مقدمة

مقدمة

من أخطر أنواع القلوب التي حدثنا القرآن الكريم عنها (القلب المريض)، وهو قلب يستقبل الحقائق كسائر القلوب، لكنه لا يستقبلها كما هي في الواقع، بل يمزجها بأهوائه وأمراضه ونفسه، فلذلك يعبر عنها إذا ما أتيح له ذلك بلغة مريضة سقيمة ممتلئة بالكدورة.

وقد ذكر القرآن الكريم وجود هذا الصنف من القلوب في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبين مواقفهم المختلفة من الحقائق والمعجزات الباهرات التي كانوا يرونها رأي العين.. لكنهم لسقمهم لا يبصرونها، لأن عيونهم الممتلئة بالعمش، وأنوفهم المزكومة تحول بينهم وبين إدراك الحقائق كما هي، كما قال المتنبي:

ومَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ      يَجدْ مُرّاً بهِ المَاءَ الزُّلالا

ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره القرآن الكريم من موقف أصحاب هذه القلوب من تنزل السور القرآنية الممتلئة بالمعاني السامية، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)﴾ [التوبة: 124، 125]

فالسورة المنزلة واحدة.. ولكنها تختلف في استقبالها بحسب جهاز الاستقبال، فأما المؤمنون الطاهرون أصحاب القلوب السامية النقية فتزيدهم تلك السورة إيمانا، وتعرج بهم في آفاق الروح، ليصحبوا الملأ الأعلى.. بينما تنزل بأصحاب القلوب المريضة إلى الدركات السفلى، وتزيدهم رجسا إلى رجسهم.

وهي في ذلك مثل المطر النازل من السماء، فإنه إذا نزل على الزهور الطيبة زادها طيبا، وملأ الأجواء من حولها بعبقها الجميل، لكنه إذا ما نزل على المستنقعات ملأ الأجواء من حولها برائحتها الكريهة.

ومثل ذلك ما أخبر به القرآن الكريم عن المواقف المختلفة من عدد الملائكة الموكلين بجهنم، والذي وجد قبولا وطمأنينة من المؤمنين، ووجد شكا وريبة من الكافرين ومن أصحاب القلوب المريضة، قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر: 31]

والقرآن الكريم يرسم لنا صورا كثيرة عن معاناة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع هذه الأنواع من القلوب، ومن ذلك مواقفهم في صد الهجومات التي كان يتعرض لها المسلمون كل حين من طرف أعدائهم، قال تعالى: ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ [المائدة: 52]

قد يكون ما ذكرناه هنا من المتفق عليه بين المسلمين جميعا، لكن المشكلة هي تصورنا أن هذا الصنف من الناس قد زال بمجرد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فبعد وفاته مباشرة ـ كما ينص أصحاب السنة المذهبية ـ تحول الناس بجميع أصنافهم إلى مؤمنين طيبين ممتلئين بالعدالة.. ولذلك يمكننا أن نأخذ الدين والقرآن والهدي الإلهي من أي كان من دون أن نعرضه على الحقائق السامية الناصعة التي جاء الدين للدعوة إليها عملا واعتقادا.

ومن هذه الثغرة الأمنية الخطيرة تسلل أصحاب القلوب المريضة ليشوهوا المعاني السامية للدين، فيحولوا سماحته عنفا، وسلامه حربا، وصفاءه كدورة، وسعيه لتحقيق كل القيم النبيلة إلى سعي لحربها والتنفير منها، وقد أعانهم على ذلك انقطاع الوحي الذي كان يكشف خططهم، ويحذر من مؤامراتهم.

وقد أشار القرآن الكريم إلى الدور الذي يقوم به أمثال هؤلاء في تحريف الدين انطلاقا من مصادره المقدسة، فقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)﴾ [الحج: 52 – 55]

فهذه الآيات الكريمة ـ والتي طال معناها التحريف هي الأخرى ـ تبين أن الشياطين يستعينون بأصحاب القلوب المريضة لتحريف الوحي الإلهي عن مقاصده السامية، لكن الذين أوتوا العلم يقفون بالمرصاد في وجه هذه القلوب، والتحريفات التي جاءت بها.

انطلاقا من هذه المعاني نحاول ـ ببعض الجرأة ـ في هذا الكتاب أن نكشف بعض المؤامرات التي حيكت للانحراف بالصورة المقدسة الجميلة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتي أمرنا بأن نقتدي بها ونجعلها مثلنا الأعلى.

فقد تسلل إلى تراثنا وخاصة كتب الحديث ما يجعل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شخصا مختلفا تماما عن الشخص الذي صوره القرآن الكريم، وصورته السنة النبوية الصحيحة.

ولذلك نحن لا ننكر بعض ما ورد في السنة كما يدعي المرجفون، وإنما نقارن ما ورد في السنة بما ورد في القرآن الكريم.. فإن وافقته، فبها، وإلا ضربنا بها عرض الجدار.

بل إننا لا نكتفي بعرضها على القرآن الكريم فقط، بل نعرضها على السنن النبوية الأخرى.. والتي هي أكثر صحة، ومحل اتفاق من الأمة جميعا.

وما نفعله في هذه المجال هو نفس ما يفعله الفقهاء عند تعارض النصوص، فيرجحون ما دلت عليه الأدلة القطعية على ما دلت عليه الأدلة الظنية، حتى لو كان الدليل الذي يردونه حديثا في البخاري أو في مسلم أو في غيرهما من مصادر السنة.

وقد ضرب جمال الدين القاسمي ـ في تبريره لانتقاده الشديد لحديث سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ الأمثلة على ذلك من فعل السلف الذين يعتمدهم أصحاب السنة المذهبية، فنقل عن الإمام الغزالي قوله في (المستصفى): (ما من أحد من الصحابة إلا وقد ردّ خبر الواحد. كردّ عليّ خبر أبي سنان الأشجعي في قصة (بروع بنت واشق) وقد ظهر منه أنه كان يحلف على الحديث. وكردّ عائشة خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه. وظهر من عمر نهيه لأبي موسى وأبي هريرة عن الحديث)([1])

ونقل عن ابن تيمية في (المسوّدة) قوله: (الصواب أن من ردّ الخبر الصحيح كما كانت الصحابة ترده، لاعتقاده غلط الناقل أو كذبه، لاعتقاد الرادّ أن الدليل قد دل على أن الرسول لا يقول هذا، فإن هذا لا يكفر ولا يفسق، وإن لم يكن اعتقاده مطابقا، فقد ردّ غير واحد من الصحابة غير واحد من الأخبار التي هي صحيحة عند أهل الحديث)([2])

ونقل عن العلامة الفناري في (فصول البدائع) قوله: (ولا يضلل جاحد الآحاد)

ثم قال تعقيبا على ذلك كله: (والمسألة معروفة في الأصول، وإنما توسعت في نقولها لأني رأيت من متعصبة أهل الرأي من أكبر رد خبر رواه مثل البخاري، وضلل منكره، فعلمت أن هذا من الجهل بفن الأصول، لا بل بأصول مذهبه. كما رأيت عن الفناري. ثم قلت: العهد بأهل الرأي أن لا يقيموا للبخاري وزنا. وقد ردوا المئين من مروياته بالتأويل والنسخ، فمتى صادقوه حتى يضللوا من ردّ خبرا فيه؟)([3])

ومن الأمثلة الواضحة على ذلك موقف الإمام مالك من الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)

والذي يدل بصيغة قطعية على أن لكل من المتبايعين حق إمضاء العقد أو إلغائه ماداما لم يتفرقا بالأبدان.

وقد ورد ما يؤكد هذا من السنن الأخرى، فقد روى البيهقي عن عبد الله بن عمر قال: (بعت من أمير المؤمنين عثمان مالاً بالوادي بمال له بخيبر، فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خشية أن يردني البيع، وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا)

وقد ذهب إلى هذا جماهير العلماء من الصحابة والتابعين.. لكن الإمام مالك خالف ذلك، ورد الحديث حتى نقل عن ابن أبي ذئب –وهو من كبار علماء المدينة – أنه لما ذكر له أن مالكا لم يعمل به، قال: (يستتاب، فإن تاب، وإلا ضربت عنقه)([4])

بل أكد موقفه هذا الإمام أحمد نفسه حيث قال عن ابن أبي ذئب: (هو أورع وأقول بالحق من مالك) ([5])

لكن مع ذلك نجد العلماء جميعا يعتذرون لمالك، ويقفون منه موقفا طيبا، بل يبررون قوله.

والمالكية إلى الآن لا زالوا يأخذون بقوله في المسألة، ولا يأخذون بالحديث الوارد في صحيحي البخاري ومسلم.

بل إن الذهبي ـ مع تشدده مع أي ناقد أوصله الدليل إلى خلاف ما في كتب الحديث ـ يعتذر لمالك، ويرد على الناقدين له، ويقول في رده على الإمام أحمد، وموقفه من ابن أبي ذئب: (لو كان ورعا كما ينبغي، لما قال هذا الكلام القبيح في حق إمام عظيم، فمالك إنما لم يعمل بظاهر الحديث، لأنه رآه منسوخا، وقيل:عمل به، وحمل قوله: حتى يتفرقا، على التلفظ بالإيجاب والقبول، فمالك في هذا الحديث، وفي كل حديث له أجر ولابد، فإن أصاب ازداد أجرا آخر، وإنما يرى السيف على من أخطأ في اجتهاده الحرورية، وبكل حال فكلام الأقران بعضهم في بعض لا يعول على كثير منه، فلا نقصت جلالة مالك بقول ابن أبي ذئب فيه، ولاضعف العلماء ابن أبي ذئب بمقالته هذه، بل هما عالما المدينة في زمانهما) ([6])

وهذا الذي قاله الذهبي طيب جدا، ودليل على روح التسامح مع الخلاف، لكن ليته عمم هذا مع كل منكر لحديث لا يرى انسجامه مع الدين، أو مع القيم النبيلة التي جاء بها.

ولذلك ندعو الحريصين على السنة المطهرة ألا يتشنجوا عندما نرد حديثا في البخاري أو في مسلم أو في غيرهما، لأن أصحابها ـ أولا ـ لم ينزلوها منزلة كتاب الله من حيث العصمة والقبول المطلق، وثانيا ـ نحن لا نرفض بعض ما فيها لذاته، وإنما نرفضه لعدم انسجامه وتوافقه مع نصوص أكثر صحة، وأعلى مرتبة، وأولها القرآن الكريم.

ونحن نستغرب من الذي يعتذر لمالك ويجتهد في نصرته حتى لو كان ذلك على حساب ما اتفق عليه البخاري ومسلم، وفي قضية فرعية جدا، ومع ذلك يتشنج، بل يرمي بالكفرة والزندقة من يرد بعض الأحاديث التي تشوه صورة رسول صلى الله عليه وآله وسلم، وتنسخ تلك الصورة الجميلة التي صوره بها القرآن الكريم، وصورته بها الكثير من الأحاديث النبوية المتفق على صحتها.

ونحب في هذا المحل أيضا أن ننكر نكيرا شديدا على من يتجرأ على كتب الحديث بمدارسها المختلفة.. كصحيحي البخاري ومسلم وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرها من كتب الحديث في المدرسة السنية.. أو كتاب الكافي في الأصول والفروع للكليني، أو تهذيب الأحكام والاستبصار للطوسي، أو من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق.. وغيرها من كتب الحديث في المدرسة الشيعية.. أو مسند الربيع بن حبيب في المدرسة الإباضية.

فكتب الحديث هي المحال التي جمع فيها الحديث بصحيحه وضعيفه وموضوعه، ولذلك من الخطأ الكبير أن نسب مصدرا كاملا للحديث بسبب بعض الأحاديث المردودة فيه.. بل لو لم يصح من كتاب كامل إلا حديث واحد لكان من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نحترم ذلك الكتاب.

لهذا فإني ـ مع ردي بعض الأحاديث الواردة في المصادر الحديثية المختلفة ـ لا أرد الأحاديث مع اعتقادي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالها أو فعلها.. فذلك عين الضلال، بل عين الكفر، فمن يتجرأ على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يبقى له من الإسلام شيء.

ومثل ذلك فإني لا أتهم الصحابي الذي روى الحديث، لأن الحديث لم نسمعه من الصحابة مباشرة، وإنما ورد إلينا عن طريق طويل قد يختلط فيه الحابل بالنابل، والمحق من المبطل.

ومثل ذلك لا أتهم صاحب الكتاب الذي ورد فيه الحديث، لأن أكثر المحدثين كانوا يجمعون الأحاديث، ويتركون المواقف منها ومن فهمها للفقهاء والمفسرين وغيرهم، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه)([7])

ومثل ذلك لا أتهم أي راو من الرواة بأنه هو من وضع الحديث لأن ذلك غيب.. والله أعلم به.

كل الذي أفعله هو أني أقارن الحديث بالصورة التي وردت في القرآن الكريم حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وورد مثلها في الأحاديث الكثيرة، وفوق ذلك تؤيدها الفطرة الصافية والعقل السليم. فإن وجدت الحديث موافقا لها، قلت به، وصدقته حتى لو كان راويه متهما بالضعف.. وكل حديث مخالف لذلك أنكرته ونقدته حتى لو كان الراوي قد وثق من الجميع..

لأني أعتقد أنه من الصعوبة، بل من المحال التوثيق المطلق والتضعيف المطلق لأي راو، فقد قال تعالى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شأن المنافقين: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ [التوبة: 101]، فإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخفى عليه ـ بحسب الآية الكريمة ـ بعض المنافقين، فكيف لا يخفى على ابن معين أو ابن أبي حاتم أو البخاري بعض أصحاب القلوب المريضة الذين تسللوا لكتب الحديث ليجعلوها وسيلة لتشويه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتحريف الدين.

بعد هذا قد يقول قائل: لم الاصطياد في المياه العكرة؟ ولم الحديث في الأمور المتشابهة؟ ولم التصدي لما يثير الفتنة؟

والجواب لكل من يقدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حق قدره بسيط، ذلك أن قطرة واحدة من السم يمكنها أن تحول من الطعام اللذيذ سما قاتلا.. والسكوت على من وضع تلك القطرة بحجة صغر حجمها سكوت على من يسمم الناس ويقتلهم.

وهكذا الأمر بالنسبة للسنة المطهرة.. فقد دست بعض الأحاديث في جوانب مختلفة لتشوه صورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وحديث واحد منها يمكنه أن يحطم تلك الصورة الجميلة ليحولها إلى الجهة المعاكسة تماما.

ونحن في حياتنا، وفي علاقاتنا المختلفة نمارس هذا، فنحن قد نصطدم مع بعض الناس، بل نهجرهم هجرا تاما لشيء فعلوه، أو موقف وقفوه حتى لو كان محدودا جدا وبسيطا جدا، لكننا نلغي به كل حسنات من فعل ذلك الفعل، أو وقف ذلك الموقف.

وهكذا فعل المتسللون من أصحاب القلوب المريضة عندما أرادوا أن يشوهوا صورته صلى الله عليه وآله وسلم، فقد وضعوا بعض الأحاديث في كل مجال من المجالات لينسخوا بها كل الكمالات والجمالات تماما مثلما فعلوا مع القرآن الكريم حين نسخوا بآية السيف كل آيات الرحمة والسماحة والسلام..

ومثلما رددنا على أولئك في كتابنا (القرآن.. والأيدي الآثمة)، نرد على هؤلاء في كتابنا هذا (رسول الله.. والقلوب المريضة)، ونرد عليهم في كتابنا الآخر (المدارس السلفية.. والوثنية المقدسة)


([1])   محاسن التأويل: 9/ 578.

([2])   محاسن التأويل : 9/ 578.

([3])   محاسن التأويل: 9/ 578.

([4])   سير أعلام النبلاء: 1/ 49.

([5])   سير أعلام النبلاء:1/ 49.

([6])   سير أعلام النبلاء: 1/ 49.

([7])   رواه أبو داود.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *