المقدمة

يحاول هذا الكتاب أن يناقش أكثر الأطروحات المادية والإلحادية شهرة وانتشارا، والتي استعملت كل الوسائل، ومارست كل الخدع لتفسير نشأة الحياة وتنوعها تفسيرا ماديا يبعدها عن الحاجة إلى الله، وإلى تصميمه المبدع، وعنايته الرحيمة.
وبما أن النظرية التي تولت ذلك هي نظرية التطور، بمراحلها المختلفة، فإن هذا الكتاب هو مناقشة علمية هادئة لكل أطروحات تلك النظرية، وردود علمية عليها، وإجابات عن كل الشبهات التي تطرحها، ابتداء من نشأة الحياة، وانتهاء بتنوعها إلى الصورة التي نراها عليها.
وقد اعتمدنا في هذه الردود على ما ذكره العلم الحديث من حقائق لم تكن موجودة زمن داروين والعلماء الذين وقفوا في صفه.. فالعلم اليوم يسير بخطا سريعة نحو تحطيم هذه النظرية والأسس التي تقوم عليها.. بل ظهرت مؤسسات وجمعيات كثيرة في الغرب نفسه تبين أن هذه النظرية لم يبق لها ما يسندها، ويدل عليها، لا من الحفريات، ولا من غيرها.. ولذلك رموها بالخرافة والدجل.. وكونها تحولت إلى أداة أيديولوجية، لا نظرية علمية.
وانطلاقا من هذا، فقد حاولنا أن نعطي القارئ الكريم ثقافة علمية مبسطة ترتبط بهذه النظرية وغيرها من التفسيرات المادية للحياة، ليتبين من خلالها حظها من العلم، ولتكون له القدرة العلمية على مناقشة الدعاوى الإلحادية المتعلقة بها.
بالإضافة إلى ذلك ذكرنا الكثير من شهادات العلماء المتخصصين وانتقاداتهم لها..
ولأن غرضنا من الكتاب، ومن السلسلة عموما هو محاولة استيعاب كل أصناف الشبهات التي يتعلق بها الملاحدة، واستيعاب الردود عليها، فقد رجعنا إلى المراجع الكثيرة التي تحصي تلك الشبهات، أو تلك التي ترد عليها.
وقد وجدنا أن المراجع الأساسية لكل من كتب في التعريف بهذه النظرية أو الرد عليها كتب هارون يحي الكثيرة، والمخصصة أصلا للرد على هذه النظرية، فقد اعتمدنا عليها كثيرا، لا لكونها كتبه فقط.. وإنما لكونها جمعت الكثير من الاقتباسات والنقول من العلماء والمختصين في الغرب، سواء من أولئك الذين لا يزالون يؤمنون بنظرية التطور، أو من الذين تراجعوا عنها.
وقد حاولنا أن نرتب الشبهات والردود ترتيبا علميا ليتسنى للقارئ أن يطلع على كل جزئية بتفصيلاتها المختلفة، ويطلع في نفس الوقت على الردود العلمية الكثيرة المرتبطة بها.
وبناء على ذلك قسمنا الكتاب إلى سبعة فصول بدأت بالرد العلمي على التفسيرات المادية لنشأة الحياة، وانتهت بالرد العلمي على قصر الحياة على المادة دون العقل والروح.. وبينهما رددنا على كل الشبهات التي يعتمدها التطوريون لتفسير التنوع في الحياة.
وهذه الفصول السبعة هي:
أولا ـ الصدفة.. والخلق: وقد خصصناه للرد على التفسيرات المادية لنشأة الحياة.. واعتبرنا أن كل تلك التفسيرات ليست سوى رجم بالغيب، ولا دليل علمي يثبتها، وحتى لو ثبتت فإنها لا يمكن أن تفسر التعقيدات الكثيرة المرتبطة بالبروتين أو الخلية أو الحياة.
ثانيا ـ التطور.. والعلم: وقد خصصناه لإثبات عدم توفر العلمية الكافية لنظرية التطور، بل إنها مجرد تخمين وخيال، ولا علاقه لها بالعلم، وذلك لغياب جميع مقاييس النظريات العلمية فيها من البيانات الرصدية.. والتنبؤات الدقيقة.. والمنطقية العلمية.. والانفتاح للنقد.. والمعلومات الدقيقة.. وعدم التحيز.. وغيرها.
ثالثا ـ العشوائية.. والتصميم: وقد خصصناه لذكر ما رد به دعاة التصميم الذكي، وهي النظرية الغربية التي تأسست في العقود الأخيرة للرد على نظرية التطور، وذلك باعتماد أسس علمية منطقية أعانت عليها الاكتشافات العلمية الحديثة.. وتناولنا فيه نماذج عن التعقيد المتخصص، والإبداع المقصود، والتصميم الذكي، والتعقيدات غير القابلة للاختزال.
رابعا ـ الصراع.. والسلام: وقد خصصناه للرد العلمي على ما يعتمده أصحاب نظرية التطور من تفسير الحياة على أساس الصراع من أجل البقاء.. وقد رددنا عليها ببيان العلاقة الحقيقية بين الكائنات وتجاوزها للصراع.. وبينا أن كل ما نراه هو تعبير عن التوازن المحكم والمقادير المضبوطة التي بنيت عليها الحياة، كما بني عليها الكون.
خامسا ـ التكيف.. والعناية: وقد خصصناه للرد العلمي على ما يعتمده أصحاب نظرية التطور من آليات لتفسير التطور من الانتقاء الطبيعي، أو الطفرات الوراثية، وغيرها.. وبينا أن ما نراه من تنوع هو نتيجة للعناية الإلهية، وليس للتطور الذاتي للكائنات الحية، فهي أعجز من أن تفعل ذلك.
سادسا ـ الغريزة.. والإلهام: وقد خصصناه للرد العلمي على التفسيرات المادية للسلوك الحيواني أو الخصائص المودعة فيه، وبينا أن كل ذلك عناية وإلهام وفضل إلهي، والعلم لا يستيطع تفسير ذلك إلا بذلك.. فنظرية التطور تعجز عن تفسير التعقيد المرتبط بالسلوك الحيواني دون إرجاعه لمصدر خارجي.
سابعا ـ المحدودية.. والامتداد: وقد خصصناه لبيان الرؤية الدينية للحياة، وكونها أكبر من أن تنحصر في هذا العالم المحدود، وقد ذكرنا ما يدل على هذه الرؤية من الأدلة العلمية، والشهادات المرتبطة بها من كبار العلماء والمتخصصين.
وكعادتنا في هذه السلسلة التي تحاول تبسيط الحقائق العلمية، ووضعها في قوالب مشوقة، فقد اعتمدنا بعض الأحداث الرمزية، التي تجعل القارئ يشعر بنوع من التسلية والمتابعة للأحداث بالإضافة إلى ما يستفيده من معلومات، أو قدرات على الجدل والمحاجة والمناظرة.
وقصة هذا الجزء تبدأ من خلال زيارة يقوم بها سبعة من العلماء المتخصصين في الحياة ونظرية التطور للمدينة التي يسكن بها المؤلف.. ويسعى المؤلف بكل جهده ليتواصل معهم، ويرد على الأطروحات المادية التي جاءوا بها.. لكنه يصرف عن ذلك من طرف الجهات المنظمة للزيارة.
لكنه، وبعد أن ييأس من الالتقاء بهم يفاجأ بهم يدقون باب بيته، ثم يخبرونه بأن معلم الإيمان هو الذي أرسلهم إليه ليكتب قصصهم.
ثم يحكي كل واحد منهم قصة رحلته إلى الإيمان، وكيفية توبته من التفسيرات المادية للحياة في كل فصل من فصول الكتاب.
هذه هي قصة هذا الجزء.. وننبه إلى أن الهدف منها هدف علمي، وليس الرواية ولا أحداثها، ولذلك لم نتبن في كتابة الأحداث مناهج الكتابة الروائية بصيغتها العادية.. وإنما حاولنا أن نمزج بين العلم والتسلية حتى نخفف على القارئ، ونيسر له التحصيل والاستيعاب، كما نيسر عليه المناقشة والتفاعل.