الجينات العرقية.. وآل بيت النبوة

الجينات العرقية.. وآل بيت النبوة
من أعجب ما سمعته من بعض دعاة الأمازيغية قصة رجل جزائري يقيم في بريطانيا، ذكروا لي أنه كان يعتبر نفسه وعائلته.. وهي من الأسر العلمية الكبيرة في الجزائر.. عائلة من الأدارسة المنتسبين للمولى إدريس.. سليل بيت النبوة.
لكنه ـ كما ذكروا لي ـ عندما قاموا بتحيل جيناته، في أوروبا طبعا.. وجدوا أنه أمازيغي.. وأن كل تاريخه انهار بمجرد ذلك التحليل الذي قام به..
وقد فرح هؤلاء طبعا فرحا شديدا، لأنهم استطاعوا أن يخلصوا الجزائر من عائلة كبيرة تنتسب لبيت النبوة.. كما أنهم استطاعوا أن يضيفوا إلى الأمازيغ عائلة جديدة.
وللأسف فإن هؤلاء الذين يرددون هذا الكلام لا يعرفون العلم الحديث، ولا قدراته.. ويتصورون أنه توجد في جينات الإنسان أسماء القبائل والعشائر والبطون، ولا يعلمون أن ذلك التحليل محدود جدا، ومرتبط بالنسب القريب، ولا علاقه له بالنسب البعيد..
لقد قلت لهؤلاء: لو أن هؤلاء الذين تحدثتم عنهم قاموا بتحليل جينات الإمام العظيم زين العابدين السجاد، لوجدوا فيه جينات فارسية، لأن أمه غزالة كانت من بنات كسرى، فهل كان الإمام زين العابدين فارسيا؟
وهكذا كان الإمام موسى الكاظم، وهو من أئمة أهل البيت الكبار، يحمل جينات أمازيغية، فأمه السيدة حميدة المغربية والتي لقبها الإمام الباقر بالمحمودة، ولقبها الإمام الصادق بالمصفاة من الأدناس، كانت أمازيغية.. فهل كان الإمام موسى الكاظم أمازيغيا بهذا الاعتبار، أم كان إماما من أئمة أهل البيت؟
وهكذا كان الإمام الهادي، وهو من أئمة أهل البيت الكبار، يحمل جينات أمازيغية، فأمه السيدة أُمّ الفضل، سمانة المغربية، أو سوسن المغربية، وكانت من أفضل نساء زمانها، وقد تولّى الإمام الجواد تربيتها وتهذيبها، فكانت من القانتات المتهجّدات، وقد قال الإمام الهادي في حقّها: (أُمّي عارفة بحقّي، وهي من أهل الجنّة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبّار عنيد، وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام)
وهكذا نجد في كل نسل الأدارسة عرقا أمازيغيا يبدأ من كنزة الأوربية الأمازيغية، زوجة إدريس بن عبد الله بن الحسن، بن علي بن أبي طالب، وأم إدريس بن إدريس مؤسس مدينة فاس.. والتي لم يكن دورها فقط مرتبطا بولادة المولى إدريس، وإنما كان لها دور كبير في في إشارتها على حفيدها محمد بن إدريس بتقسيم المغرب بين إخوته، فكانت بذلك أول خطوة نحو اللامركزية.
وقد استمر ذلك الاحتكاك والاختلاط بين الأدارسة والأمازيغ على فترات التاريخ المختلفة، خاصة بعد النكبة الكبيرة التي حصلت لهم، والتي جعلتهم يفرون إلى المناطق الأمازيغية، ويؤسسوا فيها الزوايا ودور العلم، ويحتكوا بأهلها احتكاكا شديد.
مثلما حصل ذلك في آل البيت الذين فروا إلى الهند أو فارس أو إفريقية أو إلى أي منطقة من مناطق العالم، والتي جعلتهم، وبمرور الزمن يكسبون الكثير من صفات أهلها..
ولو طبقنا تلك المقاييس التي يضعها هؤلاء، لكذبنا قوله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]، لأنهم يشككون في كل نسب يمتد إلى بيت النبوة بحجج أوهى من بيت العنكبوت.. بل لا يقبل بها حتى علماء البيولوجيا أنفسهم..
وطبعا لا نريد من هذا المقال أن نثبت نسبا أو ننفيه، وإنما نردد العبارة التي رددناها كثيرا، والتي رددها الفقهاء، واعتبروها قاعدة من قواعد الشريعة، وهي [الناس مصدقون في أنسابهم]، وإلا فإننا لو فتحنا هذا المجال، فستصبح الأعراض مستباحة، والقذف شرعيا، وتعود الجاهلية الجهلاء من جديد.