الهوية.. والتاريخ

من الدعاوى التي يثيرها دعاة الأمازيغية الأيديولوجية خصوصا، والتي تجعلهم ينفرون من العرب والعروبة [التاريخ]، فهم يعتبرون العرب محتلين لبلادهم، وقد فرضوا سيطرتهم الثقافية والحضارية عليها بناء على ذلك الاحتلال.
وبناء على هذا، يرون التحرر الحقيقي لا يكمل فقط بطرد الاستعمار الفرنسي، ولا غيره من أنواع الاستعمار، وإنما بطرد العروبة الوافدة مع الاستعمار.. بل إن بعضهم تجرأ، فطالب بطرد العرب أنفسهم.. وآخرون منهم راحوا يذكرون أنه لا يوجد عربي في الشمال الإفريقي، وأن الأرض خلت منهم، فلم يبق إلا لسانهم.
وهم يختلفون في هذا كله بين متشدد ومتساهل.. ونحن نخاطبهم جميعا، لكنا نخص المؤمنين منهم دون غيرهم من أصحاب الفكر المادي القريب من النازية والصهيونية، والذين لا نستطيع أن نخاطبهم بأي لغة إنسانية.
فنقول لهؤلاء المؤمنين: لا بأس.. سلمنا لكم بأن أولئك الذين وفدوا عليكم كانوا جميعا ظالمين ومحتلين.. ولكن مع ذلك جاءوا بدين اقتنعتم به، أو اقتنع به أسلافكم، لعلمكم ويقينكم أن أولئك الذين احتلوا بلادكم لم يفرضوا عليكم الإسلام، وإنما فرضوا الجزية أو غيرها من المطالب المادية..
أما إن ذكرتم بأنكم لم تقتنعوا بالإسلام، وأنه فرض عليكم فرضا، حينها لن نكلمكم، لأننا ذكرنا أننا نكلم المؤمنين من الأمازيغ فقط، لا النازيين والصهاينة منهم.
ولهذا فإن هؤلاء المؤمنين يعرفون تماما أن الأمازيغ سرعان ما اندمجوا مع الواقع الجديد، بل سرعان ما تشكلت لهم دول أسسوها بأنفسهم، ودام حكمهم لها قرونا طويلة، وكان في إمكانهم حينها طرد العرب، أو إحلال الأمازيغية بدل العربية، لكنهم لم يفعلوا.
بل إن دولة المرابطين، وهي دولة أمازيغية، كانت من أحرص الدول على العربية والشعائر الإسلامية، بل كان قادتها من الفقهاء أنفسهم، مع أنها تأسست على يدي قبيلة لمتونة الأمازيغية، واعتمدت في بدايتها على العصبية الصنهاجية بعد التحام عدد من قبائلها الكبيرة.
لكنها مع ذلك حرصت على الروح العربية الإسلامية المبنية على اعتقاد مالكي سني، ولذلك سمت نفسها تسمية معبرة عن ذلك، وهي [دولة الرباط والإصلاح]
وفوق ذلك كله، فقد سيطرت على رقعة جغرافية تمتد من المحيط الأطلسي غربًا وبلاد شنقيط وحوض نهر السنغال جنوبًا، وامتدّت شرقًا لتحاذي إمبراطورية كانم وتزاحمها على بحيرة تشاد في الصحراء الكبرى. وامتد هذا المجال في الشمال لتشمل أجزاء من شبه الجزيرة الأيبيرية، وسيطرت على الأندلس.
وهكذا الدولة الموحدية، والتي تأسست على أنقاض دولة المرابطين، واستمر حكمها ما يقارب مئة وخمسين سنة، واستطاعت أن تفرض سيطرتها على كامل الشمال الإفريقي الغربي بالإضافة إلى بلاد الأندلس.. فقد أسس هذه الدولة عبد المؤمن بن علي الكومي الذي ينتمي إلى قبيلة الكوميّة من قبائل الأمازيغ، وكان أوّل حاكم فعلي لدولة الموحّدين.
ومع ذلك فقد كان لهذه الدولة الأمازيغية اهتمام كبير بالإسلام والعربية، ولم تعتبرهما احتلالا، ولا اختراقا للمغرب، بل إنها أسست الكثير من المدارس، ورعت الحياة الثّقافيّة والعلميّة في المغرب والأندلس.
وهكذا نرى أكثر دول المغرب تتأسس على أياد أمازيغية حتى ما كان منها ظاهر العروبة، فإن الذي استقدمه أو اقتنع به، أو دعاه إلى الحكم هم الأمازيغ أنفسهم..
فالفضل في تأسيس دولة الأدارسة واستقلالها عن العباسين يعود إلى قبيلة آوربة الأمازيغيّة، التي استضافت إدريس الأول مؤسس الدولة عندما لجأ إليها هارباً، وقد دعمته حتى استطاع اتخاذ مدينة وليلي مرتكزاً له ضم كل من فزاز وتلمسان، وبعد اغتيال إدريس الأول بمكيدة من الخليفة العباسيّ، استطاع ابنه إدريس الثاني بناء مدينة فاس وبسط نفوذه على مناطق أوسع من المغرب.
وهكذا كان الحال مع الدولة الفاطمية التي أسستها في الحقيقة قبيلة كتامة، وهي قبيلة أمازيغية تسكن في المنطقة الشرقية من دولة الجزائر الحالية، في منطقة القبائل وماحولها، والجزء الشرقي للجزائر.
فهذه القبيلة هي التي قبلت دعوة عبيد الله المهدي لتأسيس الدولة الفاطمية، مثلما فعلت قبيلة آوربة مع الدولة الإدريسية، بل لولاها لم تتأسس، فقد ساهمت في فتوحاتها، حيث كان الخلفاء الفاطميون يعتمدون في أغلب جيوشهم على أفراد قبيلة كتامة إلى أن أصبحوا فيما بعد ذلك عصبة الحكام الفاطميين وأصحاب دولتهم.
وهكذا نجد العرق الأمازيغي هو المسيطر على كل الدول التي حكمت المغرب أو أكثرها، وكان في إمكان تلك الدول جميعا أن تقضي على العربية، وتطردها، وتحل بدلها الأمازيغية، لكنها لم تفعل.
بل إن تلك الدول مع ما أتيح لهم من قوة وسيطرة ورجال علم، لم تفكر في تأسيس مدارس خاصة بالأمازيغية، ولا في تأليف الكتب فيها في نفس الوقت الذي كانت تشجع فيه المؤلفين بالعربية، وتؤسس المدارس العربية.
لذلك نقول لهؤلاء الدعاة: كان التاريخ جميعا في صفكم.. ولم تكونوا في يوم من الأيام محتَلين.. ولذلك لا تلصقوا أي تهمة بالعرب أو العربية.. وإن كان لكم أن تفعلوا فاتهموا الدول التي حكمتكم، وهي دول أسسها أجدادكم وأسلافكم، ومع ذلك لم تكن لها أي علاقة بدعايتكم وعنصريتكم.