الدجال.. والعقل التنويري

الدجال.. والعقل التنويري

من المغالطات الكبرى التي يقع فيها التنويريون، وعلى أساسها ينكرون الكثير من الحقائق، أو يتدخلون بعقولهم فيها، توهمهم أن العقل السليم هو الذي تكون له الجرأة على إنكار كل ما لا يستسيغه، ولذلك تجدهم، ومن غير تحقيق، ولا بحث ولا نظر يرمون بالخرافة حقائق كثيرة ثبتت أدلتها النقلية بطرق متواترة قطعية لا يجادل فيها أحد.

وهذا النوع من التفكير في حقيقته لا يختلف عن عقل أهل الجاهلية الذين تصوروا أن الإيمان بالبعث، وما بعده، مخالف لما تدل عليه عقولهم البسيطة؛ فرد عليهم الله تعالى بما يقوم به عقولهم، وما يجعلها تنظر إلى القضايا المختلفة وفق المنهج الصحيح، لا منهج الهوى المجرد، قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [يس: 78 – 82]

وهذه الآيات الكريمة نفسها يمكن أن توجه لأولئك التنويريين الذين لم تستسغ عقولهم تلك الأحاديث الكثيرة المتواترة التي اتفقت عليها جميع المدارس الإسلامية، والمتعلقة بالدجال، باعتباره عصارة للفتن، وخلاصة للشر، وأنه سيظهر في يوم من الأيام، ويجر وراءه الكثير عبر ما يخترعه من حيل وتقنيات، وما تكون له من قدرات وعجائب.

ولست أدري ما العجب في ذلك كله، ما دامت الأدلة الكثيرة قد دلت عليه، ذلك أن الخرافة ليست هي العجيب من الأخبار، وإنما الخرافة هي الأوهام التي لا دليل عليها، حتى لو كانت تحمل صورة واقعية بسيطة.

ولو كانوا يعتبرون العجيب من الأخبار خرافة، فليتجرؤوا، ويكذبوا تلك العجائب التي أخبر الله تعالى بها عن سليمان عليه السلام، وكيف سخر له كل شيء، أو لينكروا تلك الناقة التي خرجت من الصخر، أو ينكروا إحياء المسيح عليه السلام للموتى، أوتحويله من الطين طيورا، أو ينكروا تحول عصا موسى عليه السلام إلى ثعبان.

وإن كانوا يعتبرون كل ذلك خاصا بالأنبياء؛ فقد أخبر الله تعالى أن في قدرات الإنس والجن عجائب كثيرة: فقد ذكر عن صاحب سليمان عليه السلام قدرته على إحضار العرش من مسافة طويلة جدا، وفي طرفة عين، لا بسبب معجزة، وإنما بسبب كونه أوتي علم بعض الكتاب، كما قال تعالى: {قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } [النمل: 38 – 40]

وما داموا لا يستطيعون إنكار ذلك كله، باعتباره واردا في القرآن الكريم، فلم يتجرؤون على إنكار الدجال، وهو وارد في السنة المتواترة القطعية الثبوت، التي اتفقت عليها جميع المدارس الإسلامية.

وقد قال الكتاني معبرا عن تواتر أحاديثه في كتب المدرسة السنية وحدها: (أحاديث خروج المسيح الدجال ذكر غير واحد أنها واردة من طرق كثيرة صحيحة عن جماعة كثيرة من الصحابة، وفي [التوضيح] للشوكاني منها مائة حديث، وهي في الصحاح والمعاجم والمسانيد، والتواتر يحصل بدونها، فكيف بمجموعها؟! وقال بعضهم: أخبار الدجال تحتمل مجلدات، وقد أفردها غير واحد من الأئمة بالتأليف، وذكر جملة وافرة منها في [الدر المنثور] لدى قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ } [غافر: 56]) ([1])

هذا في المدرسة السنية وحدها، فكيف لو ضممنا إليك تلك الروايات الكثيرة الواردة في سائر المدارس الإسلامية.

وقد كان في إمكان العقل التنويري لو كان يحترم نفسه، ويحترم إيمانه الذي يدعيه أن يسلم لله في أمره، ويعلم أن إنكاره لمثل هذه النصوص المقدسة قد يجره إلى إنكار غيرها.

وقد كان في إمكانه أن يعلم أنه أقل من أن يفتي في أمر لم يحين زمانه بعد، ولذلك قد يكون للمستقبل من العجائب ما يبدد ذلك الاستغراب الذي يقفه أمام عجائب الدجال.

بل إن الواقع يدل على أن التقنيات العلمية في المستقبل القريب أو البعيد ستكون عجيبة جدا، وأنه قد يستطيع فرد من الناس، وفي طرفة عين أن يصل إلى مئات الملايين بل ملاييرهم، وأنه يستطيع أن يميز بينهم، وأنه يستطيع أن يكرم من يشاء منهم، أو يهين من يشاء.. ودور الدجال، كما ورد في الأحاديث الكثيرة ليس إلا ذلك.

وقد كان في إمكان التنويريين بعد هذا، أن ينكروا بعض العجائب عن الدجال التي لم تصح عندهم أدلتها، أو يتوقفوا في قبولها، أو يسكتوا عن الحديث عنها ما داموا لم يستكملوا البحث في شأنها..

لكن التنويريين أصحاب الجرأة العظيمة، والمراهقة الفكرية، والتسرع في كل شيء، راحوا يرمون تلك الأحاديث بالخرافة، سواء نطق بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندهم أو لم ينطق؛ فهو عند الكثير منهم قد يجتهد في الإخبار بالغيب، ويخطئ في اجتهاده.

وهم في حججهم على الإنكار لا يقدمون سوى ما تعودوا عليه من تلك الأيقونة التي تعودوا عليها، والتي عبر عنها أحدهم بقوله: (هل المسيخ الدجال خرافة؟…ما عليك إلا أن تكون شاهدت مسلسل السندباد أو فيلم لص بغداد أو جاسون وآلهة الحرب والسيكلوب بعين واحدة، والتنين الذي ينفث النار..ثم تأمل قليلاً لتتخيل شكل المسيخ الدجال، كي تعلمه وتحذره ثم يهبك الله القوة لتنتصر عليه، وبعدها يعم السلام والخير هذا العالَم..إنها ميثولوجيا مُخلّص آخر الزمان وأمنيات الضعفاء والحمقى بانتصارهم دون جُهد، ولا زالوا في شوقٍ لهذا المخلص الشجاع الذي سيهب الله على يديه الخير والسلام لهذا العالَم، مرات ومرات تنتكس فيها الشعوب وقد طال بها أمد الانتظار) ([2])

أو كما عبر آخر عن ذلك ـ بجرأة عظيمة ـ بقوله: (لا شأن للنبى صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شأن للاسلام بهذه الأحاديث كلها، سواء ما اتصل منها بالغيوب، أو بالتشريع أو بالأخلاقيات والمواعظ والتاريخ.. نحن ننكر أى صلة بين تلك الأحاديث والاسلام، ونكذّب بها أى نكذّب أن يقول النبى محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد قالها، ونرى أن متن هذه الأحاديث صادق فى التعبير عن ثقافة الناس فى العصور التى قيلت فيها. هى إنعكاس لثقافتهم ومعارفهم ومدى ما وصل اليه علمهم، غاية ما فى الأمر أنهم جعلوا تلك الثقافة بما فيها خطأ وصواب جزءا من الاسلام، وأضافوها للاسلام بأثر رجعى، وهذا مرفوض. لأن الاسلام قد تم واكتمل بانتهاء القرآن نزولا. وبموت النبى عليه السلام لم يعد هناك مجال للإضافة أو الحذف أو التغيير أو التبديل. من هذه الثقافة التى جعلوها أحاديث ما كانت جذوره فرعونية الأصل، حتى مع تعرضها للتحوير وبعض التغيير، مثل اسطورة ايزيس واوزوريس وست. والصراع بين إلهى الخير والشر (أوزريريس) و(ست). ومنها انحدرت عقائد نزول المسيح والمسيح الدجال، والمهدى المنتظر.. ومن الطبيعى أن يختلف التعبير عنها باختلاف الزمان والمكان، وأن تبدأ على استحياء فى موطأ مالك فى الجزيرة العربية، ثم يتم التوسع فيها فى البيئات النهرية المتأثرة جدا بالموروثات الفرعونية. لقد وصل تأثير عقيدة ايزيس واوزيريس الى أوربا قبل الاسلام، واستمر حتى قبيل النهضة الأوربية)([3])

أو كما عبرت عنه ثالثة بقولها ـ في مقال تحت عنوان: [خرافة المسيح الدجال]([4]): (.. مقال يدور المقال حول أخطر المعتقدات التي نخرت ملة ابراهيم وخاتم النبوة محمد رسول الله الذي اططفاهما لتبليغنا وحيه، لكن للأسف تم تلفيق أساطير إغريقية وطقوس وثنية للنبي، وبالتالي يدخلون الشك في نبوته، وهكذا الطعن بالقرآن، فالدارسون وأولي الألباب لا يقبلون الروايات التي تخالف الفطرة، أو تتسم بدنو مستواها، وهكذا تزلزل عقيدتهم، أما العوام الذين يتلقون ويحجر عليهم التدبر بحجة [الإجماع]، واحتكار العلم لرجال الدين الذين درسوا اللغة العربية وتخرجوا من الأزهر ويحفظون الأحاديث عن ظهر قلب فللأسف يصدقون تلك الخرافات والمصيبة أنهم يكفرون ويعادون من لايؤمنون بها: (ويلك! إنها في صحيح البخاري ومسلم، هل أنت تعرف أكثر من الشيخ…)، فمنذ متى كان الخوض في أسرار القرآن من إختصاص فئة واحدة؟)

وأمثال هذه الخدع الكثيرة التي يسمونها حججا، وهي لا تحمل إلا مقدمات واحدة يطبقونها في كل ما لا يشتهون.. وإلا فما العلاقة بين التقدم والتطور والرفاه، أو بين استنارة العقل وبعده عن الخرافة، وبين إنكار وجود الدجال الذي يمثل قمة الشر والضلال والفتنة.

بل إن العقل السليم، قد يهتدي إلى ذلك، حينما يرى طاغوتا جبارا مثل ترامب، يتحكم في العالم، لا في أمريكا وحدها، بل في أوروبا، وفي جميع دول المستضعفين، حتى أنه يقضي على الاتفاقات الدولية التي اتفقت عليها دول العالم بما فيها دولته نفسها.

وقبله استطاع هتلر أن يشعل حربا عالمية، ويباد بسببها عشرات الملايين، وتدمر أمثالها من البيوت.. ويشرد مئات الملايين، مع أنه عاش في زمن لم يتح له فيه أن يملك القنابل النووية ولا الهيدروجينية، فكيف لو عاش في زماننا هذا، ووضعت بين أصابعه أزرار القنابل المختلفة.

وهكذا نرى التقنيات المتطورة تجعل للأفراد سلطات كبيرة لم تكن تتاح لهم في الماضي، وهي لا تتعلق فقط برؤساء الدول، بل قد تتعلق برجال الاقتصاد أو الإعلام أو حتى الغناء والرقص والتمثيل، فالذي يؤثر في العالم اليوم مجموعة قليلة من الأفراد.

فما المانع بعد هذا أن يظهر في محور الشر رجل تتوفر فيه كل قدرات التي تنجذب لها النفوس الشريرة، بحيث يستطيع أن يسيطر لا على ممتلكاتهم فقط، بل على مشاعرهم أيضا.

أنا لا أريد من خلال هذا المقال أن أبين كيف يكون الدجال، فذلك غيب محض، ولكن أريد أن أذكر بأن العقل السليم المؤيد بالإيمان بالغيب الذي هو علامة الإيمان الحقيقي، لا يستبعد شيئا في قدرة الله، ولو أن ما نعيشه من تقنيات عرض على أهل القرون من قبلنا لتعجبوا منها، بل لسارع المتنورون منهم إلى إنكارها، وربما لن يقبلها منهم إلا أولئك الذين يطلق عليهم التنويريون لقب الخرافيين.

ولذلك فإن العاقل الحقيقي هو صاحب العقل المتواضع، الذي يرى أن قدرة الله أكبر من أن تحد، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم من أن يفتري على الله، أو يقول ما لا حقيقة له، ويعلم كذلك أن الأمة التي اتفقت على وجود هذه الشخصية، لا يمكن أن تكذب في ذلك، وكيف تكذب في أمر وقع إجماعها عليه؟

بل إن العاقل يرى أن في وجود مثل هذه الشخصيات في الثقافات والديانات الأخرى دليلا على وجودها الواقعي، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أن كل الأنبياء حذروا أقوامهم من الدجال، فقال:(ألا كل نبي قد أنذر أمته الدجال)([5])

والعجيب أن عدنان إبراهيم مع علمه بتواتر أحاديث الدجال، وورودها في كتب الصحاح في جميع المدارس الإسلامية، إلا أنه راح يستعمل عقله البسيط في إنكاره بحجج غريبة جدا، عبر عنها في بعض خطبه التي عنونها [المسيح الدجال.. تدجيل أم تغفيل] بقوله: (إذا كان الدجال بهذه القدرة الفائقة على الإضلال، أوليس الناس معذورون باتباعه؟ أليس من يحمل هذه الصفات فتنة يريد من قدّر خروجه وهو الله تعالى أن يضل الناس ويفتنهم عن دينهم؟ وأن الآيات إنما تأتي تخويفاً، فقط وليست إضلالاً وتكفيراً للناس؟ إن الله لا يمكن أن يفعل هذا، فإن قال قائل بأن إبليس نفس الحكاية، قال لا، إبليس لا يملك لقدرة على هذا..والنتيجة: الدجال تدجيل وتغفيل)

وهذا استدلال عجيب، وتحكم غريب؛ فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أخبر عن الدجال أخبر عن خطورته، وعلمنا الطرق التي يمكننا أن ننجو منه إن اتبعناها، ولم يذكر أبدا استحالة النجاة منه، بل أخبر أن المؤمنين الصادقين ينجون منه بوسائل بسيطة جدا([6]).

ثم لو طبقنا هذا الاستدلال، فإن الله تعالى في تصوره سيعفي كل من يتعرض لفتن كبيرة، والعالم الآن يموج بفتن كبيرة لم تكن موجودة في العصور السالفة، بل إن الفتن ـ بحسب ما يدل عليه الواقع ـ تسير وفق منحنى تصاعدي خطير.

ثم استدل لذلك بكون الروايات التي تتحدث عنه تحوي أحاديث ضعيفة ومكذوبة ومتناقضة.. وهذا كله لا يساوي شيئا أمام تواتر الروايات الواردة عنه، وخاصة مع اتفاق المدارس الإسلامية عليها، ذلك أنه عند التواتر تلغى أحكام الآحاد.

ولذلك كان في إمكانه أن يناقش تلك الأحاديث التي يرى أنها لا تتفق مع الصورة الصحيحة للدجال بحسب الروايات المعتبرة، وكان في إمكانه أن ينكر بعض التفاصيل التي لم تتواتر الأدلة عليها، أو لم تثبت في الأحاديث الصحيحة، لكنه لم يفعل، وراح مثل التنويريين جميعا يهدمون كل ما لا يستسيغونه، متصورين أن ذلك حكم العقل، بينما هو في حقيقته ليس سوى حكم للهوى.

فالعقل يحترم نفسه، ويعلم أن الجرأة على إنكار ما لم ييسر لنا علمه صعبة بل مستحيلة، كما قال تعالى في ذكره لهذا النوع من التفكير: { بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [يونس: 39]

وهكذا هؤلاء، يكذبون بشيء لم يحيطوا بعلمه، ولا لديهم أدوات ذلك، وفوق ذلك لا يعرفون تأويله وحقيقته الواقعية، لأن الزمن حجاب بينهم وبينه.

وسبب ذلك كله هو أن العقل التنويري ـ بسبب مراهقته الفكرية ـ يتصور أنه أوتي مفاتيح الحقائق، وأنه من خلالها يثبت ما يشاء، وينكر ما يشاء، من غير برهان ولا حجة ولا دليل إلا الهوى المجرد.

وهو لذلك يفعل مثلما يفعل ذلك المراهق المتهور الذي يتصور أنه ـ من خلال الحروف القليلة التي درسها ـ يستطيع أن يحكم في كل شيء، بخلاف الشيخ الحكيم الذي حنكته التجارب، والذي يتأنى قبل أن يدلي برأيه في أي قضية.


([1])  نظم المتناثر من الحديث المتواتر، الكتاني، دار الكتب السلفية، القاهرة، ط2، د. ت، ص228، 229.

([2])  أكذوبة المسيخ الدجال، سامح عسكر، موقع أهل القرآن، الأحد 13 ابريل 2014.

([3])  المرجع السابق.

([4])  خرافة المسيح الدجال، سلمى أمين،  موقع أهل القرآن.

([5])  عبد بن حميد (118/2)، وابن عساكر (1/610-611)، والحاكم (4/537-539)

([6])  تحدثنا عن الدجال بتفصيل مع إيراد كل ما ورد فيه من النصوص وتوجيهها في كتابنا [أوكار الاستكبار]

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *