عندما نتخلص من قيود المذاهب

سأقص عليكم قصة تتعلق بي، أعلم أنها لن تنال رضا الكثير منكم، ولكني مضطر إلى حكايتها، باعتبارها تجربة نجحت بالنسبة لي، وقد تنجح معكم، ولو أن فيها ما ترونه اجتماعا للأضداد..
وقصتي التي لا تحوي أي عقدة في ذاتها، ولكنها قد تسبب ألف عقدة لمن قرأها من المقيدين بقيود المذاهب، هي أنني في يوم من الأيام آنست من قلبي وحشة وغفلة.. فقررت أن أجري دورة لروحي لتتطهر من أدران السموم التي علقت بها.
وكانت هذه الدورة تشمل سماع بعض السور القرآنية المرتلة والمجودة.. وكان منها سماع بعض الأدعية بالأصوات الرقيقة العذبة.. وكان منها سماع بعض الدروس والمواعظ.. وكان منها سماع بعض القصائد والأناشيد الروحية.
وقد اخترت من القراءات المجودة قراءة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد التي تعجبني كثيرا.. لكنها لم ترو ظمئي، فأضفت إليها بعض ترتيلات الشيخ عامر الكاظمي بالمقام العراقي الحزين.. والتي تملأ القلب بروحانية عجيبة.
وبعد أن تزودت من القرآن الكريم حنت نفسي لسماع بعض الدروس والمواعظ.. فبدأت بسماع بعض دروس الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي المتعلقة بشرحه للحكم العطائية.. وبعدها استمعت لبعض دروس الشيخ تقي مصباح اليزدي حول التقوى.. وأتبعتها ببعض بصائر الشيخ محمد تقي المدرسي وتدبراته السامية الراقية للقرآن الكريم.
في وقت الراحة رحت أستمع للشيخ محمود الدرة والإخوة أبو شعر في بعض الحضرات الصوفية الممتلئة بالذكر الممتزج بالسماع الروحي، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا في الحضرة معهم أردد ما يرددون، ولعلي أجد ما يجدون.. بعدها استمعت للشيخ حسين الأكرف إنشاده للقصيدة الرائعة [أنا مفتون في هواك].. وختمت ذلك بأوبيرات رائعة لبعض إخواننا البحرينيين بعنوان [إحرام الشهادة]
بعد أن شعرت بقرب كبير من الملأ الأعلى طمعت نفسي في أن أرفع يدي بالدعاء لله في ذلك الحين.. وكان أقرب الأدعية إلى قلبي مناجيات السجاد، فرحت أستمع لها بصوت ميثم التمار.. واستمعت معها لبعض ابتهالات الشيخ الكبير سيد النقشبندي.
وبعد أن تمتع سمعي بما تمتع رحت أمتع بصري بمشاهدة حصة علمية إيمانية من حصص [العلم والإيمان] للعالم العارف الكبير الدكتور مصطفى محمود، وبعدها حلقة جميلة من حلقات [أهل الكهف] للمخرج الكبير المبدع المرحوم فرج الله سلحشور.
لست أدري كيف شعرت بعد هذه الخلطة الرائعة بصفاء روحي كبير.. وتخلصت من الكثير من السموم التي كانت تجثم على قلبي..
لست أدري هل كان سبب ذلك هو أنني استفدت من الجميع من غير نظر لرؤاهم ومذاهبهم وتوجهاتهم؟.. أم أن ذلك بسبب تلك المعاني العظيمة التي تحدث بها الجميع مع أن مذاهبهم وتوجهاتهم ورؤاهم مختلفة؟.. أم أن الله الكريم الجواد وهبني بفضله تلك الرقة لصفاء قلبي وسلامتي عليهم جميعا، ففضل الله لا يؤتى إلا للقلوب التي لا تحمل حقدا ولا حسدا ولا بغضا ولا كبرا؟
هذه قصتي.. ويمكنكم أن تجربوها.. لعلنا نخرج من القواقع التي سجنا أنفسنا فيها لننفتح على أنفسنا أولا.. ثم ننفتح على العالم.. ثم ننفتح على الكون جميعا.. فبقدر سعة أوعيتنا يتنزل علينا فضل ربنا.