لم الحقد على العربية؟

لم الحقد على العربية؟

من عجائب التناقضات التي يقع فيها دعاة الأمازيغية ذلك الحقد الذي تفرزه نفوسهم على اللغة العربية، وعلى العرب، في نفس الوقت الذي يكادون يذوبون فيه تتيما وعشقا للغة الفرنسية، ولأصحابها الفرنسيين؟

وهذا يدل على أن هؤلاء الدعاة ـ شعروا أو لم يشعروا ـ جزء من مخطط استعماري خطير، أو أدوات للحرب الناعمة المقبلة التي يزمع الاستكبار العالمي تحضير الأرضية لها في الجزائر.

وإلا فإننا إذا عدنا إلى أسلاف الأمازيغ أنفسهم نجدهم جميعا من أبناء الطرق الصوفية، بل كانوا من مشايخها الكبار.. والصوفية أبعد الناس عن العرقية والطائفية..

فالشيخ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻷﺯﻫﺮﻱ هو مؤسس أكبر طريقة صوفية جزائرية [الطريقة الرحمانية]، والتي تنتشر زوياها في كل المناطق الجزائرية، وخاصة الأمازيغية منها، ومع كونها تدرس كل العلوم إلا أننا لم نسمع أنها دعت إلى تدريس الأمازيغية، ولا دعت إلى العرق الأمازيغي أصلا.. بل إنها تفخر بعروبتها، بل تثبتها من خلال وثائقها الكثيرة.

وهكذا نجد أن أكبر حركة مقاومة للاستعمار كانت على يد الشيخ الحداد، وهو شيخ صوفي، من المنطقة الأمازيغية، واستطاع أن يحشد الحشود الكثيرة من جميع جهات الجزائر لمواجهة الاستعمار الفرنسي، ولم يتحدث أبدا بلغة عرقية ولا طائفية.

وهكذا نجد مفجري ثورة نوفمبر، والذين كان الكثير منهم يتقن الأمازيغية مثل مصطفى بن بولعيد، ومع ذلك لم نسمع هذه الأحقاد الموجهة للعربية، ولا للعرب.. بل كانوا يعتبرون أنفسهم عربا لأنهم يعرفون العربية، وينطقون بها..

بل إننا نجد في نص أول نداء وجهته الكتابة العامة لجبهة التحرير الوطني إلى الشعب الجزائري في أول نوفمبر 1954 هذا الهدف (تحقيق وحدة شمال إفريقيا في داخل إطارها الطبيعي العربي والإسلامي).. ولم نجد فيه كلمة واحدة عن الأمازيغ أو الأمازيغية.

بل إننا إذا عدنا إلى التاريخ نجد كبار العلماء الذين أنجبتهم المناطق الأمازيغية يحبون العربية، ويقدسونها، ويكتبون بها، ولم يشكوا أبدا من ظلم أهلها لهم..

وحسبنا أن نذكر أن ابن معطي مؤلف أول ألفية في النحو العربي كان من زواوة، وهي من المناطق الأمازيغية.. فقد ألفها(العلامة شيخ النحو زين الدين أبو الحسين يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي النحوي)، وهو كما يذكر مترجموه (جزائري الأصل، من (زواوة)؛ وهي قبيلة كبيرة ببجاية).. وعندما يتحدثون عن كتبه يذكرون أنها [الدرة الألفية في علم العربية].. و[الفصول في النحو].. و[المثلث في اللغة].. و[العقود والقوانين في النحو].. و[الفصول الخمسون في النحو].. وغيرها.. وكلها في خدمة العربية.. بل لا يوجد كتاب منها عن الأمازيغية.

بل إننا لا نجد لهذه الدعوة ظهورا إلا بعد الاستعمار الفرنسي الذي استعمل سياسة [فرق تسد] ليتمكن من تفيذ مشاريعه.. وراح دعاة الأمازيغية يتبعون صيحته، وينسون دينهم ونبيهم الذي حذرهم من العصبية.. وينسون المستعمر الذي استولى على خيراتهم.. بل راحوا يسبحون بحمده، ويرطنون بلغته في نفس الوقت الذي يحتقرون فيه لغتهم العربية لغة كتابهم المقدس.. ولغة نبيهم.. ولغة أجدادهم.. ولغة حضارتهم.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *