هوكينغ والدعاية الإعلامية

هوكينغ والدعاية الإعلامية

يردد الكثير هذه الأيام بوعي أو بغير وعي أصداء تلك الدعاية المجانية لهوكنيغ بحجة أنه خدم الإنسانية.. وكأنه الوحيد الذي خدمها.. وكأن كل تلك الجحافل من الجنود المجهولين من الأطباء والمهندسين والبيولوجيين والتقنيين والمعماريين والأدباء والفنانين وغيرهم كثير لم يفعلوا شيئا.. وهم لم يلتفتوا لهم أصلا، وكأنهم غير موجودين.. لسبب بسيط، وهو أن القنوات الإعلامية الغربية لم تتبناهم، ولم تبثت دعايتها الإعلامية للإشهار بهم.

ولنسلم جدلا بذلك.. ولو أني شخصيا لا أسلم بذلك.. فأكثر ما طرحه هوكينغ يدخل ضمن الفيزياء النظرية البحتة.. بل يدخل ضمن الميتافيزياء.. فلا يمكن التثبت مما قاله، ولا تأكيده علميا، ولهذا ـ مع حرصه الشديد على نيل جائزة نوبل في الفيزياء ـ لم ينلها بسبب بسيط، وهو أن أفكاره لم تثبت علميا.. وحتى نظرية [إم] هي مجرد طرح خيالي لا حظ له من المصداقية العلمية..

لا بأس.. فلندع هذا.. ولنعتبر هوكينغ خادما صحيحا، وليس مزيفا.. وأطروحاته علمية لا خيالية.. لكن لننظر للأمر من زاوية أخرى.. وهي سبب الشهرة التي نالها بين عوام الناس.. وما أسهل أن نعرف ذلك.. يكفي فقط أن نكتب اسمه على النت ليبرز لنا كأكبر شخصية فيزيائية حديثة تصرح بالإلحاد، وتضع المبررات له.. بل تتصور أنه بإمكان قانون الجاذبية لوحده أن يغني الخلق عن الخالق.. ولذلك نال حظه واهتمامه من الملاحدة الجدد، فهو أيقونة من أيقوناتهم الكبرى، وهم يجادلون به، ويحاجون المؤمنين بأطروحاته.

وأنا لا يهمني إلحاده أو إيمانه، فكثير من العلماء ملاحدة، ولكن إلحادهم بقي حبيس نفوسهم.. لكن هذا الرجل كان يصرح به في كل المناسبات، ويدعو له، ولذلك فإن الدعاية له هي دعاية لأفكاره، والعوام الذين يتأثرون به، سيسرعون لا محالة لكتبه يقرؤونها، وللمواقع التي تشيد به يطالعونها، وبذلك نقدم لهم وله تلك الدعاية المجانية الخطيرة.

بقي موقفه من القضية الفلسطينية أو غيرها، وهذه مسألة أخرى.. هناك آلاف من المجاهيل الذين اهتموا بهذه القضية، والذين مزجوا بينها وبين عدم دعوتهم للإلحاد أو الانحراف عن القيم الإنسانية، وهم أولى منا بأن نؤدي أدوارنا الدعائية لهم.

ثم لو أننا لو تأملنا الكثير من أعلام الإلحاد كبرتراند رسل وجول بول سارتر وغيرهم، نجد لهم مواقف إنسانية محترمة.. فهل نقوم بالدعاية لهم كذلك بسبب تلك المواقف؟

لست أدري ما أقول لهؤلاء المتطوعين من الإعلاميين الذين تخلوا عن مبائدهم من كون أمريكا هي الشيطان الأكبر.. وهي حقيقة شيطان أكبر لا بسبب تصديرها للعنف والحرب الناعمة والصلبة للعالم فقط، وإنما بسبب نشرها لتلك القيم المنحرفة والأفكار الضالة وكل من يمثلها.. ولعل هذه أخطر بكثير من تلك.. فتلك تهدم البنيان، وهذه تهدم الإنسان.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *