اللغة.. والتميز.. والعنصرية

اللغة.. والتميز.. والعنصرية

من الأهداف التي يطرحها دعاة الأمازيغية لإعادة إحيائها وتفعيلها في الواقع هو كونها ـ كما عبر بعض الأصدقاء الطيبين ـ وسيلة لتصحيح التاريخ.. والعودة للذات.. وعنصرا للتميز.. ذلك التميز الذي ينمي الشعور بالمنافسة الشريفة لباقي الأمم.

وخطورة هذا الطرح تكمن في نواح متعددة، أولها دعوة صاحبه إلى العودة إلى التاريخ للبحث في الأصول.. ثم البحث بعد ذلك عن السكان الحقيقيين لمنطقة الشمال الإفريقي.. وبعد ذلك تمييز الأصيل منهم من الدخيل.. وبعد التمييز لست أدري ما سيحصل.. هل سيطرد العرب الوافدون على فترات التاريخ، وهم كثيرون جدا ابتداء من العرب الفاتحين وانتهاء بالهجرات الهلالية والسليمية وغيرها من القبائل العربية؟.. أم أنهم يصبحون مواطنين درجة ثانية؟.. أم أنه سيحصل لهم ما حصل للفلسطيين من الشتات، لأن الدعوة الأمازيغية ـ بهذا الاعتبار ـ ليست سوى تقليد حرفي للدعوة الصهيونية التي نبشت بطون التاريخ، لتعبر من جذورها التاريخية للواقع، فتغيره، كما اشتهى لها ظلمها.

والخطور الثانية لهذا الطرح هي ما أطلق عليه هذا الصديق العزيز وصف [التميز]، وهذا غريب، فهل يكون التميز باللغة والعرق، أم يكون التميز بالقيم الطيبة، والأخلاق الراقية.. أو بالتقوى كما عبر القرآن الكريم.. وإن كان يقصد هذا الصديق تميز العرق الأمازيغي عن غيره من الأعراق، فإن هذا لا يختلف كثيرا عن دعوة هتلر لتميز العرق الآري، وتفضيله على سائر الأعراق.. أو ما ينادي به الداريينيون الاجتماعيون من تميز أصحاب اللون الأبيض عن باقي الألوان.. ولذلك يحتقرون سائر الألوان، ويستعمرونها، ويستحلونها، بل هناك من يدعو إلى إبادتها، باعتبارها أعراقا دنيا لم تتطور بعد.

أريد من هذا الصديق وغيره أن يراجعوا أنفسهم، ويراجعوا التاريخ، ويراجعوا قبل ذلك المصادر المقدسة إسلامية كانت أو غير إسلامية.. ليكتشفوا أن هذا الطرح ليس سوى تكرير وإعادة طرح لأول مقولة في التمييز العنصري عبر عنها إبليس بقوله: { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]، وهؤلاء يقولون: (نحن خير منهم خلقتنا أمازيغ وخلقتهم عربا)

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *