خذوا العبرة من سلمان المحمدي

خذوا العبرة من سلمان المحمدي

يا دعاة الأمازيغية والعربية والكردية والفارسية والطورانية.. اسمعوا مني هذه الحكاية، فلعلها تنفعكم.. فهي ليست أسطورة من الأساطير، أو خرافة من الخرفات.. وإنما هي عن رجل حكيم استطاع بتخلصه من قوميته ونسبه الطيني أن يحظى بأشرف قومية ونسب عرفه التاريخ..

إنها عن حكيم الحكماء [سلمان المحمدي] الذي كان فارسيا.. لكن ذوبانه في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعله من آل بيت النبوة، وحظي بذلك الوسام الشريف الذي ردده التاريخ في كل أجياله: (سلمان منا آل البيت)

والقصة التي جعلت سلمان يرقى هذا المرتقى الصعب هي أنه كان جالسا بين بعض القوميين، فرآهم يتفاخرون فيما بينهم، فبعضهم يذكر أنه من نسل ملوك الغسانة، وبعضهم يرفع نسبه إلى الفراعنة، وآخر يرفعه إلى الكاهنة.. فعجب لهؤلاء القوم كيف ينشغلون بالرمم البالية، وأمامهم الشمس التي لا تنطفئ.. والنور الذي لا يخفت.. والسراح المنير الذي لا ينتهي وقوده..

فلذلك ما إن سألوه عن قوميته حتى أجابهم بكل روحانية: أبي الإسلام.. ومحمد.. وكفى.. ثم راح ينشد بصوته العذب المختلط بدموعه:

أبي الإسلام لا أب لي سواه  إذا افتخروا بقيس أو تميم

كان يمكنه أن يذكر حضارة فارس، وعدل أنوشروان، ونبوءة زرادشت، وحكماء الفرس وأدباءهم.. لكنه لم يفعل.. لأنه ذاب في النبوة، وفني فيها، فلم يعد يرى سواها..

نعم قالبه الطيني قدم من فارس.. ذلك في ولادته الأولى.. لكنه في ولادته الملكوتية صار ابن محمد، وأخا محمد، وصاحب محمد، وكل شيء عنده يلهج بمحمد..

لقد صار روحانيا من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه.. وتخلص من طينه.. ولذلك لم تعد له نسبة إلى عالم الطين.. بل بقيت نسبته الوحيدة لمحمد وآل محمد.

فانظروا ـ إخواني الأمازيغ والعرب والكرد والفرس ـ إلى هذه الهمة العلية، وحطموا قوالب الطين وأوثانه، وتعلقوا بالنسب الأبدي الروحاني النوراني، لتشهدوا الحقيقة من عين الحقيقة، وتذوقوا المعارف من ساقي المعارف.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *