المقدمة

المقدمة

هذا الكتاب من الكتب التي حاولت فيها أن أصور الواقع السلفي عن طريق القصص الرمزية والواقعية، لأنه من الصعب التعبير عن الكثير من القضايا الواردة فيه تعبيرا علميا دقيقا من غير استعمال التصوير الأدبي والفني.

ويهدف إلى بيان الجذور التي ينطلق منها التشدد والتطرف والخرافة في العقل السلفي، وهو [التعطيل].. فالعقل السلفي نتيجة انبهاره الشديد بسلفه، وبآثارهم وتراثهم، وخضوعه المطلق لهم، أعطى عقله إجازة أو تقاعدا، بحيث لا يحتاج إلى استعماله، وكيف يحتاج إلى ذلك، وقد كفاه سلفه كل شيء؟

وكيف يحتاج إلى ذلك، وهو يعلم أنه إن غامر واستعمله فسيؤدي به إلى التجهم أو التعطيل أو التصوف أو الرفض أو يتبنى ما تبناه كل من استعملوا عقولهم من المواقف والرؤى.

ولذلك كان الأسلم له أن يعطيه إجازة أو تقاعدا، ويستريح، ليضمن لنفسه أن يدخل مع سلفه الفردوس الأعلى، وهناك يستمتع بالجلوس على الأرائك والضحك على كل تلك الفرق والجماعات والحركات والشعوب التي استعملت عقولها، فأدخلتها نيران جهنم، وبئس المصير.

وهذه القصص تشمل معاني متعدد، كل قصة منها تعالج مظهرا من مظاهر تعطيل العقل، أو تذكر سببا من أسبابه.. أو تجمع ذاك جمبعا.

وقد صيغت بلغة رمزية في ثوب واقعي، حتى يتمرن القارئ الكريم على استعمال عقله في فك الرموز وقراءة ما بين السطور..

ولذلك أنصح من لا قدرة له على ذلك، أو لا يحب ذلك ألا يقرأ هذه القصص لأنه سيتهمني بالكذب والدجل، ويروح يستعمل الوسائل الكثيرة ليثبت أنه لا يوجد شخص اسمه العقل العجيب.. ولا شخص اسمه حرب.. ولا شخص اسمه سلام.. ولم تنظم محاضرة تحضر فيها هند أو زنيرة.. ولم تقف أميرة ذلك الموقف العظيم لتثبت لهم أنه يمكن أن نخاطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن نطلب منه المدد.

ولهذا فإني لا أجيز لأصحاب العقول القاصرة المعطلة أن يقرأوا هذه القصص، لأن معدة عقولهم لا تستطيع هضمها، وقد يسبب لهم ذلك عسر هضم، يؤدي بهم إلى الجنون.. وتعطيل العقل خير من الجنون.

لكنهم يمكن أن يتواضعوا قليلا، ويجلسوا بأدب وذلة مع الذين يستعملون عقولهم، ليقرؤوا لهم، ويفسروا ما أودع في هذه القصص من أسرار قد تنفعهم في دنياهم وأخراهم.. عسى عقولهم تعود للعمل، وعسى حياتهم تعود إلى الفطرة التي فطرهم الله عليها.

وأحب أن أنبه إلى أن هذه القصص على الرغم مما يحمله بعضها من سخرية، فإن ذلك لا يعني أنني أسخر من أحد من الناس، حتى من أصحاب العقول المعطلة.. وكيف أفعل ذلك، وقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات: 11]

وإنما قصدي من ذلك أن أكون مرآة عاكسة تعرض لهم صورهم وحقيقتهم كما هي عساهم ينفروا منها، وعساهم يعودون لوعيهم.. لأننا أحيانا كثيرة نحتاج إلى نضح الماء على وجوهنا حتى نستفيق ونفطن ويعود لنا وعينا.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *