تمجيد الملاحدة وأثره في نشر الإلحاد

تمجيد الملاحدة وأثره في نشر الإلحاد

يتصور البعض أننا نبالغ عندما نتحدث عن هوكينغ أو غيره من الملاحدة الذين لم يكتفوا بإلحادهم، وإنما راحوا يساهمون في نشره، وبث المغالطات العلمية لطرحه، فهم يتصورون أن تمجيد هؤلاء بسبب مواقف وقفوها، أو علوم نشروها، أو خدمات قدموها، لن يتسبب في نشر أفكارهم الخطيرة.. وهذا غير صحيح، والواقع لا يدل عليه.

ومن الأمثلة القريبة على ذلك أن طروحات الفيلسوف الكبير المعروف [اللورد برتراند راسل] لم تكن لتنشر، وتؤدي دورها في نشر الإلحاد بين الطبقات العامة والمثقفة لولا مساهمة الكثير من البلهاء الطيبين في الدعاية له بسبب بعض مواقفه الإنسانية، مثل رفضه التجنيد في الحرب العالمية الأولى، ومثل تحريضه المواطنين الإنجليز على العصيان، وقد تحمل السجن نتيجة لذلك، إضافة إلى تأليفه قرابة سبعين كتاباً في الفلسفة والرياضيات والسياسة والأخلاق والاجتماعيات، إضافة لتكريمه بجائزة نوبل في الأدب..

فقد كان لكل تلك الصفات والمواقف والتكريمات أثرها الكبير على ذلك الجيل، وعلى الأجيال الأخرى إلى عصرنا الحاضر.

ومثله تلك الدعايات المجانية التي قام بها الكثير نحو داعية الوجودية والإلحاد الأكبر جان بول سارتر (1905 -1980) الفيلسوف والروائي والكاتب المسرحي، بحجة مدافعته عن الثورة الجزائرية في الكثير من كتاباته، ونقده السياسة الاستعمارية الفرنسية بالجزائر في العديد من مقالاته ومسرحياته، وبخاصة في The Condemned of Altona والتي عبر فيها عن السخط الأخلاقي ضد اضطهاد السكان المسلمين، وتعذيب الأسرى منهم على يد الجيش الفرنسي، وعن رفضه للفظائع التي ارتكبها النازيون في الجبهة الشرقية.. بالإضافة إلى العديد من المقابلات المهمة مع قادة ومناضلين سياسيين بارزين مثل: جيفارا، وجمال عبد الناصر.. بالإضافة إلى رفضه تسلم جائزة نوبل عام 1964، وتعليله سبب رفضه الجائزة قائلاً: (هؤلاء الذين يقدمون التشريفات سواء كانت وسام شرف أو جائزة نوبل لا يملكون في الحقيقة تقديمها)، ووصفه الجائزة بأنها (سياسية، مثلها مثل جائزة لينين – جائزة عالمية استحدثها السوفيت لتكريم المفكرين – ولو عرضت علي جائزة لينين أيضا سأرفضها)

لكنهم لم يعلموا أن تلك الدعاية المجانية لم تكن لتلك المواقف فقط، وإنما كانت أيضا لتلك الأفكار الوجودية الخطيرة التي ركزت عليها كل كتاباته ومواقفه، والتي عبر عنها بقوله: (إن وجود الله يعطل وجودي أنا، فالأفضل أن لا يكون الله موجودًا حتى أُوجد أنا)، وقوله عن الذين يعتقدون بوجود الله: (إنهم المؤمنون الجبناء القذرون)

ودعواته المختلفة إلى إجابة كل ما تمليه الشهوات على الإنسان.. ونبذ كل التقاليد والتعاليم الاجتماعية.. وما تواطأ عليه البشر من أخلاق..

ومن عباراته المشهورة التي لا تزال تتداول قوله: (اركب رأسك أيها الإنسان إلى حيث تشاء ساعة تشاء، وكما تشاء.. لأن الضمير والأخلاق والتقاليد ليست سوى ستار صفيق يحجب عنك حقيقة وجودك)

وقوله: (انطلق: أيها الأحمق الغبي في عمل ما تريد أو تشتهي وتهوى، مهما كان ذلك في اعتبار الناس شرًا، دون أن يكون لأحد عليك سلطان، فأنت الذي تصنع فكرة الخير بحسب مزاجك، وأنت الذي تصنع فكرة الشر، وأنت الذي تخلق فكرة الحق وفكرة الباطل، وأنت الذي تخلق فكرة الحسن وفكرة القبيح)([1])

هذان مجرد نموذجين.. والنماذج على ذلك أكثر من أن تحصى.. فتحضير القيادات الاجتماعية أول خطوة يبدؤها من يريد أن ينشر أي فكرة، أو يدعو إلى أي ضلالة.

ولهذا.. فإن العاقل هو الذي يدرس جيدا كل موقف يريد أن يقفه، وكل شخص يريد أن يشهد له، أو يدعو إليه.. ولا تكفي في ذلك مواقفه السياسية، ولا خدماته الاجتماعية.. فالقضية أخطر من ذلك.

لكن للأسف بعض الناس ينظرون إلى الأمور من زاوية واحدة، ويتصورون أن أعداء هذه الأمة يشتغلون في جهة واحدة.. وهذا خطأ منهجي.. فهم يشتغلون في كل الجهات، وعلى كل الصعد.

ولهذا لم نكن نناقش ما يقول، وإنما نسعى بكل جهدنا أن نفهم ما يقول، ثم نعتقد رغما عنا، وإلا اعتبرنا من حولنا من زمرة المتخلفين الرجعيين الذين لم يرتقوا في سلم التطور الإنساني إلى مداه الأعلى.


([1])  نقلا عن: كواشف زيوف، عبدالرحمن الميداني، ص 359-377)

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *