اللغات وسائل.. لا مقاصد

اللغات وسائل.. لا مقاصد

من البديهيات المعروفة للجميع أن كل ما ندرسه من علوم ينقسم إلى قسمين: إما علوم ذاتية مقصودة لذاتها، أو علوم آلة، وهي المقصودة لغيرها..

ومن المعروف أيضا أن المقاصد هي التي تحدد الوسائل والآلات.. فمن كان مقصده فهم القرآن الكريم مثلا يحتاج إلى النحو لمعرفة تراكيبه.. والبلاغة لمعرفة أسرار التعبير فيه.. والغريب للتعرف على الكلمات الغريبة ودلالاتها.. وهكذا.

وبناء على هذا، فإن من المتفق عليه أن اللغات وسائل وآلات وليست مقصودة لذاتها، فاللغة بذاتها لا تحمل أي دلالة فكرية ولا علمية ولا عملية، وإنما تستعمل للتعبير عن ذلك كله.

ولذلك فإن الداعية لتعليم أي لغة يحتاج إلى أن يعرض أولا أهدافه ومقاصده من ذلك التعليم.. أو بعبارة أخرى يحدد الفوائد التي ينالها ذلك المتعلم، ليرى مدى حاجته ووجهتها، ثم يختار اللغة التي تتناسب مع مقصده..

فالإنجليزي مثلا عند دعوته لتعلم لغته يذكر أنها لغة العلم الحديث والتقنيات والتواصل العالمي.. ولا أحد يجادله في ذلك.. والفرنسي يذكر أن لغته لغة للتواصل مع دول كثيرة بالإضافة للتراث الأدبي والعلمي المكتوب بها.. وهكذا.

لكن الإشكال في الأمازيغي الذي يدعو إلى تعلم لغته، بل إلى فرضها على الناطق بها وغير الناطق بها.. ما هي حجته في ذلك؟.. هل هناك كتب علمية لا توجد إلا باللغة الأمازيغية.. ولذلك نحتاج إلى الاجتهاد في تعلمها حتى نتقن تلك العلوم.. أو أن هناك تراثا أدبيا أو عرفانيا أو فلسفيا مكتوبا بها.. بحيث لا يمكننا الاستفاده منه إلا عبر تعلم هذه اللغة؟.. أو أننا لا يمكننا التواصل مع الأمازيغ إلا بواسطة هذه اللغة؟

وكل ذلك غير موجود.. حتى التواصل مع من ينطقون بالأمازيغية، ليس مبررا، لأن الأمازيغ كلهم يعرفون العربية، ويتقنونها، بل فيهم من يتقنها أكثر من العرب أنفسهم.

فلذلك ما الحاجة في أن يمضي أولادنا أوقاتا مهمة من أعمارهم من أجل لغة لا يستفيدون منها لا علما ولا تواصلا ولا أي شيء.. أليس من الأجدى بدل ذلك أن يدرسوا ما يفيدهم.. فنحن نبحث عن الخروج عن التخلف.. لا الغرق فيه أو تنميته؟

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *