الفصل الثاني: المزارات الدينية.. والمدارس الفقهية

المزارات الدينية.. والمدارس الفقهية
من المناهج التي يعتمدها التيار السلفي في إقناع جمهوره إيراده لأقوال من يتبناهم من المشايخ من أمثال ابن تيمية وابن عبد الوهاب وابن باز وابن العثيمين وغيرهم من القدماء والمحدثين، وهو يطنب في ذلك لدرجة يتصور الكثير من العوام أن هذا هو إجماع الأمة، مع أن الكثير ممن يذكرهم لا يمكن تعدادهم في الطلبة؛ فكيف بتعدادهم في العلماء.
فمحمد بن عبد الوهاب، وهو الزعيم الأكبر للسلفية في المسائل المتعلقة بالمزارات الدينية، ومن خلال الرسائل التي تركها لا يمكن اعتباره طالب علم، فضلا عن اعتباره فقيها أو عالما، وليس هذا قولنا، ولا شهادتنا، وإنما هي شهادة أقرب المقربين إليه.
فقد ورد في ترجمة والد محمد بن عبد الوهاب ذكر غضبه عليه بسبب عدم اهتمامه بالعلم، قال محمد بن عبد الله بن حميد النجدي ثم المكي (المتوفى: 1295 هـ)، صاحب كتاب [السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة]: (وهو والد محمّد صاحب الدعوة التي انتشر شررها في الآفاق، لكن بينهما تباين مع أن محمدًا لم يتظاهر بالدعوة إلا بعد موت والده، وأخبرني بعض من لقيته عن بعض أهل العلم عمّن عاصر الشيخ عبد الوهاب هذا أنه كان غضبان على ولده محمد لكونه لم يرض أن يشتغل بالفقه كأسلافه وأهل جهته ويتفرس فيه أن يحدث منه أمر، فكان يقول للناس: يا ما ترون من محمد من الشر، فقدّر الله أن صار ما صار، وكذلك ابنه سليمان أخو الشيخ محمد كان منافيًا له في دعوته ورد عليه ردًا جيدا بالآيات والآثار لكون المردود عليه لا يقبل سواهما ولا يلتفت إلى كلام عالم متقدمًا أو متأخرا كائنا من كان غير الشيخ تقي الدين بن تيمية وتلميذه ابن القيم فإنه يرى كلامهما نصّا لا يقبل التأويل ويصول به على الناس وإن كان كلامهما على غير ما يفهم، وسمى الشيخ سليمان رده على أخيه [فصل الخطاب في الرد على محمّد بن عبد الوهاب] وسلّمه الله من شرّه ومكره مع تلك الصولة الهائلة التي أرعبت الأباعد، فإنه كان إذا باينه أحد ورد عليه ولم يقدر على قتله مجاهرة يرسل إليه من يغتاله في فراشه أو في السوق ليلا لقوله بتكفير من خالفه واستحلاله قتله، وقيل إن مجنونًا كان في بلدة ومن عادته أن يضرب من واجهه ولو بالسلاح، فأمر محمدٌ أن يعطى سيفًا ويدخل على أخيه الشيخ سليمان وهو في المسجد وحده، فأدخل عليه فلما رءاه الشيخ سليمان خاف منه فرمى المجنون السيف من يده وصار يقول: يا سليمان لا تخف إنك من الآمنين ويكررها مرارا، ولا شك أن هذه من الكرامات)([1])
ولذلك فإن المنهج الذي يواجه به هذا التيار هو ذكر أقوال المحققين من العلماء من المذاهب الأربعة أو غيرها من المذاهب، والتي لها قيمة ووجود فاعل في المدارس والجامعات الإسلامية، والتي تعتبر كتبها مصادر للشريعة.
وقبل أن نذكر بعض تصريحات كبار فقهاء هذه المذاهب، نحب أن ننبه إلى أن من عادة التيار التكفيري أن يأتي بأقوال أخرى مناقضة لما يذكره مخالفوه، ونحن لا ننكر تلك الأقوال، ولا ندعو إلى إنكارها، أو التقليل من شأن أصحابها، وإنما نذكر له مقابل ما يطرحه من تصريحات وأقوال تصريحات وأقوال أخرى، وهو حينها بين أن يقبل بها؛ فيرجع عن رأيه، أو يقر بوجود خلاف في المسألة، والقاعدة في الخلاف الفقهي عدم الإنكار على المخالف، حتى لو لم يُستسغ دليله، لأن لكل فقيه حججه ومنهجه في الاستدلال.
وقد عبر عن هذه القاعدة كبار الفقهاء من المدرسة السنية، حتى أولئك الذين يعتبرهم السلفيون سلفا صالحا لهم؛ فقد قال يحيى بن سعيد الأنصاري وهو من كبار التابعين المعتبرين عند التيار السلفي: (ما برح المستفتون يُستفتَوْن، فيُحل هذا، ويُحرِّم هذا، فلا يرى المحرِّم أنَّ المحلِّل هلك لتحليله، ولا يرى المحلِّل أن المحرِّم هلك لتحريمه)([2])
ومثله قال سفيان الثوري، وهو من الذين يعتبرهم التيار السلفي من أئمته الكبار: (إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختُلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه)([3])
ومثله قال عطاء، وهو من أعيان المدرسة السلفية الأولى: (لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حتى يكون عالما باختلاف الناس، وإن لم يكن كذلك ردّ من العلم ما هو أوثق من الذي هو في يده)([4])،
ومثله قال الموفق ابن قدامة المقدسي في المرجع الذي يعتمده التيار السلفي عند ذكره للأخلاق والآداب [الآداب الشرعية]: (لا ينبغي لأحد أن ينكر على غيره العمل بمذهبه؛فإنه لا إنكار على المجتهدات)([5])
وهكذا قال الغزالي، وهو من كبار أئمة الشافعية، بل له حضور في كل المذاهب الفقهية: (فكل ما هو محل الاجتهاد فلا حسبة فيه فليس للحنفي أن ينكر على الشافعي أكله الضب والضبع ومتروك التسمية، ولا للشافعي أن ينكر على الحنفي شربه النبيذ الذي ليس بمسكر وجلوسه في دار أخذها بشفعة الجوار إلى غير ذلك من مجاري الاجتهاد)([6])
وقال أبو إسحاق الشيرازي، وهو من كبار أصوليي وفقهاء الشافعية: (الصحابة رضوان الله عليهم أجمعت على تسويغ الحكم بكل واحد من الأقاويل المختلف فيها، وإقرار المخالفين على ما ذهبوا إليه من الأقاويل)([7])
وقال النووي، وهو من الشافعية الذين يستدل بهم السلفية كثيرا، خصوصا من شرحه على صحيح مسلم، والذي قال فيه: (العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه الأمة،أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لأنه على أحد المذهبين:كل مجتهد مصيب، وهذا هو المختار عند كثير من المحققين أو أكثرهم، وعلى المذهب الآخر: المصيب واحد، والمخطئ غير متعين لنا، والإثم مرفوع عنه، ولكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق، فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف، إذا لم يلزم منه إخلال بسنة أو وقوع في خلاف آخر)([8])
وقال العز بن عبد السلام وهو الشافعي الذي جمع بين الفقه والأصول والمقاصد: (الإنكار مُتَعَلِّقٌ بما أُجْمِعَ على إيجابه أو تحريمه، فمن ترك ما اختلف في وجوبه، أو فعل ما اختُلِف في تحريمه؛ فإن قلَّد بعض العلماء في ذلك فلا إنكار عليه، إلا أن يقلده في مسألة ينقض الحكم في مثلها، فإن كان جاهلا لم يُنكر عليه، ولا بأس بإرشاده إلى الأصلح، وإنما لم ينكر عليه لأنه لم يرتكب محرما، فإنه لا يلزمه تقليد من قال بالتحريم ولا بالإيجاب)([9])
وهذا هو قول جميع الصوفية، والذين تشكل طرقهم النسبة الأكبر في العالم الإسلامي، وفي فترات كثيرة من التاريخ، فقد قال على لسانهم الشيخ ابن عليوة مخاطبا مخالفه الذي اعتبر ما يفعله من ممارسات صوفية ـ كالأوراد والخلوة وغيرها ـ نهيا عن المنكر: (وكلّ ذلك أصابك ولعلّه من عدم الفقه في دين الله، ولهذا اشترط صلى الله عليه وآله وسلم في حق الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون فقيها فيما يأمر به، فقيها فيما ينهى عنه، لئلا يأمر بمنكر وينهى عن معروف، ومن أجل ذلك تورّع أكابر العلماء عن القول في دين الله بغير نصّ صريح، أو ما هو كالصريح.. فإنّ من الحق عليك أن تنكر ما علمت إنكاره من الدين بالضرورة، وتأمر بما تحققت معروفيته من الدين بالضرورة، وتحسن الظنّ فيما تفرّع عن اجتهاد المجتهدين من أئمة الدين من الصوفيّة وغيرهم، أو ليس في علمك قد يوجد من المشتبه ما ثبت حرمته في مذهب وإباحته في آخر، أو ندبه في مذهب، وكراهيته في الآخر؟)([10])
وغيرها من الأقوال الكثيرة التي نجدها في كتب الفقه والأصول والحسبة، والتي لم يجادل فيها إلا التيار السلفي تعنتا وتكبرا، لتصوره أنه صاحب الحق المجرد.
ولهذا نرى العلماء الذين يردون على التيار السلفي في موقفه من المزارات الدينية، يعتمدون هذا المنهج؛ فيذكرون الخلاف الوارد في المسألة، ويسردون أقوال الفقهاء وتصريحاتهم التي تدل على وقوع الخلاف، والذي يسوغ لكل مؤمن مقلد أن يتبع ما يشاء منها، لعدم قدرته على الاجتهاد.
ومن الأمثلة على ذلك ما أورده العلامة الحافظ المغربي أبو الفيض أحمد بن الصديق الغماري الحسني في رسالته التي خصصها لهذا، وعنوانها (إحياء المقبور من أدلة جواز بناء المساجد والقباب على القبور)، والذي أورد فيها كغيره من فقهاء ومحدثي الصوفية الخلاف الفقهي في هذه المسألة بشقيه المجيز وغير المجيز، ليذكروا للمخالف أن الأمر متسع للجميع، وأن الأمة لم تختلف في هذه المسألة إلا لكون النصوص الواردة فيها غير قطعية، أو معارضة بغيرها.
وليقول لهم كذلك: لا حرج عليكم أن لا تبنوا أو أن لا تزوروا، ولكن كل الحرج عليكم أن تنكروا على من خالفكم لأن من أصول النهي عن المنكر أن يكون من المتفق عليه لا المختلف فيه.
بناء على هذا سنحاول هنا ذكر بعض تصريحات الفقهاء ومواقفهم من الأضرحة، وما يرتبط بها من التوسل والاستغاثة، وقد اقتصرنا على المدارس السنية، لشهرة القول عن الشيعة، بل إجماعهم عليه، ولكونهم ليسوا معتبرين لدى أصحاب الرؤية التكفيرية.
أولا ـ موقف المدرسة الحنفية من المزارات الدينية:
تعتبر المدرسة الحنفية من أقدم المدارس الفقهية، وهي مثل غيرها من المدارس، تعتمد كتب المتأخرين سواء كانت متونا أو شروحا أو حواشي في تدريسها لهذا المذهب، وهي كلها تنص على مشروعية بناء المزارات الدينية وزيارتها، وعلى مشروعية التوسل والاستغاثة، وتختلف مع أصحاب الرؤية التكفيرية في ذلك كله اختلافا شديدا.
وسنذكر هنا نماذج عن كلا الأمرين، لتكون برهانا للتكفيريين للذين يتصورون أن كل الأمة معهم، مع أنهم شواذ عنها، وأحكامهم التكفيرية تجري عليها جميعا.
1 ـ موقف المدرسة الحنفية من زيارة الأضرحة:
من خلال العودة لكل المصادر التي يعتمدها الحنفية في تدريسهم أو فتاواهم، نجد إجماعهم على مشروعية زيارة الأضرحة، وأنها من المستحبات، والأعمال الصالحة.
ومن الأمثلة عن ذلك ما كتبه العلامة كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام (المتوفى: 861هـ) في كتابه الذي يعتبر من المراجع الكبرى في الفقه الحنفي، وهو [فتح القدير للعاجز الفقير]، وهو شرح على كتاب [الهداية في شرح البداية]([11]) للمرغيناني الحنفي (511 – 593 هـ)
وقد ورد في هذا المرجع الذي لا يزال يدرس إلى الآن في المدارس الحنفية عند حديثه عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (قال مشايخنا رحمهم الله تعالى: من أفضل المندوبات، وفي مناسك الفارسي وشرح المختار: أنها قريبة من الوجوب لمن له سعة، هذا والحج إن كان فرضا فالأحسن أن يبدأ به ثم يثني بالزيارة، وإن كان تطوعا كان بالخيار، فإذا نوى زيارة القبر فلينو معه زيارة المسجد.. والأولى فيما يقع عند العبد الضعيف تجريد النية لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم إذا حصل له إذا قدم زيارة المسجد أو يستفتح فضل الله سبحانه في مرة وأخرى ينويهما فيها لأن في ذلك زيادة تعظيمه صلى الله عليه وآله وسلم وإجلاله ويوافق ظاهر ما ذكرناه من قوله عليه الصلاة السلام: لا تعمله حاجة إلا زيارتي)([12])
وهكذا ورد في حاشية الطحطاوي على [مراقي الفلاح]، والذي هو شرح لمتن [نور الإيضاح]، وهو من المتون المعتمدة في المذهب الحنفي، الذي وضعه الشيخ حسن الشرنبلالي (994 – 1069 هـ)، والذي لقي قبولا كبيرا بين فقهاء الحنفية، لأنه يذكر في الغالب ظاهر الرواية عند الحنفية، وقد وقد شرحه في [مراقي الفلاح]، وقام أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي (توفي 1231 هـ) بوضع حاشية عليه، وقد قال فيها: (زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: إن كان الحج فرضا قدمه عليه، وإلا تخير والأولى في الزيارة تجريد النية لزيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم وقيل: ينوي زيارة المسجد أيضا نهر، لأنه من المساجد الثلاث التي تشد إليها الرحال)([13])
وهكذا ورد في [حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار]، أو ما يطلق عليه اختصارا [حاشية ابن عابدين] لصاحبها محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ)، وهي من أهم مراجع الفقه الحنفي، وقد قال عند ذكر زيارة شهداء أحد: (استفيد منه ندب الزيارة وإن بعد محلها، وهل تندب الرحلة لها كما اعتيد من الرحلة إلى زيارة خليل الرحمن وأهله وأولاده وزيارة السيد البدوي وغيره من الأكابر الكرام لم أر من صرح به من أئمتنا، ومنع منه بعض أئمة الشافعية إلا لزيارته قياسا على منع الرحلة لغير المساجد الثلاث ورده الغزالي)([14])
ولهذا نجد كل علماء الحنفية تصدوا لدعوة ابن تيمية في تبديع زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واعتبروه مبتدعا بذلك، ومنهم الشيخ محمد بن محمد العلاء البخاري الحنفي (779هـ – 841هـ)، الذي ورد في ترجمته أنه (كان يُسأل عن مقالات ابن تيمية التي انفرد بها فيجيب بما ظهر له من الخطأ، وينفر عنه قلبه إلى أن استحكم ذلك عليه فصرّح بتبديعه ثم تكفيره، ثم صار يُصرح في مجلسه أن من أطلق على ابن تيمية أنه شيخ الإسلام فهو بهذا الإطـلاق كافـر واشتهر ذلك..) ([15])
ومنهم الشيخ أبو الحسنات محمد عبدالحي اللكنوي الحنفي (1264 – 1304 هـ) الذي قال في كتابه (إبـراز الغي الواقـع): (أقول: مسألة زيارة خير الأنام صلى الله عليه وآله وسلم كلام ابن تيمية فيها من أفاحش الكلام، فإنه يحرم السفر لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويجعله معصية ويحرم نفس زيارة القبر النبوي أيضاً، ويجعلها غير مقدورة وغير مشروعة وممتنعة، ويحكم على الأحاديث الواردة في الترغيب إليها كلها موضوعة من حسن بعضها، أو لعلمي أن علم ابن تيمية أكثر من عقله، ونظره أكبر من فهمه، وقد شدّدّ عليه بسبب كلامه في هذه المسألة علماء عصره بالنكير، وأوجبوا عليه التعزيـر..) ([16])
ومنهم مفتي الديار المصرية وشيخ حنفية عصره الشيخ محمد بخيت المطيـعي الحنفي (1271 هـ – 1354 هـ)، الذي قال في كتابه (تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد): (ولما أن تظاهر قوم في هذا العصر بتقليد ابن تيمية في عقائده الكاسدة وتعضيد أقواله الفاسدة وبثها بين العامة والخاصة، واستعانوا على ذلك بطبع كتابه المسمى بالواسطية ونشره، وقد اشتمل هذا الكتاب على كثير مما ابتدعه ابن تيمية مخالفاً في ذلك الكتاب والسنة وجماعة المسلمين فأيقظوا فتنة كانت نائمة)([17])
2 ـ موقف المدرسة الحنفية من التوسل والاستغاثة:
هذا ما ورد بخصوص الزيارة، وهي عادة تتضمن التوسل والاستغاثة، أما ما ورد عنهم حول التوسل، فكل كتبهم مشحونة به، وسنذكر هنا أمثلة من أمهات كتب الحنفية، وكيف يتوسل أصحابها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
1. أبو بكر محمد بن أبي إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب الكلاباذي البخاري الحنفي (المتوفى: 380هـ) الذي قال في كتابه [التعرف لمذهب أهل التصوف]: (وبالله أستعين، وعليه أتوكل، وعلى نبيه أصلي وبه أتوسل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ([18])
2. عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي، كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)، الذي قال في بعض كتبه: (ببركة سيد المرسلين وأهل بيته) ([19])
3. مجد الدين الموصلي الحنفي (المتوفى: 683 هـ) صاحب [الاختيار فيما يقال عند زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم]، والذي أورد فيه هذا الدعاء: (جئناك من بلاد شاسعة والاستشفاع بك إلى ربنا.. ثم يقول: مستشفعين بنبيك إليك) ومثله في حاشية الطحطاوي (المتوفى: 1231هـ) على الدر المختار.
4. عثمان بن علي بن محجن البارعي، فخر الدين الزيلعي الحنفي (المتوفى: 743 هـ)، والذي قال في [تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق]: (هذا ما ظهر لكاتبه بلغه الله مقاصده بمحمد وآله) ([20])
5. علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (المتوفى: 816هـ)، والذي قال في أوائل حاشية على (المطالع) عند بيان الشارح وجه الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أوائل الكتب، ووجه الحاجة إلى التوسل بهم في الاستفاضة: (فإن قيل هذا التوسل إنما يتصور إذا كانوا متعلقين بالأبدان، وأما إذا تجردوا عنها فلا، إذ لا وجهة مقتضية للمناسبة. قلنا يكفيه أنهم كانوا متعلقين بها متوجهين إلى تكميل النفوس الناقصة بهمة عالية، فإن أثر ذلك باق فيهم، وكذلك كانت زيارة مراقدهم معدة لفيضان أنوار كثيرة منهم على الزائرين كما يشاهده، أصحاب البصائر)([21])
6. أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى (المتوفى: 855هـ) الذي قال في [عمدة القاري شرح صحيح البخاري]: (فها نحن نشرع في المقصود بعون الملك المعبود ونسأله الإعانة على الاختتام متوسلا بالنبي خير الأنام وآله وصحبه الكرام)([22])
وقال: (فيه التبرك بمصلى الصالحين ومساجد الفاضلين وفيه أن من دعا من الصلحاء إلى شيء يتبرك به منه فله أن يجيب إليه إذا أمن العجب وفيه الوفاء بالعهد وفيه صلاة النافلة في جماعة بالنهار وفيه إكرام العلماء إذا دعوا إلى شيء بالطعام وشبهه)([23])
7. كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام (المتوفى: 861هـ) الذي قال في [فتح القدير]، كتاب الحج، باب زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ويسأل الله حاجته متوسلا إلى الله بحضرة نبيه)، ثم قال: (يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشفاعة فيقول: يا رسول الله أسألك الشفاعة يا رسول الله أتوسل بك إلى الله)([24])
8. يوسف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي، أبو المحاسن، جمال الدين (المتوفى: 874هـ) الذي قال: (نسأل الله تعالى حسن الخاتمة بمحمد وآله)([25]) وقال في [حوادث الدهور]: (فالله تعالى يحسن العاقبة بمحمد وآله)([26])
9. محمد بن يوسف الصالحي الشامي (المتوفى: 942هـ) الذي جمع أبواب التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه [سبل الهدى والرشاد في سير خير العباد] ومن أقواله: (اللهم إنا نسألك، ونتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن تحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأن تجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة)([27])
10. علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: 1014هـ) الذي قال في [شرح الشمائل]: (فليس لنا شفيع غيرك نؤمله، ولا رجاء غير بابك نصله،فاستغفر لنا واشفع لنا إلى ربك يا شفيع المذنبين، واسأله أن يجعلنا من عباده الصالحين. قال نور الدين ملا علي القاري في شرح المشكاة ما نصه: (قال شيخ مشايخنا علامة العلماء المتبحرين شمس الدين بن الجزري في مقدمة شرحه للمصابيح: إني زرت قبره بنيسابور (يعني مسلم بن الحجاج القشيري) وقرأت بعض صحيح علي سبيل التيمن والتبرك عند قبره ورأيت آثار البركة ورجاء الإجابة في تربته)
وقال في [المسلك المتقسط في المنسك المتوسط]: ([أجمعوا على أنّ أفضل البلاد مكّة والمدينة زادهما الله شرفًا وتعظيمًا، ثم اختلفوا بينهما أي في الفضل بينهما، فقيل: مكة أفضل من المدينة، وهو مذهب الأئمة الثلاثة وهو المرويُّ عن بعض الصحابة، وقيل: المدينة أفضل من مكة، وهو قول بعض المالكية ومن تبعهم من الشافعية، وقيل بالتسوية بينهما.. والخلاف أي الاختلاف المذكور محصورٌ فيما عدا موضع القبر المقدس، قال الجمهور: فما ضمّ أعضاءه الشريفة فهو أفضل بقاع الأرض بالإجماع حتى من الكعبة ومن العرش)([28])
11 عبد الرحمن وجيه الدين بن عيسى بن مرشد العمري نسباً الحنفي مذهباً (متوفى في منتصف القرن الحادي عشر) قال في خطاب له: (فالله تعالى يبقيك محروساً بجناب مأنوس القباب. متلفعاً من الجلالة بأشرف جلباب. مستقراً على كراسي الملك. وأعداؤك في الهلك. بجاه جدك عليه السلام. وآله البررة الكرام. وصحبه الخيرة الأعلام)([29])
12. حسن بن عمار بن علي الشرنبلالي المصري الحنفي (المتوفى: 1069هـ) الذي قال في [مراقي الفلاح في آداب الزيارة]: (يقف عند رأسه الشريف ويقول: اللهم انك قلت وقولك الحق: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: 64]، وقد جئناك سامعين قولك، طائعين أمرك، مستشفعين بنبيك، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا انك رؤوف رحيم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد للّه رب العالمين. ويدعو بما يحضره من الدعاء)
13. محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (المتوفى: 1205هـ)، قال في خاتمة [تاج العروس] داعياً: (ولا يكلنا إلى أنفسنا فيما نعمله وننويه بمحمد وآله الكرام البررة)، وذكر في كتابه [إتحاف المتقين بشرح إحياء علوم الدين] صفوان بن سليم عند أحمد بن حنبل فقال: (هذا رجل يستسقى بحديثه وينزل القطر من السماء بذكره)([30])
وروى عن الشعبي قوله: (حضرت عائشة فقالت: إني قد أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثا ولا أدري ما حالي عنده فلا تدفنوني معه، فاني أكره أن أجاور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أدري ما حالي عنده، ثم دعت بخرقة من قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: ضعوا هذه على صدري وادفنوها معي لعلي أنجو بها من عذاب القبر)([31])
14. محمد بن محمد بن مصطفى بن عثمان، أبو سعيد الخادمى الحنفي (المتوفى: 1156هـ)، قال في كتابه [بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية]: (ويجوز التوسل إلى الله تعالى والاستغاثة بالأنبياء والصالحين بعد موتهم، لأن المعجزة والكرامة لا تنقطع بموتهم، وعن الرملي أيضا بعدم انقطاع الكرامة بالموت، وعن إمام الحرمين: ولا ينكر الكرامة ولو بعد الموت إلا رافضي، وعن الأجهوري: الولي في الدنيا كالسيف في غمده، فإذا مات تجرد منه فيكون أقوى في التصرف) ([32])
15. إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء (المتوفى: 1127هـ)، الذي قال في عدة مواضع من تفسيره روح البيان: (بجاه النبي الأمين)([33])
16. محمد خليل بن علي بن محمد بن محمد مراد الحسيني، أبو الفضل (المتوفى: 1206هـ) الذي قال:(فنتوجه اللهم إليك به صلى الله عليه وآله وسلم إذ هو الوسيلة العظمى)([34])، وقال في ترجمة أحمد بن ناصر الدين بن علي الحنفي البقاعي (المتوفى: 1171هـ): (هذا وعمره مع السلام يطول بجاه جده النبي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم آمين) ([35]) وغيرها من المواضع.
17. أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي (توفي 1231 هـ) الذي قال: (فيتوسل إليه بصاحبيه، ذكر بعض العارفين أن الأدب في التوسل أن يتوسل بالصاحبين إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ثم به إلى حضرة الحق جل جلاله، وتعاظمت أسماؤه فإن مراعاة لواسطة عليها مدار قضاء الحاجات) ([36])
18. عبد الرحمن بن حسن الجبرتي المؤرخ (المتوفى: 1237هـ) الذي قال: (ويتوسل إليه في ذلك بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم)([37])
19. ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ) الذي قال في حاشيته على الدر المختار داعيا: (دام في عز وإنعام، ومجد واحترام، بجاه من هو للانبياء ختام، وآله وصحبه السادة الكرام، عليه وعليهم الصلاة والسلام، في البدء والختام)([38])، وقال في [تنقيح الفتاوى الحامدية] في ذكر حال بعض الجراد الذي غزا البلاد: (وادفع شرها عن أرزاق المسلمين بجاه النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين) ([39])
وقال: (يقول أسير الذنوب جامع هذه الاوراق راجيا من مولاه الكريم، متوسلا بنبيه العظيم وبكل ذي جاه عنده تعالى أن يمن عليه كرما وفضلا بقبول هذا السعي والنفع له للعباد، في عامة البلاد، وبلوغ المرام، بحسن الختام، والاختتام، آمين) ([40])
وقال: (وإني أسأله تعالى متوسلا إليه بنبيه المكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبأهل طاعته من كل ذي مقام علي معظم، وبقدوتنا الامام الاعظم، أن يسهل علي ذلك من إنعامه، ويعينني على إكماله وإتمامه، وأن يعفو عن زللي، ويتقبل مني عملي، ويجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم، موجبا للفوز لديه في جنات النعيم)([41])
20. محمد عابد السندي الحنفي (ت 1257 هـ) المحدث، له رسالة فى الرد على ابن تيمية فى التوسل.
21. شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ) الذي قال: (بحرمة سيد الثقلين)([42])، وقال في تفسير قوله تعالى: Pوَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ O [البقرة: 89]: (نزلت في بني قريظة والنضير كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل مبعثه ـ قاله ابن عباس وقتادة ـ والمعنى يطلبون من الله تعالى أن ينصرهم به على المشركين، كما روى السدي أنهم كانوا إذا اشتد الحرب بينهم وبين المشركين أخرجوا التوراة ووضعوا أيديهم على موضع ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقالوا: اللهم إنا نسألك بحق نبيك الذي وعدتنا أن تبعثه في آخر الزمان أن تنصرنا اليوم على عدونا فينصرون، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، كنى عن الكتاب المتقدم بما عرفوا، لأن معرفة من أنزل عليه معرفة له ووجه الدلالة من هذه الآية ظاهر فإن الله سبحانه أقر استفتاح اليهود بالرسول، ولم ينكره عليهم وإنما ذمهم على الكفر والجحود بعد إذ شاهدوا بركة الاستفتاح بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم)([43])
وقال: (وبعد هذا كله أنا لا أرى بأسا في التوسل إلى الله تعالى بجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيا وميتا، ويراد من الجاه معنى يرجع إلى صفة من صفاته تعالى، مثل أن يراد به المحبة العامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته، فيكون معنى قول القائل أتوسل إليك بجاه نبيك صلى الله عليه وآله وسلم أن تقضي لي حاجتي يعني إلهي اجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتي) ([44])
22. أحمد عارف حكمت بك بن السيد إبراهيم عصمت بك بن إسماعيل رائف باشا الحسيني الحنفي (المتوفى: 1275هـ) الذي قال في تقريظ له: (فأيد اللهم هذا السلطان الرحيم الحليم الأفخم، والملك الكريم السليم الأكرم، بالفتح المبين، والنصر على الأعداء والمشركين، بجاه سيد المرسلين، وخاتم النبيين) ([45])
23. مؤلفو كتاب [الفتاوى الهندية]، وهم جماعة من علماء الهند برئاسة الشيخ نظام الدين البلخي بأمر من سلطان الهند أبي المظفر محيى الدين محمد أورنك زيب في كتاب المناسك، قالوا: (خاتمة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بعد أن ذكر كيفية وآداب زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ذكر الأدعية التي يقولها الزائر فقال: (ثم يقف (أي الزائر) عند رأسه صلى الله عليه وآله وسلم كالأول ويقول: اللهم إنك قلت وقولك الحق: Pوَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا O [النساء: 64]، وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك،مستشفعين بنبيك إليك) ([46])
24. خليل أحمد سهارنبوري (المتوفي 1349 هـ)، وهو من كبار علماء أحناف ديوبند بالهند، قال في جواب هذا السؤال: هل للرجل أن يتوسل في دعوته بالنبي والصالحين والصديقين والشهداء والأولياء؟: (عندنا وعند مشايخنا يجوز التوسل بهم في حياتهم وبعد وفاتهم بأن يقول: (اللهم إني أتوسل إليك بفلان أن تجيب دعوتي وتقضي حاجتي)، كما صرح به الشاه محمد إسحاق الدهلوي والمهاجر المكي ورشيد أحمد الكنكومي وأيد ووافق على هذا الكتاب حوالي 75 نفرا من علماء الأحناف الكبار في باكستان) ([47])
25. محمد بخيت بن حسين المطيعي الحنفي (1271 هـ – 1354 هـ) كتب مقدمة لطيفة قدم بها لكتاب [شفاء السقام فى زيارة خير الأنام] للسبكى، تكلم فيها عن التوسل ومشروعيته، وقد سماها: [تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد]
26. محمد زاهد بن حسن الحلمي الكوثري (1296 ـ 1371 هـ)، الذي قال: (إني أرى أن أتحدث هنا عن مسألة التوسل التي هي وسيلة دعاتهم إلى رميهم الأمة المحمدية بالإشراك , وكنت لا أحب طرق هذا البحث لكثرة ما أثاروا حوله من جدل عقيم مع ظهور الحجة واستبانة المحجة , وليس قصد أول من أثار هذه الفتنة سوى استباحة أموال المسلمين ليؤسس حكمه بأموالهم على دمائهم باسم أنهم مشركون , وأنـا يكون للحشوية صدق الدعوة إلى التوحيد؟!. وهم في إنكارهم التوسل محجوجون بالكتاب والسنة والعمل المتوارث والمعقول)([48])
27. أبو الحسنات محمد عبد الحي بن الحافظ محمد عبد الحليم اللكنوى الانصاري الايوبي الحنفي (المتوفى 1304 هـ) الذي توسل قائلا: (متوسلا بنبيه) ([49])
ثانيا ـ موقف المدرسة المالكية من المزارات الدينية:
تتفق أشهر المتون والشروح والحواشي المعتمدة في الفتوى والتدريس في المذهب المالكي على مشروعية المزارات الدينية وزيارتها، كما تتفق على مشروعية التوسل والاستغاثة، وسنذكر نماذج عن كلا الأمرين هنا:
1 ـ موقف المدرسة المالكية من زيارة الأضرحة:
أول المواقف التي نصادفها في المصادر المالكية، والمرتبطة بزيارة الأضرحة والتوسل والاستغاثة بأصحابها، موقف الإمام مالك صاحب المذهب نفسه، فقد روي أن المنصور العباسي سأله الإمام مالك: (أستقبل القبلة وأدعوا، أم استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟، فقال مالك: (ولِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليهالسلام إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفّعه الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾[النساء: 64])([50])
وقد نص كبار أعلام المالكية على أن القصة صحيحة([51])، وأن الإمام مالك يري الخير في استقبال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدعاء والاستشفاع به، كما أن القصة تشير إلى حديث توسل سيدنا آدم عليه السلام.
ويدل لهذا أيضا ما ذكرناه في الفصل الأول من ذلك التعظيم الذي كان يبديه الإمام مالك للمدينة المنورة، تعظيما (للجناب النبوي، وهو الذي كان لا يمشي في المدينة المنورة متنعلاً ولا راكباً، ولا يقضي فيها حاجته احتراماً وتعظيماً وتكريماً لتراب المدينة الذي مشى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وها هو يخاطب أمير المؤمنين المهدي لما جاء إلى المدينة في هذا الموضوع ويقول له: إنك تدخل الآن المدينة فتمر بقوم عن يمينك ويسارك وهم أولاد المهاجرين والأنصار فسلم عليهم فإنه ما على وجه الأرض قوم خير من أهل المدينة، ولا خير من المدينة. فقال له: ومن أين قلت ذلك يا أبا عبد الله؟ قال: لأنه لا يعرف قبر نبي اليوم على وجه الأرض غير قبر محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن قبر محمد عندهم فينبغي أن يعلم فضلهم)([52])
وهم يروون من شدة تعظيمه للمدينة أنه كره أن يقال: (زرنا قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكأنه أراد أن يقول القائل زرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة دون لفظ القبر، لأن القبر مهجور بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (صلوا في بيوتكم ولا تجعلوها قبوراً)، قال الحافظ ابن حجر: (إنه إنما كره اللفظ أدباً لا أصل الزيارة فإنها من أفضل الأعمال وأجل القربات الموصلة إلى ذي الجلال، وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع)([53])
وقال ابن عبد البر: (إنما كره مالك أن يقال: طواف الزيارة وزرنا قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاستعمال الناس ذلك بعضهم لبعض، أي فيما بينهم فكره تسوية النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الناس أي عمومهم بهذا اللفظ، وأحب أن يخص بأن يقال: سلمنا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم)([54])
وعلق الشيخ محمد علوي المالكي على هذا بقوله: (فإن الزيارة مباحة بين الناس وواجب شد المطي إلى قبره صلى الله عليه وآله وسلم يريد بالوجوب هنا وجوب ندب وترغيب وتأكيد لا وجوب فرض، والأولى عندي أن منعه وكراهة مالك له لإضافته إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه لو قال: زرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكرهه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد بعدي، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، فحمى إضافة هذا اللفظ إلى القبر والتشبيه بفعل أولئك قطعاً للذريعة وحسماً للباب، ولو كان المقصود كراهية الزيارة لقال مالك: أكره للرجل أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكن ظاهر قوله: (أكره للرجل أن يقول الخ..) على أن المقصود هو كراهة التعبير بهذا اللفظ فقط) ([55])
هذا موقف إمام المذهب، أما مواقف غيره من أتباع مذهبه، فكثيرة جدا، ومنها ما ورد في أشهر وأكبر مصدر للفقه المالكي، وهو كتاب [مواهب الجليل في شرح مختصر خليل] لصاحبه شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد الطرابلسي المغربي، المعروف بالحطاب الرُّعيني المالكي (المتوفى: 954هـ)، وهو شرح لأشهر متون المذهب المالكي وأوسعها [مختصر العلامة خليل] لمؤلفه خليل بن إسحاق بن موسى، ضياء الدين الجندي المالكي المصري (المتوفى: 776هـ)، فقد ورد فيه: (في المتيطية: وقولنا إن عليه الحج بعد العمرة والقصد إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الأفضل فإن ترك مع ذلك العمرة أو القصد حط له من الأجرة بقدر ما يرى انتهى)([56])
وفيه: (قال العبدي من المالكية في شرح الرسالة: وأما النذر للمشي إلى المسجد الحرام والمشي إلى مكة؛ فله أصل في الشرع وهو الحج والعمرة وإلى المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقبره أفضل من الكعبة ومن بيت المقدس، وليس عنده حج ولا عمرة؛ فإذا نذر المشي إلى هذه الثلاثة لزمه؛ فالكعبة متفق عليها، ويختلف أصحابنا في المسجدين الآخرين)([57])
وهكذا ورد في [منسك الإمام خليل بن إسحاق المالكي] صاحب المختصر، وهو من أهم المناسك عند المالكية، فقد قال فيه: (فإذا خرج الإنسان من مكة فلتكن نيته وعزيمته وكليته في زيارته صلى الله عليه وآله وسلم وزيارة مسجده وما يتعلق بذلك، لا يشرك معه غيره، لأنه عليه الصلاة والسلام متبوع لا تابع، فهو رأس الأمر المطلوب والمقصود الأعظم)([58])
وهكذا ورد في كتاب [المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات والتنبيه على كثير من البدع المحدثة والعوائد المنتحلة] لصاحبه أبي عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج (المتوفى: 737هـ)، وهو أحد كبار فقهاء الصوفية من المدرسة المالكية، ومن المعتبرين فيها، فقد قال فيه: (وقد نقل ابن هبيرة في كتاب اتفاق الأئمة قال: اتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى على أن زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستحبة ونقل عبد الحق في تهذيب الطالب عن أبي عمران الفاسي أن زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واجبة قال عبد الحق يريد وجوب السنن المؤكدة.. والحاصل من أقوالهم أنها قربة مطلوبة لنفسها لا تعلق لها بغيرها فتنفرد بالقصد وشد الرحال إليها، ومن خرج قاصدا إليها دون غيرها فهو في أجل الطاعات وأعلاها فهنيئا له، ثم هنيئا له اللهم لا تحرمنا من ذلك بمنك يا كريم)([59])
وهكذا ورد في كتاب [المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب]، وهو لأحمد بن يحي الونشريسي المعروف بأبي العباس الونشريسي (834 ـ 914هـ)، وهو من أهم الكتب المؤلفة في النوازل الفقهية، ولا يزال إلى الآن مصدرها الأكبر، فقد جاء فيه: (قال أبو القاسم العبدوسي: وأما الخروج إلى زيارة قبور الصالحين والعلماء فجائز طال السفر أو قصر وممن نص على ذلك الإمام أبو بكر ابن العربي في القبس في شرح الموطأ..)([60])
أما المتأخرون من المالكية، وخصوصا الصوفية منهم، فقد كتبوا الرسائل في ذلك، ومن أشهرها [إحياء المقبور من أدلة جواز بناء المساجد والقباب على القبور] للسيد العلامة أحمد بن الصديق الغماري (1320 ـ 1380 هـ)، وهو بالإضافة إلى كونه من فقهاء المالكية من المحدثين الكبار في هذا العصر، وقد شهد له بذلك الكثير من العلماء، فقد قال ابن الحاج السلمي في ترجمته: (فقيه، علامة، صاحب مشاركة في كثير من العلوم الإسلامية، وضروب الثقافة العربية الرصينة الأصيلة، إلا أن لَه تخصصا وتبريزا وتفوقا في حلبة علوم الحديث على طريقة الحفاظ الأقدمين، متنا وسندا، ومعرفة تراجم الرواة، وطرق الجرح والتعديل، وقد كون فيها نفسه بنفسه، دون أن يتتلمذ لأحد)([61])
وقال عنه المحدث المحقق محمود سعيد ممدوح: (وهو مستحق للوصف بالحفظ، وقد وصفه بذلك جمع من أعيان شهوده من ذوي الخبرة بالحديث وعلومه، فقد اشتهر بالطلب والأخذ من أفواه الرجال، وكان على معرفة بالجرح والتعديل، وبطبقات الرواة، مع تمييز لصحيح الحديث من ضعيفه، وكان حفظه للحديث قويا، وزاد على ما سبق أمرين: أولهما: أماليه الحديثية.. وثانيهما: كتابته المستخرجات)([62])
ولهذا نرى التيار السلفي يتحاشاه، بل يستعمل كل الوسائل للتحذير منه على الرغم من كونه عارفا بعلوم الحديث، متقنا لها، ويستعمل نفس أساليبهم في التعامل معها.
ولهذا تعتبر رسالته [إحياء المقبور من أدلة جواز بناء المساجد والقباب على القبور] من أحسن ما كتب في الرد على التيار السلفي، ولهذا نرى شدة غيظهم منها، وقد قال فيها وفي صاحبها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (توفي 1420هـ) في كتابه [تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد]: (هو الشيخ أبو الفيض أحمد الصديق الغماري في كتابه المسمى [إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور]، وهذا الكتاب من أغرب ما ابتلى به المسلمون في هذا العصر، وأبعد ما يكون عن البحث العلمي النزيه؛ فإن المؤلف يدعي ترك التقليد والعمل بالحديث الشريف؛ فقد التقيت به منذ بضعة أشهر في المكتبة الظاهرية وظهر لي من الحديث الذي جرى بيني وبينه أنه على معرفة بعلوم الحديث، وأنه يدعو للاجتهاد، ويحارب التقليد محاربة لا هوادة فيها، وله في ذلك بعض المؤلفات.. ولكن الجلسة كانت قصيرة لم تمكني من أن أعرف اتجاهه في العقيدة، وإن كنت شعرت من بعض فقرات حديثه أنه خلفي صوفي، ثم تأكدت من ذلك بعد أن قرأت له هذا الكتاب وغيره، حيث تبين لي أن يحارب أهل التوحيد، ويخالفهم في عقيدتهم مخالفة شديدة.. ولم يستفد من دعواه الاحتهاد إلا الانتصار للاهواء وأهلها، مثلما يفعل مجتهدو الشيعة تماما، وإن شئت دليلا على ما أقول فحسبك برهانا على ذلك هذا الكتاب)([63])
وقد قال في مقدمتها: (أما بعد فإنك سألت عن حكم البناء على القبور هل هو جائز كما جرى عليه عمل السلف والخلف شرقاً وغرباً أو هو ممنوع كما يذهب إليه القرنيون (1) ومن يستصوب رأيهم ويستحسن مذهبهم من أهل هذه البلاد ممن خفي عليه أمرهم وراج عليه تمويههم فقام يدعو إلى هدم ما بني من القباب على قبور الأولياء والصالحين متمسكاً في ذلك بأحاديث أرسلها)([64])
ومن الرسائل المهمة التي ألفها متأخرو المالكية رسالة بعنوان [إعلام الراكع الساجد بمعنى اتخاذ القبور مساجد]، وهي للعلامة المحدث الحافظ أبي الفضل عبد الله بن محمد الصديق الغماري (1328 ـ 1413 هـ)، وقد رد فيه ردا مفصلا على أكبر ما يستند إليه السلفية في قولهم بعدم مشروعية المزارات الدينية، وهو حديث (لعن الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)
2 ـ موقف المدرسة المالكية من التوسل والاستغاثة:
من أعلام المالكية الذين نصوا على مشروعية التوسل والاستغاثة، والذي يُرجع إليهم في التدريس والفتاوى ونحوها:
1. أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ)، وهو من المراجع المعتمدين لدى التكفيريين على الرغم من أقواله الكثيرة في التوسل والزيارة، والتي يكفرون غيره على أساسها، مع أنه يمكن أن تنطبق عليه، ومن أقواله في ذلك: (وفي هذا الحديث دليل على التبرك بمواضع الأنبياء والصالحين ومقاماتهم ومساكنهم، وإلى هذا قصد عبد الله بن عمر بحديثه هذا، والله أعلم) ([65])
2. أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن عبد الله بن خويز منداد البصري المالكي (توفي في أواخر المائة الرابعة)، والذي علق على قوله تعالى: Pلَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ O [الحجر: 72] بقوله: (واستدل أيضا من جوز ذلك بأن أيمان المسلمين جرت منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا أن يحلفوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أن أهل المدينة إلى يومنا هذا إذا حاكم أحدهم صاحبه قال: احلف لي بحق ما حواه هذا القبر، وبحق ساكن هذا القبر، يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك بالحرم والمشاعر العظام والركن والمقام والمحراب وما يتلى فيه)([66])
3. القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل (المتوفى: 544هـ) الذي روى الكثير من الروايات في إثبات التوسل والاستغاثة، ومنها قصة الإمام مالك واستقبال القبر وغيرها كثير، ومما نقله من ذلك قوله: (مما لم يزل من شأن من حج المرور بالمدينة، والقصد إلى الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتبرك برؤية روضته ومنبره وقبره، ومجلسه، وملامس يديه، ومواطئ قدميه، والعمود الذي كان يستند إليه، وينزل جبريل بالوحي فيه عليه، وبمن عمره وقصده من الصحابة وأئمة المسلمين، والاعتبار بذلك كله)([67])
ومن أشعاره في هذا المجال قوله في الحجرة الشريفة([68]):
يا
دار خير المرسلين ومن به |
هدي الأنام وخصّ بالآيات | |
عندي
لأجلك لوعة وصبابة |
وتشوّق متوقّد الجمرات | |
وعليّ
عهد إن ملأت محاجري |
من تلكم الجدران والعرصات | |
لأعفّرنّ
مصون شيبي بينها |
من كثرة التّقبيل والرّشفات | |
لولا
العوادي والأعادي زرتها |
أبدا ولو سحبا على الوجنات | |
لكن
سأهدي من حفيل تحيّتي |
لقطين تلك الدّار والحجرات | |
أزكى
من المسك المفتّق نفحة |
تغشاه بالآصال والبكرات | |
وتخصّه
بزواكي الصّلوات |
ونوامي التّسليم والبركات |
بالإضافة إلى هذا له أشعار كثيرة في التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، منها قوله([69]):
أنا
فقير إلى عفو ومغفرة |
وأنت
أهل الرضى يا سيد الأمم | |
فقد
أتيتك أرجو منك مكرمة |
وأنت
أدرى بما في القلب من ألم |
وقال:
يا
سيدي يا رسول الله خذ بيدي |
فالعبد
ضيف وضيف الله لم يضم | |
كئيبا
غريبا بافتقار وضيعة |
ذليلا
حقيرا أهمل الفرض والنفل | |
يا
رب يا الله يا سيدي |
ويا
عليم الغيب لم يستتر |
وقال:
هذا
الذي هتفت من قبل مولده |
به
الهواتف واشتاقت له المقل |
وقال:
وقد
سعيت إلى أبواب حجرتكم |
سعيا
على الرأس لا سعيا على القدم |
4. عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسين بن سعيد إبراهيم الأزدي، الأندلسي الأشبيلي، المعروف بابن الخراط (المتوفى: 581هـ) الذي قال في كتاب [العاقبة في ذكر الموت]: (ويستحب لك رحمك الله أن تقصد بميتك قبور الصالحين ومدافن أهل الخير، فتدفنه معهم وتنزله بإزائهم، وتسكنه في جوارهم تبركا بهم وتوسلا إلى الله تعالى بقربهم، وأن تجتنب به قبور من سواهم ممن يخاف التأذي بمجاورته والتألم بمشاهدته، فقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الميت يتأذى بالجار السوء كما يتأذى به الحي) ([70])
5. أبو عبد الله محمد بن موسى المراكشي المالكي (توفي 683 هـ) نص على جواز الإستغاثة والتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن مؤلفاته في هذا [مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام عليه السلام في اليقظة والمنام] ([71])
6. أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ) الذي قال في كتابه [التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة]: (نجانا الله من أهوال هذا اليوم بحق محمد نبي الرحمة وصحبه الكرام البرزة، وجعلنا ممن حشر في زمرتهم، ولا خالف بنا على طريقهم ومذهبهم بمنه وكرمه آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم)([72])
وقال في تفسيره: (وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وددت أنا لو رأينا إخواننا) الحديث فجعلنا إخوانه إن اتقينا الله واقتضينا آثاره حشرنا الله في زمرته ولا حاد بنا عن طريقته وملته بحق (وفي نسخة: بجاه) محمد وآله)([73])
7. أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن، أبو العباس، شهاب الدين الصنهاجي القرافي (المتوفى: 682 هـ): ذكر قصة العتيبي المشهورة وأقرها([74]).
8. ابن أبى جمرة المالكي (توفي 699 هـ)، وشرحه لصحيح البخاري مليء بالأقوال في التوسل، ومنها قوله: (قال لي من لقيت من العارفين، عمن لقيه من السادة المقر لهم بالفضل: أن صحيح البخاري ما قرئ في شدة إلا فرجت، ولا ركب به في مركب إلا نجت)([75])
9. عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الإسكندري، تاج الدين الفاكهاني (المتوفى: 734هـ)، الذي قال فرحون المالكي في ترجمته: (وأخبرني جمال الدين: عبد الله بن محمد بن علي بن أحمد بن حديدة الأنصاري المحدث: أحد الصوفية بخانقاه سعيد السعيداء في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة قال: رحلنا مع شيخنا تاج الدين الفاكهاني إلى دمشق فقصد زيارة نعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي بدار الحديث الأشرفية بدمشق، وكنت معه، فلما رأى النعل المكرمة حسر عن رأسه وجعل يقبله ويمرغ وجهه عليه ودموعه تسيل، وأنشد:
فلو
قيل للمجنون: ليلى ووصلها |
تريد أم الدنيا وما في طواياها؟ | |
لقال:
غبار من تراب نعالها |
أحب إلى نفسي وأشفى لبلواها؟)([76]) |
10. أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج (المتوفى: 737هـ)، والذي يستدل به التكفيريون في إنكار البدع، قال: (فالتوسل به صلى الله عليه وآله وسلم هو محل حط أحمال الأوزار، وأثقال الذنوب والخطايا، لأن بركة شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم عند ربه لا يتعاظمها ذنب، إذ إنها أعظم من الجميع، فليستبشر من زاره ويلجأ إلى الله تعالى بشفاعة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من لم يزره، اللهم لا تحرمنا شفاعته بحرمته عندك، آمين يا رب العالمين، ومن اعتقد خلاف هذا فهو المحروم) ([77])
وقال: (وأما عظيم جناب الأنبياء، والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فيأتي إليهم الزائر ويتعين عليه قصدهم من الأماكن البعيدة، فإذا جاء إليهم فليتصف بالذل، والانكسار والمسكنة والفقر والفاقة والحاجة والاضطرار والخضوع، ويحضر قلبه وخاطره إليهم، وإلى مشاهدتهم بعين قلبه لا بعين بصره ؛ لأنهم لا يبلون ولا يتغيرون، ثم يثني على الله تعالى بما هو أهله، ثم يصلي عليهم ويترضى عن أصحابهم، ثم يترحم على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم يتوسل إلى الله تعالى بهم في قضاء مآربه ومغفرة ذنوبه، ويستغيث بهم، ويطلب حوائجه منهم، ويجزم بالإجابة ببركتهم، ويقوي حسن ظنه في ذلك، فإنهم باب الله المفتوح، وجرت سنته سبحانه وتعالى في قضاء الحوائج على أيديهم وبسببهم، ومن عجز عن الوصول إليهم فليرسل بالسلام عليهم، وذكر ما يحتاج إليه من حوائجه ومغفرة ذنوبه وستر عيوبه إلى غير ذلك، فإنهم السادة الكرام، والكرام لا يردون من سألهم ولا من توسل بهم، ولا من قصدهم ولا من لجأ إليهم هذا الكلام في زيارة الأنبياء، والمرسلين عليهم الصلاة والسلام عموما) ([78])
11. أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي (المتوفى: 741هـ)، قال في كتابه المشهور [القوانين الفقهية]: (ينبغي لمن حج أن يقصد المدينة فيدخل مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيصلي فيه ويسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى ضجيعيه أبي بكر وعمر، ويتشفع به إلى الله، ويصلي بين القبر والمنبر، ويودع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج من المدينة)([79])
12. خالد بن عيسى بن أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد البلوي، أبو البقاء (المتوفى: بعد 767هـ)، قال في كتابه [تاج المفرق في تحلية علماء المشرق]: (وأسأل الله العلي الكبير، بجاه سيدنا ومولانا محمد رسوله البشير النذير، أن يجعله حجا مبرورا سعيا مباركا مشكورا وعملا صالحا متقبلا مذخورا)([80])
13. عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (المتوفى: 808هـ)، قال في تاريخه: (نسأله سبحانه وتعالى من فيض فضله العميم، ونتوسل إليه بجاه نبيه الكريم، أن يرزقنا إيمانا دائما، وقلبا خاشعا، وعلما نافعا)([81])
14. محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل أبو عبد لاله المغربي الأندلسي ثم القاهري المالكي ويعرف بالراعي (توفي 853هـ) جاء في ترجمته أنه قال قبل موته([82]):
فمالي
إلا الله أرجوه دائما |
ولا سيما عند اقتراب منيتي | |
فأسأل
ربي في وفاتي مؤمنا |
بجاه رسول الله خير البرية |
15. محمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشمس بن الشمس المسوفي الأصل المدني المالكي (توفي 885هـ)، جاء في ترجمته أنه أنشد بحضرة السخاوي قصيدة مطلعها([83]):
16. أحمد زروق المالكي(توفي 899 هـ)، والذي ألف ردا على ابن تيمية حول التوسل والاستغاثة، وضعه في مقدمة شرحه على حزب البحر([84]).
17. أبو محمد عبد الواحد بن أحمد بن علي ابن عاشر الأنصاري (توفي 1040 هـ)، والذي قال: (بجاه سيد الأنام) في كتابه المعروف والمتداول في البيئة المالكية [المرشد المعين على الضروري من علوم الدين]([85])
18. إبراهيم اللقاني بن إبراهيم بن حسن بن علي اللقّاني المالكي، المصري. (توفي 1041 هـ)، صاحب [جوهرة التوحيد]، وهي من المتون العقدية المنتشرة بكثرة في البيئة المالكية، قال: (ليس للشدائد مثل التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم)([86])
19. شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني (المتوفى: 1041هـ)، الذي قال في كتابه المشهور [نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب]: (اللهم يسر لي ما فيه الخيرة لي بالمشارق أو بالمغارب وجد لي من فضلك حيث حللت بجميع ما فيه رضاك من المآرب، بجاه نبينا وشفيعنا المبعوث رحمة للأحمر والأسود والأعاجم والأعارب، عليه أفضل صلاة وأزكى سلام وعلى آله وأصحابه الأعلام)([87])
20. الشيخ محمد ميارة الفاسي (توفي 1072 هـ) صاحب [الدر الثمين والمورد المعين]، والذي يقول فيه: (نتوسل إليك بجاه أحب الخلق) ([88])
21. محمد بن عبد الله الخرشي المالكي أبو عبد الله (المتوفى: 1101هـ)، والذي قال في شرح مختصر خليل: (نتوسل إليك بجاه الحبيب أن تبلغ المقاصد عن قريب فإنك قريب مجيب)([89])
22. أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن شهاب الدين بن محمد الزرقاني المالكي (المتوفى: 1122هـ)، والذي قال في شرحه على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية: (وليتوسل به صلى الله عليه وآله وسلم،ويسأل الله تعالى بجاهه في التوسل به إذ هو محط جبال الأوزار وأثقال الذنوب، لان بركة شفاعته وعظمها عند ربه لا يتعاظمها ذنب،ومن اعتقد خلاف ذلك فهو المحروم الذي طمس الله بصيرته، وأضل سريرته، ألم يسمع قوله تعالى: Pوَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا O [النساء: 64])([90])
23. الشيخ حسن العدوى الحمزاوى، أحد علماء المالكية بالجامع الأزهر (1221هـ)، والذي قال في التوسل بشهداء أحد: (ويتوسل بهم الى الله في بلوغ آماله، لأن هذا المكان محل مهبط الرحمات الربانية، وقد قال خير البرية عليه الصلاة وازكى التحية: (إن لربكم في دهركم نفحات، ألافتعرضوا لنفحات ربكم)، ولا شك ولا ريب أن هذا المكان محل هبوط الرحمات الإلهية، فينبغي للزائر أن يتعرض لهاتيك النفحات الإحسانية، كيف لا؟ وهم الأحبة والوسيلة العظمى إلى الله ورسوله، فجدير لمن توسل بهم أن يبلغ المنى، وينال بهم الدرجات العلى، فإنهم الكرام لا يخيب قاصدهم وهم الأحياء، ولا يرد من غير اكرام زائرهم)([91])
24. أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي، الشهير بالصاوي المالكي (المتوفى: 1241هـ) صاحب [حاشية الصاوي على الشرح الصغير]، والذي قال فيه: (قال العلامة السمهودي في كتابه المؤلف في زيارة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ومن خصائصها – أي المدينة المنورة – وجوب زيارتها كما في حديث الطبراني، وحق على كل مسلم زيارتها، فالرحلة إليها مأمور بها واجبة أي متأكدة على المسلم المستطيع له سبيلا.. والأفضل في الزيارة القرب من القبر الشريف، بحيث يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع قوله على حسب العادة، ويلزم في تلك الحضرة الأدب الظاهري والباطني ليظفر بالمنى.. وحين يدخل المسجد الشريف يأتي الروضة، فيصلي بها ركعتين تحية المسجد، ثم يأتي قبالة القبر الشريف ويقول: (السلام عليك يا سيدي يا رسول الله..ثم يتوسل به في جميع مطلوباته)([92])
25. محمد بن أحمد بن محمد عليش، أبو عبد الله المالكي (المتوفى: 1299هـ)، الذي قال في كتابه [منح الجليل شرح مختصر خليل]: (ونسأل الله تعالى التوفيق للصواب، وأن يسلك بنا الزلفى وحسن مآب، بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله والأصحاب)([93])
26. محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي الأصل، الغرناطي الأندلسي، أبو عبد الله، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب (المتوفى: 776هـ)، والذي كتب القصائد والرسائل في التوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها ما ذكره صاحب [صبح الأعشى] عند ذكره للرسائل المرسلة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: (ومن أحسن ما رأيت في هذا المعنى ما كتب به ابن الخطيب وزير ابن الأحمر بالأندلس وصاحب ديوان إنشائه عن سلطانه يوسف بن فرج بن نصر)
ثم ذكر قصيدة طويلة منها قوله ([94]):
ألا
يا رسول الله ناداك ضارع |
على البعد محفوظ الوداد سليمه | |
مشوق
إذا ما اللّيل مدّ رواقه |
تهمّ به تحت الظّلام همومه | |
إذا
ما حديث عنك جاءت به الصّبا |
شجاه من الشّوق الحديث قديمه | |
أيجهر
بالنّجوى، وأنت سميعها |
ويشرح ما يخفى، وأنت عليمه؟ | |
وتعوزه
السّقيا، وأنت غياثه؟ |
وتتلفه البلوى، وأنت رحيمه؟ | |
بنورك
نور الله قد أشرق الهدى |
فأقماره وضّاحة ونجومه | |
بك
انهلّ فضل الله في الأرض ساكبا |
فأنواؤه ملتفّة وغيومه | |
ومن
فوق أطباق السماء بك اقتدى |
خليل الّذي أوطاكها وكليمه |
وبعد أن شكا له ما حصل في الأندلس في ذلك الحين، قال:
وأنت
لنا الغيث الذي نستدرّه |
وأنت لنا الظّلّ الذي نستديمه | |
ولمّا
نأت داري وأعوز مطمعي |
وأقلقني شوق تشبّ جحيمه | |
بعثت
بها جهد المقلّ معوّلا |
على مجدك الأعلى الذي جلّ خيمه | |
وكلت
بها همّي وصدق قريحتي |
فساعدني هاء الرويّ وميمه | |
فلا
تنسني يا خير من وطيء الثّرى |
فمثلك لا ينسى لديه خديمه | |
عليك
صلاة الله ما ذرّ شارق |
وما راق من وجه الصّباح وسيمه |
ومما ورد في الرسالة قوله: (إلى رسول الحقّ، إلى كافّة الخلق، وغمام الرحمة الصادق البرق، والحائز في ميدان اصطفاء الرحمن قصب السّبق، خاتم الأنبياء، وإمام ملائكة السماء، ومن وجبت له النبوّة وآدم بين الطّين والماء، شفيع أرباب الذّنوب، وطبيب أدواء القلوب، ووسيلة الخلق إلى علّام الغيوب، نبيّ الهدى الذي طهّر قلبه، وغفر ذنبه، وختم به الرسالة ربّه، وجرى في النّفوس مجرى الأنفاس حبّه، الشّفيع المشفّع يوم العرض، المحمود في ملإ السماء والأرض، صاحب اللّواء المنشور يوم النّشور، والمؤتمن على سرّ الكتاب المسطور، ومخرج الناس من الظّلمات إلى النّور، المؤيّد بكفاية الله وعصمته، الموفور حظّه من عنايته وحرمته، الظّلّ الخفّاق على أمّته، من لو حازت الشمس بعض كماله ما عدمت إشراقا، أو كان للآباء رحمة قلبه ذابت نفوسهم إشفاقا، فائدة الكون ومعناه وسرّ الوجود الذي بهر الوجود سناه، وصفيّ حضرة القدس الذي لا ينام قلبه إذا نامت عيناه، البشير الذي سبقت له البشرى، ورأى من آيات ربّه الكبرى)([95])
27. ابن عطاء الله السكندري (توفي 709 هـ). الملقب بقطب العارفين وترجمان الواصلين ومرشد السالكين، والذي نجد التوسل والاستغاثة كثيرا في كتبه، وله مناظرة مع ابن تيمية.
ثالثا ـ موقف المدرسة الشافعية من المزارات الدينية:
تعتبر المدرسة الشافعية من أكبر المدارس الإسلامية السنية؛ ذلك أنها كانت في مراحل تاريخية كثيرة، تنتشر في الكثير من الدول العربية كمصر واليمن وسورية وغيرها، بالإضافة إلى خراسان وسجستان وما وراء النهر، وفي أقصى بلاد الشرق كإندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وسريلانكا، وأستراليا وبعض أجزاء من الهند ([96]).
وقد كانت في جميع تلك المراحل تتبنى التصوف، وخاصة على الطريقة التي قررها أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ)، والذي كان شافعي المذهب، واستطاع أن يطعّم المذهب الشافعي بالكثير من الرؤى والأذواق الصوفية، ومن بينها ذلك التعلق بالأولياء والصالحين أحياء وأمواتا.
بناء على هذا سنذكر هنا نماذج عن مواقفهم من زيارة الأضرحة، ومن التوسل والاستغاثة:
1 ـ موقف المدرسة الشافعية من زيارة الأضرحة:
أول المواقف المؤيدة للرؤية الإيمانية للمزارات الدينية موقف الإمام الشافعي صاحب المذهب نفسه، والذي يتهمه بعض التكفيريين ـ بناء على تلك الروايات ـ بكونه قبوريا بسبب ما يروى عنه في الزيارة والتوسل والاستغاثة.
ومنها ما روي من زيارته قبر أبي حنيفة، فقد أخرج الخطيب البغدادي وغيره، عن علي بن ميمون صاحب الشافعي، قال: سمعت الشافعي يقول: (إني لأتبرك بأبي حنيفة، وأجيء إلى قبره في كل يوم، فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد حتى تقضى([97]).
وقال ابن حجر: (كان الشافعي – أيام كان ببغداد – يجيء إلى ضريح أبي حنيفة يزوره فيسلم عليه، ثم يتوسل إلى الله تعالى به في قضاء حاجته، ولما بلغ الشافعي أن أهل المغرب يتوسلون بمالك لم ينكر عليهم)([98])
وروى عنه ابن حجر المكي في كتابه [الصواعق المحرقة] هذه الأبيات التي يتوسل فيها بآل البيت([99]):
آل
النبي ذريعتي |
وهم
إليه وسيلتي | |
أرجو
بهم أعطى غدا |
بيدي
اليمين صحيفتي |
وهكذا يروى عنه تبركه بقميص الإمام أحمد ابن حنبل، فقد روى ابن عساكر عن علي بن عبد العزيز الطلحي قوله: (قال لي الربيع: إن الشافعي خرج إلى مصر وأنا معه فقال لي يا ربيع خذ كتابي هذا فامض به وسلمه إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل وائتني بالجواب قال الربيع: فدخلت بغداد ومعي الكتاب، فلقيت أحمد بن حنبل صلاة الصبح فصليت معه الفجر فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب، وقلت له: هذا كتاب أخيك الشافعي من مصر، فقال أحمد: نظرت فيه قلت: لا، فكسر أبو عبد الله الختم وقرأ الكتاب وتغرغرت عيناه بالدموع فقلت: إيش فيه يا أبا عبد الله، قال: يذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال له: اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل واقرأ عليه مني السلام وقل: إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن فلا تجبهم فسيرفع الله لك علما إلى يوم القيامة، قال الربيع: فقلت: البشارة فخلع أحد قميصيه الذي يلي جلده ودفعه إلي، فأخذته وخرجت إلى مصر وأخذت جواب الكتاب فسلمته إلى الشافعي، فقال لي الشافعي: يا ربيع إيش الذي دفع إليك، قلت: القميص الذي يلي جلده، قال الشافعي: ليس نفجعك به، ولكن بله وادفع إلي الماء حتى أشركك فيه) ([100])
أما غيره من أتباع مذهبه، فمواقفهم الموافقة للزيارة كثيرة جدا، ومنهم أبو حامد الغزالي الذي قال في كتابه المشهور [إحياء علوم الدين] في كتاب الحج، بعد ذكره لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ويستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع بعد السلام على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ويزور قبر عثمان وقبر الحسن بن على رضى اللَّه عنهما، وفيه أيضا قبر على بن الحسين ومحمد بن على وجعفر بن محمد رضى اللَّه عنهم، ويصلى في مسجد فاطمة رضى اللَّه عنها ويزور قبر إبراهيم بن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وقبر صفية عمة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، فذلك كله بالبقيع، ويستحب له أن يأتي مسجد قباء في كل سبت ويصلى فيه.. ويأتي بئر أريس، يقال إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفل فيها، وهي عند المسجد، فيتوضأ منها ويشرب من مائها، ويأتي مسجد الفتح وهو على الخندق، وكذا يأتي سائر المساجد والمشاهد، ويقال إن جميع المشاهد والمساجد بالمدينة ثلاثون موضعا يعرفها أهل البلد، فيقصد ما قدر عليه، وكذلك يقصد الآبار التي كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ منها ويغتسل ويشرب منها، وهي سبع آبار طلبا للشفاء وتبركا به صلى الله عليه وآله وسلم وإن أمكنه الإقامة بالمدينة مع مراعاة الحرمة فلها فضل عظيم.. ثم إذا فرغ من أشغاله وعزم على الخروج من المدينة؛ فالمستحب أن يأتي القبر الشريف، ويعيد دعاء الزيارة كما سبق، ويودع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، ويسأل اللَّه عز وجل أن يرزقه العودة إليه، ويسأل السلامة في سفره، ثم يصلى ركعتين في الروضة الصغيرة، وهي موضع مقام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن زيدت المقصورة في المسجد، فإذا خرج فليخرج رجله اليسرى أولا، ثم اليمنى، وليقل: اللهم صلّى على محمد وعلى آل محمد ولا تجعله آخر العهد بنبيك وحط أوزارى بزيارته وأصحبنى في سفرى السلامة ويسر رجوعى إلى أهلي ووطنى سالما يا أرحم الراحمين. وليتصدق على جيران رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بما قدر عليه، وليتتبع المساجد التي بين المدينة ومكة فيصلى فيها، وهي عشرون موضعا)([101])
وللأسف، فإن أكثر هذه المزارات التي ذكرها الغزالي لم يعد لها وجود بسبب الجرائم التي ارتكبها الوهابيون في حقها، بل إن هذا النص وحده كفيل بتكفير الغزالي عند الوهابية، لأنهم يحكمون على كل من يعتقد بركة موضع معين، بكونه قبوريا ومشركا.
ومنهم الشيخ تقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني الحصني الشافعي (752 ـ 829 هـ)، والذي كان شديداً في نقد ابن تيمية، بل ألف في ذلك كتبا، استعرض فيها مواقفه المختلفة، وخصوصا من تحريمه وتبديعه لزيارة المزارات الدينية، ومن ذلك قوله في بعض كتبه عنه: (الحمد لله مستحق الحمد زيارة قبر سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكرّم ومجّد من أفضل المساعي، وأنجح القرب إلى رب العالمين، وهي سُنة من سنن المسلمين، ومجمع عليها عند الموحدين ولا يطعن فيها إلا من في قلبه خبث ومرض المنافقين، وهو من أفراخ السامرة واليهود وأعداء الدين من المشركين، ولم تزل هذه الأمة المحمدية على شدّ الرحال إليهعلى ممر الأزمان من جميع الأقطار والبلدان سواء في ذلك الزرافات والوحدان، والعلماء والمشايخ والكهول والشبان، حتى ظهر في آخر الزمان، في السنين الخداعة مبتدع من حـران لبّـس على أتباع الدجال ومن شابههم من شين الأفهام والأذهان، وزخرف لهم من القول غروراً كما صنع إمامه الشيطان فصدهم بتمويهه عن سبل أهل الإيمان، وأغواهم عن الصراط السوي إلى بُنيات الطريق ومدرجة الشيطان فهم بتزويقه في ظلمة الخطأ والإفك يعمهون، وعلى منوال بدعته يهرعون، صُمّ بُكم عُميّفهم لا يعقلون)([102])
ومنهم الحافظ الفقيه الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني (851 – 923 هـ]، صاحب كتاب (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية)، والذي قال فيه: (وللشيخ تقي الدين بن تيمية هنا كلام شنيع عجيب يتضمن منع شد الرحال للزيارة النبوية المحمدية، وأنه ليس من القرب بل بضد ذلك، وردّ عليه الشيخ تقي الدين السبكي في (شفاء السقام) فشفى صدور المؤمنين)([103])
ومنهم الفقيه المفتي الشيخ أحمد بن حجر الهيتمي المكي الشافعي (909 هـ – 973 هـ)، ومن أقواله في ابن تيمية بسبب موقفه من الزيارة: (ابن تيمية عبد خذله الله وأضله وأعماه وأصمه وأذله، وبذلك صرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله وكذب أقواله، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الإمام العز بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية.. والحاصل أن لا يقام لكلامه وزن، بل يرمى في كل وعر وحزن، ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال ومضل جاهل غال، عامله الله بعدله وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله)([104])
وقد خص المزارات الدينية والردود على المخالفين فيها، وخصوصا ابن تيمية، بكتابه (الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم)، والذي قال فيه: (فإن قلت كيف تحكي الإجماع السابق على مشروعية الزيارة والسفر إليها وطلبها، وابن تيمية من متأخري الحنابلة منكر لمشروعية ذلك كله؟ كما رآه السبكي في خطه، وأطال – أعني ابن تيمية – في الاستدلال لذلك بما تمجه الأسماع وتنفر عنه الطباع، بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً وأنه لا تقصر فيه الصلاة، وأن جميع الأحاديث الواردة فيها موضوعة، وتبعه بعض من تأخر عنه من أهل مذهبه.. قلت: من ابن تيمية حتى ينظر إليه أو يعول في شيء من أمور الدين عليه، وهل هو إلا كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة حتى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعز بن جماعة: عبد أضله الله تعالى وأغواه وألبسه رداء الخزي وأرداه، وباه من قوة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان، وقد تصدى شيخ الإسلام وعالم الأنام، المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وإمامته التقي السبكي قدس الله روحه ونور ضريحه، للرد عليه في تصنيف مستقل، أفاد فيه وأجاد وأصاب، وأوضح بباهر حججه طريق الصواب فشكر الله تعالى مسعاه.. وما وقع من ابن تيمية مما ذكر، وإن كل عثرة لا تقل أبداً ومصيبة يستمر عليه شؤمهاً دوماً سرمداً ليس بعجيب، فإنه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب، وما درى المحروم أنه أتى بأقبح المعايب، إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة)([105])
ومنهم الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي المصري (977 – 1069 هـ)، وهو أيضا من الذين تشددوا في الإنكار على ابن تيمية بسبب موقفه من المزارات الدينية، وخصوصا زيارة قبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال في كتابه (نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض): (واعلم أن هذا الحديث هو الذي دعا ابن تيمية ومن تبعه كابن القيم إلى مقالته إلى مقالته الشنيعة التي كفـروه بها، وصنف فيها السبكي مصنفاً مستقلاً وهي منعه من زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشدّ الرحال إليه.. فتوهم أنه حمى جانب التوحيد بخرافات لا ينبغي ذكرها، فإنها لا تصدر عن عاقل فضلاً عن فاضل سامحه الله عزوجل)([106])
ووصف فهمه لحديث (لاتجعلوا قبري عيداً) بأنه (لا حجـة فـيه.. فإنه نزعـة شيطانيـة)([107])
ومنهم الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ)، وهو من مراجع السلفية الكبار، خصوصا في كتابه [فتح الباري شرح صحيح البخاري]، وهم يسلمون لعلمه وحفظه، ومع ذلك يخالفهم في هذه المسألة خلافا شديدا، وهم لذلك يستعملون كل الوسائل لكتمان كل ما يقوله حولها، مع أنه ألف رسالة في الردّ على ابن تيمية في مسألة زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي (الإنارة بطرق حديث الزيارة)
وقد قال عن ابن تيمية في كتابه (الدرر الكامنة): (وافترق الناس فيه شيعاً فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك كقوله أن اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله وأنه مستو على العرش بذاته فقيل له يلزم من ذلك التحيز والانقسام فقال أنا لا أسلم أن التحيز والانقسام من خواص الأجسام فألزم بأنه يقول بتحيز في ذات الله، ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يستغاث به وأن في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي ما تقدم، ولقوله أنه كان مخذولاً حيث ما توجه وأنه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها وإنما قاتل للرياسة لا للديانة ولقوله أنه كان يحب الرياسة.. فألزموه بالنفاق لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ولا يبغضك إلا منافق)([108])
ومنهم الشيخ المحدث المعاصر الكبير محمود سعيد ممدوح، الذي قال: (إن شدّ الرحال أي السفر لزيارة القبر النبوي الشريف – سواء كان سفراً تقصر فيه الصلاة أو لا تقصر – من أهم القربات، وهو قريب من الوجوب عند بعض العلماء، بل واجب عند الظاهرية وكثير من المالكية والحنفية. وعلى كون هذا السفر قربة درج سائر الفقهاء في المذاهب الإسلامية العقدية والفقهية، فكان إجماعاً للأمة الإسلامية، وقد خالف هذا الإجماع الشيخ أحمد بن تيمية، فَصَرّح بأن السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة، وقال: من أراد أن يزور القبر الشريف فليزر المدينة المنورة لأي غرض مشروع ثم تكون زيارة القبر الشريف تبعاً لا استقلالاً. وهي مقالة شنيعة لم يتجرأ عليها أحد من علماء المسلمين وقد سجن الشيخ ابن تيمية بسببها، وأخمدت الفتنة، حتى جاء من يعدون كلامه كالوحي المتلو فدافعوا عن مقالته ونشروها وأوقدوا نار الفتنة، ولله الأمر)([109])
2 ـ موقف المدرسة الشافعية من التوسل والاستغاثة:
من أعلام الشافعية الذين نصوا على مشروعية التوسل والاستغاثة، والذي يُرجع إليهم في التدريس والفتاوى ونحوها:
1. أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458هـ)، الذي روى في شعب الإيمان بسنده قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو محمد بن زياد، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعت أبا إسحاق القرشي، يقول: (كان عندنا رجل بالمدينة إذا رأى منكرا لا يمكنه أن يغيره أتى القبر، فقال: أيا قبر النبي وصاحبيه… ألا يا غوثنا لو تعلمونا)([110])، ولم ينكر عليه، ولو كان شركا لما رواه أصلا.
وروى عنه ابن الجوزي في [المنتظم] عند حديثه عن مناقب أحمد بن حرب عدم إنكاره على استجابة الدعاء إذا توسل الداعي بقبره، فقد قال ابن الجوزي: (أخبرنا زاهر بن طاهر قال: أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحاكم قال: سمعت أبا العباس محمد بن أحمد القاضي يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن جعفر الزاهد يقول: سمعت زكريا بن أبي دلويه يقول: (رأيت أحمد بن حرب بعد وفاته بشهر في المنام فقلت: ما فعل بك ربك قال: غفر لي وفرق المغفرة. قلت: وما فوق المغفرة قال: أكرمني بأن يستجيب دعوات المسلمين إذا توسلوا بقبري)([111])
2. أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ)، وله أقوال كثيرة في هذا، منها قوله عند حديثه عن زيارة المدينة وآدابها: (ثم يرجع فيقف عند رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين القبر والاسطوانة اليوم ويستقبل القبلة وليحمد الله عز وجل وليمجده وليكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم يقول: اللهم إنك قد قلت وقولك الحق Pوَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا O [النساء: 64] اللهم إنا قد سمعنا قولك وأطعنا أمرك وقصدنا نبيك متشفعين به إليك في ذنوبنا وما أثقل ظهورنا من أوزارنا تائبين من زللنا معترفين بخطايانا وتقصيرنا فتب اللهم علينا وشفع نبيك هذا فينا وارفعنا بمنزلته عندك وحقه عليك) ([112])
3. أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر (المتوفى: 571هـ) الذي ألف جزءا سماه (تمثال النعال)، يعني نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ذكر هذا الحافظ السخاوي عند جوابه عن سؤال حول ما يكتب لمن تتعسر عليها الولادة، فنقل من هذا الجزء نقلا، وقال: (وروينا في جزء(تمثال النعال) لابن عساكر؛ أن مثال النعال الشريف إذا امسكته الحامل بيمينها وقد اشتد عليها الطلق تيسر أمرها بحول الله وقوته)([113])
4. عماد الدين الكاتب الأصبهاني، محمد بن محمد صفي الدين بن نفيس الدين حامد بن أله، أبو عبد الله (المتوفى: 597هـ)، الذي قال في كتابه [خريدة القصر وجريدة العصر] في ترجمة بعض أصحابه: (وينصره على جاحدي نعمائه، بمحمد وآله)([114])
5. عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم، أبو القاسم الرافعي القزويني (المتوفى: 623هـ) الذي قال في بعض كتبه: (متوسلا بشفاعة من عنده يوم الجزاء)([115])
6. عثمان بن عبد الرحمن، أبو عمرو، تقي الدين المعروف بابن الصلاح (المتوفى: 643هـ)، قال في [أدب المفتي والمستفتي] عند حديثه عن معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فإنها ليست محصورة على ما وجد منها في عصره صلى الله عليه وآله وسلم بل لم تزل تتجدد بعده صلى الله عليه وآله وسلم على تعاقب العصور، وذلك أن كرامات الأولياء من أمته، وإجابات المتوسلين به في حوائجهم ومغوثاتهم عقيب توسلهم به في شدائدهم براهين له صلى الله عليه وآله وسلم قواطع ومعجزات له سواطع، ولا يعدها عد، ولا يحصرها حد أعاذنا الله من الزيغ عن ملته، وجعلنا من المهتدين الهادين بهديه وسنته)([116])
وقال في [معرفة أنواع علوم الحديث]: (فالله العظيم الذي بيده الضر والنفع، والإعطاء والمنع أسأل، وإليه أضرع وأبتهل، متوسلا إليه بكل وسيلة، متشفعا إليه بكل شفيع، أن يجعله مليا بذلك وأملى وفيا بكل ذلك وأوفى. وأن يعظم الأجر والنفع به في الدارين، إنه قريب مجيب)([117])
7. أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ) الذي قال في [المجموع شرح المهذب]: (ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال: (كنت جالسا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء أعرابي فزاره، ثمَّ قال: (يا خير الرسل، إنّ الله أنزل عليك كتاباً صادقاً قال فيه: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) وإنّي جئتك مستغفراً ربّك من ذنوبي مستشفعاً فيها بك. ثمَّ بكى وأنشأ يقول:
يا
خير من دفنت بالقاع أعظمه |
فطاب من طيبهنّ القاع والأكمُ | |
نفسي
الفداء لقبرٍ أنت ساكنه |
فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ |
ثمَّ استغفر وانصرف، فحملتني عيناي فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال: يا عتبي الحق الأعرابي فبشره بأن الله تعالى قد غفر له)، ثم يتقدم إلى رأس القبر فيقف بين الأسطوانة ويستقبل القبلة)([118])
8. أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان البرمكي الإربلي (المتوفى: 681هـ)، قال في ترجمة أبي محمد يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس: (وقال ابن بشكوال في تاريخه: كان يحيى بن يحيى مجاب الدعوة، وكان قد أخذ في نفسه وهيئته ومقعده هيئة مالك، وحكي عنه أنه قال: أخذت ركاب الليث بن سعد، فأراد غلامه أن يمنعني فقال: دعه، ثم قال لي الليث: خدمك أهل العلم، فلم تزل بي الأيام حتى رأيت ذلك. ثم قال: وتوفي يحيى بن يحيى في رجب سنة أربع وثلاثين ومائتين، وقبره بمقبرة ابن عياش يستسقى به، وهذه المقبرة بظاهر قرطبة)([119])
9. أبو العباس، أحمد بن عبد الله بن محمد، محب الدين الطبري (المتوفى: 694هـ)، قال في [الرياض النضرة في مناقب العشرة] بعد ذكر قصيدة فيها أسماء العشرة: (رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين بمحمد وآله)([120])
10. تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، المعروف بابن دقيق العيد (المتوفى: 702هـ)، ذكر السبكي في ترجمته قصيدة طويلة له يقول فيها: (له مطلب أفنى تمنيه عمره… وحاجات نفس لا تجاوز صدره.. (أعد لها جاه الشفيع المشفع…)([121])
11. كمال الدين أبو المعالي محمد بن علي الأنصاري السماكي، المعروف بابن الزملكاني (توفي 727 هـ) من أشعاره التي يتوسل ويستغيث فيها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله ([122]):
أهواك
يا ربة الأستار أهواك |
وإن تباعد عن مغناي مغناك | |
وأعمل
العيس والأشواق ترشدني |
عسى يشاهد معناك معناك | |
تهوي
بها البيد لا تخشى الضلال وقد |
هدت ببرق الثنايا الغر مضناك | |
تشوقها
نسمات الصبح ساريةً |
تسوقها نحو رؤياك برياك | |
يا
ربة الحرم العالي الأمين لمن |
وافاه من أين هذا الأمن لولاك | |
إن
شبهوا الخال بالمسك الذكي فه |
ذا الخال من رؤية المحكي والحاكي | |
أفدي
بأسود قلبي نور أسوده |
من لي بتقبيله من بعد يمناك | |
إني
قصدتك لا ألوي على بشر |
ترمي النوى لي سريعاً نحو مرماك | |
وقد
حططت رحالي في حماك عسى |
تحط أثقال أوزاري بلقياك | |
كما
حططت بباب المصطفى أملي |
وقلت للنفس بالمأمول بشراك | |
محمد
خير خلق الله كلهم |
وفاتح الخير ماحي كل إشراك | |
سما
بأخمصه فوق السماء فكم |
أوطا أسافلها من علو أفلاك | |
ونال
مرتبةً ما نالها أحد |
من أنبياء ذوي فضل وأملاك | |
يا صاحب
الجاه عند الله خالقه |
ما ود جاهك إلا كل أفاك | |
أنت
الوجيه على رغم العدا أبدا |
أنت الشفيع لفتاك ونساك | |
يا
فرقة الزيغ لا لقيت صالحةً |
ولا شفى الله يوماً قلب مرضاك | |
ولا
حظيت بجاه المصطفى أبداً |
ومن أعانك في الدنيا ووالاك | |
يا
أفضل الرسل يا مولى الأنام ويا |
خير الخلائق من إنس وأملاك | |
ها
قد قصدتك أشكو بعض ما صنعت |
في الذنوب وهذا ملجأ الشاكي | |
قد
قيدتني ذنوبي عن بلوغ مدى |
قصدي إلى الفوز منها فهي أشراكي | |
فاستغفر
الله لي واسأله عصمته |
فيما بقي وغنى من غير إمساك | |
عليك
من ربك الله الصلاة كما |
منا عليك السلام الطيب الزاكي |
وقد علق عليها صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ) بقوله: (قلت: ولم أقف للشيخ رحمه الله تعالى على نظم هو خير من هذه القصيدة لقصدها الصالح..وعمل على هذه القصيدة، أو على قصيدة ميمية مديح في النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عليهما، كراريس سماها [عجالة الراكب]) ([123])
12. ابن المقري اليمني الشافعي (755 – 837هـ)، قال عنه جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) في [مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا]: (وقد ذكر ابن المقري اليمني الشافعي رحمه الله في ديوانه، أن كتاب الشفاء مما شوهدت بركته وكان قد ابتلي بمرض فقرأه فعافاه الله منه وقال في ذلك:
ما
بالكتاب هواي لكن الهوى |
أمس بما أمسى به مكتوبا | |
كالدر
يهوى العاشقون بذكرها |
شغفًا بها لشمولها المحبوبا | |
أرجو
الشفاء تفاؤلًا باسم الشفا |
فحوى الشفاء وأدرك المطلوبا | |
وبقدر
حسن الظن ينتفع الفتى |
لا سيما ظن يصير مجيبا) ([124]) |
13. أبو الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي (المتوفى: 756 هـ) الذي قال: (اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين وسير السلف الصالحين والعلماء والعوام من المسلمين، ولم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان ولا سمع به في زمن من الأزمان حتى جاء ابن تيمية فتكلم في ذلك بكلام يلبس فيه على الضعفاء الأغمار وابتدع ما لم يسبق إليه في سائر الأعصار…)([125])
وقال: (وأما الاستغاثة: فهي طلب الغوث، وتارة يطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالى وحده، كقوله تعالى: Pإِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْO [الأنفال: 9]، وتارة يطلب ممن يصح إسناده إليه على سبيل الكسب، ومن هذا النوع الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذين القسمين تعدى الفعل تارة بنفسه كقوله تعالى: P فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِO [القصص: 15]، وتارة بحرف الجر كما في كلام النحاة في المستغاث به، وفي كتاب سيبويه: (فاستغاث بهم ليشتروا له كليبا)، فيصح أن يقال: (استغثت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأستغيث بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم)، بمعنى واحد، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه على النوعين السابقين في التوسل من غير فرق، وذلك في حياته وبعد موته، ويقول: (استغثت الله وأستغيث بالله) بمعنى طلب خلق الغوث منه، فالله تعالى مستغاث فالغوث منه خلقا وإيجادا، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم مستغاث والغوث منه تسببا وكسبا، ولا فرق في هذا المعنى بين أن يستعمل الفعل متعديا بنفسه أو لازما أو تعدى بالباء، وقد تكون الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجه آخر، وهو أن يقال: (استغثت الله بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم) كما تقول: (سألت الله بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيرجع إلى النوع الأول من أنواع التوسل، ويصح قبل وجوده وبعد وجوده، وقد يحذف المفعول به ويقال استغثت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا المعنى. فصار لفظ الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم له معنيان: أحدهما: أن يكون مستغاثا. والثاني: أن يكون مستغاثا به، والباء للاستعانة فقد ظهر جواز إطلاق الاستغاثة والتوسل جميعا، وهذا أمر لا يشك فيه، فإن الاستغاثة في اللغة طلب الغوث وهذا جائز لغة وشرعا من كل من يقدر عليه، بأي لفظ عبر عنه كما قالت أم إسماعيل: أغث إن كان عندك غواث)([126])
14. صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ)، الذي قال في كتابه [أعيان العصر وأعوان النصر]: (ساترا بخلاله الكريمة ما خفي عن المملوك من إخلاله بمحمد وآله إن شاء الله تعالى)([127])
ومن يطلع على كتابه [الوافي بالوفيات] يجد الكثير من المواضع التي يذكر فيها تأييده للتوسل والاستغاثة، ومن ذلك قوله عند ترجمة تقي الدين السبكي، وهو يعدد مؤلفاته: (وكتاب [شفاء السقام في زيارة خير الأنام]، ردا عليه ـ على ابن تيمية ـ أيضا في إنكاره سفر الزيارة.. وقرأته عليه بالقاهرة سنة سبع وثلاثين وسبع مائة، من أوله إلى آخره، وكتبت عليه طبقة ـ أي: طبقة السماع على طريقة المحدثين ـ جاء مما فيها نظما:
لقول
ابن تيمية زخرف |
أتى في زيارة خير الأنام | |
فجاءت
نفوس الورى تشتكي |
إلى خير حبر وأزكى إمام | |
فصنف
هذا وداواهم |
فكان يقينا شفاء السقام) ([128]) |
15. شمس الدين أبو المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني الدمشقي الشافعي (المتوفى: 765هـ) الذي قال في كتابه [ذيل تذكرة الحفاظ] في ترجمة سبط ابن العجمي: (فالله تعالى يبقيه ويمتع الإسلام ويديم النفع به الأنام بجاه المصطفى سيدنا محمد عليه أفضل صلى الله عليه وآله وسلم…)، وقال وفي ترجمة ابن ناصر الدين يقول: (فالله تعالى يبقيه في خير ونعمة شاملة وأفراح بلا كدر كاملة بمحمد وآله)
16. أبو محمد عفيف الدين عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي (المتوفى: 768هـ)، والذي نرى في كتابه [مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان] الكثير من توسلاته واستغاثاته، ومنها قوله([129]):
ووفق
لما ترضى بجاه محمد |
وواصل له أزكى الصلاة مديماً | |
وللشمال
أجمع غداً بأحبة |
يداولها نعم النديم نديماً |
17. أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس (المتوفى: نحو 770هـ)، الذي قال في خاتمة كتابه [المصباح المنير في غريب الشرح الكبير]: (ونسأل الله حسن العاقبة في الدنيا والآخرة وأن ينفع به طالبه والناظر فيه وأن يعاملنا بما هو أهله بمحمد وآله الأطهار وأصحابه الأبرار)([130])
18. أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، وهو تلميذ ابن تيمية، ومن المعتبرين لدى أصحاب الرؤية التكفيرية، وقد قال في كتابه [البداية والنهاية] عند ذكره النار التي خرجت من أرض الحجاز عام 654 هـ: (هذه النار في أرض ذات حجر لا شجر فيها ولا نبت، وهي تأكل بعضها بعضا إن لم تجد ما تأكله، وهي تحرق الحجارة وتذيبها، حتى تعود كالطين المبلول، ثم يضربه الهواء حتى يعود كخبث الحديد الذي يخرج من الكير، فالله يجعلها عبرة للمسلمين ورحمة للعالمين، بمحمد وآله الطاهرين)([131])
وقال: (وقد روينا أن عمر عس المدينة ذات ليلة عام الرمادة فلم يجد أحدا يضحك، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة، ولم ير سائلا يسأل، فسأل عن سبب ذلك فقيل له: يا أمير المؤمنين إن السؤال سألوا فلم يعطوا فقطعوا السؤال، والناس في هم وضيق فهم لا يتحدثون ولا يضحكون. فكتب عمر إلى أبي موسى بالبصرة أن يا غوثاه لأمة محمد، وكتب إلى عمرو بن العاص بمصر أن يا غوثاه لأمة محمد، فبعث إليه كل واحد منهما بقافلة عظيمة تحمل البر وسائر الأطعمات، ووصلت ميرة عمرو في البحر إلى جدة ومن جدة إلى مكة. وهذا الأثر جيد الإسناد)([132])
19. سعد الدين التفتازاني الشافعي (توفي 791 هـ)، الذي قال: (ولهذا ينتفع بزيارة القبور والاستعانة بنفوس الأخيار من الأموات)([133])
20. ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى: 804هـ) صاحب (خلاصة البدر المنير) في الفقه الشافعي) في أول كتابه: (وهذا المختصر أسلك فيه طريق الإيضاح قليلا لا الاختصار جدا. فإن رمت جعلته كالأحراف فقد لخصته في كراريس لطيفة مسمى بالمنتقى. نفع الله بالجميع بمحمد وآله وجعلهم مقربين من رضوانه مبعدين من سخطه وحرمانه نافعين لكاتبهم وسامعهم نفعا شاملا في الحال والمآل. إنه لما يشاء فعال. لا رب سواه ولا مرجو إلا إياه)([134])
21. تقي الدين الحصني الشافعي (752هـ 829هـ) الذي قال: (والمراد أن الاستغاثة بالنبي واللواذ بقبره مع الاستغاثة به كثير على اختلاف الحاجات، وقد عقد الأئمة لذلك بابا، وقالوا: إن استغاثة من لاذ بقبره وشكى إليه فقره وضره توجب كشف ذلك الضر بإذن الله تعالى) ([135])
22. أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري الدمشقي العمري الشيرازي الشافعي (751 هـ – 833 هـ) الذي قال في كتابة [الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين]: (ويتوسل إلى الله سبحانه بأنبيائه والصالحين)([136])
وعندما ذكر المواضع المباركة لإجابة الدعاء قال: (وعند قبور الأنبياء عليهم السلام، ولا يصح قبر نبي بعينه سوى قبر نبينا بالإجماع فقط، وقبر إبراهيم داخل السور ومن غير تعيين، وجرب استجابة الدعاء عند قبور الصالحين بشروط معروفة)([137])
وقد علق محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (المتوفى: 1250هـ) على هذا بقوله: (أقول هذا جعله المصنف رحمه الله داخلا فيما تقدم من التجريب الذي ذكره ووجه ذلك مزيد الشرف ونزول البركة وقد قدمنا أنها تسري بركة المكان على الداعي كما تسري بركة الصالحين الذاكرين الله سبحانه على من دخل فيهم ممن ليس هو منهم كما يفيده قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)([138])
23. محمد بن موسى بن عيسى بن علي الدميري، أبو البقاء، كمال الدين الشافعي (المتوفى: 808هـ)، الذي توسل في مواضع من كتابه [حياة الحيوان الكبرى] منها قوله: (نسأل الله تعالى السلامة، وحسن الخاتمة، بجاه سيدنا محمد وآله)([139])
24. أحمد بن علي بن أحمد الفزاري القلقشندي ثم القاهري (المتوفى: 821هـ)، والذي توسل كثيرا في كتابه المشهور [صبح الأعشى في صناعة الإنشاء]، وقد ذكرها في خطابات العديد من العلماء والملوك ([140])
وقال مبينا ما جرت به عادة المسلمين من كتابة الرسائل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته، والتوسل والاستغاثة: (وأما الكتب التي تكتب إليه ـ يقصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ بعد وفاته فقد جرت عادة الأمة من الملوك وغيرهم بكتابة الرسائل إليه بعد وفاته بالسلام والتحية والتوسل والتشفع به إلى الله تعالى في المقاصد الدنيوية والأخروية)([141])
25. أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ)، وهو المحدث الذي يرجع إليه أصحاب الرؤية التكفيرية، ويعتبرونه حافظ الدنيا وأمير المؤمنين في الحديث، وله نصوص كثيرة تشير إلى تأييده للتوسل والاستغاثة، ومنها قوله في قول أبي طالب:
وأبيض
يستسقى الغمام بوجهه |
ثمال
اليتامى عصمة للأرامل |
(يشير إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي صلى الله عليه وآله وسلم معه غلام) ([142])
وقال في حديث عتبان بن مالك الأنصاري: (وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو وطئها.. ويستفاد منه أن من دعي من الصالحين ليتبرك به أنه يجيب إذا أمن الفتنة) ([143])
وقال: (والمراد أنه كان من اشتكى أرسل إناء إلى أم سلمة، فتجعل فيه تلك الشعرات وتغسلها فيه، وتعيده، فيشربه صاحب الإناء، أو يغتسل به استشفاء بها فتحصل له بركتها) ([144])
26. شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي (المتوفى: 1004هـ) الملقب بالشافعي الصغير، قال في مقدمة كتابه [غاية البيان في شرح زبد ابن رسلان]: (والله أسأل، وبنبيه أتوسل، أن يجعله خالصا لوجهه الكريم)
وجاء في فتاواه:(سئل عما يقع من العامة من قولهم عند الشدائد: يا شيخ فلان، يا رسول الله، ونحو ذلك من الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأولياء والعلماء والصالحين فهل ذلك جائز أم لا؟ وهل للرسل والأنبياء والأولياء والصالحين والمشايخ إغاثة بعد موتهم؟ وماذا يرجح ذلك؟ فأجاب: بأن الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأولياء والعلماء والصالحين جائزة، وللرسل والأنبياء والأولياء والصالحين إغاثة بعد موتهم، لأن معجزة الأنبياء وكرامات الأولياء لا تنقطع بموتهم، أما الأنبياء فلأنهم أحياء في قبورهم يصلون ويحجون كما وردت به الأخبار وتكون الإغاثة منهم معجزة لهم، وأما الأولياء فهي كرامة لهم فإن أهل الحق على أنه يقع من الأولياء بقصد وبغير قصد أمور خارقة للعادة يجريها الله تعالى بسببهم) ([145])
27. أحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، أبو العباس، شهاب الدين (المتوفى: 923هـ) صاحب [المواهب اللدنية بالمنح المحمدية]، والذي قال فيه: (وينبغي للزائر له صلى الله عليه وآله وسلم أن يكثر من الدعاء والتضرع والاستغاثة والتشفع والتوسل به صلى الله عليه وآله وسلم، فجدير بمن استشفع به أن يشفعه الله فيه)
وقال: (والاستغاثة هي طلب الغوث فالمستغيث يطلب من المستغاث به إغاثته وأن يحصل له الغوث، فلا فرق بين أن يعبر بلفظ الاستغاثة، أو التوسل، أو التشفع، أو التوجه أو التجوه لأنهما من الجاه والوجاهة، ومعناهما علو القدر والمنزلة وقد يتوسل بصاحب الجاه الى من هو أعلى منه. قال: ثم إن كلا من الاستغاثة، والتوسل والتشفع، والتوجه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم واقع في كل حال: النصرة قبل خلقه وبعد خلقه، في مدة حياته في الدنيا وبعد موته في البرزخ، وبعد البعث في عرصات القيامة) ([146])
وقال ـ متحدثا عن تجربته في ذلك ـ: (وأما التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته في البرزخ فهو أكثر من أن يحصى أو يدرك باستقصاء.. ولقد كان حصل لي داء أعيا دواؤه الأطباء، وأقمت به سنين، فاستغثت به صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة بمكة زادها الله شرفا، ومن علي بالعود في عافية بلا محنة، فبينا أنا نائم إذ جاء رجل معه قرطاس يكتب فيه: هذا دواء لداء أحمد بن القسطلاني من الحضرة الشريفة بعد الإذن الشريف النبوي، ثم استيقظت فلم أجد بي والله شيئا مما كنت أجده، وحصل الشفاء ببركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم)([147])
وقال: (وقف أعرابي على قبره الشريف صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: اللهم إنك أمرت بعتق العبيد، وهذا حبيبك، وأنا عبدك فأعتقني من النار على قبر حبيبك، فهتف به هاتف: يا هذا سألت العتق لك وحدك؟ هلا سألت العتق لجميع المؤمنين، اذهب فقد أعتقتك:
إن
الملوك إذا شابت عبيدهم |
في
رقهم أعتقوهم عتق أحرار | |
وأنت
يا سيدي أولى بذا، كرما |
قد
شبت في الرق فاعتقني من النار([148]) |
رابعا ـ موقف مدرسة الحنابلة من المزارات الدينية:
يخلط الكثيرون بين مدرسة الحنابلة والاتجاه السلفي الوهابي، فيتصورون أن كل الحنابلة سلفية، وكل السلفية حنابلة، والأمر ليس كذلك من الوجهين، فالسلفية يتوزعون على المذاهب الأربعة، والحنابلة ليسوا سوى مذهب من المذاهب الإسلامية فيه الصوفية والأشاعرة وغيرهما من المدارس الإسلامية، ولذلك نجدهم يتبنون نفس ما تتبناه تلك المدارس من آراء وعقائد ترتبط بالآثار والمزارات الدينية.
ومن أقوى الأدلة على هذا أن محمد بن عبد الوهاب كفر أكثر الحنابلة المعاصرين له، بل المساكنين له في نجد بسبب رميه لهم بالقبورية والشرك الأكبر، لكونهم يرون شرعية زيارة الأضرحة والتبرك بها، كما يقول سائر الصوفية والشيعة وغيرهما من طوائف المسلمين.
ومن الأمثلة على ذلك تكفيره للعلامة الكبير محمد بن فيروز الحنبلي (1142 ـ 1216 هـ) الذي لم تشفع له حنبليته ولا نجديته؛ فقد قال فيه الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (.. وأيضا مكاتيب أهل الأحساء موجودة، فأما ابن عبد اللطيف، وابن عفالق، وابن مطلق، فحشو بالزبيل أعني: سبابة التوحيد، واستحلال دم من صدق به، أو أنكر الشرك؛ ولكن تعرف ابن فيروز، أنه أقربهم إلى الإسلام، وهو رجل من الحنابلة، وينتحل كلام الشيخ وابن القيم خاصة، ومع هذا صنف مصنفا أرسله إلينا، قرر فيه: أن هذا الذي يفعل عند قبر يوسف وأمثاله، هو الدين الصحيح، واستدل في تصنيفه بقول النابغة:
أيا قبر النبي وصاحبيه ووامصيبتنا لو تعلمونا
وفي مصنف ابن مطلق الاستدلال بقول الشاعر:
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة سواك بمغن عن سواد بن قارب
ولكن الكلام الأول، أبلغ من هذا كله، وهو شهادة البدو، والحضر، والنساء والرجال، أن هؤلاء الذين يقولون: التوحيد دين الله ورسوله، ويبغضونه أكثر من بغض اليهود والنصارى، ويسبونه، ويصدون الناس عنه، ويجاهدون في زواله وتثبيت الشرك، بالنفس والمال، خلاف ما عليه الرسل وأتباعهم، فإنهم يجاهدون ﴿حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 193])([149])
وصرح بذلك في موضع آخر، فقال في رسالة كتبها إلى أحمد بن عبد الكريم جاء فيها: (..وصل مكتوبك تقرر المسألة التي ذكرت، وتذكر أن عليك إشكالا تطلب إزالته، ثم ورد منك مراسلة، تذكر أنك عثرت على كلام للشيخ أزال عنك الإشكال، فنسأل الله أن يهديك لدين الإسلام. وعلى أي شيء يدل كلامه، من أن من عبد الأوثان عبادة أكبر من عبادة اللات والعزى، وسب دين الرسول k بعدما شهد به، مثل سب أبي جهل، أنه لا يكفر بعينه. بل العبارة صريحة واضحة، في تكفيره مثل ابن فيروز، وصالح بن عبد الله، وأمثالهما، كفرا ظاهرا ينقل عن الملة، فضلا عن غيرهما؛ هذا صريح واضح، في كلام ابن القيم الذي ذكرت، وفي كلام الشيخ الذي أزال عنك الإشكال، في كفر من عبد الوثن الذي على قبر يوسف وأمثاله، ودعاهم في الشدائد والرخاء، وسب دين الرسل بعدما أقر به، ودان بعبادة الأوثان بعدما أقر بها)([150])
مع العلم أن هذا العلم الذي كفره ابن عبد الوهاب وكل من جاء بعده من والوهابية، علم من أعلام الحنابلة الكبار؛ وفقد قال فيه ابن حميد المكي في كتابه [السحب الوابلة على أضرحة الحنابلة]: (محمد بن عبد الله بن محمد بن فيروز، التميمي،الأحسائي، العلامة الفهامة،كاشف المعضلات، وموضح المشكلات،و محرر أنواع العلوم، ومقرر المنقول والمعقول، بالمنطوق والمفهوم..)([151]) إلى آخر ما ورد في ترجمته، والتي تظهره مكانته الكبيرة في ذلك العصر، بالإضافة لعلمه وخلقه وتدينه.. ولكن كل ذلك لم يجعل لحمه مسموما يحرم التعرض له، كما يذكر السلفية عندما ينتقد أي علم من أعلامهم، وليتهم اكتفوا بنقده، بل أضافوا إلى ذلك تكفيره.
ومن علماء الحنابلة الذين صرح ابن عبد الوهاب بتكفيرهم بسبب موقفهم من المزارات الدينية العلامة الجليل عبد الله بن عيسى المويس (ت 1175هـ)؛ فقد قال ابن عبد الوهاب في بعض رسائله: (وتذكرون: أني أكفّرهم بالموالاة، وحاشا وكلا؛ ولكن أقطع: أن كفر من عبد قبة أبي طالب، لا يبلغ عشر كفر المويس وأمثاله)([152])
فهو في هذا النص لا يكفر الشيخ المويس فقط، بل يكفر كل من تبرك بقبة أبي طالب التي هدمها الوهابية، وتصوروا أنهم بهدمها هدموا اللات والعزى.
وهكذا صرح مرة أخرى، فقال: (إذا عرف ما فعل المويس وأمثاله، مع قبة الكواز وأهلها، وما فعله هو، وابن إسماعيل، وابن ربيعة، وعلماء نجد في مكة سنة الحبس، مع أهل قبة أبي طالب، وإفتائهم بقتل من أنكر ذلك، وأن قتلهم وأخذ أموالهم، قربة إلى الله، وأن الحرم الذي يحرم اليهودي، والنصراني، لا يحرمهم ثم تفكر في الأحياء الذين صالوا معهم، هل تابوا من فعلهم ذلك وأسلموا، وعرفوا أن عشر معشار ما فعلوه ردة عن الإسلام، بإجماع المذاهب كلها)([153])
وهو يقصد هنا فتاوى العلماء من غير الوهابية للبلاد التي يسكنون فيها بالدفاع عن أنفسهم وبلادهم وآثارهم من هجمات الوهابيين، والتي اعتبرها ابن عبد الوهاب ردة، بل اعتبر أنه يكفي عشر ما فعلوه ليتهموا بالردة.. فكفرهم ـ كما يصرح ـ مضاعف.
وقد قال في بيان ذلك في موضع آخر: (فإذا أردت مصداق هذا، فتأمل باب حكم المرتد في كل كتاب، وفي كل مذهب، وتأمل ما ذكروه في الأمور التي تجعل المسلم مرتدا يحل دمه وماله؛ منها: من جعل بينه وبين الله وسائط، كيف حكى الإجماع في الإقناع على ردته؛ ثم تأمل ما ذكروه في سائر الكتب. فإن عرفت أن في المسألة خلافا، ولو في بعض المذاهب، فنبهني؛ وإن صح عندك الإجماع على تكفير من فعل هذا، أو رضيه، أو جادل فيه، فهذه خطوط المويس، وابن إسماعيل، وأحمد بن يحيى، عندنا، في إنكار هذا الدين، والبراءة منه، ومن أهله؛ وهم الآن مجتهدون في صد الناس عنه)([154])، فقد اعتبر مجرد ردود العلماء على الوهابية، وإنكارهم لتكفيرهم للأمة إنكارا للدين نفسه.
وهكذا ذكر الدكتور عبد الله العثيمين في تحليله لرسائل ابن عبد الوهاب الشخصية، أن العلماء الذين واجهوه وانتقدوه كانوا كلهم محل طعن منه بسبب هذا الموقف، فقال(واضح من رسائل الشيخ (الشخصية) أن دعوته لقيت معارضة شديدة من قبل بعض علماء نجد، فالمتتبع لها يلاحظ أن أكثر من عشرين عالماً أو طالب علم وقفوا ضدها في وقت من الأوقات، ويأتي في مقدمة هؤلاء المعارضين عبد الله المويس من حرمة، وسليمان بن سحيم من الرياض، ويستفاد من هذه الرسائل أن معارضي الشيخ من النجديين كانوا مختلفي المواقف، فمنهم من عارضه واستمر في معارضته مثل المويس، ومنهم من كان يعترف في بداية الأمر بأن ما جاء به الشيخ أو بعضه حق، لكنه غيّر موقفه مع مرور الزمن مثل ابن سحيم، ومنهم – أيضاً – من كان متأرجحاً في تأييده ومعارضته مثل عبد الله بن عيسى)(1)
ونحب أن نذكر هنا كما ذكرنا سابقا أن هذا العلامة الجليل الذين ناله سيف التكفير السلفي لم يكن من الهند أو من مصر، بل كان من علماء نجد التي كان ينتشر فيها المذهب الحنبلي، والذي لم يرحمه السلفية كما لم يرحموا سائر المذاهب، فقد ورد في ترجمته في كتاب [علماء نجد للبسام]: (عبد الله بن عيسى الشهير بالمويسي -تصغير موسى- ولد في بلدة حرمة من إحدى بلدان سدير في نجد، ونشأ فيها وقرأ على مشايخ نجد، ثم ارتحل إلى دمشق للأخذ عن علمائها فأخذ عنهم، ومن أشهرهم العلامة محمد السفاريني المشهور.. وجد واجتهد حتى مهر في الفقه ثم عاد إلى وطنه..و المترجم بعد عودته من دمشق جلس في بلاده يفتي ويدرس وصار معتمد أهل بلده، ثم ولي قضاء بلدة حرمة إحدى بلدان سدير، فمكث في قضائها حتى توفي فيها سنة 1175هـ)([155])
ومن أعلام الحنابلة الذين نص ابن عبد الوهاب على تكفيره لهم بسبب مواقفهم من المزارات الدينية الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن عفالق (ت 1164هـ)، وقد كان من كبار العلماء في ذلك الوقت، وكان ماهرا ـ كما يذكر مترجموه ـ (في الفقه والأصول والعربية وعلم الحساب والهيئة وتوابعها، واشتهر بتحقيق علم الفلك وتدقيقه في عصره فما بعده، وألف فيه التآليف البديعة.. وكان عالما عاملا فاضلا كاملا محققا ماهرا)([156])
ومنهم سليمان بن سحيم (ت 1181هـ)، والذي ذكره الشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف ـ السلفي المعتدل ـ أثناء تبريره لجرائم ابن عبد الوهاب، فقال: (سليمان بن سحيم.. عداوته ظاهرة وواضحة كما في الرسائل الشخصية للشيخ الإمام أثناء الرد على مفترياته.. وقد كانت رسالته المملوءة بالأكاذيب والشبهات ضد الدعوة السلفية، من أشد الوسائل تشويهاً للدعوة، وأشنعها تحريفاً وتزويراً لمبادئ هذه الدعوة ولأتباعها، حيث أن هذا الخصم قد بعث بتلك الرسالة إلى سائر علماء الأقطار والأمصار يستحثهم ويحرضهم ضد مجدد هذه الدعوة، ولقد كان لها آثارها وأصداءها السيئة ضد الدعوة ومجددها)([157])
بناء على هذا كله نرى كبار أعلام الحنابلة، وفي المصادر الكبرى للفقه الحنبلي، ينصون على ما ينص عليه سائر المدارس الإسلامية من الموقف من زيارة الأضرحة، والتوسل والاستغاثة، وسنذكر بعض النماذج عن كلا الموقفين هنا:
1 ـ موقف مدرسة الحنابلة من زيارة الأضرحة:
أول المواقف التي نصادفها في مصادر الحنابلة، والمرتبطة بزيارة الأضرحة والتوسل والاستغاثة بأصحابها، موقف الإمام أحمد بن حنبل صاحب المذهب نفسه، فقد روى عنه أتباع مذهبه، سواء كانوا تلاميذ مباشرين أو غير مباشرين الكثير من الروايات الدالة على تأييده للزيارات والتوسل والاستغاثة.
ومن ذلك ما رواه المروزي عنه في منسكه، ونقله عنه ابن تيمية في [الرد على الأخنائي] فقد جاء فيه: (وسل الله حاجتك متوسلا إليه بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم تقض من الله عز وجل)([158])
وجاء في كتابه [العلل ومعرفة الرجال ما نصه: (سألته عن الرجل يمس منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتبرك بمسه ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد التقرب إلى الله جل وعز فقال: (لا بأس بذلك)([159])
وجاء في كتاب [سؤالات عبد الله بن أحمد بن حنبل لأحمد]: (سألت أبي عن مس الرجل رمانة المنبر يقصد التبرك، وكذلك عن مس القبر، فقال: (لا بأس بذلك)([160])
ومع هذا نجد ابن تيمية يدعي ادعاء عريضا حين يخبر عن اتفاق الأئمة على أن قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يمس خوفا من الشرك، فقد قال في (مجموع الفتاوى): (واتفق الأئمة على أنه لا يمس قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يقبله. وهذا كله محافظة على التوحيد. فإن من أصول الشرك بالله اتخاذ القبور مساجد)([161])
وجاء في كتاب [الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف] لعلاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد المَرْداوي (المتوفى: 885 هـ)، وهو من أهم مراجع الفقه الحنبلي): (قال الإمام أحمد للمروذي: يتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه، وجزم به في المستوعب وغيره) ([162])
وقال أبو عبد الله الأردبيلي: سمعت أبا بكر بن أبي الخصيب يقول: ذكر صفوان بن سليم عند أحمد بن حنبل فقال: هذا رجل يستسقى بحديثه وينزل القطر من السماء بذكره) ([163])
وروي عنه العمل بحديث: (يا عباد الله أعينوا)، فقد قال ابنه عبد الله في [المسائل]: (سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج منها ثنتين راكبا وثلاثة ماشيا، أو ثنتين ماشيا وثلاثة راكبا، فضللت الطريق في حجة وكنت ماشيا، فجعلت أقول: (يا عباد الله دلونا على الطريق!) فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق. أو كما قال أبي)([164])
وروي عنه التوسل بشعرة من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد قال الذهبي: (ومن آدابه: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: رأيت أبي يأخذ شعره من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضعها على فيه يقبلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينه، ويغمسها في الماء ويشربه، يستشفي به، ورأيته أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فغسلها في حب الماء ثم شرب فيها، ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به ويمسح به يديه ووجهه. قلت (أي الذهبي): أين المتنطع المنكر على أحمد وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويمس الحجرة النبوية فقال: (لا أرى بذلك بأسا)، أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج، ومن البدع) ([165])، ولعل الذهبي يعرض بقوله هذه بابن تيمية، لأنه ينطبق عليه وعلى جميع أصحاب الرؤية التكفيرية.
وقد أخبر الحافظ أبو سعيد بن العلا، قال: رأيت في كلام أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خط ابن ناصر وغيره من الحفّاظ: أنّ الإمام أحمد سُئل عن تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقبيل منبره؟ فقال: لا بأس بذلك. قال: فأريناه التقي ابن تيمية فصار يتعجّب من ذلك، ويقول: عجبت من أحمد عندي جليل، هذا كلامه أو معنى كلامه. وقال: وأي عجب في ذلك وقد روينا عن الإمام أحمد أنّه غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسله به([166]).
وروي عنه توسله بالإمام الشافعي، حتى تعجب ابنه عبد الله، فقال له أبوه: (إن الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن) ([167])
وهكذا روي تبرك صالح بن أحمد بن حنبل ـ الذي ولد قبل أخيه عبدالله ـ بقميص والده، قال الذهبي: (حدثنا أبو عيسى أحمد بن يعقوب حدثتني فاطمة بنت أحمد بن حنبل قالت وقع الحريق في بيت اخي صالح وكان قد تزوج بفتية فحملوا اليه جهازا شبيها بأربعة آلاف دينار فأكلته النار فجعل صالح يقول: ما غمني ما ذهب إلا ثوب لأبي كان يصلي فيه أتبرك به وأصلي فيه.. قالت فطفئ الحريق ودخلوا فوجدوا الثوب على سرير قد أكلت النار ما حوله وسلم)([168])
وهكذا روي توسل أصحاب الإمام أحمد بن حنبل به لاضاءة الطريق، فعن عن عبد الله بن موسى أنه قال: خرجت أنا وأبي في ليلة مظلمة نزور أحمد، فاشتدت الظلمة، فقال أبي: يا بني تعال حتى نتوسل إلى الله تعالى بهذا العبد الصالح حتى يضاء لنا الطريق، فمنذ ثلاثين سنة ما توسلت به إلا قضيت حاجتي، فدعا أبي وأمنت على دعائه، فأضاءت السماء كأنها ليلة مقمرة حتى وصلنا إليه) ([169])
وهكذا رويت عن الروايات الكثيرة عن الزيارة، ومن ذلك ما ذكره ابن تيمية حول جسد الإمام الحسين، حيث قال: (ولكن الذي اعتقدوه هو وجود البدن في كربلاء، حتى كانوا ينتابونه في زمن أحمد وغيره، حتى أنه في مسائله: (مسائل في ما يفعل عند قبره) أي قبر الحسين، ذكرها أبو بكر الخلال في جامعه الكبير، في زيارة المشاهد)([170])
فهو يثبت بهذا زيارة الناس قبر الإمام الحسين زمن أحمد وغيره، ويثبت أن أحمد لم ينكر عليهم الزيارة، بل يثبت أنه قد كتب فيما ينبغي أن يفعله الزائر لقبره، مراعاة للسنة في الزيارة، وهذا ما ينقض قول ابن تيمية من أساسه.
بل إن المصادر الحنبلية ـ وخصوصا ما يرتبط منها بالسير والأعلام، أو مناقب الإمام أحمد ـ طافحة بذكر زيارة الأضرحة، والتبرك بها، ومن بينها زيارة ضريح أحمد نفسه، فقد ذكر جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ) في (مناقب الإمام أحمد بن حنبل) أخبارا كثيرة في زيارة قبر أحمد بن حنبل تدل على أن العادة الجارية عند الحنابلة زيارة إمامهم، مثلما يزور الشيعة أضرحة أئمتهم، والطرق الصوفية أضرحة مشايخهم، بل إنهم يعتبرونها من القربات المهمة التي لا يفرطون بها([171]).
ومن رواياتهم في هذا ما رووه عن أبي الفرج الهندبائي، قال: كنت أزور قبر أحمد بن حنبل، فتركته مدة، فرأيت في المنام قائلا يقول لي: تركت زيارة إمام السنة؟!([172]).
وعن أبي طاهر ميمون، قال: رأيت رجلا بجامع الرصافة في شهر ربيع الآخرة من سنة ست وستين وأربعمئة، فسألته، فقال: قد جئت من ستمئة فرسخ، فقلت: في أي حاجة؟ قال: رأيت وأنا ببلدي في ليلة جمعة كأني في صحراء أو في فضاء عظيم، والخلق قيام، وأبواب السماء فتحت، وملائكة تنزل من السماء تلبس أقواما ثيابا خضرا، وتطير بهم في الهواء، فقلت: من هؤلاء الذين اختصوا بهذا؟ فقالوا لي: هؤلاء الذين يزورون أحمد بن حنبل.. فانتبهت، ولم ألبث أن أصلحت أمري وجئت إلى هذا البلد وزرته دفعات، وأنا عائد إلى بلدي إن شاء الله([173]).
وقال ابن الجوزي: (وفي صفر سنة 542 هـ رأى رجل في المنام قائلا يقول له: من زار أحمد بن حنبل غفر له، قال: فلم يبق خاص ولا عام إلا زاره، وعقدت يومئذ ثم مجلسا فاجتمع فيه ألوف من الناس)([174])
بل ورد عنهم ما هو أكبر من ذلك كله، فقد نقل ابن الجوزي عن أبي بكر بن مكارم ابن أبي يعلى الحربي، قال: وكان شيخا صالحا، أنه رأى في منامه أنه أتى قبر أحمد يزوره على عادته، فرأى القبر قد التصق بالأرض ولم يبق منه إلا القليل، فقال: هذا من كثرة الغيث.. فسمع أحمد من القبر يقول له: (لا، بل هذا من هيبة الحق عز وجل، لأنه عز وجل قد زارني، فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام، فقال عز وجل: يا أحمد، لأنك نصرت كلامي، فهو ينشر ويتلى في المحاريب.. يقول الحربي: فأقبلت على لحده أقبله، ثم قلت: يا سيدي، ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك؟ فقال لي: يا بني، ليس هذا كرامة لي، ولكن هذا كرامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن معي شعرات من شعره.. ثم قال: ألا ومن يحبني لم لا يزورني في شهر رمضان؟([175])
وهكذا ذكر ابن الجوزي في [المنتظم في تاريخ الأمم والملوك] في ترجمة أبي جعفر بن أبي موسى (ت 470 هـ) إمام الحنابلة في وقته، وقد دفن عند قبر أحمد، قال ابن الجوزي: (كان الناس يبيتون هناك كل ليلة أربعاء، ويختمون الختمات، ويخرج المتعيشون فيبيعون المأكولات، وصار ذلك فرجة للناس ـ أي فرجا ـ ولم يزالوا كذلك إلى أن جاء الشتاء فامتنعوا.. وقال ابن كثير: دفن إلى جانب الإمام أحمد، فاتخذت العامة قبره سوقا كل ليلة أربعاء، يترددون إليه)([176])
وهكذ نجد مصادر الفقه الحنبلي كلها تتفق على مشروعية زيارة الأضرحة:
ومنهم أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620هـ)، مؤلف أهم مرجع للحنابلة في الفقه، وخصوصا الفقه المقارن، كتاب [المغني]، والذي يقول فيه: (فصل: ويستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم..) ثم ذكر بعض الأحاديث الواردة في الزيارة ثم قال: (وإذا حج الذي لم يحج قط من غير طريق الشام لا يأخذ على طريق المدينة لأني أخاف أن يحدث به حدث فينبغي أن يقصد مكة من أقصد الطرق ولا يتشاغل بغيره)([177])
وقال: (فإن سافر لزيارة القبور والمشاهد، فقال ابن عقيل: لا يباح له الترخص لأنه منهي عن السفر إليها قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد متفق عليه والصحيح إباحته وجواز القصر فيه لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي قباء راكبا وماشيا وكان يزور القبور وقال: زوروها تذكركم الآخرة)([178])
وهكذا نص العلامة شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي (المتوفى: 682 هـ) في كتابه [الشرح الكبير]، وهو من مصادر الحنابلة المعتبرة: (فإذا فرغ من الحج استحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبر صاحبيه)([179])
وهكذا نص العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي (المتوفى: 885هـ) في كتابه المعتمد عند الحنابلة [الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف]؛ فقد قال فيه: (قوله فإذا فرغ من الحج: استحب له زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبر صاحبيه هذا المذهب وعليه الأصحاب قاطبة، متقدمهم ومتأخرهم. وقال في الفصول: نقل صالح وأبو طالب: إذا حج للفرض لم يمر بالمدينة لأنه إذا حدث به حدث الموت كان في سبيل الحج. وإن كان تطوعا: بدأ بالمدينة)([180])
وهكذا نص العلامة منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى (المتوفى: 1051هـ) في كتابه المعتمد عند الحنابلة [كشاف القناع عن متن الإقناع]، فقد قال فيه: (تنبيه: قال ابن نصر الله: لازم استحباب زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم استحباب شد الرحال إليها؛ لأن زيارته للحاج بعد حجه لا تمكن بدون شد الرحل. فهذا كالتصريح باستحباب شد الرحل لزيارته صلى الله عليه وآله وسلم)([181])
وقال: (أو غيره كولي، وحديث لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد أي لا يطلب ذلك، فليس نهياً عن شدها لغيرها خلافاً لبعضهم)([182])
وهكذا نص العلامة موسى بن أحمد بن موسى بن سالم الحجاوي المقدسي، ثم الصالحي، شرف الدين، أبو النجا (المتوفى: 968هـ)، فقد قال في كتابه [الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل]: (ويترخص إن قصد مشهداً، أو قصد مسجداً، ولو غير المساجد الثلاثة، أو قصد قبر نبي أو غيره)([183])
2 ـ موقف مدرسة الحنابلة من التوسل والاستغاثة:
من أعلام الحنابلة الذين نصوا على مشروعية التوسل والاستغاثة، والذي يُرجع إليهم في التدريس والفتاوى ونحوها:
1. جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)، وقد ذكرنا سابقا الكثير من رواياته عن الإمام أحمد، والتي ترتبط بالتوسل والاستغاثة، وقد صنف كتابا في هذا المجال بعنوان (مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن) وعقد فيه بابا في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال: (لم يزل ذكر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم منشورا وهو في طي العدم توسل به آدم وأخذ له ميثاق الأنبياء على تصديقه)([184])
وقال: (ذكر في بعض الأخبار أن آدم عليه الصلاة والسلام رفع رأسه فنظر على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله فقال آدم يا رب من هذا الذي كتبت اسمه مع اسمك فقال الله تعالى: يا آدم هو نبيي وصفيي وهو حبيبي ولولاه ما خلقتك ولا خلقت جنة)([185])
وقال في [صيد الخاطر] يذكر بعض ما حصل له: (وكثر ضجيجي من مرضي، وعجزت عن طلب نفسي، فلجأت إلى قبول الصالحين، وتوسلت في صلاحي، فاجتذبني لطف مولاي بي إلى الخلوة على كراهة مني، ورد قلبي على بعد نفور مني، وأراني عيب ما كنت أوثره، فأفقت من مرض غفلتي)([186])
وقال في [المنتظم] في ترجمة أبي شجاع الوزير: (ثم عزل عن الوزارة فسار إلى الحج وجاور بالمدينة، ثم مرض فلما ثقل في المرض جاء إلى الحجرة النبوية فقال: يا رسول الله قال الله تعالى: Pوَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا O [النساء: 64]، وها أنا قد جئتك أستغفر الله من ذنوبي وأرجو شفاعتك يوم القيامة)، ثم مات من يومه ذلك، ودفن في البقيع)([187])
2. أبو الوفاء، علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الظفري، (المتوفى: 513هـ) الذي ذكر في كيفية زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم أعط محمد الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، والمقام المحمود الذي وعدته، اللهم صل على روحه في الأرواح، وجسده في الأجساد كما بلغ رسالاتك، وتلا آياتك، وصدع بأمرك حتى أتاه اليقين. اللهم إنك قلت في كتابك لنبيك صلى الله عليه وآله وسلم: Pلَوْ أَنَهُمْ إذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا O وإني قد أتيت بنبيك تائباً مستغفراً فأسألك أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة، يا رسول الله إني أتوجه بك إلى ربي ليغفر لي ذنوبي، اللهم إني أسألك بحقه أن تغفر لي ذنوبي)([188])
وجاء في تذكرته أيضا قوله: (ويستحب له قدوم مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيأتي مسجده فيقول عند دخوله: بسم الله اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح لي أبواب رحمتك.. اللهم أني أتوجه إليك بنبيك صلى الله عليه وآله وسلم بنبي الرحمة يا رسول الله إني أتوجه بك إلى ربي ليغفر لي ذنوبي، اللهم إني أسألك بحقه أن تغفر لي ذنوبي)([189])
3. الشيخ عبد القادر الجيلاني (561 هـ) ذكر قصة العتبى وأقرها في كتاب الغنية، وجاء عنه أيضا قوله: (يا رسول الله إني أتوجه بك إلى ربي ليغفر لي)([190])
4. أبو الحسين ابن أبي يعلى، محمد بن محمد (المتوفى: 526هـ)، الذي قال في [طبقات الحنابلة] في ترجمة الشريف أبي جعفر: (وحفر له بجنب قبر إمامنا أحمد فدفن فيه وأخذ الناس من تراب قبره الكثير تبركا به، ولزم الناس قبره ليلا ونهارا مدة طويلة، ويقرأون ختمات، ويكثرون الدعاء، ولقد بلغني أنه ختم على قبره في مدة شهور ألوف ختمات)([191])
5. محمد بن عبد الله بن الحسين السامرّي، نصير الدين، أبو عبد الله، المعروف بابن سُنَيْنَة (توفي 616 هـ) صاحب المستوعب في الفقه، والذي ذكر في [باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم] آداب الزيارة، ومنها ما عبر عنه بقوله: (ثم يأتي حائط القبر فيقف ناحيته ويجعل القبر تلقاء وجهه، والقبلة خلف ظهره، والمنبر عن يساره)([192])، ثم ذكر كيفية السلام والدعاء، ومنه: (اللهم إنك قلت في كتابك لنبيك مستغفرا، فأسألك أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك صلى الله عليه وآله وسلم…)
6. أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620هـ) صاحب كتاب [المغني]، والذي ورد فيه هذه الرواية: (عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عبد القاريأانه نظر إلى ابن عمر وهو يضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المنبر، ثم يضعها على وجهه)([193])
وقال (ويستحب أن يستسقى بمن ظهر صلاحه ؛ لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء، فإن عمر استسقى بالعباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال ابن عمر: استسقى عمر عام الرمادة بالعباس، فقال: اللهم إن هذا عم نبيك صلى الله عليه وآله وسلم نتوجه إليك به فاسقنا. فما برحوا حتى سقاهم الله عز وجل)([194])
ومما جاء في وصيته قوله: (وإذا كانت لك حاجة إلى الله تعالى تريد طلبها منه فتوضأ، فأحسن وضوءك، واركع ركعتين، وأثن على الله عز وجل، وصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين وإن قلت: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك وروي عن السلف أنهم كانوا يستنجحون حوائجهم بركعتين يصليهما ثم يقول: اللهم بك أستفتح وبك أستنجح، وإليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم أتوجه، اللهم ذلل لي صعوبة أمري، وسهل من الخير أكثر مما أرجو، واصرف عني من الشر أكثر مما أخاف)([195])
7. شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي (المتوفى: 682 هـ) صاحب [الشرح الكبير]، والذي ورد فيه: (فإذا فرغ من الحج استحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبر صاحبيه)،. ثم ذكر ما يقال عند الزيارة، وهو: (اللهم إنك قلت وقولك الحق: Pوَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا O [النساء: 64]، وقد أتيتك مستغفرا من ذنوبي مستشفعا بك إلى ربي فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم اجعله أول الشافعين)([196])
8. نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عيد الكريم الطوفي الصرصري الحنبلي (المتوفى 716 هـ)، والذي نقل ردود شمس الدين الجزري على ابن تيمية مؤيدا لها، ومنها قوله تعليقا على قوله تعالى: Pفَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِO [القصص: 15]: (احتج بها الشيخ شمس الدين الجزري ـ شارح المنهاج في أصول الفقه ـ على الشيخ تقي الدين ابن تيمية فيما قيل عنه أنه قال: لا يستغاث برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأن الاستغاثة بالله عز وجل من خصائصه وحقوقه الخاصة به فلا تكون لغيره كالعبادة. وتقرير الحجة المذكورة: أنه قال: يجب أن ينظر في حقيقة الاستغاثة ماهي، وهي الاستنصار والاستصراخ، ثم قد وجدنا هذا الإسرائيلي استغاث بموسى واستنصره واستصرخه بنص هذه الآيات، وهي استغاثة مخلوق بمخلوق، وقد أقر موسى عليها الإسرائيلي، وقد أقر الله عز وجل موسى على ذلك، ولم ينكر محمد صلى الله عليه وآله وسلم ذلك لمانزلت هذه الآيات، أي فكان هذا إقرارا من الله عز وجل ورسوله على استغاثة المخلوق بالمخلوق، وإذا جاز أن يستغاث بموسى فبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أولى لأنه أفضل بإجماع)([197])
ومن أقواله في الاحتجاج للاستغاثة: (ومما يحتج به على ذلك: حديث هاجر أم إسماعيل حيث التمست الماء لابنها فلم تجد فسمعت حسا في بطن الوادي فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث وهذا في معنى الاستغاثة منها بجبريل وقد أقرها على ذلك، ولم ينكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها لما حكاه عنها) ([198])
ومن حججه عليها قوله: (ولأن اعتقاد التوحيد من لوازم الإسلام فإذا رأينا مسلما يستغيث بمخلوق علمنا قطعا أنه غير مشرك لذلك المخلوق مع الله عز وجل، وإنما ذلك منه طلب مساعدة أو توجه إلى الله ببركة ذلك المخلوق، وإذا استصرخ الناس في موقف القيامة بالأنبياء ليشفعوا لهم في التخفيف عنهم جاز استصراخهم بهم في غير ذلك المقام) ([199])
ثم قال ـ ناقلا الإجماع في المسألة ـ: (وقد صنف الشيخ أبو عبدالله النعمان كتبا سماه: (مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام)، واشتهر هذا الكتاب وأجمع أهل عصره على تلقيه منه بالقبول وإجماع أهل كل عصر حجة، فالمنكر لذلك مخالف لهذا الإجماع) ([200])
ورد على الشبه التي يتعلق بها منكرو الاستغاثة، فقال: (فإن قيل: الآية المذكورة في قصة موسى والإسرائيلي ليست في محل النزاع من وجهين: أحدهما: أن موسى حينئذ كان حيا ونحن إنما نمنع الاستغاثة بميت، والثاني: أن استغاثة صاحب موسى به كان في أمر يمكن موسى فعله وهو إعانته على خصمه، وهو أمر معتاد ونحن إنما نمنع من الاستغاثة بالمخلوق فيما يختص فعله بالله عز وجل كالرحمة والمغفرة والرزق والحياة ونحو ذلك فلا يقال: يامحمد اغفر لي أو ارحمني أو ارزقني أو أجبني أو أعطني مالا وولدا لأن ذلك شرك بإجماع) ([201])
ثم ذكر الجواب عن الشبهة الأولى، فقال: (وأجيب عن الأول: بأن الاستغاثة إذا جازت بالحي فبالميت المساوي فضلا عن الأفضل أولى لأنه أقرب إلى الله عز وجل من الحي لوجوه: أحدها: أنه في دار الكرامة والجزاء والحي في دار التكليف، الثاني: أن الميت تجرد عن عالم الطبيعة القاطعة عن الوصول إلى عالم الآخرة والحي متلبس بها، الثالث: أن الشهداء في حياتهم محجوبون وبعد موتهم أحياء عند ربهم يرزقون) ([202])
ثم ذكر الجواب عن الشبهة الثانية، فقال: (وعن الثاني: أن ماذكرتموه أمر مجمع مجمع عليه معلوم عند صغير المسلمين فضلا عن كبيرهم أن المخلوق على الإطلاق لايطلب منه ولا ينسب إليه فعل ما اختصت القدرة الإلهية به، وقد رأينا أغمار الناس وعامتهم وأبعدهم عن العلم والمعرفة يلوذون بحجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يزيدون على أن يسألو الشفاعة والوسلية: يارسول الله اشفع لنا يالله ببركة نبيك اغفر لنا، فصار الكلام في المسألة المفروضة فضلا لا حاجة بأحد من المسلمين إليه. وإذا لم يكن بد من التعريف بهذا الحكم خشية أن يقع فيه أحد فليكن بعبارة لا توهم نقصا في النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا غضا من منصبه مثل أن يقال: ما استأثر الله عز وجل بالقدرة عليه فلا يطلب من مخلوق على الإطلاق أو نحو هذا ولا يتعرض للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بسلب الاستغاثة عنه مطلقا ولا مقيدا، ولا يذكر إلا بالصلاة والسلام عليه والرواية عنه ونحو ذلك. هذا حاصل ماوقع في هذه المسألة سؤالا وجوابا ذكرته بمعناه وزيادات من عندي) ([203])
9. علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي (المتوفى: 885هـ)، صاحب كتاب [الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف]، والذي قال فيه: (يجوز التوسل بالرجل الصالح، على الصحيح من المذهب. وقيل يستحب قال الإمام أحمد في منسكه الذي كتبه للمروذي: يتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه وجزم به في المستوعب وغيره)([204])
10. أحمد بن علي بن أحمد العلثي أبو بكر الزاهد (503 هـ)، والذي قال إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدين (المتوفى: 884هـ) في ترجمته: (كان عفيفا لا يقبل لأحد شيئا، ولا يسأل أحدا حاجة لنفسه من أمر الدنيا، مقبلا على شأنه ونفسه، مشتغلا بعبادة ربه، كثير الصوم والصلاة، مسرعا إلى قضاء حوائج المسلمين، مكرما عند الناس، وكان يتعاطى حوائجه بنفسه، ويزور القبور إذا حج، ويجئ إلى قبر الفضيل بن عياض ويخط بعصاه ويقول: يا رب ها هنا. ودفن يوم النحر إلى جنب قبر الفضيل بن عياض)([205])
11. أحمد بن علي بن أحمد الموصلي الحنبلي (622 هـ)، والذي قال ابن مفلح في ترجمته: (الفقيه الزاهد قال عنه الناصح ابن الحنبلي: كان يعرف أكثر مسائل (الهداية) لأبي الحطاب، ويأكل من كسب يده، ويلبس الثوب الخام، وانتفع به جماعة، وصار له حرمة بالموصل، وكان كثير العبادة ويتبرك به، آمرا بالمعروف ونهاء عن المنكر)([206])
12. أحمد بن مهلهل بن عبيد الله بن أحمد البرداني الحنبلي (توفي 554 هـ)، والذي قال ابن مفلح في ترجمته: (قال ابن النجار: كان منقطعا في مسجد لا يخالط أحدا مشتغا بالله تعالى وكان الإمام المقتفى يزوره، وكذلك وزيره ابن هبيرة، والناس كافة يتبركون به)([207])
13. عثمان بن موسى بن عبد الله الطائي الإربلي الحنبلي (توفي 674 هـ)، والذي قال ابن مفلح في ترجمته: (الشخ الإمام الفقيه الزاهد الإمام حطيم الحنابلة بمكة المشرفة كان شيخا صالحا جليلا عالما فاضلا عابدا متألها منعكفا على العبادة والخير والاشتغال بالله تعالى.. توفي بمكة المشرفة، ويقال: إن الدعاء عن قبره مستجاب)([208])
14. زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (المتوفى: 795هـ)، والذي قال في كتابه [ذم المال والجاه]: (ومن هذا الباب كراهة أن يشهر الإنسان نفسه للناس بالعلم والزهد والدين أو بإظهار الأعمال والأقوال والكرامات ليزار، وتلتمس بركته ودعاؤه وتقبيل يده وهو محب لذلك ويقيم عليه ويفرح به ويسعى في أسبابه)([209])
15. شمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي (المتوفى: 1188هـ)، والذي قال في ترجمة الصحابي أبو يعلى شداد بن أوس الأنصاري: (توفي سنة ثمان وخمسين من الهجرة وله خمس وسبعون سنة وقيل مات: سنة إحدى وأربعين وقبره ظاهر ببيت المقدس بباب الرحمة تحت سور المسجد الأقصى، يزار ويتبرك به)([210])
16. منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى (المتوفى: 1051هـ)، والذي نقل قصة العتبى وأقرها([211])، وقال في كتابه [كشاف القناع]: (وقال السامري وصاحب التلخيص: لا بأس بالتوسل للاستقاء بالشيوخ والعلماء المتقين. وقال في المذهب: يجوز أن يستشفع إلى الله برجل صالح وقيل للمروذي: إنه يتوسل بالنبي في دعائه وجزم به في المستوعب وغيره، ثم قال: قال إبراهيم الحربي: الدعاء عند قبر معروف الكرخي الترياق المجرب)([212])
17. محمد بن عيسى بن محمود بن كنان (المتوفى: 1153هـ)، قال في كتابه [يوميات شامية]، أو [الحوادث اليومية من تاريخ أحد عشر وألف ومية]، وفي مواضع متعددة: (ونسأله القبول بجاه الرسول)([213])
18. معظم الدين أبو عبد الله السامري (توفي 616 هـ)، والذي قال: (ولا بأس بالتوسل إلى الله تعالى في الإستسقاء بالشيوخ والزهاد وأهل العلم والفضل والدين من المسلمين)([214])
19. تقي الدين أحمد بن محمّد بن عليّ البغدادي، المقرئ الأَدَمي الحنبلي (المتوفى: حوالي 749 هـ)، والذي قال في كتابه [المنور في راجح المحرر]: (ويباح التوسل بالصلحاء)([215])
20. محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي الحنبلي (المتوفى: 763هـ)، والذي قال في كتابه [الفروع]: (ويجوز التوسل بصالح، وقيل يستحب)([216])
21. موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم الحجاوي المقدسي، ثم الصالحي، شرف الدين، أبو النجا (المتوفى: 968هـ)، الذي قال في كتابه [الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل]: (ولابأس بالتوسل بالصالحين)([217])
22. تقي الدين محمد بن أحمد الفتوحي الحنبلي الشهير بابن النجار (972هـ)، الذي قال في [منتهى الإرادات]: (وأبيح التوسل بالصالحين)([218])
23. مرعي بن يوسف بن أبى بكر بن أحمد الكرمى المقدسي الحنبلى (المتوفى: 1033هـ) الذي قال في [غاية المنتهى]: (وكذا أبيح توسل بصالحين)([219])
24. عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد العَكري الحنبلي، أبو الفلاح (المتوفى: 1089هـ)، الذي قال في كتابه [شذرات الذهب في أخبار من ذهب] في ترجمة أحمد البخاري: (وقبره يزار ويتبرك به)([220])
25. نجم الدين بن حمدان الحنبلي (توفي 695 هـ)، والذي قال: (ويسن لمن فرغ عن نسكه زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلموقبر صاحبيه، وله ذلك بعد فراغ حجه، وإن شاء قبل فراغه)([221])
ومن ذلك تلك الروايات الكثيرة في التبرك والتوسل والاستغاثة وغيرها، والتي نقلها عن الإمام أحمد وغيره، ومنها ما روى من التوسل بشعرة من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد قال: (ومن آدابه: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: رأيت أبي يأخذ شعره من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضعها على فيه يقبلها، وأحسب أني رأيته يضعها على عينه، ويغمسها في الماء ويشربه، يستشفي به، ورأيته أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فغسلها في حب الماء ثم شرب فيها، ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به ويمسح به يديه ووجهه. قلت (أي الذهبي): أين المتنطع المنكر على أحمد وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويمس الحجرة النبوية فقال: (لا أرى بذلك بأسا)، أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج، ومن البدع) ([222])، ولعل الذهبي يعرض بقوله هذه بابن تيمية، لأنه ينطبق عليه وعلى جميع أصحاب الرؤية التكفيرية.
ومنها ما ذكره في كتابه [سير أعلام النبلاء]، وزيارتهم للأضرحة وتوسلهم بأصحابها، ومنها ما ذكره عن معروف الكرخي، حيث قال: (أبو محفوظ البغدادي: وعن إبراهيم الحربي، قال: قبر معروف الترياق المجرب.اهـ قال الذهبي: يريد إجابة دعاء المضطر عنده؛ لأن البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء، كما أن الدعاء في السحر مرجو، ودبر المكتوبات، وفي المساجد)([223])
وقال في ترجمة أبي عبد الله البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم، (ذكر وفاته: وقال أبو علي الغساني: أخبرنا أبو الفتح نصر بن الحسن السكتي السمرقندي، قدم علينا بلنسية عام أربعين وستين وأربع مائة، قال: قحط المطر عندنا بسمرقند في بعض الأعوام، فاستسقى الناس مرارا، فلم يسقوا، فأتى رجل صالح معروف بالصلاح إلى قاضي سمرقند فقال له: إني رأيت رأيا أعرضه عليك قال: وما هو؟ قال: أرى أن تخرج ويخرج الناس معك إلى قبر الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، وقبره بخرتنك، ونستسقي عنده، فعسى الله أن يسقينا.قال: فقال القاضي: نعم ما رأيت. فخرج القاضي والناس معه، واستسقى القاضي بالناس، وبكى الناس عند القبر، وتشفعوا بصاحبه، فأرسل الله تعالى السماء بماء عظيم غزير أقام الناس من أجله بخرتنك سبعة أيام أو نحوها، لا يستطيع أحد الوصول إلى سمرقند من كثرة المطر وغزارته، وبين خرتنك وسمرقند نحو ثلاثة أميال)([224])
27. الحافظ أبو سعيد بن العلا، والذي قال: (رأيت في
كلام أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خط ابن ناصر وغيره من الحفّاظ: أنّ الإمام
أحمد سُئل عن تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقبيل منبره؟ فقال: لا بأس
بذلك. قال: فأريناه التقي ابن تيمية فصار يتعجّب من ذلك، ويقول: عجبت من أحمد عندي
جليل، هذا كلامه أو معنى كلامه. وقال: وأي عجب في ذلك وقد روينا عن الإمام أحمد
أنّه غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسله به([225]).
([1]) السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة (2/ 677)
([2]) جامع بيان العلم وفضله، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1414 هـ – 1994 م، (2/903)
([3]) الفقيه والمتفقه، أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، المحقق: أبو عبد الرحمن عادل بن يوسف الغرازي، دار ابن الجوزي – السعودية، الطبعة: الثانية، 1421هـ، (2/69)
([4]) انظر: جامع بيان العلم وفضله، (2/ 46)
([5]) الآداب الشرعية والمنح المرعية، محمد بن مفلح المقدسي الرامينى ثم الصالحي الحنبلي، عالم الكتب، (1/186)
([6]) إحياء علوم الدين، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، دار المعرفة – بيروت، (2/ 325)
([7]) اللمع في أصول الفقه، أبو اسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 2003 م – 1424 هـ، (ص:360)
([8]) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الثانية، 1392، (2/23)
([9]) شجرة الأحوال والمعارف، العز بن عبد السلام، تحقيق: إياد خالد الطباع، دار الفكر، دمشق، (ص:379).
([10]) أعذب المناهل في الأجوبة والمسائل، ابن عليوة، مطبعة ابن عليوة، مستغانم، نقلا عن: صفحات مطوية في التصوف الإسلامي، ص202.
([11]) كلاهما في الفقه الحنفي، ولهدابة المرغيناني شروح كثيرة أخرى، لكن من أحسن هذه الشروح وأوسعها وأنفعها هو كتاب فتح القدير هذا إلا أن ابن الهمام توفي قبل أن يتمه حيث وصل إلى باب الوكالة فأتمة شمس الدين أحمد (قاضي زاده الرومي) أفندي قاضي عسكر رومللي الحنفي (988) في كتابه (نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار).
([12]) فتح القدير، كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام، دار الفكر، 3/ 179.
([13]) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، أحمد بن محمد بن إسماعيل الطحطاوي الحنفي، المحقق: محمد عبد العزيز الخالدي، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1418هـ – 1997م، (ص: 745)
([14]) رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، دار الفكر-بيروت، الطبعة: الثانية، 1412هـ – 1992م، 2/ 242.
([15]) البـدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، محمد بن علي الشوكاني، دار الكتب العلمية، ط الأولى، بيروت، 1418 هـ، ج2، ص 137. والضوء اللامع لأهل القرن التاسع، محمد بن عبدالرحمن السخاوي، دار الكتاب الإسلامي، مصر، ج9 ص 292.
([16]) سعـادة الدارين في الرد على الفرقتيـن: إبراهيم بن عثمان السمنودي، مكتبة الإمام مالك، موريتانيا، ط الأولى، 1426 هـ، ج1 ص 173.
([17]) تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد، محمد بخيت المطيعي، ط تركيا، 1397هـ، ص 13.
([18]) التعرف لمذهب أهل التصوف (1/21)
([19]) بغية الطلب في تاريخ حلب (7/3242)
([20]) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (15/60)
([21]) الحاشية على مطالع الأنوار، ص7.
([22]) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (1/11).
([23]) المرجع السابق، (4/170)
([24]) فتح القدير، ج2، ص332.
([25]) النجوم الزاهرة (3/220).
([26]) حوادث الدهور ص 37.
([27]) سبل الهدى والرشاد: (12/408)
([28]) المسلك المتقسط في المنسك المتوسط ص351 – ص352.
([29]) سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر لابن معصوم الحسني ص 41.
([30]) إتحاف المتقين بشرح إحياء علوم الدين ج 10 ص 130.
([31]) شرح الاحياء (10/ 333).
([32]) بريقة محمودية (1/204)
([33]) انظر مثلا: روح البيان (1/176)
([34]) سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر (1/2)
([35]) سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر (1/2)
([36]) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 360
([37]) عجائب الآثار (1/344)
([38]) حاشيته على الدر المختار (4/294)
([39]) تنقيح الفتاوى الحامدية لابن عابدين (7/417)
([40]) حاشية رد المحتار على الدر المختار 1/84
([41]) قره عين الأخيار لتكملة رد المحتار علي الدر المختار (7/ 416)
([42]) روح المعاني (1/82)
([43]) تفسير الألوسي = روح المعاني (1/ 319)
([44]) تفسير الألوسي = روح المعاني (3/ 297)
([45]) انظر حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر لعبد الرزاق البيطار (1/73)
([46]) كتاب الفتاوى الهندية (ج1/266)
([47]) المهند على المفند(ص 86-87)
([48]) مقالات الكوثري (صـ 409)
([49]) الرفع والتكميل في الجرح والتعديل (ص: ٢٧)
([50]) شفاء السقام / السبكي: 69 – 70..
([51]) أخرج هذه القصة رواها أبو الحسن على بن فهر في كتابه فضائل مالك رواها القاضي عياض في الشفا (2:41) بسنده الصحيح عن شيوخ عده من ثقات مشايخه وقال الخفاجي في شرحه (3:398) (ولله دره حيث أوردها بسند صحيح وذكر أنه تلقاها عن عدة من ثقات مشايخه) وذكرها القسطلاني في المواهب (4:580) وقال الزرقاني شارح المواهب في شرحه (8:304) بعد ذكر من أنكرها فقال وهذا تهور عجيب فإن الحكاية رواها أبو الحسن على بن فهر في كتابه فضائل مالك بإسناد حسن، وأخرجها القاضي عياض في الشفاء من طريقه عن عده من ثقات مشائخه، فمن أين أنها كذب؟ وليس في لسنادها وضاع ولا كذاب ونقلها السمهودي في وفاء الوفا ج 2 ص 422 عن القاضي عياض وقال ابن حجر في الجوهر المنظم قد روي هذا بسند صحيح المدخل 1 / 248، 252 والفواكه الدواني 2 / 466 وشرح أبي الحسن على رسالة القيرواني 2 / 478 نقلها الامام السبكي في شفاء السقام، ص154. والقوانين الفقهية 148..
([52]) مفاهيم يجب أن تصحح، ص 206، والرواية نقلها عن المدارك للقاضي عياض.
([53]) فتح الباري شرح صحيح البخاري ج3 ص66.
([54]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (17/ 267)
([55]) مفاهيم يجب أن تصحح، ص 207.
([56]) مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي المغربي، المعروف بالحطاب الرُّعيني المالكي، دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1412هـ – 1992م، 2/ 556.
([57]) المرجع السابق، 3/ 344.
([58]) منسك الإمام خليل بن إسحاق المالكي، خليل بن إسحق المالكي، دار يوسف بن تاشفين، مكتبة الإمام مالك، ص 144.
([59]) المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات والتنبيه على كثير من البدع المحدثة والعوائد المنتحلة، أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج، دار التراث، 1/ 254.
([60]) المعيار المعرب للونشريسي 1/ 321.
([61]) إسعاف الإخوان الراغبين بتراجم ثلة من علماء المغرب المعاصرين، محمد بن الفاطمي السلمي الشهير بابن الحاج، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء، الطبعة الأولى – 1992، ص:38.
([62]) تزيين الألفاظ بتتميم ذيول تذكرة الحفاظ، ص: 104-105.
([63]) تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420هـ)، المكتب الإسلامي – بيروت، الطبعة الرابعة، ص57.
([64]) إحياء المقبور من أدلة جواز بناء المساجد والقباب على القبور، السيد العلامة أحمد بن الصديق الغماري، ص3.
([65]) التمهيد 13/ 66-67) وذكر حديث مالك الدار عبد البر في الإستيعاب (2 / 464)
([66]) ذكره القرطبي في التفسير (10/36)
([67]) الشفا بتعريف حقوق المصطفى – وحاشية الشمني (2/ 85)
([68]) نسيم الرياض 3/ 488، وانظر: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (11/ 453)
([69]) نقلا عن: شعر التوسل عند القاضي عياض دراسة لغوية، د. جيلالي بن يشو، ص27..
([70]) العاقبة في ذكر الموت ص219
([71]) انظر: الوافي بالوفيات (5/60) فقد قال في ترجمته: (محمد بن موسى بن النعمان الشيخ أبو عبد الله المزالي التلمساني وكان فقيها مالكيا زاهدا عابدا عارفا وله تصانيف منها كتاب مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام في اليقظة والمنام)
([72]) التذكرة، ص 254
([73]) تفسير القرطبي، (8/240).
([74]) الذخيرة (3/375-376)
([75]) نقلا عن فتح الباري، 1/14.
([76]) الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (2/ 81)
([77]) المدخل (1/259-260)
([78]) المدخل لابن الحاج (1/ 258)
([79]) القوانين الفقهية (ص: 95)
([80]) تاج المفرق في تحلية علماء المشرق ص 143.
([81]) تاريخ ابن خلدون، (6/43)
([82]) انظر الضوء اللامع (4/399)
([83]) انظر الضوء اللامع (4/338)
([84]) نقلا عن شواهد الحق ص452.
([85]) المرشد المعين على الضروري من علوم الدين (2/300)
([86]) خلاصة الأثير للمحبي (1/8)
([87]) نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (1/32)
([88]) الدر الثمين والمورد المعين (2/302)
([89]) شرح مختصر خليل للخرشي (1/ 58)
([90]) شرح المواهب (8/317)
([91]) كنز المطالب (ص230).
([92]) حاشية الصاوي على الشرح الصغير = بلغة السالك لأقرب المسالك (2/ 72)
([93]) منح الجليل شرح مختصر خليل (7/ 416)
([94]) صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، (6/ 459)
([95]) المرجع السابق، (6/ 461)
([96]) الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، ط1، 1416هـ، (3/3)
([97]) تاريخ بغداد 1: 123، مناقب أبي حنيفة / الخوارزمي 2: 199..
([98]) الخيرات الحسان لابن حجر: 94.
([99]) الصواعق المحرقة: 180.
([100]) تاريخ دمشق لابن عساكر (5/ 311)، وانظر: طبقات الشافعية الكبرى (2 ـ35) والبداية والنهاية 10/ 331 ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي، ص 610.
([101]) إحياء علوم الدين، (1/ 260)
([102]) الفتاوى السهمية في ابن تيمية، أجاب عنها جماعة من العلماء.
([103]) المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، أحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، أبو العباس، شهاب الدين، المكتبة التوفيقية، القاهرة- مصر، ج4 ص 574.
([104]) الفتاوى الحديثية: ابن حجر الهيتمي، الطبعة الثالثة، مصر، ص144.
([105]) الجوهر المنظم في زيارة القبر النبوي المكرم، ابن حجر الهيتمي، الطبعة الأولى، مكتبة مدبولي، مصر، ص 29.
([106]) نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض، أحمد محمد عمر الخفاجي المصري شهاب الدين، المحقق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، 1421 – 2001، ج5 ص 96.
([107]) المرجع السابق، ج 5 ص 113.
([108]) الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة، ابن حجر العسقلاني، دار الجيل، بيروت، 1414 هـ، ،ج1 ص 153.
([109]) كشف الستورعن أحكام القبور، محمود سعيد بن ممدوح، مكتبة دار الفقيه، الإمارات، ط الأولى، 1423 هـ، ص 185.
([110]) شعب الإيمان (6/ 60)
([111]) المنتظم، 11/211.
([112]) إحياء علوم الدين (1/ 259)
([113]) الاجوبة المرضية (1/ 384.
([114]) خريدة القصر وجريدة العصر ص 442.
([115]) التدوين فى أخبار قزوين (2/ 76).
([116]) أدب المفتي والمستفتي (210)
([117]) مقدمة ابن الصلاح = معرفة أنواع علوم الحديث – ت عتر (ص: 6)
([118]) المجموع شرح المهذب (8/ 274)
([119]) وفيات الأعيان (6/ 146)
([120]) الرياض النضرة في مناقب العشرة ص 12.
([121]) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (9/ 221).
([122]) أعيان العصر وأعوان النصر (4/ 635).
([123]) أعيان العصر وأعوان النصر (4/ 636).
([124]) مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا (ص: 8).
([125]) فتاوى السبكي، ص119.
([126]) شفاء السقام ص187.
([127]) أعيان العصر (2/ 366)
([128]) الوافي بالوفيات (21/ 167)
([129]) مرآة الجنان وعبرة اليقظان (2/ 68)
([130]) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (2/ 712)
([131]) البداية والنهاية (13/ 224)
([132]) البداية والنهاية (7/ 90)
([133]) شرح المقاصد (2/ 33)
([134]) خلاصة البدر المنير (1/ 5)
([135]) دفع شبه من شبه وتمرد، ص89.
([136]) تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين للشوكاني (ص: 51)
([137]) تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (ص: 74)
([138]) تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (ص: 74)
([139]) حياة الحيوان الكبري (1/ 220).
([140]) صبح الأعشى في صناعة الإنشاء (11/ 302)، (8/ 178)، (12/ 361)، (14/ 367) وغيرها.
([141]) المرجع السابق، (6/ 458)
([142]) فتح الباري: 2 / 398
([143]) فتح الباري لابن حجر (1/ 522)
([144]) المرجع السابق، (10/303)
([145]) فتاوى الرملي بهامش الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي (4/ 382)
([146]) المواهب اللدنية بالمنح المحمدية: 4/ 593
([147]) المرجع السابق، 3/ 418
([148]) المرجع السابق، (3/ 597)
([149]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية، علماء نجد الأعلام، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الطبعة: السادسة، 1417هـ/1996م (10/ 78)
([150]) المرجع السابق، (10/ 63)
([151]) السحب الوابلة على أضرحة الحنابلة، محمد بن عبد الله بن حميد النجدي، المحقق: بكر أبو زيد – عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، مؤسسة الرسالة، 1416 – 1996، ص:969.
([152]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية، (10/ 116)
([153]) المرجع السابق، (10/123)
([154]) المرجع السابق، (10/ 62)
([155]) علماء نجد خلال ثمانية قرون، عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام، دار العاصمة، 1419، 2 /364.
([156]) السحب الوابلة على أضرحة الحنابلة، ص:927.
([157]) دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقض، عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف، دار طيبة للنشر والتوزيع، 1409 – 1989، ص32.
([158]) الرد على الأخنائي (ص 168)، وذكر معناه برهان الدين بن مفلح في المبدع (2/ 204) وقريب منه ما في الإقناع للعلامة الحجاوي (1/ 208) والفروع لشمس الدين ابن مفلح (توفي 763 هـ) (2/ 159) وغيرهم.
([159]) العلل لأحمد بن حنبل (2/ 492)
([160]) كشاف القناع (2/ 150)
([161]) مجموع الفتاوى (27/ 223.
([162]) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (2\ 456)
([163]) تهذيب الكمال للحافظ المزي (13/ 186)
([164]) المسائل، (217) ورواه أيضا بسند صحيح البيهقي في الشعب (2/ 455 / 2) وابن عساكر (3/ 72 / 1)
([165]) سير أعلام النبلاء (11/ 212)
([166]) ذكره ابن الجوزي في مناقب أحمد:455، وابن كثير في تاريخه:10/331..
([167]) الخيرات الحسان: 94.
([168]) سير اعلام النبلاء (11/ 230)، وانظر الآداب الشرعية لابن مفلح (2/ 97)
([169]) مناقب الإمام أحمد ابن الجوزي ص 297
([170]) رأس الحسين / ابن تيمية: 209.
([171]) مناقب أحمد: 400، 563، 639، 642، 643، 677 وغيرها، وجاء في كتاب (المنتظم) أنه قد قصد زيارته في سنة 574 هـ وتبعه خلق كثير يقدرون بخمسة آلاف إنسان [المنتظم في أخبار الملوك والأمم 18: 248.]
([172]) مناقب أحمد: 6390، وأخرجه الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 4: 423.
([173]) مناقب أحمد: 639.
([174]) المنتظم 18: 55.
([175]) مناقب أحمد: 607.
([176]) المنتظم، والبداية والنهاية: أحداث سنة 470 هـ.
([177]) المغني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد الشهير بابن قدامة المقدسي، مكتبة القاهرة، 1388هـ – 1968م، 3/ 346.
([178]) المرجع السابق، 2/ 100.
([179]) الشرح الكبير (المطبوع مع المقنع والإنصاف)، شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي – الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة – جمهورية مصر العربية، الطبعة: الأولى، 1415 هـ – 1995 م، 3/ 512.
([180]) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي،: دار إحياء التراث العربي، 4/ 53.
([181]) كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى، دار الكتب العلمية، 2/ 515.
([182]) كشاف القناع للبهوتي 1/ 505.
([183]) الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، موسى بن أحمد الحجاوي المقدسي، ثم الصالحي، شرف الدين، أبو النجا، المحقق: عبد اللطيف محمد موسى السبكي، دار المعرفة بيروت، 1/ 179.
([184]) المدهش 1/141.
([185]) بستان الواعظين (ص297)
([186]) صيد الخاطر (ص: 93)
([187]) المنتظم 9\ 93.
([188]) التذكرة في الفقه لابن عقيل (ص: 117)
([189]) المرجع السابق، (ص: 116)
([190]) شواهد الحق للنبهاني، ص98.
([191]) طبقات الحنابله 2/240.
([192]) المستوعب (3/ 88)
([193]) المغني لابن قدامة 3/559.
([194]) المغني (ج2: ص439).
([195]) وصية الإمام ابن قدامة المقدسي، ص 92.
([196]) الشرح الكبير ج3 ص495.
([197]) الإشارات الإلهية في المباحث الأصولية للطوفي (3/ 89)
([198]) المرجع السابق، (3/ 90)
([199]) المرجع السابق، (3/ 90)
([200]) المرجع السابق، (3/ 91)
([201]) المرجع السابق، (3/ 91)
([202]) المرجع السابق، (3/ 92)
([203]) المرجع السابق، (3/ 93)
([204]) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (2/ 456)
([205]) المرشد الأقصد ج1ص144.
([206]) المرشد لأقصد ج1ص145.
([207]) المرشد الأقصد ج1ص197.
([208]) المرشد الأقصد ج2 ص 203.
([209]) ذم المال والجاه (ص72).
([210]) نتائج الأفكار في شرح حديث سيد الإستغفار، ص91.
([211]) كشف القناع (2/ 516)
([212]) كشاف القناع عن متن الإقناع (2/ 68)
([213]) يوميات شامية، ص 120.
([214]) المستوعب (3/ 88)
([215]) المنور في راجح المحرر، ص190.
([216]) الفروع (3/ 229)
([217]) الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل مع شرحه للإمام البهوتي (1/ 546)
([218]) منتهى الإرادات مع شرحه للإمام البهوتي (2/ 58)
([219]) غاية المنتهى مع شرحه للرحيباني (2/ 316)
([220]) شذرات الذهب (10/ 152)
([221]) نقله السبكي في شفاء السقام: 67 عن (الرعاية الكبرى في الفروع الحنبلية).
([222]) سير أعلام النبلاء (11/ 212)
([223]) سير أعلام النبلاء ط الحديث (8/ 88)
([224]) سير أعلام النبلاء ط الحديث (10/ 120)
([225]) ذكره ابن الجوزي في مناقب أحمد:455، وابن كثير في تاريخه:10/331..