هل اقترب عصر الدجال؟

مما دلت عليه النصوص المتواترة من السنة المطهرة، بل مما دلت عليه أديان الشعوب المختلفة ظهور الدجال، الذي تجتمع فيه كل أنواع الفتن، ما ظهر منها وما بطن.. بل إن التحليل البسيط لحركة التاريخ يدل عليه.. ذلك أن المشروع الشيطاني يكتمل عنده، فعنده يجمع الشيطان كل ما تعلمه في تاريخه الطويل من إغراءات ووساوس وتضليلات..
ولهذا ورد في النصوص المقدسة أنه يستطيع، وبحركات بسيطة أن يوفر لمن يتبعه كل المرافق التي يحتاجها، بل حتى تلك التي لم يكن يحلم به، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذراً، وأسبغه ضروعاً، وأمده خواصر. ثم يأتي القومَ فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيدهم شيء من أموالهم. ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل)([1])
وهذا الحديث بهذا الوصف الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي راعى فيه قدرات البيئة التي كان فيها، والتي لم تكن ترى من فتن الدنيا إلا ذلك الغيث البسيط الذي ينزل من سمائها، أو ذلك العشب الأخضر الذي يكسو أرضها.. وهو يشير بلسان حاله إلى أمور أكبر وأخطر.. وهي تلك الكنور التي تتبعه وتسير خلفه وتسخر له.
وبذلك فإن الدجال ـ بحسب ما تشير إليه تلك النصوص ـ هو الزبدة والعصارة والخلاصة التي تجتمع فيها كل المغريات التي عرفتها البشرية في جميع عهودها.. وذلك يستدعي أن تجتمع لديه جميع العلوم والتقنيات.. ليس ذلك فقط.. بل تجتمع لديه جميع وساوس الأبالسة وفلسفاتهم..
ولو كان الأمر قاصرا على توفر تلك المرافق والخدمات والمغريات لكان الأمر سهلا.. لكن الدجال لا يكتفي بذلك، بل هو يجعل من كل ذلك أحبولة لنزع الإيمان من قلوب.. نزع الإيمان بالله من القلوب، وإحلال الإيمان به وبدجله ومغرياته بدلها.
وكمقدمة لذلك ينشر الشيطان الآن بأدواته المختلفة من جميع أقطاب الشر، ومن يتبعه من الأذناب أنه لا أهمية للإيمان أو الكفر، أو الطاعة أو العصيان.. بل الأهمية لنمو الاقتصاد.. وتطور التكنولوجيا.. وتوفر الخدمات.. أما الإيمان والطاعة فهي مجرد أفكار نسبية لا قيمة لها.
وبذلك أصبحت موازين البشر هي موازين الدجال نفسها.. فالبشر لا يملكون قيمتهم بسبب الإيمان الذي يعمر قلوبهم، ولا بالأخلاق التي تكسو سلوكهم، وإنما بما سماه الله تعالى [ظاهر الحياة الدنيا]، وهي تلك المعارف البسيطة التي تهتم بخدمة الشهوات والأهواء والغرائز.. ثم تختصر الحياة والكون فيما تراه من ظواهر..
وقد اعتبر الله تعالى كل ذلك جهلا لا تساوي نشوة إيمان مؤمن حتى لو كان راع في جبل أو حمال في سوق، قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 6، 7]
هذه الآية الكريمة كافية لمن تأملها في أن
يعيد ضبط بوصلته.. حتى لا يكون من أنصار الدجال عند خروجه أو قبل خروجه.. وحتى لا
يكون من الممهدين للدجال الذين يحتقرون الإيمان، والمعارف الإلهية، ويختصرون
الحياة في الحياة الدنيا، ويختصرون القيم فيما تمليه الأهواء والغرائز.
([1]) مسلم (8/197-198)، وأبو داود(2/213)