المقدمة

يناقش هذا الكتاب بطريقة علمية هادئة ما يستند إليه الملاحدة من منتجات العلوم الحديثة، سواء علم الفلك أو الفيزياء بنوعيها الكلاسيكي والحديث..وذلك عبر منهجين:
أولا ـ منهج نفي الاستدلال بها، وكونها من الناحية المنطقية عديمة الدلالة على الإلحاد، وإنما يتلاعب الملاحدة بالألفاظ ليجعلوها سندا لهم.
ثانيا ـ منهج بيان عدم تحققها بالعلمية الكافية، ذلك أن الكثير من النظريات التي نجدها على المواقع كسند يعتمد عليه الملاحدة ليس لها أي حظ علمي عند المتخصصين، فهي لم تجرب، بل يستحيل تجريب أكثرها، وهي عبارة عن ميتافيزياء، وليست فيزياء، ولذلك لا يصح اعتبارها سندا علميا.
وهذا ما أشار إليه الكثير من الباحثين المختصين من أمثال البروفسور [جون بولكنجهورن] الفيزيائي الشهير الذي قال معبرا عن نقده الشديد لنظرية الأكوان المتعددة: (إنها ليست فيزياء.. إنها في أحسن الأحوال فكرة ميتافيزيقيه، ولا يوجد سبب علمي واحد للإيمان بمجوعة من الأكوان المتعددة.. إن ماعليه العالم الآن هو نتيجة لإرادة خالق يحدد كيف يجب أن يكون)
ومثله قال الفيزيائي الشهير [راسل ستانارد] الذي اعتبر الكثير من طروحات الفيزياء الحديثة فلسفة وليست علما، فقال: (إن فلسفة هوكينج تحديدا ما أعارضه، فهي كما وصلتني مثال واضح على التعالم، فطرح أن العلم هو مصدر المعلومات الوحيد، وأننا لدينا فهم كامل لكل شيء هراء، بل هراء خطير أيضا، فهو يشعر العلماء بالكبر والغرور بشكل مبالغ فيه)
وقال عن [نظرية الأوتار]: (إنها نظرية تحتاج لمصادم هيدروني بحجم مجرة لاختبارها وهذا غير ممكن.. حسنا لو قلنا ـ طبقا للنظرية ـ إن الكون خلق نفسه، فمن أوجد النظرية؟ ومن أوجد القوانين الفيزيائية الخاصة بها؟.. ورغم ذلك فلا توجد لها معادلة فيزيائية حتى الآن.. أطلب منهم أن يكتبوا معادلة فيزيائية.. لن يفعلوا لانهم ببساطة لايمتلكونها)
وقد ذكر بعضهم الدوافع النفسية لكل تلك النماذج، فقال: (اعتقد علماء الكون أنّ عليهم الالتفاف وراء المشكلة.. لقد حاولوا على مرّ السنوات الماضية إثبات عدة نماذج مختلفة للكون تتفادى الحاجة إلى بداية، مع الاستمرار في اشتراط انفجار عظيم.. يبدو الآن من المؤكّد أنّ الكون كانت له بداية)
وبناء على هذا، فقد أحببنا أن نعطي القارئ الكريم ثقافة علمية مبسطة ترتبط بهذه النظريات: الحديثة منها، والتقليدية، ليتبين من خلالها حظها من العلم، ولتكون له القدرة العلمية على مناقشة الدعاوى الإلحادية المتعلقة بها.
بالإضافة إلى ذلك ذكرنا الكثير من شهادات العلماء المتخصصين وانتقاداتهم لأمثال تلك النظريات.. ولهذا سيجد القارئ في الكتاب الكثير من النماذج والنظريات التي استعملها الملاحدة وسيلة للإلحاد، ومن الأمثلة على ذلك نموذج [الكون المتذبذب] الذي أرادوا من خلاله أن يعودوا بالكون لحالته الثابتة، وذلك للخروج من إشكال الخلق الأوّل.. كما عبر الفيزيائي البريطاني (جون غربن)، عن وجهة نظر الملاحدة في هذا المجال، فقال: (الإشكال الأكبر في نظرية الانفجار العظيم المتعلّقة بنشأة الكون فلسفي ـ وربما حتى لاهوتي ـ وهو: ماذا كان قبل الانفجار؟ كان هذا الإشكال وحده كافيًا لمنح دفعة أولى لـ [نظرية الحال الثابتة]، ولكن بعد أن تبيّن ـ للأسف ـ أنّ تلك النظرية معارضة للأمور المشاهدة، كان الطريق الأفضل للالتفاف حول هذا الإشكال الأوّلي هو في تقديم نموذج يتوسّع فيه الكون من [مفردة]، ويعود فينهار بعد ذلك، ثم يعيد دورته هذه دون نهاية)
وهكذا تتبعنا كل النظريات المطروحة على مواقع الإنترنت، والتي رأينا مدى تشبت الملاحدة بها، لنبين مدى مصداقيتها العلمية، ونبين بعد ذلك أنه حتى في حال ثبوتها لا يمكن الاستدلال بها على نفي الغائية أو إثبات الصدفة والعشوائية وغيرها من المبررات الإلحادية.
بالإضافة إلى هذا، فقد رددنا في هذا الجزء بطريقة غير مباشرة على تلك الدعاوى التي تربط العلم، وخصوصا الفيزياء والفلك بالإلحاد.. لهذا جعلنا لأبطال الرواية جميعا علاقة بشخصيات علمية واقعية، صرحت بإيمانها بالله، ليكتسب القارئ من خلالها حصانة وقدرة على محاجة الملحدين في مثل هذه الطروحات.
كما أننا حاولنا في كل جزئية نطرحها أن نبين الرؤية الإيمانية، ونبين مدى علميتها ومصداقيتها مقارنة بالرؤية الإلحادية، وحتى لا يكون الحديث في مثل ذلك ذاتيا، فقد جعلنا تلك الطروحات صادرة من أفواه العلماء الملاحدة أنفسهم بعد أن تتبين لهم الحقيقة.
وكعادتنا في هذه السلسلة التي تحاول تبسيط الحقائق العلمية، ووضعها في قوالب مشوقة، فقد اعتمدنا بعض الأحداث الرمزية، التي تجعل القارئ يشعر بنوع من التسلية والمتابعة للأحداث بالإضافة إلى ما يستفيده من معلومات، أو قدرات على الجدل والمحاجة والمناظرة.
وقصة هذا الجزء تبدأ من خلال مؤتمر يقيمه الملاحدة الجدد بغية نشر أفكارهم الإلحادية المتلبسة بلباس العلم بين طلبة بعض الجامعات.. وفي ثنايا ذلك المؤتمر، يذهبون لزيارة بلدة لا تزال تحافظ على إيمانها، بغية نشر الإلحاد بينها.. لكنهم يفاجؤون بالكثير من الطروحات العلمية التي تجعلهم يتراجعون واحدا واحدا إلى أن يتم تحول جميع الفريق العلمي الملحد إلى فريق مؤمن، خاصة بعدما يكتشفون أن تلك البلدة الصحراوية البسيطة استطاعت أن تجمع بين العلم والإيمان.
وقد قسمنا هذا الجزء إلى أربعة فصول تشمل جميع القضايا العلمية المطروحة في هذا الجانب، وهي:
القدم.. والحدوث: وقد ناقشنا فيه مسألة قدم العالم وحدوثه بحسب النظرة العلمية القديمة، والنظرة العلمية الجديدة، وناقشنا فيه بتفصيل كل الطروحات التي حاولت أن تعود بالكون لحالته الثابتة، كنظرية الكون المتذبذب وغيرها.
الصدفة.. والغائية: وقد ناقشنا فيه الطروحات الفيزيائة الجديدة التي حاولت أن تحيي الصدفة بلباس علمي جديد، وذكرنا استحالة ذلك وفق المنتجات العلمية الحديثة كالثوابت الكونية والتوازن وغيرها.. بالإضافة إلى أننا ركزنا في هذا الفصل خصوصا على طروحات هوكينج حول التصميم العظيم والأكوان المتعددة والأوتار الفائقة باعتبارها أكثر النظريات انتشارا بين الملاحدة.
الحياد.. والتدبير: وقد ناقشنا فيه تلك الطروحات التي تجعل الكون غير محتاج إلى إله، وأن القوانين كافية لتحكمه، بل لتوجده، بالإضافة إلى الرد على تلك الرؤى الفلسفية التي تعتبر دور الله محصورا في خلق الكون، ثم تركه بعد ذلك للقوانين دون أن يكون له أي تسيير مباشر.
الغيب.. والشهادة: وقد بينا فيه مدى محدودية العلم الحديث، وأن الغيب فيه أكثر من الشهادة، بل إن اكتشافاته لا تزيده إلا تواضعا.. وناقشنا فيه طلاقة القدرة الإلهية وإمكانية المعجزة من وجهة النظر العلمية.
هذه هي فصول الكتاب، وهي مقسمة على أساس الشبهات العلمية المطروحة في هذا الجانب وبالترتيب، فهي تبدأ ـ أولا ـ من فرضية أزلية الكون أو ما يطلق عليه علميا [الحالة الثابتة]، وقد رددنا عليها بتفصيل في الفصل الأول..
وثانيا: فرضية الصدفة والعشوائية: وقد رددنا عليها بتفصيل في الفصل الثاني مستثمرين آخر النظريات العلمية في ذلك.
وثالثا: فرضية الحياد، أو تسيير القوانين للطبيعة: والتي قال بها بعض الفلاسفة والعلماء، وقد رددنا عليها في الفصل الثالث ببيان استحالتها علميا.
ورابعا: استبعاد العنصر الغيبي والخوارق والمعجزات في الكون: وقد ذكرنا ما يفند ذلك علميا في الفصل الرابع.
ونحب أن ننبه إلى أننا اعتمدنا الكثير من المصادر والمراجع المتفرقة، والموجود أكثرها على النت، باعتبار جدة الكثير من النظريات العلمية.. ولكنا لم نبالغ في التوثيق إلا عند ذكر المصدر الأصلي.. أما سائر التوثيقات فمعظمها إن لم نقل كلها كتب أو مواقع أجنبية تستهلك صفحات كثيرة لو قمنا بتوثيقها، وكل ذلك مما لا يحتاجه القارئ العادي.. أما القارئ المتخصص فلا يصعب عليه في ظل التقنيات الحديثة أن يجد المصدر في كل عبارة نذكرها.
وننبه أيضا إلى أننا قد نعرض المسألة العلمية الواحدة في مواضع متعددة بحسب الغرض منها، وعلاقتها بالفصل أو المطلب، وقد نضيف في كل محل تفاصيل جديدة، أو ردودا أخرى.. لأن الكثير منها متداخل، ويحتاج في كل محل إلى مناقشة خاصة.
وفي الأخير ننبه إلى أن الهدف من هذه السلسلة كغيرها من السلاسل هدف علمي، وليس الرواية ولا أحداثها، ولذلك لم نتبن مناهج الكتابة الروائية، لأني شخصيا لا أؤمن بأي رواية لا أستفيد منها علما أو حكمة أو إيمانا..
قد يقال: ما دام الأمر كذلك، فلم استعمال هذا الأسلوب، والجواب بسيط، وهو ما رأيته من تأثيره في عامة الناس وخاصتهم.. فالقصص والأمثال وغيرها وسائل بيان وتوضيح وشرح.. ولهذا اعتمدناها، ولم نعتمدها لذاتها، وإنما باعتبارها وسيلة لتبسيط الحقائق وتفكيكها ومعالجتها والرد على الشبهات المثارة حولها، وقد قال تعالى منبها إلى أهمية هذا النوع من الأساليب: { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176]