هل الدعوة إلى العربية عنصرية؟

هل الدعوة إلى العربية عنصرية؟

ما كنت أتصور أبدا أنني سأعيش إلى اليوم الذي تصبح فيه الدعوة إلى البديهيات دعوة مستغربة، بل مستهجنة، بل تتلقى بكل صنوف الرد والبذاءة.

ذلك أنني لم أدعو من خلال كل المنشورات السابقة لا إلى عبس ولا إلى ذبيان.. ولا إلى مضر.. ولا إلى ربيعة.. بل دعوت إلى شيء واحد هو [اللغة العربية]، بمحبتها وإحيائها وتعلمها والتعامل بها في جميع الشؤون، باعتبارها هدية الله لنا، وفضله علينا، حتى نفهم كتابه من غير أي ترجمة تشوه معانيه أو تقزمها.. وحتى نعيش بلاغته كما عاشها من عايشه، فنرى معجزته الحسية ماثلة أمامنا في مفرداته وتراكيبه.

لكن الآخرين تصوروا أننا بدعوتنا إلى العربية نحارب دعوتهم للغتهم التي لا نستطيع مهما توفر لها من عناصر الإبداع والقوة أن تنافس العربية، بل أن توضع معها في محل واحد.. فهي لا تزال لهجات مفرقة مشتتة، حالها كحال اللهجات العربية قبل الإسلام.. بل إنني سمعت من بعض دعاة الأمازيغية أنفسهم أنه لم يفهم إلا 20 بالمائة من أول بيان رسمي باللغة الأمازيغية، ذلك أنه كتب بلهجة تخالف لهجته..

أهذه هي اللغة التي تريدون أن تستبدلوا بها اللغة العربية.. لغتنا الأصلية والأم والرسمية والدينية والحياتية وكل شيء.. هكذا سمعناها من آبائنا وأجدادنا لولا أن جاء ذلك المستعمر البغيض، والذي لم يستطع أن يتلاعب بدين الناس، فراح يتلاعب بلغتهم، وبصناعة ضرائر لها، يحتقرونها، ويشمئزون منها، بل يستعملون كل الوسائل إلى الإساءة إليها.

مع أنهم يصرحون أنها لغة القرآن الكريم.. ويصرحون مع ذلك أنه لولا القرآن لما أعاروها أي اهتمام؟

يا سبحان الله.. ما هذه الكلمة العظيمة؟.. وما هذا التفكير المنطقي العجيب؟

إذا كان الله اختارها لتحمل آخر رسالة له إلى عباده.. وهو أعلم حيث يجعل رسالته.. وأعلم باللغة التي تتناسب مع المعاني السامية المقدسة التي يريد تبليغها لعباده.. أفنحتقرها نحن، بل ونضعها مع سائر اللغات في صف واحد؟

إن الذي يفكر بهذه الطريقة لا يضع للقرآن الكريم، ولا لدينه أي قيمة.. وإلا فإنه لو كان صاحب منطق، فإن أول قاعدة يتأسس عليها اختيار الله للعربية لتبليغ دينه.. أن نقول: إذا كان الله اختارها لديننا، أفلا نختارها لدنينا.. وإذا وسعت العربية كل عوالم الملكوت.. أفلا يمكنها أن تسع عوالم الملك.. وإذا عبر بها عن حقائق الوجود الكبرى.. أفلا يعبر بها عن حقائق الكون الصغرى؟

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *