الإمام الحسين.. وتشي غيفارا

لست أدري السبب الذي يجعلني أشعر بكثير من الأسف والحزن والاشمئزار عند رؤيتي لصور [تشي غيفارا]، وهي معلقة على الصدور والجدران ووسائل النقل وفي كل محل.. وعندما أستمع إلى تلك الحناجر، وهي تتحدث عنه بكل احترام وتعظيم وتقديس.
وهذا ليس لكوني من المعادين لهذه الشخصية، فأنا لا أعرف عنها الكثير، لا أعرف إلا أنه شخصية ثورية كان لها دورها في خدمة بلدها وشعبها، وأنها أصبحت بسبب ذلك أيقونة ورمزا للثورة..وهذا ما آلمني..
فقد كان يمكنني أن أقبل تحول [تشي غيفارا] إلى رمز للثورة في أي بلد من بلاد العالم، وبين أي شعب من شعوبها.. وكان يمكن أن أقبل بأن تعلق صوره ويقدس في كل تلك البلاد إلا بلادنا الإسلامية.. لأننا بتعليقنا لصوره، وتمجيدنا له، واعتبارنا إياه رمزا كبيرا، نلغي الكثير من الصور والرموز والأبطال.. لأن للنفس الإنسانية مساحة محدودة في تقبل الأبطال.. فلا تستطيع أن تجمع بين الكثير منهم.. بل إنها كلما تأثرت ببطل راحت تمحو غيره.
والمشكلة الأكبر أنها عندما تتأثر ببطل من الأبطال، لا تتأثر به في الناحية التي برزت فيها بطولته فقط، بل تتأثر بنواحيه الأخرى، والتي قد تكون انحرافا أو ضلالة أو فسادا.. بل إنها قد تضيف إلى تأثرها كل شيء حتى طريقة تصفيف البطل لشعره، وطريقة مشيته وحديثه وكل شيء يرتبط به.
وهذا ما جعل من الحاملين لمشعل الثورة في بلادنا الإسلامية، ولفترة طويلة، من أكثر الناس بعدا عن الدين، بل كان منهم من يعتقد أن الدين أفيون الشعوب.. لسبب بسيط، وهو أنه تأثر بأولئك الثوار الشيوعيين أو غيرهم، فراح لا يكتفي بتقليدهم في ثورتهم فقط، وإنما يضيف إليها تقليدهم في إلحادهم وكفرهم بكل القيم الدينية.
ولو كنا نعدم أبطالا وثوارا لكان في ذلك العذر لكل أولئك المتأثرين.. لكن المشكلة هي أن لنا من الثوار والأبطال ما يقف كل ثوار الدنيا أمامهم موقف التلميذ من أستاذه، بل موقف السفح من الجبل، والفأر من الأسد.. فأين أبطالنا العظام، وأين أولئك الأقزام؟
لكن تجاهلنا لهم، وتكبرنا عليهم، وانشغالنا بمذاهبنا وطوائفنا صرفنا عنهم، ليهيئ الأرضية لأولئك الذين وإن قبلنا ثوريتهم، فلن نقبل أخلاقهم ولا دينهم ولا سلوكهم.
ومن أقوى الأمثلة على ذلك.. والذي تمنيت لو علق اسمه في كل محل، ووضع على كل راية، وثبت في كل صدر.. وأنشدت له الأناشيد.. ومثلت فيه الأفلام.. وسميت باسمه الساحات.. إمامنا العظيم، زعيم كل ثوار الدنيا، وأستاذهم الأكبر [الإمام الحسين] الذي هو مدرسة في الثورة، ومدرسة في كل القيم الرفيعة..
فالتعلق به وحده كاف لأن يحقق كل الأغراض.. أغراض الثورة على الظلم.. وأغراض الثورة على النفس.. وأغراض الترقي إلى الملأ الأعلى..
فالثوري الذي ينطلق من الإمام الحسين يختلف اختلافا جذريا عن الثوري الذي ينطلق من [تشي غيفارا].. فالأول ينطلق باسم الحق.. وبوسائل الحق.. لتحقيق الحق.. كما عبر الإمام الحسين عن ذلك بقوله: (إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين)
وأما الثاني، فيخلط الحق بالباطل.. ويصعب التفريق بينهما.. وهذا ما حصل لثوراتنا التي اختلط فيها الحق والباطل، والحرية والاستبداد، فلم نل منها شيئا.. لأن وجهتها لم تكن صحيحة، وأبطالها لم يكونوا حقيقيين.
فإن شئنا أن نبدأ ثورة حيقيقية على أنفسنا الأمارة بالسوء الأول.. فلنذهب.. ولنتتلمذ على الإمام الحسين.. فهو الحقيق بأن تمتلئ بحبه قلوبنا ومشاعرنا وعواطفنا.. وكيف لا نفعل ذلك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح الذي اتفقت عليه الأمة جميعا:(حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحب حسينا)([1])، وقال فيه، وهو يشير إليه: (من أحب هذا فقد أحبني)([2])
لكن الطائفية المقيتة جعلتنا نقدم [تشي
غيفارا] وغيره على الإمام الحسين.. ولهذا لا يعتب أحد على من يعلق صوره، أو يصيح
بحبه، أو ينشد فيه الأشعار.. لكن الدنيا تقام لو فعل ذلك أحد من الناس مع الإمام
الحسين.. ولهذا كله أتأسف.. وأدعوكم أن تتأسفوا معي.
([1]) رواه الحاكم في المستدرك.
([2]) رواه الطبراني.