الخاتمة

الخاتمة

من أهم النتائج التي نخرج بها من خلال هذه الدراسة:

1. تتفق كل الأديان السماوية على وجود آثار يعظمونها، ويزورنها، ويتبركون بها، وقد يقومون ببعض الطقوس نحوها، وهي ظاهرة تستدعي البحث عن أسرارها وأغراضها.

2. من خلال العودة للقرآن الكريم والسنة المطهرة نجد إشارات واضحة وصريحة على شرعية بناء المزارات الدينية واحترامها وتعظيمها.

3. يورد التيار السلفي عادة بعض الأحاديث النبوية، التي قد يفهم منها ـ بادئ الرأي ـ حرمة بناء المزارات، وحرمة زيارتها، بل اعتبار ذلك بدعة وشركا، وهي كلها ناتجة عن سوء فهمه لها، وعدم قدرته على الجمع بينها وبين النصوص المحكمة الكثيرة التي تدل على خلاف فهمه لها.

4. من الأساليب المهمة في مواجهة الفكر المتطرف الداعي إلى هدم المزارات الدينية بحجة ارتباطها بالشرك، التعريف بمواقف المحققين من الفقهاء من المدارس المختلفة، وبأدلتهم عليها، وبأجوبتهم على المخالفين فيها.

5. من عادة التيار السلفي أن يأتي بأقوال أخرى مناقضة لما يذكره مخالفوه من أقوال، والمنهج الأسلم ليس إنكار تلك الأقوال، وإنما ذكر ما يخالفها من أقوال، وهو حينها بين أن يقبل بها؛ فيرجع عن رأيه، أو يقر بوجود خلاف في المسألة، والقاعدة في الخلاف الفقهي عدم الإنكار على المخالف، حتى لو لم يُستسغ دليله، لأن لكل فقيه حججه ومنهجه في الاستدلال.

6. تعتبر المدرسة الحنفية من أقدم المدارس الفقهية، وهي مثل غيرها من المدارس، تعتمد كتب المتأخرين سواء كانت متونا أو شروحا أو حواشي في تدريسها لهذا المذهب، وهي كلها تنص على مشروعية بناء المزارات الدينية وزيارتها، وتختلف مع التيار السلفي في ذلك اختلافا شديدا.

7. تتفق أشهر المتون والشروح والحواشي المعتمدة في الفتوى والتدريس في المذهب المالكي على مشروعية المزارات الدينية وزيارتها.

8. تعتبر المدرسة الشافعية من أكبر المدارس الإسلامية السنية؛ وقد كانت في جميع تلك المراحل تتبنى التصوف، وخاصة على الطريقة التي قررها أبو حامد الغزالي، والذي كان شافعي المذهب، واستطاع أن يطعّم المذهب الشافعي بالكثير من الرؤى والأذواق الصوفية، ومن بينها ذلك التعلق بالأولياء والصالحين أحياء وأمواتا.

9. يخلط الكثيرون بين مدرسة الحنابلة والاتجاه السلفي الوهابي، فيتصورون أن كل الحنابلة سلفية، وكل السلفية حنابلة، والأمر ليس كذلك من الوجهين، فالسلفية يتوزعون على المذاهب الأربعة، والحنابلة ليسوا سوى من المذاهب الإسلامية فيه الصوفية والأشاعرة وغيرهما من المدارس الإسلامية، ولذلك هم يتبنون نفس ما تتبناه تلك المدارس من آراء وعقائد ترتبط بالآثار والمزارات الدينية.

10. من أهم الأدوار التي تقوم بها المزارات الدينية حفظ التاريخ الديني، ليبقى للأجيال جميعا، وذلك من الأمور المتفق عليها عند جميع المؤرخين، لا في المزارات الدينية وحدها، بل في جميع الآثار.

11. الدور العلمي والمعرفي للمزارات الدينية يتجلى في توفير السند التاريخي للدين، حتى لا يأتي من يشكك فيه بحجة عدم وجود آثار تدل عليه، وفي التعريف بأعلام الدين، والذين كانت لهم مكانة خاصة بين أتباع الدين، وفي الاستبصار بالأحداث الدينية التي حصلت، وكانت لها عبرة خاصة لأتباع الأديان.

12. لا يقتصر الدور المرتبط بالمزارات الدينية على الدور العلمي والمعرفي، بل يتعداه إلى أدوار كثيرة ترتبط بالتربية والإصلاح، بل لعلها هي المقصودة بالدرجة الأولى، ولعل ذلك يكمن بالإضافة إلى بركات المكان وقدسيته إلى اجتماع الكثير من الناس، ومن صالحيهم وعلمائهم في محل واحد، بحيث يرى الزائر إلى الأماكن التي يعتقد قدسيتها ما لم يكن يراه في بلده، ولعله يعود بطباع جديدة، وأحوال نفسية جديدة لم يكن ليظفر بها لولا رحلته إلى تلك الأماكن.

13. للتهيئة النفسية دورها في تحقيق البعد التربوي والإصلاحي؛ فالزائر الذي يعتقد قدسية الآثار التي يزورها يجد نفسه يحاول الالتزام قدر الإمكان ليعطي ذلك المكان حقه من الاحترام.

14. كما يرتبط التاريخ الديني بالأنبياء والأئمة والصالحين والمتقين؛ فإنه يرتبط كذلك بالعتاة والمستبدين والمجرمين، ولذلك فإن الآثار التي تنبه إلى حسنات الصالحين، هي نفسها الآثار التي تدل على جرائم المستبدين، والآثار التي تغرس قيم الصلاح، وتحبب فيها، هي نفسها الآثار التي تزيل قيم الانحراف، وتنفر منها.

15. الارتباط الروحي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المطهرين وجميع الأولياء والصالحين ـ عبر تقديس آثارهم وتعظيمها ـ يثمر التوجه الروحي إلى الله، ذلك أن علاقة الزائر بهم ليست سوى نوع من المحبة والولاء في الله، ولذلك؛ فإن أول ثمارها هي رفع الزائر وترقية روحه إلى المراتب الرفيعة في سلم السلوك إلى الله.

16. من أهم الأدوار التربوية للمزارات الدينية تنمية الوعي بقضايا الأمة، ذلك أنها تتجاوز الفرد إلى المجتمع، بل تتجاوز المجتمع إلى الأمة جميعا؛ فتجعلها ـ كما أراد الله تعالى ـ أمة واحدة متماسكة يشعر بعضها ببعض، ويخدم بعضها بعضا، وما حصل في العراق في الفترة الأخيرة من حضور تلك الأمواج البشرية الهائلة، لزيارة المراقد المقدسة في النجف وكربلاء وغيرهما، يبين مدى أهمية تلك المزارات الدينية والأدوار الكبرى التي يمكن أن تؤديها؛ فتلك الزيارات كان لها دور كبير في إعادة التعريف بالإمام الحسين، وثورته، والاهتمام بإحيائها من جديد، وبث مفاهيم توعوية من خلالها، وهو ما جعل الكثير من وسائل الإعلام، وتحت الضغوطات المسلطة عليها تتوقف عن تغطيتها خشية من تسرب آثارها على سائر المجتمعات الإسلامية.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *