الفصل الثالث: المجزرة.. والفئة الباغية

الفصل الثالث

المجزرة.. والفئة الباغية

من الصعوبات التي تعترض من يريد أن يناقش هذه المجزرة مناقشة علمية، تمسكه بالبيئة التي ولدت فيها الروايات المرتبطة بها، والتي كان لها الأثر الكبير في تصديرها، وتحويلها من مجرد رواية تاريخية إلى حقيقة دينية، أثرت في العقائد والفقه، بل حتى في رؤية خصائص الإسلام، والمقومات التي يقوم عليها.

لذلك كان على من يريد أن يناقش هذه المجزرة أن ينظر في تأثير تلك البيئة في تصدير مثل تلك الروايات، وغيرها من الروايات المشوهة للدين، والتي حاولت أن تقضي على كل القيم النبيلة الواردة فيه، لا بتحريف المصدر الذي ذكرها، وهو القرآن الكريم، وإنما بإضافة الكثير من النصوص التي تزاحمه وتضلل عن سبيله، كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان: 6]

وفي الآية الكريمة إشارة إلى استغلال القائمين على التحريف للحاجة الفطرية الداعية للبحث والفضول والاطلاع على التفاصيل، والتي يدعو إليها حب اللهو والتسلية، ولذلك عقب الله تعالى على تلك الآية الكريمة بقوله: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [لقمان: 7]

ولهذا، فإن هذا الصنف لا يهتم كثيرا لو عرضت عليه أحداث غزوة بني قريظة عرضا عاديا، باعتبارها غزوة كسائر الغزوات، وأن ما طبق فيها من أحكام شرعية هو نفس ما طبق في جميع الغزوات، بل يريد الجديد رعاية للفضول وحب الاطلاع، ولذلك وجد من اليهود ومن الفئة الباغية من يوفر له ذلك الجديد، ولو على حساب القيم القرآنية والدينية.

وقد ذكرنا أن ذلك ليس خاصا بهذه الأمة؛ فالقرآن الكريم يشير إلى أن البغي على الدين وحقائقه وقيمه وظيفة شيطانية يمارسها بعد وفاة الرسل مباشرة، وذلك بتحريف كتبهم، أو الدس فيها، أو الدس في الروايات المرتبطة بهم، كما قال تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213]

وأخبر أن دين الله واحد، وأن الأنبياء كلهم كانوا على الإسلام، ولكن الذي فرق الأديان، وأشاع الصراع بينها، هو تلك الفئة الباغية التي يتصور الناس أنها الفئة الوارثة للرسل، لكنها تخالف منهجهم خلافا جذريا، كما قال تعالى:﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: 19]

وهكذا نجد هذا المعنى في آيات كثيرة، تبين أسبابه وآثاره، وكيفية مواجهته؛ فالله تعالى يضرب المثل على أقرب الأمم زمانا بالأمة الإسلامية، وهي أمة بني إسرائيل؛ فيقول: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [الجاثية: 16، 17]

ثم بين كيف مواجهة ذلك البغي والتحريف الذي حصل، أو يحصل، فقال: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الجاثية: 18، 19]، وهو تصريح من الله تعالى بأن الذي يخرج الأمة من مأزق البغي والضلال الذي يمكن أن تقع فيه هو اتباع البينات التي جاء بها الكتاب، والقيم الرفيعة التي دل عليها، بعيدا عن الأهواء.

وهذا الذي ذكره عن الأمم السابقة أخبر عن وقوعه في هذه الأمة، حتى لا تتكل على خيريتها، وتتصور أنها شعب الله المختار الذي يترفع عن الابتلاء والاختبار؛ فالاختبار سنة إلهية، قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 16]

ولهذا، فإن القرآن الكريم يحذر من حصول التمرد على قيم الدين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في آيات كثيرة منها قوله تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 144]

وهكذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على وقوع التحريف في الدين، واستبدال قيم السلام والسماحة والأخلاق النبيلة فيه إلى القيم المنافية لها، والتي تحولت الأديان بسببها إلى أدوات للصراع والظلم والاستبداد، ففي الحديث قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما كان نبي إلا كان له حواريون يهدون بهديه، ويستنون بسنته، ثم يكون من بعده خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويعملون ما تنكرون)([1])

وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن الدور الذي يقوم به الساسة في التحريف، ذلك أنه لا يمكن للمستبدين الظلمة أن يمكنوا لأنفسهم في ظلال القيم الدينية الأصيلة؛ فلذلك يقومون بثورة مضادة على قيم الدين، لتتحول الرعية إلى سدنة للحاكم، ومطيعة لأمره ونهيه ولو على حساب قيم الدين الأصيل، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه، يمنعكم من ذلك المخافة والفقر، ألا وان رحى الايمان دائرة، وان رحى الا سلام دائرة، فدوروا مع الكتاب حيث يدور، ألا وان السلطان والكتاب سيفترقان ألا فلا تفارقوا الكتاب، ألا انه سيكون عليكم أمراء ان أطعتموهم أضلوكم، وان عصيتموهم قتلوكم)، قالوا: فكيف نصنع يا رسول الله؟ قال: (كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم حملوا على الخشب ونشروا بالمناشير، موت في طاعة الله، خير من حياة في معصية الله)([2])

وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن البغي لن يكون فقط في الجانب السياسي، وإنما سيمتد إلى الجانب الديني، وأن السلطات الظالمة، ستقرب من يخدمها في هذا الجانب، ليؤدي دوره في الثورة المضادة للدين، بل اعتبر صلى الله عليه وآله وسلم أن البغي المرتبط برجال الدين أخطر من البغي المرتبط برجال السياسة؛ ففي الحديث قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلون)([3])

وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن الوسيلة التي يستعملها الأئمة البغاة لتحقيق ثورتهم المضادة على الدين، وهي تأويل القرآن، وتحريف معانيه لتنسجم مع مطالب السياسيين، وتحول الرعية إلى ذلك الشكل الذي حولها إليه فرعون، كما قال تعالى عنه: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [الزخرف: 54]

وقد ورد في الحديث ما يشير إلى هذا، فعن أبي سعيد الخدري قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانقطعت نعله، فتخلف علي يخصفها، فمشى قليلا ثم قال: (إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله)، فقال أبو بكر: أنا، قال: (لا)، قال عمر: أنا، قال: (لا ولكن خاصف النعل) ([4])

وفي حديث آخر عن أبي أيوب قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين)([5])

وكل هذه الفئات جمعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اسم واحد هو اسم [الفئة الباغية]، فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، ويدعوهم الى الله ويدعونه الى النار)([6])

ورد على الذين ينهون عن البحث في التحريفات التي حصلت في الدين، أو الذين كسروا سيوفهم وأقلامهم حتى لا يشاركوا في معارك التأويل، بتبشيره لعمار بن ياسر بأن الذي يقتله ليس بغاة التنزيل، وإنما بغاة التأويل، فقال: (أبشر عمار، تقتلك الفئة الباغية)([7])، وفي ذلك تنبيه للقاعدين الذين قعدوا عن نصرة التنزيل وقيمه النبيلة بحجة الهرب من الفتنة، مع أن الفتنة في تحريف الدين، وتمكين المستبدين.

بناء على هذا نحاول في هذا الفصل بيان دور الفئة الباغية بفرعيها من العلماء والسياسيين في نشر أمثال تلك الروايات، وتوفير البيئة المناسبة لتقبلها، وتقبل القيم المرتبطة بها، وذلك من خلال تتبع المراحل التي مرت بها تلك الروايات، والتي انتقلت فيها من مجرد أحاديث سمر ولهو إلى أحاديث فقه وعقائد وتفسير، لتتحول بعدها إلى كتب المبشرين والمستشرقين والملاحدة يحاربون بها الدين، ويستعملونها في التحذير منه.

وقد رأينا أنه يمكن تقسيم تلك المراحل إلى مرحلتين: مرحلة الرواية، ومرحلة التدوين، وكلاهما كانت تحت عين السلطات الحاكمة من الفئة الباغية، التي كانت تتهم من يخالفها بالمعارضة والخروج، ليأتي بعد ذلك سدنتها، فيصنفوا المعارضين ضمن المبتدعة والغلاة والكذابين والوضاعين، بخلاف المرضي عنهم، والذين قد يتحولون إلى ثقاة وعدول على الرغم من كل الجرائم التي يرتكبونها.

ونحب أن ننبه إلى أن المشكلة الأكبر في هاتين المرحلتين هو تزامنهما جميعا، فقد امتد عصر الرواية إلى نهاية القرن الثالث الهجري، وبذلك أضيفت الكثير من الروايات التي فرط البغاة الأوائل في نشرها، كما أن ظاهرة التدوين بدأت ـ كما سنرى في العصر الأول أيضا ـ وبتوجيه مباشرة من السلطات الأموية.

أولا ـ المجزرة.. ومرحلة الرواية:

لا يمكن لأي نظام مستبد أن يقوم من دون أن يوفر لنفسه غطاء علميا وثقافيا يتيح له أن يتغلغل في أوساط العامة، ويمكن لنفسه بينها، ذلك أن القمع وحده لا يكفي؛ فالحاكم لا يريد شعبا يطيعه بالإكراه، وإنما يريد شعبا يطيعه عن طواعية، أو يطيعه وهو يتصور أنه يطيع الله بطاعته له.

وبما أن كل الأديان مرتبطة بكتبها المقدسة، فقد راحت الفئة الباغية تحرف تلك الكتب، وتعبث بها، لتنسجم مع الأهواء التي يريدها المتسلطون على الشعب من رجال السياسة والدين، لكن ذلك لم يحصل في الإسلام لتولي الله لحفظ كتابه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]

ولذلك كان الملجأ هو الروايات والأحاديث التي تنافس الكتاب والنبوة وتفسرهما، لتنزلهما من عالم القداسة والطهر إلى عوالم الدنس البشري، الذي يريده أهل الأهواء.

ولهذا كان أول ما سعت إليه الفئة الباغية، ووفرته هو التساهل في الرواية، ونشر الأحاديث، وتعظيم المحدثين، وتوفير كل الدعم المادي والمعنوي لهم، من غير اهتمام بنوع الروايات التي يروونها، ولا مدى صدقها، وهذا ما وفر في البيئة الإسلامية الكثير من الرواة الذين قاموا بدور إعلامي كبير، مكن للتحريفات، وأسس لها، وأصبح الكثير منها من الشهرة بحيث يصعب رده.

ونحن ـ وكل عاقل ـ لا يمكننا أن نرفض كل تلك الروايات، ولا أن نرد كل ما أنتجه ذلك العصر، كما يفعل بعض القرآنيين؛ فهذا أيضا من أهداف البغاة أنفسهم، لأنهم يعلمون أن السنة النبوية المطهرة مفسرة للقرآن، ومبينة لكيفية تنفيذه، ولا يمكن الاستغناء عنها أبدا.

والحل الوسط لذلك هو الجمع بين القرآن والروايات، ومحاكمة الروايات للقرآن، والتحقيق العلمي في الروايات لرؤية مدى انسجامها مع القرآن الكريم؛ فما كان موافقا له قبل، وما كان مخالفا له رفض، كما ورد الحديث بذلك، بل كما وردت الدلالة على ذلك من القرآن الكريم نفسه، فالله تعالى يقول: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59]

وقد اتفق العلماء على أن الرد لله، يعني الرد لكتابه، ويمكن تطبيق ذلك مع الروايات المختلف فيها، أو المخالفة للقرآن الكريم، كما سنرى تطبيق ذلك في الفصل الأخير من هذا الكتاب.

بناء على هذا نذكر بعض مظاهر التساهل في الرواية، والتشجيع عليها في تلك المرحلة، مما أتاح ظهور الكثير من الأحاديث المكذوبة، التي لم يتمكن العلماء من تصفيتها جميعا على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلوها في ذلك.

وأهم تلك الظواهر، والتي لها ارتباط مباشر بالسير والمغازي، ظاهرتي القصص والوضع.

1 ـ المجزرة.. وظاهرة القصص:

رأينا سابقا بعض المشاهد التي رسمها الرواة لبطولات بني قريظة، وهم يتقدمون للموت برباطة جأش حرصا على دينهم وقيمهم، في نفس الوقت الذي رأينا تلك الإساءات لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وكل ذلك كان ثمرة لتشجيع البغاة للقصاصين، الذين يحبون أن يفيضوا في أحاديثهم، ويبالغوا فيها، ولا تحلوا أحاديثهم إلا بالكذب.

وقد اتفق جميع المؤرخين على انتشار ظاهرة القصص في ذلك العصر، وبتشجيع من السلطات الحاكمة نفسها، بل كان القصاصون أمثال كعب الأحبار ووهب بن منبه من المقربين لدى السلطات الحاكمة، وأتيحت لهم الكثير من المنابر، لينشروا من خلالها أساطيرهم التي يختلقونها، أو يأخذونها من كتبهم أو ثقافتهم الشعبية ليفسروا بها القرآن الكريم، أو يشرحوا بها جميع مسائل الدين وقضاياه.

ومن الأمثلة على انتشار القصص في ذلك العهد، واختلاطها بالكذب، وعلاقتها بالسلطات الحاكمة مع روي عن الشعبي أنه قال: بينما عبد الملك جالس وعنده وجوه الناس من أهل الشام، قال لهم: من أعلم أهل العراق؟ قالوا: ما نعلم أحدا أعلم من عامر الشعبي؛ فأمر بالكتاب إلي؛ فخرجت إليه حتى نزلت تدمر. فوافقت يوم جمعة، فدخلت أصلي في المسجد، فإذا إلى جانبي شيخ عظيم اللحية قط أطاف به قوم من أهل المسجد، وهم يكتبون عنه، فحدثهم قال: حدثني فلان عن فلان يبلغ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تعالى خلق صورين، له في كل صور نفختان: نفخة الصعق ونفخة القيامة)، قال الشعبي: فلم أضبط نفسي أن خففت صلاتي، ثم انصرفت فقلت: يا شيخ! اتق الله ولا تحدثن بالخطأ. إن الله تعالى لم يخلق إلا صورا واحدا. وإنما هي نفختان: نفخة الصعق ونفخة القيامة. فقال لي: يا فاجر إنما يحدثني فلان عن فلان. وترد علي؟ ثم رفع نعله فضربني بها، وتتابع القوم علي ضربا معه. فوالله ما أقلعوا عني حتى حلفت لهم أن الله تعالى خلق ثلاثين صورا، له في كل صور نفخة. فأقلعوا عني. فرحلت حتى دخلت دمشق ودخلت على عبد الملك. فسلمت عليه، فقال لي: يا شعبي بالله حدثني بأعجب شيء رأيته في سفرك؛ فحدثته حديث التدمريين. فضحك حتى ضرب برجليه)([8])

والملاحظة هنا هي ضحك عبد الملك بن مروان، وإعجابه بالحديث، وعدم قيامه بمعاقبة القاص الذي كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو دليل على مدى التشجيع والتساهل الذي يلقاه القصاصون من السياسيين، في نفس الوقت الذي نجد السياسيين فيه يقتلون المعارضين بحجج مخالفتهم للعقيدة والدين، مثلما فعل خالد بن عبد الله القسري الذي كان واليا علي العراق لهشام بن عبدالملك، والذي قام بذبح الجعد بن درهم بعد أن خرج به إلى مصلى العيد، ثم خطب الناس وقال: (أيها الناس! ضحوا، تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسي تكليما)، ثم نزل وذبحه([9]).

ولم يكن ذبحه له بسبب موقفه العقدي، ولكن بسبب عدم لجوئه إلى القص والرواية مثلما يفعل القصاصون، وإنما لجأ إلى التفكير والبحث والتأمل، وهو ما لا ترغب فيه الفئة الباغية، وإلا فإن الروايات التي كان ينشرها القصاصون والممتلئة بالتجسيم والتشبيه أخطر بكثير مما ذكره الجعد بن درهم.

ومن الأمثلة على القصاصين وكذبهم ما حدث به الأعمش أنه (دخل مسجدا بالبصرة، فنظر إلى قاص يقول: حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي وائل، فتوسط الأعمش الحلقة وجعل ينتف شعر إبطه؛ فقال القاص: ألا تستحي نحن في علم وأنت تفعل مثل هذا؛ فقال الأعمش: الذي أنا فيه خير من الذي أنت فيه، قال: وكيف؟ قال: لأني في سنة وأنت في كذب، أنا الأعمش وما حدثتك مما تقول شيئا)([10])

ومما شجع على هذه الظاهرة ارتباطها بالمال؛ فقد كان القصاصون يتاجرون بالقصص، ويأخذون المال على ذلك، كما حدث بذلك أبو الوليد الطيالسي؛ فقال: (كنت مع شعبة، وقال عمرو الناقد: مررت بقاص يقص وهو يقول:حدثنا أبو معاوية عن الأعمش يحدث بحديث كذب فنهيته فأبى علي، فاشتريته منه بأربعة دراهم، قال عمرو: ثم لقيت ذلك الرجل بالشام، وهو يذكر ذلك الحديث بعينه، فقلت بعته مني بأربعة دراهم،فقال: إنما بعتك بالعراق)([11])

والخطر الأكبر في تلك القصص التي يبثونها، والتي لها علاقة كبيرة بمجزرة بني قريظة، استناد القصص لأصل صحيح، ثم إضافة الكثير من الكذب عليه، فقد حدث أبو الوليد الطيالسي قال: كنت مع شعبة، فدنا منه شاب. فسأل عن حديث فقال له: أقاص أنت؟ قال: نعم. قال: اذهب؛ فإنا لا نحدث القصاص. فقلت له: لم يا أبا بسطام؟ قال: (يأخذون الحديث منا شبرا؛ فيجعلونه ذراعا)([12])

وروى عن أيوب قوله: (ما أفسد على الناس حديثهم إلا القصاص)([13])

ولذلك نرى مدى الخلاف والتضخيم الذي حصل في الروايات المرتبطة بقتلى بني قريظة، والتي تترواح بين الأربعين والتسعمائة، بالإضافة إلى ربط الغزوة بزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذي يسارعون إليه في كل مناسبة، تبريرا لزيجاتهم الكثيرة، كما ذكر ذلك ابن الجوزي (المتوفى: 597هـ) في كتابه [القصاص والمذكرين] حين روى أنه (قدم إلى بغداد أبو الفتح محمد بن محمد الحريمي في سنة تسع وخمس مائة فوعظ، فأتى بمحالات قبيحة، فكان مما قال: تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم امرأة، فرأى بكشحها بياضا؛ فردها؛ فهبط جبريل فقال: (العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك: بنقدة واحدة من العيب ترد عقد النكاح، ونحن بعيوب كثيرة لا نفسخ عقد الإيمان مع أمتك، لك نسوة تمسكهن لأجلك، أمسك هذه لأجلي)([14])

والروايات التاريخية تذكر أن هذه الظاهرة، وما يرتبط بها من الكذب امتد أجيالا طويلة؛ فقد روى جعفر بن محمد الطيالسي أنه قال: صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة. فقام بين أيديهم قاص فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قال: لا إله إلا الله، خلق الله تعالى له من كل كلمة منها طائرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان)، وأخذ في قصه نحوا من عشرين ورقة. فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى بن معين، ويحيى ينظر إلى أحمد ابن حنبل. فقال: أنت حدثته بهذا؟ فقال: والله ما سمعت بهذا إلا هذه الساعة. قال: فسكتا جميعا حتى فرغ من قصصه. وأخذ القطيعات، ثم قعد ينتظر بقيتها. فقال له يحيى بن معين بيده: تعال! فجاء متوهما لنوال يجيزه. فقال له: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. فقال: أنا يحيى بن معين، وهذا أحمد بن حنبل. ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن كان لا بد والكذب فعلى غيرنا. فقال له: أنت يحيى بن معين؟ قال: نعم. قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ما تحققته إلا الساعة. فقال له يحيى بن معين: كيف علمت أني أحمق؟ قال: كأن ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد ابن حنبل غيركما. قد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. فوضع أحمد كمه على وجهه وقال: دعه يقوم. فقام كالمستهزىء بهما)([15])

2 ـ المجزرة.. وظاهرة الوضع:

وهي ظاهرة مرتبطة بالقصاصين، وأحيانا تنفصل عنهم، حيث يكون الكذب والوضع لا من القاص الذي يجلس إليه عوام الناس فقط، وإنما من المحدث المعلم الذي يجتمع إليه الرواة، والمحدثون، وهي ظاهرة أخطر بكثير من ظاهرة القصص، ذلك أنها لا ترتبط بالعوام فقط، وإنما تضيف إليهم الخاصة من العلماء وطلبة العلم.

وربما يكون انتشارها بهذا الشكل بسبب فضيحة القصاصين، وتنفير العلماء منهم، ولذلك لجأ البغاة إلى وسيلة أخطر، وهي تشجيع الرواة الذين يبدو على ظاهرهم الصلاح، ولكنهم لا يتورعون من الكذب، كما أشار إلى ذلك يحيى بن سعيد القطان حين قال: (ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه فيمن ينسب إلى الخير والزهد)([16])

ومثله قال الإمام مالك بن أنس الذي كان يعتبر ابن إسحق وغيره من رواة مجزرة بني قريظة من القصاص الكذابين الوضاعين: (أدركت بهذه البلدة أقواما ً لو استسقى بهم المطر لسقوا قد سمعوا العلم والحديث كثيرا ً ما أخذت عن أحد منهم شيئا، إنهم كانوا قد ألزموا أنفسهم خوف الله والزهد، وهذا الشأن – أي الحديث النبوي الشريف – يحتاج إلى رجل معه تـُقى وورع وصيانة وإتقان وعلم وفهم، فيتعلم ما يخرج من رأسه وما يصل إليه غدا ً. فأما رجل بلا إتقان ولا معرفة فلا ينتفع به، ولا يؤخذ عنه)([17])

وكان يقول: (لا تأخذ العلم من أربعة وخذ ممن سوى ذلك، لا تأخذ من سفيه معلن بالسفه وان كان أروى الناس، ولا تأخذ من كذاب يكذب في أحاديث الناس إذا جرب ذلك عليه، وان كان لا يهتم أن يكذب على رسول الله k، ولا من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه ولا من شيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث)([18])

وقد كانت السلطات الحاكمة تقرب أمثال هؤلاء، وتغريهم بما يشتهون من مال وجاه، لينفذوا لها أغراضها في نشر ما تشاء من الأحاديث، خاصة إذا اشتهر الراوي، وصار له الكثير من التلاميذ، وقد روي في ذلك عن هارون بن أبي عبيد الله عن أبيه قال: قال المهدي: (ألا ترى ما يقول لي مقاتل؟ قال: إن شئت وضعت لك أحاديث في العباس، قلت: لا حاجة لي فيها)([19])

وقد كان من أخطر مظاهر الوضع، تلك الإضافات التي أضيفت للنصوص الصحيحة، فذلك كثرت الرواية في الحديث الواحد، وصارت الزيادة مقبولة أيضا، لاختلاطها بالحديث الصحيح.

ومن الأمثلة على ذلك، والتي كان لها غرض سياسي لا يخفى، الحديث المشهور الذي روي في صفات الإمام المهدي، والذي يقول: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً منّي يواطؤ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً)([20])

فالروايات تتفق على أن اسم الإمام المهدي هو نفس اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. لكن تلك الإضافة (واسم أبيه اسم أبي) لم ترد إلا في هذه الرواية، أي أن الراوي أدرجها ضمن المتن الصحيح لغرض سياسي وهو التقرب من العباسيين، وخصوصا من المنصور الذي كان اسمه [عبد الله]، وسمى ولده [محمد] المشهور بالمهدي ثالث خلفاء الدولة العباسية([21]).

وهكذا رأينا كيف أدرج ابن إسحق عدد القتلى ضمن الحادثة، من غير أن يذكر سنده في ذلك، ثم راح غيره يرويها كلما روى الحادثة، حتى جاء الفقهاء وعلماء الدراية، وبدل أن يناقشوا أصل المسألة راحوا يبحثون عن تبريراتها، ويستنبطون منها الأحكام.

ومما يقترب من هذا، وله آثاره الخطيرة ظاهرة الدس في الكتب، والتي أشار إليها علماء الجرح والتعديل عند حديثهم عن ابن إسحق، وهذه الظاهرة أصابت جميع المدارس الإسلامية سنة وشيعة، ولهذا نجد روايات هذه المجزرة موجودة في تراث كليهما.

ولا بأس أن نقتبس هنا من بحث رصين للشيخ حيدر حب الله حول هذه الظاهرة الخطيرة، وكيف أثرت في التراث الشيعي، ونقلت له الكثير من الخرافات التي انفرد بها، أو رويت في التراث السني، فقد قال في كتابه [دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر]: (من الضروري أن نعرف أن الواضع قد لا يقوم برواية حديث أو يكتبه في كتابه، وإنما يقوم بدسّ حديثٍ في كتاب شخصٍ آخر معروف في الثقات، وهذا من أخطر مصاديق الدسّ على الثقات والمشاهير)([22])

ثم بين طريقة ذلك، وضرب له أمثلة من كتب الشيعة؛ فقال: (وطريقة ذلك مثلاً أن يحصل الواضع على كتاب شخص ثقةٍ جليل مثل محمد بن مسلم أو زرارة بن أعين أو جابر بن عبد الله الأنصاري، ثم يقوم بإعادة استنساخه مضيفاً بعض الأحاديث التي لم تكن موجودةً فيه أو منقصاً أو مغيّراً، أو ما شابه ذلك، ثم يقوم بنقل النسخة المحرّفة من الكتاب بوصفها كتاب محمد بن مسلم أو زرارة بن أعين، وقد يكثر عدد النسخ فتنتشر بين الأيدي، وتروج النسخة الباطلة)([23])

ثم ذكر موقف علماء الدراية من تلك الظاهرة الخطيرة، وكيف حاولوا علاجها، فقال: (من هنا، تشدّد العلماء في إثبات صحّة نسبة نسخ الكتب إلى أصحابها، فقالوا بأنه لابدّ من طرق تثبت لنا أنّ النسخة الموجودة بين أيدينا لهذا الكتاب أو ذاك أو هذا الأصل أو ذاك هي بعينها النسخة التي كانت عند المؤلف أو صورة مطابقة لها، وعلى هذا الأساس أنكروا العديد من الكتب التي بين أيدينا مع اعتقادهم أصل انتساب الكتب إلى أصحابها، مثل ما حصل مع كتاب سليم بن قيس الهلالي ـ بحسب رأي السيد الخوئي ـ حيث أثبت الكتاب له، لكن لم تحرز صحّة النسخة التي بين أيدينا اليوم، لوجود بعض الضعاف في السند عنده، وهكذا الحال عند بعض العلماء المتأخرين والمعاصرين، حيث أثبتوا وجود تفسير لعلي بن إبراهيم القمي، لكنّهم شكّكوا في أن يكون هذا التفسير هو بعينه النسخة الموجودة له بين أيدينا اليوم؛ لعدم صحّة الطريق مضافاً لقرائن أخر)

وذكر موقف أئمة أهل البيت من تلك الظاهرة، وتحذيرهم منها، وهو يشابه تماما موقف الإمام مالك ـ كما رأينا سابقا ـ في المدرسة السنية، ومنها ما (ورد في خبر محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن ـ وهو خبر صحيح السند على المشهور ـ أنّ بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر، فقال له: يا أبا محمد، ما أشدّك في الحديث، وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا، فما الذي يحملك على ردّ الأحاديث؟ فقال: حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله يقول: (لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنّة، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة؛ فإنّ المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي… وقال ـ الإمام الرضا ـ لي (ليونس): (إنّ أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله، لعن الله أبا الخطاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب، يدسّون هذه الأحاديث إلى يومنا في كتب أصحاب أبي عبد الله)([24])

ومنها ما روي عن هشام بن الحكم أنه سمع الإمام الصادق يقول: (كان المغيرة بن سعيد يتعمّد الكذب على أبي، ويأخذ كتب أصحابه، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدسّ فيها الكفر والزندقة، ويسندها إلى أبي، ثم يدفعها إلى أصحابه ويأمرهم أن يبثوها في الشيعة، فكلّ ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك ما دسّه المغيرة بن سعيد في كتبهم)([25])

ولهذا نجد اتفاق تراث كلا المدرستين على الكثير من الخرافات، وللأسف بدل أن يواجهها عقلاء كلا المدرستين صار الكثير منهم يحرض على أخيه، فإذا أنكر شيئا، قال له الآخر: وأنت أيضا في تراثك تلك الرواية، مثلما هو حاصل في روايات غزوة بني قريظة.. مع أن الأصل أن يتفق كلاهما على نبذ كل ذلك الدس الذي قام به البغاة في تراث كليهما.

ومن الظواهر الأخطر من هذه الظاهرة نسبة الكتب إلى غير أصحابها؛ حيث ينسب الراوي الضعيف ما يجمعه من الحديث في كتاب، ثم ينسبه لمن يراه من الثقاة، ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره الخطيب البغدادي في ترجمة أبي بشر الكندي أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب، حيث قال: (وكان أبو بشر من أهل المعرفة والفهم، غير أنّه لم يكن ثقة، وله من النسخ الموضوعة شيء كثير، ورواياته منتشرة عند الخراسانيين)([26])

ومن الظواهر التي لا تقل عن هذه الظاهرة ظاهرة الاختلاط العقلي([27]) للرواة، والذين يصر تلاميذهم على التلقي منهم، ليحصلوا على الإسناد العالي، والذي أشار إليه الذهبي بقوله: (كل تغير يوجد في مرض الموت فليس بقادح في الثقة فإن غالب الناس يعتريهم في مرض الموت الحاد نحو ذلك، وإنما المحذور أن يقع الاختلاط بالثقة فيحدث في حال اختلاطه بما يضطرب في إسناده ومتنه فيخالف فيه)([28])

وهكذا نجد مصادر كثيرة للكذب والوضع في الرواية، قبل التدوين وبعده، وذلك مما يدعو إلى المزيد من التحري والتحقيق، وعدم الاكتفاء بالسند وحده، بل دراسة النصوص من كل الزوايا، ذلك أن الوضاعين لن يصعب عليهم أن يتلاعبوا بالأسانيد؛ فيدسوا فيها ما شاءوا، وخاصة في ظل تساهل المحدثين في مرحلة الدراية.

والذي يسر ذلك كله عدم اهتمام السلطات بالرواة، ولا بشروطهم؛ فيكفيها ألا يتحدثوا في شؤون الحكم ومعارضته والتحريض عليه، بالإضافة إلى تساهل العلماء أنفسهم في شروط الرواة، حيث أن شروط الرواة عندهم أيسر من شروط الشهادة.

وذلك كله نتيجة الابتعاد عن القيم القرآنية؛ فالقرآن الكريم ذكر خطورة الشهادة في مسائل وفروع بسيطة تتعلق بآحاد الناس، فشرط العدد في الشهود، بالإضافة للعدالة ونحوها حتى لا يتهم البريء، وينجو المجرم.. لكنا نجد المحدثين سلكوا مع الحديث منهجا أيسر وأسهل حتى يتاح التحديث لآحاد الناس، ليطرح كل واحد ما يشاء من غير أن يحتاج لمن يشهد معه، أو يقف بجنبه.

مع انه الأجدر بهم أن يجعلوا شروط رواة الحديث أعظم، وعددهم أكثر، لأن القضية لا تتعلق بفرد واحد من الناس، وإنما تتعلق بأمة كاملة، وبدين كامل، لكن المحدثين لم يهتموا بهذا، ولم يعطوه الأهمية التي يستحقها، بل إننا نجدهم يجعلون شروط الشهادة أخطر من شروط الرواية، ومن الأمثلة على ذلك([29]):

1ـ العدد غير مشروط في الرواية بخلاف الشهادة؛ فلابد فيها من نصابها فتنقل رواية الآحاد من الرجال والنساء، أما الشهادة فيشترط فيها العدد، فيشترط أربعة في الزنا ورجلان أو رجل وامرأتان في غيره.

2 ـ لا يشترط الحرية في الرواية بخلاف الشهادة فالحرية مطلوبة عند بعض الفقهاء.

3 ـ في شهادة الفروع للأصول والعكس والأقارب لبعضهم خلاف في قبولها بسبب تهمة القرابة، ولا يوجد شيء من ذلك في الرواية.

4 ـ تقبل في الرواية النقل عن شخص آخر (حدثني فلان عن فلا ن)، ولا يقبل في الشهادة إلا الأصالة.

5 ـ تقبل رواية الصبي على رأي البعض، أما الشهادة فلا تقبل إلا من بالغ.

وهم في موقفهم هذا يخالفون من يدعون الانتساب إليهم من الصحابة، فقد كانوا يتشددون في شروط الرواية مع كون المسافة بينهم وبين رسول الله k قصيرة جدا، فقد روى قبيص بن ذؤيب أنَّ الجدّة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أنْ تورث، فقال لها: ما أجد لك في كتاب الله شيئاً، وما علمت أنَّ رسول الله k ذكر لك شيئاً، ثم سأل النَّاس، فقام المغيرة فقال: سمعت رسول الله e يعطيها السُّدس، فقال: هل معك أحد؟ وشهد محمد بن سلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها([30]).

ومثل ذلك روي عن أبي سعيد الخدريّ قال: (كنتُ جالساً في مجلس الأنصار إذ أبو موسى كأنَّه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي، فرجعت، وقال رسول الله k: (إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له؛ فليرجع)، فقال: والله لتقيمنَّ عليه ببيّنة، أَمنْكمْ أحدٌ سمعه من النَّبيّ k؟ فقال أُبي بن كعب: (والله لا يقوم معك إلاَّ أصغر القوم)، فكنت أصغر القوم، فقمتُ معه، فأخبرت عمر أنَّ النَّبيّ k قال ذلك)([31]).   

وهكذا روي عن الإمام عليّ أنه كان لا يقبل خبر الآحاد ولا يعمل به إلاَّ إذا استحلف الرَّاوي باليمين أنَّه سمع الحديث عن رسول الله k ([32]).

لكن المحدثين في مرحلة التدوين وما بعدها لم يقبلوا بهذا، لأنهم لو قبلوه لارتفعت حجية الكثير من العقائد التي فرضوها على الأمة فرضا، ولزالت معها تلك المجلدات الكثيرة التي جمعوها، ولذهب معها كذلك تلك الآلاف وعشرات الآلاف من الأحاديث التي حفظوها ليتميزوا بها عن سائر الناس.

ولهذا نراهم يجتهدون في إثبات خبر الواحد بأي سبيل من السبل، وأولها تلك التشديدات التي لا يتقن سلفهم غيرها، فقد اعتبروا الطاعن في حجية خبر الواحد في المسائل العقدية مبتدعا ومنحرفا، بل طاعنا في السنة النبوية نفسها، بل مكذبا لرسول الله k.

قال ابن عبد البر مبينا موقف سلف السلفية من المتشدد في قبول خبر الواحد: (مذهب الأئمة، أهل الفقه والأثر.. كلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعاً وديناً في معتقده، وعلي ذلك جماعة من أهل السنة)([33])

وقال أبو المظفر السمعاني في (الانتصار لأصحاب الحديث) مبينا الحجج الحجج القوية التي أوردها المتكلمون، بل كل طوائف المسلمين: (وقد سلك أهل الكلام في رد الناس من الأحاديث إلى المعقولات طريقا شبهوا بها على عامة الناس قالوا: إن أمر الدين أمر لابد فيه من وقوع العلم ليصح الاعتقاد فيه، فإن المصيب في ذلك عند اختلاف المختلفين واحد والمخالف في أمر من أمور الدين الذي مرجعه إلى الاعتقاد إما كافر أو مبتدع، وما كان أمره على هذا الوجه، فلابد في ثبوته من طريق توجب العلم حتى لا يتداخل من حصل له العلم بذلك شبهة وشك بوجه من الوجوه، والأخبار التي يرويها أهل الحديث في أمور الدين أخبار آحاد وهي غير موجبة للعلم وإنما توجب الإعمال في الأحكام خاصة، وإذا سقط الرجوع إلى الأخبار فلابد من الرجوع إلى دليل العقل وما يوجبه النظر والاعتبار فهذا من أعظم شبههم في الإعراض عن الأحاديث والآثار)([34])

ثم قال ـ بهذه البساطة ـ ردا عليها: (إن خبر الواحد إذ صح عن رسول الله k ورواه الثقات والأئمة وأسنده خلفهم عن سلفهم إلي رسول الله وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم فيما سبيله العلم، هذا قول عامة أهل الحديث والمتقنين من القائمين علي السنة)([35])

أما ابن تيمية، فكعادته في حكاية الإجماع، فقد ذكر أن الأمة مجمعة على أن خبر الواحد يعمل به في كل شيء ابتداء من العقائد، قال: (.. فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد k من الأولين والآخرين؛ أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع)([36])

وحكاية الإجماع في هذه المسألة وغيرها من ابن تيمية تدل على أن الأمة عنده مختصرة في السلفية، فلذلك إذا اتفق قولهم في مسألة عده إجماعا للمسلمين جميعا، لأنه لا مسلمين غيرهم.

وخطورة القول بحجية خبر الواحد هي أن هذا النوع من الأخبار كان هو البوابة التي دخل منها تحريف الدين بعقائده وأحكامه.. ذلك أن المقصود بخبر الواحد أن يتوقف الحديث في أي مرحلة من مراحل السند على شخص واحد.

وهنا الثغرة الكبرى لعلم الحديث.. فأي علم هذا الذي يجعل من حديث رسول الله k الذي هو الدين نفسه مركبا سهلا لكل من يريد أن يضيف حكما جديدا، أو ينسخ حكما ثابثا، لأنه لن يكلفه سوى أن يظهر بمظهر الصلاح، أو يكلف من يظهر بمظهر الصلاح، ثم يأتي المسجد، ويجمع حوله بعض التلاميذ، ثم يروح يعنعن الحديث بعد أن يكون قد أحكم صياغته اللغوية، ووضع بعض المشاهد التي ترغب في حفظه.

وقد ذكرنا الأمثلة الكثيرة على ذلك في كتابينا [السلفية والوثنية المقدسة]، و[السلفية والنبوة المدنسة]، وكيف استطاعت أمثال تلك الأحاديث أن تنشر تصورات عقدية بديلة عن العقائد القرآنية المتعلقة بالله وبأنبياء الله.

وهكذا يقال في الأحكام، فمن السهل أن تروى الأحاديث التي تنسخ ما ورد في القرآن الكريم من السماحة مع المخالف، فليس على من يريد أن يرفع هذا الحكم من الشريعة ومن القرآن الكريم سوى أن يذهب إلى أي شخص ويملي عليه أي حديث أو أحاديث لتتبخر معها السماحة القرآنية النبوية، ويحل بدلها العنف الذي وفر له السلفية سبيل الدخول إلى هذا الدين.

ثانيا ـ المجزرة.. ومرحلة التدوين:

مثلما ارتبطت مرحلة الرواية بالفئة الباغية التي شجعت الوضاعين والقصاصين على رواية الخرافات والأساطير المشوهة للقرآن الكريم والسيرة النبوية المطهرة، ارتبطت مرحلة التدوين كذلك بهذه الفئة، ذلك أنها هي التي شجعتها على التأليف في هذه الجوانب، ثم قامت بنشر نسخ تلك المؤلفات على العامة، لتستكمل بذلك دورها في الثورة المضادة.

والذي يدل على ذلك تلك الروايات الكثيرة التي يذكرها المؤرخون عادة ليستدلوا بها على مدى اهتمام الأمويين بالعلوم والثقافة، متناسين مدى تدخلهم في الحقائق المرتبطة بها، وأن تدخلهم فيها ليس لرغبتهم في العلم، ولكن لخشيتهم من انتشار أي حقائق قد تسيء إليهم.

ومن الأمثلة على ذلك ما رواه المدائني عن ابن شهاب الزهري، قال: قال لي خالد بن عبد الله القسري: اكتب لي النسب؛ فبدأت بنسب مضر، وما أتممته فقال: اقطعه، اقطعه، قطعه الله مع أصولهم، واكتب لي السيرة، فقلت له: فإنه يمر بي الشيء من سير علي بن أبي طالب، فأذكره؟ فقال: لا، إلا أن تراه في قعر الجحيم)([37])

وروي أنه عندما وصل كتاب الإمام علي، الذي يذكر فيه ما له من مناقب وفضائل إلى معاوية، قال معاوية: (اخفوا هذا الكتاب لا يقرأه أهل الشام، فيميلوا إلى ابن أبي طالب)([38])

ويروى أن هشام بن عبد الملك كتب إلى الأعمش يطلب منه أن يكتب له كتابا في فضائل عثمان، ومساوئ علي فرفض([39]).

وروي أن الشعبي قال: (لو أردت أن يعطوني رقابهم عبيدا، أو يملأوا لي بيتا ذهبا، على أن أكذب لهم على علي رضوان الله عليه لفعلوا)([40])

وقال أبو أحمد العسكري: (يقال: إن الأوزاعي لم يرو في الفضائل حديثا (أي غير حديث الكساء) والله أعلم، وكذلك الزهري لم يرو فيها إلا حديثا واحدا، كانا يخافان بني أمية)([41])

ومما يؤكد ذلك ما ورد في الروايات الكثيرة التي تدل على تدخل السلطات الأموية في الغض من قيمة الأنصار ودورهم في نصرة الإسلام، وذلك بسبب مساندتهم للإمام علي ([42])، ولذلك دعوا إلى تشويههم والإساءة إليهم.

وربما يكون من أسباب تلفيق مجزرة بني قريظة علاقتها بالأنصار، وخصوصا بالأوس، ذلك أن بني قريظة كانوا حلفاء للأوس، بخلاف بني النضير وغيرهم الذين كانت لهم علاقة بالخزرج، وقد كانت علاقة الأمويين بالخزرج أحسن من علاقتهم بالأوس، ولذلك حاولوا أن يسيئوا إلى حلفاء الأوس.

ومما يدل على تدخل الأمويين في التدوين، ودعوة الكتبة إلى عدم ذكر فضائل الأنصار، ما رواه الزبير بن بكار من أن سليمان بن عبد الملك قدم حاجا، وهو ولي عهد؛ فمر بالمدينة، فأمر أبان بن عثمان أن يكتب له سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومغازيه، فقال له أبان: هي عندي، قد أخذتها مصححة ممن أثق به، فأمر بنسخها فنسخت له، فلما صارت إليه نظر؛ فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين، وذكر الأنصار في بدر، فقال: ما كنت أرى لهؤلاء هذا الفضل، فإما أن يكون أهل بيتي غمصوا([43]) عليهم، وإما أن يكونوا ليس هكذا، فقال أبان بن عثمان: أيها الأمير، لا يمنعنا ما صنعوا بالشهيد المظلوم من خذلانه، لأن نقول بالحق: هم على ما وصفنا لك في كتابنا هذا، قال: ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتى أذكره لأمير المؤمنين، لعله يخالفه، فأمر بذلك الكتاب فحرق، فلما رجع، وأخبر أباه، قال عبد الملك: وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل؟ تعرف أهل الشام أمورا لا نريد أن يعرفوها؟! فأخبره بتحريق ما كان نسخ، فصوب رأيه، وكان عبد الملك يثقل عليه ذلك)([44])

وفي تتمة الرواية ذكر لسبب موقف سليمان بن عبد الملك وغيره من الخلفاء الأمويين من الأنصار، فقد ذكر ذكر الراوي: أن سليمان أخبر قبيصة بن ذؤيب بما جرى، وجواب قبيصة له، قال: فقال سليمان: يا أبا إسحاق، ألا تخبرني هذا البغض من أمير المؤمنين وأهل بيته لهذا الحي من الأنصار، وحرمانهم إياهم، لم كان؟!. فقال: يا ابن أخي، أول من أحدث ذلك معاوية بن أبي سفيان، ثم أحدثه أبو عبد الملك، ثم أحدثه أبوك. فقال: علام ذلك؟! قال: فو الله ما أريد إلا لأعلمه وأعرفه، فقال: لأنهم قتلوا قوما من قومهم، وما كان من خذلانهم عثمان، فحقدوه عليهم، وحنقوه، وتوارثوه، وكنت أحسب لأمير المؤمنين أن يكون على غير ذلك لهم، وأن أخرج من مالي فكلمه، فقال سليمان: أفعل والله، فكلمه، وقبيصة حاضر، فأخبره قبيصة بما كان من محاورتهم، فقال عبد الملك: والله ما أقدر على غير ذلك، فدعونا من ذكرهم، فأسكت القوم([45]).

والذي يدل لهذه الرواية ما ورد في كتب الحديث والتاريخ من موقف الفئة الباغية من الأنصار؛ فقد روي أن أبا أيوب أتى معاوية فذكر حاجة له، فجفاه ولم يرفع به رأسا، فقال أبو أيوب: أما إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبرنا أنه ستصيبنا بعده أثرة قال: فبم أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نرد عليه الحوض، قال: فاصبروا إذا، فغضب أبو أيوب، وحلف أن لا يكلمه أبدا([46]).

والحديث الذي أشار إليه أبو أيوب هو ما حدث به أسيد بن حضير وأنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للأنصار حين أفاء الله عليه أموال هوازن: (إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)([47])

وحدث أنس عن ذلك، فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للأنصار: (ستلقون بعدي أثرة في القسم والأمر، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)([48])

ومثل ذلك ما يروى من بغض يزيد بن معاوية يبغض الأنصار بغضا شديدا، وقد دعا لأجل ذلك كعب بن جعيل التغلبي لأن يهجوهم، فامتنع وقال له: (أردتني إلى الاشراك بعد الايمان، لا أهجو قوما نصروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن أدلك على غلام منا نصراني كان لسانه لسان ثور ـ يعني الأخطل)؛ فدعا يزيد الأخطل، وطلب منه هجاء الأنصار فأجابه إلى ذلك، وهجاهم بأبيات كثيرة منها:

لعن الاله من اليهود عصابة

   ما بين صليصل وبين صرار

قوم إذا هدر القصير رايتهم

   حمرا عيونهم من المسطار

خلوا المكارم لستم من أهلها

   وخذوا مساحيكم بني النجار

إن الفوارس يعلمون ظهوركم

   أولاد كل مقبح اكاز

ذهبت قريش بالمكارم كلها

   واللؤم تحت عمائم الأنصار([49])

وربطه لهم باليهود في قصيدته يدل على تلك النظرة التي تنظر بها الفئة الباغية للأنصار، ولعل ذلك من الدواعي التي جعلتهم يدعون إلى رواية مجزرة بني قريظة.

ولم يكن موقف الأمويين من الأنصار قاصرا على منعهم من العطاء، أو الغض من فضائلهم، أو كتابة الأشعار في هجائهم، بل إنه تعدى ذلك كله إلى تلك الحرب المعلنة عليهم، والتي انتهت بما يمكن تسميته مجزرة الحرة، والتي كانت من أسباب تدليس الأمويين لمجزرة بني قريظة حتى تبررها، أو حتى تغطي عليها.

وواقعة الحَرَّة، هي المعركة التي وقعت سنة 63 هـ بين الثائرين من أهل المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة وجيش الشام المبعوث من قبل يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بقيادة مسلم بن عقبة المرِّي.

وقد وصف المؤرخون الجرائم التي اقترفها الأمويون في المدينة المنورة، وهي جرائم يندى لها الجبين؛ فقد استبيحت المدينة ثلاثة أيام، وقُتل فيها الكثير من أهل المدينة منهم 80 صحابياً، و700 حافظ للقرآن الكريم، واعتدوا على الأعراض والأموال وقتل الشيوخ والأطفال، وشقوا بطون النساء الحوامل وقتلوا ما في بطونهن، وأهانوا الصحابة الذين كانوا في المدينة من أمثال جابر بن عبدالله الأنصاري الذي فقد بصره في تلك الفترة، وأبو سعيد الخدري، وغيرهم([50]).

وبعد ثلاثة أيام من العبث بالمدينه، مما يشبه ما ذكروه عن غزوة بني قريظة، جمع مسلم بن عقبة المرّي من تبقى من أهل المدينة وطلب منهم أن يبايعوا يزيد بن معاوية على أنهم وآبائهم عبيد له، أو غنيمة حرب له، ومن لم يقبل بهذه البيعة قطعوا رأسه ([51]).

ومن الأمثلة على تلك الجرائم التي وثقت ما ذكره ابن الأثير في الكامل، قال: (ودعا مسلم الناس إلى البيعة ليزيد على أنهم خول له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم من شاء، فمن امتنع من ذلك قتله، وطلب الأمان ليزيد بن عبد الله بن ربيعة بن الأسود، ولمحمد بن أبي الجهم بن حذيفة، ولمعقل بن سنان الأشجعي، فأتي بهم بعد الوقعة بيوم، فقال: بايعوا على الشرط، فقال القرشيان: نبايعك على كتاب الله وسنة رسوله. فضرب أعناقهما، فقال مروان: سبحان الله! أتقتل رجلين من قريش أتيا بأمان؟ فطعن بخاصرته بالقضيب، فقال: وأنت والله لو قلت بمقالتهما لقتلتك!.. وجاء معقل بن سنان فجلس مع القوم فدعا بشراب ليسقى، فقال له مسلم: أي الشراب أحب إليك؟ قال: العسل. قال: اسقوه، فشرب حتى ارتوى، فقال له: أرويت؟ قال: نعم. قال: والله لا تشرب بعدها شربة إلا في نار جهنم)([52])

وللأسف، فإن الكثير يعتبر المجرم الذي قام بهذه المجازر، وهو مسلم بن عقبة، من الصحابة الأجلاء العدول الذين يحرم الحديث عنهم، ولسنا ندري كيف يكون من استباح فعل كل ذلك عادلا، وأنه لا يتجرأ على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو قد تجرأ على جميع موبقات الدنيا.

بعد كل هذه الأدلة على مدى تدخل الفئة الباغية في تزوير السيرة النبوية لتنسجم مع الجرائم التي قامت بها، نذكر هنا باختصار بعض كبار من دون في السير والمغازي؛ لنرى مدى علاقتهم بالسلطات الأموية، بالإضافة لاتهامهم بالتدليس ونحوه.

1 ـ عروة بن الزبير:

هو عروة بن الزبير بن العوام (23 هـ – 94 هـ)، وهو من كبار التابعين، وأحد فقهاء المدينة السبعة، وأحد المكثرين في الرواية عن خالته عائشة، ومن الأوائل الذين حاولوا تدوين الحديث والسيرة، التي اعتمد عليها من جاء بعدهم.

ولذلك كله حظي بتوثيق من المحدثين على الرغم مما سنذكره عنه من صلته بالأمويين، بل تدخلهم في رواياته؛ فقد قال عنه الواقدي: (كان عروة فقيهاً عالماً حافظاً ثبتاً حجة عالماً بالسير، وهو أول من صنف في المغازي)([53])، وقال فيه ابن كثير: (كان عروة فقيها عالما حافظا ثبتا حجة عالما بالسير، وهو أول من صنف في المغازي)([54])

على الرغم من ذلك كانت له صلة وثيقة ببني أمية، تدل على تدخلهم في رواياته، وربما إدخال ما يرغبون إليها؛ فقد نقل لنا الطبري وغيره نصوصاً من كتاباته إلى عبدالملك بن مروان الخليفة الأموي والذي كان مقربا إليه([55]).

ولعل السبب الذي قربه من الأمويين موقفه من الإمام علي، فقد كان من كبار المنحرفين عنه، وقد روى جرير بن عبد الحميد عن محمد بن شيبة قال: شهدت مسجد المدينة؛ فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليا، فنالا منه، فبلغ ذلك علي بن الحسين، فجاء حتى وقف عليهما، فقال: (أما أنت يا عروة فإن أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي على أبيك وأما أنت يا زهري؛ فلو كنت أنا وأنت بمكة لأريتك كنّ (بيت) أبيك)([56])

بل هو نفسه أقر بمداراته لبني أمية، وتعاونه معهم، فقد قال: أتيت عبد الله بن عمر بن الخطاب؛ فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، إنا نجلس إلى أئمتنا هؤلاء، فيتكلمون بالكلام، نعلم أن الحق غيره؛ فنصدقهم، ويقضون بالجور، فنقويهم، ونحسنه لهم؛ فكيف ترى في ذلك؟ فقال: (يا بن أخي، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعد هذا النفاق؛ فلا أدري كيف هو عندكم)([57])

وهذا النص يقر فيه عبد الله بن عمر بأن ذلك التصرف الذي قام به عروة من النفاق، وهو اتهام له، لكن للأسف تُذكر هذه الرواية في كتب الحديث، ويُذكر معها الثناء العريض عليه، مع كونه هو نفسه أقر بأنه يساند الظلمة في ظلمهم.

والمشكلة الأكبر ليس في ذلك التقرب من الأمويين، وإنما في ظاهرة التدليس التي لا يمكن الجزم فيها بمصدر الرواية، ولذلك يبدو في كتابه في المغازي كثير التدليس، قليل الاستعمال للأسانيد مثل كل من كتب في السير([58]).

2 ـ أبان بن عثمان بن عفان:

هو أبان بن عثمان بن عفان (ت 101 – 105 هـ) كتب في المغازي، وكانت تقرأ عليه، ويأمر بتعليمها([59])، وقد تتلمذ على يديه كثير من المحدثين الأوائل كابن شهاب الزهري وابن إسحاق المطلبي.

وعلاقته ببني أمية، وتقريبهم له من المتفق عليه، فقد كان من الموالين لبني أمية، ومن المشاركين في وقعة الجمل في حرب الإمام علي، وقد تولى إمارة المدينة في أيام عبدالملك بن مروان([60]).. ولهذا نال الحظوة باعتباره مصدرا من مصادر السيرة النبوية المطهرة، فقد قال ابن سعد وهو يترجم للمغيرة بن عبدالرحمن بن الحارث: (كان ثقة قليل الحديث، إلا مغازي رسول الله k أخذها عن أبان بن عثمان)([61])

وقد روي أن كتاباته في السيرة اعتمدت في ذلك العصر، فنسخت منها النسخ، وصارت مرجعا للرواة، وهو ما ساهم في نشر الكثير من الروايات التي لا سند لها، ومنها مجزرة بني قريظة، فقد ذكر ابن سعد أن المغيرة بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي لم يكن عند خط مكتوب من الحديث إلا مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذها من أبان بن عثمان، فكان كثيراً ما تقرأ عليه ويأمر أولاده بتعلمها)([62]).

وروي الزبير بن بكار أن أبان بن عثمان قال لسليمان بن عبدالملك عندما أمره بأن يكتب سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومغازيه، قال له: (هي عندي قد أخذتها مصححة ممن أثق فيه)، فأمر سلمان بنسخها([63]).

وقوله: (ممن أثق فيه) عند سليمان بن عبد الملك يدل على أنهم من الذين يثق فيهم الحاكم الأموي أيضا، لأن السلطات في ذلك الحين حرمت الكثير من الروايات التي لا تتناسب مع بقائها في الحكم.

وقد ذكرنا سابقا ما رواه الزبير بن بكار من أن سليمان بن عبد الملك قدم حاجا، وهو ولي عهد؛ فمر بالمدينة، فأمر أبان بن عثمان أن يكتب له سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومغازيه، فقال له أبان: هي عندي، قد أخذتها مصححة ممن أثق به، فأمر بنسخها فنسخت له، فلما صارت إليه نظر؛ فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين، وذكر الأنصار في بدر، فقال: ما كنت أرى لهؤلاء هذا الفضل، فإما أن يكون أهل بيتي غمصوا عليهم، وإما أن يكونوا ليس هكذا)، إلى آخر القصة، والتي أمر فيها سليمان بن عبد الملك بتحريق تلك النسخة([64]).

3 ـ ابن شهاب الزهري:

هو ابن شهاب الزهري (ت 124هـ) وهو من الشخصيات المهمة المعتمد عليها في كتابة السيرة النبوية، على الرغم من صلاته الشديدة بالأمويين([65])، وكونه من كبار الذين اتهموا بالإرسال والتدليس وعدم التمكن من معرفة مصادر أحاديثهم.

ومع ذلك كان محل احترام كبير من العلماء الذين اعتبروه إماما من أئمة الدين، ومصدرا من مصادره الموثوقة، مع كون ذلك يحمل كثيرا من المبالغات التي تسربت من خلالها التشويهات الكثيرة للقيم الدينية.

ومن أهم ما يقلل من وثاقته، أو يجنب الاعتماد الكلي على رواياته، أو يدعونا إلى التشكيك فيما يعارض القيم منها ذلك التقرب من الأمويين، والذين اعتبروه من أعوانهم الكبار، فقد روي أن هشام بن عبدالملك أمر اثنين من كتابه بمرافقة ابن شهاب الزهري فرافقاه عاماً في مجالسه التي يحاضر فيها، ثم أودع ذلك النقل خزانة هشام([66]).

 وروي أنه كان من عمالهم، وأنه كان كاتبا لهشام بن عبد الملك، ومعلما لأولاده، وقبل ذلك ذكر أنه كان له علاقة بأهل الكوفة الذين خرجوا عن طاعة الإمام علي، وكانوا أهل عداوة له وبغض، وخذلوا عنه([67]).

بالإضافة إلى اتهامه بالتدليس، وهو أخطر من علاقته بالفئة الباغية، وقد وصفه بذلك كبار علماء الحديث من أمثال الشافعي والدار قطني وغيرهما.

وقد قال عنه الذهبي: (محمد بن مسلم الزهري الحافظ الحجة كان يدلس في النادر)([68])

وقال العلائي: (محمد بن شهاب الزهري الإمام العلم مشهور به (أي بالتدليس) وقد قبل الأئمة قوله (عن)([69])

وقال عنه ابن حجر ـ بعد وضعه في المرتبة الثالثة من مراتب المدلسين: (محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري الفقيه المدني نزيل الشام مشهور بالإمامة والجلالة وصفه الشافعي والدار قطني وغير واحد بالتدليس)([70])

ووضع ابن حجر له في المرتبة الثالثة من مراتب المدلسين يشكك في كل رواياته إلا ما انسجم منها مع القيم الشرعية، ذلك أنه أراد بتلك المرتبة ما عبر عنه بقوله: (من أكثر من التدليس فلم يحتج الائمة من أحاديثهم الا بما صرحوا فيه بالسماع ومنهم من رد حديثهم مطلقا ومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي)([71])

وبذلك فإننا لو طبقنا التشدد الذي طبقه أبو الزبير المكي على أحاديثه، لرميناها عرض الجدار، مثلما رمى الإمام مالك كل أحاديث ابن إسحق وعكرمة وغيرهما والروايات التي رووها.

لكن خوف المحدثين من قلة الرواية، وقلة التفاصيل جعلهم يجنحون إلى القبول بها، ولو على حساب القيم القرآنية، متناسين تلك الأوامر الإلهية التي تحذر عن البحث في التفاصيل في المصادر غير الموثوقة، كما شرحنا ذلك بتفصيل في كتاب [هكذا يفكر العقل السلفي]

4 ـ محمد بن إسحاق:

وهو أبو بكر محمد بن اسحاق بن يسار بن خيار المدني([72]) (85 هـ – 151 هـ)، وقد ذكرنا سابقا موقف الإمام مالك منه، واتهامه له بالكذب، بالإضافة إلى صلته باليهود، وخاصة يهود بني قريظة وروايته عنهم، بالإضافة إلى ذلك كانت له صلة بالفئة الباغية في فرعها الثاني المتمثل في خلفاء بني العباس، وقد روي أنه كتب السيرة بناء على طلب أبي جعفر المنصور.

ولم يكن اتهامه قاصرا على ما ذكره ابن حبان من اتهام الإمام مالك له بالكذب والأخذ عن اليهود، وإنما ذكره غيره أيضا، فهم يتفقون جميعا على موقف الإمام مالك المتشدد من كل روايات ابن إسحق، فقد حدث ابن إدريس قال: (قلت لمالك بن أنس وذكر المغازي فقلت: قال ابن إسحاق: أنا بيطارها، فقال: قال لك: أنا بيطارها؟ نحن نفيناه عن المدينة)([73])

وقال الرازي: (حدثنا مسلم بن الحجاج النيسابوري قال: حدثني إسحاق بن راهويه قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن إدريس قال: كنت عند مالك بن أنس، وقال له رجل: يا أبا عبد الله إني كنت بالري عند أبي عبيد الله، وثم محمد بن إسحاق فقال محمد بن إسحاق: اعرضوا علي علم مالك فإني أنا بيطاره، فقال مالك: (دجال من الدجاجلة يقول: اعرضوا علي علمه)([74])

وقال أبو جعفر العقيلي: (حدثني أسلم بن سهل، حدثني محمد بن عمرو بن عون، حدثنا محمد بن يحيى بن سعيد القطان قال: قال أبي: سمعت مالكا يقول: يا أهل العراق من يغت -أي يفسد- عليكم بعد محمد بن إسحاق)([75])

وقال محمد بن الحسين القطان: (أنبأنا دعلج بن أحمد، قال: أنبأنا أحمد بن علي الأبار قال: نبأنا إبراهيم بن زياد سبلان قال: نبأنا حسين بن عروة قال: سمعت مالك بن أنس يقول: محمد بن إسحاق كذاب)([76])

ولم يكن ذلك موقف الإمام مالك لوحده، بل شاركه فيه غيره من كبار العلماء والمحدثين المتقدمين، ومنهم هشام بن عروة؛ فقد روى الرازي عن يحيى بن سعيد القطان قال: (قال هشام بن عروة: هو كان يدخل على امرأتي؟ ـ يعني محمد بن إسحاق ـ كالمنكر)، وقال في رواية أخرى قال: (أهو كان يصل إليها؟ وقال الرازي: قال عمر بن حبيب: قلت لهشام بن عروة: حدثنا محمد بن إسحاق قال: ذاك كذاب)([77])

ومنهم يحيى القطان، فقد روى الغلاس عنه قال: (كنا عند وهب بن جرير، فانصرفنا من عنده فمررنا بيحيى القطان فقال: أين كنتم؟ فقلنا: كنا عند وهب بن جرير – يعني نقرأ عليه كتاب المغازي عن أبيه، عن ابن إسحاق – فقال: (تنصرفون من عنده بكذب كثير)، وقال عنه: (ما تركت حديثه إلا لله، أشهد أنه كذاب)([78])

وقال ـ يذكر مصادره على كذبه: (قال لي وهيب بن خالد: إنه كذاب، قلت لوهيب: ما يدريك؟ قال: قال لي مالك: أشهد أنه كذاب، قلت لمالك: ما يدريك؟ قال: قال لي هشام بن عروة: أشهد أنه كذاب، قلت لهشام: ما يدريك؟ قال: حدث عن امرأتي فاطمة بنت المنذر، ودخلت علي وهي ابنة تسع سنين، وما رآها حتى لقيت الله)([79])

وهكذا قال عنه كبار علماء الجرح والتعديل، والذين ذكروا مدى صلته باليهود، فقد قال ابن المديني: (ثقة، لم يضعه عندي إلا روايته عن أهل الكتاب)

ومن الإسرائيليات التي رويت عنه ما رواه ابن جرير الطبري، قال: حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن (أبي عتاب رجل من تغلب كان نصرانيا عمرا من دهره ثم أسلم بعد، فقرأ القرآن، وفقه في الدين، وكان فيما ذكر أنه كان نصرانيا أربعين سنة ثم عمر في الإسلام أربعين سنة قال: قال: كان آخر أنبياء بني إسرائيل نبيّا بعثه الله إليهم، فقال لهم: يا بني إسرائيل إن الله يقول لكم: إني قد سلبت أصواتكم، وأبغضتكم بكثرة أحداثكم، فهَمُّوا به ليقتلوه، فقال الله تبارك وتعالى له: ائتهم واضرب لى ولهم مثلا فقل لهم: إن الله تبارك وتعالى يقول لكم: اقضوا بيني وبين كرمي، ألم أختر له البلاد، وطيبت له المدرة، وحظرته بالسياج، وعرشته السويق والشوك والسياج والعَوْسَج، وأحطته بردائي، ومنعته من العالم وفضَّلته، فلقيني بالشوك والجذوع، وكل شجرة لا تؤكل ما لهذا اخترت البلدة، ولا طيَّبت المَدَرة، ولا حَظَرته بالسياج، ولا عَرَشْته السويق، ولا حُطْته بردائي، ولا منعته من العالم، فضلتكم وأتممت عليكم نعمتي، ثم استقبلتموني بكلّ ما أكره من معصيتي وخلاف أمري لمه إن الحمار ليعرف مذوده، لمه إن البقرة لتعرف سيدها، وقد حلفت بعزّتي العزيزة، وبذراعي الشديد لآخذنّ ردائي، ولأمرجنّ الحائط، ولأجعلنكم تحت أرجل العالم، قال: فوثبوا على نبيهم فقتلوه، فضرب الله عليهم الذّل، ونزع منهم الملك، فليسوا في أمة من الأمم إلا وعليهم ذلّ وصغار وجزية يؤدّونها، والملك في غيرهم من الناس، فإن يزالوا كذلك أبدا، ما كانوا على ما هم عليه)([80])

والعجيب أن المقصود بهذا الحديث هو المسيح عليه السلام، فهو بنص القرآن الكريم آخر أنبياء بني إسرائيل، ومع ذلك يذكر الراوي الذي روى عنه ابن إسحق أنه قتل، وهو يدل على بقائه على عقيدته في المسيحية، والرواة يذكرون الرواية، ولا يوجهون لها أي نقد، وكأنها حقيقة مطلقة، مع مخالفتها الصريحة للقرآن الكريم.

وكان الأصل أن يقوم المحدثون بالحجر على رواياته جميعا بسبب اتهامه بالكذب، ذلك أن الاتهام به هو أعلى درجات الاتهام، ولا يحكم على الروايات التي فيها كذابون إلا بكونها موضوعة، خاصة إذا عارضت القيم القرآنية ـ كما سنرى ـ لكن للأسف، وبسبب التساهل في الأحاديث المرتبطة بالسيرة قبلوا رواياته، وراحوا يدافعون عنها، بينما لو روي مثلها في أحكام الطهارة أو الصلاة أو غيرها، لرفضوها.

أما غير هؤلاء الذين اتهموه بالكذب؛ فنجدهم يتهمونه بالتدليس، وهو لا يقل عن الكذب، ولعل الإجماع قائم على ذلك، فقد قال الرازي: (قال الأثرم لأبي عبد الله: ما تقول في محمد بن إسحاق؟ قال: هو كثير التدليس جدا، فكان أحسن حديثه عندي ما قال: أخبرني وسمعت)([81])

وقال أبو داود: (سمعت أحمد بن حنبل ذكره فقال: كان رجلا يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه)([82])

وقال ابن حبان: (وإنما أتى لأنه كان يدلس على الضعفاء فوقع المناكير في روايته من قبل أولئك، فأما إذا بين السماع فيما يرويه فيما يرويه فهو ثبت، يحتج بروايته)([83])

ولهذا ذكره ابن حجر في الطبقة الرابعة من طبقات المدلسين، وهم (من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع؛ لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل)([84])

وقال عنه الذهبي: (إنه أول من دون العلم بالمدينة قبل مالك وذويه، وكان في العلم بحراً عَجَّاجاً، ولكنه ليس بالمجود كما ينبغي)([85])، وذكر أنه أهل الجرح والتعديل اعتبروه صدوقا يدلس، وأنه (يروي الغرائب، ويحدِّث عن المجهولين بأحاديث باطلة)

ويظهر ذلك بوضوح لمن طالع سيرته، حيث أنه يعتمد على مجهولين في أسانيده، فيقول مثلا: (حدثني بعض أهل العلم) أو (حدثني بعض أهل مكة) أو (حدثني من لا أتهم)، وإذا ما شك في صحة الرواية عبر عن ذلك بقوله: (فيما يذكرون) أو (فيما يزعمون).. كما أنه يجمع الروايات أحياناً مع بعضها دون تمييز لها، ويقدم لها بذكر الأسانيد مجموعة، ويسوق ملخصها.

ومن الأمثلة على ذلك قوله عند بيان عدد قتلى بني قريظة: (وهم ست مائة، أو سبع مائة، والمكثر لهم يقول: كانوا بين الثمان مائة والتسع مائة)([86])، وهو النص الذي اعتمد عليه كل من أرخ للمجزرة، ويستسيغها أو يستثمرها في مهاجمة الإسلام من غير أن يتثبت في صدق المصدر الذي رواها.

ومن الملاحظات الجديرة بالاهتمام في هذا الباب خلطه في الأعداد التي يذكرها، ومن الأمثلة على ذلك أنه تفرد شذوذات عددية خالف بها ما ورد في كتب غيره، وخاصة الصحاح، مثل ما أورده من أن القراء الذين قتلوا في بئر معونة أربعون رجلا، والذي في صحيح البخاري أن عددهم سبعون، ومثل قوله: إن أصحاب الحديبيبة سبعمائة، والذي في الصحيحين أنهم ألف وأربعمائة، وغيرها.


([1])  رواه مسلم (1: 70) في كتاب الإيمان، ومسند أحمد (1: 458، 461)

([2])  رواه الطبراني في المعجم، 20/90، مجمع الزوائد، 5/228.

([3])  رواه أحمد 6/441.

([4]) خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، النسائي، أحمد بن شعيب، تحقيق: محمد هادي أميني، مكتبة نينوى الحديثة، د.ت. (ص 29)، صحيح ابن حبّان، محمّد بن حبّان التميميّ، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1414هـ، (2207)، وأحمد (3 / 33 و82)، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية. (1 / 67)، والحاكم (3 /122 – 123)، وقال: صحيح على شرط الشيخين.

([5])  رواه البزار [3270] ، وابن عدي في الكامل [2/ 636] ، [7/ 209] ، [4326].

([6])  رواه أحمد [5/ 306] ، ومسلم [9/ 226] ، [70/ 71/ 2915] ، والنسائي في الكبرى [5/ 156] ، كتاب الخصائص: حديث [8548] ، وابن سعد [3/ 191] وغيرهم.

([7])  المراجع السابقة.

([8])  القصاص والمذكرين، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)، المحقق: د. محمد لطفي الصباغ، المكتب الإسلامي – بيروت، الطبعة: الثانية، 1409 هـ – 1988م، (ص: 302)

([9])  خلق أفعال العباد، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، أبو عبد الله (المتوفى: 256هـ)، المحقق: د. عبد الرحمن عميرة، دار المعارف السعودية – الرياض، ص 69.

([10])تحذير الخواص من أكاذيب القصاص، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)، المحقق: محمد الصباغ، المكتب الإسلامي – بيروت، الطبعة: الثانية، 1394 هـ – 1974م، ص 49.

([11])  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (2/ 165)

([12])  القصاص والمذكرين (ص: 308).

([13])  القصاص والمذكرين (ص: 308).

([14])  القصاص والمذكرين (ص: 312).

([15])  القصاص والمذكرين (ص: 304).

([16])اللآلىء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)، المحقق: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1417 هـ – 1996م، 2/248.

([17]) )  ترتيب المدارك،  1/138 ، 139 .

([18])  الكفاية في علم الرواية،144.

([19]) تدريب الراوي ص187، وأبو عبيد هو وزير المهدي.

([20]) الطوسي، الغيبة: 181 ـ 182؛ وانظر: الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين 4: 464.

([21]) انظر: الأخبار الدخيلة: 229 ـ 230.

([22])  دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر، حيدر حب الله، دار الفقه الإسلامي المعاصر، الطبعة: الأولى، 2011م، 3/.

([23])  المرجع السابق.

([24])رجال الكشّي (اختيار معرفة الرجال)، الشيخ الطوسيّ، مشهد، 1348ش، 2/489 ـ 490.

([25]) اختيار معرفة الرجال 2/ 491.

([26]) تاريخ بغداد 5: 278؛ والسمعاني، الأنساب 5: 312.

([27])  عرفه السخاوي في [فتح المغيث(٤/٤٥٨)] بقوله: (هو فساد العقل وعدم انتظام الأقوال والأفعال إما بخرف أو ضرر أو مرض أو عرض : من موت ابن أوسرقة مال أو ذهاب كتب واحتراقها).

([28])  (السير-١٠/٢٥٤).

([29])  انظر: انظر: السيوطي: تدريب الراوي، 1/ 331 ـ334، مقدمة ابن الصلاح، 104.

([30])   سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، دار إحياء السنّة النبويّة، رقم 2877.

([31]) رواه البخاري، 5/2305، مسلم، 3/1694.

([32])إحكام الفصول في أحكام الأصول، أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي، تحقيق: د.عمران علي العربي، جامعة المرقب – الجماهرية الليبية، الطبعة: الأولى – 2005م، 1/254.

([33])   التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ)، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ، محمد عبد الكبير البكري، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب،  1387 هـ، (1/8)

([34])   الانتصار لأصحاب الحديث، أبو المظفر، منصور بن محمد السمعاني التميمي الحنفي ثم الشافعي (المتوفى: 489هـ)، المحقق: محمد بن حسين بن حسن الجيزاني، مكتبة أضواء المنار – السعودية، الطبعة: الأولى، 1417هـ – 1996م، (ص: 5)

([35])   الانتصار لأصحاب الحديث (ص: 34)

([36])   نقلا عن: مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، اختصره: محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان البعلي شمس الدين، ابن الموصلي، المحقق: سيد إبراهيم، دار الحديث، القاهرة – مصر، الطبعة: الأولى، 1422هـ ، 2001م، (ص: 561)

([37])  الأغاني، أبو الفرج الأصفهانيّ، بيروت، دار الفكر، ج 19 ص 59..

([38])  معجم الاُدباء، شهاب الدين عبداللّه ياقوت بن عبداللّه،بيروت: دار الفكر، 1400هـ، الطبعة الثالثة، ج 5 ص 266.

([39])  شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي، دار الكتب العلمية، بيروت، ج 1 ص 221..

([40])  تاريخ واسط، أسلم بن سهل المعروف ببحشل، ط بيروت. ـ لبنان سنة 1406 ه‍، ص 173..

([41])  أسد الغابة ج 2 ص 20..

([42])  ذلك أن المؤرخين يذكرون أنه كان مع الإمام علي سبعمائة من المهاجرين والأنصار، وسبعون بدريا أو ثمانون، ومائتان من أهل بيعة الشجرة، انظر: المعيار والموازنة ص 22. مستدرك الحاكم ج 3 ص 104..

([43])  غمص على فلان: كذب عليه، وغمص على فلان كلامه: أي عابه عليه..

([44])  الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار، الزبير بن بكار بن عبد الله القرشي الأسدي المكي (المتوفى: 256هـ)، تحقيق: سامي مكي العاني، عالم الكتب – بيروت، الطبعة: الثانية، 1416هـ-1996م، ص 332 ـ 334..

([45])  المرجع السابق، ص 332 ـ 334..

([46])  رواه الحاكم، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (10/ 115)

([47])  رواه البخاري 13 / 4 ، ومسلم رقم (1843)

([48])  رواه الحاكم وابو نعيم، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (10/ 115)

([49])  تاريخ دمشق لابن عساكر (34/ 298)

([50])  التنبيه والإشراف، علي بن الحسين المسعودي، دار الصاوي بمصر سنة 1357 ه‍ ، ص 306..

([51])  انظر: اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 250 ـــ 251؛ المسعودي، مروج الذهب، ج 3، ص 267، الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص 491.

([52])  الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد، عز الدين ابن الأثير، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1417هـ / 1997م، (3/ 217).

([53])  نقلا عن: البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، المحقق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، الطبعة: الأولى 1408، هـ ، 1988 م، 9/101.

([54])  المرجع السابق، ج9/ص101..

([55])  تاريخ الطبري، 2/328، 421، 422.

([56])  بحار الأنوار، محمّد باقر المجلسيّ، بيروت، مؤسّسة الوفاء، 1403هـ، ج 46 ص 143.

([57])  سنن البيهقي ج 8 ص 165، وقريب منه ما في ص 164 من دون ذكر اسم (عروة) ومثله الترغيب والترهيب ج 4 ص 382 عن البخاري.

([58])  محمد بن صامل السلمي: منهج كتابة التاريخ، دار ابن الجوزي ، السعودية، ص298..

([59])  انظر :  مصادر السيرة النبوية، ضيف الله بن يحي الزهراني، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، ص 46 .

([60])  الطبقات الكبرى، ابن سعد، بيروت، دار صادر، 5/152.

([61])  الطبقات لابن سعد، 5/210..

([62]) طبقات ابن سعد 5/210، وتهذيب الكمال 7/199.

([63]) الموفقيات 222.

([64])  أخبار الموفقيات ص 332 ـ 334..

([65])  ولعل من أسباب تقريب الأمويين له علاقة أبي جده عبد الله بن شهاب بالطلقاء الذين أسسوا لدولة الفئة الباغية،  حيث شهد مع المشركين غزوة بدر، وكان أحد النفر الذين تعاقدوا يوم أحد لئن رأوا رسول الله a ليقتلنَّه أو ليقتلنَّ دونه. وهم: عبد الله بن شهاب، وأبى بن خلف، وابن قمئة، وعتبة بن أبى وقاص.

([66])  حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني، 3/361.

([67])  ومعجم رجال الحديث ج 16 ص 182 ، كشف الغمة ج 2 ص 317..

([68])  ميزان الاعتدال، شمس الدين الذهبي، ت748ه، دار المعرفة، بيروت،  6/235 .

([69])  جامع التحصيل في أحكام المراسيل، صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله الدمشقي العلائي (المتوفى: 761هـ)، المحقق: حمدي عبد المجيد السلفي، عالم الكتب – بيروت، الطبعة: الثانية، 1407 – 1986،  ص109 .

([70])  طبقات المدلسين، ص45 ..

([71])  طبقات المدلسين (ص: 13)

([72])  مولى لقيس بن مخرمة بن المطلب القرشي، وكان جده يسار من سبي قرية عين التمر حين افتتحها المسلمون سنة 12 هـ، وقد وجده خالد بن الوليد في كنيسة عين التمر من بين الغلمان الذين كانوا رهنا في يد كسرى فأخذه خالد إلى المدينة..

([73])  الجرح والتعديل 7 \ 192- 193، سير أعلام النبلاء 7 \ 251، تاريخ بغداد 1 \ 223..

([74])  الجرح والتعديل 7 \ 193، سير أعلام النبلاء 7 \ 50..

([75])  سير أعلام النبلاء 7 \ 53..

([76])  تاريخ بغداد 1 \ 223..

([77])  الجرح والتعديل 7/ 193، تاريخ بغداد 1/ 222..

([78])  سير أعلام النبلاء 7/ 49 – 52.

([79])  المرجع السابق.

([80])  جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، المحقق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ – 2000 م، (17/ 387)

([81])  الجرح والتعديل 7/ 194، عيون الأثر 1/ 12..

([82])  عيون الأثر 1/ 12، التهذيب 9/ 43..

([83])  الثقات لابن حبان 7/ 383..

([84])  طبقات المدلسين ص 22 – 79.

([85])  سير أعلام النبلاء للذهبي، 7/53.

([86])  سيرة ابن هشام، (2/ 240).

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *