الناس مُصدَّقون في أنسابهم

من القواعد الفقهية المعروفة أن [الناس مؤتمنون على أنسابهم، أو مُصدَّقون في دعاواهم المرتبطة بها]، وهي قاعدة شرعية مبنية على حسن ظن المسلمين بعضهم ببعض.. وهي تحل لنا بعض المعضلة التي يسوقها إخواننا من دعاة الأمازيغية.. ذلك أنهم ينشرون بين جماهيرهم أن كل الجزائر أمازيغ، ونسبة العرب فيها محدودة جدا.
لكنا إن عدنا إلى الواقع وسألنا أكثر سكان الولايات الجزائرية من مشرقها إلى مغربها، ومن شمالها إلى جنوبها.. نجدهم جميعا يذكرون أنهم عرب.. ويتكلمون العربية، ولا يعرفون الأمازيغية.. وبعضهم يأتي بكتب التاريخ كتاريخ ابن خلدون أو غيره ليثبت ذلك.. وبعضهم يغضب غضبا شديدا إن نوزع في نسبه الذي سمعه من آبائه وأجداده.
سيروا حيث شئتم ابتداء من الولايات الغربية التي يذكر جميع سكانها أو أكثرهم أنهم عرب.. ثم سيروا إلى الولايات الوسطى حيث لن تجدوا إلا ولايتين فقط يدعون أنهم أمازيغ مع أن الكثير منهم خصوصا من أصحاب الزوايا يذكرون أنهم سادة أشراف، وبعض المحيطين يذكرون أنهم من قبائل عربية مع أنهم يتكلمون الأمازيغية.
ثم سيروا إلى الشرق الجزائري، حيث لن تجدوا فيه إلا ولايات محدودة جدا، وفي مناطق محدودة تدعي أنها أمازيغية.. وهكذا إذا سرنا إلى الصحراء الجزائرية التي ألفت المؤلفات في الأصول العربية لسكانها، والتي لا يزال أهلها ينطقون العربية سليمة من كل تحريف، بل إنها أدق من لغات العرب المشارقة أنفسهم.
فكيف يستجيز دعاة الأمازيغية لأنفسهم أن يكذبوا جميع هؤلاء، ويشككوهم في أنسابهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وهم يفرحون بها كما يفرح الأمازيغ بنسبهم إلى يوغرطة وماسينيسا والكاهنة؟
ألا يرون في ذلك نوعا من التدخل في حياة الناس الشخصية.. خاصة وأن كبار المؤرخين الجزائريين وغيرهم يذكرون مدى انتشار العنصر العربي في الجزائر في فترات التاريخ المختلفة، حتى أن الشيخ عبد الرحمن الجيلالي ذكر أن العنصر العربي في الجزائر لا يقل عن 70 في المائة، وأثبت ذلك من خلال كتابه في التاريخ.
نحن لا نريد أن نقرر هنا أن هؤلاء الناس صادقون أو كاذبون.. لكن احتراما لهم، ولكون الأمر لا يشكل أي أهمية.. نتساءل ما جدوى التشكيك في أنساب الناس؟.. وما جدوى إثارة النعرات العرقية؟.. اتركوا الناس وما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم.
وإن شئتم الخروج من التخلف، فليس هذا هو السبيل.. وإن كان لكم حقد على آل سعود أو آل نهيان أو آل ثان.. فليس العرب حكرا عليهم.. العرب يمثلهم اليمنيون والفلسطينيون واللبنانيون وكل المقاومين، أما العرب المنبطحون، فقد تبرأوا من عروبتهم كما تبرأوا من هويتهم، ولا يمكن اعتبارهم نموذجا للإنسان العربي الأصيل.
وإن كانت لديكم مشكلة مع التاريخ، فالتاريخ لا يمثل الإسلام، ولا علاقة له بالعربية، بل إن أكثر الحكومات التي حكمت المغرب العربي كانت من الأمازيغ.. فهل استطاعوا أن يحلوا مشكلة التخلف والاستبداد؟