القرآن.. وأوهام الشيوخ

القرآن.. وأوهام الشيوخ

لعل السبب الأكبر في كل الانحرافات الكبرى التي وقعت فيها هذه الأمة، وبسببها انحدرت إلى هذه المنحدرات السحيقة هو الإعراض عن القرآن الكريم.. الإعراض عن تدبره.. وعن التفاعل مع مقتضياته.. وعن استنباط سنن الله من خلاله، كما قال تعالى عن أهل الكتاب من قبلنا: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [المائدة: 66]

ومن أخطر أنواع الإعراض محادة الله في كتابه، والتقديم بين يديه، ومخالفة مقاصده.. وقد وقع هذا كثيرا للأسف في واقعنا التاريخي، كما وقع في واقعنا التراثي، ومن لدن أكثر مدارس الأمة، وبأسماء مختلفة.

ومن أخطر تلك التقديمات تقديم فهوم الشيوخ وأوهامهم على كتاب الله، ونصوصه القطعية الصريحة التي لا تحتمل محلا للجدل.

ومن الأمثلة القريبة على ذلك الموقف من فرعون.. فعند تدبر القرآن الكريم نجده يذكر فرعون باعتباره نموذجا للطغيان والعتو في أقصى درجاته.

وكان الأصل في هذه الأمة، وفي رجال دينها أن يتدبروا القرآن الكريم ليستخلصوا السنن المرتبطة بذلك، ليخلصوا الأمة من الطغاة الذين انحرفوا بشريعة الله العادلة، وحرفوها لتنسجم مع أهوائهم، لأن قول الله تعالى لموسى عليه السلام: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى } [طه: 24] ليس خاصا بموسى عليه السلام، بل هو يشمل كل ورثة الأنبياء لينقذوا الأمة من هؤلاء الطغاة.

وقد ذكر القرآن الكريم الجرائم الكبرى التي قام بها فرعون في محال كثيرة منه، ومن ذلك قوله تعالى، وهو يصور مدى الكبرياء والتجبر والطغيان الذي وصل إليه فرعون: { فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) } [النازعات:21 -24]

ولم يكتف فرعون بتلك الدعاوى، ولا بمجرد ترديدها، بل كان يمارس الطغيان بأبشع صوره، كما قال تعالى يصور ذلك: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [الأعراف: 141]

وفي آية أخرى يصور الجريمة بصورة أبشع: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } [البقرة: 49]

ففرعون وملأه الذين كانوا يأتمرون بأمره لم يكونوا يقتلون الأبناء فقط، وإنما كانوا يذبحونهم، ويعذبونهم بذلك الذبح.. ويعذبونهم أكثر عندما يستحيون نساءهم، ليتنهكوا من خلالها أعراضهم.. وهل هناك جرائم أعظم من هذه الجريمة.. أن يباد شعب كامل، وأن تنتهك أعراضه.

ولم يكن يكتفي بكل ذلك، بل كان يقتل ويعذب كل من يقف في وجهه، ولو بكلمة، حتى لو كان من أقرب المقربين إليه، وقد ضرب لنا القرآن الكريم نموذجا عن ذلك بما فعله مع السحرة، كما قال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } [الأعراف: 123، 124]

ولم يكتف فرعون بذلك كله، بل إنه كان جدارا منيعا حال بين المصريين والدخول في دين الله، كما قال تعالى: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى } [طه: 79]

ولنتصور لو أن فرعون آمن، أو ترك قومه يؤمنون كيف يكون حال المصريين، وكيف سيكون أمر مشروع الله لعباده.. لكن فرعون وقف في وجه ذلك كله.. ولذلك، ووفق سنن الله، يتحمل جرائر كل ذلك.

بل إنه لم يكتف بأن يكون حجابا بين قومه وبين الإيمان، بل راح، وبعد أن شاهد الآيات العجيبة التي آمن بها السحرة، يحاول أن يفتك بموسى عليه السلام وبني إسرائيل، واستعمل في ذلك كل مكره وكيده كما قال تعالى: { فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى } [طه: 60]

وحينذاك رأى فرعون معجزة أخرى عظيمة.. لكنه لم يهتم بها، ولم يؤمن، بل كان الكبرياء والطغيان اللذان جثما على صدره حجابا بينه وبين الإيمان، كما قال تعالى: {فأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى } [طه: 78، 79]

هذه بعض المعاني التي ذكرها القرآن الكريم عن فرعون، وهو لذلك لا يختلف في حس المؤمن الذي يعيش القرآن عن إبليس.. فإن كان إبليس قد تكبر عن السجود لآدم، ففرعون كذلك تكبر عن الخضوع والاستسلام لموسى.. وكلاهما منعه الكبر.. وكلاهما يستحق أن يطرد من رحمة الله، كما جرت سنة الله على عباده.

لكن للأسف.. حصل الجدل في التاريخ الإسلامي، وفي التراث الإسلامي حول فرعون.. وهل كان مؤمنا أو غير مؤمن؟

وهذا عجيب جدا، وهو من المحادة لله.. فالله يذكر طغيانه وعتوه وظلمه وجرائمه، لنكتشف منها أسرار كل ذلك، ونحن نتجادل في إيمانه.. ونقدم أقوال المشايخ في ذلك.

وللأسف فإن الشيخ الذي فتح أبواب هذه البدعة هو من يسمونه الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، ونحن مع احترامنا لكل باحث ومحقق إلا أننا لا نرضى أبدا أن يقدم بين يدي كتاب الله، أو يحرف عن معانيه ومقاصده.

وهذا الشيخ للأسف – مع الكثير من المعاني الطيبة التي ذكرها في كتبه – وقع في محادة الله في هذه القضية، وفي قضايا أخرى كثيرة.

والمتأثرون به للأسف ينصرفون عن كل معاني القرآن الكريم، ويأخذون كلامه، وكأنه وحي منزل، وهم يقولون بعصمته، شعروا أو لم يشعروا، وهم يخطّئون حينذاك القرآن الكريم شعروا أو لم يشعروا.

ومن العجيب أن أتباع هذا الرجل في أكثر المحال التي يناقَشون فيها يردون بكبرياء على المنكرين عليهم بدعوى أن تلك المعارف معارف كشف وإلهام، ولا يمكن للعقل أن يدركها.. ولست أدري هل يمكن للكشف والإلهام أن يتحول إلى عقيدة؟.. وهل الكشف والإلهام شأن شخصي يتذوقه من عاشه، أم أنه دعوى عريضة يدعيها أي شخص لحصولها لغيره؟

وهؤلاء الذين يستندون إليه لا يعلمون البيئة التي كان يعيش فيها، والتي أثرت في الكثير من كشوفاته، وحولتها إلى أداة صادمة للقرآن الكريم.. فقد كان يعيش في الأندلس، وفي بيئة أثرت فيها الثقافة الأموية، وانتشرت بينها الكثير من الخرافات والأساطير اليهودية.. وقد دخل ذلك كله إلى التصوف باسم الكشف والإلهام.

ولهذا نجده يدافع عن الفئة الباغية، وينتصر لمعاوية، ويسميه خال المؤمنين، وينتصر للكثير من الطغاة عبر التاريخ، وينسى جرائمهم، وينسى تحكيم حكم الله فيهم.

وأخطر من ذلك كله هو تهوينه من أمر الإيمان، عندما قال بإيمان فرعون، فقد قال في ذلك في الفتوحات المكية: (فقبضَ ـ أي الله سبحانه وتعالى ـ فرعونَ ولم يُؤخر في أجله في حال إيمانه لئلا يرجع إلى ما كان عليه من الدعوى.. فلم يكن عذابه أكثر من غم الماء الأجاج، وقبضه على أحسن صفة هذا ما يعطي ظاهر اللفظ وهذا معنى قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى } [النازعات: 26])([1])

وقال: (ثم إن الله صدقه في إيمانه بقوله {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91] فدل على إخلاصه في إيمانه ولو لم يكن مخلصاً لقال فيه تعالى كما قال في الأعراب الذين قالوا آمنا { قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات: 14] فقد شهد الله لفرعون بالإيمان وما كان الله ليشهد لأحد بالصدق في توحيده إلا ويجازيه به)([2])

وقد تلقى تلاميذ الشيخ الأكبر هذه الكلمات، كما تلقى تلاميذ شيخ الإسلام كلمات شيخهم، وكأنه وحي منزل لا يصح البحث فيه، ولا التحقيق، حتى لو كان مضادا للقرآن الكريم ومقاصده.

وقد غاب عنهم أن الإيمان ليس المراد به تلك المعرفة الذهنية المحدودة، وإنما هو الإذعان والتسليم لله.. لأن المعرفة وحدها قد تتحقق للكافر، لكنه بجحوده لا يذعن لها، كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14]

ولذلك فإن لقب الإيمان لقب عظيم لا يستحقه إلا من وفى بحق الإذعان التام، والتسليم المطلق، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]

بل إن الله تعالى أخبر أن هناك محال لا يقبل فيها الإيمان، لأن الاختبار قد انتهى أجله، كما قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [الأنعام: 158]

وهكذا فإن فرعون بعد أن رأى ما رأى لا ينفعه ذلك، بنص القرآن الكريم نفسه، فالله تعالى أخبر أن موسى عليه السلام دعا عليه وعلى المتكبرين ممن معه، فقال: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } [يونس: 88]

بل أخبر الله تعالى أن هذه سنته في الطغاة، وأنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 96، 97]

وهكذا أخبر في آية أخرى، وعن قوم هم أقل بكثير من فرعون، وجرائمهم أقل بكثير من جرائمه، ومع ذلك أخبر الله تعالى أنه لم يرد أن يطهر قلوبهم، لأن الران الذي استولى عليهم حرمهم من هداية الله، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ الله أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 41]

ولهذا فإن الإيمان المزعوم لفرعون لا ينفع صاحبه، بل هو معرفة تقام بها الحجة عليه، ولا تنفعه كما يزعم أتباع ابن عربي، الذين لم يكتفوا بما قال شيخهم، بل راحوا يضيفون إليه الكثير من التوابل والمسوغات التي حولت فرعون من عدو من أعداء الله إلى ولي من أوليائه.

ومن العجيب أن الشيخ الأكبر راح يحطم كل معاني العدالة الإلهية ليصور رحمة الله بفرعون، وأنه أسرع بقبض روحه بأحسن حالة، حتى لا يعود إلى كبريائه.. وكأن كل جرائمه التي مارسها لم تكن لتتسبب في الطبع على قلبه والختم عليه.. وكأن الله يدلل بعض عباده، ويعذب بعضهم.

وهذا كله ناتج من تلك الثقافة الإرجائية التي تصورت أن جميع الجرائم التي يقوم بها الطغاة، وكل الدماء التي سالت بسببهم، تمحى عنهم جميعا بمجرد أن يذرفوا بعض الدموع قبل موتهم..

وقد غفلوا عن كون العدالة الإلهية لا يضيع عندها شيء، كما قال تعالى:{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } (الانبياء:47)

وتناسوا كذلك أن من سنن الله تعالى الطبع على قلوب الذين عتوا وبغوا وطغوا، لأن الإيمان نعمة كبرى، وهي لا يستحقها إلا المتواضعون الطيبون، كما قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المطففين:14)

وكما فسر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بقوله: (إن العبد إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب منها صقل قلبه، وإن زاد زادت، فذلك قول اللّه تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ})([3])

ومن العجيب أن هؤلاء الذين يرددون مثل هذا الكلام، ويرددون مثله أن معاوية خال المؤمنين ويدافعون عنه وعن كل الطغاة، ينسون أنهم هم أنفسهم من يقول: (من قال لشيخه لم لا يفلحه أبدا؟)، فيعتبرون مجرد القول بهذا، بل مجرد الهم به سببا في ختم قلب المريد.. ويحكون الحكايات الكثيرة الدالة على ذلك.

فهل مشايخهم أعظم عند الله من موسى والإمام علي اللذين وقف فرعون ومعاوية في وجهيهما، بل حاربا بكل الوسائل مشروعهما الإلهي.

المشكلة الكبرى في هؤلاء أنهم لا يعرفون شيئا اسمه [المشروع الإلهي للإنسان]، والذي يقابله [المشروع الشيطاني].. ولو أنهم فقهوا هذين المشروعين لفهموا القرآن الكريم، ولم يقدموا عليه شيئا من أوهام مشايخهم.


([1]) الفتوحات المكية، ج‏2، ص: 277.

([2]) الفتوحات المكية (4 ـ72)

([3]) رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *