أركان الهوية

ربما يكون أساس الخلاف بين دعاة القومية ودعاة الإنسانية يكمن في تصور الأركان المشكلة للهوية، فبينما يصر دعاة القومية سواء العربية أو الكردية أو الأمازيغية على اعتبار العرق واللغة والأرض والدين عناصر أساسية في الهوية.. يصر دعاة الإنسانية، والذين أميل إليهم، وأعتبر نفسي واحدا منهم، أن الهوية تتشكل من عنصر واحد هو الإنسان.. وما عداه عارض على الهوية، وليس جزءا منها، ولا ركنا فيها.
أما عنصر العرق.. فقد نهينا عن اعتباره في النصوص المقدسة الكثيرة، وحتى لو اعتبرناه ركنا، فكل البشر مستيقنون من نسبهم إلى آدم عليه السلام، ولكنهم ليسوا متأكدين من نسبهم إلى غيره.. أو ليس لديهم من اليقين الكافي ما يحقق نسبتهم إلى غيره.. ولذلك فلا حاجة لاعتباره.
أما عنصر اللغة.. فاللغة وسيلة.. ويمكن أن تتبدل مع الزمن، فالمصريون كانت لغتهم قبطية، ثم تحولت إلى العربية.. وكثير من الأفارقة كانوا هاوسة، ثم تحولوا إلى فرنكفونيين.. وهكذا تحول الكثير من الأمازيغ إلى عرب.. لم يسمعوا من آبائهم ولا أجدادهم لغة غير العربية.
أما عنصر الدين.. فهو كذلك عرضة للتبدل والتغير، ولا يصح اعتباره ركنا في الهوية، فالعرب كانوا وثنيين أو مسيحيين قبل الإسلام، ثم تحولوا إلى مسلمين.. والأمازيغ كانوا مثلهم.. ثم تحولوا إلى الإسلام.
أما عنصر الأرض، فالأرض لمن يسكنها، وليس لمن يملكها.. وكثير من العرب سافروا عبر التاريخ إلى جميع مناطق العالم.. وهكذا نجد الكثير من الأمازيغ في فلسطين وسورية.. ونجد الكثير منهم هاجر إلى الأندلس.. فهل يأتي أحد من الناس اليوم، ويقول لإسبانية: إنك أرض أمازيغية.
وهكذا فإن الذي يضع في الهوية مثل هذه الأركان يقع في حرج عظيم، ذلك أنه ـ كما نسمع اليوم من ينادي بإحياء اللغة الأمازيغية أو الكردية ـ سنرى من يدعو إلى إحياء الديانات الأمازيغية والكردية، وليس ذلك ببعيد.. فالذي يفضل أعلام الأمازيغ قبل الإسلام على أعلام المسلمين لا يستبعد منه أن يبحث في يوم من الأيام عن بعض الحجارة التي كان يعبدها في تصوره أجداده، ليعيد عبادتها من جديد تحت أي شعار.