتكلم أبدا.. لقد قام بعمل تجارب طبية على المعتقلين في منتهى الغرابة، مثل تعريضهم لغرف تفريغ الهواء لمعرفة كم يستطيع الإنسان أن يمكث حتى يموت.. وتعريضهم لغازات سامة لمعرفة مدى فاعليتها والتركيزات المطلوبة لإحداث الوفاة.. وقام بعمليات جراحية بدون تخدير لمعرفة درجات الألم ومسارات الأعصاب.. وقد وفّرت الفترة النازية كمية عملاقة من المعلومات الطبية في كافة المجالات.

ومثله كان الدكتور [راشر] ـ الموجود بيننا، والممنتع هو الآخر من الحديث ـ يُعرض مرضاه للتجميد لمعرفة الفترة التي بعدها يموت الإنسان ودرجة التجمد الكافية للموت، وكان أُسلوب عمله هو تجميد السجناء تدريجياً مع متابعة النبض والتنفس والحرارة وضغط الدم بانتظام، وقد مات أغلب من تمت التجارب عليهم، والباقون أصيبوا بلوثات عقلية وتمت إبادتهم بعد ذلك.

وهكذا أجرى بعض أصدقائي تجارب زرع الغرغرينة في الجروح، كما تم الحَقن بالميكروبات لمعرفة الأسرع فتكاً.

ضرب بمطرقته على بعض الصخور، ثم قال: لقد كان من نتائج تأثري وتأثر زملائي بالداروينية الطبيعية والاجتماعية أن أصبح الإنسان عندنا ليس سوى شيء من الأشياء.. لقد ظهر بلا أي مرجعية عُليا.. ظهر ضائعاً في هذا العالم؛ فهو نتاج تطور، وبداية هذا التطور كانت داخل مستنقع، وهذا التطور لن يقف عند الإنسان، بل هو مستمرٌ وغيرُ متوقف.

لقد أصبح الإنسان وفق هذا المنظور لا يختلف عن الأميبا، ولا يتمتع بأي حرية أو أعباء أخلاقية، لأن القانون الأخلاقي مجردُ تطور؛ ولذا فهو نسبي وقتي، فلا يوجد فارق بين مجموعة قتلة مجرمين، وبين ذئاب يخطفون شاة..

البقاء أصبح هو القيمة الوحيدة.. والصراع هو الآلية.. والعالم ما هو إلا حربُ الجميع ضد الجميع، ومهما تطورت الكائنات فلن تنتج فكراً متجاوزاً.

ولهذا بررت الداروينية المشروع الإمبريالي، والمشروع النازي، وأراحت مجرمي الحروب من أي أعباء أخلاقية.

ضرب بمطرقته على بعض الصخور، ثم قال: لست أنا وحدي الذي كنت أمارس الإجرام.. بل كلهم مارسه.. حتى الذين حاكموني مارسوه بأبشع الأشكال.. لأن نجاح الدولة عندهم كان مرتبطا أساساً بمدى النهب الذي مارسوه أثناء الحقبة الاستعمارية.. فتراكم الثروات الرأسمالية هو تراكم إمبريالي استعماري في الأساس.

لقد قررت كل تلك الدول الظالمة التي تدعي أنها تحافظ على حقوق الإنسان، أن تضع نفسها فوق الجميع، فتقوم بغزو الآخر والاستيلاء على أرضه واستباحته ما دام ذلك في صالح مقدرات الدولة العليا.

لا تتصوروا أن ذلك كان مرحلة من مراحلها، وأنها تابت وعادت إلى وعيها.. كلا.. ليس ذلك كذلك.. بل إنها غيرت استراتيجية المعركة فقط بعد أن أدركت أن المواجهة العسكرية مع الدول الفقيرة لنهب الثروات صارت مكلفة ومرهقة بعد انتشار وسائل الإعلام والهزائم المتتالية.. فقررت أن تلجأ إلى التفكيك، وتصدير المادية إلى النخب المثقفة، وتدويل الشركات عابرة القارات، وتدجين المثقفين من خلال ندوات تُنفق عليها الملايين، وأندية الروتاري والليونز حيث يتم استئناس النخب المثقفة، لاستعمار البلاد من خلالهم.

ضرب بمطرقته قليلا، ثم قال: اضرب يا أدولف على الصخر.. وعش حياتك قزما، فهذا مصيرك المناسب لك.. وانتظر ذلك اليوم الذي تطالبك فيه كل أصحاب تلك الدماء التي أسلتها.. فالله العادل لن يضيع عنده حق.

قال ذلك، ثم انصرف بحزن شديد إلى الصخور يضربها بشدة، وكأنه يضرب نفسه.

***

بينما أنا في قمة استغراقي في تلك المشاهدات العجيبة لهؤلاء الملاحدة المتجبرين، نبهني صاحبي المرشد، وقال لي: أظن أن ما سمعته هنا من اعترافات يكفي.. فهلم بنا إلى جناح آخر.. لترى أهله وتعرف أسرار إلحادهم.


([1])  الكلمة الثانية عشرـ رسائل النور، النورسي.

([2])  ربرت سبنسر (1820، 1903): فيلسوف بريطاني، مؤلف كتاب [الرجل ضد الدولة]، وهو أحد أكبر المفكرين الإنجليز تأثيرا في نهاية القرن التاسع عشر، وهو الأب الثاني لعلم الاجتماع بعد أوجست كونت الفرنسي، اشتهر بنظريته عن التطور الاجتماعي.

([3])  ذكر ذلك بتفصيل السير فرانسيس غالتون في كتابه (العبقري الوراثي) عام 1869. و هو عالم بريطاني وأحد أقرباء تشارلز دارون..

([4])  هذه النصوص مقتبسة من [موسوعة اليهودية].

([5])  هذه النصوص مقتبسة من [موسوعة اليهودية].

([6])  هذه النصوص مقتبسة من [موسوعة اليهودية].

([7]) فريدريك نيتشه (1844 ـ 1900م) فيلسوف ألماني، عالم نفس، وعالم لغويات، تميز بشخصية عدوانية جداً، و كونه ناقدا حادّا للمبادئ الأخلاقية،و النفعية، والفلسفة المعاصرة، المادية، المثالية الألمانية، الرومانسية الألمانية، والحداثة عُموماً.. وفي مجال الفلسفة والأدب، يعتبر نيتشه في أغلب الأحيان إلهام للمدارس الوجودية وما بعد الحداثة. روج لأفكار اللاعقلانية والعدمية، واستخدمت بعض آرائه فيما بعد من قبل إيديولوجيي الفاشية.

([8]) لكن أمنيته لم تتحقق، اذ تلى عليه القساوسة في ساعة دفنه.

([9])فريدريك نيتشه (1844 ـ 1900م) فيلسوف ألماني، عالم نفس، وعالم لغويات، تميز بشخصية عدوانية جداً، و كونه ناقدا حادّا للمبادئ الأخلاقية،و النفعية، والفلسفة المعاصرة، المادية، المثالية الألمانية، الرومانسية الألمانية، والحداثة عُموماً.. وفي مجال الفلسفة والأدب، يعتبر نيتشه في أغلب الأحيان إلهام للمدارس الوجودية وما بعد الحداثة. روج لأفكار اللاعقلانية والعدمية، واستخدمت بعض آرائه فيما بعد من قبل إيديولوجيي الفاشية.

([10])  أورده هارون يحيى، خديعة التطوُّر ص 11.

([11])  هذا الكلام وما بعده مقتبس بتصرف من موسوعة اليهود واليهودية للمسيري.

([12])  المادة العلمية في هذا المحل مقتبسة من: الموسوعة اليهودية، للمسيري.

([13])  أدولف أيخمان [1906 -1962] أحد المسؤولين الكبار في الرايخ الثالث، وضابط في القوات الخاصة الألمانية أو ما تعرف بقوات العاصفة، تعود إليه مسؤولية الترتيبات اللوجستية كرئيس جهاز البوليس السري جيستابو في إعداد مستلزمات المدنيين في معسكرات الاعتقال وإبادتهم فيما يعرف آنذاك في الحل الأخير.

([14])  استفدنا المادة العلمية الواردة هنا من كتب د.عبد الوهاب المسيري، وخاصةً كتاب [العلمانية الجزئية العلمانية الشاملة]

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *