سلفية الشيعة

سلفية الشيعة

مثلما توجد الظاهرة السلفية في المجتمعات السنية، فإننا نجد هذه الظاهرة كذلك في المجتمعات الشيعية في القديم والحديث..

ومثلما لهذه الظاهرة رجالها وكتبها وقنواتها في المدرسة السنية، نجد هؤلاء جميعا في المدرسة الشيعية.. فالشيطان لن يترك طائفة دون أن يضع بينها من يؤدي رسالته ومشروعه على هذه الأرض.

لكن المشكلة هي أننا في المدرسة السنية نميز السلفية عن غيرهم، بل نميز أتباع السلفية أنفسهم فنفرق بين الجامي والمدخلي والسرور والحدادي والمسالم والعنيف.. فنضع لكل فريق منهم اسمه الخاص، ودوره الخاص.. فإذا ما انتقد أحدنا أي سلوك سلفي، قيل له: لا تعمم، فالسلفية ليسوا شيئا واحدا.

لكن إن تعلق الأمر بالشيعة، فإنهم يحملونهم جميعا، وعلى بكرة أبيهم كل أخطاء التاريخ والجغرافيا.. بل حتى ابن العلقمي وهو لا عالم ولا مرجع، وإنما مجرد وزير في دولة، لا زالوا يحملون وزره ـ إن صح ما يروى عنه ـ كل المجتمعات الشيعية.

وهذا خطأ منهجي في التفكير والمواقف يتنافى مع قوله تعالى، وهو يخبر عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُون} [آل عمران:113]، ويقول: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } [آل عمران:75]

بناء على هذا، فإن السلفية توجد في المدرسة الشيعية مثلما توجد تماما في المدرسة السنية، ففيها من يلغي عقله وقرآنه، ليتبنى حكايات وخرافات وضلالات لا معنى لها.. فإن دعي إلى إعمال عقله، صاح بما يصيح به كل السلفية (العقل حجاب، وليست عقولنا بأفضل من عقول سلفنا)

وهذا النوع من السلفية الشيعية هو الذي يخالف وعد الله تعالى بحفظ كتابه، باعتباره النور الهادي للأمة، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحجر:9]، فيدعون أن كتاب الله حرف.. وأن تحريفه لا يقتصر على المعنى، بل يشمل اللفظ أيضا، وهذا كله انتصار لأنفسهم ضد غيرهم ممن يسمونهم نواصب، والأمثلة على هذا ذلك الكتاب الذي يرمي به السلفية كل الشيعة، مع أن مؤلفه شخص واحد، ومن مدرسة محددة من المدارس الشيعية هي المدرسة الإخبارية، وهي مثل المدرسة السلفية تماما، تنزل الأخبار منزلة القرآن، بل إنها ترى تعطيل القرآن لأجلها.

وهذا النوع من السلفية الشيعية هو الذي ترك الدعوة لدين الله، والدعوة للمشتركات التي تتفق الأمة جميعا عليها، وراح، وفي البلاد التي صدرت لنا كل أنواع الفتن، يتكلم في عرض أمهات المؤمنين ليستثير الأحقاد، ويصدع وحدة الأمة، غافلا عن أن حقده جره إلى تشويه عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه.. فمن يتكلم في زوجة أي رجل كان، هو في الحقيقة يتكلم في الرجل نفسه..

وهذا النوع من السلفية الشيعية هو الذي يردد ما ردده قبله أئمة السلفية السنة، من أنه (من لم يكن معنا فهو ضدنا)، فيعتبرون كل الأمة بعلمائها وصالحيها نواصب.. ويطبقون عليهم كل ما تمليه أحقادهم من أحكام، ومن رمي في جهنم، ويبدؤون في ذلك بالصحابة أنفسم، باعتبارهم جميعا ـ إلا عددا محدودا ـ من النواصب من دون دليل إلا تلك النصوص الواهية التي لا سند لها، ولا قوة تحميها، وهذا خلاف ما يردده أئمتهم وإخوانهم في المذهب أنفسهم.

بل إن هؤلاء ولكبريائهم لا يستثنون أصحاب مدرستهم أنفسهم.. ومن شاء أن يتأكد من ذلك، فليذهب وليستمع إلى مواقف ياسر الحبيب واللهياري من السيد حسن نصر الله، أو السيد على الخامنائي، أو السيد السيستاني، أو غيرهم من مراجع الشيعة، فهم يضعونهم جميعا مع من يسمونهم نواصب في سلة واحدة.

وهذا النوع من السلفية الشيعية هو الذي يقدس كتبه الحديثية أكثر من تقديسه للقرآن الكريم، فلا يقبل أي جدال حول أي حديث، حتى لو تنافى مع العقل، ومع كل شيء، وهم يمارسون مع من ينتقد هذا من أصحاب مذهبهم، ذلك العنف الذي تمارسه السلفية السنية مع منتقدي أي حديث لا يقبله العقل أو يعارضه القرآن.

وهذا النوع من السلفية الشيعية هو الذي يشوه تلك العلاقة العاطفية التي تربطه بمن يزعم أنه يأتم بهم من أئمة أهل البيت.. فيجرح نفسه، ويرمي صدره وظهره بالسلاسل، ويتصور أنه بتلك الدماء التي تسيل منه يتقرب من أئمته، بينما هو لا يزداد منهم إلا بعدا، بل هو يمارس كل أنواع العداوة لهم، ويضع كل الحجب بين الأمة وبينهم.

وهذا النوع من السلفية الشيعية يمارس نفس ما يمارسه إخوانه من السلفية السنية من حرب كل جهة تدعو إلى المشتركات، أو التقارب بين المذاهب الإسلامية، أو التعايش بينهم، لأنهم يتصورون أن ذلك سيلغي خصوصيتهم، وهم أحرص على خصوصيتهم من حرص على الأمة نفسها.

وهذا النوع من السلفية الشيعية هو الذي يتصور ببلاهته وحمقه أنه بمجرد أن تقبض روحه سيلاقيه أئمته، ويأخذون بيده مباشرة إلى الجنة، فيكفيه من العمل محبتهم، ويكفيه من السلوك تلك الدماء التي سالت منه، وهو يمارس طقوس الحزن عليهم.. وهذا وهم كبير فلا أحد في هذه الأمة يرفع عنه القلم، والموازين التي يضعها الله لعباده، لن يفضل فيها شخص على شخص، ولا جهة على جهة، ولا مدرسة على مدرسة.

هذه بعض مظاهر السلفية الشيعية.. والدجل موجود بينها وسار فيها، كما هو موجود وسار بين أخواتها من أنواع السلفيات.. ونحن مع كل من يواجه هذا النوع من الدجل الشيعي، ولكنا لسنا مع ذلك التعميم الخاطئ.. فالشهادة لله تدعونا إلى التمييز بين الذي يعطي القرآن الكريم مركزيته الكبرى في هذا الدين، ويعتبره الثقل الأكبر، والمحل الذي يرد إليه عند التنازع، وبين غيره ممن يغلب الأخبار، أو يغلب من يراهم من أئمته على حساب عقله وقرآنه.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *