الرحمة والترحم.. والمصادرة على المطلوب

الرحمة والترحم.. والمصادرة على المطلوب
تحضرني ـ وأنا أقرأ الكثير من الردود اللينة على [ولي الله الصالح هوكينغ!؟]، والقاسية علي وعلى أمثالي من المتطرفين ـ قول الشاعر متهكما من بعض العقول التي يحاورها:
أقول له زيداً، فيسمعُ خالداً ويكتبهُ عمْراً، ويقرأه سـعدا
وقول الشاعر الآخر:
يَعِي غَيْرَ مَا قُلْنَا وَيَكْتُبُ غَيْرَ مَا وَعَاهُ وَيَقْرَأُ غَيْرَ مَا هُوَ كَاتِبُ
وهكذا حال هؤلاء.. وهذا حال مصادرتهم على المطلوب.. فبعضهم يذكر لي أن رحمة الله واسعة.. وأنها يمكن أن تسعه.. وأننا نحجر على الله حين نمنعه من أن يلقي رحمته على من يشاء.. ولست أدري هل خالفته أنا في هذا، أو قلت شيء يضاد هذا.
كل الذي قلته أن الترحم والترضي والاستغفار وغيرها معان شرعية، ونحن نحتاج إلى النصوص المقدسة التي تبين لنا الموقف السليم منها، ما دمنا نؤمن بهذه النصوص، ولا نعطيها ظهرنا، فهي كلام الله المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. وهي تعبر عن مراد الله منا.
وقد نصت هذه النصوص صراحة، وبطرق قطعية على حرمة ذلك.. فالله تعالى ذكر عن إبراهيم عليه السلام توقفه عن الاستغفار لقريبه بسبب كونه صار عدوا لله، بشركه به، والشرك أدنى مرتبة من الإلحاد، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة: 114]
وهكذا نرى نهي الله تعالى للمؤمنين عن الاستغفار للمشركين مع قرابتهم الشديدة، فقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]
وهكذا نرى نهي الله تعالى عن الاستغفار للمنافقين، قال تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 80]، ونهى عن الصلاة عليهم أو القيام عند قبورهم، فقال: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84]
وفي كل هذه الآيات الكريمة تعليل للنهي بعدم الإيمان أو الكفر.. وفيها بيان للعذاب الشديد الذي يحيق بهؤلاء..
أفنحن أعلم أم الله؟.. أم أننا أكثر تسامحا من الله، وأرحم بعباده منه؟.. أم أننا نعقب على الله وننتقده؟
أنتم أيها المتسامحون جدا بالخيار بين أن تلغوا حقائق القرآن.. أو تعتبروها نصوصا تاريخية.. أو أن تطبقوا ما ورد فيها من معان.. وهي محل اتفاق بين الأمة جميعا.. وبدعة الترحم على غير المسلمين لم تحصل إلا في عصرنا.
أما رحمة الله فمسألة أخرى.. ولا دخل لنا فيها.. والرحمة ليست كالترحم.. وعند مناظرة من ينهى عن الترحم لا يصح أن نرد عليه بالرحمة.. وإلا تحققنا بما يقال عن أولئك الذين يفهمون ما يحلو لهم، لا ما يسمعون.