عرض رسول الله.. والمبتدعة الجدد

عرض رسول الله.. والمبتدعة الجدد

ما كنت أظن أن هذه الأمة التي تسمي نفسها دون الأمم بالأمة المرحومة تتجرأ في يوم من الأيام على استخدام عرض رسولها صلى الله عليه وآله وسلم وسيلة للحرب وتنفيس الأحقاد وإثارة الفتن.

فعرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مدار التاريخ فوق الشبهات، وفوق أن يتحدث عنه أحد، وفوق أن يذكر في المجالس، بل فوق أن يخطر على بال المنافقين والفاسقين والحاقدين.. ولهذا لم نجد الشهرستاني ولا البغدادي ولا ابن حزم ولا كل من تكلم في الفرق يشير إلى هذا، ولا يومئ إليه، لأن الأمة جميعا كما اتفقت على عصمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلماتفقت على عصمة عرضه، لأن عرض المرء شرفه وكرامته، ومن تعرض لعرض امرئ فقد أهانه أبشع إهانة وسبه أبلغ سبة.

لكن المبتدعة الجدد بعد أن استعملوا كل وسائلهم الحاقدة أغراهم الشيطان أن يرفعوا على رؤوس الرماح ما يسمونه الدفاع عن عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وليت الأمر اقتصر على المجالس المحدودة، والكلمات المهموسة.. بل تعداه إلى وسائل الإعلام التي تنشر سمومها وأريجها في جميع أنحاء العالم.. واختلف المسلمون لأول مرة في التاريخ.. وأمام سمع العالم وبصره حول عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وهل كان مبرأ، أو كان مخدوشا؟

والمبتدعة الجدد صنفان من الناس، نعوذ بالله من شرهما وحقدهما ونارهما في الدنيا والآخرة:

الفريق الأول:

أما الفريق الأول: فيمثله دعاة التشيع البريطاني والأمريكي، والذين اتخذوا من لندن وواشنطن ملاذا لنشر الفتنة في الأمة، فهؤلاء راحوا عبر قنواتهم الفضائية التي تديريها مخابرات الاستكبار العالمي ينشرون أمثال هذه التراهات ليملأوا أرض المسلمين بالفتن، ويحققوا من وراء ذلك صراعا داخليا يمكنهم بعد ذلك من تقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، من غير أن يصرفوا دينارا ولا درهما.

وهؤلاء المبتدعة يكذبون أعظم كذبة حين يزعمون لأنفسهم التشيع لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهم أبعد الناس عنه وعن بيته صلى الله عليه وآله وسلم.. فبيته بيت الطهارة والنبل والسماحة، ولا يشايعه إلا الطاهرون النبلاء المتسامحون.. ولو أن هؤلاء قرأوا سير أهل البيت، وكيف كانوا يتعاملون مع خصومهم لطأطأوا رؤوسهم خجلا، ولاستحوا أن ينتسبوا لهم، أو يشوهوهم بانتسابهم إليهم.

فالتشيع لآل بيت النبوة ليس دعوى، وإنما هو أخلاق نبيلة طاهرة.. وقد روي عن الباقر قوله مخاطبا بعض أدعياء التشيع: (إنّما شيعة عليّ الشاحبون الناحلون الذابلون، ذابلة شفاههم، خميصة بطونهم، متغيّرة ألوانهم، مصفرّة وجوههم، إذا جنّهم الليل اتّخذوا الأرض فراشاً، واستقبلوا الأرض بجباههم، كثيرٌ سجودهم، كثيرةٌ دموعهم، كثيرٌ دعاؤهم، كثيرٌ بكاؤهم، يفرح الناس وهم محزونون)([1])

بل قسم الصادق أصناف الشيعة، فقال: (الشيعة ثلاث: محبٌّ وادٌّ فهو منّا، ومتزيّنٌ بنا ونحن زين لمَن تزيّن بنا، ومستأكلٌ بنا الناس ومَن استأكل بنا افتقر)([2])

وهذا القسم الأخير هو الذي يصدق عليه حال هؤلاء.. فهم شيعة تجار، يزرعون بذر الفتنة في الأمة ليحصدوا بها دنيا زائلة.. ولا صلة لهم لا بمحمد ولا بآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

بل ورد في الروايات عن أئمة أهل البيت ما يصور حال هؤلاء، فقد روي أنه قيل للكاظم: مررنا برجل في السوق وهو ينادي: أنا من شيعة محمّد وآل محمّد الخُلّص، وهو ينادي على ثياب يبيعها: مَن يزيد؟.. فقال الكاظم: (ما جهل ولا ضاع امرؤ عرف قدر نفسه، أتدرون ما مَثَل هذا؟.. هذا شخص قال: أنا مثْل سلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمّار، وهو مع ذلك يباخس في بيعه، ويدلّس عيوب المبيع على مشتريه، ويشتري الشيء بثمنٍ فيزايد الغريب يطلبه فيوجب له، ثمّ إذا غاب المشتري قال: لا أُريده إلاّ بكذا بدون ما كان طلبه منه.. أيكون هذا كسلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمّار؟.. حاش لله أن يكون هذا كَهُم، ولكن ما يمنعه من أن يقول: إنّي من محبّي محمّد وآل محمّد، ومَن يوالي أولياءهم ويُعادي أعداءهم؟

ومثل ذلك قول الإمام الرضا لمن ادعوا هذه المرتبة الرفيعة من غير تحقيق ولا أدب، فقد قال لهم: (ويحكم !.. إنّما شيعته الحسن والحسين وأبو ذرّ وسلمان والمقداد وعمّار ومحمد بن أبي بكر، الذين لم يخالفوا شيئاً من أوامره، ولم يركبوا شيئاً من فنون زواجره، فأمّا أنتم إذا قلتم إنّكم شيعته، وأنتم في أكثر أعمالكم له مخالفون مقصّرون في كثير من الفرائض، متهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في الله، وتتّقون حيث لا يجب التقيّة، وتتركون التقيّة حيث لا بدّ من التقيّة، فلو قلتم أنّكم موالوه ومحبّوه، والموالون لأوليائه، والمعادون لأعدائه، لم أُنكره من قولكم، ولكن هذه مرتبة شريفة ادّعيتموها، إن لم تصدّقوا قولكم بفعلكم هلكتم إلاّ أن تتدارككم رحمةٌ من ربّكم)

وغيرها من الروايات الكثيرة الواردة عن جميع أئمة أهل البيت.. فكلهم كانوا يدعون أتباعهم ومشايعيهم إلى ما دعا إليه الصادق حين قال: (معاشر الشيعة !..كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسناً، واحفظوا ألسنتكم وكفّوها عن الفضول، وقُبح القول)([3])

ولو أن هؤلاء الأدعياء رجعوا إلى سيرة إمامهم الذي يزعمون أنهم يشايعونه، ورأوا سيرته مع أم المؤمنين عائشة، واقتدوا به في ذلك، لما فعلوا ما فعلوه من التشهير بها، والإذية لها، ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقد روي في المصادر المعتبرة عند الشيعة أنفسهم أن عليا بعد انتصاره في معركة الجمل لم يسئ إليها ولم يؤذها، بل ردها مكرمة إلى بيتها، بعد أن عاتبها على خروجها الذي سبب فتنة للمسلمين، والذي ندمت عليه بعد ذلك ندما شديدا، وباتفاق الأمة جميعا سنتهم وشيعتهم، فقد قال الذهبي: (روى إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس قال: قالت عائشة وكانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها، فقالت: إني أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمحدثا، ادفنوني مع أزواجه فدفنت بالبقيع)، ثم علق على ذلك بقوله: (تعني بالحدث: مسيرها يوم الجمل؛ فإنها ندمت ندامة كلية وتابت من ذلك، على أنها ما فعلت ذلك إلا متأولة قاصدة للخير، كما اجتهد طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وجماعة من الكبار)([4])

وقال الزيلعي: (وأجمعوا على أن عليا كان مصيبا في قتال أهل الجمل، وهم طلحة، والزبير، وعائشة، ومن معهم، وأهل صفين، وهم معاوية، وعسكره، وقد أظهرت عائشة الندم، كما أخرجه ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب عن ابن أبي عتيق، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، قال: قالت عائشة لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن، ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟! قال: رأيت رجلا غلب عليك – يعني ابن الزبير- فقالت: أما والله لو نهيتني ما خرجت)([5])

بل إن الألباني ـ والذي يزعم الفريق الثاني من المبتدعة الجدد أنهم شيعة له ـ يقول بعد ذكره لحديث الحوأب: (وجملة القول أن الحديث صحيح الإسناد، ولا إشكال في متنه.. فإن غاية ما فيه أن عائشة لما علمت بالحوأب كان عليها أن ترجع، والحديث يدل أنها لم ترجع! وهذا مما لا يليق أن ينسب لأم المؤمنين. وجوابنا على ذلك أنه ليس كل ما يقع من الكمل يكون لائقا بهم، إذ لا عصمة إلا لله وحده. والسني لا ينبغي له أن يغالي فيمن يحترمه حتى يرفعه إلى مصاف الأئمة الشيعة المعصومين! ولا نشك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله، ولذلك همت بالرجوع حين علمت بتحقق نبوءة النبي صلى الله عليه وآله وسلمعند الحوأب، ولكن الزبير أقنعها بترك الرجوع بقوله: (عسى الله أن يصلح بك بين الناس) ولا نشك أنه كان مخطئا في ذلك أيضا. والعقل يقطع بأنه لا مناص من القول بتخطئة إحدى الطائفتين المتقاتلتين اللتين وقع فيهما مئات القتلى. ولا شك أن عائشة المخطئة لأسباب كثيرة، وأدلة واضحة، ومنها ندمها على خروجها، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها، وذلك مما يدل على أن خطأها من الخطأ المغفور بل المأجور)([6])

بعد هذا، فلو أن هذا الفريق من المبتدعة الجدد ـ بعد تقصيرهم في حق أئمتهم الذين يزعمون لأنفسهم الانتساب لهم – أعطوا مراجعهم وعلماءهم الذين أمروا بالرجوع إليهم حقهم من الاحترام، لتوقفوا عن تلك الجرأة العظيمة التي واجهوا بها نبيهم، وأثاروا الفتنة بسببها في أمته.

فكل مراجع الشيعة الكبار، وعلى مدار التاريخ، احترموا عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل احترموا عرض جميع الأنبياء، بل اعتبروا من عصمة النبي عصمة عرضه، ولذلك لم يسيئوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عرضه، حتى لو اختلفوا مع بعض أمهات المؤمنين بسبب حربهم للإمام علي.. لأن أمهات المؤمنين وإن عصموا في أعراضهم بسبب ارتباطهم بالمعصوم إلا أنهم ليسوا معصومين فيما عدا ذلك، وقد نص القرآن الكريم على ذلك، بل ذكر أن من نساء الأنبياء من وقع في الكفر ذاته.. وفرق كبير بين الكفر والفاحشة.. فالفاحشة ترتبط بعرض النبي، بخلاف الكفر وغيره، فلا علاقة لذلك بعرض النبي.. بل إن القرآن الكريم ذكر أن أبناء الأنبياء أنفسهم ليسوا معصومين من الكفر، وقد قص علينا من قصة ابن نوح عليه السلام ما يثبت ذلك، وقص علينا من أمر امرأة نوح ولوط ما يدل على ذلك أيضا.

ولا بأس أن نورد هنا للمبتدعة الجدد بفريقيهم كلام علم من أعلام الشيعة الكبار كنموذج عن موقف مراجع الشيعة من هذه البدعة الحادثة، والنماذج على ذلك أكثر من أن تحصر.

وهذا النموذج هو العلامة السيد شرف الدين الموسوي، وهو من أعلام الشيعة الكبار في هذا العصر، فقد قال في أجوبة مسائل جار الله: (من الوجوه التي اعتمد عليها الناصب موسى جار الله في تكفير الشيعة الإمامية أنهم يطولون ألسنتهم على عائشة، ويتكلمون في حقها من أمر الافك والعياذ بالله ما لا يليق بشأنها.. إلى آخر افكه وبهتانه.. والجواب أنها عند الامامية، وفي نفس الأمر والواقع أنقى جيبا، وأطهر ثوبا وأعلى نفسا وأغلى عرضا وامنع صوتا وارفع جنابا وأعز خدرا واسمى مقاما من أن يجوز عليها غير النزاهة أو يمكن في حقها الا العفة والصيانة، وكتب الامامية قديمها وحديثها شاهد عدل بما أقول، على أن أصولهم في عصمة الانبياء تحيل ما بهتها به أهل الافك بتاتا، وقواعدهم تمنع وقوعه عقلا ولذا صرح فقيه الطائفة وثقتها أستاذنا المقدس الشيخ محمد طه النجفي أعلى الله مقامه بما يستقل بحكمه العقل من وجوب نزاهة الأنبياء عن أقل عائبة ولزوم طهارة أعراضهم عن أدنى وصمة، فنحن والله لا نحتاج في براءتها الى دليل، ولا نجوز عليها ولا على غيرها من أزواج الأنبياء والأوصياء كل ما كان من هذا القبيل)

ثم نقل عن الشريف المرتضى علم الهدى ردا على من نسب الخنا الى امرأة نوح ـ كما يقول بذلك ابن تيمية نفسه ـ: (إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجب عقلا ان ينـزهوا عن مثل هذه الحال لأنها تعر وتشين وتغض من القدر، وقد جنب الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيما لهم وتوقيرا لكل ما ينفر عن القبول منهم)

ثم نقل الإجماع على ذلك، فقال: (وعلى ذلك اجماع مفسري الشيعة ومتكلميهم وسائر علمائهم)

ثم بين موضع انتقاد الشيعة لها، وهو مما يتفقون فيه مع السنة، فقال: (نعم ننتقد من أفعال أم المؤمنين خروجها من بيتها بعد قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } [الأحزاب: 33] وركوبها الجمل بعد تحذيرها من ذلك ومجيئها الى البصرة تقود جيشا عرمرما تطلب على زعمها بدم عثمان، وهي التي أمالت حربه وألبت عليه وقالت فيه ما قالت، ونلومها على أفعالها في البصرة يوم الجمل الأصغر مع عثمان بن حنيف وحكيم بن جبلة ونستنكر أعمالها يوم الجمل الأكبر مع أمير المؤمنين ويوم البغل حيث ظنت أن بني هاشم يريدون دفن الحسن المجتبى عند جده صلى الله عليه وآله وسلم فكان ما كان منها ومن مروان، بل نعتب عليها في سائر سيرتها مع سائر أهل البيت عليهم السلام)

وهذا الذي قاله شرف الدين الموسوي هو نفسه الذي تنص عليه كل المراجع الشيعية المعتمدة.. أما الروايات الباطلة التي اعتمدها عليها المغرضون فهي مرفوضة من جميع المراجع لمعارضتها العقل والفطرة والقرآن الكريم.

وبعد أن ظهرت هذه الفرية في وسائل الإعلام، وتبناها هؤلاء المبتدعة من الشيعة قام أعلام الشيعة الكبار بردود مفصلة، وفي القنوات الفضائية المختلفة، ومنهم العلامة السيد كمال الحيدري، الذي تكلم مفصلا عن هذه القضية في حينها، ففي شرحه لحديث الثقلين سندا ودلالة قال ما نصه: (الفرية الأخرى التي يحاولون في الآونة الأخيرة أن يلصقوها باتباع وعلماء مدرسة أهل البيت أن يقولون أن هؤلاء يطعنون في عرض النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بعبارة أخرى يقولون أن الشيعة يطعنون في أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم… ولا ينبغي لأحد ولا يصح من أحد أن يتكلم بأي أمر يسيء أو يهين أزواج النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أقل للقاعدة التي نحن تعلمناها (ألف عين لأجل عين تكرم) لما كُنَّ هؤلاء أزواج النبي فلا يمكن أن نشير إليهن أو نوجه إليهن شيء من الإهانة والإساءة فضلاً أن نطعن في عرض النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، يعني في عرض أزواج النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، هذا ليس منهج علماء مدرسة أهل البيت، علماء مدرسة أهل البيت كلهم يعتقدون أن أزواج النبي الأكرم بل أزواج جميع الأنبياء لا إشكال ولا شبهة أنه لا يصل إلى عرضهن شيءٌ من السوء والفحشاء والمنكر.. هذه حقيقة لابد أن يلتفت إليها المشاهد الكريم ولا يستمع إلى بعض هذه الأصوات النشاز التي تخرج على الفضائيات وتنسب نفسها إلى مدرسة أهل البيت، وأهل البيت منهم براء، ومدرسة أهل البيت منهم براء، هؤلاء لا يمثلون مدرسة أهل البيت، مجموعة من الجهلة وضعوا على رؤوسهم إما قطعة سواء أو بيضاء، وإلا فأنتم اذهبوا إلى حوزاتنا وكتبنا تجدون إصراراً من أكابر علمائنا على طهارة أعراض النبي صلى الله عليه وآله من أي فحشاء أو منكر)([7])

ثم أورد الكثير من النصوص عن المراجع الكبرى للشيعة، والتي تثبت براءتهم من ذلك الدجل الذي يبثه أدعياء التشيع الجدد.

وأحب أن أنبه هنا فقط إلى أن الروايات الواردة عن الشيعة في حادثة الإفك، وكونها مرتبطة بمارية القبط لا علاقة له باتهام عائشة، بل لو أننا تمعنا في الأمر، وتدبرناه بعقولنا لا بأهوائنا لوجدنا القول بذلك أكرم لعائشة، لأن هؤلاء الذين يتصورون أنهم يدافعون عن عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكرون في رواياتهم التي يعتقدون صحتها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راوده الشك في كون الأمر كما يذكر الأفاكون.. وفي ذلك تجويز لوقوع مثل هذا الأمر المستحيل في حق أزواج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

الفريق الثاني:

أما الفريق الثاني، فمبتدعة لا يقلون خطرا، ولا جفوة، ولا خفة عقل من مبتدعة الفريق الأول، فهم في جنونهم لا يختلفون عن ذلك الدب الذي أراد أن يذب الذباب عن وجه صاحبه، فأخذ صخرة فضرب بها رأسه، وقتله.

وهكذا يفعل هؤلاء المبتدعة بحجة حماية عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فقد كان بإمكانهم بدل أن يشهروا هذا الأمر على جميع وسائل الإعلام، وبدل أن يظهروا على القنوات كل حين، يتكلمون بما يعف اللسان عن ذكره، أن ينزلوا ذلك الحديث على أنفسهم قبل أن ينزلوه على نبيهم.

فلو أن مغمورا من الناس تعرض لعرض أمهاتهم أو أخواتهم.. هل كانوا يعالجون المشكلة في حينها، وبكل الوسائل، ويحاولون التستر على القضية قدر الإمكان.. أم أنهم يذهبون إلى وسائل الإعلام كل حين، وهم يصيحون بغباء: أمهاتنا طاهرات لم يرتكبن الفاحشة.. ثم يتصورون أنهم يمدحون أمهاتهم بذلك.. وهل يمدح أحد بكونه لم يرتكب الفاحشة؟

ولو أنهم كانوا صادقين لكان في إمكانهم أن يقوموا بالمظاهرات والمسيرات لإغلاق القنوات التي تبث مثل هذه التهم الخطيرة، وهي قنوات تصدر من بريطانيا وأمريكا، وللأسف تبث من خلال قمر النايلسات الذي أخرجت منه قناة المنار، بحجة أنها قناة شيعية.. مع أن قناة المنار كانت من أول القنوات التي وقفت في وجه هذه الفتنة، بل طلع السيد حسن نصر الله نفسه ليرد على هذه الفرية العظيمة..

ولكن هؤلاء لكذبهم ودجلهم وتجارتهم بأمثال هذه الأمور، يتركون لهذه القناة وغيرها من قنوات الفتنة أن تبث، من دون اعتراض عليها، ولا دعوة لإيقافها.. بل يدعون لإيقاف القنوات المعتدلة التي يتحدث فيها العقلاء، ويتبرؤون من أمثال هذه الأمور التي تحدث فتنا في الأمة.

بعد هذا، فإني أتحدى هؤلاء إن كانوا صادقين حقا أن يقوموا بحركات احتجاجية واسعة ضد كل جهة تتخذ من عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيلة للفتنة ولشق وحدة الأمة، وخاصة تلك القنوات التي تبث من بريطانيا وأمريكا..

فإن كانوا صادقين فليخرجوا لمطالبة إيقاف هذه القنوات التي لا تزال تبث سمومها كل حين..

ولكنهم لا يملكون من أمرهم شيئا.. لأن الذي يديرهم هو الذي يدير أمثال هذه القنوات لتأكل الأمة بعضها بعضا، وتجعل من عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طعاما شهيا تلتذ به نفوسهم الشيطانية المملوءة بالأحقاد.


([1]) الخصال 2/58.

([2]) الخصال 1/51.

([3]) أمالي الطوسي 2/55.

([4]) سير أعلام النبلاء: 3/ 462.

([5]) نصب الراية (4/ 69)

([6]) نصب الراية (4 / 69 – 70)

([7]) القسم السادس بتاريخ 29 / 11 / 2011.

د. نور الدين أبو لحية

كاتب، وأستاذ جامعي، له أكثر من مائة كتاب في المجالات الفكرية المختلفة، وهو مهتم خصوصا بمواجهة الفكر المتطرف والعنف والإرهاب، بالإضافة لدعوته لتنقيح التراث، والتقارب بين المذاهب الإسلامية.. وهو من دعاة التواصل الإنساني والحضاري بين الأمم والشعوب.. وقد صاغ كتاباته بطرق مختلفة تنوعت بين العلمية والأكاديمية والأدبية.

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *