اللهجة الجزائرية عربية فصيحة

اللهجة الجزائرية عربية فصيحة

من الدعاوى التي يبثها دعاة الأمازيغية لهدم اللغة العربية في الجزائر محاولتهم إبعاد العامية الجزائرية عن الفصحى، وتصويرهم لها، وكأنها لغة أخرى خلاف العربية.. وهذا وهم كبير، ومخالف للواقع، ومن السهل تفنيده.

ذلك أننا إذا استثنينا بعض المدن الكبرى التي أثر فيها الاستيطان الفرنسي نجد أن معظم المدن الجزائرية الداخلية سواء ما كان منها بالجنوب أو بالشمال، تتكلم بعامية فصيحة إلى حد كبير جدا، ولا تحوي من الكلمات الأجنية إلا عددا محدودا، وهي مقحمة إقحاما من طرف بعض الفرنكفونيين أو المعقدين من العربية، والذي يحاولون كل حين زج كلمة فرنسية للعامية ليتخلصوا من العربية التي يتعقدون منها.

لكنا إن عدنا إلى لغة الآباء والأجداد، أو اللغة التي يتكلم بها أهل الضيعات والأرياف، أو حتى المدن التي لم تتأثر كثيرا بالاستيطان الفرنسي، بل حتى منها تلك التي تحسب ضمن الدائرة الأمازيغية [مثل مدن باتنة وخنشلة وأم البواقي]، نجد لغة عربية سليمة تماما، بنفس مخارجها، ونفس معانيها.

نعم نجدها متأثرة من حيث التصريف مثلها مثل اللهجات العامية في سائر الدول العربية، لكن ذلك لا يؤثر فيها، لأن الذي يتحدث بتلك العامية يسهل عليه أن يعرف العربية الفصحى، ويتكلم بها بسهولة.

ولعل أدل دليل على كون الشعب الجزائري يتحدث لغة عربية مائة بالمائة، أن عوامه وأمييه كبارهم وصغارهم يفهمون الخطب والدروس التي تلقى في المساجد عادة بالعربية الفصحى.. بل يفهمون المسلسلات العربية الفصيحة المدبلجة، بل يفهمون اللهجة المصرية والسورية واللبنانية.. بل حتى الخليجية.. ويقلدونها بسهولة.. ولولا تلك الخلفية اللغوية التي تجمعهم بتلك اللهجات لما استطاعوا فهم ذلك.

ولهذا فإن تلك الأحكام الجزافية التي يحكم بها بعض المشارقة على اللهجة الجزائرية، وكونها مختلطة بالفرنسية ناتجة من عدم مخالطة للداخل الجزائري، فأكثرهم يكتفي بالمطار والفنادق في المدن الكبرى، والتي يسيطر عليها عادة أصحاب التوجه الفرنكفوني، الذين يكرهون العربية.. ويحاولون استبدالها بالفرنسية، بل بأي لغة أخرى.. ولهذا نراهم يناصرون الأمازيغية، لا حبا فيها، وإنما بغضا للعربية.

وقد أجريت الكثير من الدراسات العلمية الأكاديمية حول هذا، وأثبتت النتائج التي ذكرت، ولعل ما ييسر على القارئ التعرف على ذلك، هو البحث عن لغة الأمثال والقصص الشعبية الجزائرية، والتي لا تختلف عن مثيلاتها المشرقية.

ومن شاء أن يتأكد من هذا الكلام، فليذهب إلى المحال العامة في المدن والقرى الداخلية التي لم تتأثر بالدعوة الأمازيغية أو الفرنكفونية، وسيسمع عربية جميلة فصيحة من مخارجها الصحيحة..

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *