غرائز.. وشهوات

غرائز.. وشهوات

من القضايا الكبرى التي اهتم بها التراث السلفي العقدي والحديثي والتاريخي المتعلق بالتعريف بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام البحث عن عدد نساء كل نبي، وأسمائهن، وأنسابهن، وأولادهن، وفوق ذلك مدى جمالهن، ومدى تعلق النبي بهن.

لأن من ضروريات النبي التي دافع عنها السلفية كثيرا، واتهموا المخالف لها بالبدعة والهرطقة هو كون النبي قويا في شأن النساء.. وربما تكون هذه الناحية هي الوحيدة التي اعتبروا فيها النبي مخالفا للبشر العاديين.. وقد اختلفوا في مدى قوة النبي: هل هي مائة أو مائتين.. أو ألفا أو آلافا.. وربما يكون ذلك بحسب كل نبي، وبحسب ما كان له من النساء والجواري والمحظيات.

وليت التراث السلفي توقف عند هذا.. بل إننا نراه، وإمعانا في إهانة الأنبياء وتدنيسهم يتحدث عن شبقهم الدائم للنساء، وخاصة الجميلات.. فمع كثرة ما لديهم من النساء، إلا أنهم إذا ما رأوا امرأة جميلة استعملوا كل الحيل للحصول عليها.. والحيل الشرعية طبعا، والتي يبررها السلفية بكل صنوف المبررات.

بل إن السلفية أثناء حديثهم عن هذا الشبق الغريزي لهذه الجواهر المقدسة لا يبالون بأن يخالفوا القرآن الكريم في كل ما يورده عن النساء، وعلاقة الأنبياء بهن.. بل إنهم يصورون يوسف عليه السلام رمز العفة والطهارة والنقاء بصورة خطيرة تجعله لا يختلف عن أي فاجر وفاسق ومنحرف.

وقد سرى ما ذكروه عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى تعديته إلى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، فذكروا في شأنه أيضا ما يستحيا من ذكره([1]).

وكل ما ذكروه في هذه الناحية مخالف للقرآن الكريم.. ومخالف لرؤية الفطرة الطاهرة للإنسان الكامل.. ومخالف فوق ذلك لحياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الممتلئة بالعفاف والزهد والانشغال بالله عما سواه.

وحتى نؤكد ما ذكرنا، وحتى لا يصبح ما نسبناه للسلفية مجرد دعوى، فسنذكر هنا ثلاثة نماذج عن أنبياء الله، وعلاقتهم بالنساء في الرؤية السلفية..

والأنبياء الثلاثة هم ـ حسب الترتيب التاريخي: يوسف، وداود، وسليمان.. وقد سبق أن ذكرنا في كتابنا [رسول الله.. والقلوب المريضة] ما ذكروه من هذه الناحية في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

يوسف عليه السلام:

مع أن يوسف عليه السلام يمثل في القرآن الكريم الكثير من القيم الإنسانية الرفيعة، التي تتناول الكثير من جوانب الحياة، والتي أشار إليها إخبار القرآن الكريم عند حديثه عن إعداده إعدادا خاصا، حيث ذكر اجتباءه من بداية حياته وصباه، وتعليمه من تأويل الأحاديث، وإتمام نعمته عليه.. إلا أن أهمها جميعا، أو أصلها جميعا هو تلك الروح الطاهرة الممتلئة بالعفاف، والتي صورها القرآن الكريم أحسن تصوير.

وأول تصوير لها هو ما عبر عنه القرآن الكريم بقوله ـ بعد ذكر حادثة الإغواء التي تعرض لها ـ {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24]، فقد علل الله تعالى تلك القوة التي استطاع أن يواجه بها الإغراء بكل جوانبه بكونه من المخلَصين.

فالمخلَصون هم أولئك الطاهرون الذين تخلصوا من رق أنفسهم وشهواتهم، وصاروا أحرارا بعبوديتهم لله وحده، ولذلك لا يستطيع أي شيء في الدنيا ولا في الآخرة أن يأسرهم، بعد أن فنوا في محبوبهم الأول، واستغرقوا في رحلتهم إليه.

هكذا يفهم العارفون يوسف، وهكذا أيضا يعرفون سر نجاته من ذلك الإغواء.. ولذلك أيضا لا يستغربون من فعله.. وكيف يستغربون، وهم يعلمون أن يوسف عليه السلام مثله مثل سائر أنبياء الله وأولياء الله لا يغيب الله عنهم لحظة واحدة.

وكيف يغيب وهم في تلك المرتبة التي عبر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه)؟

وكيف يعصي الله من يشعر أن الله يراه.. وكيف يعصيه من قلبه في كل لحظة يرى ربه، ويعيش معه؟

بل كيف يعصيه، ومن دونه من الناس ممن لا يصل إلى عشر معشار ما وصل إليه من فضل الله يمكنه أن يتحكم في نفسه في مواضع الإغراء، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكره للسبعة الذين يظلهم الله بظل كرمه الخاص: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله)([2]

هذا هو التفسير القرآني لذلك الموقف العظيم الذي وقفه شاب جميل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى معصية الله.. بعد أن غلقت الأبواب.. وكان هو مجرد عبد من عبيدها لا يملك إلا طاعتها.. وكانت هي فوق ذلك تملك من السلطة ما تقتله أو تعذبه أو تسجنه إن هو رفض طلبها.. ولكنه مع ذلك رفض طلبها، وبكل قوة، بل لم يبد لها أي لون من ألوان القبول..

وبعد أن خلعت كل جلابيب الحياء في مرادوتها له، وحتى يتخلص منها توجه إلى الله تعالى بهذا الدعاء العظيم الذي هو شعار العفة والطهارة: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف: 33]

وإنما قال يوسف عليه السلام ذلك تواضعا لله وعبودية له، لأنه لا يملك من أمره شيئا.. ولذلك ألح على الله في أن يسجن حتى يضمن لنفسه الخلاص منهن..

وفي الآية الكريمة دليل على أن يوسف عليه السلام لم يتعرض لإغواء امرأة واحدة، بل تعرض لإغواء نساء كثيرات، ومع ذلك أصر على موقفه العظيم في مواجهة الفتنة.

وقد شهد له بهذا النبل وهذه الغيرة امرأة العزيز وجميع النسوة التي قمن بإغرائه، كما قال تعالى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)} [يوسف: 51، 52]

ولو أن يوسف عليه السلام أبدى ولو طرفا خفيفا من الإجابة لمطالبهن لما قلن هذا.. ولذكرن كل ما حصل منه.. ولما كان أصلا طلب من العزيز أن يدعوهن ليشهدن على ما حصل بالضبط، كما قال تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف: 50]

هذه هي الرؤية القرآنية، وهي نفس الرؤية التي تبناها القائلون بالعصمة المطلقة للأنبياء عليهم السلام، كما عبر عن لسانهم العلامة الطباطبائي بقوله ـ عند بيان أسرار العصمة التي واجه بها يوسف عليهم السلام تلك الفتنة العظيمة ـ: (فقد كان يوسف رجلاً، ومن غريزة الرجال الميل إلى النساء، وكان شاباً، بالغاً أشدّه، وذاك أوان غليان الشهوة وفوران الشبق، وكان ذا جمال بديع يدهش العقول ويسلب الألباب، والجمال والملاحة يدعوان إلى الهوى.. هذا من جانب، ومن جانب آخر كان مستغرقاً في النعمة وهنيء العيش، محبوراً بمثوى كريم، وذلك من أقوى أسباب التهوّس.. وكانت الملكة فتاة فائقة الجمال كما هو الحال في حرم الملوك والعظماء، وكانت لا محالة متزيّنة لما يأخذ بمجامع كل قلب، وهي عزيزة مصر ـ ومع ذلك ـ عاشقة له والهة تتوق نفسها إليه، وكانت لها سوابق الإكرام والإحسان والإنعام ليوسف، وذلك كلّه ممّا يقطع اللسان ويصمت الإنسان وقد تعرّضت له، ودعته إلى نفسها، والصبر مع التعرّض أصعب، وقد راودته هذه الفتّانة وأتت بما في مقدرتها من الغنج والدلال، وقد ألّـحت عليه فجذبته إلى نفسها حتى قدّت قميصه، والصبر معه أصعب وأشق، وكانت عزيزة لا يرد أمرها ولا يثنى رأيها، وهي رتبة خصّها بها العزيز، وكان في قصر زاهٍ من قصور الملوك ذي المناظر الرائعة التي تبهر العيون وتدعو إلى كل عيش هنيء.. وكانا في خلوة، وقد غلّقت الأبواب وأرخت الستور، وكان لا يأمن من الشر مع الامتناع، وكان في أمن من ظهور الأمر وانتهاك الستر ؛ لأنّها كانت عزيزة، بيدها أسباب الستر والتعمية، ولم تكن هذه المخالطة فائتة لمرة بل كانت مفتاحاً لعيش هنيء طويل، وكان يمكن ليوسف أن يجعل هذه المخالطة والمعاشقة وسيلة يتوسّل بها إلى كثير من آمال الحياة وأمانيها كالملك والعزّة والمال. فهذه أسباب وأُمور هائلة لو توجّهت إلى جبل لهدّته، أو أقبلت على صخرة صمّـاء لأذابتها، ولم يكن هناك ممّا يتوهّم مانعاً إلاّ الخوف من ظهور الأمر، أو مناعة نسب يوسف، أو قبح الخيانة للعزيز، ولكن الكل غير صالح لمنع يوسف عن ارتكاب العمل.أمّا الخوف من ظهور الأمر فقد كان في أَمن منه، ولو كان بدا من ذلك شيء لكان في وسع العزيزة أن تأوّله تأويلاً كما فعلت فيما ظهر من أمر مراودتها، فكادت حتى أرضت نفس العزيز إرضاءً، فلم يؤاخذها بشيء، وقلبت العقوبة على يوسف حتى سجن. وأمّا مناعة النسب فلو كانت مانعة لمنعت إخوة يوسف عمّـا هو أعظم من الزنا وأشد إثماً.. وأمّا قبح الخيانة وحرمتها فهو من القوانين الاجتماعية، وهي إنّما تؤثّر بما تستتبعه من التبعة على تقدير المخالفة ؛ وذلك إنّما يتم فيما إذا كان الإنسان تحت سلطة القوّة المجرية والحكومة العادلة، وأمّا لو أغفلت القوّة المجرية، أو فسقت فأهملت، أو خفي الجرم عن نظرها، أو خرج من سلطانها فلا تأثير حينئذ لشيء من هذه القوانين) ([3])

وبعد أن نفى كل ما يمكن أن يكون حاجزا ليوسف عليه السلام عن الوقوع في هذه الخطيئة، ذكر سر العصمة الحقيقي، فقال: (.. فلم يكن عند يوسف ما يدفع به عن نفسه ويظهر به على هذه الأسباب القوية التي كانت لها عليه، إلاّ أصل التوحيد وهو الإيمان بالله، وإن شئت قلت: المحبة الإلهية التي ملأت وجوده وشغلت قلبه، فلم تترك لغيرها محلاً ولا موضع أصبع)([4])

لكن السلفيين ـ الذين بدعوا القائلين بالعصمة المطلقة ـ لم ينظروا إلى جميع هذه المعاني السامية، وكعادتهم بالتعلق بالمتشابه، وتفسيره على حساب المحكم، ركنوا إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ} [يوسف: 24]، فراحوا يستغلونها أقبح استغلال في تشويه صورة هذا النبي الكريم.

فقد فسروها ـ كما فسروا اليد والساق والرجل بالنسبة لله تعالى ـ فجعلوا همها وهمه واحدا.. أي أنه همّ بالمخالطة، وأنّ همّه بها كان كهمّها به، ولولا أنه رأى برهان ربّه لفعل، وقد صانته عن ارتكاب الجريمة ـ بعد الهمّ بها ـ رؤية البرهان.

مع أنه كان يمكنهم أن يفسروها على مقتضى اللغة وعلى مقتضى عصمة الأنبياء بسهولة ويسر.. ولذلك وجوه كثيرة، وبجميعها نطق العرب.

وأبسطها أن يقدروها (لولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها)، لأن ذلك يدل على عدم تحقّق الهم منه لمّا رأى برهان ربّه.

و(برهان ربه) كما فسره القرآن الكريم هو تلك الحجج اليقينية التي تجلّي الحق ولا تدع ريباً لمرتاب، كما قال تعالى: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [القصص: 32]، وقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [النساء: 174]، وقال: { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111]

وهذا البرهان هنا هو (العلم المكشوف واليقين المشهود الذي يجر النفس الإنسانية إلى طاعة لا تميل معها إلى معصية، وانقياد لا تصاحبه مخالفة.. ذلك أن إحدى أُسس العصمة هو العلم اليقين بنتائج المآثم وعواقب المخالفة علماً لا يغلب، وانكشافاً لا يقهر، وهذا العلم الذي كان يصاحب يوسف هو الذي صدّه عمّـا اقترحت عليه امرأة العزيز)([5])

هذا هو تفسير القائلين بالعصمة المطلقة للهم وللبرهان.. وهو تفسير يتوافق مع القرآن الكريم كما يتوافق مع اللغة العربية.. لكن سلف السلفية لم يلتفتوا إلى هذه المعاني القرآنية واللغوية.. فراحوا يفسرون الآية بالروايات، لأن الروايات والقصص هي الوحيدة التي يسمح عقلهم الخرافي بمرورها.. فالعقل الخرافي لا يفسر الأشياء إلا بالأساطير والقصص والحكايات.

ولهذا نجد مفسرا كبيرا كالطبري عند تفسيره للآية الكريمة ينقل الروايات الكثيرة التي نقلت بعد ذلك إلى كتب التاريخ وقصص الأنبياء.. ومنها نقلت إلى كتب العقائد لتنحرف بالصورة القرآنية ليوسف عليه السلام إلى الصورة اليهودية.

ومن تلك الروايات ما وراه عن السدي أنه قال: قالت له: يا يوسف، ما أحسن شعرك! ال: هو أوَّل ما ينتثر من جسدي. قالت: يا يوسف، ما أحسن وجهك! قال: هو للتراب يأكله. فلم تزل حتى أطمعته، فهمَّت به وهم بها، فدخلا البيت، وغلَّقت الأبواب، وذهب ليحلّ سراويله، فإذا هو بصورة يعقوب قائمًا في البيت، قد عضَّ على إصبعه، يقول: (يا يوسف لا تواقعها)، فإنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق، ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع إلى الأرض لا يستطع أن يدفع عن نفسه. ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يُعمل عليه، ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النَّمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، فربط سراويله، وذهب ليخرج يشتدُّ، فأدركته، فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه فخرقته، حتى أخرجته منه وسقط، وطرحه يوسف واشتدَّ نحو الباب)([6])

وروى عن ابن إسحاق، قال: (أكبَّت عليه – يعني المرأة – تُطمعه مرة وتخيفه أخرى، وتدعوه إلى لذّة من حاجة الرجال في جمالها وحسنها وملكها، وهو شاب مستقبل يجد من شَبق الرجال ما يجد الرجل ; حتى رَقَّ لها مما يرى من كَلَفها به، ولم يتخوَّف منها حتى همَّ بها وهمَّت به، حتى خلوا في بعض بُيوته)([7])

وروى عن ابن عباس، أنه سئل عن همّ يوسف ما بلغ؟ قال: (حَلّ الهِمْيان، وجلس منها مجلس الخاتن) ([8])

وروى عن ابن أبي مليكة، قال: سألت ابن عباس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: (استلقت له، وجلس بين رجليها)([9])

وبعد أن روى أمثال هذا الغثاء عن جميع سلفهم الذين وكلوا لهم تفسير القرآن الكريم واستنباط العقائد منه من أمثال مجاهد وقتادة وعكرمة وغيرهم.. طرح هذا الإشكال الخطير، فقال: (فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف يوسف بمثل هذا، وهو لله نبيّ؟)([10])

ثم أجاب عليه بقوله: (قيل: إن أهل العلم اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم: كان من ابتلي من الأنبياء بخطيئة، فإنما ابتلاه الله بها، ليكون من الله عز وجلّ على وَجَلٍ إذا ذكرها، فيجد في طاعته إشفاقًا منها، ولا يتّكل على سعة عفو الله ورحمته.. وقال آخرون: بل ابتلاهم الله بذلك، ليعرّفهم موضع نعمته عليهم، بصفحه عنهم، وتركه عقوبتَه عليه في الآخرة.. وقال آخرون: بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رَجاء رحمة الله، وترك الإياس من عفوه عنهم إذا تابوا)([11])

وكعادة السلفية في الجمع بين طرحهم لآرائهم، ووصفها بالسنية، ثم ذكر المخالفين لهم بغية التحذير منها، ورميها بالبدعة، فقد قال الطبري بعدما ذكر إجابات أهل العلم من السلفية عن سر تصرفات يوسف عليه السلام: (وأما آخرون ممن خالف أقوال السلف وتأوَّلوا القرآن بآرائهم، فإنهم قالوا في ذلك أقوالا مختلفة. فقال بعضهم: معناه: ولقد همت المرأة بيوسف، وهمَّ بها يوسف أن يضربها أو ينالها بمكروه لهمِّها به مما أرادته من المكروه، لولا أنّ يوسف رأى برهان ربه، وكفَّه ذلك عما همّ به من أذاها لا أنها ارتدعت من قِبَل نفسها. قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ} [يوسف: 24]،قالوا: فالسوء هُو ما كان همَّ به من أذاها، وهو غير الفحشاء.. وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همت به، فتناهى الخبرُ عنها. ثم ابتدئ الخبر عن يوسف، فقيل: (وهم بها يوسف لولا أن رأى برهان ربه)، كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلى أنَّ يوسف لم يهمّ بها، وأن الله إنما أخبر أنَّ يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهمَّ بها، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهمَّ بها، كما قيل: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } [النساء: 83])([12])

ثم رد على هذه الأقوال التنزيهية الجارية على وفق مقتضى اللغة، بل على مقتضى القرآن الكريم، فقال: (قال أبو جعفر: ويفسد هذين القولين: أن العرب لا تقدم جواب لولا قبلها، لا تقول: (لقد قمت لولا زيد)، وهي تريد: (لولا زيد لقد قمت)، هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن، الذين عنهم يؤخذ تأويله) ([13])

ولست أدري من أين له هذا المعنى اللغوي، والذي قال به كبار علماء اللغة، وهم أدرى بها، وأكثر تخصصا منه.

وبعد أن فسر الطبري الهم راح يفسر البرهان، فقال: (أما البرهان الذي رآه يوسف، فترك من أجله مواقعة الخطيئة، فإن أهل العلم مختلفون فيه.. فقال بعضهم: نودي بالنهي عن مواقعة الخطيئة) ([14])

ثم راح يسوق الروايات الدالة على ذلك([15]):

ومنها ما رواه عن ابن عباس، أنه قال: (نودي: يا يوسف، أتزني، فتكون كالطير وَقَع ريشه، فذهب يطير فلا ريش له؟)، وروى عنه: (لم يُعْطِ على النداء، حتى رأى برهان ربه، قال: تمثالَ صورة وجه أبيه عاضًّا على أصبعه، فقال: يا يوسف، تزني، فتكون كالطير ذهب ريشه؟)، وروى عنه: (نودي: يا ابن يعقوب، لا تكن كالطير إذا زنى ذهب ريشه، وبقي لا ريش له! فلم يطع على النداء، ففُزِّع)، وروى عنه: ( نودي: يا ابن يعقوب لا تكونَنّ كالطائر له ريش، فإذا زنى ذهب ريشه ـ أو قعد لا ريش له ـ فلم يُعْطِ على النداء شيئًا، حتى رأى برهان ربه، ففَرِق ففرَّ)

وروى عن قتادة قوله: (نودي يوسف فقيل: أنت مكتوب في الأنبياء، تعمل عمل السفهاء؟)

وروى عن الحسن قوله: (رأى تمثالَ يعقوب عاضًّا على إصبعه يقول: يوسف! يوسف!)

وروى عن القاسم بن أبي بزة قوله: (نودي: يا ابن يعقوب، لا تكونن كالطير له ريش، فإذا زنى قَعَد ليس له ريش. فلم يُعْرِض للنداء وقعد، فرفع رأسه، فرأى وجهَ يعقوب عاضًّا على إصبعه، فقام مرعوبًا استحياء من الله، فذلك قول الله: (لولا أن رأى برهان ربه)، وجهَ يعقوب)

وروى عن سعيد بن جبير: (رأى تمثال وجه يعقوب، فخرجت شهوته من أنامله)، وروى عنه، أنه قال: (رأى صورةً فيها وجه يعقوب عاضًّا على أصابعه، فدفع في صدره، فخرجت شهوته من أنامله. فكلُّ ولد يعقوب وُلِدَ له اثنا عشر رجلا إلا يوسف، فإنه نقص بتلك الشهوة، ولم يولد له غير أحد عشر)

وهكذا أصبح إخوة يوسف ـ بالرؤية السلفية ـ أفضل من أخيهم، وأطهر منه، لأنه هم ولم يهموا، ولهذا أكرموا بالمزيد من الولد على خلافه.

بل إنهم يروون أنه رأي آيات قرآنية، وباللغة العربية، ولست أدري كيف رآها، وهل أنزلت عليه قبل أن تنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ولكن لأن العقل السلفي يقبل كل شيء، فقد قبل هذه الروايات أيضا.

ومن تلك الروايات: ما وراه الطبري عن محمد بن كعب، أنه قال: (رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت حين همّ، فرأى كتابًا في حائط البيت: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]) ([16])

وروى عن أبي صخر، قال: سمعت القرظي يقول في البرهان الذي رأى يوسف: ثلاث آيات من كتاب الله: (إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ) الآية، [سورة الانفطار: 10]، وقوله: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ) الآية، [سورة يونس: 61]، وقوله: (أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) [سورة الرعد: 33]. قال نافع: سمعت أبا هلال يقول مثل قول القرظي، وزاد آية رابعة: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا) ([17])

وبعد أن أورد الطبري جميع هذه الأقوال وغيرها، قال بورع بارد: (قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن همِّ يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه، لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آيةٌ من الله، زجرته عن ركوب ما همَّ به يوسف من الفاحشة، وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب، وجائز أن تكون صورة الملك، وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا، ولا حجة للعذر قاطعة بأيِّ ذلك كان من أيٍّ. والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى، والإيمان به، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه) ([18])

هذا هو التفسير السلفي الذي حض عليه ابن تيمية، وحض عليه جميع أبناء المدرسة السلفية، وهو الذي لا يزال منذ ألفه مؤلفه بأكثر من ألف سنة مرجعا لطلبة العلم والباحثين ومن يحبون أن يفهموا القرآن الكريم كما فهمه سلفهم الصالح.

وعلى أساس هذا التفسير نجد تلميذا من هذه المدرسة هو أبو الحسن علي بن أحمد السبتي الأموي المعروف بابن خمير (المتوفى: 614هـ) يقول في كتابه الذي ألفه للدفاع عن عصمة الأنبياء، والمسمى [تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء] يقول في الدفاع عن هم يوسف ـ كما فسره الطبري ـ: (ومنهم من قال هم هم الفحولية، وذلك أنه كان عليه السلام فحلا شابا خلت به امرأة ذات جمال وغنج وطالبته تلك المطالبة فاهتز هزة الفحل بهز ضروري غير مكتسب، فسمي ذلك الاهتزاز هما لكونه من أسباب الهم.. ويكون الهم على هذا التفسير ضروريا، ولا طلب في الضروريات، وأقول إنه إن كان هم مكتسبا لهمه ولم يفعل فلا لوم ولا ذنب، بدليل الحديث الذي منه قوله عليه السلام: (ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا) معناه لم يكتب له صغيرة ولا كبيرة، وجاء في حديث آخر: أن تارك الخطيئة من أجل الله تكتب له حسنة، بدليل قوله تعالى للملائكة: اكتبوها له حسنة فإنما تركها من جراي، أي من أجلي، وهذا ينظر إلى قول الله تعالى {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} وإذا كان هذا في حق الرعية فالأنبياء عليهم السلام أولى بهذا الترك لا محالة، كيف وقد أثنى الله تعالى عليه ونزهه.. فهذا مما يدل على أنه تركها من أجل الله وأنه مأجور في تركها، وإذا كان هذا فلا ذنب ولا عتب يلحق يوسف عليه السلام صغيرا ولا كبيرا، بل يكون مأجورا في الترك)([19])

وهذا الذي ذكره الأموي هو نفس ما ذكره ابن تيمية في تبريره لمعاصي الأنبياء، وبيان أن الكمال في المعصية، كما قال – أثناء رده على القائلين بالعصمة المطلقة للأنبياء-: (ونكتة أمرهم أنهم ظنوا وقوع ذلك من الأنبياء والأئمة نقصا، وأن ذلك يجب تنزيههم عنه، وهم مخطئون إما في هذه المقدمة، وإما في هذه المقدمة.. أما المقدمة الأولى فليس من تاب إلى الله تعالى وأناب إليه بحيث صار بعد التوبة أعلى درجة مما كان قبلها منقوصا ولا مغضوضا منه، بل هذا مفضل عظيم مكرم، وبهذا ينحل جميع ما يوردونه من الشبه، وإذا عرف أن أولياء الله يكون الرجل منهم قد أسلم بعد كفره وآمن بعد نفاقه وأطاع بعد معصيته، كما كان أفضل أولياء الله من هذه الأمة – وهم السابقون الأولون – يبين صحة هذا الأصل)([20])

بل نراه يحاول بكل الوسائل أن يقنع أتباعه بدور المعصية في تحقيق الكمال، فيقول: (والإنسان ينتقل من نقص إلى كمال، فلا ينظر إلى نقص البداية، ولكن ينظر إلى كمال النهاية، فلا يعاب الإنسان بكونه كان نطفة ثم صار علقة ثم صار مضغة، إذا كان الله بعد ذلك خلقه في أحسن تقويم.. فمن يجعل التائب الذي اجتباه الله وهداه منقوصا بما كان من الذنب الذي تاب منه، وقد صار بعد التوبة خيرا مما كان قبل التوبة، فهو جاهل بدين الله تعالى وما بعث الله به رسوله، وإذا لم يكن في ذلك نقص مع وجود ما ذكر فجميع ما يذكرونه هو مبني على أن ذلك نقص، وهو نقص إذا لم يتب منه، أو هو نقص عمن ساواه إذا لم يصر بعد التوبة مثله، فأما إذا تاب توبة محت أثره بالكلية وبدلت سيئاته حسنات فلا نقص فيه بالنسبة إلى حاله، وإذا صار بعد التوبة أفضل ممن يساويه أو مثله لم يكن ناقصا عنه)([21])

بل إنه فوق ذلك كله يعتبر تنزيه الأنبياء عن المعاصي غضا من مرتبتهم، وسلبا للدرجة التي أعطاهم الله، يقول في ذلك: (وجوب كون النبي لا يتوب إلى الله فينال محبة الله وفرحه بتوبته وترتفع درجته بذلك ويكون بعد التوبة التي يحبه الله منه خيرا مما كان قبلها فهذا مع ما فيه من التكذيب للكتاب والسنة غض من مناصب الأنبياء وسلبهم هذه الدرجة ومنع إحسان الله إليهم وتفضله عليهم بالرحمة والمغفرة)([22])

داود عليه السلام:

عندما نقرأ داود عليه السلام من خلال القرآن الكريم تبدو لنا صورة جميلة لنبي عظيم ممتلئ بالشكر والعفاف والطهر، فهو منشغل بتسبيحه الجميل لله، والذي تتجاوب معه لرقته وعذوبته وطهره الجبال والطير.. وهو ـ مع الملك الذي آتاه الله، والتسخيرات العظيمة التي سخرت له ـ كان يعمل كسائر الناس بيده في تليين الحديد، ليأكل الحلال الصرف الذي لا شبهة فيه، وليكون مثلا أعلى لأمته التي كلف بقيادتها.

لقد أشار الله تعالى إلى هذه المعاني السامية في شخصية داود عليه السلام، فقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)} [سبأ: 10، 11]، وقال: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)} [الأنبياء: 79، 80]، وقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 15، 16]

بل إن القرآن الكريم يشير إلى أنه جعل داود عليه السلام خليفة.. فهو خليفة بجعل إلهي، لا باختيار بشري.. وهذا يعني أنه تتوفر فيه كل صفات الخليفة النظرية والعملية، ولذلك فإنه لابد أن تتوفر فيه كل القيم النبيلة، لأن الخلافة الإلهية تقتضي ذلك، فالجور والظلم والانحراف.. كل ذلك يحول بين الخليفة وأداء وظيفته التي كلف بها.

قال تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26]

وكان الأصل في المدرسة السلفية أن تحاكم كل ما ورد عن داود عليه السلام من روايات في ضوء هذه الآيات المحكمات الواضحات.. لكنها لم تفعل إذ أنها راحت تبحث عن ثغرة من المتشابه يمكنها أن تشوه بها كل تلك المعاني السامية التي أراد القرآن الكريم من خلال عرضها على هذه الأمة أن يكون فيها أمثال داود من الممتلئين بالعدالة والشكر والنبل والعفاف.

وقد وجدت تلك الثغرة في قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)} [ص: 21 – 25]

ومع أن الآيات الواضحة في دلالتها من خلال ظاهر ألفاظها، وهي تنسجم تماما مع تلك الشفافية الروحية التي وصفه الله بها.. خاصة وأن الله تعالى قدم لذلك بقوله: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)} [ص: 17 – 19]

وهي آيات كريمة تشير إلى تلك الشفافية، وتشير معها إلى ذلك التحليق الروحي الجميل الذي تجاوبت له الكائنات من حوله، والذي لم يمنعه من أداء وظيفته المرتبطة بالرعية والخلافة عليها.

ولذلك بمجرد أن تسور الرجلان عليه المحراب، وأخبره أولهما بالظلم الذي لحق به، سارع فانتصر له، مثلما فعل قبل ذلك أخوه موسى عليه السلام حين سارع لنصرة المستضعف.. وهنا عاتبه الله لأنه لم يستمع للثاني من الخصمين..

ولكونه أوابا وصاحب روحانية عالية، فقد تأثر لذلك العتاب تأثرا شديدا، وهوى ساجدا لله بكل رقة وعبودية وخضوع.

هذه هي الدلالة الظاهرة للقصة كما وردت في القرآن الكريم، وهذا هو تفسير القائلين بالعصمة المطلقة لها.. وهو تفسير يتوافق مع القرآن الكريم كما يتوافق مع اللغة العربية.. لكن سلف السلفية لم يلتفتوا إلى هذه المعاني القرآنية واللغوية.. فراحوا يفسرون الآيات الكريمة بالروايات والقصص.. فالعقل الخرافي لا يفسر الأشياء إلا بالأساطير والقصص والحكايات.

ومثلما فعلنا عند حديثنا عن يوسف عليه السلام من الاقتصار على نموذج من النماذج المعتبرة لدى السلفية، وهو تفسير الطبري، باعتباره أهم تفسير مسند يحكي آراء السلف.. وباعتبار ثناء السلفية عليه، وخاصة ابن تيمية الذي اعتبر صحته وسنيته وسلفيته.. وباعتبار عدم استطاعتنا الإحاطة بكل ما ذكرته كتب السلفية في هذه الناحية.

وقد قدم الطبري للروايات التي أوردها في هذا بخلاصة رأيه فيها ورأي السلف، فقال: (القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ}، وهذا مثل ضربه الخصم المتسوّرون على داود محرابه له، وذلك أن داود كانت له فيما قيل: تسع وتسعون امرأة، وكانت للرجل الذي أغزاه حتى قُتل امرأة واحدة; فلما قتل نكح فيما ذكر داود امرأته، فقال له أحدهما: (إِنَّ هَذَا أَخِي) يقول: أخي على ديني)([23])

ومن العجب أن الذين ينكرون القول بالمجاز والكناية وغيرها في حق الله تعالى حتى لو أدى ذلك للتجسيم، نراهم هنا يفسرون [النعجة] بالمرأة من باب الكناية، يقول الطبري: (وإنما كنى بالنعجة ها هنا عن المرأة، والعرب تفعل ذلك، ومنه قول الأعشى:

قَدْ كُنْتُ رَائِدَهَا وَشاةِ مُحَاذِرٍ… حَذرًا يُقِلُّ بعَيْنِهِ إغْفَالَهَا

يعني بالشاة: امرأة رجل يحذر الناس عليها، وإنما يعني: لقد ظلمت بسؤال امرأتك الواحدة إلى التسع والتسعين من نسائه)([24])

وهذا يرينا المكاييل المزدوجة التي يمارسها السلفية، حيث يرفضون الاستدلال بالشعر ونحوه لبيان الكناية والاستعارة ونحوها، كما عرفنا ذلك في ردهم لاستدلال المنزهة بقول الشاعر:

قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق

لكنهم عندما يحلو لهم.. أو يكون الشعر في مصلحتهم يستدلون به.. وكيف لا يستدلون به، وهم السنة والسلف الذين أحل لهم ما حرم على غيرهم.

وبعد أن مهد الطبري بكل هذه التمهيدات، فأصبح نص الآية بالفهم السلفي يدل على أن النعجة ليست سوى امرأة، وأصبح لداود عليه السلام تسعة وتسعين نعجة.. عفوا امرأة.. بموجب ذلك.. وفوق ذلك لم تكفه تلك النساء جميعا، فراح يضم امرأة أخرى لرجل آخر لا يملك غيرها.

بعد أن مهد لهذا، أخذ يذكر الروايات عن السلف من أهل العلم المعتبرين التي تفسر ذلك، وقد بدأها بما رواه عن ابن عباس أنه قال: (إن داود قال: يا رب قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لوددت أنك أعطيتني مثله، قال الله: إني ابتُليتهم بما لم أبتلك به، فإن شئت ابتُليتك بمثل ما ابتُليتهم به، وأعطيتك كما أعطيتهم، قال: نعم، قال له: فاعمل حتى أرى بلاءك; فكان ما شاء الله أن يكون، وطال ذلك عليه، فكاد أن ينساه; فبينا هو في محرابه، إذ وقعت عليه حمامة من ذهب فأراد أن يأخذها، فطار إلى كوّة المحراب، فذهب ليأخذها، فطارت، فاطلع من الكوّة، فرأى امرأة تغتسل، فنزل نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من المحراب، فأرسل إليها فجاءته، فسألها عن زوجها وعن شأنها، فأخبرته أن زوجها غائب، فكتب إلى أمير تلك السَّرية أن يُؤَمِّره على السرايا ليهلك زوجها، ففعل، فكان يُصاب أصحابه وينجو، وربما نُصروا، وإن الله عزّ وجلّ لما رأى الذي وقع فيه داود، أراد أن يستنقذه; فبينما داود ذات يوم في محرابه، إذ تسوّر عليه الخصمان من قبل وجهه; فلما رآهما وهو يقرأ فزع وسكت، وقال: لقد استضعفت في ملكي حتى إن الناس يستوّرون عليّ محرابي، قالا له: (لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) ولم يكن لنا بد من أن نأتيك، فاسمع منا; قال أحدهما: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) أنثى (وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا) يريد أن يتمم بها مئة، ويتركني ليس لي شيء (وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) قال: إن دعوت ودعا كان أكثر، وإن بطشت وبطش كان أشد مني، فذلك قوله (وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) قال له داود: أنت كنت أحوج إلى نعجتك منه (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ).. إلى قوله (وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) ونسي نفسه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فنظر الملكان أحدهما إلى الآخر حين قال ذلك، فتبسم أحدهما إلى الآخر، فرآه داود وظن أنما فتن (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) أربعين ليلة، حتى نبتت الخُضرة من دموع عينيه، ثم شدّد الله له ملكه)([25])

بل رفعوا الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد رووا عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:(إن داود النبي صلى الله عليه وسلم حين نظر إلى المرأة فأهم، قطع على بني إسرائيل، فأوصى صاحب البعث، فقال: إذا حضر العدو، فقرب فلانا بين يدي التابوت، وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به، ومن قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو يهزم عنه الجيش، فقتل زوج المرأة ونزل الملكان على داود يقصان عليه قصته، ففطن داود فسجد، فمكث أربعين ليلة ساجدا حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه) ([26])

وقد قام الأموي السلفي الذي ألف كتابا حول [تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء] ببيان التبريرات السلفية لهذه الاتهامات العظيمة الموجهة لنبي الله داود عليه السلام.. وقد كان يمكنه بدل كل ذلك التكلف أن يرميها عرض الجدار، ولكن الخوف من الرد على السلف جعلته يتكلف تكلفا ممقوتا.

وسنسوق هنا ما قاله لنرى بأعيننا كيف يوجه السلفية الأمة أخلاقيا من خلال قصص الأنبياء.

وقد بدأ الأموي تنزيهه لداود عليه السلام بقوله: (اعلموا أحسن الله إرشادنا وإياكم أن كل من تكلم في هذه القصة بما صح في حق داوود عليه السلام، وبما لم يصح إنما بنوه على أس هذه الخمس كلمات التي هي {أَكْفِلْنِيهَا} {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} و { لَقَدْ ظَلَمَكَ } و{لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} { وَقَلِيلٌ مَا هُمْ } وهي بحمد الله تخرج له على مذهب أهل الحق بأجمل ما ينبغي له وأكمله والله المستعان)([27])

ثم بدأ بالتبريرات المرتبطة بكل واحدة من تلك الكلمات:

أما الأولى، وهي {أَكْفِلْنِيهَا}، فقد بررها بقوله: (فهذا بمعنى أنزل لي عنها بطلاق وأتزوجها بعدك، وهذا من القول المأذون في فعله وتركه ومباح أن يقول الرجل لأخيه أو صديقه: انزل لي عن زوجك، بإضمار إن شئت، وهذا بمثابة من يقول لصاحبه أو أخيه: بع مني أمتك إن شئت، وهذا قول مباح، ليس بمحظور في الشرع، ولا مكروه، ومن ادعى حظره أو كراهته في الشرع فعليه الدليل، ولا دليل له عليه، كيف وقد جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما واخى بين سعد بن الربيع وبين عبد الرحمن بن عوف قال له الأنصاري: لي كذا وكذا من المال أشاطرك فيه، ولي زوجان أنزل لك عن إحداهما، فقال له عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، أرني طريق السوق، ووجه الاستدلال بهذا الحديث قوله بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنزل لك عن إحداهما فأقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا القول، ولم ينكره عليه، وهو لا يقر على منكر، وهو المعلم الأكبر صلى الله عليه وآله وسلم فلم يبق إلا الإباحة، لكن تركها بمعنى الأولى والأحرى في كمال منصب النبوة كان أولى وأتم)([28])

وهكذا استطاع الأموي أن يستخرج من القصة هذه السنة، وهي أن يذهب أي رجل من الناس لأخيه أو صديقه، ويطلب منه أن يتنازل له عن زوجته، ليتزوجها.. لأنه لا حرج في ذلك.. والرواية السلفية تدل عليه.

أما الثانية، وهي {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ}، فقد بررها بقوله: (أي غلبني، فنزلت له عنها، فهو غلب الحشمة، لا غلب القهر، لعظم منزلة السائل في قلب المسؤول، ولا غلب الحس بالقهر المنهي عنه، فإنه ظلم منهي عنه شرعا تتحاشى عنه الأنبياء عليهم السلام كما تقدم، فإن قيل: كان داوود عليه السلام خليفة وصاحب سيف، والمطلوب منه رعية، ومن شأن الرعية هيبة الملوك والمبادرة لقضاء حوائجهم لكونهم قاهرين لهم فيقضون حوائجهم باللين خوفا من العنف والإكراه، وفي سؤال داوود عليه السلام حمل على المسؤول من هذا الباب، قلنا: صحيح ما اعترضت به إلا أن هذا الحمل على المسؤول لا يتصور إلا فيمن عهد منه الظلم والغصب من الأمراء، وأما من عهدناه العدل والإحسان كخلفاء الصحابة والتابعين لهم بإحسان فلا يتصور ذلك في حقهم إذا منعوا المباحات، وإذا لم يتصور ذلك في حقهم مع عدم العصمة فما ظنك بالمعصومين المنزهين عن الخطايا تنزيه الوجوب كما تقدم، فبطل اعتراض هذه القولة في حق داوود عليه السلام في هذا الباب)([29])

وهكذا استطاع الأموي، وبهذه التبريرات الغريبة التي لا يقبلها إلا عقل سلفي أن يدافع عن عدالة رجل يملك تسعة وتسعين امرأة، ومع ذلك راح يطلب من صديقه وأخيه امرأته الوحيدة ليضمها إلى ما عنده من نساء، ثم يطلب من ذلك الرجل أن يصفي قلبه له باعتباره نبيا، بل يطلب منه فوق ذلك أن يصفه بالعدل، ويتنازل له باللين بدل العنف.. لأنه لا يستقيم معه العنف.

أما الثالثة، وهي { لَقَدْ ظَلَمَكَ }، فقد احتال لها لأموي بذكره ـ أولا ـ لاعتراض بشأنها نص عليه بقوله: (كيف يكون داوود عليه السلام من خلف الله في أرضه ويقطع على الظلم بقول الواحد قبل أن يسمع قول الآخر؟)([30])

ثم أجاب على هذا الاعتراض بقوله: (فالجواب عن هذا يتصور من وجهين: أحدهما أنه سمع من الآخر حجة لا تخلصه، فقال للأول { لَقَدْ ظَلَمَكَ}، أو صدقه الآخر في قوله فقال للأول { لَقَدْ ظَلَمَكَ}، والثاني أن يقول { لَقَدْ ظَلَمَكَ}بإضمار إن كان حقا ما تقول، وهذا سائغ، وأما أن يقول له { لَقَدْ ظَلَمَكَ} من غير أن يسمع حجة الآخر فهذا لا نسوغه في حق عاقل منصف فكيف في حق من آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب.. ألا ترى موقف يعقوب عليه السلام لما جاءه بنوه عشيا يبكون وهم جماعة فقالوا ما قالوا فقال: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا } [يوسف: 18] ولم يقبل أقوالهم ولا دموعهم بغير دليل، فكيف يقبل داوود عليه السلام قول الخصم من غير حجة حتى يقول له { لَقَدْ ظَلَمَكَ} هذا لا يصح في حقه، وأما قوله للخصم { لَقَدْ ظَلَمَكَ}، فعنى به بخسك وغبنك في قول كان غيره من المباحات أولى بك منه، وحد الظلم في اللسان وضع الشيء في غير موضعه، وقد قدمنا أن قول قائل لغيره أكفلني زوجك ليس بظلم منهي عنه شرعا، فلم يبق إلا ما ذكرناه في حقه)([31])

أما الرابعة، وهي {لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، فقد احتال لها لأموي بقوله: (.. فيخرج البغي مخرج الظلم حرفا بحرف فإنه إذا ساغ في اللسان والمعتاد أن يسمى مالك الكثير إذا طلب من المقل قليله ظالما، فلا غرو أن يسمى باغيا، ولو أن رجلا كان له عبدان مطيعان له مستقيمان غاية ما يمكنهما من وجوه الاستقامة، فأحسن إلى أحدهما وأعطاه ووسع عليه ورفه معيشته، ولم يحسن للآخر بعين ما ألزمه الله مما يتعين للعبيد على السادة، لسمى العقلاء هذا السيد ظالما باغيا من حيث إنه أحسن لأحدهما ولم يحسن مع الآخر مع تساويهما في الطاعة والنصيحة، والسيد مع هذا التخصيص بالإحسان لأحدهما لم يأت في الشرع بمحظور ولا بمكروه، بل كل ما فعل معهما مباح له فهذا وجه من وجوه التخلص من هذه الأقوال، وأنها مباحة لقائلها وفاعل ما وقع منها من غير أن يلحقه ذم من الشرع ولا ثلب)([32])

وهكذا استطاع الأموي أن يستخرج من القصة هذه الفائدة العملية البديعة، وهي تشريع الجور ما دام الجائر يتصرف في ملكه..

أما الخامسة والأخير، فهي {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}، وقد احتال لها بقوله: (فمقصوده الأكابر الأفراد من المحسنين المؤثرين فإنهم يحسنون في المباحات كإحسانهم في المشروعات فيتعاونون في العشرة ويتناصفون في الخلطة كما قال تعالى { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [الحشر: 9]، ثم قال: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}، فإنهم الكبريت الأحمر)([33])

وهكذا استطاع الأموي أن يبرهن من خلال قصة داود عليه السلام على أن من الإيثار تنازل الرجل لأخيه وصديقه عن زوجته إذا ما أعجبته.. وأن مثل ذلك في الناس كمثل الكبريت الأحمر في أهميته وندرته.

هذا مجرد مثال عن العقل السلفي، وكيف يخرب كل الأخلاق والقيم والإنسانية وكل شيء من أجل أن يحافظ على تلك الأسانيد التي يقوم عليها بنيان دينه الهش.

سليمان عليه السلام:

يقترن اسم سليمان عليه السلام مع اسم أبيه داود في القرآن الكريم كثيرا، ليبين القيم العظيمة التي تحكم تلك الأسرة الطيبة الممتلئة بالروحانية، والتي استحقت أن يفتح لها الكثير من الخزائن التي وصدت على غيرها.

وما فتح لها ذلك إلا بعبوديتها وخضوعها لله.. الخضوع الذي يتجلى في كل المواقف، والتي قص علينا القرآن الكريم بعضها، فقال: { حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (النمل:18 ـ 19)

وهنا يظهر سليمان عليه السلام الذي سخر الله له من كل شيء، متواضعا أمام هذه النملة، وفي نفس الوقت لا ينشغل بها، ولا بحديثها، بل يتوجه مباشرة إلى ربه الذي لا يغيب عنه لحظة واحدة.

والقرآن الكريم يصوره كذلك بصورة الحريص على ما كلف به من مهام، فهو حريص على رعاية رعيته، وتحقيق مطالبها.. بالإضافة إلى حرصه على الدعوة إلى الله.

بالإضافة إلى ذلك كله وصفه الله كما وصف والده بكونه أوابا، بل أثنى عليه بكونه (نِعْمَ الْعَبْدُ)، قال تعالى:{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} (النمل:16)، وقال عنه:{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (صّ:30)، وقال عنه:{ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} (النمل:36)

وهكذا نرى صورة سليمان عليه السلام في القرآن الكريم، وليس فيها ـ كما في قصة أبيه ـ أي امرأة واحدة.. لكن السلفية تأبى أن تترك سليمان من دون نساء، ومن دون اللهث وراءهن.. ومن دون أن يضيفوا إلى ما ذكره القرآن ما يدعم به ملكه من الأبهة والسلطان والذهب ونحوها.

فقد ذكروا في تفسير قوله تعالى {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } [النساء: 54] أنّه كان لسليمان عليه السلام ألف امرأة، ثلاثمائة مهرية وسبعمائة سرية.. لأن من أهم مظاهر الملك عندهم هو تملك أكبر عدد من النساء، وقد فعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد رووا عنه أنه قال: (ألف امرأة عند رجل، ومائة امرأة عند رجل أكثر أو تسع نسوة؟)([34])

ولم يكتفوا بذلك، بل راحوا إلى آية متشابهة كان يمكنهم أن يفهموها وفق الأوصاف التي ذكرها القرآن الكريم، أو كان يمكنهم أن يفوضوا علمها لله تعالى.. لكنهم لم يفعلوا.. ولذلك نسخت تلك الآية الكريمة بفهمها السلفي كل شخصية سليمان عليه السلام، وحولته من العبد الأواب الخاشع الخاضع المتواضع إلى زير نساء.. لا هم له إلا النساء حتى لو كان على حساب القيم النبيلة التي ما استخلفه الله إلا لتوفرها فيه.

والآية الكريمة التي أساءوا فهمها هي قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34]، فقد راح عقلهم السلفي المغرم بالقصص والحكايات والأساطير يبحث عن سر تلك الفتنة.. وما هو الكرسي.. وما هو الجسد.

وبما أنهم لم يجدوا جواب ذلك عند السابقين من المهاجرين والأنصار، فإنهم راحوا يبحثون عن جوابها عند كعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهم من تلاميذ اليهودية.

وكان في إمكانهم أن يمروها كما جاءت، كما يذكرون في الصفات.. ويجعلون حكايتها تفسيرها، وتفسيرها حكايتها.. لكنهم لم يفعلوا، لأن عقولهم الصغيرة مغرمة بالحكايات والأساطير.

وكان في إمكانهم أن يفسروها بما فسرها به بعضهم من أنه كان لسليمان عليه السلام ولد شاب ذكي، وكان يحبّه حبّاً شديداً، فأماته الله على بساطه فجأة بلا مرض، اختباراً من الله تعالى له، وابتلاءً لصبره في إماتة ولده، وألقى جسمه على كرسيّه([35]).

لكنهم لم يفعلوا أيضا.. لأن هذه القصة ليس فيها أي جوانب إثارة.. بالإضافة إلى أنه ليس فيها أي امرأة واحدة.. وهم لا يحبون القصص التي لا تحوي على النساء من الحرائر والجواري.

ولذلك لجأوا إلى اليهود، ليلبوا لهم رغبتهم.. وقد وجدوا عندهم ذلك.. حيث حكى لهم وهب بن منبه هذه القصة الطويلة التي سنحكيها كما رويت ببعض التصرف من باب الاختصار، لنقارن من خلالها مدى التشويه الذي شوهت به المدرسة السلفية الصورة القرآنية التي صور بها سليمان عليه السلام.

قال وهب بن منبه: (سمع سليمان بمدينة في جزيرة من جزائر البحر، يقال لها صيدون، بها ملك عظيم السلطان لم يكن للناس اليه سبيل، لمكانه في البحر، وكان الله قد آتى سليمان في ملكه سلطانا لا يمتنع منه شيء في بر ولا بحر، إنما يركب إليه إذا ركب على الريح، فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء، حتى نزل بها بجنوده من الجن والإنس، فقتل ملكها واستفاء ما فيها، وأصاب فيما أصاب ابنة لذلك الملك لم ير مثلها حسنا وجمالا، فاصطفاها لنفسه، ودعاها إلى الإسلام فأسلمت على جفاء منها وقلة ثقة، وأحبها حبا لم يحبه شيئا من نسائه، ووقعت نفسه عليها، فكانت على منزلتها عنده لا يذهب حزنها، ولا يرقأ دمعها، فقال لها، لما رأى ما بها وهو يشق عليه من ذلك ما يرى: ويحك، ما هذا الحزن الذي لا يذهب، والدمع الذي لا يرقأ! قالت: إن أبي أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه، فيحزنني ذلك، قال: فقد ابد لك الله به ملكا هو أعظم من ملكه، وسلطانا هو أعظم من سلطانه، وهداك للإسلام وهو خير من ذلك كله، قالت: إن ذلك لكذلك، ولكني إذا ذكرته أصابني ما قد ترى من الحزن، فلو أنك أمرت الشياطين، فصوروا صورة أبي في داري التي أنا فيها، أراها بكرة وعشيا لرجوت أن يذهب ذلك حزني، وأن يسلي عني بعض ما أجد في نفسي، فأمر سليمان الشياطين، فقال: مثلوا لها صوره أبيها في دارها حتى ما تنكر منه شيئا، فمثلوه لها حتى نظرت إلى أبيها في نفسه، إلا أنه لا روح فيه، فعمدت إليه حين صنعوه لها فأزرته وقمصته وعممته وردته بمثل ثيابه التي كان يلبس، مثل ما كان يكون فيه من هيئة، ثم كانت إذا خرج سليمان من دارها تغدو عليه في ولائدها حتى تسجد له ويسجدن له، كما كانت تصنع به في ملكه، وتروح كل عشية بمثل ذلك، لا يعلم سليمان بشيء من ذلك أربعين صباحا.. )

هذا هو الجزء الأول من القصة، وهو يظهر سليمان عليه السلام بصورة المتسلط الظالم الجبار، الذي يتسلط على غيره من الملوك، ثم يأسر بناتهم.. ثم يطلب منهن أن يتعاملن معه بلطف مع أنه هو الذي قتل والدهن.. وكل هذا يقبله العقل السلفي بسهولة.. لأنه لا قيم ثابتة عنده.. فالولي عنده ولي لكون الله تولاه فقط، أما الأخلاق فشأن آخر..

وكما أن السلفية يظهرون الصحابة أعظم وأحكم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد اجتهدوا أيضا أن يجعلوا من صاحب سليمان عليه السلام أعلم وأحكم، وقد ذكر ذلك وهب، وهو يحكي قصة الجسد الملقى على الكرسي، فقال: (وبلغ ذلك آصف بن برخيا- وكان صديقا، وكان لا يرد عن أبواب سليمان أي ساعة أراد دخول شيء من بيوته دخل، حاضرا كان سليمان أو غائبا- فأتاه فقال: يا نبي الله، كبرت سني، ودق عظمي، ونفد عمري، وقد حان منى ذهاب! وقد أحببت أن أقوم مقاما قبل الموت أذكر فيه من مضى من أنبياء الله، وأثني عليهم بعلمي فيهم، وأعلم الناس بعض ما كانوا يجهلون من كثير من أمورهم، فقال: افعل، فجمع له سليمان الناس، فقام فيهم خطيبا، فذكر من مضى من أنبياء الله، فأثنى على كل نبي بما فيه، وذكر ما فضله الله به، حتى انتهى الى سليمان وذكره، فقال: ما كان احملك في صغرك، وأورعك في صغرك، وأفضلك في صغرك، وأحكم أمرك في صغرك، وأبعدك من كل ما يكره في صغرك! ثم انصرف فوجد سليمان في نفسه حتى ملأه غضبا، فلما دخل سليمان داره أرسل إليه، فقال: يا آصف، ذكرت من مضى من أنبياء الله فأثنيت عليهم خيرا في كل زمانهم، وعلى كل حال من أمرهم، فلما ذكرتني جعلت تثني علي بخير في صغري، وسكت عما سوى ذلك من أمري في كبري، فما الذي أحدثت في آخر أمري؟ قال: إن غير الله ليعبد في دارك منذ أربعين صباحا في هوى امرأة، فقال: في دارى! فقال: في دارك، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! لقد عرفت أنك ما قلت إلا عن شيء بلغك، ثم رجع سليمان إلى داره فكسر ذلك الصنم، وعاقب تلك المرأة وولائدها، ثم أمر بثياب الطهرة فأتي بها، وهي ثياب لا يغزلها إلا الأبكار، ولا ينسجها الا الأبكار، ولا يغسلها إلا الأبكار، ولا تمسها امرأة قد رأت الدم، فلبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده، فأمر برماد ففرش له، ثم أقبل تائبا إلى الله حتى جلس على ذلك الرماد، فتمعك فيه بثيابه تذللا لله جل وعز وتضرعا إليه.. فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى، يبكي إلى الله ويتضرع إليه ويستغفره، ثم رجع إلى داره- وكانت أم ولد له يقال لها: الأمينة، كان إذا دخل مذهبه، أو أراد إصابة امرأة من نسائه وضع خاتمه عندها حتى يتطهر، وكان لا يمس خاتمه إلا وهو طاهر، وكان ملكه في خاتمه، فوضعه يوما من تلك الأيام عندها كما كان يضعه ثم دخل مذهبه، وأتاها الشيطان صاحب البحر- وكان اسمه صخرا- في صورة سليمان لا تنكر منه شيئا، فقال: خاتمي يا أمينة! فناولته إياه، فجعله في يده، ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان، وعكفت عليه الطير والجن والإنس، وخرج سليمان فأتى الأمينة، وقد غيرت حالته وهيئته عند كل من رآه، فقال: يا أمينة، خاتمي! فقالت: ومن أنت؟ قال: أنا سليمان بن داود، فقالت: كذبت، لست بسليمان بن داود، وقد جاء سليمان فأخذ خاتمه، وهو ذاك جالس على سريره في ملكه فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته، فخرج فجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل، فيقول: أنا سليمان بن داود، فيحثون عليه التراب ويسبونه، ويقولون: انظروا إلى هذا المجنون، أي شيء يقول! يزعم أنه سليمان بن داود، فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر، فكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر إلى السوق، فيعطونه كل يوم سمكتين، فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة وشوى الأخرى، فأكلها، فمكث بذلك أربعين صباحا، عدة ما عبد ذلك الوثن في داره، فأنكر آصف بن برخيا وعظماء بني إسرائيل حكم عدو الله الشيطان في تلك الأربعين صباحا، فقال آصف: يا معشر بني إسرائيل، هل رأيتم من اختلاف حكم ابن داود ما رأيت! قالوا: نعم، قال: أمهلوني حتى أدخل على نسائه فأسألهن: هل أنكرن منه في خاصة أمره ما أنكرنا في عامة أمر الناس وعلانيته؟ فدخل على نسائه فقال: ويحكن! هل أنكرتن من أمر ابن داود ما أنكرنا؟ فقلن: اشده ما يدع امرأة منا في دمها، ولا يغتسل من جنابة، فقال: إنا لله وإنا اليه راجعون! ان هذا لهو البلاء المبين، ثم خرج إلى بني إسرائيل، فقال ما في الخاصة أعظم مما في العامة، فلما مضى أربعون صباحا طار الشيطان عن مجلسه، ثم مر بالبحر، فقذف الخاتم فيه، فبلعته سمكة، وبصر بعض الصيادين فأخذها وقد عمل له سليمان صدر يومه ذلك، حتى إذا كان العشي أعطاه سمكتيه، فأعطى السمكة التي أخذت الخاتم، ثم خرج سليمان بسمكتيه فيبيع التي ليس في بطنها الخاتم بالأرغفة، ثم عمد إلى السمكة الأخرى فبقرها ليشويها فاستقبله خاتمه في جوفها، فأخذه فجعله في يده ووقع ساجدا لله، وعكف عليه الطير والجن، وأقبل عليه الناس وعرف أن الذي دخل عليه لما كان أحدث في داره، فرجع إلى ملكه، وأظهر التوبة من ذنبه، وأمر الشياطين فقال: ائتوني به، فطلبته له الشياطين حتى أخذوه، فأتى به، فجاب له صخرة، فأدخله فيها، ثم سد عليه بأخرى، ثم أوثقها بالحديد والرصاص، ثم أمر به فقذف في البحر)([36])

هذه هي الرواية كما رواها وهب بن منبه، وهناك رواية قريبة منها رواها السدي، جاء فيها: (كان لسليمان مائة امرأة، وكانت امرأة منهن يقال لها جرادة، وهي آثر نسائه عنده، وآمنهن عنده، وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نزع خاتمه، ولا يأتمن عليه أحدا من الناس غيرها، فجاءته يوما من الأيام فقالت له: إن أخي بينه وبين فلان خصومة، وأنا أحب أن تقضي له إذا جاءك، فقال: نعم، ولم يفعل، فابتلي فأعطاها خاتمه، ودخل المحرج فخرج الشيطان في صورته، فقال: هاتي الخاتم، فأعطته، فجاء حتى جلس على مجلس سليمان، وخرج سليمان بعد فسألها أن تعطيه خاتمه، فقالت: ألم تأخذه قبل؟ قال: لا، وخرج من مكانه تائها، قال: ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما.. )([37])

إلى آخر القصة التي رواها السلفية، وفسروا بها الآيات الكريمة..

وقد انبرى الأموي في كتابه [تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء] ليزيل الشبه المرتبطة بها، وسنذكر بتصرف ما قال لنرى الدروس التي يستلهمها السلفية من تلك الروايات الإسرائيلية.

وأول تنزيه بدأ به هو (قصة التمثال الذي صنع لها، وما قيل أنه حكم لأخيها)، وقد خرجها الأمري وجهين، فقال: (يتصور فيها الجواز من وجهين: أحدهما أن يكون صنع التمثال مباحا له كما كان مباحا لعيسى عليه السلام قال تعالى: { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي } [المائدة: 110]، فصح من هذه الآية أن عيسى عليه السلام كان يصور التماثيل بإذن الله، وكذلك سليمان عليه السلام إذا صح أنه لم يحرم عليه فعله في شرعه والأظهر فيه أنه لم يحرم بدليل قوله تعالى: { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ } [سبأ: 13] والتماثيل قد تكون على صور الأناسي.. وأما إن عبدت هي صنما من غير أن يشعر به سليمان عليه السلام فلا بأس عليه في ذلك، فإن الأنبياء عليهم السلام عنوا بالظواهر، وأمر البواطن إلى الله تعالى.. وأما قولهم إنها طلبت منه أن يحكم لأخيها على خصمه فقال لها: نعم، فيجوز له أن يقولها وهو يضمر في نفسه إذا كان الحق له، لا عليه، ثم طيب نفسها بنعم لكون النساء تطيب أنفسهن بمثل هذه المشتبهات لضعف عقولهن وجهلهن بالحقائق، ولا يجوز في حقه سوى هذا بدليل أنه لو أضمر في نفسه أن يحكم له والحكم عليه لوقع في كبيرة محرمة وهي أن ينوي أن يحكم بالجور وحاشاه من ذلك وهو لا يجوز عليه ذلك كما تقدم)([38])

هذه هي الشبهة الأولى التي استطاع عقله السلفي أن يتخلص منها بكل سهولة، بل استطاع أن يستخرج من خلالها سنية الاحتيال على عقول النساء، ولو بالكذب مع الإضمار في الباطن طبعا على عدم تنفيذ ما يعدهن به.

أما الشبهة الثانية، وهي (كون الشيطان يخلفه على كرسيه، ويحكم بالباطل)، فقد أجاب عليها بقوله: (ليس على نبي الله عليه السلام لو صح في ذلك دقيق ولا جليل من الإثم، وهذا بمثابة عيسى عليه السلام حين عبد من دون الله)([39])

هذا هو الوجه الأول الذي فسرت به فتنة سليمان عليه السلام، وهو وإن لقي قبولا من البعض إلا أنه لقي رفضا من آخرين..

والوجه الثاني الذي لجأ إليه من أنكر الوجه الأول لا يقل نكارة عن الوجه الأول، ومع ذلك فقد أقام أعلام السلفية الدنيا على من أنكره، لأن راوي الوجه الثاني ليس الطبري فقط، وإنما راويه هما البخاري ومسلم وهما ـ عند السلفية ـ أكثر حرمة من القرآن الكريم نفسه، بالإضافة إلى أن الراوي المباشر له عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أبو هريرة، ولا أحد من السلفية يقبل أي نقد لأبي هريرة، فهو مثلهم الأعلى، وسلفهم الأول، حتى لو قال فيه رؤساؤهم من المحدثين ما قالوا.

والنص الذي يوردونه للدلالة على الفتنة التي وقعت لسليمان عليه السلام هو ما رووه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (قال سليمان بن داود: لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة ـ أو تسع وتسعين ـ كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله. فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله. فلم يقل: إن شاء الله. فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون)([40])

وهم يستدلون بهذا الحديث في مواضع كثيرة أهمها تلك القوة الغرائزية العظيمة التي لا يمكن تصورها، والتي وهبها الله ـ في تصورهم ـ للأنبياء.. ربما هدية لهم على الجهود التي يقومون بها في الدعوة إلى الله.

ولذلك نراهم يذكرون للأنبياء النساء الكثيرات كما في هذا الحديث، وإن كان الخلاف قد وقع في عدد نسوته بالضبط، لأن أبا هريرة أو رواة الحديث لم يضبطوا عددهن جيدا، فمرة يذكرون أنهن مائة، وتارة أنهن تسعون، وتارة أنهن سبعون، وتارة أنهن ستون.

وهم معذورون في ذلك، فلم يكن في ذلك الحين تسجيل لعقود الزواج، وليس هناك مكاتب للأحوال المدنية، ومع ذلك فقد حاول أعلام السلفية أن يجدوا حلا لتلك الأعداد المتناقضة المتضاربة.

بل إن أكبر هيئة دينية في السعودية وهي اللجنة الدائمة للفتوى تولت التحقيق في ذلك، وقد نصوا على نتائج التحقيق، فقالوا ـ ردا على من رمى الحديث بالاضطراب ـ: (الحديث المضطرب: هو الذي روي من طرق مختلفة متساوية في القوة، ولم يمكنه الجمع بينهما، أما إن كان بعضها أقوى أو أمكن الجمع فلا اضطراب، وعلى هذا فلا يعتبر الاختلاف في عدد النساء في الحديث المسؤول عنه اضطرابا يرد به الحديث لأمرين: رجحان الرواية التي ذكر فيها أن عددهن تسعون، فقد قال البخاري في صحيحه: قال شعيب وأبو الزناد: تسعين، وهو أصح. إمكان الجمع بين هذه الروايات، وقد ذهب إلى ذلك ابن حجر رحمه الله في كتابته على هذا الحديث في الباب الذي ذكرته في السؤال، قال رحمه الله: (فمحصل الروايات ستون وسبعون وتسعون وتسع وتسعون ومائة، والجمع بينها أن الستين كن حرائر، وما زاد عليهن كن سراري أو بالعكس، وأما السبعون فللمبالغة، وأما التسعون والمائة فكن دون المائة وفوق التسعين، فمن قال: تسعون، ألغى الكسر، ومن قال: مائة، جبره، ومن ثم وقع التردد في رواية جعفر)([41]))([42])

وهكذا استطاع العقل السلفي أن يحل مشكلة العدد بكل سهولة.. لكن المسألة الأخرى التي عرضت لهم، والتي وردهم السؤال بشأنها أخطر، وصاحبها ربما يكون قد استعمل عقله، فقد قال لهم سائلا: (.. ولا ريب في صحة هذا الحديث باعتبار الرواة والإسناد، ولكن مفهوم الحديث خلاف للعقل والشعور صريحا، ومفهومه يعلن ويجهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما قال هكذا كما نقل الراوي، بل ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أباطيل وخرافات اليهود مثالا، وفهم الراوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله بيانا واقعيا؛ لأن كل إنسان إن حاسب في نفسه فوضح عليه أن فرض عدد الأزواج ستون 60، إن باشرهن سليمان عليه السلام في ساعة 6 أزواج باشرهن كل الليل بغير توقف متواليا عشر ساعة، فهل هذا ممكن عقلا؟)([43])

لكن اللجنة الدائمة للفتوى بما لديها من عقول سلفية جبارة استطاعت أن تحل هذه المشكلة أيضا، وبكل سهولة، فقد قالوا جوابا للسائل: (دعوى مخالفة هذا الحديث للعقل الصريح دعوى باطلة؛ لبنائها على قياس الناس بعضهم على بعض في الصحة، وقوة البدن، والقدرة على الجماع، وسرعة الإنزال وبطئه، وهو قياس فاسد لشهادة الواقع بتفاوتهم فيما ذكر وفي غيره وخاصة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالنسبة لغيرهم، فقد أوتوا من قوة البدن والقدرة على الجماع مع كمال العفة وضبط النفس، وكبح جماح الشهوة ما لم يؤت غيرهم، فكانت العفة وصيانة الفرج عن قضاء الوطر في الحرام مع القدرة على الجماع وقوة دواعيه معجزة لهم عليهم الصلاة والسلام، وكان من السهل على أحدهم أن يطأ عشر نسوة في ساعة ومائة امرأة في عشر ساعات أو أقل، لتحقق الاختصاص بالقوة، وإمكان الإنزال في خمس دقائق أو أقل منها)([44])

ولأن العقل السلفي لا يحن لشيء كما يحن لكثرة النقول، وخاصة من الأئمة الحفاظ البارعين، فقد نقلوا له ما يكبح جماح عقله عن التفكير، فذكروا له من أقوال أعلام السلف والخلف ما يدل على إجماعهم على القوة الجبارة التي وهبت للنبي في هذا الجانب..

ومن تلك النقول ما نقلوه عن العيني أنه قال: (وفيه ما كان الله تعالى خص به الأنبياء من صحة البنية وكمال الرجولية، مع ما كانوا فيه من المجاهدات في العبادة. والعادة ـ في مثل هذا لغيرهم ـ الضعف عن الجماع. لكن خرق الله تعالى لهم العادة في أبدانهم،كما خرقها لهم في معجزاتهم وأحوالهم، فحصل لسليمان عليه الصلاة والسلام من الإطاقة أن يطأ في ليلة مائة… وليس في الأخبار ما يحفظ فيه صريحاً غير هذا إلا ما ثبت عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه أعطي قوة ثلاثين رجلاً في الجماع ([45])… وكان إذا صلى الغداة دخل على نسائه فطاف عليهن بغسل واحد ثم يبيت عند التي هي ليلتها([46])، وذلك لأنه كان قادراً على توفية حقوق الأزواج وليس يقدر على ذلك غيره مع قلة الأكل)([47])

أما ما ورد في الحديث من ذلك الجزم من سليمان عليه السلام، من غير إرجاع الأمر لله، مع تذكير الملاك أو غيره له، والذي قد يوهم بأن هبة الولد ليست لله، وإنما هي نتيجة الطواف ـ كما ورد في الحديث ـ فقد استطاعوا حلها أيضا، وبكل سهولة.

فقد نقلوا عن سلفهم الطبري قوله: (إن النسيان على وجهين: أحدهما: على وجه التضييع من العبد والتفريط.. والآخر: على وجه عجز الناسي عن حفظ ما استحفظ ووكل به، وضعف عقله عن احتماله.. فأما الذي يكون من العبد على وجه التضييع منه والتفريط، فهو تركٌ منه لما أمر بفعله. فذلك الذي يرغب العبد إلى الله في تركه مؤاخذته به، وهو النسيان الذي عاقب الله به آدم صلوات الله عليه فأخرجه من الجنة)([48])

ونقلوا عن العيني قوله: (قوله (فلم يقل إن شاء الله): فلم يقل سليمان إن شاء الله بلسانه، لا أنه غفل عن التفويض إلى الله تعالى بقلبه، فإنه لا يليق بمنصب النبوة. وإنما هذا كما اتفق لنبينا لما سئل عن الروح والخضر وذي القرنين فوعدهم أن يأتي بالجواب غداً جازماً بما عنده من معرفة الله تعالى، وصدق وعده، في تصديقه وإظهار كلمته، لكنه ذهل عن النطق بها لا عن التفويض بقلبه، فاتفق أن يتأخر الوحي عنه ورمي بما رمي به لأجل ذلك)([49])

ونقلوا عن ابن الجوزي قوله في بيان فضل الاستثناء: (وهذه الكلمة لما أهمل ذكرها سليمان في قوله ( لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة غلاماً) لم يحصل له مقصوده. وإذا أطلقت على لسان رجل من يأجوج ومأجوج فقال (غداً يحفر السد إن شاء الله) نفعتهم فقدر على الحفر، فإذا فات مقصود نبي بتركها وحصل مراد كافر بقولها، فليُعرف قدرها، وكيف لا وهي تتضمن إظهار عجز البشرية وتسليم الأمر إلى قدرة الربوبية)([50])

ولو أن هؤلاء جميعا تخلوا عن كبريائهم، وراحوا يبحثون في القرآن الكريم عن كيفية طلب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام للولد، وهل كان ذلك بالطريقة التي وردت في هذا الحديث، أم أنهم كانوا متواضعين جدا أمام ربهم سبحانه وتعالى، يعلمون أن الولد وغير الولد هبة من الله لا يمكن لأحد أن يزعم أنه من دون الله يمكن أن ينال هذه الهبة العظيمة.

لو رجعوا إلى القرآن الكريم لوجدوا إبراهيم عليه السلام، وبعد تلك المعاناة الشديدة التي واجهه بها قومه، وبعد بلوغه من الكبر عتيا، يتوجه إلى الله بحياء عظيم يطلب منه أن يرزقه من الصالحين.. ولم يحدد لا عددا ولا نوعا.. يكفي فقط أن يكون من الصالحين، كما قال تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)} [الصافات: 99 – 101]

وهكذا لو رجعوا إلى القرآن الكريم لوجدوا زكريا عليه السلام يقف نفس موقف جده إبراهيم عليه السلام، يطلب من الله الولد بتواضع وحياء عظيم، قال تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 38، 39]

بل إن القرآن الكريم يشير إلى احترام أنبياء الله لسنن الله في الولد كاحترامهم لغيرهم من السنن، ولذلك لما بشرت الملائكة زكريا عليه السلام أجابهم: { رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ } [آل عمران: 40]

وهكذا لو رجعوا إلى القرآن الكريم لوجدوا سليمان عليه السلام العبد الشكور، وهو يلجأ إلى الله كل حين، لا يغفل عنه أبدا.. فكيف يغفل عنه، وهو يطلب ـ وفي ليلة واحدة ـ أن يرزق مائة ولد كلهم يعيش إلى أن يجاهد في سبيل الله.

إن هذا التألي على الله يستحيل على عوام الناس من المسلمين، فكيف يقع من عبد شكور أواب ممتلئ بالطاعة لله والعبودية لله.

هذه هي صورة الأنبياء عند السلفية، وهي صورة لا تختلف عن صور الملوك والمتكبرين والمتجبرين الذين يباهون بكثرة النساء والجواري، ولعله لأجل هذا لا نستغرب أن يجمع الإمام السلفي الكبير، الطبري، في اسم تاريخه بين الرسل والملوك، حيث سماه [تاريخ الرسل والملوك]، فالرسل بحسب تصوراتهم ليسوا سوى ملوك.. ولهذا هم يحبون الملوك، ويجلونهم، ويقدرونهم، ويحرمون نقدهم، أو الحديث عنهم، لأنهم لا يختلفون عن الرسل إلا في ناحية واحدة ـ بحسب الرؤية السلفية ـ هي ذلك الوحي الذي ينزل من السماء عليهم.

بل إن السلفية في تصوراتهم لله تعالى ـ كما رأينا ذلك في كتاب [السلفية.. والوثنية المقدسة]، يجعلون الله ملكا كبيرا، أو امبراطورا عظيما، لا يختلف ـ بحسب الروايات التي يوردونها ـ عن أي ملك أو امبراطور إلا في كونه في السماء، وهم على الأرض..


([1]) ذكرنا الأدلة على ذلك في كتاب [رسول الله.. والقلوب المريضة]

([2]) البخاري 2/ 143، ومسلم 2/ 715 – 716.

([3]) الميزان: 11/137 ـ 139.

([4]) الميزان: 11/137 ـ 139.

([5]) مفاهيم القرآن: 4 / 385 ـ 392..

([6]) تفسير الطبري (16/ 33)، ورواه في تاريخه 1: 173.

([7]) تفسير الطبري (16/ 34).

([8]) تفسير الطبري (16/ 35).

([9]) تفسير الطبري (16/ 35).

([10]) تفسير الطبري (16/ 37).

([11]) تفسير الطبري (16/ 38).

([12]) تفسير الطبري (16/ 38).

([13]) تفسير الطبري (16/ 39).

([14]) تفسير الطبري (16/ 39).

([15]) انظر هذه الروايات في تفسير الطبري (16/ 39)، وما بعدها.

([16]) تفسير الطبري (16/ 48).

([17]) تفسير الطبري (16/ 48).

([18]) تفسير الطبري (16/ 48).

([19]) تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء (ص: 47).

([20]) منهاج السنة النبوية (2/ 430)

([21]) منهاج السنة النبوية (2/ 434)

([22]) منهاج السنة النبوية (2/ 397)

([23]) تفسير الطبري (21/ 177).

([24]) تفسير الطبري (21/ 179).

([25]) تفسير الطبري (21/ 181).

([26]) تفسير الطبري (21/ 187).

([27]) تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء (ص: 31).

([28]) تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء (ص: 32).

([29]) تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء (ص: 33)

([30]) تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء (ص: 34)

([31]) تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء (ص: 35)

([32]) تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء (ص: 36)

([33]) تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء (ص: 36)

([34]) الكشف والبيان عن تفسير القرآن (3/ 329).

([35]) تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى: 99.

([36]) تاريخ الطبري (1/ 499)

([37]) تاريخ الطبري (1/ 500)

([38]) تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء (ص: 40).

([39]) تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء (ص: 40).

([40]) صحيح البخاري (3424)، صحيح مسلم (1654)، سنن النسائي (3831)، مسند أحمد بن حنبل (2/506)

([41]) فتح الباري (6 / 460.

([42]) فتاوى اللجنة الدائمة (4/ 295).

([43]) فتاوى اللجنة الدائمة (4/ 294).

([44]) فتاوى اللجنة الدائمة (4/ 296).

([45]) رواه عبد الرزاق في مصنفه: ( 7 / 507 ) رقم ( 14052 )، وابن خزيمة في صحيحه: ( 1 / 426) رقم ( 233 )..

([46]) صحيح ابن خزيمة: ( 5 / 423 ) رقم ( 1225 )

([47]) عمدة القاري: ( 21 / 244 ـ 245 ).

([48]) جامع البيان: ( 6 / 133 )..

([49]) عمدة القاري: ( 21 / 242 ـ 243 )..

([50]) كشف المشكل من حديث الصحيحين: ( 1 / 332 ).

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *