هل هناك جينات عرقية؟

من الأساليب التي مارسها الاستعمار الفرنسي ليقنع بها المؤسسين للحركة الأمازيغية، لإخراجهم من إطار الحضارة العربية التي عاش فيها أسلافهم، هو ما يطلق عليه علميا [العنصرية العلمية] ([1])، وذلك بجعلهم يعتقدون أن العرق الأمازيغي عرق مميز.. وأنه قدم من أوروبا.. وأن الجمجمة الأمازيغية تختلف عن الجمجمة العربية، وأنها أقرب للجمجمة الأوربية.
بل قال لي بعضهم، وهو يحاورني بكبرياء: ألا ترى لوننا الأشقر، وعيوننا الملونة.. هل يمكن ألا تكون هذه الألوان قادمة من أوروبا؟
ولهذا نرى هؤلاء الدعاة يصدقون كل ما يكذب به عليهم المستعمر ليفرق بينهم وبين قومهم.. مع العلم أن كل الدعاوى المرتبطة بذلك دعاوى غير صحيحة من الناحية العلمية، فليس هناك في التقنيات العلمية ما يؤيد تلك الدعاوى العنصرية.
وبما أن المسألة علمية محضة، والمصادر فيها كثيرة جدا، وربما يصعب على القارئ العادي فهمها أو استيعابها، فلهذا سأقتبس من مقال يبسط المسألة بعنوان [خرافة العِرق: هل العرق مركب بيولوجي؟]
والذي قدم له صاحبه الأستاذ شادي عبد الحافظ بقوله: (يهدف هذا المقال –ببساطة ووضوح– إلى هدم ما نتصور في أحاديثنا اليومية أننا نصفه حينما نتحدث عن الأعراق البشرية، عن أنها مجموعات منفصلة من البشر تميزها صفات جينية مرتبطة بالذكاء، درجات العنف، المستويات التعليمية..)
ثم ذكر هذا الباحث أن هناك إجماعا بين متخصصي البيولوجيا على أن تلك الدرجة من الانحياز للنمط الجيني في العرقية الطبيعانية ليست صحيحة بالمرة. (فالعرق هو مركب اجتماعي مرتبط بالثقافة واللغة وعادات الشعوب والمجموعات البشرية)، وليس مرتبطا بالنواحي البيولوجية، ولا بالجينات، ولا بـ DNA
وضرب مثلا لذلك بتأثير تغير الأجندات السياسية في الولايات المتحدة، حول طبيعة العرق من فترة لأخرى، فالمكسيكيي الأصل، حتى سنة 1929 كان يعتبر شخصا أبيض له حكم البيض، لكن عند حاجة الدولة لإيقاف الهجرة، وفي سنة 1930 صارت البحوث تذكر أنه ليس أبيض.. أي أنه من عرق مختلف.. وفي بداية الأربعينيات، وأثناء الحرب العالمية الثانية، وعند حاجة أمريكا للعنصر المكسيكسي حولته البحوث إلى أبيض من جديد.
وهكذا كانت البحوث المرتبطة بالأعراق تستثمر في خدمة التوجهات السياسية والاقتصادية، وغالباـ كما يذكر الباحث ـ (ما تم الزج بالبيولوجيا في تلك المزاعم لإعطائها دعما صلبا)
وهذا يذكر بما فعله المستعمر الفرنسي ـ وهو أخ للمجرم الأمريكي ـ في استخدام هذه الأداة الكاذبة في الحرب الناعمة التي يفتت بها الشعوب.
لا يمكننا في هذا المحل أن نورد كل ما ذكره الباحث من معلومات ووثائق، لكني أقتصر منها فقط على ما ذكره من أن (درجة التشابه في المحتوى الجيني للبشر تبلغ 99.9 بالمائة، يعني ذلك أنه يبقى لنا فقط 0.1 بالمائة للتنوع، وضمن هذا الـ 0.1 ظهرت نتيجة معامل التثبيت.. ما يعني أن كل البشر يتشاركون في 88 بالمائة من محتوى الـ 0.1 بالمائة المسئول عن التنوع الجيني، بينما يظهر الاختلاف فقط في 12 بالمائة من هذا المحتوى)
ثم بين أن ذلك الجزء البسيط جدا، والمسؤول عن التنوع الجيني، لا يمكن أن يكتشف به أي شيء يرتبط بالأعراق.. ولا بالجماعات البشرية..ونقل عن ورقية بحثية نشرت سنة 1972 من طرف [ريتشارد لوينتن]، بعنوان [توزيع التنوع البشري]، معلومات مهمة جدا لا يمكن ذكرها هنا بتفاصيلها، لكن النتيجة هي أنه وجد أن (85.4 بالمائة من قيمة التنوع يتشارك فيها كل البشر.. وأن 8.3 بالمائة من درجة التنوع توجد بين أفراد من نفس العرق.. وأن 6.3 بالمائة فقط من درجة التنوع موجودة في أفراد من أعراق مختلفة)
وذلك يعني أن درجة التنوع الجيني بين فردين من نفس العرق، كدنماركي وبريطاني مثلا، أكبر من درجة التنوع الجيني بين أفريقي وآسيوي، أي أن المسافة بين فردين من دول وسط وجنوب أفريقي، في المحتوى الجيني، قد تكون أكبر من المسافة بين شخص ياباني وآخر إيطالي.
ويعني ذلك أن تقسيمنا للعرق، والمبني على أن هناك مجموعات محددة من الأفراد تمتلك درجة من التجانس فيما بينها، وتختلف في تركيبها الجيني عن مجموعة أخرى، غير صحيح.
وختم هذا الباحث المحترم بحثه هذا بقوله: (لو عدنا للوراء فقط 50 جيلا فإن كل البشر -على قيد الحياة الآن- سوف يتشاركون نفس الجد.. لو نزل كائن فضائي إلى الأرض حالا لعرّف البشر على أنهم عرق واحد، لطالما تم استخدام تلك الكلمة البسيطة [عرق] لإشعال العالم، مرة بعد مرة، وها نحن من جديد نستعد لدورة جديدة من الحماقة.. لذلك فما أود أن أتساءل عنه هنا هو: إلام سوف نحاول جر العلم لمعاركنا الخاصة؟ كم حربا عالمية نحتاج لكي نقتنع أن ما نفعله الآن هو فقط مبرر لغضبنا، ليس من آخرين، ولكن من ذواتنا؟)
هذه
مقتطفات من المقال، وقد سقتها هنا باختصار، ومن شاء المزيد، فيمكنه أن يقرأه كاملا،
ويضيف إليه ما كتبه ـ خصوصا ـ عبد الوهاب المسيري حول العنصرية العلمية، وخاصة في
موسوعته المميزة عن اليهودية والصهيونية.. فالدعوى الأيديولجية الأمازيغية لا
تختلف كثيرا عن دعاوى الصهيونية والنازية.
([1]) تعتمد العنصرية العلمية على توظيف الأنثروبولوجيا (علم الإنسان)، والقياسات الجسمية، وعلم قياس الجماجم، وغيرها من التخصصات أو شبه التخصصات، في دعم نظرية تصنيف البشر إلى أجناس بشرية منفصلة جسديًا، بحيث تكون أجناس محددة أكثر رقيًا من أجناس أخرى..