الفصل الثالث: المزارات الدينية.. وأدوارها العلمية والتربوية

الفصل الثالث

المزارات الدينية.. وأدوارها العلمية والتربوية

من الأخطاء الكبرى التي وقع فيها أصحاب الرؤية التكفيرية للتعامل مع المزارات الدينية: التعامل معها وفق رؤية سلبية غير موجودة في الواقع، وهي ما يعتبرونه سدا لذريعة الشرك.

وذلك لتوهمهم أن التعلق بالصالحين قد يؤدي إلى عبادتهم من دون الله، وهذا غير صحيح، ذاك أن التعلق بالصالحين، لا يكون إلا بسبب اعتقاد صلاحهم وولايتهم وتقواهم، وبذلك تكون المحبة مرتبطة بالصلاح والولاية والتقوى، وهي كلها محبة في الله تعالى، وهي فرع من محبة الله، وتزيد فيها، ولا تنقص منها.

وأكبر دليل على ذلك تلك الحكايات التي نجدها تروى في تلك المحال التي يتصور التكفيريون أنها محال شرك.. ذلك أننا نجد زوار الأضرحة يبالغون في ذكر عبادات أولئك الأولياء، وورعهم وتقواهم وصلاحهم، وهي كلها تدل على الارتباط بالله، وتدعو إلى ذلك الارتباط.

وقد كان ذلك التوهم الذي وقع فيه التكفيريون سببا في الغفلة عن الكثير من المصالح الشرعية المعتبرة في تلك المزارات، سواء تلك التي ترتبط بحفظ تاريخ الصالحين، فتجعل تاريخ الأمة هو تاريخها علمائها وصالحيها، لا ملوكها ومستبديها، أو تلك التي ترتبط بآثار ذلك التعلق التربوية والأخلاقية والروحية، والتي نرى لها الكثير من مظاهرها في الواقع.

ولهذا نحاول في هذا الفصل تأكيد ما ورد في النصوص المقدسة حول المزارات الدينية، وبيان أهميتها من الناحية العقلية والواقعية، وهو نوع معتبر في الاستدلال عند من يتبناه أصحاب الرؤية التكفيرية أنفسهم.

وقد قال ابن القيم مبنيا ارتباط الشريعة بالمصالح، وانبنائها على الحكم: (إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها، ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضررها وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فهي ليست من الشريعة)([1]

وقد رأينا أن هناك نوعان كبيران من المصالح الشرعية في حفظ المزارات الدينية والاهتمام بها:

أولهما: الدور العلمي والمعرفي الذي يحفظ تاريخ الصالحين، ليحفظ تاريخ الأمة من خلال ذلك.

ثانيهما: الدور التربوي بمختلف أنواعه، وذلك لأن الاهتمام بالصالحين، في حياتهم وبعد موتهم، يجعل منهم أبطالا ومحل قدوة، ولذلك تأثيره التربوي الكبير.

أولا ـ الدور العلمي والمعرفي للمزارات الدينية

من أهم الأدوار التي تؤديها المزارات الدينية حفظ التاريخ الديني، ليبقى للأجيال جميعا، وذلك من الأمور المتفق عليها عند جميع المؤرخين، لا في الآثار الدينية وحدها، بل في جميع الآثار.

فلم نكن لنعرف الحضارة المصرية، وما ارتبط بها من تاريخ قديم لولا الأهرامات ومعبد الأقصر، وهرم زوسر المدرج، ووادي الملوك، ومعبد الكرنك، ومعبد أبو سمبل، وتمثال أبو الهول للملكة حتشبسوت، ومثلها الآثار الكثيرة المرتبطة بالحضارة الفاطمية والأيوبية والمملوكية، والمنتشرة في جميع مدن مصر، وخصوصا القاهرة.

وهكذا لم نكن لنعرف حضارة بلاد الرافدين، ولا حضارة الهند، ولا الرومان، ولا المايا، ولا غيرها من الحضارات لولا تلك الآثار التي تدل عليها من مدن ومعابد وقصور ومسارح.

وبناء على الأهمية التي تكتسيها الآثار، ودورها في التعرف على التاريخ، نشأ [علم الآثار]، والذي عرف بأنه (العلم الذي يختص بدراسة البقايا المادية التي خلفها الإنسان، من أمثال المباني والعمائر، والقطع الفنية، والأدوات والفخار والعظام، وغيرها، والتي يشكل البحث فيها رافدًا مهمًا في إغناء معلوماتنا عن المجتمعات القديمة التي تركت سجلات مكتوبة)([2])

بل إن علم التاريخ نفسه يعتبر الآثار من أهم مصادره المادية على الحقائق التي يذكرها المؤرخون؛ فكل من كتب في المنهج التاريخي، يذكر عند حديثه عن [جمع البيانات والمعلومات اللازمة] الآثار، ويعتبرها من الأدلة المادية المحسوسة، وقد قال بعضهم يذكر مدى أهمية الآثار في البحث التاريخي: (أهمية الآثار التاريخية لا يمكن أن نعد الآثار شيئا ثانويا؛ فالعديد من الأشخاص خاصة في مجتمعاتنا العربية ينظرون إليها نظرة عادية ولا يولونها الكثير من الأهمية مع أنها تحتل مكانة عظيمة، فهي أولا وقبل كل شيء تعتبر الدليل المادي على وجود الشعب وأحقيته بأرضه التي يقيم عليها، ولولا الآثار العربية الإسلامية والمسيحية في فلسطين لبدأ العرب والمسلمون أنفسهم يشكون في أن فلسطين لهم)([3])

وبناء على هذا نحاول هنا التعرف على الأدوار التي تقوم بها المزارات الدينية في خدمة المعارف المرتبطة بالدين، أو ما أطلقنا عليه [الدور العلمي والمعرفي للمزارات الدينية]، وقد رأينا أنه يمكن اختصاره في ثلاثة أدوار:

أولها ـ توفير السند التاريخي للدين، حتى لا يأتي من يشكك فيه بحجة عدم وجود آثار تدل عليه.

ثانيها ـ التعريف بأعلام الدين، والذين كانت لهم مكانة خاصة بين أتباع الدين.

ثالثها ـ الاستبصار بالأحداث الدينية التي حصلت، وكانت لها عبرة خاصة لأتباع الأديان.

وسنتناول هذه الأدوار الثلاثة في المطالب التالية:

1ـ الآثار ودورها في توفير السند المادي للتاريخ الديني:

مثلما رأينا في دور الآثار في التعريف بالتاريخ بمختلف مجالاته؛ فإن للآثار أيضا دورها في التاريخ الديني، بل إننا نجد من يشكك في بعض الأديان بسبب عدم وجود آثار تدل عليها، ذلك أن الأديان مرتبطة ارتباطا وثيقا بالآثار لحرص أتباع الأديان على كل ما يذكرهم بأعلام دينهم.

يقول الشيخ جعفر السبحاني: (اليوم وبعد مضيّ عشرين قرناً- تقريباً- على ميلاد السيد المسيح عليه السلام تحوّل المسيح وأُمّه العذراء وكتابه الانجيل وكذلك الحواريون، تحوّلوا- في عالم الغرب- إلى أُسطورة تاريخية، وصار بعض المستشرقين يشكِّكون- مبدئياً- في وجود رجل اسمه المسيح وأُمّه مريم وكتابه الإنجيل، ويعتبرونه أُسطورة خيالية تشبه أُسطورة (مجنون ليلى)، لماذا؟ لأنّه لا يوجد أيّ أثر حقيقيّ وملموس للمسيح، فمثلًا لا يُدرى‏- بالضبط- أين وُلِد؟ وأين داره التي كان يسكنها؟ وأين دفنوه بعد وفاته- على زعم النصارى‏ أنّه قتل-؟ أمّا كتابه السماوي فقد امتدّت إليه يد التحريف والتغيير والتزوير، وهذه الأناجيل الأربعة لا ترتبط إليه بصلة وليست له، بل هي ل (متّى‏) و(يوحنّا) و(مرقس) و(لوقا)، ولهذا ترى في خاتمتها قصّة قتله المزعوم ودفنه، ومن الواضح- كالشمس في رائعة النهار- أنّها كتبت بعد غيابه، وعلى هذا الأساس يعتقد الكثير من الباحثين والمحقّقين أنّ هذه الأناجيل الأربعة إنّما هي من الكتب الأدبيّة التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني من الميلاد، فلو كانت الميزات الخاصّة بعيسى‏ محفوظة، لكان ذلك دليلًا على حقيقة وجوده وأصالة حياته وزعامته، وما كان هناك مجال لإثارة الشكوك والاستفهامات من قِبَل المستشرقين ذوي الخيالات الواهية)([4])

وفي مقابل هذا يرى أن المسلمين حافظوا على كل ما يرتبط برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولهذا كانت لهم كل الوثائق التي لا يمكن لأي مؤرخ صادق أن ينكرها، يقول: (أمّا المسلمون، فهم يواجهون العالَم مرفوعيّ الرأس، ويقولون: يا أيّها الناس لقد بُعثَ رجلٌ من أرض الحجاز، قبل ألف وأربعمائة سنة لقيادة المجتمع البشري، وقد حقّق نجاحاً باهراً في مهمّته، وهذه آثار حياته، محفوظة تماماً في مكة والمدينة، فهذه الدار التي وُلد فيها، وهذا غار حراء حيث هبط إليه الوحي والتنزيل فيها، وهذا هو مسجده الذي كان يُقيم الصلاة فيه، وهذا هو البيت الذي دُفن فيه، وهذه بيوت أولاده وزوجاته وأقربائه، وهذه قبور ذريّته وأوصيائه عليهم السلام)([5])

ثم يعقب على ما فعله السلفيون في حق الآثار، فقال: (والآن، إذا قَضينا على هذه الآثار فقد قضينا على معالم وجوده صلى الله عليه وآله وسلم ودلائل أصالته وحقيقته، ومهّدنا السبيلَ لأعداءِ الإسلام ليقولوا ما يريدون. إنّ هدم آثار النبوّة وآثار أهل بيت العصمة والطهارة ليس فقط إساءة إليهم عليهم السلام وهتكاً لحرمتهم، بل هو عداء سافر مع أصالة نبوّة خاتم الأنبياء ومعالم دينه القويم) ([6])

ولهذا نجد الحرص الشديد من اليهود، وخصوصا الصهاينة منهم على التنقيب في كل شبر من أرض فلسطين، وخصوصا في القدس، لا لإثبات علاقة اليهودية بها فقط، وإنما لتبرير احتلالهم لها، باعتبارها ـ كما يذكرون ـ أرض الميعاد.

وقد ألجأهم عدم قدرتهم على اكتشاف تلك الآثار إلى الحيلة التي عرفوا بها طيلة تاريخهم، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره بعض المحققين عن تزييفهم للآثار؛ فقال: (سعى الآثاريون الإسرائيليون، ومنذ بداية الصراع إلى تشويه التاريخ القديم لهذه المنطقة استناداً إلى مروياتهم التوراتية، حيث استندوا في مشروعهم السياسي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين إلى حقهم التاريخي المزعوم.. ووصل هذا التشويه إلى حد تزييف بعض قطع الآثار التي تعود إلى حقبة بناء الهيكل الثاني على حد زعمهم)([7])

ثم نقل من صحيفة [هآرتس] بتاريخ 26/3/2004 خبراً مفاده أن مسؤولين في سلطة الآثار الإسرائيلية يؤكدون أن المكتشف الأثري [رمانة العاج] الذي يحمل كتابه قديمة مأخوذة من التوراة، وتم عرضه في متحف [غراند باليه] الفرنسي في باريس مزيف، حيث تبين وجود العديد من المكتشفات الأثرية المزيفة، والتي تعود إلى فترات تاريخية مثل عهد الهيكل الثاني.

وذكر المصدر أن القائمين على ذلك التزييف شبكة إسرائيلية تعمل منذ أكثر من 15 عاماً وتضم في عضويتها متخصصين في علم الآثار، وأن تلك الشبكة وغيرها من الشبكات تتلقى دعما كبيرا من الكيان الصهيوني لإيجاد تاريخ ديني لليهود في المنطقة، ولتبرير احتلالهم لها.

وورد في مقال آخر بعنوان [إسرائيل تسابق الزمن من أجل إثبات يهودية القدس بالآثار]، هذا الخبر: (يواصل علماء الآثار الإسرائيلون، البحث لاكتشافات أهم المواقع الأثرية فى فلسطين، ليؤكدوا للعالم كله أنهم أصحاب هذه الأرض، ومن ضمن الاكتشافات التى روجت فى وسائل الإعلام الغربية، اكتشاف نفق يربط مدينة داود إلى جبل الهيكل، هذا بالإضافة إلى العثور على حفريات أثرية من القرن الرابع عشر تحت الحائط الغربى.. وليس هذا فقط، بل نقبت بعثة علمية فى الأرض المحتلة، فى قرية بمدينة [نتيفوت] إحدى المدن الفلسطينية القديمة، يرجع تاريخها إلى 1500 عاما أى فى الحقبة البيزنطية، وقالت البعثة العلمية أثناء التنقيب فى هذه القرية، أنهم عثروا على واحدة من الاكتشافات المثيرة للإعجاب، حيث إنهم اكتشفوا حفريات تستخدم لتنتج كميات كبيرة من النبيذ)([8])

وهكذا في نفس الجريدة خبرا عن حرص أقباط مصر على آثارهم، حتى لا يدعي مدع في المستقبل خلو مصر من المسيحيين، فتحت عنوان [ائتلات أقباط مصر يطالب بتدخل بعثة آثار دولية لإنقاذ أديرة وادى النطرون]، وجاء في الخبر: (طالب ائتلاف أقباط مصر بضرورة تدخل بعثة دولية لإنقاذ أديرة وادى النطرون الآثرية التى تضررت جراء السيول التى اجتاحت المنطقة الأسبوع الماضى.. حيث انهارت قبة أثرية تعود للقرن السادس الميلادى بدير السريان بوادى النطرون، بالإضافة إلى حاجة ديرى الأنبا بيشوى والسريان إلى تدخل عاجل لإنقاذ الآثار القبطية هناك) ([9])

وهذه الأخبار التي نجد لها نظائر كثيرة تخرج كل يوم، بل هناك من يزيف الآثار حتى يثبت للعالم وللتاريخ صدق الدعاوى التي يدعيها، ترينا مبلغ الجرم الذي قامت به الجماعات المسلحة من تهديم الأضرحة الدينية، واعتبار ذلك دينا، حتى لا يبقى في المنطقة أي أثر ديني للمسلمين يمكن أن يثبتوا وجودهم وتاريخهم من خلاله.

وعندما نبحث عن مصدر هذا الموقف نجده الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وحركته التي راحت تهدم كل الآثار الموجودة في الجزيرة العربية، حتى لا تبقي أي سند مادي للإسلام بحجة محاربة الشرك، وقد وصلت بهم الجرأة إلى تغيير معالم الحرمين الشريفين ليتحولا من مدن مقدسة تعبر عن التاريخ إلى مدن عصرية لا علاقة لها بالتاريخ الديني.

وقد صرح قبل بضع سنوات الدكتور أحمد زكي يماني، وزير النفط السعودي السابق، أثناء محاضرة بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن عن ذلك الدور المشبوه الذي قام به السعوديون تجاه المزارات الدينية نتيجة تعليمات المدرسة السلفية الوهابية؛ فذكر عن نفسه أنه قام بالتنقيب عن منزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم محمد وزوجته خديجة في مكة المكرمة، وذكر أنه (جاء بأكثر من 300 عامل، ومعهم كل ما يحتاجونه من معدات إلى الموقع، بالاضافة الى مهندسين وأخصائيين في التنقيب عن الآثار، وقام الفريق بعمل نادر على مدار 24 ساعة، واستطاع بعد مدة كشف المنزل الذي لم يبق منه سوى ارتفاع متر من حيطانه، وبعد أن صوروه بشكل مفصل، قاموا بردمه بالرمل مباشرة، وغادروا الموقع)([10])

وعندما سئل عن سبب ردمه بالرمل بعد هذا العمل الشاق، أجاب بقوله: (لدينا في السعودية تيار يعتبر الاهتمام بهذه المواقع والآثار ضربا من الشرك)

ولم يقتصر الأمر على ذلك الأثر الذي شهد الوزير السعودي على هدمه بعد اكتشافه، وإنما هناك آثار كثيرة جدا، وبالآلاف هدمت، وأقيمت على أطلالها الفنادق والعمارات والطرق ودورات المياه، وغيرها.

ومن الأمثلة القريبة على ذلك أنه في العام الذي احتل فيه عبد العزيز بن سعود وقواته مدينة مكة المكرمة، أي سنة 1924 كان أول اعمالهم إزالة مقبرة (المعلى) التي تضم قبر السيدة خديجة زوجة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقبر عمه، أبي طالب، وبعد عامين من ذلك الوقت أي سنة 1926، احتل ابن سعود المدينة المنورة، (وقام هو واتباعه بهدم مقبرة البقيع التي تضم قبور عدد كبير من الصحابة وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم ابنته فاطمة الزهراء وحفيده الحسن بن علي، كما هدموا المساجد السبعة في المدينة: مسجد الفتح ومسجد سلمان الفارسي ومسجد أبي بكر ومسجد عمر ومسجد فاطمة ومسجد علي ومسجد القبلتين، وحولوا بعضها الى صرافات الكترونية)([11])

 بل وصل الأمر إلى غار حراء نفسه، والذي يشن الوهابيون عليه حملة شديدة في التنفير من زيارته، بل وصل بهم الأمر إلى الدعوة إلى تفجيره وإزالته، بل هناك من دعا إلى إخراج قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه من المسجد النبوي، وتحريم الصلاة في المسجد النبوي لوجود قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه، بناء على قاعدتهم في حرمة الصلاة في المساجد التي تحوي مقابر.

وفي مقال بعنوان [ما الذي يفعله الوهابيون وآل سعود في آثار المسلمين؟] كتبت [حنان شحاتة] أستاذة القانون تقول: (كانت المواقع التي ارتبطت بحياة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مكانة عالية لدى جميع المسلمين لأكثر من خمسة عشر قرنًا، وقد مر على إدارة تلك المواقع وحكم مناطقها العديد من الأيدي والأسماء، مر عليها الأمويون والعباسيون والعثمانيون، وهي الآن تحت سيطرة العائلة المالكة السعودية.. إلا أن الملايين الذين يزورون المملكة كل عام للحج أو العمرة قد يصعب عليهم فهم ذلك ما تفعله العائلة، فبدلاً من صون وحماية تلك الأماكن والتي تسميها السلطات السعودية [الأمانة المقدسة]، يقول منتقدو السعودية إن العائلة ترتكب جرمًا ممنهجًا بتخريب ثقافي للمواقع التراثية هناك)([12])

ثم ذكرت الكاتبة معهد واشنطن القائم على شؤون الخليج، ذكر أن 95 بالمائة من المباني القديمة، والتي ارتبطت بحياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تم هدمها في العقدين الماضيين، و(لم تعد صحراء الجزيرة تُضاء بالنجوم، لكن الآن تضيئها سلاسل الفنادق الفاخرة، والمحال التجارية الرأسمالية المبهرجة أمثال ماكدونالدز، ستاربكس، باسكن روبنز والعديد من بوتيكات باريس هيلتون!!)

وذكرت بأسف أن (الحجاج الذين يأتون لمرة واحدة في العمر بعد تدبير وإدخار طويلين لرحلة روحية لا تتكرر غالبًا، إذا أرادوا أن يزوروا بيت السيدة خديجة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسيجدون مكان البيت كتلة مكونة من 1400 مرحاض عام)

وهكذا ذكرت أن (الموقع الذي يُعتقد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد وُلد فيه، حولته المملكة في الخمسينات من القرن الماضي إلى سوق للماشية، ثم مكتبة لاحقًا، والآن يسير الوهابيون في طريق هدم المكتبة، وبناء امتداد لقصر ملكي ليصبح مقر إقامة للملك، ولتجنب أي غضب من المسلمين قام السعوديون بوضع لافتة في الموقع تقول: (لا يوجد أي دليل على أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد وُلد هنا، ولذلك لا يجوز تخصيص الصلاة والدعاء أو التبرك في هذا المكان)

وذكرت أن العائلة السعودية دمرت مقابر المسلمين التي يعود تاريخها إلى أكثر من 1000 سنة، حيث سُحقت جبال مكة لإفساح الطريق لمواقف السيارات، وذكرت أن (ملايين المسلمين حول العالم اضطروا لابتلاع ألسنتهم والصمت، فالنظام القمعي الذي يسيطر على الحجاز قد يمنع من أراد من أداء مناسك الحج أو العمرة برفض التأشيرة لمن يعلو صوته بمعارضة أفعاله، فالحكومة السعودية لا تتحكم فقط بالأماكن، لكنها تتحكم أيضًا بمن يزور الأماكن، وبحصص الدول المختلفة، وبعدد من يزورون المشاعر المقدسة، والأمر يخضع لأهواء السياسة طوال الوقت)

وذكرت أن السلطات السعودية تعتبر الحرمين ملكية خاصة بها، فلذلك لا تسمح بأي مناقشة أو نقد لأي تصرف تقوم به، ومن ذلك أن تركيا أدانت في عام 2003 هدم قلعة عثمانية قديمة كانت تخضع لوالي مكة المكرمة، ليحل محلها برج عملاق يُسمى برج الساعة، واعتبر وزير الثقافة التركي ذلك التصرف السعودي [عملاً همجيًا]، وقال مصرحا للجهات الإعلامية: (بالنيابة عن الدولة التركية وعن الأمة، من الصعب أن ننظر إلى المملكة العربية السعودية بشكل ودي، هذا ليس فقط عدم احترام للتاريخ، لكنه محاولة متعمدة للقضاء على الثقافة التركية من عالمهم ومن التاريخ)

وفي مقال آخر بعنوان [ماذا أبقى الوهابيون من تراث المسلمين في الحجاز؟] ذكر صاحبه بعض الجرائم التي قام بها السعوديون في حق التراث، ومنها (تدمير آلاف من قبور الصحابة من المهاجرين والأنصار (تصل الى عشرة آلاف) وغيرهم من آل البيت والتابعين والشهداء في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة، وإزالة القبب، حتى أنه لا يمكن التعرّف اليوم إلا على بضعة قبور منها، وجاء ذلك بناء على فتوى الشيخ عبد الله بن بلهيد ابإدّعاء عبادة المسلمين لهذه القبور من دون الله. وفعلوا نفس الشيء في مقبرة المعلّى بمكة المكرمة، فدمّر قبر أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وقبر أبي طالب، وقبر آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرها، وترافق مع احتلال المدينة المنورة من قبل آل سعود تهجير لسكانها بحيث لم يبق من بين 70ـ80 ألفاً سوى ستة آلاف، بعد خمسة عشر شهراً من الحصار السعودي لها، وقد وصفت المدينة فور سقوطها بأن [الشوارع والأزقّة فارغة والبيوت مهدّمة، وملامح الإعياء بادية ظاهرة وكأن الزلزال أصابها]، ووصف أحدهم البقيع فور تدميره أواخر 1925، وبداية 1926م بقوله: (حين دخلتُ إليه وجدتُ منظره منظر بلدة قد خربت عن آخرها. لم يكن في أنحاء المقبرة كلها ما يمكن أن يشاهد سوى أحجار مبعثرة وأكوام صغيرة من التراب لا حدود لها، وقطع من الخشب.. كان ذلك أشبه بالبقايا المبعثرة لبلدة أصابها الزلزال فخربها كلها.. كان كل شيء عبارة عن طرق وعرة تتخللها مواد الأبنية المهدمة وشواهد القبور المبعثرة. لم يحدث هذا بفعل الزمن وعوارض الطبيعة، بل صنعته يد الإنسان عن عمد وتقصد)([13])

2ـ الآثار ودورها في التعريف بأعلام الدين:

مثلما كان للآثار دورها في التعريف بأعلام السياسة والحرب من أمثال الإسكندر المقدوني وكورش الفارسي ورمسيس الثاني؛ فقد كان للآثار أيضا دورها في التعريف بأعلام الدين من علماء وقديسين وصالحين، ولهذا نجد في كل الأديان مقامات وأضرحة وشواهد خاصة بهؤلاء، ونجد بجانبها كتابات تعرف بهم، وموالد تحيي المناسبات التي تذكر بأعمالهم.

ذلك أن من طباع الإنسان الميل للمحسوس؛ فهو لا يكتفي بالمعرفة النظرية، بقدر ما يتوق إلى شواهد حسية تبرز ذلك المعنى النظري في قالب حسي.

وقد أشار إلى هذا المعنى القرآن الكريم عند ذكره لأهل الكهف؛ قال تعالى: Pقَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًاO [الكهف: 21]، وقد أقره القرآن الكريم، ولم ينكره عليهم، مع أن السكوت عن البيان وقت الحاجة لا يجوز كما ينص الأصوليون.

وقد ذكر المفسرون أن السبب الذي دعا الموحدين إلى ذلك الاقتراح هو حفظ مكانهم ومكانتهم وما حصل لهم حتى تذكرهم الأجيال القادمة، ويكون ذلك آية لها، كما كان آية للمعاصرين، يقول ناصر مكارم الشيرازي: (لأجل إِسكات الناس عن قصّتهم كانوا يقولون: لا تتحدثوا عنهم كثيراً، إِنَّ قضيتهم معقدة ومصيرهم محاط بالألغاز، لذلك فإِن: (ربّهم أعلم بهم). أي اتركوهم وشأنهم واتركوا الحديث في قصّتهم، أمّا المؤمنون الحقيقيون الذين عرفوا حقيقة الأمر واعتبروه دليلا حيّاً لإِثبات المعاد بعد الموت، فقد جَهدوا على أن لا تُنسى القصة أبداً لذلك اقترحوا أن يتخذوا قرب مكانهم مسجداً، وبقرينة وجود المسجد فإِنَّ الناس سوف لن ينسوهم أبداً، بالإِضافة إلى ما يتبرك بهِ الناس مِن آثارهم)([14])

ولهذا نجد عند العامة تاريخا مختلفا تماما عن التاريخ السياسي الذي تمتلئ به كتب التاريخ، والممتلئ بالصراع والدماء، والذي يملأ النفوس باليأس والقنوط والأسوة السيئة، على عكس التاريخ المرتبط بأعلام الدين، والذي يحظ على الاقتداء بهم، والتأسي بصلاحهم وتقواهم، ولعل هذا هو السر الذي دعا إبراهيم عليه السلام لأن يدعو الله بقوله: Pوَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ O [الشعراء: 84]، لأن ذكره سيفيد في الاقتداء والسلوك، بخلاف الملوك والسلاطين والمستبدين.

وعندما نخرج إلى الواقع وفي جميع الدول الإسلامية ـ ما عد تلك التي خربت الوهابية عقولها، ودمرت آثارها ـ نرى الكثير من الأعلام الذين لم يحفظ العوام أسماءهم، وتواريخهم، وتفاصيل حياتهم لولا تلك الآثار التي تدل عليهم.

فعوام المصريين ـ مثلا ـ لا يعرفون أسماء أكثر الحكام الذين تداولوا على حكم مصر من أمثال الحافظ لدين الله، والظافر بأمر الله، والفائز بنصر الله، والعاضد لدین‌ الله، وغيرهم من الخلفاء الفاطميين الذين حكموا مصر، وهكذا لا يعرفون صلاح الدين الأيوبى، ولا الملك العادل، ولا نجم الدين أيوب، ولا غيرهم من الملوك الأيوبيين، ولا يعرفون عز الدين أيبك، ولا سيف الدين قطز، ولا الظاهر بيبرس، ولا غيرهم من المماليك.. في نفس الوقت الذي يعرفون الكثير من العلماء والأولياء وخصوصا من أهل البيت، والذين لا يكتفون بمعرفهم فقط، بل نجدهم يذكرون الكثير من الكرامات المرتبطة بهم، ويعرفون جزءا مهما من تاريخهم، والذي مع كونه قد يكون مختلطا ببعض الأساطير، لكنه يحمل الكثير من الأحداث الصحيحة، والمعاني الصالحة للاقتداء.

ووفقا لبعض الدراسات الاجتماعية المتخصصة فإن عدد الأضرحة والمقامات في مصر، والتي يمثل كل مقام منها وليا من الأولياء، أو عالما من العلماء، يبلغ نحو 6 آلاف ضريح، (وهو عدد يفوق عدد القرى والمدن المصرية، غير أن ما اشتهر من هذه الأضرحة نحو 1000 ضريح، يوجد منها في العاصمة القاهرة وحدها 294 ضريحاً من أشهرها [الحسين ـ السيدة زينب ـ والسيدة نفيسة]، فيما تتوزع البقية على باقي المدن والمحافظات، فعلى سبيل المثال يوجد في مركز فوّة ـ محافظة كفر الشيخ ـ 81 ضريحاً وفي مركز طلخا ـ محافظة الدقهلية ـ 54 وفي مركز دسوق 84 وفي مركز تلا 133 كما يوجد في أسوان ـ أقصى جنوب مصر ـ أحد المشاهد يسمى مشهد السبعة وسبعين ولياً)([15])

ومن الأضرحة المشهورة في مصر، والتي يحج إليها الناس من كل المدن المصرية، بل حتى من غيرها، ويقيمون فيها الموالد، ضريح الإمام الحسين، وضريح السيدة زينب، وضريح السيدة عائشة بنت الإمام جعفر الصادق، وضريح السيدة سكينة، وضريح السيدة نفيسة، وضريح الإمام الشافعي، وضريح الليث ابن سعد، وهي كلها في القاهرة.

أما خارج القاهرة، فتشتهر أضرحة الشيخ أحمد البدوي بطنطا، وإبراهيم الدسوقي بدسوق، وأبي العباس المرسي بالإسكندرية، وأبي الدرداء بها أيضاً، وأبي الحسن الشاذلي بقرية حميثرة بمحافظة البحر الأحمر، وأحمد رضوان بقرية البغدادي بالقرب من الأقصر، وأبي الحجاج الأقصري بالأقصر أيضاً، وعبد الرحيم القنائي بقنا.. وغيرها كثير.

وقد وصف بعض الباحثين كثرة الأضرحة في مصر، ومدى اهتمام المصريين بها؛ فقال: (وأضرحة الأولياء التي تنتشر في مدن مصر ونحو ستة آلاف قرية هي مراكز لإقامة الموالد للمريدين والمحبين، ويمكننا القول: إنه من الصعب أن نجد يوماً على مدار السنة ليس فيه احتفال بمولد ولي في مكان ما بمصر)([16])

بل إن الأمر وصل إلى حد تهكم المصريين وسخريتهم من القرى التي تخلو من الأضرحة، ويعتبرونها خالية من البركة؛ فقد ذكر الدكتور زكريا سليمان بيومي أن القرى التي تخلو من أضرحة الأولياء من أمثال (بِيّ العرب) و(أبو سنيطة) و(ميت عفيف) والتي تنمتي إلى مركز الباجور منوفية، كانت مثار سخرية من القرى المجاورة، حيث أطلقوا عنها (أمثلة شعبية تدل على بخل هذه القرى وخلوها من البركة، وهي ما زالت سارية بين الناس حتى الآن)([17])

وهكذا الأمر في بلاد الشام، حيث أحصى عبد الرحمن بك سامي سنة (1890م) في دمشق وحدها 194ضريحاً ومزاراً، بينما عد نعمان قسطالي المشهور منها 44 ضريحاً، وذكر أنه منسوب للصحابة أكثر من سبعة وعشرين قبراً، لكل واحد منها قبة ويزار ويتبرك به.

وفي الآستانة عاصمة السلطنة العثمانية كان يوجد 481 جامعاً يكاد لا يخلو جامع فيها من ضريح، أشهرها الجامع الذي بني على القبر المنسوب إلى أبي أيوب الأنصاري في الآستانة (القسطنطينية).

وفي الهند يوجد أكثر من مئة وخمسين ضريحاً مشهوراً يؤمها الآلاف من الناس.

وفي بغداد كان يوجد أكثر من مئة وخمسين جامعاً في أوائل القرن الرابع عشر الهجري، وقلّ أن يخلو جامع منها من ضريح، وفي الموصل يوجد أكثر من ستة وسبعين ضريحاً مشهوراً كلها داخل جوامع، وهذا كله بخلاف الأضرحة الموجودة في المساجد والأضرحة المفردة ([18])

وفي معظم مناطق أوزبكستان كثير من الأضرحة المنسوبة إلى الصحابة والمشائخ ورجال العلم والأولياء، وأصبحت هذه القبور مزارات يفد إليها مريدوها جماعات وأفراداً، يدعون ويبكون، ومن أهم تلك المزارات ضريح قثم بن العباس ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في سمرقند، وضريح البخاري في قرية خرتنك([19]).

وهكذا الأمر في الجزائر، حيث كشفت دراسة تناولت وضعية القبب والأضرحة والأولياء في الجزائر، أن في المدن الجزائرية ما لا يقل عن 6 آلاف ضريح، وذكر الباحث الذي أجرى الدراسة الأستاذ عمر بن عيشة، أن رقم 6 آلاف تخص فقط الأضرحة الكبيرة والمعروفة عبر الوطن، لأن بعض الولايات، نجد بها ما لا يقل عن 350 ضريح ([20]).

3ـ الآثار ودورها في الاستبصار بحقائق التاريخ:

من الأدور المعرفية المهمة المرتبطة بالآثار دورها في التعريف ببعض الأحداث التاريخية المتعلقة بالصالحين، والتي قد يسدل عليها ستار الإهمال والنسيان؛ فلا تجد ما يحفظها سوى تلك المعالم الأثرية.

ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في القرآن الكريم من الأمر بالسعي بين الصفا والمروة، قال تعالى: P إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌO [البقرة: 158]، فقد اعتبر القرآن الكريم الصفا والمروة من شعائر الله التي يجب تعظيمها، بل لا يتم الحج إلا بها.

وهذا طبعا سيدعو كل ممارس لهذه الشعيرة للبحث عن سر ذلك السعي وعدده، وسيجاب طبعا بتلك الحادثة التي وقعت في التاريخ، والتي سيدعوه البحث المفصل فيها على التعرف على الجهود العظيمة التي قام بها إبراهيم وإسماعيل وهاجر عليهم السلام في الدعوة إلى الله، والتضحيات التي بذلوها في سبيل ذلك.

ولو أن السلفية اكتفوا بما ورد في حق هذه الشعيرة وسببها، لخففوا من غلوهم، ولما تجرؤوا على التعامل مع المزارات الدينية بتلك المعاملات الناشئة عن الجهل المركب بحقيقة التوحيد والفرق بينه وبين الشرك، وإلا فإننا لو طبقنا مقاييسهم كان السعي بين الصفا والمروة نفسه شركا، خاصة وأن كليهما حجارة من نفس الحجارة التي كانت تنتحت بها الأصنام في مكة المكرمة.

وقد صرح الشيخ ابن عثيمين، وهو من أعلام السلفية المعاصرين، الذين أفتوا وبرروا لكل تلك الجرائم التي لحقت المزارات الدينية في الحرمين الشريفين وغيرهما، بأن السعي بين الصفا والمروة مرتبط بتلك الحادثة التاريخية؛ فقال: (أصل السعي أن يتذكر الإنسان حال أم إسماعيل، فإنها لما خلَّفها إبراهيم عليه الصلاة والسلام هي وابنها في هذا المكان، وجعل عندها سقاءً من ماء، وجراباً من تمر، فجعلت الأم تأكل من التمر وتشرب من الماء، وتسقي اللبن لولدها، فنفدَ الماء ونفد التمر، فجاعت وعطشت، ويبس ثديها، جاع الصبي، وجعل يتلوى من الجوع، فأدركتها الشفقة، فرأت أقرب جبل إليها الصفا فذهبت إلى الصفا، وجعلت تتحسس لعلها تسمع أحداً، ولكنها لم تسمع، فنزلت إلى الاتجاه الثاني إلى جبل المروة، ولما هبطت في بطن الوادي نزلت عن مشاهدة ابنها، فجعلت تسعى سعياً شديداً، حتى تصعد لتتمكن من مشاهدة ابنها، ورقيت لتسمع وتتحسس على المروة، ولم تسمع شيئاً، حتى أتمت هذا سبع مرات ثم أحست بصوت، ولكن لا تدري ما هو، فإذا جبريل نزل بأمر الله عزّ وجل، فضرب بجناحه أو برجله الأرض مكان زمزم الآن)([21])

ولو طبقنا هذا التصريح من الشيخ ابن عثيمين على كل ما يقوم به الصوفية والشيعة وغيرهم في حق الأولياء والصالحين، لم نر أي فرق في ذلك؛ فكيف يحكم بالشرك على سلوكات يعتبرها فرضا وواجبا وركنا دينيا في محل آخر؟ وهل أمرنا الله تعالى عند سعينا بين الصفا والمروة بالشرك؟

ومثل ذلك نجد ما ورد في أحكام شعائر الحج من رمى الجمار، والمرتبط أيضا ـ حسبما تدل عليه روايات الفريقين السنة والشيعة ـ على ما فعله إبراهيم عليه السلام، ففي الرواية عن الإمام علي والإمام السجاد والإمام الكاظم عليهم السلام، أن علة رمي الجمرات هي مواجهة نبي الله إبراهيم عليه السلام الشيطان حينمى أراد أن يذبح ولده إسماعيل عليه السلام([22]).

وروي في المصادر السنية عن ابن عباس مرفوعاً قال: (لما أتى إبراهيم خليل الله عليه السلام المناسك، عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات، حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له في الجمرة الثالثة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض. قال ابن عباس: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم تتبعون)([23])

وقد ذكر أبو حامد الغزالي هذا المعنى عند ذكره لما يستشعره رامي الجمار؛ فقال: (ثم اقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة أو يفتنه بمعصية فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طرداً له وقطعاً لأمله؛ فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه، وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان، وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي، ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه، وأنه يضاهي اللعب؛ فلم تشتغل به فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان، واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيماً له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه)([24])

وهكذا إذا تركنا هذه الشعائر المتفق على تعظيمها بين المسلمين جميعا، فإننا نجد في المعالم التاريخية الكثير من الآثار التي تدل على أحداث تاريخية دينية مهمة، يشكل التعرف عليها والبحث فيها أحسن وسيلة لاستبصار الحقائق.

ولعل أهمها تلك الفاجعة العظيمة التي حلت بأهل بيت النبوة عند ثورهم على الظلم والاستبداد، وما حصل لهم من الملاحم والمآسي في كربلاء، لكن الله شاء أن يخلد ذكرهم الذي أراد الطغاة طمسه؛ فقد ورد في الحديث عن زينب الكبرى، أنها قالت لابن أخيها وإمامها زين العابدين لمّا رأى مشهد الطفّ يومَ الحادي عشر من المحرّم قُبيلَ الرحيل من كربلاء، وقد أخذ يجود بنفسه المقدّسة: (ما لي أراكَ تجودُ بنفسك يا بقيّةَ جَدّي وأبي وإخوتي! فَوَ اللهِ إنّ هذا لَعهدٌ من الله إلى جَدِّك وأبيك، ولقد أخذ اللهُ ميثاقَ أُناسٍ لا تعرفهم فراعنةُ هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، أنّهم يجمعون هذه الأعضاءَ المقطّعة، والجسومَ المضرَّجة، فيُوارونها، وينصبون بهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيّدِ الشهداء لا يُدرَس أثرُه ولا يُمحى رسمه على كُرُر الليالي والأيّام، ولَيَجتهِدَنّ أئمّةُ الكفر وأشياعُ الضَّلال في محوه وتطميسه، فلا يَزداد إلاّ عُلُوّاً)([25])

بل إنها ذكرت هذا المعنى بكل ثقة للطاغية يزيد، حين واجهته بقولها: (فَكِدْ كيدَك، واسعَ سعيَك، وناصِبْ جَهَدك، فوَ اللهِ لا تمحو ذِكرَنا، ولا تُميت وَحْيَنا)([26])

ومن الأمثلة على ذلك أن الزائر لمرقد أولاد مسلم بن عقيل والذي يضم محمد وإبراهيم بن مسلم ابن عقيل الموجود بمدينة المسيب ([27]) بالعراق، سيتساءل عن سر ذينك القبرين، وسيتعرف من خلال ذلك على الجرائم التي ارتكبها الأمويون في حق أهل البيت حتى الصغار منهم.

وهكذا عندما يرى الزائر مقام كفي أبي الفضل العباس([28])، فإنه سيتساءل عن سر دفنهما لوحدهما، وسيتعرف من خلالها على تلك التضحية التي قام بها في مواجهة الطغيان الأموي، وإن كان له مزيد فضول، فسيكون ذلك مقدمة لاستبصار الكثير من الأحداث التاريخية التي حاول الساسة على مدار التاريخ تغطيتها وإسدال ستار الإهمال عليها.

ثانيا ـ المزارات الدينية.. وأدوارها التربوية

لا يقتصر الدور المرتبط بالمزارات الدينية على الدور العلمي والمعرفي، بل يتعداه إلى أدوار كثيرة ترتبط بالتربية والإصلاح، بل لعلها هي المقصودة بالدرجة الأولى، ولذلك ربط القرآن الكريم الحج بالتقوى؛ فقال: Pالْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِO [البقرة: 197]

ولعل ذلك يكمن بالإضافة إلى بركات المكان وقدسيته إلى اجتماع الكثير من الناس، ومن صالحيهم وعلمائهم في محل واحد، بحيث يرى الزائر إلى الأماكن التي يعتقد قدسيتها ما لم يكن يراه في بلده، ولعله يعود بطباع جديدة، وأحوال نفسية جديدة لم يكن ليظفر بها لولا رحلته إلى تلك الأماكن.

بالإضافة إلى ذلك؛ فإن للتهيئة النفسية دورها في تحقيق البعد التربوي والإصلاحي؛ فالزائر الذي يعتقد قدسية الآثار التي يزورها يجد نفسه يحاول الالتزام قدر الإمكان ليعطي ذلك المكان حقه من الاحترام، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: Pذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ O [الحج: 32]، وقوله: Pوَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَO [الحج: 34]

بناء على هذا سنحاول في هذا المبحث بيان بعض الأدوار التربوية والإصلاحية للمزارات الدينية، وذلك من خلال المطالب التالية:

1ـ الآثار ودورها في الاعتبار بمهالك المنحرفين:

كما يرتبط التاريخ الديني بالأنبياء والأئمة والصالحين والمتقين؛ فإنه يرتبط كذلك بالعتاة والمستبدين والمجرمين، ولذلك فإن الآثار التي تنبه إلى حسنات الصالحين، هي نفسها الآثار التي تدل على جرائم المستبدين، والآثار التي تغرس قيم الصلاح، وتحبب فيها، هي نفسها الآثار التي تزيل قيم الانحراف، وتنفر منها.

ولهذا يرد في القرآن الكريم الدعوة للسير في الأرض، والاعتبار بما حصل للمستبدين الظلمة، كما قال تعالى: P أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ O [الحج: 46]، وقال: P قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ O [النمل: 69]، وقال: Pأَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ O [الروم: 9]

وعندما ذكر قوم لوط عليه السلام، وما حصل لهم من الهلاك بسبب إعراضهم عن نبيهم، دعا المشركين إلى اعتبار بمهالكهم التي يمرون عليها أثناء رحلتهم إلى الشام، قال تعالى: P وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138) O [الصافات: 133 – 139]

ولهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند المرور بتلك الآثار الدالة على الإعراض عن الأنبياء إلى البكاء والاعتبار، ومن الأمثلة على ذلك ما ورد من الروايات في ديار ثمود التي ذكرت في قوله تعالى: P وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَO [الحجر: 80]، والتي كانت معروفة للعرب في ذلك الحين، كما قال ياقوت الحموي: (والحِجْر: اسم ديار ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام، قال الإصطخري: الحجر قرية صغيرة قليلة السكان، وهو من وادي القرى على يوم بين جبال، وبها كانت منازل ثمود، قال الله تعالى: Pوَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَO، قال: ورأيتها بيوتا مثل بيوتنا في أضعاف جبال، وتسمى تلك الجبال الأثالث، وهي جبال إذا رآها الرائي من بعد ظنها متصلة، فإذا توسطها رأى كل قطعة منها منفردة بنفسها، يطوف بكل قطعة منها الطائف وحواليها الرمل، لا تكاد ترتقى كل قطعة منها قائمة بنفسها، لا يصعدها أحد إلا بمشقة شديدة، وبها بئــــر ثمــــود التي قال الله فيهــا وفي الناقة Pلَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍO)([29])

وقال ابن كثير: (وثمود قوم صالح كانوا يسكنون الحجر قريباً من وادي القرى، وكانت العرب تعرف مساكنهما جيداً، وتمر عليها كثيراً)([30])

فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمر قال: (لما مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحجر قال: (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم: أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين)، ثم قنع رأسه، وأسرع السير، حتى جاز الوادي)([31])

بل ورد ما هو أكبر من ذلك؛ فعن نافع أن عبد الله بن عمر أخبره: أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرض ثمود الحجر فاستقوا من بئرها واعتجنوا به فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يهريقوا ما استقوا من بئرها وأن يعلفوا الإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة)([32])

فهذا الحديث يشير إلى بعد تربوي مهم، وهو النفور من آثار المفسدين، وعدم الإعجاب بها، أو الانفعال الإيجابي معها، لأن ذلك قد يحبب الزائر فيها وفي أهلها المجرمين، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى موبخا: Pوَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَO [إبراهيم: 45]

وهذه النصوص المقدسة لا تنهى عن الزيارة، وإنما تنهى عن الإعجاب والتأثر والولاء للمفسدين وعدم البراءة منهم، كما أشار إلى ذلك ابن الجوزي عند شرحه لمعنى البكاء في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين)، فقد قال: (إنما ينشأ البكاء عن التفكر، فكأنه أمرهم في التفكر في أحوال توجب البكاء)([33])

وبذلك فإن الزائر للآثار الرومانية أو المصرية أو غيرها من الآثار الممتلئة بالهيبة، لا يصح أن يغفل هذا الجانب الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر بتخريب الآثار مثلما فعل الوهابية، أو مثلما فعلت سليلتها داعش والقاعدة، وإنما أمر بالاعتبار بها، وتذكر المستضعفين والصالحين الذين أصابهم ما أصابهم من البلاء فيها.

2ـ الآثار ودورها في الارتباط الروحي بالصالحين:

وهي من الأدوار المهمة جدا، والتي تحقق معنى من معاني المحبة في الله، والتي ورد في النصوص المقدسة الكثيرة الثناء عليها، ففي الحديث الذي ذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله): (ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه)([34])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)([35])

وزيارة الأولياء والصالحين من هذا النوع، ذلك أنه ليس فيها أي مصلحة للزائر سوى تلك المحبة النابعة من قلبه لهم بحكم كونهم صالحين، وهو معنى المحبة في الله الخالية من أي غرض؛ فليس من شرط المحبة في الله كون المتحابين أحياء كما قد يتوهم.

ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من زيارة جبل أحد، وهو المكان الذي استشهد فيه عمه وحبيبه حمزة بن عبد المطلب، كما استشهد فيه خيرة الصحابة المنتجبين، وكان صلى الله عليه وآله وسلم من فرط محبتهم لهم يحب الجبل الذي دفنوا فيه، كما ورد في الحديث الذي رواه أنس قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر أخدمه، فلما قدم راجعا وبدا له أحد، قال: (هذا جبل يحبنا ونحبه)([36])

وفي حديث آخر دعوة للتبرك بما في أشجاره من ثمار، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أحد جبل يحبنا ونحبه فإذا جئتموه فكلوا من شجره ولو من عضاهه)([37])

وفي الحديث أن زينب بنت نبيط زوجة أنس كانت ترسل ولائدها إلى أحد، ليحضروا لها من نباته، ولو من عضاهه، لأنها سمعت أنسا يذكر الحديث السابق ([38]).

وفي كل هذا ردود بليغة على موقف التيار السلفي من الآثار، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يحب فقط أولئك الصحابة الذين دفنوا في أحد، وإنما كان يحب أيضا الجبل الذي كان يأويهم، كما قال الشاعر معبرا عن ذلك:

أمر على الديار ديار ليلى

   أقبل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي

  ولكن حب من سكن الديارا

وليس الأمر قاصرا على تلك الأحاديث، بل ورد في القرآن الكريم ما يشير إلى هذا المعنى الذي يريد السلفية إزالته من عقائد المسلمين وسلوكاتهم التي تربطهم بالصالحين، فقد قال تعالى:P وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًاO [النساء: 64]

وقد ذكر النووي ما يشير إلى معنى من معاني هذه الآية الكريمة؛ فنقل عن العتبي قوله: (كنتُ جالساً عند قبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فجاء أعرابيٌّ فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعتُ الله تعالى يقول: (وَلَوْ أنَّهُمْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) [النساء: 64] وقد جئتُك مستغفراً من ذنبي، مستشفعاً بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول:

يا خيرَ مَنْ دُفنتْ بالقاع أعظُمُه

   فطابَ من طيبهنَّ القاع والأكمُ

نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكنُهُ

  فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرَمُ

قال: ثم انصرفَ، فحملتني عيناي فرأيت النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فقال لي: (يا عُتْبيّ، الحقِ الأعرابيَّ فبشِّره بأن الله تعالى قد غفر له)([39])

ولهذا ورد في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على فضل زيارته، وهي أحاديث كثيرة ترد على التيار السلفي المتشدد الذي يقول بتحريم الزيارة، وبدعيتها، بل إنه يعتبر زيارة الأضرحة شركا جليا مخرجا من الملة، ويعتبر صاحبه قبوريا، يقول تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي ردا على ابن تيمية: (إنّ الأحاديث التي جمعناها في الزيارة بضعة عشر حديثاً ممّا فيه لفظ الزيارة غير ما يستدلّ به لها من أحاديث أُخر، وتضافر الأحاديث يزيدها قوة، حتى أنّ الحسن قد يرتقي بذلك إلى درجة الصحيح.. وبهذا بل بأقلّ منه، يتبيّن افتراء مَن ادّعى أنّ جميع الأحاديث الواردة في الزيارة، موضوعة، فسبحان الله!! أما استحيا من الله ومن رسوله في هذه المقالة التي لم يسبقه إليها عالم ولا جاهل؟ لا من أهل الحديث، ولا من غيرهم؟ ولا ذكر أحدٌ موسى بن هلال ولا غيره من رواة حديثه هذا بالوضع، ولا اتّهمه به فيما علمنا! فكيف يستجيز مسلم أن يطلق على كلّ الأحاديث التي هو واحد منها: (أنّها موضوعة)، ولم يُنقل ذلك عن عالم قبله، ولا ظهر على هذا الحديث شيء من الأسباب المقتضية للمحدّثين للحكم بالوضع، ولا حُكم متنه ممّا يخالف الشريعة، فمن أي وجه يحكم بالوضع عليه لو كان ضعيفاً؟ فكيف وهو حسن أو صحيح؟)([40])

ومن تلك الأحاديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من زار قبري وجبت له شفاعتي)([41])، وقوله: (من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة)([42])، وقوله: (ليهبطن عيسى بن مريم حكماً عدلاً، وإماماً مقسطاً، وليسلكن فجاً حاجاً أو معتمراً أو بنيتيهما، وليأتين قبري حتى يسلم علي ولأردن عليه)([43])، وفي رواية: (والذي نفس أبي القاسم بيده لينزلن عيسى بن مريم، إماماً مقسطًا، وحكماً عدلاً، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليصلحن ذات البين، وليذهبن الشحناء، وليعرضن عليه المال فلا يقبله، ثم لئن قام على قبري فقال: يا محمد لأجبته)([44])

وبناء على هذا اشتدت مواقف المحققين من علماء المذاهب الأربعة من ابن تيمية ومدرسته التي خالفت الأمة جميعا في موقفها من زيارة الأضرحة، واعتبارها بدعة، وقد قال الحافظ ابن حجر يشير إلى ذلك: (والحاصل أنهم [أي العلماء] ألزموا ابن تيمية بتحريم شدِّ الرحل إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية)([45])

وقال الحافظ أبو زرعة العراقي في بعض أجوبته المسماة (الأجوبة المرضية عن الأسئلة المكية) عند الكلام على المسائل التي انفرد ابن تيمية بها: (وما أبشع مسألتي ابن تيمية في الطلاق والزيارة، وقد رد عليه فيهما معاً الشيخ تقي الدين السبكي، وأفرد ذلك بالتصنيف فأجاد وأحسن)([46])

وقال في (طرح التثريب): (وللشيخ تقي الدين ابن تيمية هنا كلام بشع عجيب يتضمن منع شد الرحل للزيارة، وأنه ليس من القرب، بل بضد ذلك، ورد عليه الشيخ تقي الدين السبكي في شفاء السِّقام فشفى صدور قوم مؤمنين)([47])

ومن المعاصرين قال العلامة المحدث محمود سعيد ممدوح في كتابه (رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة): (شاع بين كثير من الناس أن أحاديث الزيارة كلها ضعيفة، بل موضوعة وهو خطأ بلا ريب، ومصادمة لقواعد الحديث بلا مين)([48])

وفي مقابل ذلك الموقف من التيار السلفي نجد الأمة جميعا تنظر إلى تلك المشاهد نظرة أخرى، فهي تجعلها وسيلة لتذكر الأنبياء والأولياء والصالحين، والسير على هداهم، وقد قال الإمام الخميني مشيرا إلى المعاني التي على الزائر تذكرها أثناء زيارته للحرمين الشريفين: (مما يجب أن يلتفت اليه الحجاج المحترمون أن مكة المكرمة والمشاهد المشرفة مرآة لأحداث نهضة الأنبياء والإسلام ورسالة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ فتعتبر كل نقطة من هذه الأرض محلًا لنزول وإجلال الأنبياء العظام وجبرائيل الأمين ومذكرة بمشاق ومحن النبي العظيم صلى الله عليه وآله وسلم التي تحملها في سبيل الإسلام والبشرية)([49])

ويذكر البعد العملي المتولد من تلك المشاعر الإيمانية العميقة؛ فيقول: (والحضور في هذه الأمكنة المقدسة وأخذ الظروف القاسية للبعثة النبوية بعين الاعتبار يرشدنا إلى‏عظم المسؤولية التي تقع على عواتقنا للمحافظة على‏منجزات هذه النهضة والرسالة الالهية؛ فكم أبدى‏النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى (ع) من مثابرة وصمود في تلك الظروف لإرساء دعائم الدين القويم وإمحاق الباطل، ولم ترعبهم تهم وطعن وإهانات (أبي لهب) و(أبي جهل) وأبي سفيان) وأمثالهم، وواصلوا طريقهم ولم يستسلموا في أحلك الظروف ووطأة الحصار الاقتصادي الشديد في شعب أبي طالب، وشمروا عن سواعد الجد لإبلاغ الرسالة الالهية بعد تحمل الصعاب في مسار دعوة الحق، وأداموا طريق الهداية والرشد بحضورهم في الحروب المتتالية وغير المتكافئة والكفاح إزاء آلاف المؤامرات حيث امتلأت صخور وصحاري وجبال وأزقة وأسواق مكة والمدينة بالشغب والغوغاء، فلو نطقت وكشفت النقاب عن سرّ تحقق قوله تعالى: Pفَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَO [هود: 112] لوقف زائروا بيت الله الحرام على مقدار عناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهدايتنا وبلوغ المسلمين الجنة، ولأدركوا العب‏ء الملقى على‏كاهل أتباعه)([50])

3ـ الآثار ودورها في التوجه الروحي إلى الله:

وهو متفرع مما سبق، ذلك أن الارتباط الروحي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المطهرين وجميع الأولياء والصالحين ـ عبر تقديس آثارهم وتعظيمها ـ يثمر التوجه الروحي إلى الله، ذلك أن علاقة الزائر بهم ليست سوى نوع من المحبة والولاء في الله، ولذلك؛ فإن أول ثمارها هي رفع الزائر وترقية روحه إلى المراتب الرفيعة في سلم السلوك إلى الله.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الزائر عادة، وفي تلك الأجواء الروحية الجماعية العالية، يؤدي الكثير من الشعائر التعبدية، كالإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقراءة القرآن الكريم، وقراءة الكثير من الزيارات، وهي كلها ممتلئة بالمعاني الإيمانية العالية.

ومن أمثلة ذلك ما ورد في المصادر الشيعية عن كيفية السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند زيارته، وهو ممتلئ بالمعاني الإيمانية العميقة؛ حيث يقول الزائر بعد السلام: (أشهد انك قد بلغت الرسالة، وأقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وعبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين، فصلوات الله عليك ورحمته وعلى اهل بيتك الطاهرين)، وكلها معان صحيحة شرعية، لا يجادل فيها أحد.

وهكذا نرى كل صيغ الزيارة مملوءة بالتوحيد على عكس ما يذكره ابن تيمية وغيره من السلفية، والذين يصرفون الناس عن قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحجة كون ذلك شركا مع أن الزائر في ذلك الحين يقرأ أمثال هذه الزيارة: (أشهد أن لا الـه الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، واشهد انك رسول الله، وانك محمد بن عبد الله، واشهد انك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لامتك، وجاهدت في سبيل الله، وعبدت الله حتى اتاك اليقين بالحكمة والموعظة الحسنة، واديت الذي عليك من الحق، وانك قد رؤفت بالمؤمنين، وغلظت على الكافرين، فبلغ الله بك افضل شرف محل المكرمين، الحمد لله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة)([51])

وهكذا نرى الروايات الكثيرة عن أئمة أهل البيت في تعليم كيفية الزيارة وآدابها وأدعيتها، وكلها مما يساهم في الترقي الروحي، ذلك أن تلك الزيارات ليست سوى وسيلة من وسائل التربية الروحية، ففي الحديث عن أبي محمد عبد الله بن محمد العابد قال: سألت مولاي أبا محمد الحسن بن علي في مسير له بسر من رأى سنة خمس وخمسين ومائتين أن يملي علي الصلاة على النبي وأوصيائه عليه وعليهم السلام، وأحضرت معي قرطاسا كبيرا فأملى علي لفظا من غير كتاب، قال: اكتب: (الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم صل على محمد كما حمل وحيك، وبلغ رسالاتك، وصل على محمد كما أحل حلالك وحرم حرامك، وعلم كتابك، وصل على محمد كما أقام الصلاة، وأدى الزكاة، ودعا إلى دينك، وصل على محمد كما صدق بوعدك، وأشفق من وعيدك، وصل على محمد كما غفرت به الذنوب، وسترت به العيوب، وفرجت به الكروب، وصل على محمد كما دفعت به الشقاء، وكشفت به العماء، وأجبت به الدعاء، ونجيت به من البلاء، وصل على محمد كما رحمت به العباد، وأحييت به البلاد، وقصمت به الجبابرة، وأهلكت به الفراعنة، وصل على محمد كما أضعفت به الاموال، وحذرت به من الاهوال، وكسرت به الاصنام، ورحمت به الانام وصل على محمد كما بعثته بخير الاديان، وأعززت به الايمان، وتبرت به الاوثان، وعصمت به البيت الحرام، وصل على محمد وأهل بيته الطاهرين الاخيار وسلم تسليما)([52])

ثم علمه كيفية زيارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والسلام عليه، وهي: (اللهم صل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أخي نبيك ووليه ووصيه ووزيره، ومستودع علمه، وموضع سره، وباب حكمته، والناطق بحجته والداعي إلى شريعته، وخليفته في أمته، ومفرج الكروب عن وجهه، وقاصم الكفرة، ومرغم الفجرة، الذي جعلته من نبيك بمنزلة هارون من موسى، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والعن من نصب له من الأولين والآخرين، وصل عليه أفضل ما صليت على أحد من أوصياء أنبيائك يا رب العالمين) ([53])

وهذا الذي ذكرناه ليس خاصا بالشيعة، فللمدرسة السنية كذلك أدعية وزيارات كثيرة يذكرونها أثناء زياراتهم لمن يعتقدون فيهم الولاية والصلاح، وأولهم أئمة أهل البيت الذين تتفق الأمة جميعا على إجلالهم وتعظيمهم إلا المدرسة السلفية.

بل إن قدماء المحدثين أصحاب الكتب المشهورة التي يعتمد عليها السلفيون، لم يستنكفوا عما يفعله سائر المسلمين، ولو أن السلفية طبقوا عليهم مقاييسهم التي يطبقونها على من يطلقون عليهم [قبورية] لحكموا بكفرهم.

فمنهم المحدث الحافظ إبراهيم الحربى، الذي روى عنه الخطيب البغدادي في تاريخه قوله: (قبر معروف الترياق المجرب)([54])، وقال أبو عبد الرحمن السلمي في كتابه طبقات الصوفية في ترجمة معروف الكرخي: (سمعت أبا الحسن بن مقسم المقرئ ببغداد يقول: سمعت أبا علي الصفار يقول: سمعت إبراهيم بن الجزري يقول معروف الترياق المجرب)([55])

ومنهم الحافظ أبو الربيع بن سالم، الذي قال عنه الذهبي في [سير أعلام النبلاء]: (قال الأبار كان غاية في الورع والصلاح والعدالة ولي خطابة المرية ودعي إلى القضاء فأبى ولما تغلب العدو نزح إلى مرسية وضاقت حاله فتحول إلى فاس ثم إلى سبتة فتصدر بها وبعد صيته ورحل إليه الناس وطلب إلى السلطان بمراكش ليأخذ عنه فبقي بها مدة ورجع حدثنا عنه عالم من الجلة سمعت أبا الربيع بن سالم يقول صادف وقت وفاته قحط فلما وضعت جنازته توسلوا به إلى الله فسقوا وما اختلف الناس إلى قبره مد الأسبوع إلا في الوحل)، وروى عنه أنه أنه توسل بقبر محمد بن عبيد الله الحجري ([56]).

ومنهم الحافظ أبو الشيخ الأصبهانى: الذي ذكر له الذهبي قصة لو حصلت لغيره لما ترددوا في رميه بالشرك الجلي، فقد روى عن أبي بكر بن أبي علي: قال كان ابن المقرئ يقول كنت انا والطبراني وأبو الشيخ بالمدينه فضاق بنا الوقت فواصلنا ذلك اليوم، فلما كان وقت العشاء حضرت القبر، وقلت: يا رسول الله الجوع، فقال لي الطبراني: اجلس فإما ان يكون الرزق او الموت، فقمت أنا وأبو الشيخ، فحضر الباب علوي ففتحنا له، فإذا معه غلامان بقفتين فيهما شيء كثير، وقال شكوتموني إلى النبي k رأيته في النوم فأمرني بحمل شيء اليكم) ([57])

ومنهم الحافظ أبو زرعة الرازى: الذي ذكر له المناوي هذه القصة: (.. أن عليا الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين لما دخل نيسابور كان في قبة مستورة على بغلة شهباء، وقد شق بها السوق، فعرض له الإمامان الحافظان أبو زرعة الرازي وابن أسلم الطوسي ومعهما من أهل العلم والحديث من لا يحصى، فقالا: أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك الميمون، ورويت لنا حديثا عن آبائك عن جدك نذكرك به، فاستوقف غلمانه وأمر بكشف المظلة وأقر عيون الخلائق برؤية طلعته، فكانت له ذؤابتان متدليتان على عاتقه، والناس قيام على طبقاتهم ينظرون ما بين باك وصاخ ومتمرغ في التراب ومقبل لحافر بغلته، وعلا الضجيج، فصاحت الأئمة الأعلام: معاشر الناس انصتوا واسمعوا ما ينفعكم ولا تؤذونا بصراخكم، وكان المستملي أبو زرعة والطوسي، فقال الرضا: حدثنا أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه شهيد كربلاء عن أبيه علي المرتضى قال حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله قال حدثني جبريل عليه السلام قال حدثني رب العزة سبحانه يقول كلمة لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي، ثم أرخى الستر على القبة وسار، فعد أهل المحابر والدواوين الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفا)([58])

ومنهم المحدث أبو على الخلال: قال الخطيب البغدادي: (أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، قال: سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلال، يقول: ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر، فتوسلت به إلا سهل الله تعالى لي ما أحب)([59])

ومنهم الحافظ ابن القيسرانى: قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: (قال أبو الربيع بن سالم الحافظ كان وقت وفاة أبي محمد بن عبيد الله قحط مضر فلما وضع على شفير القبر توسلوا به إلى الله في إغاثتهم فسقوا في تلك الليلة مطرا وابلا وما اختلف الناس إلى قبره مدة الاسبوع الا في الوحل والطين)([60])

ومنهم الحافظ ابن حبان: الذي قال في كتابه [الثقات]: (وقبره ـ أي قبر الإمام علي الرضا ـ بسنا باذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد قد زرته مرارا كثيرة، وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر على بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عنى إلا أستجيب لي وزالت عنى تلك الشدة، وهذا شئ جربته مرارا، فوجدته كذلك أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته k الله عليه وعليهم أجمعين)([61])

ومنهم الحافظ ابن خزيمة الذي يسميه ابن تيمية وغيره [إمام الأئمة]، فقد ذكره الحافظ ابن حجر في التهذيب، وذكر أن الحاكم قال في تاريخ نيسابور: وسمعت أبا بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول: (خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشائخنا وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضي بطوس قال فرأيت من تعظيمه يعني بن خزيمة لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرعه عندها ما تحيرنا)([62])، وقال الحاكم: (سمعت أبا علي النيسابوري يقول كنت في غم شديد فرأيت النبي k في المنام كأنه يقول لي صر إلى قبر يحيى بن يحيى واستغفر وسل تقض حاجتك فأصبحت ففعلت ذلك فقضيت حاجتي)([63])

ومنهم الحافظ الخطيب البغدادى: الذي روى في باب [دعاء لحفظ القرآن والحديث وأصناف العلوم] هذا الحديث عن ابن مسعود عن النبي k قال: (من أراد أن يؤتيه الله حفظ القرآن وحفظ العلم فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف بعسل ثم يغسله بماء مطر يأخذه قبل أن يقع إلى الأرض ثم يشربه على الريق ثلاثة أيام فانه يحفظ بإذن الله: (اللهم إني أسألك بأنك مسؤول لم يسأل مثلك أسألك بحق محمد رسولك ونبيك وإبراهيم خليلك وصفيك وموسى كليمك ونجيك وعيسى كلمتك وروحك..)([64]) وقد أنكر بعض السلفية هذا بحجة أن الحديث موضوع، ونحن لم ننقله هنا من باب كونه حديثا، وإنما من باب إقرار الخطيب له، واعتباره له، وهذا يدل على قوله به.

هذه مجرد نماذج عن قبورية الحفاظ وأهل الحديث، والأمثلة غيرها كثير، والسلفية مدعوون إما إلى حذف التوسل والاستغاثة والتبرك ونحوها من نواقض الإيمان، واعتبارها من المسائل المختلف فيها، أو رمي سلفهم بتهمة التكفير، مثلهم مثل سائر الناس، لأن القضية خطيرة وهي مرتبطة بالتوحيد ولا محاباة فيه، و﴿اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48]

4ـ الآثار ودورها في تنمية الوعي بقضايا الأمة:

وهي من أهم الآثار، ذلك أنها تتجاوز الفرد إلى المجتمع، بل تتجاوز المجتمع إلى الأمة جميعا؛ فتجعلها ـ كما أراد الله تعالى ـ أمة واحدة متماسكة يشعر بعضها ببعض، ويخدم بعضها بعضا.

وما حصل في العراق في الفترة الأخيرة من حضور تلك الأمواج البشرية الهائلة، لزيارة المراقد المقدسة في النجف وكربلاء وغيرهما، يبين مدى أهمية تلك المزارات الدينية والأدوار الكبرى التي يمكن أن تؤديها.

فتلك الزيارات كان لها دور كبير في إعادة التعريف بالإمام الحسين، وثورته، والاهتمام بإحيائها من جديد، وبث مفاهيم توعوية من خلالها، وهو ما جعل الكثير من وسائل الإعلام، وتحت الضغوطات المسلطة عليها تتوقف عن تغطيتها خشية من تسرب آثارها على سائر المجتمعات الإسلامية.

وهذا ما يبين لنا سر وقوف الوهابية والدولة السعودية ضد المزارات الدينية، وسر ذلك التشدد مع زوار قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو زوار البقيع، أو غيرهما من المشاهد، بل إن الدولة السعودية لم تقم إلا بعد أن أزالت أكثر الآثار، وطمستها بحجة منافاتها للتوحيد، والحقيقة أن ذلك لم يكن إلا للحفاظ على وجودها، خشية من أن يكون لتلك الآثار دورها النهضوي الذي يقضي عليها.

ولهذا نرى الامام الخميني عند ذكره لفلسفة الحج وأبعاده المختلفة يركز على هذا الجانب كثيرا، بل يجعل الحج فرصة لخدمة كل قضايا الأمة، ومن رسائله في ذلك قوله: (إن من أهم أبعاد فلسفة الحج هو بعده السياسي. الذي تسعى لتغييبه والقضاء عليه جميع الأيدي المجرمة، التي استطاعت للأسف وسائل دعايتها أن تؤثر في المسلمين بحيث بات ينظر أكثر المسلمين إلى الحج على أنه مجرد مراسم عبادية جافّة وفارغة لا تُعنى بقضايا المسلمين. في حين أن الحج ومنذ ولادته، لايقل بعده السياسي أهمية عن بعده العبادي، فالبعد السياسي، بالاضافة إلى سياسيته، هو عبادة بحد ذاته)([65])

ثم يبين كيفية تنفيذ هذا البعد على أرض الواقع؛ فيقول: (على المسلمين الوافدين من مختلف البلدان لأداء فريضة الحج خصوصا رجال الدين المحترمين أن يستغلوا فرصة التقائهم هناك، لمناقشة قضايا المسلمين وأوضاعهم. أوضاعهم مع حكوماتهم، وأوضاع حكوماتهم مع القوى الشيطانية الكبرى. أوضاع رجال الدين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي وتعاطيهم مع فلسفة الحج، وفي النهاية أوضاع الشعوب المسلمة بعضها مع بعض. إنها مسائل يجب التطرق إليها ومناقشتها. فالحج لهكذا أمور. ونوعاٌ من التدارس السنوي لمشاكلهم وقضاياهم والسعي لوضع حلولٍ لها ومعالجتها) ([66])

ويرد على الذين ينهون عن الحديث عن السياسة في الحج، ويعتبرون خدما للسلاطين وللاستكبار العالمي؛ فيقول: (وأمّا بالنسبة إلى ما يقوله معممو البلاط ووعاظ السلاطين في المنطقة وغيرها، من أنه يجب عدم تسييس الحج، فإنهم يدينون بذلك رسول الله، ويدينون خلفاء الإسلام وأئمة الهدى. إنهم يجهلون بأن الحج والسفر إلى الحج إنما كان لهكذا أمور. لأجل قيام الناس، ليدرك المسلمون ويعوا مشاكل المسلمين، لترسيخ التفاهم والمودة والإخوة بين المسلمين) ([67])

وهو يعتبر أن أضرار هذا النوع من العلماء أكبر وأخطر من الضرر الذي قام به الاستكبار العالمي، يقول: (المؤسف أن تجد من بين رجال الدين المسلمين من يدينون التدخل في هكذا أمور لا سيما معممي البلاط، الذين أضروا بالإسلام أكثر مما أضرت به أمريكا، لأن هؤلاء يطعنون الإسلام من الخلف ويعزلونه باسم الإسلام وبظاهرٍ إسلامي. إما أمريكا فلا تستطيع ذلك ولهذا تفرض على أمثال هؤلاء فعل ذلك)

ثم يبين أن (الحج الحقيقي والمقبول هو الحج الحي، الحج الصارخ بوجه الظلم والظالمين، الحج الذي يدين جرائم السوفيت وجرائم أمريكا وكل المستكبرين ويتبرأ منهم وممن يواليهم، أمّا أن نذهب إلى الحج ونقوم بأداء مناسكه دون أن نهتم بأمور المسلمين بل على العكس أن نتستر على الجرائم التي تُرتكب ولا نسمح لأحدٍ بالتكلم عما يرتكب بحق المسلمين من جرائم على أيدي القوى الكبرى والحكومات العميلة لها، فإن هذا ليس بحج، أنه صورة بلا معنى)([68])

ومن أهم القضايا التي يدعو الإمام الخميني للتركيز عليها في زيارة البقاع المقدسة الدعوة للوحدة بين المسلمين، يقول: (إن الحج الذي يريده الله تبارك وتعالى والإسلام منا، هو أن نؤدي المناسك ونسعى لإيقاظ وتوعية المسلمين الآخرين بالأخطار والتحديات التي تهدد الإسلام والمسلمين، وأن ندعوهم إلى‏ الوحدة والتوحد، ونفهّمهم لماذا ينبغي لأكثر من مليار مسلم أن يبقوا خاضعين لضغوطات القوى الكبرى التي لا تتجاوز عدة مئات من الملايين. إن كل هذه المصائب يعود منشأها إلى حرف المسلمين عن مسار الإسلام الصحيح، لدرجة لا يجرؤ معها علماء المسلمين في جلساتهم أن يدينوا ما يرتكب بحق المسلمين)([69])

ومن القضايا التي يدعو الإمام الخميني إلى التركيز عليها في تلك اللقاءات الحديث عن القضية الفلسطينية، يقول: (أليس من العار على البلدان الإسلامية أن تأتي اسرائيل وتفعل بالفلسطينين ما تفعله؟ أن يرتكبوا كل هذه الجرائم في لبنان، والمليار مسلم يكتفون بالجلوس والتفرج؟ ممن يخاف هؤلاء؟ ولماذا كل هذا الركون إلى الضعف، وشريان حياة الشرق والغرب بأيديهم؟)([70])

وما ذكره الإمام الخميني في الحج نجده واضحا في الزيارات أو ما يكتب على الأضرحة، والتي يحرص الزوار عادة على قراءتها، وبذلك يكون لها دورها في التوعية بقضايا الدين والأمة.

ومن الأمثلة على ذلك ما كتب في اللوحة المعلقة في الضريح الخاص بكف أبي الفضل العباس، والتي نجد فيها هذين البيتين ([71]):

والله لو قطعتم يميني

   أني أحامي أبدا عن ديني

وعن أمام صادق اليقين

  نجل النبي الطاهر الأمين

ونجد كذلك الأبيات التي قالها أبي الفضل العباس حينما وقف على نهر الفرات وهي:

يا نفس من بعد الحسين هوني

   وبعده ما كنت أو تكوني

وهذا ما نلاحظه أيضا في الزيارات، والتي تمتلئ بالدعوة لحفظ الدين، والجهاد في سبيله، ومواجهة الطغاة والمستكبرين اقتداء بما فعله الأئمة، ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في الزيارة الجامعة، حيث نجد فيها أمثال هذه النصوص الممتلئة بالدعوة للقيام والحركة، ففيها: (أشهد أنكم الائمة الراشدون، المهديون المعصومون المكرمون، المقربون المتقون الصادقون، المصطفون المطيعون لله، القوامون بأمره، العاملون بإرادته، الفائزون بكرامته، اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لغيبه.. ورضيكم خلفاء في أرضه، وحججا على بريته، وأنصارا لدينه، وحفظة لسره، وخزنة لعلمه، ومستودعا لحكمته، وتراجمة لوحيه، وأركانا لتوحيده، وشهداء على خلقه، وأعلاما لعباده، ومنارا في بلاده، وأدلاء على صراطه.. فعظمتم جلاله، وأكبرتم شأنه، ومجدتم كرمه، وأدمتم ذكره، ووكدتم ميثاقه، وأحكمتم عقد طاعته، ونصحتم له في السر والعلانية، ودعوتم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبذلتم أنفسكم في مرضاته، وصبرتم على ما أصابكم في جنبه، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر، وجاهدتم في الله حق جهاده، حتى أعلنتم دعوته، وبينتم فرائضه، وأقمتم حدوده، ونشرتم شرائع أحكامه، وسننتم سنته، وصرتم في ذلك منه إلى الرضا، وسلمتم له القضاء، وصدقتم من رسله من مضى، فالراغب عنكم مارق، واللازم لكم لاحق، والمقصر في حقكم زاهق، والحق معكم وفيكم، ومنكم وإليكم، وأنتم أهله ومعدنه)

إلى آخر ما ورد في الزيارة، وهي وكل الزيارات مملتئة بأمثال هذه المعاني الحركية التوعوية التي تجعل القارئ لها لا يفكر في نفسه فقط، وإنما يفكر في جميع المسلمين، بل يفكر في كيفية إنقاذ جميع البشرية، لأداء دوره الرسالي الذي قام به الأئمة أحسن قيام.


([1]) إعلام الموقعين، ج 3، ص3.

([2]) انظر: معجم الرائد، مسعود جبران دار العلم للملایین، بیروت، لبنان، ط 3، 1978، ص272، وغنیم خالد، علم الآثار وصیانة الأدوات والمواقع وترمیمها، أبیسان للنشر والتوزیع والإعلام، لبنان، ط 2002،1، ص175.

([3]) انظر مقالا بعنوان: الآثار العربية الكنعانية في فلسطين، مؤسسة القدس للثقافة والتراث، بتاريخ 2-2-2017.

([4]) صيانة الآثار، الشيخ جعفر السبحاني، دط، دت، ص: 12.

([5]) المرجع السابق، ص: 12.

([6]) المرجع السابق، ص: 12.

([7]) الآثــار والتــوراة فــي فلسطيــن..ادعــاءات وحقائــق، محمـد حجـازي، الأحد 07 فبراير 2010،.

([8]) إسرائيل تسابق الزمن من أجل إثبات يهودية القدس بالآثار، بسنت جميل، جريدة اليوم السابع، السبت، 21 نوفمبر 2015.

([9]) [أقباط مصر] تطالب بتدخل بعثة آثار دولية لإنقاذ أديرة وادى النطرون، سارة علام، اليوم السابع، السبت، 14 نوفمبر 2015.

([10]) محو الآثار الاسلامية في السعودية بين السياسة والدين، الدكتور سعيد الشهابي.

([11]) المرجع السابق.

([12]) ما الذي يفعله الوهابيون وآل سعود في آثار المسلمين؟، حنان شحاتة، أستاذة في القانون. عملت في موقع ميدل إيست مونيتور وتكتب حاليا في ميدل إيست آي، ترجمة وتحرير نون بوست.

([13]) ماذا ابقى الوهابيون من تراث المسلمين في الحجاز؟.

([14]) تفسير الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، مدرسة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، الطبعة: الأولى، 1426 هـ، (9/ 226)

([15]) انظر مقالا بعنوان: الأضرحة في مصر.. مصلحة سياسية ودور اجتماعي، أسامة الهتيمي – كاتب مصري، موقع الراصد، الخميس 22 يناير 2015، وانظر: د سعاد ماهر فهمي، مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، ج1 ص 44.

([16]) موالد مصر المحروسة: بين الماضي والحاضر، عرفة عبده علي، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 1995، ص7.

([17]) انظر: الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة ـ دراسة تاريخية توثيقية 1903 – 1983 م ـ د. زكريا سليمان بيومي، دار الصحوة للنشر والتوزيع، 1992، ص126.

([18]) انظر دراسة بعنوان: القبور والأضرحة دراسة وتقويم، خالد محمد حامد.

([19]) انظر: (مسلمو أوزبكستان)، لعبد الرحمن محمد العسيري، مجلة (دراسات إسلامية) العدد الأول سنة 1418هـ، ص217، 218.

([20]) دراسة حول المزارات تكشف: 6 آلاف ضريح تدرّ الملايير، زهية. م، جريدة الشروق الجزائرية، 3/3/2016.

([21]) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع، محمد بن صالح بن محمد العثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة: الأولى، 1422 – 1428 هـ (7/269)

([22]) بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، العلامة محمد باقر المجلسي، احياء الكتب الإسلامية، ج 96، ص 39.

([23]) المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1411 – 1990 (1/ 638)، وقال: (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)

([24]) إحياء علوم الدين، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، دار المعرفة – بيروت، (1/ 270).

([25]) كامل الزيارات، الشيخ ابي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي، نشر الفقاهة، ص261.

([26]) بلاغات النساء، أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر ابن طيفور، صححه وشرحه: أحمد الألفي، مطبعة مدرسة والدة عباس الأول، القاهرة، 1326 هـ – 1908 م، ص21.

([27]) يقع مرقد أولاد مسلم بن عقيل على الضفّة الشرقيّة من نهر الفرات قرب مدينة المسيب والتي تبعد 42 كم عن مدينة الحلة و30 كم عن مدينة كربلاء، ورغم قرب منطقة أولاد مسلم من مدينة المسيب الا انها تتبع إداريا لمدينة الإسكندرية..

([28]) كف العباس أو مقام كف العباس، يطلق على مكانين؛ قيل أنه قطعت فيهما كفّا أبي الفضل العباس عليه السلام، وقد عرف المكانان بمقام كف العباس الأيمن ومقام كف العباس الأيسر، وهما يقعان في الشمال الشرقي والجنوب الغربي خارج حرم العباس عليه السلام في مدخل زقاق السوق الذي يقرب من المرقد. تحوّل هذان المكانان إلى مزارين شيدا بصورة رمزية، انظر: سلمان هادي آل طعمة، تراث كربلاء، نشر: مشعر، د م، 1393 ش، ص 129، وأحمد العلوي، الدليل المصور لرحلات العتبات المقدسة في العراق.

([29]) معجم البلدان، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، دار صادر، بيروت، الطبعة: الثانية، 1995 م، 2/221.

([30]) تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، المحقق: سامي بن محمد سلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1420هـ – 1999 م، 6/278.

([31]) الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله  وسننه وأيامه، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى، 6 / 270، والمسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله a، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي،دار إحياء التراث العربي – بيروت، رقم (2980)

([32]) رواه البخاري 3379.

([33]) كشف المشكل من حديث الصحيحين، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المحقق: علي حسين البواب، دار الوطن – الرياض، 2/483.

([34]) رواه البخاري برقم 660 ومسلم برقم 1031.

([35]) رواه مسلم برقم 2566.

([36]) رواه البخاري 4 / 69 – 72، ومسلم رقم (1365) و(1366) و(1367)

([37]) المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني، المحقق: طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين – القاهرة، (رقم 1905).

([38]) المرجع السابق.

([39]) الأذكار، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، 1414 هـ – 1994 م، (ص: 206)

([40]) شفاء السقام في زياره خير الانام، تقي الدين السبكي، طبعه حيدر آباد، 1898، ص79.

([41]) رواه الدارقطني في سننه، والحكيم والترمذي في النوادر، وغيرهما، قال الحافظ السيوطي في المناهل عنه (208): (له طرق وشواهد حسَّنه لأجلها الذهبي، وقال المناوي في (فيض القدير) (6/140): (قال الذهبي: طرقه لينة، لكن يقوي بعضه بعضاً)، وقال الملا علي القاري في (شرحه على الشفا 3/842): (حديث ابن عمر له طرق وشواهد حسنه الذهبي لأجلها، وصححه جماعة من أئمة الحديث)

([42]) البيهقي في شعب الإيمان (3/488)، وحمزة بن يوسف السهمي في تاريخ جرجان (ص434) ومن طريقه السبكي في شفاء السقام (ص35).

([43]) رواه الحاكم في المستدرك (2/595)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة، وسلمه الذهبي..

([44]) أبو يعلى الموصلي في مسنده (حديث رقم 6584)، وقال الهيثمي في تخريجه في (مجمع الزوائد: 8/211): (رجاله رجال الصحيح).

([45]) فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، دار المعرفة – بيروت، 1379، (5/66)

([46]) الأجوبة المرضية عن الأسئلة المكية، الحافظ ولي الدين العراقي، دراسة وتحقيق محمد تامر، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، ص96.

([47]) طرح التثريب في شرح التقريب، أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم العراقي، دار إحياء التراث العربي، (6 / 43)

([48]) رفع المنارة لتخريج احاديث التوسل والزيارة، محمود سعيد ممدوح، المكتبة الازهرية للتراث، ص 10 – 11.

([49]) صحيفة الإمام، الإمام الخميني، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، ج‏20، ص: 279.

([50]) المرجع السابق، ج‏20، ص: 279.

([51]) مصباح المتهجد وسلاح المتعبد، محمد بن الحسن بن علي الطوسي، طبعه ايران، سنه 1896، ص: 710.

([52]) بحار الأنوار: 91/74..

([53]) بحار الأنوار: 91/74..

([54]) تاريخ بغداد، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، المحقق: الدكتور بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي – بيروت، الطبعة: الأولى، 1422هـ – 2002 م، (1 / 122)

([55]) طبقات الصوفية، محمد بن الحسين بن محمد، أبو عبد الرحمن السلمي، المحقق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1419هـ 1998م، ص 81.

([56]) سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، دار الحديث- القاهرة، الطبعة: 1427هـ-2006م، (21 / 251 -253)

([57]) المرجع السابق، (16 / 400)

([58]) فيض القدير شرح الجامع الصغير، زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين الحدادي ثم المناوي القاهري، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة: الأولى، 1356، 4/ 489.

([59]) تاريخ بغداد، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، المحقق: الدكتور بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي – بيروت، الطبعة: الأولى، 1422هـ – 2002 م (1/ 442)

([60]) تذكرة الحفاظ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، دار الكتب العلمية بيروت-لبنان، الطبعة: الأولى، 1419هـ- 1998م، 4/ 1371.

([61]) الثقات، المؤلف: محمد بن حبان، أبو حاتم، الدارمي، البُستي، طبع بإعانة: وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية، دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند، الطبعة: الأولى، 1393 ه‍ = 1973، (8 / 457)

([62]) تهذيب التهذيب، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة الأولى، 1326هـ، 7/339.

([63]) المرجع السابق، 11/ 260.

([64]) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، المحقق: د. محمود الطحان، مكتبة المعارف – الرياض، (2 / 261)

([65]) صحيفة الإمام، 18/50.

([66]) المرجع السابق، 18/51.

([67]) المرجع السابق، 18/51.

([68]) المرجع السابق، 18/52.

([69]) المرجع السابق، 18/52.

([70]) المرجع السابق، 18/52.

([71]) الأماكن المقدسة في كربلاء، ص70.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *