المقدمة

المقدمة

لا شك أن الاهتمام بالبحث عن معرفة الله، وبذل كل الوسائل والجهود لأجل تحصيلها وتصحيحها، بل إفناء العمر في ذلك قليل جدا أمام عظمتها وأهميتها.

ذلك أننا إذا اعتبرنا الجهد المبذول في ذلك بقدر قيمة المعرفة.. فليس هناك قيمة في الوجود أعظم أو أهم من الله.. فالله هو مصدر كل قيمة في الوجود.. بل هو مصدر كل حقيقة من حقائقه.. فالله هو مصدر الفيزياء والكيمياء والرياضيات.. وهو مصدر علم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة.. وكل علم من علم من علوم الدنيا، وكل فن من فنونها.. ولذلك من الغريب أن نهتم بتلك العلوم والمعارف، ونعطيها كل جهودنا، ونستعمل كل الأدوات للتحقيق فيها، ثم لا نهتم بمعرفة مصدرها ومنبعها وبارئها.

وهكذا إذا اعتبرنا الجهد المبذول بقدر المصلحة.. فليس هناك مصلحة أعظم للإنسان من مصلحة تعرفه على ربه، وارتباطه به.. فمن عرف الله عرف مواضع رضاه.. ومن عرف مواضع رضاه نال مبتغاه.. بل إن معرفة الله نفسها إكسير أحمر يحول الإنسان إلى جوهر نفيس من جواهر الوجود.. وهو من دونها هباء وسراب لا قيمة له.

وقد أشار إلى هاتين الناحيتين في المعرفة الإلهية الإمام جعفر الصادق عندما رأى بعض الزهد في هذا النوع من المعرفة، فقال: (لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عز وجل ما مدوا أعينهم إلى ما متع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها، وكانت دنياهم أقلَّ عندهم مما يطوونه بأرجلهم، ولنَعِمُوا بمعرفة الله عز وجل وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله)([1])

ثم فصل بعض آثار ذلك بقوله: (إن معرفة الله عز وجل أنْسٌ من كل وحشة، وصاحبٌ من كل وحدة، ونورٌ من كل ظلمة، وقوةُ من كل ضعف، وشفاءٌ من كل سقم)([2])

وأشار إلى ذلك أيضا الإمام الحسين في بعض مواعظه، فقال: (أيها الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه)([3])

وأشار إلى ذلك قبلهما الإمام علي، حين اعتبر أول الدين وأساسه معرفة الله، فقال: (أولُ الدين معرفته، وكمالُ معرفته التصديق به، وكمالُ التصديق به توحيدُه، وكمالُ توحيده الإخلاصُ له، وكمالُ الإخلاص له نفيُ الصفات عنه، لشهادة كلِّ صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة)([4])

وهكذا وردت الروايات الكثيرة عن أولياء هذه الأمة تدعو إلى الاهتمام بالبحث الجاد عن المعرفة الإلهية من سبلها الصحيحة المعصومة، حتى لا يحيق بهذه الأمة ما حاق بغيرها من الأمم.

ذلك أن من عادة الشيطان ـ كما يخبر القرآن الكريم ـ أن يبدأ بالسعي في تشويه هذه المعرفة، فإن تمكن من ذلك لا يبالي بعدها بشيء.

وقد أخبر القرآن الكريم عن نموذج من نماذج ذلك، وهو ما حصل لبني إسرائيل بمجرد خروجهم من مصر.. فقد كان أول ما طلبوه ـ بغواية من الشيطان ووسوته ـ أن يجعل لهم موسى عليه السلام إلها كالآلهة التي تعبدها الأمم من حولهم.. لأنه عز عليهم أن يعبدوا إلها لا يتمكنون من رؤيته.

قال تعالى مشيرا إلى ذلك: { وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 55]

وهكذا ذكر القرآن الكريم حرصهم على الرؤية الجهرية الحسية لله، حتى عوقبوا على ذلك([5])، ومع ذلك لم تثنهم تلك العقوبة عن البحث عن إله حسي يمكنهم أن يروه ويلمسوه.

ولذلك بمجرد أن غاب موسى عليه السلام صنعوا إلها من ذهب.. وصاروا يعبدونه غير مراعين لتلك التوجيهات التي كان هارون عليه السلام يقوم بها مع الثلة القليلة الذين معه، قال تعالى يصور ذلك بدقة: {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) } فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91)} [طه: 85 – 91]

وما حصل في بني إسرائيل حصل مثله ـ للأسف ـ في هذه الأمة، حين ضيعت وصية نبيها في البعد عن كل ما يمكن أن يحرف هذا الدين، ويشوه جمال عقائده، وقد ورد في الحديث الصحيح ـ الذي يمثل وصية من أعظم وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ: أن عمر أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فغضب، وقال: (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى – صلى الله عليه وآله وسلم – كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني)([6])

لكن الأمة للأسف، وخصوصا السلفية منهم، عرفوا كيف يحتالون على هذا الحديث، ويضعوا بدله حديثا يقول: (لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن، فمن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه.. وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)([7])

ومن العجائب في هذا الحديث أنه ينهى عن كتابة حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في نفس الوقت الذي يجيز الحديث عن بني إسرائيل..

وقد صار ـ للأسف ـ العمل بالحديث الأخير، بدل الحديث الأول على الرغم من غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشديد من رؤية صحيفة التوراة بيد مسلم.

ولكن مع ذلك راحت الأمة تنهل عقائدها في الله تعالى وفي الرسل عليهم الصلاة والسلام وفي عوالم الغيب من أهل الكتاب بدل أن تأخذها من مصادرها المعصومة.. خاصة وأن أولئك اليهود الذين سلم لهم أمر الدين كانوا من أقرب المقربين للملوك والأمراء.. فكثر أتباعهم لذلك.. وكثرت طرق الأحاديث التي يروونها، واختلطت مع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وأصبحت السنة هي الوعاء الذي يحمل أمثال تلك العقائد اليهودية التي تسربت للإسلام.

ومن هنا تسلل الشيطان لهذه الأمة ليصنع لها إلها يتوافق مع الرؤية المادية الحسية..

وقد تولى من يسمون أنفسهم [السلفيين]، و[أهل الحديث]، و[أهل السنة والجماعة] الدعوة إلى هذه المعرفة الحسية التجسيمية لله، فألفوا في ذلك الكتب ووضعوا الأحاديث وحرفوا معاني القرآن الكريم لتنسجم انسجاما تاما مع تلك الرؤية المادية الحسية.

وكان أول ما فعلوه هو رميهم بالبدعة والضلالة كل تلك الدعوات الصادقة التي كان ينادي بها أولياء الله من أهل بيت النبوة، محذرين من أن تقع هذه الأمة في التجسيم الذي وقع فيه بنو إسرائيل..

وقد روي أن الإمام جعفر الصادق ذكرت له بعض الروايات التجسيمية التي كانت تنتشر في عصره انتشار النار في الهشيم، وخاصة بين المحدثين، فقال: (سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]،لا يحد ولا يحس ولا يجس ولا تدركه الأبصار ولا الحواس ولا يحيط به شئ ولا جسم ولا صورة ولا تخطيط ولا تحديد)([8])

وقال في محل آخر: (إن الله تعالى لا يشبهه شيء، أي فحشٍ أو خنى أعظمُ من قولٍ من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد وأعضاء، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً)([9])

وقال: (من زعم أن الله في شىء، أو من شىء، أو على شىء فقد أشرك. إذ لو كان على شىء لكان محمولا، ولو كان في شىء لكان محصورا، ولو كان من شىء لكان محدثا- أي مخلوقا)([10])

ومثله قال الإمام الكاظم لما ذكر له بعض المجسمة ممن يزعمون صحبته: (قاتله الله أما علم أن الجسم محدود والكلام غير المتكلم، معاذ الله وأبرأ إلى الله من هذا القول، لا جسم ولا صورة ولا تحديد وكل شيء سواه مخلوق، إنما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته من غير كلام ولا تردد في نفس ولا نطق بلسان)([11])

وهكذا قال الإمام الرضا: (إنه ليس منا من زعم أن الله عزوجل جسم، ونحن منه برآء في الدنيا والآخرة، يا ابن أبي دلف إن الجسم محدث، والله محدثه ومجسمه)([12])

وهكذا وردت الروايات الكثيرة عن الإمام علي في المصادر السنية والشيعية تبين حقيقة المعرفة الإلهية، وأنها معرفة تنزيهية تعظيمية، لا حسية تجسيمية، ومنها قوله المشهور: (كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان)([13])

لكن الأمة للأسف، وأهل الحديث منهم خصوصا، ولأسباب كثيرة أعرضت عن هؤلاء، وعن تلك التحذيرات الخطيرة التي لم تكن تختلف عن تلك التحذيرات التي كان يصيح بها هارون عليه السلام في بني إسرائيل.

وكان أول الانحراف هو قبولها للتفسير اليهودي للقرآن الكريم..

وكان أول سامري تقربه الأمة، وتثق فيه، وتسلمه كتابها ليفسره لها ـ بعد إعراضها عن هارونها([14]) ـ هو كعب الأحبار.. ومن هنا بدأت صناعة الوثن المقدس، والذي لا يختلف كثيرا عن الوثن الإسرائيلي.

فقد كان لكعب الأحبار.. ولتلاميذه البارزين من الصحابة والتابعين.. تأثيره العظيم في تأسيس صرح الوثنية في هذه الأمة.

ومن الأمثلة على ذلك هذه الرواية التي تطفح بالتجسيم، والتي يقول فيها كعب الأحبار ـ متحدثا عن الله بكل جرأة ـ: (قال الله عز وجل: أنا الله فوق عبادي وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على العرش أدبر أمر عبادي، لا يخفى علي شيء من أمر عبادي في سمائي وأرضي، وإن حُجبوا عني فلا يغيب عنهم علمي، وإلي مرجع كل خلقي فأنبئهم بما خفي عليهم من علمي، أغفر لمن شئت منهم بمغفرتي، وأعذب من شئت منهم بعقابي)([15])

وللأسف فإن هذه الرواية، ومع كونها حديثا عن الله تعالى، أو ما يسمى حديثا قدسيا، والأصل فيه أن لا يؤخذ إلا عن معصوم، لكن أهل الحديث غضوا الطرف عن ذلك، بل تلقوها، وكأنها قرآن منزل([16])… لأن كعب الأحبار يهودي، وما دام كذلك، فكل ما يقوله إنما ينقله من الكتب السماوية التي أوحاها الله لأنبيائه.

ولهذا نرى محدثا كبيرا يعتبر من أئمة المدرسة السلفية يتلقى هذه الرواية باحترام عظيم، ويقول ـ بنبرة تجسيمية لا تختلف عن تجسيم اليهود ـ:(وإنما يعرف فضلُ الربوبية وعِظمُ القدرة بأن الله تعالى من فوق عرشه، وبعد مسافة السموات والأرض يعلم ما في الأرض وما تحت الثرى وهو مع كل ذي نجوى، ولذلك قال: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } [الأنعام: 73]، ولو كان في الأرض كما ادعيتم بجنب كل ذي نجوى ما كان بعجبٍ أن ينبئهم بما عملوا يوم القيامة فلو كنا نحن بتلك المنزلة منهم لنبأنا كل عامل منهم بما عمل)([17])

بل إن كعب الأحبار ـ ونتيجة للاحترام الكبير الذي لقيه من التجسيميين في هذه الأمة، وبرعاية من السلطة السياسية ـ يقول ـ جوابا لمن سأله: أين ربنا؟ ـ:(سألت أين ربنا، وهو على العرش العظيم متكئ، واضع إحدى رجليه على الأخرى، ومسافة هذه الأرض التي أنت عليها خمسمائة سنة ومن الأرض إلى الأرض مسيرة خمس مئة سنة، وكثافتها خمس مئة سنة، حتى تمّ سبع أرضين، ثم من الأرض إلى السماء مسيرة خمس مئة سنة، وكثافتها خمس مئة سنة، والله على العرم متكئ، ثم تفطر السموات.. ثم قال: إقرؤوا إن شئتم: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ } [الشورى: 5])([18])

والخطورة في هذه الرواية ـ والتي تلقاها التيار السلفي بالقبول والإذعان التام ـ هو تحريفها للمعاني القرآنية، وتغييرها عن سياقها ومدلولاتها المقدسة لتتحول إلى معان تجسيمية وثنية.

ومن الأمثلة على ذلك هذه الرواية التي رواها السيوطي في (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) عن كثير من المحدثين، ومما ورد فيها: فقال عمر بن الخطاب عند ذلك: ألا تسمع يا كعب ما يحدثنا به ابن أم عبد عن أدنى أهل الجنة ما له فكيف بأعلاهم؟ قال: (يا أمير المؤمنين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، إن الله كان فوق العرش والماء، فخلق لنفسه دارا بيده، فزينها بما شاء وجعل فيها ما شاء من الثمرات والشراب، ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه منذ خلقها جبريل ولا غيره من الملائكة ثم قرأ كعب: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]([19])

وهكذا نجد المدرسة السلفية تتلقى كل ما يذكره كعب الأحبار، وكأنه قرآن منزل، وقد دافع ابن تيمية كثيرا عن أمثال هذه الروايات، بل إنه ذكر ما يدل على أن مرجع كعب فيها فيما يذكره من إسرائيليات هي التوراة الصحيحة، فقد قال في دقائق التفسير: (وعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما رأى بيد كعب الأحبار نسخة من التوراة قال يا كعب إن كنت تعلم أن هذه هي التوراة التي أنزلها الله على موسى بن عمران فاقرأها، فعلق الأمر على ما يمتنع العلم به، ولم يجزم عمر رضي الله عنه بأن ألفاظ تلك مبدلة لما لم يتأمل كل ما فيها، والقرآن والسنة المتواترة يدلان على أن التوراة والإنجيل الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهما ما أنزله الله عز وجل، والجزم بتبديل ذلك في جميع النسخ التي في العالم متعذر، ولا حاجة بنا إلى ذكره، ولا علم لنا بذلك، ولا يمكن أحدا من أهل الكتاب أن يدعي أن كل نسخة في العالم بجميع الألسنة من الكتب متفقة على لفظ واحد، فإن هذا مما لا يمكن أحدا من البشر أن يعرفه باختياره)([20])

ولم تكتف المدرسة السلفية بإمامة كعب الأحبار، بل بحثت عن أي يهودي ليعرفها بربها، وكأن القرآن الكريم لم يف لهم بالغرض، فراحوا يبحثون في الأمم الأخرى من يفسره.

ومن هؤلاء الذين نجد رواياتهم الكثيرة في كتب عقائد السنة وهب بن منبه.. ومن رواياته قوله: (إن السموات السبع والبحار لفي الهيكل([21]) وإن الهيكل لفي الكرسي، وإن قدميه لعلى الكرسي وهو يحمل الكرسي وقد عاد الكرسي كالنعل في قدميه)([22])

وقد علقه عليه الذهبي بقوله: (كان وهب من أوعية العلوم، لكن جُلَّ علمه عن أخبار الأمم السالفة، كان عنده كتب كثيرة إسرائيليات، كان ينقل منها لعله أوسع دائرة من كعب الأخبار، وهذا الذي وصفه من الهيكل وأن الأرضين السبع يتخللها البحر وغير ذلك فيه نظر والله أعلم، فلا نرده ولا نتخذه دليلاً)([23])

والعجب من هذه المقولة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.. فهم يروون هذه الرواية وغيرها في كتب التفسير والحديث والعقيدة.. ويستخلصون ما فيها من فوائد عقدية.. ثم بعد ذلك ـ ومن باب التقية ـ يقولون: (لا نرده ولا نتخذه دليلاً)

وهكذا نجد إماما من أئمة اليهود مثل محمد بن كعب القرظي يعقد المجالس ليفسر القرآن على الطريقة اليهودية، كقوله:(كأن الناس إذا سمعوا القرآن من في الرحمن يوم القيامة فكأنهم لم يسمعوه قبل ذلك)([24]).

ومثله عبد الله بن سلام الذي رووا عنه قوله: (والذي نفسي بيده إن أقرب الناس يوم القيامة محمد صلى الله عليه وآله وسلم جالس عن يمينه على كرسي)([25])

وهذه النصوص وغيرها كثير تدل على تفريط الأمة في تلك الوصايا الكثيرة التي حذر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أن ترغب الأمة عن كتاب الله إلى غيره من الكتب.

ومن هذه البوابة دخلت المعرفة التجسيمية اليهودية كتب المسلمين.. بل ألفت فيها المؤلفات الكثيرة بأسماء خطيرة.. كعقيدة السلف، وعقيدة أهل الأثر، وعقيدة أهل السنة والجماعة، مثل: (عقيدة أهل السنة أصحاب الحديث) للإمام إسماعيل الصابوني، و(شرح أصول اعتقاد أهل السنة) للالكائي..

أو باسم التوحيد، مثل (كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب) للإمام ابن خزيمة، و(اعتقاد التوحيد) لأبي عبد الله محمد بن خفيف، و(كتاب التوحيد) لابن منده.

أو باسم السنة، وهذه ظاهرة خطيرة شملت كثيرا من المؤلفات في القرون الأولى، ككتاب (السنة) للإمام أحمد بن حنبل، وكذلك السنة لابنه عبد الله، و(السنة) للخلال، و(السنة) للعسال، (السنة) للأثرم، و(السنة) لـأبي داود.. وخطورة هذه التسمية هي ما توحيه بأن العقائد التجسيمية الواردة فيها عقائد سنية، أي ليست عقائد مبتدعة.. وهكذا تحول التنزيه بفعل تلك الكتب بدعة.. وتحول التجسيم سنة.

ولهذا نجد ابن تيمية – مع تحذيراته الكثيرة من كتب المنزهة في العقائد ككتب الأشاعرة والمعتزلة والإباضية والإمامية وتشنيعه عليها – يدعو إلى مطالعة الكتب المشحونة بالتجسيم والتشبيه، ويعتبرها وحدها كتب التوحيد والسنة.. وقد قال في (مجموع الفتاوى) عند حديثه عن مذهب السلف في الأسماء والصفات: (وكلام السلف في هذا الباب موجود في كتب كثيرة لا يمكن أن نذكر هاهنا إلا قليلاً منه مثل كتاب (السنن) للالكائي، و(الإبانة) لابن بطة، و(السنة) لأبي ذر الهروي، و(الأصول) لأبي عمرو الطلمنكي، وكلام أبي عمر بن عبدالبر، و(الأسماء والصفات) للبيهقي، وقبل ذلك (السنة) للطبراني، ولأبي الشيخ الأصبهاني ولأبي عبدالله بن منده ولأبي أحمد العسّال الأصبهانيين، وقبل ذلك (السنة) للخلاّل، و(التوحيد) لابن خزيمة، وكلام أبي العباس بن سريج، و(الرد على الجهمية) لجماعة مثل: البخاري، وشيخه عبدالله بن محمد بن عبدالله الجعفي، وقبل ذلك (السنة) لعبدالله بن أحمد، و(السنة) لأبي بكر بن الأثرم، و(السنة) لحنبل، وللمروزي ولأبي داود السجستاني، ولابن أبي شيبة، و(السنة) لأبي بكر بن أبي عاصم، وكتاب (خلق أفعال العباد) للبخاري، وكتاب (الرد على الجهمية) لعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم)([26])

وما ذكرناه هنا عن التشابه بين العقائد السلفية والعقائد اليهودية ليس تهمة نتهمهم بها، بل هي الحقيقة التي تدل عليها المقارنات التي سنذكرها بتفصيل في هذا الكتاب.

بل تدل عليها تصريحات أئمتهم الذين لم يكتفوا بالنصيحة بالعودة إلى كتب السنة والسلف لينهل منها أتباعهم كل صنوف التجسيم والتشبيه، بل راحوا يرشدهم إلى كتب اليهود، ليتعرفوا أكثر على صورة إلههم، وأنواع تصرفاته.

وكمثال على ذلك ما ذكره ابن تيمية من أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقر اليهود على ما وصفوا به ربهم في كتبهم، فقال: (ومما يوضح الأمر في ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ظهر وانتشر ما أخبر به من تبديل أهل الكتاب وتحريفهم وما أظهر من عيوبهم وذنوبهم وتنزيهه لله عما وصفوه به من النقائص والعيوب كقوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران: 181] وقوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ } [المائدة: 64]، فلو كان ما في التوراة من الصفات التي تقول النفاة إنها تشبيه وتجسيم – فإن فيها من ذلك ما تنكره النفاة وتسميه تشبيهاً وتجسيماً بل فيها إثبات الجهة وتكلم الله بالصوت وخلق آدم على صورته وأمثال هذه الأمور-  فإن كان هذا مما كذبته اليهود وبدلته كان إنكار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك وبيان ذلك أولى من ذكر ما هو دون ذلك، فكيف والمنصوص عنه موافق للمنصوص في التوراة، فإنك تجد عامة ما جاء به الكتاب والأحاديث في الصفات موافقاً مطابقاً لما ذكر في التوراة.. والنصارى يشبهون المخلوق بالخالق في صفات الكمال واليهود تشبه الخالق بالمخلوق في صفات النقص ولهذا أنكر القرآن على كل من الطائفتين ما وقعت فيه من ذلك. فلو كان ما في التوراة من هذا الباب لكان إنكار ذلك للهدى من أعظم الأسباب، وكان فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابةِ والتابعين لذلك من أعظم الصواب، ولكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينكر ذلك من جنس إنكار النفاة، فيقول إثبات هذه الصفات يقتضي التجسيم والتجسيد والتشبيه والتكييف والله منزه عن ذلك. فإن عامة النفاة إنما يردون هذه الصفات بأنها تستلزم التجسيم – ومن المسلمين وأهل الكتاب من يقول بالتجسيد – فلو كان هذا تجسيماً وتجسيداً يجب إنكاره لكان الرسول إلى إنكار ذلك أسبق وهو به أحق. وإن كان الطريق إلى نفي العيوب والنقائص ومماثلة الخالق لخلقه هو ما في ذلك من التجسيد والتجسيم كان إنكار ذلك بهذا الطريق المستقيم كما فعله من أنكر ذلك بهذا الطريق هو الصراط المستقيم)([27])

ومن هنا نجد ذلك التشابه العجيب بين العقائد السلفية والعقائد اليهودية.. فكما أن اليهود يعتقدون أن لله صورة حسية جسمية، كما ورد في سفر التكوين (الاصحاح الأول: 26-28): (وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا على شبهنا… فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرًا وأنثى خلقهم)، وفي سفر (التثنية الاصحاح 4: 15-16): (فإنكم إن لم تروا صورة ما في يوم كلَّمكم الرب في حوريب من وسط النار لئلا تفسدوا وتعملوا لأنفسكم تمثالا منحوتاً صورة مثال ما شبه ذكر أو أنثى) نجد السلفية وأهل الحديث يذكرون ذلك، وبألفاظ قريبة من النص الموجود في التوراة.

ففي كتاب (عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن) للتويجري، يقول: (قال ابن قتيبة: فرأيت في التوراة: إن الله لما خلق السماء والأرض قال: نخلق بشرًا بصورتنا.. وفي حديث ابن عباس: إن موسى لما ضرب الحجر لبني إسرائيل فتفجَّر وقال: اشربوا يا حمير فأوحى الله إليه: عمدت إلى خلق ٍ من خلقي خلقتهم على صورتي فتشبههم بالحمير، فما برح حتى عوتب)([28])

بل إنهم لم يأخذوا الصورة بشكلها العام فقط، بل ربطوا معها كل التفاصيل كما هي موجودة في كتب اليهود.

فكما أن اليهود يعتبرون الوجه عضوا لله تعالى كما هو وجه ابن آدم، كما جاء في سفر التكوين (الإصحاح32: 30): (فدعا يعقوب اسم المكان فنيئيل قائلاً لأني نظرت الله وجهًا لوجه)، نجد السلفية يقولون ـ بلسان الدارمي ـ: (كل شئ هالك إلا وجه نفسه الذي هو أحسن الوجوه وأجمل وأنور الوجوه وإن الوجه منه غير اليدين، واليدين منه غير الوجه)([29])،ويقول: (فصعد – أي جبريل – بهن – أي بكلمات الذكر – حتى يُحَيِّ بهن وجه الرحمن) ([30])، ويقول: (والنور لا يخلو من أن يكون له إضاءة واستناره ومنظر ورواء، وإنه يدرك يومئذ بحاسة النظر إذا كشف عنه الحجاب كما يدرك الشمس والقمر في الدنيا) ([31])

ويقولون ـ بلسان عبد الرحمن بن حسين بن محمد بن عبد الوهاب ـ: (روى ابن جرير عن وهب بن منبه: فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه ثم يقولون فأذن لنا بالسجود قدامك)([32])

وكما أن اليهود تنسب الفم واللسان الى الله، كما في سفر أيوب (37/2-6): (اسمعوا سماعًا رعد صوته والرمذمة الخارجة من فيه تحت كل السموات)، وهم يريدون ب (من فيه): (من فمه)،نجد السلفية يقولون ـ بلسان ابن تيمية في معرض الرد على الجهمية ـ: (وحديث الزهري قال: لما سمع موسى كلام ربه قال: يا رب هذا الذي سمعته هو كلامك؟ قال: نعم يا موسى هو كلامي وإنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان)([33])

ويقولون ـ بلسان الدارمي ـ: (قال كعب الأحبار: لما كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه طفق موسى يقول: أي رب ما أفقه هذا حتى كلّمه آخر الألسنة بلسانه بمثل صوته يعني بمثل لسان موسى وبمثل صوت موسى)، ثم علق على هذا بقوله: (فهذه الأحاديث قد رويت وأكثر منها ما يشبهها كلها موافقة لكتاب الله في الإيمان بكلام الله)([34])

وكما أن اليهود ينسبون التغير والحدوث والحركة والارتفاع والنزول الحسي الى الله تعالى، كما في سفر التكوين (11/5): (فنـزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنوهما)، وفي نفس السفر (46/3-4): (فقال أنا الله إله أبيك… أنا أنزل معك إلى مصر)، وفي سفر الخروج (19/21): (لأنه في اليوم الثالث ينـزل الرب أمام عيون جميع الشعب على جبل سيناء) نجد السلفية ـ بلسان ابن تيمية ـ يقولون: (فثبت بالسنة والإجماع أن الله يوصف بالسكوت، لكن السكوت تارة يكون عن التكلم وتارة عن إظهار الكلام وإعلامه)([35])

ويقولون ـ بلسان حافظ حكمي ـ: (إن الله ينـزل إلى السماء الدنيا وله في كل سماء كرسي، فإذا نـزل إلى السماء الدنيا جلس على كرسيه ثم مد ساعديه، فإذا كان عند الصبح ارتفع فجلس على كرسيه)، ثم يقول: (يعلو ربنا إلى السماء إلى كرسيه)، وفي الصفحة التالية يقول: (قال النبي: إن الله يفتح أبواب السماء ثم يهبط إلى السماء الدنيا ثم يبسط يده)([36])

وكما أن اليهود تنسب اليد والساعد والذراع والكف والاصابع جوارح حقيقية الى الله، كما في سفر الخروج (15/16): (بعظمة ذراعك يصمتون كالحجر)، وفي سفر المزامير (44/2-3):(أنت بيدك استأصلت الأمم وغرستهم لكن يمينك وذراعك)، نجد السلفية ـ بلسان الدارمي ـ يقولون:(فأكد الله لآدم الفضيلة التي كرّمه وشرّفه بها وآثره على جميع عباده إذ كل عباده خلقهم بغير مسيس بيد وخلق آدم بمسيس)([37])

وكما أن اليهود تنسب الرجل الجارحة والعين على معنى الجارحة الى الله تعالى، كما في سفر الخروج (13/20): (وكان الرب يسير أمامهم)، وفي سفر المزامير (53/2): (الله من السماء أشرف على بني البشر لينظر)، وفي سفر التكوين (3/8-10):(وسمعا صوت الإله ماشيا في الجنة)، نجد السلفية ـ بلسان أبي يعلى ـ يقولون: (والسموات والأرض يوم القيامة في كفه ويضع قدمه في النار فـتـنـزوي ويخرج قومًا من النار بيده)([38])،ويقول ابن عثيمين:(ونؤمن بأن لله عينين اثنتين حقيقيتين)([39])

وكما أن اليهود تنسب الجهة والحيز والمكان والحد الى الله، كما في سفر المزامير (2/4):(الساكن في السموات يضحك الرب)، وفي سفر التكوين (28/16):(حقّاً إن الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم)، وفي نفس السفر (18/1): (وظهر له الرب عند بلوطات)، وفي سفر زكريا (2/13):(اسكتوا يا كل البشر قدام الرب لأنه قد استيقظ من مسكن قدسه) نجد السلفية ـ بلسان الدارمي ـ يقولون:(بل هو على عرشه فوق جميع الخلائق في أعلى مكان وأطهر مكان)([40])

وهكذا لو تأملنا كل العقائد التي يسمونها عقائد السلف، أو عقائد أهل الحديث لوجدنا بسهولة مصدرها اليهودي.

وبما أن كتابنا هذا يحاول أن يرسم صورة للوثنية المقدسة كما يعتقدها [السلفيون وأهل الحديث]، وخوفا من اتهامنا بأننا نقولهم ما لم يقولوا، أو ندعي عليهم شيئا لا يعتقدونه، فإنا سنورد هنا مصادرنا الكبرى التي اعتمدنا عليها في فصول هذا الكتاب، وكلها مما أثنى عليه شيخهم الكبير، وعمدتهم العظيم، ومرجعهم المقدس (ابن تيمية)

ومن هذه الكتب كتابُ (السنة) المنسوب لعبد الله بن أحمد، والذي قال محققه مشيرا إلى مدى وثاقته عند المدرسة السلفية:(إن هذا الكتاب من أوائل المصادر التي كتبت في عقيدة السلف، فإخراجه للناس في هذا العصر من الأهمية بمكان)([41])

وقال:(هذا الكتاب من أمهات مصادر العقيدة في كتب السلف …لذا فهو من المصادر الأولى إذ لم يتقدمه إلا بعض الكتب الصغيرة..فهو من هذا الجانب ذو مكانة كبيرة حيث اعتمدت عليه كثير من الكتب التي صنفت في عقيدة السلف …فهو بحق مصدر رائد برزت قيمته في من نقل عنه وعزا إليه …فهذا الكتاب صنو لهذه المصنفات التي هي اليوم تحتل مكان الصدارة بعد كتاب الله في المكتبة الإسلامية)([42])

ولهذا الكتاب أهمية كبرى عند ابن تيمية وتلاميذه حتى أنهم بذلوا كل جهودهم في نسبة الكتاب إلى مؤلفه، وفي الرد على من ينزه الإمام أحمد وولده عن أن يخوض في مثل هذه المسائل.

ومنها (كتاب السنة) لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد البغدادي الخلال، والذي قرر فيه قعود النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الباري سبحانه على الفضلة التي تفضل من العرش. وحشر مع ذلك نقولاً عن بعض المحدثين في تكفير منكره ورميه بالبدعة والتجهم وغير ذلك.. وفيه أن الله عز وجل ينادي: يا داود اُدن مني فلا يزال يدنيه حتى يمس بعضه ويقول: كن أمامي فيقول رب ذنبي ذنبي، فيقول الله له كن خلفي خذ بقدمي.

ومنها (كتاب التوحيد) لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابورى.. والذي روى فيه الروايات الكثيرة المثبتة بأن لله أصابع، وأن له قدما، وأن الكرسي موضع قدميه، وأن العرش يئط به، وأنه تجلى منه مثل طرف الخنصر، وأنه يهبط ثم يرتفع، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا بروحه وملائكته فينتفض تعالى عن ذلك علواً كبيراً، وأن جنة عدن مسكنه، وأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، وغير ذلك.

ومنها (كتاب العرش وماروي فيه) لمحمد بن عثمان بن أبي شيبة.. وقد ذكر في هذا الكتاب أن أقرب الخلق إلى الله جبريل وميكائيل وإسرافيل، بينهم وبين ربهم مسيرة خمسمائة عام، وأن السماء منفطرة من ثقل الله، وأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه في روضة خضراء وغير ذلك.

وهو من الكتب التي حظيت بعناية كبيرة من المدرسة السلفية قديمها وحديثها، وقد قال محققه المعاصر في مقدمته تعظيما لشأنه: (ولقد صنف كثير من السلف وبخاصة في القرنين الثالث والرابع الهجريين مؤلفات ورسائل كثيرة في مسائل أسماء الله وصفاته، فبينوا فيها ما يجب على المسلم تجاه هذا الأمر العظيم، وقد اعتمدوا في تصانيفهم تلك على نصوص القرآن والسنة، وقد كان من ضمن تلك المؤلفات كتاب (العرش) للحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وقد عالج المصنف- رحمه الله- في هذا الكتاب مسألة تعد من أهم مسائل الأسماء والصفات، بل ومن أهم مسائل العقيدة وأخطرها، ألا وهي: مسألة علو الله عز وجل على خلقه، واستوائه على عرشه)([43])

ومنها كتاب (الأربعين في دلائل التوحيد) لأبي إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي.. وفيه من أمثلة التجسيم أن محمداًصلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه في صورة شاب أمرد في قدميه خضرة.. وفيه باب ذكر فيه أن الله عز وجل وضع قدمه على الكرسي، وباب في إثبات الجهات لله عز وجل، وباب في إثبات الحد، وباب في إثبات الخط، وباب في إثبات الصورة، وباب في إثبات العينين، وباب في إثبات الهرولة..

ومنها كتاب (الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية) لأبي عبد الله بن بطة العكبري، وهو من أهم مراجع التجسيم لدى المدرسة السلفية، وقد قال محققه عنه: (كتاب الإبانة لابن بطة يعد أكبر موسوعة في العقيدة السلفية.. هذا الكتاب يمثل مذهب الإمام أحمد بن حنبل..)([44])

ومنها كتابا (الرد على الجهمية) وكتاب (نقض عثمان بن سعيد على المريسي العنيد).. وقد قال ابن القيم يخبر عن اهتمام ابن تيمية بهما: (وكتاباه من أجل الكتب المصنفة في السنة وأنفعها، وينبغي لكل طالب سنة مراده الوقوف على ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة أن يقرأ كتابيه. وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يوصي بهذين الكتابين أشد الوصية ويعظمهما جداً. وفيهما من تقرير التوحيد والأسماء والصفات بالعقل والنقل ما ليس في غيرهما)([45])

ويعتبر هذان الكتابان من أهم كتب التجسيم.. فقد أورد فيهما الكثير من الروايات التجسيمية التي سنتحدث عنها في فصول الكتاب مثل كون العرش يئط من ثقل الجبار فوقه، وأنه ينزل في الليل إلى جنة عدن، وأنها مسكنه الذي يسكن فيه مع النبيين والصديقين والشهداء، وأنه يهبط من عرشه إلى كرسيه، ثم يرتفع عن كرسيه إلى عرشه، وفيهما إثباتَ الحركة لله عز وجل، وإثباتُ الحد، وأنه مس آدم مسيساً بيده، وأنه يقعد على العرش فما يفضل منه إلا قدر أربعة أصابع، وأنه قادر على الاستقرار على ظهر بعوضة، وأنه إذا غضب ثقل على حملة العرش، وأن رأس المنارة أقرب إليه من أسفلها..

ومنها كتاب (إبطال التأويلات) الذي ألفه أبو يعلى الفراء في أوائل القرن الخامس الهجري، لكن الكتاب بحكم ما فيه من تجسيمات وتشبيهات بقي مغمورا إلى أن ذاع خبره سنة (429هـ) حينها ضج العلماء لظهور هذا الكتاب ولافتتان بعض العوام بما فيه.. وقد حصلت بسبب ذلك فتنة اقتضت تدخل الخليفة القائم بأمر الله العباسي لتسكينها بمساعدة أبي الحسن القزويني الزاهد الشافعي المقبول من جميع الطوائف، وقد أخرج القائم بأمر الله عقيدة والده الخليفة القادر بالله، ووَقَّعَ عليها العلماء وسكنت الفتنة ([46]).

لكن مع ذلك نجد ابن تيمية يرجع إليه، ويدافع عن صاحبه([47])، بل نجد اهتمام المدرسة السلفية المعاصرة بتحقيقة وإخراجه وطبعه في أحسن حلة ونشرة على النت للتحميل مجانا وبكل الصيغ.

وقد قال محقق الكتاب في خطبته مشيدا به: (وبعد، فإن كتاب (إبطال التأويلات لأخبار الصفات) للقاضي أبي يعلى الفراء كان يعد إلى زمن قريب من الكتب المفقودة، وهو كتاب فريد في بابه، إذ تضمن الرد على تأويلات الأشاعرة والمعتزلة والجهمية لأخبار الصفات الإلهية، الواردة على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأعلم الخلق به، وبيان مذهب السلف فيها وهو إثباتها والإيمان بها، ونفي التكييف عنها والتمثيل لها، فهذا هو التوحيد الذي بينه الله تعالى..)([48])

ومن أمثلة ما ورد فيه([49]): (شاب، أمرد، أجعد، في حلة حمراء، عليه تاج، ونعلان من ذهب، وعلى وجهه فَرَاش من ذهب)

وقد شحنه بالروايات السلفية الكثيرة، وينص على أن من لم يؤمن بهذه الصفات العظيمة فهو (زنديق)، (معتزلي)، (جهمي)، (لا تقبل شهادته)، (لا يسلم عليه)، (لا يعاد)، ثم يقول:(وليس في قوله: شاب وأمرد وجعد وقطط وموفور إثبات تشبيه، لأننا نثبت ذلك تسمية كما جاء الخبر لا نعقل معناها، كما أثبتنا ذاتا ونفسا، ولأنه ليس في إثبات الفَرَاش والنعلين والتاج وأخضر أكثر من تقريب المحدث من القديم، وهذا غير ممتنع كما لم يمتنع وصفه بالجلوس على العرش..)([50])

وهو ينطلق من قوله r:(إن الله خلق آدم على صورته)، يصف الله تعالى كما يصف أي بشر من البشر.

ويرجع إلى أهل الكتاب في ذلك، فينقل عن كعب الأحبار أنه قال:(إن الله تعالى نظر إلى الأرض فقال: إني واط على بعضك، فانتسفت إليه الجبال فتضعضعت الصخرة فشكر الله لها ذلك فوضع عليها قدمه)([51])، ثم يعتبر هذا لإفك حقيقة عقدية، يدلل لها بالرواية الواهية التالية:(آخر وطأة وطئها رب العالمين بوَجّ)، ثم  يذكر قول كعب الأحبار:(وَجّ مقدس، منه عَرَجَ الرب إلى السماء يوم قضى خلق الأرض)

ويعلق على هذه الترهات بقوله:(اعلم أنه غير ممتنع على أصولنا حمل هذا الخبر على ظاهره، وأن ذلك على معنى يليق بالذات دون الفعل)

وينقل عنه هذه أنه قال لمن سأله أين ربنا:(هو على العرش العظيم متكئ واضع إحدى رجليه على الأخرى)، ثم يعلق عليها بقوله:(اعلم أن هذا الخبر يفيد أشياء: منها جواز إطلاق الاستلقاء عليه، لا على وجه الاستراحة بل على صفة لا نعقل معناها، وأن له رجلين كما له يدان، وأنه  يضع إحداهما على الأخرى على صفة لا نعقلها)، ويدلل على هذا بهذه الرواية الموضوعة:(إن الله لما فرغ من خلقه استوى على عرشه واستلقى ووضع إحدى رجليه على الأخرى وقال: إنها لا تصلح لبشر)

بالإضافة إلى هذه المصادر الكبرى رجعنا لكتب ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من العلماء الذين يعتبرون من كبار المنظرين للمدرسة السلفية.

وبالإضافة إليهم رجعنا للمدرسة السلفية الحديثة والتي أحيت كل التراث السلفي القديم حتى ما كان مستهجنا منه مثل [إبطال التأويلات]

ونحب أن نبين هنا أننا لم نكتب هذا الكتاب لمجرد التحذير من أمثال هذه العقائد الخطيرة فقط، ولكن مرادنا أيضا هو التحذير من أصحابها الذين لم يكتفوا بان يحملوا في عقولهم تلك الصورة المشوهة عن الله، بل راحوا يزعمون أنهم أصحاب الحقيقة المطلقة، وأن من عداهم مبتدعة وضالين وكفار.

ولم يكتفوا بذلك، بل راحوا يبيحون دماءهم، ويستحلون أعراضهم.. ولذلك كانت هذه المدرسة هي منبع كل إرهاب وعنف وتشويه للإسلام.

ولهذا نجد كتبهم العقدية مشحونة بالعنف والإرهاب..

ومن أمثلة ذلك ما فعله الدارمي حين عقد باباً في تكفير الجهمية، وباباً في قتلهم واستتابتهم من الكفر.. والجهمية مصطلح تشنيع لا يراد به الفرقة التي تنتسب إلى الجهم بن صفوان فقط لأن الجهم مات، وماتت معه أفكاره.. وإنا يقصد بها السلفيون من خالفهم في صفات الله عز وجل، فيدخل في هذا الوصف المعتزلة والأشاعرة والماتريدية والإمامية والزيدية والإباضية وغيرهم من فرق المسلمين.

يقول الدارمي ـ يحرض على قت المنزهة بكل صنوف القتل ـ: (ولو لم يكن عندنا حجة في قتلهم وإكفارهم إلا قول حماد بن زيد، وسلام بن أبي مطيع، وابن المبارك، ووكيع، ويزيد بن هارون، وأبي توبة، ويحيى بن يحيى، وأحمد بن حنبل، ونظرائهم، رحمة الله عليهم أجمعين، لجبنا عن قتلهم وإكفارهم بقول هؤلاء، حتى نستبرئ ذلك عمن هو أعلم منه وأقدم، ولكنا نكفرهم بما تأولنا فيهم من كتاب الله عز وجل، وروينا فيهم من السنة، وبما حكينا عنهم من الكفر الواضح المشهور، الذي يعقله أكثر العوام، وبما ضاهوا مشركي الأمم قبلهم بقولهم في القرآن، فضلا على ما ردوا على الله ورسوله من تعطيل صفاته، وإنكار وحدانيته، ومعرفة مكانه، واستوائه على عرشه بتأويل ضلال، به هتك الله سترهم، وأبد سوءتهم، وعبر عن ضمائرهم، كلما أرادوا به احتجاجا ازدادت مذاهبهم اعوجاجا، وازداد أهل السنة بمخالفتهم ابتهاجا، ولما يخفون من خفايا زندقتهم استخراجا)([52])

ونفس الشيء نجده في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد، ومن أمثلة ذلك أنه اشتمل على مجموعة كبيرة من الاتهامات والشتائم التي وجهها السلف لأبي حنيفة من أمثال: (كافر، زنديق، مات جهمياً، ينقض الإسلام عروة عروة، ما ولد في الإسلام أشأم ولا أضر على الأمة منه، وأنه أبو الخطايا، وأنه يكيد الدين، وأن الخمارين خير من أتباع أبي حنيفة، وأن الحنفية أشد على المسلمين من اللصوص، وأن أصحاب أبي حنيفة مثل الذين يكشفون عوراتهم في المساجد، وأن أباحنيفة سيكبه الله في النار، وأنه أبو جيفة، وأن المسلم يؤجر على بغض أبي حنيفة وأصحابه، وأنه لا يسكن البلد الذي يذكر فيه أبو حنيفة، وأن استقضاء الحنفية على بلد أشد على الأمة من ظهور الدجال، وأنه من المرجئة)([53])

ومن أمثلة ذلك ما ورد في (كتاب السنة) لأبي بكر الخلال، الذي قال في آخر كتابه بعد إطنابه في التكفير والتبديع للمخالفين: (وبعد هذا أسعدكم الله فلو ذهبنا نكتب حكايات الشيوخ والأسانيد والروايات لطال الكتاب غير أنا نؤمل من الله عز وجل أن يكون في بعض ما كتبنا بلغةٌ لمن أراد الله به فثقوا بالله وبالنصر من عنده على مخالفيكم فإنكم بعين الله بقربه وتحت كنفه)([54])

أما المعاصرون.. فحدث عن تكفيرهم وتبديعهم وتضليلهم لمخالفيهم ولا حرج.

بناء على هذا كله فإننا في هذا الكتاب سنحاول أن نثبت ـ من خلال المصادر السلفية المعتمدة ـ مدى الوثنية التي تسربت لهذه العقائد، ونقارنها بما ورد في القرآن الكريم، وما دل عليه العقل من تنزيه الله تعالى.

والحمد لله فإن كل مذاهب الأمة وطوائفها ـ من أشاعرة وماتريدية ومعتزلة وإمامية وإباضية وزيدية وصوفية ـ على القول بتنزيه الله، والجهة الوحيدة التي رضيت لنفسها أن تنغمس في أوحال الوثنية هي السلفية.. فهي وحدها من يقول بالتجسيم والجهة والمكان والحدود والمقادير والأعضاء والصورة.. وكل ما سنراه في هذا الكتاب.. وهي وحدها كذلك التي تكفر الأمة جميعا بسبب ذلك..

وقد تمنيت لو أن العلماء الذين اهتموا بذكر طوائف الأمة وفرقها قسموا الأمة إلى هذين القسمين الكبيرين: المنزهة، والمجسمة.. لا التقسيم الذي اختاروه، والذي كانت له آثاره السلبية.

ذلك أن التقسيم عادة ينطلق من أهم القضايا، وهل هناك قضية أكبر من القضايا المرتبطة بمعرفة الله.. ولهذا نجد التقسيم في المسيحية مؤسسا على الموقف من طبيعة المسيح، لا الموقف من أصحاب المسيح.


([1])        الكافي:8/247.

([2])      الكافي:8/247.

([3])     علل الشرائع:1/9.

([4])     نهج البلاغة:1/14.

([5])     وقد ورد في الكتاب المقدس ما يشير إلى هذه النزعة التجسيمية، ففي سفر الخروج [الإصحاح  32، 1]: (ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا)، وفيه [13/20، 1.]: (وارتحلوا من سكوت ونزلوا في طرف البرية وكان الرب يسير أمامهم نهارا في عمود سحاب ليهديهم الطريق وليلاً في عمود نار ليضيء لهم..)، وفي [سفر الخروج 24/9-11]: (صعد موسى وهارون.. وسبعون من شيوخ إسرائيل ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف.. لكنه لم يمد يده إلى أشراف بني إسرائيل فرأوا الله وأكلوا وشربوا)، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

([6])       مسند الإمام أحمد بن حنبل: 3/387 ح(15195).

([7])       البخاري (6 / 496 رقم 3461) والترمذي (7 / 431 – 432 رقم 2806)

([8])   الكافي  للكليني1/104.

([9])   الكافي1/105.

([10])    الرسالة القشيرية (ص/ 6).

([11])   الكافي 1/ 106 وهو في التوحيد للشيخ الصدوق  ص 99 والاحتجاج  للشيخ الطبرسي 2/155 

([12])   التوحيد للصدوق 104 وانظر نور البراهين لنعمة الله الجزائري 265 وبحار الأنوار للمجلسي 84/197 

([13])     الفرق بين الفرق لأبي منصور البغدادي [ ص / 333 ].

([14])     أشير به إلى قوله a لعلي في الحديث الصحيح: (ألا ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي) [صحيح البخاري 5 / 24، صحيح مسلم 4 / 1870]

([15])   العظمة 2/626.

([16])   العرش للذهبي 2/148.

([17])   نقض عثمان بن سعيد 443.

([18])    تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (21/ 501).

([19])    الدر المنثور في التفسير بالمأثور:  (8/ 259).

([20])    دقائق التفسير (2/ 58)

([21])   الهيكل البناء المشرف، مختار الصحاح، الرزاي 1/290.

([22])   السنة 2/477.

([23])   العلو 1/130.

([24])   السنة 1/148.

([25])   السنة 1/256. وأخرجه الآجري في الشريعة 4/1609 والذهبي في العلو 1/720.

([26])    (مجموع الفتاوى) (5/ 24).

([27])   درء التعارض 7/86- 90.

([28])     عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن، ص16.

([29])     رد الدارمي على بشر المريسي: ص159.

([30])     رد الدارمي على بشر المريسي: ص151.

([31])     رد الدارمي على بشر المريسي: ص190.

([32])     قرة عيون الموحدين) ص187.

([33])     الأسماء والصفات) لابن تيمية (1/73).

([34])     الرد على الجهمية) لأبي سعيد الدارمي (ص81).

([35])     الأسماء والصفات) لابن تيمية (ص91).

([36])     (معارج القبول) لحافظ حكمي (1/235).

([37])     رد الدارمي على بشر المريسي) (ص26).

([38])     طبقات الحنابلة) (1/32).

([39])     عقيدة أهل السنة والجماعة) (ص 14-15).

([40])     رد الدارمي على بشر المريسي، ص 82.

([41])   مقدمة كتاب السنة 1/15

([42])   المصدر السابق1/65-66

([43])    العرش وما رُوِي فيه، أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي، (ص: 6).

([44])   انظر مقدمة الكتاب بتحقيقه 1/6-7.

([45])   اجتماع الجيوش 143.

([46])    انظر:طبقات الحنابلة: 2/197، وقد قال ابن الأثير في ( الكامل في التاريخ ) عنه: (وفي شهر رمضان منها توفي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي. ومولده سنة ثمانين وثلاثمائة. وعنه انتشر مذهب أحمد رضي الله عنه. وكان إليه قضاء الحريم ببغداد بدار الخلافة. وهو مصنف كتاب الصفات أتى فيه بكل عجيبة. وترتيب أبوابه يدل على التجسيم المحض. تعالى الله عن ذلك .. )  انظر: دفع شبه التشبيه، لابن الجوزي ص10.

([47])     ذكر ابن تيمية الفتنة التي حصلت بسبب الكتاب، فقال: (وصنف القاضي أبو يعلى كتابه في (إبطال التأويل) رد فيه على ابن فورك شيخ القشيري وكان الخليفة وغيره مائلين إليه؛ فلما صار للقشيرية دولة بسبب السلاجقة جرت تلك الفتنة وأكثر الحق فيها كان مع الفرائية مع نوع من الباطل، وكان مع القشيرية فيها نوع من الحق مع كثير من الباطل)( مجموع الفتاوى (6/ 54))

والباطل الذي يقصده ابن تيمية ليس التجسيم، وإنما اتهامه لأبي يعلى بالتفويض أي أنه لم يكن صريحا بالقدر الكافي في موقفه من التجسيم.. فهو – عنده – من الذين (سمعوا الأحاديث والآثار، وعظموا مذهب السلف، وشاركوا المتكلمين الجهمية في بعض أصولهم الباقية، ولم يكن لهم من الخبرة بالقرآن والحديث والآثار ما لأئمة السنة والحديث، لا من جهة المعرفة والتمييز بين صحيحها وضعيفها، ولا من جهة الفهم لمعانيها، وقد ظنوا صحة بعض الأصول العقلية للنفاة الجهمية، ورأوا ما بينهما من التعارض) (درء تعارض العقل والنقل 7/34)

([48])    إبطال التأويلات، ص4.

([49])     إبطال التأويلات: 1/133.

([50])    إبطال التأويلات: 1/146.

([51])    إبطال التأويلات:  1/202.

([52])    الرد على الجهمية للدارمي (ص: 213).

([53])    السنة، أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد من ص 180  -ص120.

([54])   السنة 1/265

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *